شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار11%

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 502

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 502 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 198906 / تحميل: 10725
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

[ بغض أهل البيت ]

[١٠٩] وبآخر عن فضل بن عمرو : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : اشتدّ غضب الله على اليهود [ واشتد غضب الله على النصارى و ] اشتد غضب الله على من آذاني في عترتي.

[١١٠] وبآخر عن أبي سعيد الخدري ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : والذي نفسي بيده لا يبغضنا ـ أهل البيت ـ أحد إلا أكبّه الله على وجهه في النار.

[١١١] وبآخر عن جابر [ الانصاري ] إنه قال : كان(١) رجل يجفو علياعليه‌السلام فلقيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له : إنك قد آذيتني. فقال : بأي شيء يا رسول الله؟ قال : من جفا عليا فقد آذاني. فقال : لا والله لا أجفوه بعدها ابدا يا رسول الله.

[١١٢] وبآخر عنه قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعليعليه‌السلام : يا علي ، إنه لن يرد على الحوض مبغض لك ، ومن أحبك فهو يرد الحوض معك.

__________________

(١) وفي المناقب أيضا ٣ / ٢١٠ نقله جابر عن عمر بن الخطاب قال : كنت أجفو عليا.

١٦١

[ بين ابن عمر ومبغض لعلي ]

[١١] وبآخر عن ابن عمر : إن رجلا سأله عن عليعليه‌السلام ، فقال : إذا أردت أن تسأل عن عليعليه‌السلام ، فانظر الى منزله من منزل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أنزله فيه(١) فهذا منزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا منزل عليعليه‌السلام .

قال الرجل : فإني أبغضه. قال له ابن عمر : أبغضك الله عز وجل ، [ أتبغض رجلا سابقة من سوابقه خير من الدنيا وما فيها ](٢) .

[ زيد يتحدث ]

[١١٤] وبآخر عن بحر بن جعدة ، قال : إني لقائم وزيد بن أرقم على باب مصعب بن الزبير إذ تناول قوم علياعليه‌السلام . فقال زيد : اف لكم إنكم لتذكرون رجلا [ صلّى وصام ] قبل الناس سبع سنين(٣) .

وان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن الصدقة لتدفع سبعين نوعا من أنواع البلاء أهونها الجذام والبرص ، وإن البرّ ليزيد في العمر ، وإن الدعاء ليرد القضاء الذي قد أبرم إبراما. ومن أبغضنا أهل البيت

__________________

(١) هكذا في الاصل وفي الخصائص للنسائي ص ٢٠١.

(٢) هذه الزيادة موجودة في غاية المرام ص ٤٩٧ باب ١٩ الخبر ٢٤.

(٣) ولقد أجاد الحميري :

من فضله انه قد كان أول من

صلّى وآمن بالرحمن إذ كفروا

سنين سبعا وأياما محرمة

مع النبيّ على خوف وما شعروا

( حلية الأبرار للبحراني ١ / ٢٤٣ )

وما بين المعقوفين لم يكن في الأصل ونقله ابن عساكر في تاريخ دمشق ١ / ٦٩.

١٦٢

حشره الله يهوديا أو نصرانيا ، فقال جابر بن عبد الله : وإن صام وصلّى وحج البيت؟ قال : نعم. إنما فعل ذلك احتجازا أن يسفك دمه أو يؤخذ ماله أو يعطي الجزية عن يد وهو صاغر.

[١١٥] وبآخر عن عبد الله بن نجي. قال : قال لي عليعليه‌السلام : إن الحسن والحسين قد اشتركا في حبهما البرّ والفاجر ، وإنه كتب لي ألا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق.

[ حبّ أهل البيت تسقط الذنوب ]

[١١٦] وبآخر عن الحسينعليه‌السلام ، إنه قال : من أحبنا أهل البيت لله نفعه حبنا ، وإن كان أسيرا بالديلم ، ومن أحبنا للدنيا فإن الله يفعل ما يشاء. والله إن حبنا أهل البيت لتساقط الذنوب كما تساقط الريح الورق اليابس عن الشجر.

[ المنافق لا يحبّ عليا ]

[١١٧] وبآخر عن أبي الطفيل ، قال : سمعت علياعليه‌السلام يقول : لو ضربت المؤمن على خيشومه ما أبغضني ، ولو أعطيت المنافق الذهب والفضة ما أحبني.

[١١٨] وبآخر عن أبي جعفر محمّد بن عليعليه‌السلام عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنه قال : إن الله [ تعالى ] عهد إليّ عهدا ، فقلت : يا رب بيّنه لي. فقال : اسمع. [ ف ] قلت : قد سمعت. فقال : يا محمد ، إن عليا راية الهدى بعدك وإمام أوليائي ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمه الله المتقين ، فمن أحبه فقد أحبني ، ومن أبغضه فقد

١٦٣

أبغضني ، فبشره بذلك(١) .

[ لعن علي ]

[١١٩] وبآخر عن مالك بن ضمرة ، قال : قال علي صلوات الله عليه : ألا إنكم ستعرضون على لعني ودعائي [ كذبا ](٢) فمن [ لعنني ] منشرح الصدر [ بلغني فلا حجاب بينه وبين الله ولا حجة له عند محمد ](٣) ومن لعنني كارها مكرها يعلم الله من قلبه ذلك ، جئت أنا وهو يوم القيامة كهاتين ـ وجمع بين [ السبابة ](٤) والوسطى ـ ألا وان محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بيدي هذه ، فقال : من بايع هؤلاء الخمس ثم مات [ وهو ] يحبك فقد قضى نحبه ، ومن مات وهو يبغضك [ مات ميتة جاهلية ] ويحاسب بما عمل في الإسلام ، ومن بقى بعدك وهو يحبك ، ختم الله له بالأمن والايمان ما طلعت شمس وما غربت.

وهذا مما أثبتناه في هذا الكتاب مما آثره الطبري ـ الذي قدمنا ذكره ـ وذلك كله من الثابت الصحيح المأثور(٥) عن عليعليه‌السلام ، وفيه وفي خبر واحد من هذه الإخبار حجة لله عز وجل على من روى

__________________

(١) وأضاف في حلية الأبرار للبحراني ١ / ٦٦ : فجاء علي فبشرته. فقال : يا رسول الله انا عبد الله وفي قبضته فان يعذبني فبذنبي وان يتم لي الذي بشرتني به فالله اولى بي. قال : فقلت : اللهمّ اجل قلبه واجعل ربيعه الايمان. فقال الله : قد فعلت به ذلك. ثم انه رفع الى انه سيخصّه من البلاء بشيء لم يخصّ به أحدا من أصحابي. فقلت : يا رب أخي وصاحبي. فقال : إن هذا لشيء قد سبق وانه مبتلى ومبتلى به.

(٢) وفي الاصل : كذابا.

(٣) وفي الاصل بين المعقوفين : فلا حاجة لي عند محمد.

(٤) وفي الاصل : المسبحة.

(٥) اي ينقله خلف عن سلف.

١٦٤

ذلك ، وانتهى إليه ، ثم قدم على عليعليه‌السلام أحدا من البشر.

[١٢٠] وما آثرناه مما يدخل في هذا الباب ما روي عن الحسين بن عليعليه‌السلام إنه قال : من أحبنا أهل البيت بقلبه وجاهد معنا بلسانه ويده فهو معنا في الجنة في الرفيق الأعلى ، ومن أحبنا بقلبه وجاهد معنا بلسانه وضعف عن أن يجاهد معنا بيده فهو معنا في الجنة دون تلك ، ومن أحبنا بقلبه وضعف عن أن يجاهد معنا بلسانه ويده فهو معنا في الجنة دون ذلك ، ومن أبغضنا بقلبه وأعان علينا بلسانه ويده فهو في الدرك الأسفل من النار ، ومن أبغضنا بقلبه ولسانه وكفّ عنا يده فهو في النار فوق ذلك ، ومن أبغضنا بقلبه وكفّ عنا لسانه ويده فهو في النار فوق ذلك.

[ أمير المؤمنين ينعى نفسه ]

[١٢١] ومما آثرناه عن أبي جعفر عبد الله بن محمّد بن علي بن عطية الدغشي المحازني باسناده عن الأصبغ بن نباتة ، قال : لما اصيب عليعليه‌السلام وضربة ابن ملجم لعنه الله ـ الضربة التي مات منها ـ لزمناه يومه ذلك ، وبتنا عنده ، فاغمي عليه في الليل ، ثم أفاق فنظر إلينا ، فقال : وانكم لهاهنا؟ قلنا : نعم يا أمير المؤمنين. قال : وما الذي أجلسكم؟ قلنا : حبك. قال : والله الذي أنزل التوراة على موسى ، والإنجيل على عيسى ، والزبور على داود والفرقان على محمّد صلوات الله عليه وعليهم ما أجلسكم إلا ذلك. قلنا : نعم. قال : فخفوا ، فخفّ بعض القوم ، ثم اغمي عليه ، ثم أفاق ، فقال : ما أجلسكم؟ قلنا : حبك يا أمير المؤمنين. قال : أما والذي أنزل التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود والفرقان على محمد صلوات الله عليه وعليهم لا يحبني عبد إلا ورآني حيث

١٦٥

يسره ، ولا يبغضني عبد إلا رآني حيث يسؤه ـ ارتفعوا ـ(١) فإن رسول الله صلوات الله عليه وعليهم أخبرني إني اضرب ليلة تسع عشرة من شهر رمضان في الليلة التي مات فيها وصيّ موسىعليه‌السلام (٢) ، وأموت في الليلة احد [ ى ] وعشرين منه في الليلة التي رفع فيها عيسىعليه‌السلام .

قال الأصبغ : فمات والذي لا إله إلا هو فيها. كما قال.

[ أفضل الأعمال ]

[١٢٣] وعنه باسناد آخر له عن يحيى بن كثير [ الضرير ] رأيت زبيد [ بن الحارث ] الأياميّ(٣) في المنام بعد أن مات. فقلت له : ما ذا سرت إليه [ يا أبا عبد الرحمن ]؟ قال : الى رحمة الله. قلت : فأي عملك وجدت أفضل؟ قال : الصلاة وحبّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

[ ببغض علي نعرف المنافق ]

[١٢٣] وبآخر عن أبي سعيد الخدري. قال : إنما كنا نعرف منافقي الانصار ببغضهم عليا(٤) .

[ بحبّ علي نختبر أولادنا ]

[١٢٤] وسأل رجل عبادة بن صامت عن علي صلوات الله عليه ، قال : أما نحن معاشر الأنصار من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فانا نختبر أولادنا بحبه فمن لم يحبه منهم عرفنا إنه ليس منا.

__________________

(١) هكذا في الاصل ، ولعلها تفرقوا.

(٢) يوشع بن نون.

(٣) وفي بحار الانوار ٣٩ / ٢٥٩ : النامي

(٤) هكذا في المناقب لابن شهرآشوب ٣ / ٢٠٧

١٦٦

[ أمّ سلمة وسبّ علي ]

[١٢٥] أبو إسحاق [ السبيعي ] قال : حججت وأنا غلام. فمررت بالمدينة [ فرأيت الناس عنقا واحدا ] فسألتهم ، فقالوا : نريد أمّ سلمة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسمع منها. فأتبعتهم حتى دخلنا إليها. فحدثتنا. ثم نادت يا [ شبث ](١) بن ربعي فأجابها رجل من آخر الناس(٢) : أن لبّيك يا أمّ المؤمنين. قالت : أيسبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ناديكم؟ قال : معاذ الله. قالت : فعلي بن أبي طالب؟ قال : إنهم يقولون شيئا يريدون به عرض [ هذه ] الدنيا. قالت : فاني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من أحبّ عليا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحبه الله ، ومن سبّ عليا فقد سبني ومن سبني فقد سبّ الله.

[ الرسول وسبّ علي ]

[١٢٦] وبآخر عن أبي جعفر صلوات الله عليه ، قال : بلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قوم إنهم يسبون علياعليه‌السلام فغضب لذلك غضبا شديدا ـ وهو على ذلك يذكره مع أصحابه ـ حتى أقبل عليعليه‌السلام ، فأجلسه الى جانبه ، ثم قال : إنكم لن تدخلوا الجنة حتى تحبوني ، وكذب من زعم إنه يحبني ويبغض هذا ـ ووضع يده على عليعليه‌السلام ـ.

[١٢٧] زيد بن أرقم. قال : دخلت على أمّ سلمة. فقالت : من أين أنت؟

__________________

(١) وفي الأصل : شبيب.

(٢) وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق ٣١٨ : فأجابها رجل جلف جاف. وكذا في كنز العمال ٦ / ٤٠١ مستدرك الصحيحين ٣ / ١٢١.

١٦٧

قلت : من أهل الكوفة. قالت : أنت من الذين يسبّ فيهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قلت : لا والله يا أمّ المؤمنين ، ما سمعت أحدا فينا يسبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قالت : بلى. والله إنهم يقولون : فعل الله بعلي ، وصنع به وبمن يحبه ، وقد كان والله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبه ، وكان أحبّ الناس إليه.

[ الأصبغ وابن هود ]

[١٢٨] وبآخر عن الأصبغ بن نباتة ، قال : لقيني محبس بن هود ، فقال : يا أصبغ ، كيف أنت وأخوك أبو تراب الكذاب؟ فقلت : لعن الله شرّكما أبا وامّا وخالا وعما ، أما إني سمعت علياعليه‌السلام يقول : وبارئ النسمة وفالق الحبة وناصب الكعبة لا يبغضني إلا ولد زنا ، أو من حملت به أمه [ وهي ](١) حائض ، أو منافق. أما إني أقول : اللهمّ خذ محبسا أخذة رابية لا تبقي له في الارض باقية.

قال : فما كان إلا بعض أيام حتى دخل اصطبلا فيه دواب ، فانفلتت [ دابة ] فرمحته(٢) بأرجلها ، فقتلته.

[ البراءة من أمير المؤمنين ]

[١٢٩] وبآخر عن أبي صالح مولى عاص(٣) . قال : أتيت علياعليه‌السلام وأنا مملوك. فقلت : ابايعك ، يا أمير المؤمنين فقال : أحرّ أنت؟ قلت : بل مملوك. فقبض يده عني. فقلت : ابايعك يا أمير المؤمنين على أني إن شهدت معك نصرتك وإن غبت عنك نصحتك. قال : فبايعني على

__________________

(١) وفي الاصل ـ وهو ـ.

(٢) أي ضربته.

(٣) وفي نسخة ـ ب ـ مولى عياص.

١٦٨

ذلك. ثم قال : سيظهر عليكم بعدي رجل ، وإنه سيعرضكم على سبي والبراءة مني ، فان خفتموه فسبوني ، فانما هي زكاة ونجاة وإن سألكم [ البراءة مني ](١) فلا تبرءوا مني فاني على الفطرة.

[١٣٠] بآخر عن سعد بن ظريف. قال : أخذ الحجاج همدان مؤذن عليعليه‌السلام . فقال له : ابرأ من علي واشتمه. فقال : لا والله لا أبرأ ممن أدّبني صغيرا وعلّمني كبيرا. فقتله.

__________________

(١) أورده المفيد في الإرشاد ص ١٦٩.

١٦٩

[ صعصعة مع معاوية ]

[١٣١] وبآخر عن تميم بن مالك القرشي إنه قال : كتب معاوية بن أبي سفيان الى زياد : أن ابعث لي خطباء أهل العراق : وابعث إليّ صعصعة بن صوحان. ففعل. فلما قدموا على معاوية خطبهم. فقال : [ مرحبا بكم يا أهل العراق ] قدمتم على إمامكم ، وهو جنة لكم يعطيكم مسألتكم ، ولا يعظم في عينه كبيرا ، ولا يحقر لكم صغيرا ، وقدمتم على أرض المحشر والمنشر والأرض المقدسة وأرض هجرة الأنبياء. ثم قال في خطبته : ولو أن أبا سفيان ولد الناس كلهم لكانوا أكياسا.

ولما فرغ من خطبته ، قال لصعصعة : قم واخطب يا صعصعة. فقام صعصعة : فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال : إن معاوية ذكر إنا قدمنا على إمامنا وهو جنة لنا فما يكون حالنا اذا انخرفت الجنة ، وذكر إنا قدمنا على أرض المحشر والمنشر والأرض المقدسة وأرض هجرة الأنبياء. فالمحشر والمنشر لا يضرّ بعدهما مؤمنا ولا ينفع قربهما كافرا. والأرض لا تقدس أحدا ، وانما يقدس العباد أعمالهم. ولقد وطأها من الفراعنة أكثر مما وطأها من الأنبياء. وذكر إن أبا سفيان لو ولد الناس كلهم لكانوا أكياسا ، فقد ولدهم من هو خير من

١٧٠

أبي سفيان آدم ( صلوات الله عليه ) فولد الكيس والأحمق [ والجاهل والعالم ].

ـ فغضب معاوية ـ وقال : اسكت لا أمّ لك ولا أب ولا أرض(١) .

فقال صعصعة : الأب والامّ ولداني ومن الأرض خرجت وإليها أعود.

فأمر بردّه الى زياد ، ثم كتب إليه : أقمه للناس وأمره أن يلعن علياعليه‌السلام ، فان لم يفعل ، فاقتله. فأخبره زياد بما أمره به فيه وأقامه للناس. فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال : أيها الناس إن معاوية أمرني أن ألعن عليا فالعنوه لعنه الله ، ونزل.

فقال زياد لصعصعة : لا أراك لعنت إلا أمير المؤمنين. قال : إن تركتها مبهمة وإلا بينتها. قال [ زياد ] : لتلعنن عليا ، وإلا نفذت فيك أمر أمير المؤمنين ، فصعد المنبر. فقال : أيها الناس إنهم أبوا عليّ إلا أن أسبّ علياعليه‌السلام وقد ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سبّ عليا فقد سبني ومن سبني فقد سبّ الله )(٢) ، وما كنت بالذي أسبّ الله ورسوله. فكتب زياد بخبره الى معاوية. فأمره بقطع عطائه وهدم داره. ففعل.

فمشى بعض الشيعة الى بعضهم ، فجمعوا له سبعين الفا.

[ أقول : ]

__________________

(١) وفي رواية اخرى قال له معاوية : والله لأجفينك عن الوساد ولأشردن بك في البلاد. فقال صعصعة : والله إن في الارض لسعة وان في فراقك لدعة ( اعيان الشيعة مجلد ٧ / ٣٨٨.

(٢) وقد مرّ هذا الحديث عن أمّ سلمة رقم الحديث ٦٠.

١٧١

والأخبار عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علي والائمة الهدى من أهل بيته في الأمر بمودتهم والنهي عن بغضهم والبراءة من [ أعدائهم ] تخرج عن حدّ هذا الكتاب.

وقد ذكرنا منها ما في بعضه كفاية لمن أراد الله عز وجل [ ان ] يهديهم ويشرح للايمان صدورهم ، وكل ذلك كتاب لله شاهد له بنصّ الله جلّ ذكره فيه على ذلك ، وقد قال جلّ من قائل : «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » (١) .

[ آية المودة ]

[١٣٢] وجاء في تفسير ذلك : إن الأنصار اجتمعوا الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا : يا رسول الله إنك قد جئتنا بخير الدنيا والآخرة وهذه أموالنا خذها إليك جزاء لما جئتنا به أو ما شئت منها ، فأنزل الله عز وجل «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ». يعني على ما جئتكم به إلا المودة في القربى.

[ ابن عباس وآية المودة ]

[١٣٣] قال عبد الله بن عباس : فلما نزل ذلك اجتمع الناس الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا : يا رسول الله من قرابتك الذين فرض الله عز وجل علينا مودتهم؟ فقال : علي وفاطمة وولدهما.

فنصّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بيان ذلك من قرابته المذكورة مودتهم والمأثور بها ، وروى ذلك عبد الله بن العباس وهو واحد القرابة ،

__________________

(١) الشورى : ٢٣.

١٧٢

وأخرج نفسه بذلك من القرابة المفروضة مودتهم. وزعم من أراد دفع ذلك عداوة لهم إن ذلك إنما هو إن العرب بأسرها قرابة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأمرهم عز وجل بمودتهم لقرابته منهم.

والقرآن يشهد على إبطال هذا القول لأن الله عز وجل قال : «ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » فكان الخطاب بذلك لجميع المؤمنين من العرب والعجم وغيرهم ، فمودة علي وذريته الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين فرض من الله عز وجل على جميع المؤمنين فمن أبغضهم أو عاداهم أو سبّهم أو آذاهم فقد خرج من جملة المؤمنين وخالف أمر الله جلّ ذكره وكتابه وما افترضه فيه على المؤمنين من عباده. عصمنا الله وجميع المؤمنين والمؤمنات من ذلك أجمعين. برحمته إنه أرحم الراحمين وخير الغافرين.

تمّ الجزء الأوّل من كتاب شرح الأخبار في فضائل الائمة الأطهار

والحمد لله ربّ العالمين

وصلّى الله عليه سيّدنا محمّد ووصيّه وآلهما الطاهرين

١٧٣

١٧٤

١٧٥

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله وحده وصلّى الله على محمّد وآله

١٧٦

[ سبق علي صلوات الله عليه الى الإسلام ]

[١٣٤] الدغشي بإسناده ، عن حبة العرني ، قال : نزلت النبوة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الإثنين ، وصلّى عليعليه‌السلام معه يوم الثلاثاء.

[١٣٥] وبآخر عن [ ابن ](١) يحيى ، قال : قال عليعليه‌السلام : صلّيت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاث سنين قبل أن يصلّي معه أحد.

[١٣٦] وبآخر عن حبة العرني ، قال : [ رأيت عليا ( صلوات الله عليه ) ضحك على المنبر لم أره ضحك ضحكا أكثر منه حتى بدت نواجذه. ثم ](٢) قال عليعليه‌السلام : بينما أنا ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببطن نخلة نصلّي إذ ظهر علينا أبو طالب. فقال : ما تصنعان يا ابن أخي؟ فدعاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورغبة في الإسلام. فقال : ما أرى بالذي تقول وتصنع بأسا ، ولكن والله ما تعلوني استي أبدا. ثم قال عليعليه‌السلام : اللهمّ لا أعرف عبدا من هذه الامة عبدك قبلي غير

__________________

(١) وهو عبد الله بن يحيى وفي الاصل : عن يحيى. أقول : ولعله عبد الله بن نجي ، هو من أصحاب أمير المؤمنين وصاحب مظهرته.

(٢) بين معقوفين موجود في غاية المرام ص ٥٠٣ راجع تخريج الأحاديث لهذا الجزء.

١٧٧

نبيها(١) ، يقولها ثلاث مرات ، ثم قال : لقد صلّيت قبل أن يصلّي أحد سبعا ، يعني سبع سنين.

[١٣٧] وبآخر ، عن مروان [ و ](٢) عبد الرحمن التميمي [ قالا ] : مكث الإسلام سبع سنين ليس فيه إلا ثلاثة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخديجة رضوان الله عليها وعليعليه‌السلام .

[١٣٨] وبآخر عن سلمان الفارسيرحمه‌الله إنه قال : إن أول هذه الامة ورودا على نبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولها إسلاما علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، وإن هذا البيت يخرب على يد رجل من ولد الزبير ـ حدث بذلك قبل أن يكون ـ.

[١٣٩] وبآخر عنه أيضا ، إنه قال : وردت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو على رأس ركيّ ، فقال لي : يا سلمان. قلت : لبيك يا رسول الله. قال : أما إنك من أهل الجنة ، وان أول امتي ورودا عليّ الحوض يوم القيامة علي بن أبي طالب. قلت : يا رسول الله قبل أبي بكر وعمر. قال : نعم ، إنما يردون على إسلامهم ، يا سلمان إنه من سبّح الله تسبيحة أو هلّله تهليلة ، أو كبّره تكبيرة ، أو حمده تحميدة ، غرس الله عز وجل له بها شجرة في الجنة أصلها من ذهب ، وفرعها من اللؤلؤ مكلّلة بالياقوت ثمرها كثدي الابكار أحلى من الشهد وألين من الزبد ، كلما جنى منها شيء عاد مكانه مثله.

[١٤٠] وبآخر عن أبي الجحّاف عن رجل ذكره ، قال : دخلنا على أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في الرحبة(٣) ، فأصبناه على سرير قصير.

__________________

(١) وفي مسند أحمد بن حنبل ١ / ٩٩ : نبيك.

(٢) وفي الاصل : عن مروان بن عبد الرحمن التميمي. وكذا في نسخة ـ ب ـ.

(٣) الرحبة : قرية بحذاء القادسية على مرحلة من الكوفة على يسار الحجاج إذا أرادوا مكة.

١٧٨

قال : وما جاء بكم؟ قلنا : حبّك يا أمير المؤمنين. قال : إنه ما أحبني أحد إلا رآني حيث يحب ، وما أبغضني أحد إلا رآني حيث يبغض. ثم قال : والله ، ما عبد الله رجل قبلي مع نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ذكور هذه الامة ، ثم ضحك وأعرض بوجهه ، وقال : أتدرون ممّ ضحكت؟ قلنا : لا. قال لما ذكرت عرض بي قول أبي طالب ، وقد هجم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا معه ونحن [ لله ](١) ساجدون. فقال : أو فعلتماها. ثم أخذ بيدي فقال : انظر كيف تنصره يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعل يرغّبني في ذلك ويحضّني عليه ، فلما رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك طمع في إسلامه ، فدعاه إلى الإسلام ، فقال : يا ابن أخي والله ما أراك تدعو إلا إلى خير ، فأما أن تعلو استي رأسي فلا يعنى السجود ، فضحكت إذ تذكرت قوله هذا(٢) .

[١٤١] وبآخر ، عن سعيد ، قال : أسلم عليعليه‌السلام وهو ابن ثمان سنين وهاجر وهو ابن ثمان عشر سنة وشهد بدرا ، فقتل من قتل يومئذ وكان ما كان منه وهذه سنّه.

[١٤٢] وبآخر ، عن عفيف ( أخ الأشعث بن قيس ) قال : أتيت [ في الجاهلية ] مكة لأبتاع [ لأهلي ] من عطرها وثيابها ، فبينا أنا مع العباس بن عبد المطلب جالسا في المسجد إذ نظرت الى شاب قد أقبل وقد حلقت(٣) الشمس ، فجعل ينظر إليها نحو السماء ، ثم توجه الى البيت ثم

__________________

(١) وفي الأصل : له ساجدون.

(٢) ولا يخفى أن جملة : فلما رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما بعدها لم تكن في رواية النهج لابن أبي الحديد راجع تخريج الأحاديث. علما بأنا في الجزء ١٣ ذكرنا بعض الأحاديث تبعا للمؤلف حول إيمان أبي طالب.

(٣) أي ارتفعت.

١٧٩

جاء غلام فوقف الى جانبه ثم جاءت امرأة فوقفت خلفهما ، فركع الشاب وركعا ، وسجد فسجدا حتى أتمّ الصلاة ، فقلت للعباس : أني أرى أمرا عظيما ، قال : نعم ، هذا الشاب وهو محمد بن عبد الله ابن أخي ، وهذا الغلام ابن أخي أيضا علي بن أبي طالب. قلت : فالامرأة؟ قال : خديجة بنت خويلد زوج محمد هذا. وإنه زعم إن الله رب السماوات والأرض بعثه رسولا بهذا الدين ، ودعا إليه ، فلم يجبه إلا من ترى(١) .

[١٤٣] وبآخر ، عن الحسن بن علي ( صلوات الله عليهما ) ، إنه خطب الناس بعد أن اصيب علي صلوات الله عليه فقال : لقد قتل أمس رجل ما سبقه الأولون بعمل ، ولا يدرك الآخرون مثله(٢) ، لقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبعثه في السرية ، فيقول : أما(٣) إن جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وملك الموت أمامه فليس يقاتل أحد إلا قتله ، ولا يروم فتح شيء إلا فتحه الله على يديه ، ما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت عنده من عطائه أعدها لخادم(٤) .

[١٤٤] وبآخر ، عن عبد الوهاب بن محمد ، عن أبيه ، إنه قال : كل آية في القرآن ـ «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » ـ فعليعليه‌السلام رأسها ، لأنه أول من آمن بالله ورسوله من جميع المؤمنين.

[١٤٥] وبآخر ، عن أبي بكرية ، عن عمر بن أميّة ، قال : مكث الإسلام

__________________

(١) وفي مسند أحمد بن حنبل ( ١ / ٢٠٩ ) أضاف : ولا والله ما على الأرض كلها أحد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة.

(٢) وفي كفاية الطالب ص ٩٢ : ولا يدركه الآخرون.

(٣) وفي أمالي الصدوق ص ٢٦٢ : في السرية فيقاتل جبرائيل عن يمينه.

(٤) وفي خصائص أمير المؤمنينعليه‌السلام للرضي ص ٥٤ : فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله. وفي كفاية الطالب : خادما لام كلثوم.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

الإنتساب إلى النّبيّ

ليس من شك أنّ القربى من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليست بالشّيء اليسير ، ولكن ما هي هذه القربى؟. وبأي شيء ينال الإنسان شرفها؟. هل يناله لمجرد الإنتساب بالولادة إلى محمّد ، أو لا بدّ من شيء آخر؟.

الجواب :

أنّ من انتسب إلى رسول الله بالولادة أشبه بمن انتسب إلى الإسلام ، لنطقه بالشّهادتين فمن قال : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله تصحّ نسبته شرعا إلى الإسلام ، ولو فعل ما فعل وكذا من ولدته فاطمة الزّهراءعليها‌السلام تصّح نسبته إلى محمّد واقعا ، ولغة ، وعرفا ، ولو كان بينه وبينه ألف واسطة وواسطة(١) .

ولكن إذا اعتبر الإسلام الشّهادتين أساسا وركنا من أركانه ، فليس معنى ذلك أنّ هذه هي حقيقة الإسلام ، وكفى ، وأنّه في واقعة لا يعدو الشّكل والكلام ، كيف؟. ولو كانت هذه حقيقته ، وهذا واقعه لإستوى عند الله سبحانه الأئمّة والمقلّدون ، والمجاهدون ، والمتخلفون ما داموا جميعا يشهدون لله بالوحدانية ، ولمحمّد بالرّسالة.

__________________

(١) وقيل : مع كثرة الواسطات تصّح النّسبة لغة ، لا عرفا ، لأنّه مع بعد الزّمن وطول السّلسلة تكون النّسبة إلى الجدّ الأوّل تماما كنسبة أبناء هذا الجيل ومن بعده إلى أبي البشر آدم.

٢٨١

أنّ المسلم منه العالم والجاهل ، ومنه العادل وغير العادل ، ومنه المجاهد والقاعد ، ولكلّ درجته ومرتبته عند الله سبحانه ، وأحكامه الخاصّة في هذه الحياة فالعالم يرجع إليه في معرفة الشّريعة وفصل الخصومات ، والعادل يؤتّم به في الصّلاة ، ويؤخذ بحديثه وشهادته ، والمجاهد يعطي الأفضليّة في كثير من الحقوق الماديّة والأدبيّة.

أجل ، هناك آثار وأحكام تعم الجميع بالسّواء ، وبدون استثناء ، فكلّ من قال : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله حفظ ماله ودمه ، وجرت عليه أحكام الزّواج والمواريث ، وكان له ما للمسلمين ، وعليه ما عليهم في الشّؤون العامّة وكذلك من انتسب بالولادة من طريق الأب إلى هاشم منه الصّالح والطّالح ولكلّ درجته وأحكامه الخاصّة ، ويشترك الجميع في بعض الأحكام من أخذ الأخماس ، والنّذورات ، والأوقاف الخاصّة بالسّادات المنتسبين ، وحرمان المنتسب من الزّكاة إلّا من منتسب مثله(١) . هذا ما يمتاز به المنتسب على غيره يأخذ من أموال الأغنياء ما يسد به حاجته وكفى أمّا أن يفخر ويعتز ، أمّا أن يشمخ ويعلو لمجرد الإنتساب فلا.

وهنا سؤال يفرض نفسه ، وهو إذا كان الأمر كذلك ، فعلام أمر الله ورسوله بمودّة القربى وطاعتهم والتّمسك بحبلهم؟.

ونجد الجواب في خطبة خطبها الحسينعليه‌السلام في مكّة وهو متوجّه إلى العراق ،

__________________

(١) يقول الشّيعة : أنّ لله حقوقا في أموال الأغنياء تنفق على المعوزين ، وفي وجوه البر والصّالح العام ، ويقسمون هذه الحقوق على نوعين : نوع يسمّونه الزّكاة ، وآخر يسمّونه الخمس ، وللفقير المنتسب إلى هاشم من طريق الأب إن يأخذ من الخمس ، سواء أكان الغني الّذي يعطي الخمس منتسبا أو غير منتسب ، أمّا الزّكاة فليس للمنتسب أن يأخذ منها إلّا إذا كان المعطي لها منتسبا مثل الآخذ.

٢٨٢

فقد جاء فيها : «الحمد لله ما شاء الله ، ولا قوّة إلّا بالله ، وصلّى الله على رسوله ، خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النّواويس ، وكربلاء فيملأنّ منّي أكراشا جوفا ، وأجربة سغبا ، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصّابرين ، لن تشذّ عن رسول الله لحمته بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقرّبهم عينه ، وينجز بهم وعده ، من كان باذلا فينا مهجته ، وموطّنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإنّني راحل ، مصبحا إنّ شاء الله تعالى»(١) . فالقربى الّذين أمر الله بمودّتهم وطاعتهم هم أهل بيت الرّسول خاصّة ، وليس كلّ من انتسب إلى النّبيّ أو إلى جدّه هاشم بالولادة وأهل بيته هم الّذين لا يشذون عنه في قول أو فعل ، هم المثل الأكمل لشخص الرّسول وعلومه وأخلاقه ، وجميع مبادئه ، فإذا تكلموا نطقوا بلسانه ، وإذا فعلوا عبّروا عن رسالته ، ولا شيء أدل على ذلك من حديث الثّقلين الّذين أوجب التّمسك بهم ، تماما كما أوجب التّمسك بكتاب اللهعزوجل .

وهل لمنتسب ـ غير الأئمّة الأطهار ـ أن يدّعي ويقول تجب مودّتي وطاعتي على النّاس محتجّا بهذا الحديث وآية التّطهير وما إليهما؟

أنّ الّذين تجب طاعتهم ومودّتهم هم آل البيت الّذين حدّدهم سيّد الشّهداء بقوله : «رضا الله رضانا أهل البيت» ثمّ أومأ إلى سبب هذا الرّضا بقوله : «لن تشذّ عن رسول الله لحمته» فهم من الرّسول ، والرّسول منهم ، وهو لا يغضب ولا

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

٢٨٣

يرضى إلّا لله فهم كذلك ، حيث لا شذوذ ولا انفصال.

وبالتالي ، فإنّ الإنتساب إلى النّبيّ بالإسم واللّفظ يصحّ لمجرد الولادة ، أمّا الإنتساب إليه بالرّوح فيبحث ـ أوّلا وقبل كلّ شيء ـ عن دلائله في النّوايا والأعمال الّتي ترضي الله سبحانه ، لا في سلسلة الآباء والأجداد.

٢٨٤

في بيت فاطمة

ولدت زينب الحوراء في بيت لا شيء فيه من الدّنيا وزخرفها ، وفيه من التّقى والصّلاح كلّ شيء رأت النّور في هذا البيت الطّاهر الّذي ضمّ أباها سيّد الوصيّين ، وأمّها سيّدة نساء العالمين(١) ، وأخويها ريحانتي رسول ربّ العالمين(٢) استقبل بيت فاطمة أبناءه الثّلاثة في ثلاث سنوات : الحسن سنة (٣ ه‍) ، والحسين سنة (٤ ه‍) ، وزينب سنة (٥ ه‍)(٣) .

__________________

(١) انظر ، مسند أحمد : ٥ / ٣٩١ ، و : ٣ / ٣ و ٦٢ و ٨٢ ، صحيح التّرمذي : ٢ / ٣٠٦ ، و : ٥ / ٣٢٦ باب ١١٠ ح ٣٨٧٠ ، كنز العمّال : ١٢ / ١١٢ و ٦ / ٢١٧ و ٢١٨ ، تأريخ دمشق : ٧ / ١٠٢.

(٢) هذه الكلمة مأخوذة من سورة الواقعة ٨٨ و ٨٩ :( فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) . ويشير إليها بقوله «من الدّنيا» فهو ريحانة رسول الله في الدّنيا في قبال ريحان الجنّة في الجنّة للمقّربين. انظر ، مطالب السّؤول في مناقب آل الرّسول : ٢٤٠ ، صحيح البخاري : ٢ / ١٨٨ ، و : ٤ / ٢١٧ ، سنن التّرمذي : ٥٣٩ ، خصائص النّسائي : ٢٦ ، الإستيعاب : ١ / ٣٨٥. صحيح التّرمذي : ٢ / ٣٠٦ ، ٥ / ٣٢٢ / ٣٨٥٩ ، البخاري في الأدب المفرد : ١٤ ، مسند أحمد : ٢ / ٨٥ و ٩٣ و ١١٤ و ١٥٣ ، مسند الطّيالسي : ٨ / ٢٦٠ ، حلية الأولياء : ٥ / ٧٠ ، و : ٣ / ٢٠١ ، خصائص النّسائي : ٣٧ ، فتح الباري في شرح البخاري : ٨ / ١٠٠ ، كنز العمّال : ٦ / ٢٢٠ ـ و ٢٢٢ ، و : ٧ / ١٠٩ و ١١٠ ، و : ١٢ / ١١٣ / ٣٤٢٥١ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٨١ ، ذخائر العقبى : ٤١ ، مستدرك الصّحيحين : ٣ / ١٦٥ ، الرّياض النّضرة : ٢ / ٢٣٢ ، الصّواعق المحرقة : ١٩١ ب ١١ فصل ٣ ، مودّة القربى : ٣٤ ، ينابيع المودّة : ٢ / ٤٨ و ٣٧ و ٣٢٩ ، و : ٣ / ١٠ طبعة اسوة.

(٣) تقدّمت تخريجاته. وانظر ، السّيرة لابن إسحاق : ٢٢٦ ، صحيح البخاري : ٣ / ١٣٦٠ ح ٣٥٠٦ و : ـ

٢٨٥

وكان النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يصبر عن بيته هذا ، ولا يشغله عنه شاغل ، بخاصّة بعد أن نبتت فيه رياحينه فإذا دخله قبل هذا ، وشمّ ذاك ، وابتسم لتلك ودخله ذات يوم فأخذ الحسن وحمله ، فأخذ عليّ الحسين وحمله ، فأخذت فاطمة زينب وحملتها(١) ، فاهتزّت أركان البيت طربا لجو الصّفوة المختارة ، وابتهاج الرّسول بآله ، وابتهاجهم به وتدلنا هذه الظّاهرة وكثير غيرها أنّ محمّدا كان أكثر الأنبياء غبطة وسعادة بأهل بيته ، كما أنّه كان أشدّهم بلاء بقومه من أمثال أبي جهل ، وأبي سفيان.

ولدت الحوراء في هذا البيت ، حيث كان النّبيّ يبتهج ، وينعم فيه بالسّكينة والإطمئنان ، ورضعت من ثدي الطّهر ، من بضعة الرّسول الأعظم ، ودرجت مع أخويها سيّدي شباب أهل الجنّة(٢) ، وأخذت العلم عن أبيها باب مدينة العلم(٣) ،

__________________

ـ ٤ / ١٥٥٥ ح ٤٠١٦ و : ٥ / ٢٤ ، تهذيب الكمال : ١٤ / ٣٦٩ ، الاستيعاب : ١ / ٢٤٢ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٣٩ ، الإصابة : ١ / ٤٨٧ ، تهذيب الأسماء : ١ / ١٥٥ ، التّرغيب والتّرهيب : ٢ / ٢٠٦ ح ٢١١٧ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ٢٧٣ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٧ ح ١٤٦٧ و : ١١ / ٣٦٢ ح ١٢٠٢٠ ، أنساب الأشراف : ٢ / ١٨٩ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢١٣ ، تأريخ الطّبري : ٥ / ١٥٣.

(١) انظر ، بحار الأنوار : ١٠ / ٥٨. (منهقدس‌سره ).

(٢) تقدّمت تخريجاته.

(٣) لقد وصل إلينا حديث «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» متواترا عن طريق الشّيعة ، والسّنّة كما صرح بذلك أكثر الفقهاء ، والعلماء ، وأصحاب الحديث ، والسّنن مع وجود بعض الإختلاف في اللّفظ. انظر ، تأريخ دمشق / ترجمة الإمام عليّعليه‌السلام : ٣ / ٤٦٧ ، والمناقب لابن المغازلي : ٨١ ، وصحيح التّرمذي : ٢ / ٢٩٩ ح ٣٨٠٧ ، سنن التّرمذي : ٥ / باب ٨٧ / ٣٠١ ، وأخرجه الطّبراني في المعجم الكبير : ٣ / ١٠٨ ، و : ١١ / ٥٥ / ١١٠٦١ عن ابن عبّاس ، الحاكم في المناقب : ٢٢٦ ، مستدرك الصّحيحين : ٣ / ١٢٦ و ١٢٧ و ١٢٩ ، أسنى المطالب للجزري : ٧٠ و ٧١ ، تأريخ بغداد : ١١ / ٢٠٤ و ٤٨ و ٤٩ و : ـ

٢٨٦

ثمّ خرجت من هذا البيت لتستقبل ما تخبئه لها الأيّام بصدر أوسع من الفضاء ، وقلب أثبت من الجبال الرّاسيات وليس هذا بغريب من السّيّدة الحوراء ما دام البيت الّذي نشأت فيه يتّجه بها إلى سبيل خاتم النّبيّين ، وسيّد المرسلين.

وقد روى الرّواة أنّ امرأة أصلها من الهند تسمّى فضّة كانت تختلف وتتردّد إلى بيت فاطمة تعينها على بعض الأعمال البيتية ، وأنّها أصبحت بعد ذلك من القانتات الصّالحات ، فكيف بمن كان من هذا البيت في الصّميم؟ وما يحكى عن فضّة هذه أنّها بقيت بعد سيّدتها فاطمة عشرين عاما لا تتكلم إلّا بالقرآن

__________________

ـ ٢ / ٣٧٧ و : ٤ / ٢٤٨ ، و : ٧ / ١٧٢ ، لسان الميزان لابن حجر : ١ / ١٩٧ تحت رقم ٦٢٠ ، الصّواعق المحرقة : ٧٣ و ١٢٠ و ١٢٢ / ٩ طبعة المحمّدية أورد الحديثين «أنا مدينة العلم ...» و «أنا دار الحكمة ...».

وانظر تهذيب التّهذيب : ٦ / ٣٢٠ ، و : ٧ / ٤٢٧ ، تذكرة الحفّاظ : ٤ / ٢٨ طبعة حيدر آباد ، الفردوس لأبي شجاع الدّيلمي : ١ / ٧٦ / ١٠٩ ، مودّة القربى : ٢٤ ، مصابيح السّنّة للبغوي : ٢ / ٢٧٥ ، الجامع الصّغير للسّيوطي : ١ / ٣٧٤ ح ٢٧٠٥ و ٢٧٠٤ طبعة مصطفى محمّد ، منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد : ٥ / ٣٠ ، وكنز العمّال : ٦ / ١٥٢ و ١٥٦ ، و ١١ / ٦١٤ / ٣٢٩٧٩ ، و ٦٠٠ / ٣٢٨٨٩ ، و : ١٣ / ١٤٧ / ٣٦٤٦٢ و ٣٦٤٦٣ ، و : ١٥ / ١٢٩ / ٣٧٨ الطّبعة الثّانية ، الفتح الكبير للنّبهاني ، ١ / ٢٧٢ و ٢٧٦ ، البداية والنّهاية لابن كثير : ٧ / ٣٥٨ ، مجمع الزّوائد للهيثمي : ٩ / ١١٤ ، حلية الأولياء : ١ / ٦٤ و ٦٣ ، فرائد السّمطين : ١ / ٩٨ ، شواهد التّنزيل للحافظ الحسكاني : ١ / ٣٣٤ / ٤٥٩ و ٨١ / ١١٨ و ٨٢ / ١١٩ و ١٢٠ و ١٢١ طبعة أخرى ، الرّياض النّضرة : ٢ / ١٩٣ و ٢٥٥ الطّبعة الثّانية.

وراجع فضائل الخمسة : ٢ / ٢٤٨ و ٢٥٠ ، جامع الأصول : ٩ / ٤٧٣ / ٦٤٨٩ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٢ / ٢٣٦ طبعة بيروت ، و : ٧ / ٢١٩ طبعة مصر بتحقّيق محمّد أبو الفضل ، ميزان الإعتدال للذّهبي : ١ / ٤١٥ و ٤٣٦ تحت رقم ٤٢٩ ، و : ٢ / ٢١٥ ، و : ٣ / ١٨٢ ، و : ٤ / ٩٩ ، اسد الغابة : ٤ / ٢٢ ، تأريخ دمشق لابن عساكر الشّافعي / ترجمة الإمام علي عليه‌السلام : ٢ / ٤٥٩ / ٩٨٣ و ٤٦٤ و ٤٧٦ حديث ٩٨٤ و ٩٨٦ و ٩٩٧.

٢٨٧

قال صاحب البحار :

أنّ فضّة حجّت مع أربعة من أولادها ، وانقطعت في الطّريق عن القافلة ، فرآها رجل من عرب البادية ، وقبل أن يسلّم قال لها :

من أنت؟.

فتلت قوله تعالى :( وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) (١) .

فسلّم الرّجل ، وقال : ما تصنعين هنا؟.

فتلت :( وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) (٢) .

فقال : أمن الجنّ أنت أم الإنس؟.

فتلت :( يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ ) (٣) .

قال : أين تقصدين؟.

فتلت :( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) (٤) .

قال : متى انقطعت عن القافلة؟.

فتلت :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) (٥) .

قال : أتشتهين طعاما؟.

فتلت :( وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ ) (٦) .

__________________

(١) الزّخرف : ٨٩.

(٢) الزّمر : ٣٦.

(٣) الأعراف : ٣١.

(٤) آل عمران : ٩٧.

(٥) سورة ق : ٣٨.

(٦) الأنبياء : ٨.

٢٨٨

فاطعمها ، ثمّ قال لها : عجلي بالسّير معي.

فتلت :( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ) (١) .

فقال : أردفك خلفي على النّاقلة؟

فتلت :( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) (٢) .

فنزل وأركبها.

فتلت :( سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا ) (٣) .

وحين أدرك الرّكب قال لها : ألك أحد فيه؟.

فتلت :( وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ ) (٤) .( يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ ) (٥) .

( يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) (٦) .( يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ) (٧) .

فصاح الرّجل بهذه الأسماء ، فأتى أربعة شباب ، فقال لها : من هؤلاء؟.

فتلت :( الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا ) (٨) ، ثمّ التفتت إلى أبنائها الأربعة ، وتلت( يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) (٩) . فأعطوه بعض

__________________

(١) البقرة : ٢٨٦.

(٢) الأنبياء : ٢٢.

(٣) الزّخرف : ١٣.

(٤) آل عمران : ١٤٤.

(٥) مريم : ١٢.

(٦) القصص : ٣٠.

(٧) سورة ص : ٢٦.

(٨) الكهف : ٤٦.

(٩) القصص : ٢٦.

٢٨٩

الشّيء ، فاستقلته فضّة ، وتلت :( وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ ) (١) فزادوه.

وسأل الرّجل الشّباب الأربعة عن عادة أمّهم هذه؟

فقالوا : هذه فضّة جارية الزّهراء ، وما تكلمت إلّا بالقرآن منذ (٢٠) عاما(٢) .

بقيت زينب مع أمّها ست سنوات ، ويقول علماء النّفس التّربوي : أنّ الطّفل بعد أن يتم الثّالثة تبدأ مرحلة التّوافق بينه وبين بيئته ، والتّميّيز بين الألفاظ والمعاني ، وأنموّه العقلي في هذه السّن يتّجه بصاحبه إلى كشف ما يحيط به ممّا يرى ويسمع ، وأنّ هذا الكشف يترك آثارا تعمل عملها في نفس الطّفل إلى آخر يوم في حياته وكانت زينب ترى ـ في هذه المرحلة ـ أمّها فاطمة تقوم للصّلاة ، حتّى تتورم قدماها ، وتبيت على الطّوى هي وصغارها ، وتطعم الطّعام( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) (٣) ، وتلبس الثّياب الخلقه ، وتكسوا الفقراء جديد الملابس(٤) .

رآها سلمان الفارسي(٥) مرّة ، فبكى ، وقال : «أنّ قيصر وكسرى في السّندس

__________________

(١) البقرة : ٢٦١.

(٢) انظر ، بحار الأنوار : ١٠ / ٢٦. (منهقدس‌سره ). و : ٤٣ / ٨٦ ح ٨ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ١٢١.

(٣) الإنسان : ٨.

(٤) انظر ، درّر السّمط في خبر السّبط : ٦١ ، شواهد التّنزيل : ٢ / ٣٣٢ و ٤٠٣ ، أسباب نزول الآيات ، الواحدي : ٢٩٦ ، زاد المسير : ١ / ٣٢١ ، الدّر المنثور : ٦ / ٣٩٩.

(٥) هو من نسل الملوك ، وجدّ آبائه «منوجهر» مؤسّس الدّولة الثّانية من دول الفرس القديمة ، ولكنّ سلمان يرفض الانتساب لغير الإسلام ، وكان يقول : أنا ابن الإسلام ، أعتقني الله بمحمّد ، ورفعني بمحمّد ، وأغناني بمحمّد ، وصلّى الله على محمّد وآل محمّد ، فهذا حسبي ونسبي. هو منوجهر بن محمّد بن تركانشاه ، أبو الفضل بن أبي الوفاء. انظر مختصر ابن الدّبيثي : ٣٥٠ ، العبر : ٤ / ٢٢٦ ، بغية ـ

٢٩٠

__________________

ـ الوعاة : ٣٩٩ ، ويظهر من بعض المؤرخين هو زراداشت ، كما يظهر من سؤالات حمزة للدّار قطني : ٥٠ ، فهرست منتخب الدّين : ١٥٢ و ٣٥١ ، ذيل تأريخ بغداد : ٢ / ٥١ ، تذكرة الحفاظ : ٢ / ٧٦٥ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٥٥٥ ، ويظهر من ترجمته أنّه كان أديبا فاضلا صادقا ، حسن الطّريقة صدوقا. انظر المستفاد من ذيل تأريخ بغداد لابن الدّمياطي : ١ / ١٧٥ ، تأريخ ابن خلدون : ٤ / ٤٩٨ ، معجم الأدباء : ١٩ / ١٩٦.

وأقره محمّد على هذا الحسب والنّسب ، وقال : «سلمان منّا أهل البيت». وكان يقال له : سليمان المحمّدي ، وسلمان الخير ، وسلمان الحكمة والعلم ، وسلمان باك أي النّظيف في لغة الفرس ، والطّيّب ، والطّاهر ، وصاحب الكتابين : القرآن ، والإنجيل.

مكانته :

كان من رؤوس الصّحابة ، وأقطابهم علما ، وتقى ، وجهادا ، وكان عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الخليل الأثير ، قال ابن عبد البر في «الاستيعاب» : ٢ / ٥٦ طبعة سنة ١٩٣٩ م :

وروى أبو بردة عن أبيه عن النّبيّ أنّه قال : «أمرني ربّي بحبّ أربعة ، وأخبرني أنّه يحبّهم ، وهم عليّ ، وسلمان ، وأبوذرّ ، والمقداد». انظر ، سنن التّرمذي : ٥ / ٢٩٩ ح ٣٨٠٢ ، طبعة دار الفكر ، اسد الغابة : ٥ / ٢٥١ ح ٥٠٦٩ ، مسند أحمد : ٥ / ٣٥١ ، تأريخ الإسلام للذّهبي : ٢ / ٤٠٩ ، جامع الأصول لابن الأثير : ٨ / ٥٧٩ ح ٦٣٩٣ ، الصّواعق المحرقة : ١٢٢ ، تأريخ ابن عساكر : ٦ / ١٩٨ و : ٢١ / ٤٠٩ و : ٦٠ / ١٧٥ و : ٦٦ / ١٨٩ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٥٣ ح ١٤٩ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٥٥ ، المعجم الأوسط : ٧ / ١٥٦ ، كنز العمّال : ١١ / ٦٣٩ ح ٣٣١١١ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير : ٢ / ٢٧١ ح ١٦٩٢ ، تهذيب التّهذيب : ١ / ٢٨٦ طبع حيدر آباد الدّكن ، تهذيب الأسماء واللّغات : ٢ / ١١٢ طبع المنيرية بمصر ، كنى البخاريّ : ٣١ الرّقم «٢٧١» ، تهذيب الكمال : ١١ / ٢٥١ و : ٢٨ / ٤٥٦ و : ٣٣ / ٣٠٦ ، سير أعلام النّبلاء : ٢ / ٦١ ، الإصابة : ٦ / ١٦٦ ، مناقب الخوارزمي : ٧٥ ، مستدرك الحاكم : ٣ / ١٣٠ ، حلية الأولياء : ١ / ١٩٠ ، فضائل الصّحابة لأحمد بن حنبل : ٢ / ٦٨٩ ، سبل السّلام : ١١ / ٢٩١ ، ينابيع المودّة : ١ / ٣٧٥ و : ٢ / ٨٩ و : ٣ / ١٤٢.

وعن الإمام أمير المؤمنين أنّه قال : «أنا سابق العرب ، وسلمان سابق الفرس ، وصهيب سابق الرّوم ، وبلال سابق الحبش ، وخبّاب سابق النّبط». انظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٣ / ٢٨٥ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ٣٠٥ ، المصنّف لعبد الرّزاق الصّنعاني : ١١ / ٢٤٢ ح ٢٠٤٣٢ ، المعجم الصّغير : ١ / ١٠٤ ـ ،

٢٩١

__________________

ـ المعجم الأوسط : ٣ / ٢٤١ ، المعجم الكبير : ٨ / ٢٩ و : ٢٤ / ٤٣٥ ، تأريخ المدينة : ٢ / ٤٧٩ ، سبل السّلام : ١ / ٤٦٨ ، تقريب التّهذيب : ٢ / ٥٨٧ ، الإصابة : ٣ / ٣٦٥ ، اسد الغابة : ٣ / ٣١ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٣٤٩ و : ٨ / ٥٣٠ ، ميزان الإعتدال : ١ / ٣٣٦ ، الكامل لابن عدي : ٢ / ٧٥ و : ٧ / ١٦٧ ، تأريخ دمشق : ١٠ / ٤٤٨ و : ٢٤ / ٢٢٠ ، الدّر المنثور : ٦ / ١٥٤ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير :٣ / ٥٧ ح ٢٦٩٥ و : ٤ / ١٧٧ ح ٤٧٩٣ ، كنز العمّال : ١١ / ٤٠٨ ح ٣١٩٠٩ و ٣٣١٣٣ و ٣٣٦٧٦ ، مسند الشّاميين : ٢ / ١١ ، الجامع الصّغير : ١ / ٤١٣ ح ٢٦٩٥ و : ٢ / ٦٦ ح ٤٧٩٣.

زوجته وأولاده :

تزوّج عربية توفيت في حياته ، فتزوّج عجمية ومات عنها. ذكر أنّه تزوّج مولاة له يقال لها بقيرة ، كوفية ثقة. انظر ، مسند أحمد : ٥ / ٤٣٩ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ٣٤٤ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٤٠٢ ، المصنّف لعبد الرّزاق الصّنعاني : ٨ / ١٨٢ ح ٢٥ ، الأدب المفرد : ٥٩ ح ٢٣٤ ، المعجم الكبير : ٦ / ٢١٥ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٩٢ و ٩٤ ، التّأريخ الصّغير : ١ / ٩٧ ، معرفة الثّقات للعجلي : ٢ / ٤٤٩ ح ٢٣٢٥ ، إكمال الكمال : ٧ / ٣٦٢ ، تأريخ دمشق : ٢١ / ٤٥٧ ، سير أعلام النبلاء : ١ / ٥٥٣ ، حلية الأولياء : ١ / ٢٠٨.

له ستة أولاد : ثلاثة ذكور عبد الله وقد أعقب ، ومحمّدا أيضا أعقب ، ومن نسله علماء وشعراء ، وكثير ، ولا يعرف له عقب ، وثلاث بنات : واحدة كانت بأصفهان ، ولها عقب ، واثنتان كانتا بمصر. روي أنّ سلمان خطب إلى عمر بن الخطّاب ، فكره عبد الله بن عمر ذلك ، فقال له عمرو بن العاص : أنا أكفيك ، فلقى عمرو بن العاص سلمان الفارسي ، فقال : ليهنئك يا سلمان ، فقال : وما هو؟ فقال : تواضع لك أمير المؤمنين ، فقال سلمان : لمثلي يقال هذا؟ والله لا نكحتها أبدا.

انظر ، المبسوط للسّرخسي : ٥ / ٢٣ ، البحر الزّخّار : ٤ / ٨٠ ، سلمان المحمّدي للشّيخ عبد الواحد المظفر الطّبعة الحيدرية سنة ١٣٧١ ه‍ ، سبل السّلام : ٣ / ١٣٠ ، تأريخ الخميس : ١ / ٣٥١ ، السّنن الكبرى : ٧ / ٢٧٣ ، التّأريخ الصّغير للبخاري : ١ / ٩٧.

وفاته :

انتقل إلى ربّه سنة (٣٥ ه‍) ، ودفن في البلدة المعروفة بسلمان باك على ضفاف دجلة الشّرقي ، وتبعد ثلاثة فراسخ من بغداد ، ويؤم قبره الشّريف ألوف الزّائرين من كلّ فجّ.

انظر ، الاستيعاب : ٢ / ٥٣ ـ ٥٩ ، الإصابة : ٢ / ٦٠ ، الطّبريّ : ٢ / ٤٤٣ ، ابن هشام : ٤ / ٣٣٥ ، مسند ـ

٢٩٢

والحرير ، وابنة محمّد في ثياب باليلة»(١) وروي أنّه كان عند عليّ وفاطمة جلد كبش. ولذا قال الإمام عليّعليه‌السلام : «لقد تزوّجت فاطمة ومالي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه باللّيل ، ونعلف عليه النّاضح(٢) بالنّهار ، ومالي ولها خادم غيرها»(٣) أمّا صدقها فقد نقل صاحب الإستيعاب في ترجمتها عن عائشة أنّها قالت : «ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة من فاطمة إلّا أن يكون والدهاصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٤) . وبكلمة أنّ زينب رأت جدّها الرّسول ممثلا في أمّها فاطمة

__________________

ـ أحمد : ١ / ٥٥ ، الرّياض النّضرة : ١ / ١٦٧ ، تأريخ الخميس : ١ / ١٨٨ ، ابن الأثير : ٢ / ١٢٦ ، ابن كثير : ٥ / ٢٤٥ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٠٣ ، اسد الغابة : ٣ / ٢٢٢.

(١) انظر ، غاية المرام في رجال البخاري إلى سيّد الأنام : ٢٧٩ ، نفس الرّحمن في فضائل سلمان : ٥١٩.

(٢) النّواضح : البعير ، أو الثّور ، أو الحمار ، الّتي يستقى عليها ، واحدها ناضح. انظر ، لسان العرب : ٢ / ٦١٩ ، الغريب لابن سلّام : ٣ / ٢٥٧ ، مختار الصّحاح : ١ / ٢٧٧.

(٣) انظر ، صفوة الصّفوة : ٢ / ١٠ ، الزّهد لهنّاد : ٢ / ٣٨٧ ح ٧٥٣ ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ٢٢ ، كتاب السّنن : ١ / ١٩٦ ح ٦٠١.

(٤) مع أنّ أبا بكر والد عائشة طلب البينة من الصّدّيقة الزّهراء على أنّها تملك فدكا «منهقدس‌سره ».

انظر ، صحيح البخاريّ : ١٢ / ٧ ، صحيح مسلم كتاب الجهاد رقم «٥١ و ٥٣ و ٥٤ و ٥٦» ، مسند أحمد : ١ / ٤ و ٦ ، عن عائشة إشارة إلى المحاورة الّتي دارت بين فاطمة الزّهراء البتول عليها‌السلام وبين أبي بكر حيث قال : إنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ، ما تركناه فهو صدقة!!

وقد علّق الإمام يحيى بن الحسين الهادي في كتابه «تثبيت الإمامة» ، تحقيق العلّامة السّيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي في : ٢٩ ما نصّه : «ولو سألنا جميع من نقل من أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : هل روى أحد منكم عن أحد من أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سمع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مثل ما قال أبو بكر؟

لقالوا : أللهمّ ، لا.

ثمّ جاءت ـ من بعد ذلك ـ أسانيد كثيرة قد جمعها الجهّال لحبّ التّكثّر بما لا ينفع : عن عائشة ، وعن ابن عمر ، فنظرنا عند ذلك إلى أصل هذه الأحاديث الّتي أسندوها إلى عائشة عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا عائشة تقول : سمعت أبا بكر ، وابن عمر يقول : سمعت أبا بكر يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّا معاشر الأنبياء ـ

٢٩٣

بجميع صفاته ومزاياه ، وتجلّت هذه الحقيقة فيما قالته ، وهي ترثي والدتها. «يا أبتاه يا رسول الله! الآن حقّا فقدناك فقدا لا لقاء بعده»(١) .

وقد انعكست صفات الزّهراء في نفس ابنتها زينب ، وظهرت جلية واضحة

__________________

ـ لا نورّث ما تركناه فهو صدقة.

وإذا هذه الأسانيد المختلفة ترجع إلى أصل واحد ، ولم يوجد أحد من أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله يشهد بمثل شهادة أبي بكر في الميراث!.

فدفع أبو بكر فاطمةعليها‌السلام عن ميراثها بهذا الخبر الّذي أسند إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وهذا الخبر ينقض كتاب الله ، وحكمه في عباده!.

فويل لمن يهم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينقض ما جاء به محكما عن الله عزوجل.

وقد كان في كلام فاطمةعليها‌السلام لأبي بكر بيان لمن خاف الله سبحانه وتعالى : أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ، لقد جئت شيئا فريّا!!؟؟ ثمّ انصرفت عنه.

ومن أعجب العجائب : أنّ جميع هذه الأمّة أجمعت : أنّ من ادّعى لنفسه ، أو دعوى له فيها حقّ أنّه «خصم» ، شهادته لا تقبل ، حتّى يشهد له على ذلك شاهدان عدلان لا دعوى لهما ما شهدا فيه.

وأجمعوا أيضا : أنّ الإمام لا يحكم لنفسه بحقّه دون أن يشهد له به غيره.

ثمّ النّاس على ذلك إلى يومنا هذا ، لا تقبل شهادة الرّجل لنفسه ، ولا يحكم لأحد على أحد في دعوى يدّعيها عليه إلّا بشاهدين عدلين غير فاطمة عليها‌السلام ، فإنّه حكم عليها خلاف ما حكم به على جميع الخلق ، وانتزع من يدها ما كانت تملكه ، وتحوزه ـ من ميراث أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومالها من فدك المعروف بها ، ولها بلا شهود! إلّا بما ادّعى أبو بكر لنفسه ، وللمسلمين من الصّدقة عليهم بأموال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فكان أبو بكر المدعي لنفسه ، ولأصحابه أموال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فيا للعجب من قبضه ما ليس بيده ، ولا شهود له ، ولا بيّنة!؟ وطلبه الشّهود ، والبيّنة من فاطمةعليها‌السلام على ما هو بيدها ، ولها!

وقد أجمعت الأمّة على أنّ من كان في يده شيء ، فهو أحقّ به حتّى يستحقّ بالبيّنة العادلة ، فقلب أبو بكر الحجّة عليها في ما كان في يدها! وإنّما تجب عليه هو ولى أصحابه في ما ادّعاه له ، ولهم. فحكم على فاطمة عليها‌السلام بما لم يحكم به على أحد من المسلمين ، وطلب منها البيّنة على ما في يدها ، ومنعت ميراث أبيها. وشهد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه لم يورّثها! والله تعالى قد ورّث الولد من والده ، نبيّا كان أو غيره.

(١) انظر ، روضة الواعظين : ١٥٢.

٢٩٤

في زهدها ، وعبادتها ، وصبرها ، وجرأتها. قال الرّواة : «أنّ زينب بنت أمير المؤمنين لم تدّخر شيئا من يومها لغدها ، وأنّها كانت تقضي عامّة لياليها بالتّهجد وتلاوة القرآن ، حتّى ليلة العاشر من المحرّم ، وهي اللّيلة الّتي قتل الحسين في صبيحتها ، وليلة الحادي عشر ، حيث كان أخوها الحسين وأولاده وأصحابه صرعى مجزّرين كالأضاحي ، حتّى في هذه الحال لم تدع صلاة اللّيل والتّعبد والتّهجد أمّا صبرها وشجاعتها ، فسنتكلم عنهما مفصلا في الصّفحات الآتية.

٢٩٥
٢٩٦

جعفر الطّيّار

بيت أبي طالب

أنّ من نعم الله وفضله على الإنسانيّة أن أرسل محمّدا رحمة للعالمين ، وأن من بالغ حكمته وتدبيره تبارك وتعالى أن عزّز محمّدا ورسالته ببيت عمّه أبي طالب ، ولو بعث الله محمّدا إلى صناديد قريش وعتاتهم ، ولا ظهير له من قومه كأبي طالب ، وزوّجته وأولاده لكانت حال الرّسول كحال جيش يقاتل بدون عناد وسلاح ومن قبل قال الجاحدون لنّبيهم شعيب :( وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ ) (١) .

ولو لا بيت أبي طالب لكان مصير محمّد كمصير زكريا ، ويحيى وغيرهما من الأنبياء الّذين قتلهم الإسرائيليون قبل أن تنمو رسالتهم ، وتنتشر وقف أبو طالب بجانب ابن أخيه محمّد ، وأعلن أنّه سيمنع عنه كلّ من تحدّثه نفسه بالإساءة إليه ، والنّيل منه ، وأوقفت زوّجته فاطمة بنت أسد نفسها لخدمته منذ اليوم الأوّل الّذي مات فيه جدّه عبد المطّلب ، وسارع عليّ ، وجعفر إلى تصديقه ونصرته ، ومهما تقوّل المتقوّلون ، وتأوّل المتأوّلون فلا يسمعهم إلّا الإعتراف بأنّ بيت أبي طالب كان أوّل نواة في حقل الإسلام ، وأوّل قوّة دعمت الإسلام ونبيّ

__________________

(١) هود : ٩١.

٢٩٧

الإسلام ، لقد تحدّى رسول الله صناديد قريش ، فسبّ آلهتهم ، وسفّه أحلامهم ، ولعن الطّغاة والأغنياء الّذين يكنزون المال ، ولا ينفقونه على الفقراء ولا جزاء عندهم لمن فعل هذا أو دون هذا إلّا القتل ، ولكن من يجرؤ على رسول الله ، وبيت أبي طالب بالمرصاد؟.

وسبقت منّا الإشارة إلى أبي طالب وزوّجته ، والآن تتحدّث بشيء من التّفصيل عن جعفر الطّيّار ، لأنّه أبو عبد الله زوّج السّيّدة الحوراء.

إسلامه :

لم يسبق جعفر بن أبي طالب إلى الإسلام إلّا خديجة زوّجة الرّسول ، وأخوه عليّ ، فكان جعفر ثالث المسلمين والمصلّين(١)

ومضى أمد غير قصير ، ولا أحد يعبد الله سبحانه سوى محمّد ، وعليّ ،

__________________

(١) حديث يحيى بن عفيف الكندي روي بطرق متعدّدة ، وبصور مختلفة ، ولكن من خلال تتبّع المصادر التّأريخية والحديثية ، والرّوائية نجدها تؤدّي نفس المعنى ، والمضمون بل بعضها يتطابق تماما في اللّفظ. انظر ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٠٣ و ٢٢٢ ، لسان الميزان : ١ / ٣٩٥ ، الكامل لابن عدي : ١ / ١٤٢ و ١٥٠ ، و : ٢ / ٥٧ ، تأريخ دمشق لابن عساكر ترجمة الإمام عليّعليه‌السلام : ١ / ٥٧ / ٩٣ و ٩٥ ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ٨ / ١٧ و ١٠ الطّبعة الأولى بيروت في ترجمة خديجة ، معجم الصّحابة : ٥ / ١٣٥ ، تأريخ الطّبري : ٢ / ٣١٢ ، وفي طبعة أخرى : ٥٦ و ٥٧ ، وفي الطّبعة الأولى : ١١٦٢ ، مستدرك الصّحيحين : ٣ / ١٨٣ ، الإصابة لابن حجر : ٤ / ٢٤٨ القسم الأوّل ، الإستيعاب لابن عبد البرّ : ٢ / ٤٥٨ و ٥١١ ، كنز العمّال : ٦ / ٣٩١ ، و : ٧ / ٥٦ ، حلية الأولياء : ٢ / ٢٤٥ ، مسند أحمد بن حنبل : ١ / ٢٩٠ و ٢٠٩ ، وفي طبعة أخرى ، و : ٢٥ / ٢٦ ، و : ٤ / ٤٢٨ و ٤٢٩ و ٤٤٠ ، المناقب لأحمد بن حنبل : ٢٥ و ١٨ ، شواهد التّنزيل للحاكم الحسكاني : ١ / ١١٣ / ١٢٥ تحقيق المحمودي ، مناقب الخوارزمي : ١٩٨ الفصل ١٧ ، النّسائي في الخصائص : ٤٤ ح ٥ ، و : ٣ وفي طبعة أخرى ، طرز الوفا في فضائل آل المصطفى : ٣١٦ ، بتحقّيقنا.

٢٩٨

وخديجة ، وجعفر ، فكان النّبيّ يتقدّمهم للصّلاة ، ويقف عليّ عن يمينه ، وجعفر عن يساره ، وخديجة خلفه وروي أنّ أبا طالب رأى النّبيّ ، وعليّا يصلّيان ، فأمر ولده جعفر أن ينضم إليهما(١) ، ووصف جعفر بأنّه صلّى إلى القبلتين ، وهاجر الهجرتين ، وصاحب الجناحين(٢) .

أخلاقه :

قال رسول الله لجعفر : «أشبهت خلقي وخلقي ، وكان يكنيه أبا المساكين ، لأنّه خير النّاس لهم(٣) . وعن أبي هريرة أنّه قال : «كنت أسأل الرّجل من أصحاب رسول الله عن الآية من القرآن ، أنا أعلم بها منه ، ما أسأله إلّا ليطعمني شيئا وكنت إذا سألت جعفر بن أبي طالب لم يجبني ، حتّى يذهب بي إلى منزله ، فيطعمني ، ثمّ يجيبني»(٤) .

وروي عن جعفر أنّه كان يقول : «ما شربت خمرا قطّ ، لأنّي علمت إن شربتها زال عقلي ، وما كذبب قطّ ؛ لأنّ الكذب ينقص المروءة ، وما زنيت قطّ ، لأنّي خفت إنّي إذا عملت عمل بي ، وما عبدت صنما قطّ ، لأنّي علمت أنّه لا يضرّ ولا

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

(٢) القبلتان هما بيت المقدّس ، والكعبة ، والهجرتان ، إلى الحبشة ، والمدينة ، والجناحان إشارة إلى حديث : «أنّ الله أبدل جعفرا عن يديه بجناحين يطير بهما بالجنّة». وفي بعض المؤلّفات وبايع البيعتين ، وهو اشتباه ، لأنّ بيعة الرّضوان والشّجرة كانت في الحديبيّة ، وكان جعفر غائبا عنها. (منهقدس‌سره ).

(٣) تقدّمت تخريجاته.

(٤) انظر ، سنن التّرمذي : ٥ / ٦٥٥ ح ٣٧٦٦ ، فتح الباري : ٧ / ٧٦ و : ١١ / / ٢٨٤ ، التّرغيب والتّرهيب : ٤ / ١٠٧ ح ٥٠٠١.

٢٩٩

ينفع»(١) .

منزلته عند الله ورسوله :

في نهج البلاغة أنّ الإمام أرسل كتابا لمعاوية جاء فيه :

«ألا ترى ـ الخطاب لمعاوية ـ غير مخبر لك ، ولكن بنعمة الله أحدّث أنّ قوما استشهدوا في سبيل الله تعالى من المهاجرين والأنصار ، ولكلّ فضل ، حتّى إذا استشهد شهيدنا ـ الحمزة ـ قيل : سيّد الشّهداء ، وخصّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه! أولا ترى أنّ قوما قطّعت أيديهم في سبيل الله ـ ولكلّ فضل ـ حتّى إذا فعل بواحدنا ـ جعفر ـ ما فعل بواحدهم ، قيل : «الطّيّار في الجنّة وذو الجناحين»! ولو لا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه ، لذكر ذاكر فضائل جمّة. تعرفها قلوب المؤمنين ، ولا تمجّها آذان السّامعين»(٢) .

أجل ، لا ينفر من أريج المسك إلّا الجعل ، ولا يعمي نور الشّمس إلّا عيون الخفافيش ، ولا يجد طعم العسل مرّا إلّا ذوو الأسقام والأمراض.

وفي الحديث أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنّ الله اختارني في ثلاثة من أهل بيتي ، أنا سيّد الثلاثة ، اختارني ، وعليّا ، وجعفرا ، وحمزة»(٣) . وفي الجزء الثّاني من «الإستيعاب» ترجمة جعفر بن أبي طالب أنّ النّبيّ قال : «دخلت البارحة الجنّة

__________________

(١) انظر ، من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٣٩٧ ح ٥٨٤٧ ، أمالي الصّدوق : ١٣٣ ، روضة الواعظين : ٢٥٩ ، الإصابة : ١ / ٢٣٧ رقم «١١٦٦» ، الإستيعاب : ١ / ٢١٠ ، اسد الغابة : ١ / ٣٤١ رقم «٧٥٩».

(٢) انظر ، نهج البلاغة : الرّسالة «٢٨».

(٣) انظر ، كنز العمّال : ١٣ / ٦٤٢ ح ٣٧٦٢٦ ، مناقب أمير المؤمنين لمحمّد بن سليمان الكوفي : ١ / ١٢٩ ، البيان والتّعريف : ١ / ٦ ، شواهد التّنزيل : ٢ / ٤٨.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502