شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار11%

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 502

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 502 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187143 / تحميل: 9816
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

[ غزوة خيبر ]

ثم كان يوم خيبر فمما يؤثر من علي صلوات الله عليه فيه.

[٢٨٣] إنه قال : لما غزا رسول الله صلوات الله عليه وآله خيبر تلقّانا أهلها ـ من اليهود ـ بمثل الجبال من الخيل والسلاح ، وهم أمنع دارا وأكثرها عددا ، كل ينادي للبراز الى اللقاء ، فلم يبرز إليهم من المسلمين أحد إلا قتلوه حتى احمرت الحدق ، ودعيت الى النزال وهمت(١) كل امرئ نفسه ، فأنهضني رسول الله صلوات الله عليه وآله الى برازهم ، فلم يبرز إليّ أحد منهم إلا قتلته ولم يثبت لي فارس منهم إلا طعنته ثم شددت عليهم شدة الليث على فريسته ، فأدخلتهم جوف مدينتهم يكسع بعضهم بعضا.

( الكسع : أن تضرب بيدك أو برجلك دبر كل شيء ، وإذا اتبع قوم أدبار قوم بالسيف ، قيل : كسعوهم ).

ووردت باب المدينة ، فوجدته مسدودا عليهم ، فاقتلعته بيدي ، ودخلت عليهم مدينتهم وحدي ، أقتل من يظهر لي من رجالها وأسبي من أجد فيها من نسائها ، فاستفتحها وحدي لم يكن لي معاون فيها إلا الله وحده.

__________________

(١) وفي نسخة الاصل : وهم.

٣٠١

وأما أصحاب السير(١) ، فذكروا أن رسول الله صلوات الله عليه وآله لما سار الى خيبر ، وأعطى الراية عليا صلوات الله عليه ، قالوا : وكان رأيته يومئذ بيضاء.

قالوا : وبعث رسول الله صلوات الله عليه وآله أبا بكر برايته الى بعض حصون خيبر ، فقاتل ، ورجع ولم يك فتح ، وقد جهد ، ثم بعث من الغد عمر بن الخطاب ، فقاتل ، ورجع ، ولم يك فتح وقد جهد. فقال رسول الله صلوات الله عليه وآله : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار(٢) . فدعا عليا صلوات الله عليه وهو أرمد. فتفل في عينيه ، ثم قال : خذ هذه الراية ، فامض بها حتى يفتح الله عز وجل على يديك. فخرج بها حتى أتى الحصن فمركز الراية في رضم من الحجارة تحت الحصن.

( الرضم : الواحدة منه رضمة : وهي حجارة مجتمعة ليست بثابتة في الأرض وتكون في بطون الأودية. والجمع الرضم والرضام ).

واطلع إليه يهودي من رأس الحصن ، فقال : من أنت؟؟ قال : أنا علي بن أبي طالب. قال اليهودي : علوتم(٣) وما أنزل على موسى ، فما رجع حتى فتح الله على يديه خيبر.

وقال بعضهم(٤) : إنه لما دنا من الحصن خرج إليه قوم ، فقاتلهم ،

__________________

(١) السيرة النبوية لابن هشام ٣ / ٢١٦ : عن ابن إسحاق عن بريدة الأسلمي عن أبيه عن سلمة ، قال : بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر ، الحديث.

(٢) وفي نسخة الاصل : كرّار غير فرّار.

(٣) وفي الإرشاد للمفيد ص ٦٧ : غلبتم.

(٤) الواقدي في كتاب المغازي ٢ / ٦٥٥ عن أبي رافع وأحمد بن إسماعيل في الاربعين المنتفى الحديث ٥٧.

٣٠٢

فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه بين يديه ، فتناول علي صلوات الله عليه بابا كان عند الحصن فتترس به ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عز وجل علي يديه ، ثم ألقاه من يده حين فرغ منهم.

قال صاحب الحديث(١) فلقد جئت في نفر معي سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقدر [ أن ] نقلبه.

فهذه أحد بواهر علي صلوات الله عليه ومما يبين أن الله عز وجل أيده بملائكة ، والأخبار بذلك عنه كثيرة. وقد ذكرنا بعضها فيما تقدم.

__________________

(١) وهو أبو رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما رواه عبد الله بن الحسن ( سيرة ابن هشام ٣ / ٢١٦ ).

٣٠٣

[ فتح مكة ]

وأما ما كان منه في فتح مكة.

[٢٨٤] فما رواه محمد بن سلام باسناده عنه ، أنه قال صلوات الله عليه : إن رسول الله صلوات الله عليه وآله لما توجه لفتح مكة أحبّ أن يعذر إليهم وأن يدعوهم الى الله عز وجل آخرا كما دعاهم أولا ، فكتب إليهم كتابا يحذرهم وينذرهم عذاب ربهم ويعدهم من الله الصفح عنهم ونسخ فيه لهم من أول سورة براءة(١) ليقرأ عليهم ، ثم ندب أبا بكر إليه ليوجهه بها به.

فهبط عليه جبرائيلعليه‌السلام ، فقال : يا محمّد إنه لا يؤدي عنك إلا رجل منك ، فأنبأني رسول الله صلوات الله عليه وآله بذلك. ووجهني في طلب أبي بكر بعد أن أنفذه بالصحيفة ، فأخذتها منه وأتيت أهل مكة ـ وأهلها يومئذ ليس منهم أحد(٢) إلا وقد وترته بحميم له ـ. فلو قدر أن يجعل على كل جبل مني إربا لفعل ، ولو أن يبذل ماله ونفسه وولده وأهله ، فأبلغتهم رسالة النبيّ صلوات الله عليه وآله ، فأقرأتهم كتابه. وكل يلقاني بالتهديد والوعيد ويبدي لي البغضاء ويظهر لي الشحناء من

__________________

(١) وفي كتاب الاختصاص للمفيد ص ١٦٢ : ونسخ لهم في آخر سورة براءة.

(٢) وفي نسخة ـ ب ـ : رجل.

٣٠٤

رجالهم ونسائهم فلم يرعبني ذلك حتى أنفذت ما وجهني إليه رسول الله صلوات الله عليه وآله.

وكان الذي حمل عليه نفسهعليه‌السلام من التقحّم على أهل مكة ، وقد قتل من ساداتهم وحماتهم ووجوه رجالهم من قد قتل من أعظم الجهاد والإقدام بالنفس على التلف ، فتقدم على ذلك مؤثرا لطاعة الله وطاعة رسوله محتسبا له نفسه.

فأما قول جبرائيلعليه‌السلام لرسول الله صلوات الله عليه وآله : لا يؤدي عنك إلا رجل منك ، وفي بعض الروايات لا يؤدي عنك إلا أنت أو علي ، فقد تقدم ذكر ما في ذلك من البيان على إمامة علي صلوات الله عليه. ولما توجه رسول الله صلوات الله عليه وآله بجموع المسلمين ـ وقد أعزهم الله سبحانه وكثرهم ـ الى مكة نظر أهلها من ذلك الى ما ليس لهم به قوام فاستكانوا وخضعوا ، وسألوا الصفح عنهم والدخول في السلم ، أقبل رسول الله صلوات الله عليه وآله يوم دخول مكة في عساكر لم تر العرب مثلها عددا وعدّة قد تكفروا في السلاح ما يتبين منهم إلا الحدق. وجعل الأنصار في الميمنة ورايتهم مع سعد بن عبادة ، والمهاجرين في الميسرة ورايتهم مع الزبير بن العوام ، وقال لكل واحد منهما ادخلوا من موضع كذا وكذا ، وكان هو صلوات الله عليه وآله في جمهور خواص المهاجرين والأنصار وسائر الناس ، ومع كل قوم من قبائل العرب عدد عظيم. فسمع عمر بن الخطاب سعد بن عبادة يقول وبيده الراية ـ وهو يريد دخول مكة ـ :

اليوم يوم الملحمة

اليوم هتك الحرمة(١)

__________________

(١) وفي إعلام الورى للطبرسي. ص ١٩٨ والإرشاد للمفيد ٧١ والمناقب لابن شهرآشوب ١ / ٢٠٨

٣٠٥

فجاء عمر الى رسول الله صلوات الله عليه وآله ، فأخبره بقوله. فقال : يا رسول الله صلوات الله عليه وآله إني أخاف أن يكون له في قريش صولة. فدعا رسول الله صلوات الله عليه وآله عليا صلوات الله عليه ، وقال له : اذهب فخذ الراية منه ، وكن أنت الذي تدخل بها ، ففعل.

وكان علي صلوات الله عليه وآله موضع حربه وموضع سلمه ، وكذلك قال له في غير موطن : يا علي حربك حربي وسلمك سلمي.

وفرق رسول الله صلوات الله عليه وآله المسلمين يوم دخول مكة كتائب ، وقدم على كل كتيبة منهم رجلا ، وأمره ان يدخل بهم من موضع سماه له ، فدخلوا على ذلك آمنين كما وعد الله عز وجل وهو لا يخلف الميعاد وأمر رسول الله صلوات الله عليه وآله امراء الكتائب ألا يقاتلوا إلا من قاتلهم خلا نفر سماهم لهم أمر بقتلهم ولو وجدوا تحت أستار الكعبة لعظم جرائم كانت لهم ، فترك كثير منهم من لقيه ممن كانت بينه وبينهم معرفة وله به عناية ، واستأمن بعضهم لبعض ، وجسروا على رسول الله صلوات الله عليه وآله بردّ أمره فيهم ، وكان منهم عبد الله بن سعد أخو بني عامر بن لؤي ، وكان أعظمهم جرما وكان رسول الله أشد عليه حنقا. وكان أول من بدأ باسمه ممن ندر يومئذ دمه ، وقال : اقتلوه ولو وجدتموه تحت أستار الكعبة. وذلك إنه كان أسلم ، فاستكتبه رسول الله صلوات الله عليه ، وكان يكتب له الوحي ، فيملي عليه رسول الله صلوات الله عليه وآله : غفور رحيم ، فيكتب : عزيز حكيم ، وأشباه ذلك ، فارتدّ كافرا ولحق بمشركي قريش ، وقال : قد أنزلت قرآنا كثيرا وأتيته

__________________

هكذا :

اليوم يوم الملحمة

اليوم تسبى الحرمة

٣٠٦

عن نفسي ، ففيه نزلت : « ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله »(١) .

فجاء عثمان بن عفان فأتى به مستورا حتى أدخله على رسول الله صلوات الله عليه وآله ، فسأله فيه ، فأعرض رسول الله صلوات الله عليه وآله عنه مرارا ، وسكت لا يجيبه بشيء ، فألحّ عليه عثمان ، فخلى سبيله ، ثم قال ـ لمن حضره من المسلمين ـ : لقد صمت طويلا لعل أحدكم يقوم إليه فيضرب عنقه كمثل ما أمرت فما فعلتم؟ قالوا : يا رسول الله ، فلو كنت أشرت إلينا بمثل ذلك. فقال : إن النبيّ لا يقتل بالإشارة.

ولقى علي صلوات الله عليه الحويرث بن ثقيف وكان ممن نذر رسول الله صلوات الله عليه وآله دمه يومئذ ، وكان الحويرث يثق بعلي صلوات الله عليه. فقال له علي صلوات الله عليه : يا عدوّ الله أنت هاهنا؟ فقال الحويرث : ابق عليّ يا ابن أبي طالب.

فقال : لا بقيت إن أبقيت عليك. وقتله.

ودخل علي صلوات الله عليه على اخته أم هاني بنت أبي طالب ، فأصاب عندها رجلين(٢) ممن نذر رسول الله صلوات الله عليه وآله دمهما من بني مخزوم قد استجارا بها لصهر كان بينهما فلما رآهما علي صلوات الله عليه أخذ سيفه وقام إليهما ليقتلهما ، فقامت أم هاني دونهما ، وقالت : يا أخي إني قد أجرتهما ، قال : إن رسول الله صلوات الله عليه وآله قد أمر

__________________

(١)( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ ) سورة الأنعام : الآية ٩٣.

(٢) قال الواقدي في المغازي ٢ / ٨٢٩ : وهما : عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي والحارث بن هشام. أما ابن هشام فقد قال في السيرة ٤ / ٤٠ هما : الحارث وزهير بن أبي أميّة بن المغيرة.

٣٠٧

بقتلهما ، ولو كانا تحت أستار الكعبة. فقبضت على يده ـ وكانت ايدة شديدة ـ فلوتها حتى انتزعت السيف من يده ، فأمسكته ، وأمرت بهما ، فدخلا بيتا وغلقت عليهما ، ومضت الى رسول الله صلوات الله عليه وآله ، فلما رآها رحّب بها وسألها عن حالها. فأخبرته الخبر. فضحك. وقال : قد أجرنا من أجرت يا أم هاني. فأرسل الى علي صلوات الله عليه فأتاه ، فضحك إليه ، وقال : غلبتك أم هاني؟ فقال : يا رسول الله والذي بعثك بالحقّ نبيّا لا قدرت على أن أمسك السيف حتى خلّصته من يدي ، فضحك رسول الله ، وقال : لو أن أبا طالب ولد الناس كلهم لكانوا أشداء أقوياء.

وأخذ علي صلوات الله عليه يومئذ مفتاح الكعبة. فجاء به رسول الله صلوات الله عليه وآله وقال : يا رسول الله هذا مفتاح الكعبة ، فإن رأيت أن تعطيناه لتجمع لنا السقاية والحجابة ، فافعل. فقال : يا علي اعطيكم ما هو أفضل من ذلك ما أعطانا الله من فضله وهذا يوم بر ووفاء ، وانما اعطيكم ما يزدرون لا ما ترزءون. فادفع المفتاح الى عثمان بن طلحة. فدفعه إليه. وقال : رضينا ما رضيته لنفسك وإنا معك يا رسول الله.

٣٠٨

[ غزوة بني جذيمة ]

ولما فتح رسول الله صلوات الله عليه وآله واستقرّ قرار أهلها بعث رسول الله صلوات الله عليه وآله قوما يدعون العرب الى الله والى رسوله ليدخلوا فيما دخل فيه أهل مكة ، وكان فيمن بعثه خالد بن الوليد ، ولم يأمرهم بقتال أحد ، فأتى بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة ومعه كتيبة ، فلما رأوه أخذوا السلاح. فقال لهم خالد : ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا ووضعت الحرب أوزارها ، وإنما أرسلنا رسول الله صلوات الله عليه وآله لندعو الناس الى الإسلام ولم يأمرنا بقتال أحد. فوضعوا سلاحهم خلا رجل منهم يقال له : جحدم فإنه قال : ويحكم فإنه خالد. والله ما بعد وضع السلاح إلا الأسر وما بعد الأسر إلا ضرب الأعناق. فقاموا بأجمعهم عليه وقالوا : يا جحدم أتريد أن تسفك دماءنا ، إن الناس قد أسلموا ووضعوا السلاح. فقال : والله لا أضع سلاحي ، فغلبوا عليه ، وانتزعوا السلاح من يده ، فلما وضعوا سلاحهم ، أمر بهم خالد فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل منهم جماعة ، وبلغ رسول الله صلوات الله عليه وآله الخبر. فقام قائما ، ورفع يديه الى السماء ، وقال : اللهمّ إني أبرأ إليك مما صنع خالد. ثم دعا عليا صلوات الله عليه ، وقال : يا علي اخرج الى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك. ودفع إليه مالا ، وقال له : اعقل لهم من قتل

٣٠٩

منهم وارجع إليهم ثمن ما اخذ منهم وانصفهم ، فخرج علي صلوات الله عليه فودى إليهم عقل الدماء وثمن ما اصيب من الأموال حتى أنه ليعطيهم ثمن ميلغة الكلب(١) حتى إذا لم يبق لهم شيء من دم ولا مال إلا وفاه إليهم ، قال : هل بقى لكم شيء؟؟ قالوا : لا. قال : فإنه قد بقيت معي بقية من المال الذي وجهه معي رسول الله صلوات الله عليه وآله فخذوها احتياطا لرسول الله صلوات الله عليه وآله ودفع إليهم مالا كان قد بقى بعد الذي دفعه إليهم ، فأخذوه ، وشكروه ، ودعوا له بخبر.

ثم أتى النبيّ صلوات الله عليه وآله ، فأخبره بالخبر. فقال : أحسنت يا علي وأصبت أصاب الله بك المراشد ، ثم توجه الى القبلة قائما رافعا يديه الى السماء ـ حتى أنه ليرى ما تحت منكبيه ـ يقول : اللهمّ إني أبرأ إليك مما صنع خالد ـ ثلاث مرات ـ.

وإنما فعل ذلك بهم خالد لأنهم كانوا قتلوا عمّه الفاكهة بن المغيرة في الجاهلية ، وبلغ رسول الله صلوات الله عليه وآله أن خالد بن الوليد فخر على بعض أصحابه بما أنفقه في سبيل الله. فقال له رسول الله صلوات الله عليه وآله : دع عنك أصحابي يا خالد فو الله لو كان لك احد ذهبا ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته.

فهذا ما ساقه أصحاب السير(٢) مما كان من أمر علي صلوات الله عليه في فتح مكة.

__________________

(١) ميلغة الكلب : مسقاة تصنع من خشب ليلغ فيها الكلب.

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ٥٥.

٣١٠

[ غزوة حنين ]

فأما ما كان منه صلوات الله عليه في يوم حنين ، فإن رسول الله صلوات الله عليه وآله لما افتتح مكة وسمعت بذلك هوازن اتقوا على أنفسهم ، فجمعهم مالك بن عوف النصري وكان سيدهم يومئذ وكان فيهم دريد بن الصمة [ الجشمي ] شيخا كبيرا قد خرف(١) ، فأخرجوه لمعرفته في الحرب وليأخذوا من رأيه(٢) واجتمعوا على تقديم مالك بن عوف ، فجمعهم ونزل بهم أوطاس وكان مالك بن عوف قد أمرهم فساقوا معهم الأهل والمال ، وكان دريد قد كفّ بصره وصار كالفرخ على بعير يقاد به ، فلما نزلوا ، قال : أين نزلتم؟؟ قالوا : بأوطاس. قال : نعم مجال الخيل ، لا حزن ضرس ولا سهل دهس.

[ ضبط الغريب ]

( الحزن : الوعر. والضرس : ما خشن من الاكام والأخاشيب. والدهس والدهاس : المكان اللين من الارض الذي يغيب فيه قوائم الدواب ).

__________________

(١) وهو يومئذ ابن ستين ومائة سنة. المغازي ٢ / ٨٨٦.

(٢) أقول : في العبارة نوعا من التناقض فانه يؤخذ من رأيه تناقض قد خرف. والظاهر أن كلمة قد حرف تصحيف كما هو ظاهر من كتب السير ففي المغازي ٢ / ٨٨٦ : وكان شيخا مجربا. وكذلك في سيرة ابن هشام ٤ / ٦٠.

٣١١

مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وثغاء الشاة وبكاء الصغير. قالوا : لأن مالكا أمر الناس بالمجيء بالأهل والمال. قال : ادعوه لي. فدعوه. فقال : يا مالك قد أصبحت رئيس قومك ، وهذا يوم كائن لما بعده من الأيام ، فلم سقت مع الناس نساءهم وأموالهم. قال : أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله يقاتل عنهم. قال دريد : وهل يرد بذلك المنهزمة إن كانت والله لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك وقومك ، فأرجع الأهل والمال الى ممتنع بلادهم وعلياء قومهم. ثم الق عدوك على متون الحيل ، فإن كانت لك لحق بك وراءك(١) ، وإن كانت عليك كنت قد احرزت أهلك ومالك. فكره مالك أن يكون لدريد في ذلك أمر ، فلاطفه في القول ، وقال لهوازن : هذا شيخ قد كبر وكبر عقله. فأحسّ ذلك منه دريد. فقال شعرا :

يا ليتني فيها جذع

أخب فيها وأضع(٢)

وكان ذلك مما هيّئه الله ويسّره من أموالهم ليفيئه على رسوله صلوات الله عليه وآله ، فسار رسول الله صلوات الله عليه وآله إليهم في اثنى عشر ألف مقاتل ، وذلك أنه قدم مكة في عشرة آلاف وخرج معه منها ألفان ، فلما قرب من المشركين وهم بحنين تفرقوا له وكمنوا له في واد على طريقه إليهم سبقوه إليه ـ وفيه شعاب ومضايق ـ ، فلما صار المسلمون فيه وقد أعجبتهم ـ كما قال الله

__________________

(١) وفي نسخة الأصل : قومك.

(٢) وأضاف ابن هشام ٤ / ٦١ والقمي في تفسيره ١ / ٢٨٦ :

أقود وطفاء الزمع

كأنها شاة صدع

الجذع : الشاب الحدث ، ويريد به منا قوة الشباب ، الوطفاء : الطويلة الشعر. والشاة : الوعل.

صدع : متوسط بين العظيم والحقير.

٣١٢

عز وجل ـ كثرتهم(١) لم يشعروا إلا بكتائب المشركين قد خرجت إليهم من تلك الشعاب والمضايق ، وشدوا عليهم شدة رجل واحد ، فانشمروا راجعين لا يلوي أحد منهم على أحد.

( قوله : انشمروا : أي انقبضوا ، ومنه تشمير الثوب ).

وثبت رسول الله صلوات الله عليه وآله في خمسة من بني عبد المطلب. وعلي صلوات الله عليه شاهر سيفه ، يحميه ويضرب دونه ، والعباس آخذ بلجام بغلة رسول الله صلوات الله عليه وآله وكان يومئذ راكبا على بغلة ، وقال رسول الله صلوات الله عليه وآله للعباس ـ وكان رجلا صيتا ـ : ناد بالناس وعرّفهم مكاني ، وقد أمعن الناس في الهزيمة كما أخبر الله عز وجل بقوله : «وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ » (٢) يعني الذين ثبتوا مع رسول الله صلوات الله عليه وآله ، فظهر من المنافقين يومئذ ما يسرّونه ، فأخرج أبو سفيان أزلاما من كنانته فضرب بها ، وقال : إني أرى أنها هزيمة لا يردها إلا البحر. وقال آخرون منهم(٣) : اليوم بطل السحر. وهمّ شيبة ابن عثمان بن أبي طلحة بأن يقتل رسول الله صلوات الله عليه وآله ، وقال : اليوم أدرك ثأر أبي ، وكان أبوه قتل ببدر ، قال : فتغشى فؤادي شيء لم أملك معه نفسي ، فعلمت أنه ممنوع مني. ونظر علي صلوات الله عليه وهو يجالد بين يدي رسول الله صلوات الله عليه وآله ويذب عنه الى صاحب لواء المشركين وهو من هوازن على جمل والراية معه وهو يطعن بها في المسلمين وقد تضايقوا في وعرهم

__________________

(١) التوبة : ٢٥.

(٢) التوبة : ٢٥ ـ ٢٦.

(٣) وهم : كلدة وجبلة ابنا الحنبل.

٣١٣

منهزمين. فأهوى علي صلوات الله عليه الى صاحب الراية(١) من خلفه فضرب عرقوبي جمله بالسيف فحلهما(٢) فوقع الجمل على عجزه ، وسقط صاحب الراية عنه فعلاه بالسيف فقتله ، فصار حدا والجمل حدا بين المسلمين والمشركين. ونادى العباس ـ بأعلى صوته ـ يا معشر المسلمين ، يا معشر المهاجرين والأنصار يا أصحاب الشجرة ويا أهل بيعة الرضوان هلمّوا الى نبيكم ، فهذا هو!. فجعلوا ينادون من كل جانب : لبيك لبيك!. ولم يكونوا ظنوا إلا أن رسول الله صلوات الله عليه وآله قد قتل ، أو رجع فيمن رجع ، فجعل الرجل منهم يريد أن يصل إليه بفرسه أو على بعيره فلا يقدر لضيق المكان وازدحام الناس ، فيأخذ سلاحه ثم يرمي بنفسه عن مركبه ويدعه ويأتي رسول الله صلوات الله عليه وآله ولما اصيب صاحب لواء المشركين ولم يقدروا على أن يقيموا غيره مكانه انحلّ نظامهم واضطربوا وضرب الله عز وجل في وجوههم وأيّد رسوله بجنود لم تروها كما أخبر سبحانه ، فما رجع آخر الناس من الهزيمة إلا والأسارى بين يدي رسول الله مكتوفين والغنائم قد حيزت ، وكان من علي صلوات الله عليه يومئذ من البلاء ما لم يكن لأحد مثله ، وقامت الأنصار فيه لما انصرفوا مقاما حسنا.

[ مقتل دريد ]

ولحق يومئذ ربيعة بن رفيع دريد بن الصمة وهو على جمل في شجار.

( والشجار : خشب الهودج فاذا غشي صار هودجا ).

__________________

(١) وهو أبو جرول وكانت يرتجز :

أنا أبو جرول لا براح

حتى نبيح القوم أو نباح

فضربه علي صلوات الله عليه وهو يقول :

قد علم القوم لدى الصباح

إني في الهيجاء ذو نصاح

(٢) وفي الأصل : فقدهما.

٣١٤

فتوهم انه امرأة ، فأخذ بخطام الجمل وأناخه ، فإذا هو بشيخ كالفرخ ، فأخذ السيف وتقدم إليه ليقتله. فقال له دريد : ما ذا تريد؟؟ قال : أقتلك! ، قال : ومن أنت؟؟ قال : أنا ربيعة بن رفيع السلمي ، فضربه بسيفه فلم يصنع السيف فيه شيئا. فقال له دريد : بئسما أسلحتك امّك! خذ سيفي فهو في مؤخر الرحل في الشجار ، ثم اضرب به فارفع عن العظام واخفض عن الدماغ فإني كنت كذلك أضرب الرجل ، ثم اذا أتيت امّك فأخبرها إنك قتلت دريد بن الصمة وكثيرا ما منعت من نسائكم ، فقتله ثم أخبر أمه!. فقالت له : ويلك والله لقد أعتق من امّهاتك ثلاثا من الأسر.

[ الغنائم ]

وأصاب رسول الله صلوات الله عليه وآله من سبي هوازن ستة هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء ، ومن الإبل والشاة ما لا يدرى عدته. فقسم رسول الله كثيرا من سبيهم ، ثم وفد منهم على رسول الله صلوات الله عليه وآله وقد أسلموا. فقالوا : يا رسول الله ، إنا ونساءنا أهل مال وعيال وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا بفضلك فإنما نساءنا عماتك وخالاتك وحواضنك اللواتي كن يكفلنك ( يعنون : إنه كان صلوات الله عليه وآله استرضع فيهم ) ، وقالوا : يا رسول الله لو كنا ملحنا ( أي : أرضعنا ) الحارث بن أبي شمّر أو النعمان بن المنذر ثم نزل بنا مثل الذي نزل لرجونا عطفه وعايدته علينا وأنت خير المكفولين. فقال لهم رسول الله صلوات الله عليه وآله أبناؤكم ونساؤكم أحبّ إليكم أم أموالكم؟ قالوا : يا رسول الله إن خيّرتنا بين أموالنا ونسائنا ، فنساؤنا وأبناؤنا أحبّ إلينا. فقال لهم رسول الله صلوات الله عليه وآله : أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم ، فإذا أنا صلّيت الظهر بالناس ـ وكان ذلك بمكة ـ فقوموا وقولوا : إنا نستشفع برسول الله الى المسلمين وبالمسلمين الى

٣١٥

رسول الله في أبنائنا ونسائنا ، فسأعطيكم ذلك وأسأل لكم.

فلما صلّى رسول الله صلوات الله عليه وآله بالناس الظهر بمكة ، قاموا ، فتكلموا بالذي أمرهم به. فقال صلوات الله عليه وآله : أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم. قال المهاجرون : وما كان لنا فهو لرسول الله صلوات الله عليه وآله ، وقالت الأنصار : ما كان لنا فهو لرسول الله صلوات الله عليه وآله. فقال الأقرع بن حابس : أما أنا وبنو تميم ، فلا. وقال عيينة بن حصن : أما أنا وبنو فزارة ، فلا. وقال عباس بن مرداس : أما أنا وبنو سليم ، فلا. فقالت بنو سليم : بل ما كان لنا فهو لرسول الله صلوات الله عليه وآله. فقال رسول الله صلوات الله عليه وآله : أما من تمسك منهم بحقه من أهل السبي ، فله بكل نسمة منه سنة فرائض ( يعني من الغنيمة ) فرد الناس عليهم أبناءهم ونساءهم. وقسّم رسول الله صلوات الله عليه وآله المال على الناس. ونادى مناديه أدّوا الخياط والمخيط.

وكان عقيل بن أبي طالب قد دخل يومئذ على امرأته(١) وسيفه متلطخ بالدم. فقالت له : قد عرفت أنك قد قاتلت ، فما ذا أصبت من الغنيمة. فقال : دونك هذه الابرة تخيطي بها ، فاقتلع ابرة من ثوبه ، فدفعها إليها ، ثم سمع منادي رسول الله صلوات الله عليه وآله وهو يقول : أدّوا الخياط والمخيط فإن الغلول يكون على أهله عارا وشنارا يوم القيامة. فقال عقيل لامرأته : لا أرى ابرتك إلا وقد فاتتك ، فأخذها ورمى بها في المغنم.

[ عطاء المؤلّفة قلوبهم ]

وأعطى رسول الله صلوات الله عليه وآله المؤلّفة قلوبهم من الغنائم ما يستميلهم بذلك في الإسلام ، أعطى كل واحد منهم مائة من الإبل. قالوا : وقد

__________________

(١) وهي فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة.

٣١٦

كان ممن أعطاه ذلك أبو سفيان ابن حرب ومعاوية ابنه ، وحكيم بن حزام ، والحارث بن الحارث بن كلدة ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وخويطب بن عبد العزى ، والعلاء بن حارثة ، وعيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس ، ومالك بن عوف ، وصفوان بن أميّة فهؤلاء أكابر المؤلّفة قلوبهم يومئذ وأعطى آخرين منهم دون ذلك.

[ إسلام مالك بن عوف ]

وسأل رسول الله صلوات الله عليه وآله عن مالك بن عوف ـ سيد هوازن يومئذ ـ ما فعل؟؟ فقالوا : لحق بالطائف وتحصّن بها مع ثقيف يا رسول الله. قال : فأخبروه أنه إن أتاني مسلما رددت إليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل. فاخبر بذلك. فخرج من الطائف متسلّلا عن ثقيف لئلاّ يعلموا به فيحبسوه. وأتى رسول الله صلوات الله عليه ، فردّ عليه أهله وماله وزاده مائة من الإبل ، وأسلم وحسن إسلامه.

وتكلّم الناس فيما أعطاه رسول الله صلوات الله عليه وآله المؤلّفة قلوبهم على ضعف إسلامهم. فقيل إن قائلا قال : أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة من الإبل وتركت جعيل بن سراقة. فقال صلوات الله عليه : أما والذي نفسي بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلهم مثل عيينة والأقرع ولكن تألفتهما على الإسلام ووكلت جعيلا الى إسلامه.

( الطلاع : ما طلعت عليه الشمس من الأرض. يقال منه لو كان لي طلاع الأرض مالا لافتديت به من هول المطلع ).

وبلغه صلوات الله عليه وآله مثل ذلك من الأنصار ، فجمعهم ، ثم قال : يا معشر الأنصار ما مقالة بلغني عنكم أوجدة أوجدتموها في أنفسكم لما اعطيته

٣١٧

المؤلّفة قلوبهم. أفلم تكونوا(١) ضلالا فهداكم الله وعالة فأغناكم الله وأعداء فألّف بين قلوبكم؟؟ قالوا : لله ولرسوله المنّ والفضل. قال : ألا تجيبون يا معشر الأنصار؟؟ قالوا بما ذا نجيبك يا رسول الله؟؟ قال : أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم ، أتيتنا مكذوبا فصدقناك ، ومخذولا فنصرناك ، وطريدا فآويناك ، فوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا ، تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتكم الى إسلامكم ، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله الى منازلكم ، فو الذي نفس محمد بيده لو لا الهجرة لكنت رجلا من الأنصار ، ولو سلك الناس شعبا وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار. اللهمّ ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار.

( اللعاعة : بقلة ناعمة شبهها صلوات الله عليه وآله وضربها مثلا بنعيم الدنيا ، كما قال ـ في موضع آخر ـ : الدنيا حلوة خضرة ).

فهذه أخبار أهل السير من العامة وثقات أصحاب الحديث منهم عندهم يخبرون أن معاوية من المؤلّفة قلوبهم ويخبرون عن فضل علي صلوات الله عليه. ثم معاوية بعد ذلك ينافس عليا صلوات الله عليه في الإمامة ويدّعيها معه!!!.

[٢٨٥] ورووا أيضا في ذلك أن رجلا وقف ورسول الله صلوات الله عليه وآله يقسم غنائم حنين يومئذ ، وقد أعطى المؤلّفة ما أعطاهم. فقال : يا محمد قد رأيت ما صنعت منذ اليوم ، فلم أراك عدلت ، فغضب رسول الله صلوات الله عليه وآله. فقال : ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟؟ مضى الرجل. فقال رسول الله صلوات الله عليه وآله : يخرج من ضيضىء هذا! قوم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من

__________________

(١) وفي نسخة ـ ب ـ : آثكم.

٣١٨

الدين كما يمرق السهم من الرمية ( يعني الخوارج ) وذكر أمرهم ، وسيأتي بتمامه في موضعه إن شاء الله تعالى.

فهذه غزوات رسول الله صلوات الله عليه وآله التي قاتل فيها المشركين لم يكن لأحد فيها من العناء والصبر والجلد والفضيلة مثل الذي كان لعلي صلوات الله عليه ، ثم علمت العرب أنه لا طاقة لها بحرب رسول الله صلوات الله عليه وآله ، فجعلت وفودها تفد عليه مسلمين مؤمنين به. وخرج صلوات الله عليه وآله الى تبوك واستخلف عليا صلوات الله عليه ، وقد ذكرت ما كان منه إليه عند ما ذكر الناس من تخلّفه ، وقوله له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، ولم يتخلّف علي صلوات الله عليه عن رسول الله صلوات الله عليه وآله في غزوة غيرها. ولم يكن فيها قتال وإنما وادع رسول الله صلوات الله عليه وآله فيها أهل تبوك على إعطائهم الجزية ، فكتب بذلك لهم عهدا ، وانصرف الى المدينة.

٣١٩

[ سرايا الرسول ]

فأما ما أخرجه رسول الله صلوات الله عليه وآله من السرايا فانه لم يبق أحد من أصحابه إلا أخرجه في سرية وأمر عليه غيره غير علي صلوات الله عليه فانه لم يؤمر عليه أحد قط إبانة لفضله واستحقاقه الإمامة من بعده. وغزاه غزوتين ـ غزوة اليمن وغزوة بني عبد الله بن سعيد من أهل فدك ـ فأرضى الله ورسوله فيهما. وكان آخر بعث بعثه رسول الله صلوات الله عليه وآله بعث اسامة بن زيد بن حارثة ، وقد نعيت نفسه إليه صلوات الله عليه وآله وأمره أن يوطيء الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين ، وأوعب معه جميع المهاجرين الأولين لم يبق منهم أحدا غير علي صلوات الله عليه إلا وقد أمره بالنفور مع اسامة بن زيد.

فاعتلّ صلوات الله عليه وآله العلّة التي قبض فيها وقد برّر أسامة بأصحابه.

وكان آخر ما عهده أن قال : نفذوا جيش اسامة ولا يتخلف أحد ممن أنفذه معه أراد أن يصفو الأمر لعلي صلوات الله عليه وألا يعارض أحد فيه ، فتثاقلوا الى أن قبض رسول الله صلوات الله عليه وآله ، وكان من أمرهم ما قد كان.

فهذه جملة ما جاء في السير عن العامة في فضل جهاد علي صلوات الله عليه. ونحن نذكر نكتا بعد ذلك مما روي في مثله.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

وفي تفسير فرات (٣٠٦) بسنده عن ابن عبّاس، قال: قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فينا خطيبا، فقال: الحمد لله على آلائه وبلائه عندنا أهل البيت أيّها، الناس إنّ الله تبارك وتعالى خلقني وأهل بيتي من طينة لم يخلق أحدا غيرنا ومن موالينا ثمّ قال: هؤلاء خيار خلقي، وحملة عرشي، وخزّان علمي، وسادة أهل السماء والأرض، هؤلاء البررة المهتدون المهتدى بهم، من جاءني بطاعتهم وولايتهم أولجته جنّتي وأبحته كرامتي، ومن جاءني بعداوتهم والبراءة منهم أولجته ناري وضاعفت عليه عذابي، وذلك جزاء الظالمين.

ويدلّ على المطلب ما مرّ من روايات التولّي والتبري، وجميع الأدلّة الدالّة على وجوب حبّهم ومتابعتهم وأنها تدخل الجنّة، وحرمة بغضهم وعصيانهم وأنها توجب النار.

وقد روى الثعلبي في تفسير قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) بإسناده إلى جرير بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله يقول: من مات على حبّ آل محمّد مات شهيدا، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفورا له، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائبا، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمنا مستكمل الإيمان، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد زفّ إلى الجنّة زفّا كما تزف العروس إلى بيت زوجها، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله زوّار قبره الملائكة بالرحمة، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السّنّة، ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه « آيس من رحمة الله »، ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة. انظره في كشف الاشتباه (١٦٤) وتفسير الكشاف ( ج ٤؛ ٢٢٠ - ٢٢١ ) وتفسير الفخر الرازيّ ( ج ٧؛ ٤٠٥ ) والعمدة (٥٤) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٢٦ ) وجواهر العقدين للسمهوديّ / العقد الثاني - الذكر العاشر (٢٥٣) من المخطوطة، وفرائد السمطين ( ج ٢؛ ٢٥٥ - ٢٥٦ ).

وفي مناقب الخوارزمي (٣٢) بسنده عن ابن عمر، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا ومن

__________________

(١) الشورى؛ ٢٣.

٤٠١

مات على حبّ آل محمّد فأنا كفيله بالجنّة مع الأنبياء، ألا ومن أبغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه « آيس من رحمة الله ».

والروايات في هذا المعنى في أهل البيت من طرق الفريقين كثيرة، يتعذر إحصاؤها وتعداد المصادر الّتي أوردتها، وفيما ذكرناه وألمحنا إليه كفاية وغنى في المقام.

٤٠٢

الطّرفة العشرون

روى هذه الطّرفة بسنده عن عيسى، الشريف الرضي في خصائص الأئمّة ( ٧٣ - ٧٥ ) بعد الطّرفة السادسة عشر مباشرة، ورواها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٨٥ - ٤٨٧ ) عن كتاب الطّرف.

إنّ إرجاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر عن الصلاة الّتي كانت بأمر عائشة ممّا روي في كتب السنّة فضلا عن الشيعة، ورووا خروجهصلى‌الله‌عليه‌وآله معتمدا على عليّعليه‌السلام والفضل بن العبّاس، فأخّر أبا بكر عن الصلاة، وكانت آخر صلاة صلاّهاصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمسلمين، ثمّ صعد المنبر فخطب، وكانت آخر خطبة لهصلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر.

ففي إرشاد القلوب ( ٣٣٨ - ٣٤١ ) عن حذيفة في خبر طويل، قال: واشتدت علّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدفعت عائشة صهيبا، فقالت: امض إلى أبي بكر وأعلمه أن محمّدا في حال لا ترجى، فهلموا إلينا أنت وعمر وأبو عبيدة ومن رأيتهم أن يدخل معكم، وليكن دخولكم المدينة باللّيل سرّا فدخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ليلا المدينة، ورسول الله قد ثقل ...

قال: وكان بلال مؤذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يؤذن بالصلاة في كلّ وقت صلاة، فإن قدر على الخروج تحامل وخرج وصلّى بالناس، وإن هو لم يقدر على الخروج أمر عليّ بن أبي طالب فصلّى بالناس، وكان عليّ والفضل بن العبّاس لا يزايلانه في مرضه ذلك، فلمّا أصبح رسول الله من ليلته تلك الّتي قدم فيها القوم الّذين كانوا تحت يدي أسامة أذّن بلال، ثمّ

٤٠٣

أتاه يخبره كعادته، فوجده قد ثقل، فمنع من الدخول إليه، فأمرت عائشة صهيبا أن يمضي إلى أبيها فيعلمه أنّ رسول الله قد ثقل وليس يطيق النهوض إلى المسجد، وعليّ بن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس، فاخرج أنت إلى المسجد وصلّ بالناس، فإنّها حالة تهيّئك وحجّة لك بعد اليوم.

قال: ولم يشعر الناس - وهم في المسجد ينتظرون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو عليّاعليه‌السلام يصلّي بهم كعادته الّتي عرفوها في مرضه - إذ دخل أبو بكر المسجد، وقال: إنّ رسول الله قد ثقل، وقد أمرني أن أصلّي بالناس ثمّ نادى الناس بلالا، فقال: على رسلكم رحمكم الله لأستأذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك، ثمّ أسرع حتّى أتى الباب فقال: إنّ أبا بكر دخل المسجد وتقدّم حتّى وقف في مقام رسول الله، وزعم أنّ رسول الله أمره بذلك وأخبر رسول الله الخبر، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أقيموني، أخرجوني إلى المسجد، والّذي نفسي بيده قد نزلت بالإسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن، ثمّ خرج معصوب الرأس يتهادى بين عليّ والفضل بن العبّاس ورجلاه تجرّان في الأرض، حتّى دخل المسجد، وأبو بكر قائم في مقام رسول الله وقد طاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الّذين دخلوا وتقدّم رسول الله فجذب أبا بكر من ردائه فنحّاه عن المحراب، وأقبل أبو بكر والنفر الّذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله، وأقبل الناس فصلّوا خلف رسول الله وهو جالس، وبلال يسمع الناس التكبير، حتّى قضى صلاته، ثمّ التفتصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم ير أبا بكر، فقال: أيها الناس، ألا تعجبون من ابن أبي قحافة وأصحابه الذين أنفذتهم وجعلتهم تحت يدي أسامة، وأمرتهم بالمسير إلى الوجه الّذي وجّهوا إليه، فخالفوا ذلك ورجعوا إلى المدينة ابتغاء الفتنة، ألا وإنّ الله قد أركسهم فيها، اعرجوا بي إلى المنبر.

فقامصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مسنّد حتّى قعد على أدنى مرقاة، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّه قد جاءني من أمر ربّي ما الناس صائرون إليه، وإني قد تركتكم على الحجّة الواضحة، ليلها كنهارها، فلا تختلفوا من بعدي كما اختلف من كان قبلكم من بني إسرائيل، أيّها الناس إنّي لا أحلّ لكم إلاّ ما أحلّه القرآن، ولا أحرّم عليكم إلاّ ما حرّمه القرآن، وإنّي مخلّف

٤٠٤

فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، هما الخليفتان فيكم، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فأسالكم بما ذا خلّفتموني فيهما، وليذادنّ يومئذ رجال عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل، فيقول رجال: أنا فلان وأنا فلان، فأقول: أمّا الأسماء فقد عرفت، ولكنّكم ارتددتم من بعدي، فسحقا لكم سحقا. ثمّ نزل عن المنبر وعاد إلى حجرته، ولم يظهر أبو بكر ولا أصحابه حتّى قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وانظر حرص عائشة وحفصة، كلّ منهما على تقديم أبيها للصلاة، وقول النبي لهما: « اكففن فإنّكنّ كصويحبات يوسف » وخروجه للصلاة وتأخيره أبا بكر في الإرشاد ( ٩٧ - ٩٨ ) وإعلام الورى ( ٨٢ - ٨٤ ) والمسترشد في الإمامة ( ١٢٤ - ١٢٦، ١٣٢، ١٤٢ - ١٤٣ ) والشافي في الإمامة ( ج ٢؛ ١٥٨ - ١٥٩ ).

وقال الكوفي في الاستغاثة (١١٧) بعد ذكره لروايات أبناء العامة في صلاة أبي بكر وإرجاع النبي إيّاه، قال: وأمّا رواية أهل البيتعليهم‌السلام في تقديمه للصلاة، فإنّهم رووا أنّ بلالا صار إلى باب رسول الله فنادى: الصلاة، وكان قد أغمي على رسول الله ورأسه في حجر عليّعليه‌السلام ، فقالت عائشة لبلال: مر الناس أن يقدّموا أبا بكر ليصلّي بهم، فإنّ رسول الله مشغول بنفسه، فظنّ بلال أنّ ذلك عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال للناس: قدّموا أبا بكر فيصلّي بكم، فتقدّم أبو بكر، فلمّا كبّر أفاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من غشوته، فسمع صوته، فقال عليّعليه‌السلام : ما هذا؟ قالت عائشة: أمرت بلالا يأمر الناس بتقديم أبي بكر يصلّي بهم، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أسندوني، أما إنّكنّ كصويحبات يوسف فجاءصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المحراب بين الفضل وعليّ وأقام أبا بكر خلفه ...

وأمّا ما روته كتب العامّة، فإنّه مرتبك من حيث التفاصيل، ففي بعضها أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبا بكر بالصلاة، وفي بعضها أنّ عائشة أمرته بذلك، وفي بعضها أنّ النبي أمر أن يصلّي أحدهم ولم يعيّن، فتنازعت عائشة وحفصة كلّ تريد تقديم والدها، إلى أن تقدّم أبو بكر، ثمّ نقلوا أنّ النبي خرج يهادي بين رجلين - لم يذكرهما البخاريّ، وذكرتهما المسانيد الأخرى، وهما عليّ والفضل - حتّى وقف يصلّي، قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١٤؛ ٢٣ ): فمنهم

٤٠٥

من قال: نحّاه وصلّى هو بالناس، ومنهم من قال: بل ائتم بأبي بكر كسائر الناس، ومنهم من قال: كان الناس يصلّون بصلاة أبي بكر، وأبو بكر يصلّي بصلاة رسول الله.

ولا يخفى عليك أنّه لا يجوز أن يتقدّم أحد على النبي في الصلاة وفي غيرها، خصوصا وأنّه لا بدّ من تقديم الأعلم والأفقه والهاشمي وغيرها من شروط تقدّم الإمام، وكلّها لا تصحّح تقدّم أحد على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خصوصا وأنّ في كثير من الروايات قولهم « لم يكن أبو بكر كبّر، فلمّا سمع حسّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تأخّر، فأخذ النبي بيده وأقامه إلى جنبه، فكبّر وكبّر أبو بكر بتكبيره، وكبّر الناس بتكبير أبي بكر »، فما كان أبو بكر سوى مسمع لصلاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما هو دأب المنادي في الصلاة.

ونقل ابن أبي الحديد في شرحه للنهج ( ج ٩؛ ١٩٧ ) كلام الشيخ أبي يعقوب يوسف بن إسماعيل اللمعاني؛ حيث قال في جملة كلامه: فكان - من عود أبي بكر من جيش أسامة بإرسالها [ أي عائشة ] إليه، وإعلامه بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يموت - ما كان، ومن حديث الصلاة بالناس ما عرف، فنسب عليّعليه‌السلام عائشة أنّها أمرت بلالا مولى أبيها أن يأمره فليصلّ بالناس؛ لأنّ رسول الله - كما روي - قال: « ليصلّ بهم أحدهم » ولم يعيّن، وكانت صلاة الصبح، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في آخر رمق يتهادى بين عليّ والفضل بن العبّاس، حتّى قام في المحراب كما ورد في الخبر وكان عليّعليه‌السلام يذكر هذا لأصحابه في خلواته كثيرا، ويقول: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقل « إنّكنّ لصويحبات يوسف » إلاّ إنكارا لهذه الحال، وغضبا منها؛ لأنّها وحفصة تبادرتا إلى تعيين أبويهما، وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله استدركها بخروجه وصرفه عن المحراب ....

وقد حقّق ابن الجوزيّ المسألة في كتابه « آفة أصحاب الحديث: ٥٥ » ثمّ قال: في هذه الأحاديث الصحاح المشروحة أظهر دليل على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان الإمام لأبي بكر؛ لأنّه جلس عن يساره، وقولهم: يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله، دليل على أنّ رسول الله كان الإمام.

والمحقّق من الروايات أنّ أبا بكر استغلّ مرض النبي، فتقدّم بأمر من ابنته عائشة، وإسناد من معه، إلى الصلاة، فلمّا أحسّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج يتهادى بين عليّعليه‌السلام والفضل، فأرجع أبا بكر ولم يكن ابتدأ بالصلاة، فكبّرصلى‌الله‌عليه‌وآله هو وصلّى قاعدا وصلّى خلفه المسلمون.

٤٠٦

قال المظفر في دلائل الصدق ( ج ٢؛ ٦٣٣ ): والحقّ أنّه لم يصلّ بالناس إلاّ في صلاة واحدة وهي صلاة الصبح؛ تلبّس بها بأمر ابنته، فعلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج يتهادى بين عليّعليه‌السلام والعبّاس أو ابنه الفضل، ورجلاه تخطّان في الأرض من المرض، وممّا لحقه من تقدّم أبي بكر ومخالفة أمره بالخروج في جيش أسامة، فنحّاه النبي وصلّى ثمّ خطب، وحذّر الفتنة، ثمّ توفي من يومه وهو يوم الإثنين، وقد صرّحت بذلك أخبارنا، ودلّت عليه أخبارهم؛ لإفادتها أنّ الصلاة الّتي تقدّم فيها هي الّتي عزله النبي عنها، وإنّها صبح الاثنين وهو الّذي توفي فيه.

وقد وردت هذه الروايات في أمّهات المصادر والصحاح، كصحيح البخاريّ ( ج ١؛ ٥٩ ) وفتح الباري ( ج ١؛ ٢٤٢ ) وشرح الكرمانيّ ( ج ٣؛ ٤٥ ) والموطّأ ( ج ١؛ ١٥٦ ) وصحيح مسلم بشرح النووي ( ج ٣؛ ٦١ ) ومسند أحمد بن حنبل ( ج ٥؛ ٣٢٢ ) والمصنّف لعبد الرزاق ( ج ٥؛ ٤٢٩ ) ودلائل النبوّة للبيهقي ( ج ٧؛ ١٩١ ) وتاريخ الطبريّ ( ج ٣؛ ١٩٥ - ١٩٦ / أحداث سنة ١١ ).

وانظر تحقيق الحال في الاستغاثة ( ١١١ - ١١٧ ) وبحار الأنوار ( ج ٢٨؛ ١٣٠ - ١٧٤ ) ففيه بحث قيّم للمجلسيرحمه‌الله ، ودلائل الصدق ( ج ٢؛ ٦٣٣ - ٦٤٢ ) وكتاب الإمامة للسيّد عليّ الميلاني ( ٢٨٥ - ٣٥٦ ) « رسالة في صلاة أبي بكر »، وهذه الكتب بحثت المسألة من خلال كتب العامّة فقط، فلاحظها ولاحظ مصادرها.

وفي كثير من المصادر - الإماميّة والعاميّة الذاكرة لهذا الحادث - خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الّتي أوصاهم فيها بالكتاب والعترة، وحذّرهم فيها من الفتن والفرقة، ففي أمالي المفيد (١٣٥) عن معروف بن خربوذ، قال: سمعت أبا عبد الله مولى العبّاس يحدّث أبا جعفر محمّد بن عليعليهما‌السلام ، قال: سمعت أبا سعيد الخدريّ يقول: إنّ آخر خطبة خطبنا بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لخطبة خطبنا في مرضه الّذي توفّي فيه، خرج متوكئا على عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وميمونة مولاته، فجلس على المنبر، ثمّ قال: يا أيّها الناس ...

وفي جواهر العقدين المخطوط (١٦٨) قال: ثمّ إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قام معتمدا على عليّعليه‌السلام والفضل

٤٠٧

حتّى جلس على المنبر وعليه عصابة، فحمد الله وأثنى عليه، وأوصاهم بالكتاب وعترته أهل بيته، ونهاهم عن التنافس والتباغض وودّعهم. وانظر الخطبة وخروجه إليها في الاحتجاج ( ٤٣ - ٤٧ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٤٢ ) عن أبي سعيد الخدريّ، وصحيح البخاريّ / باب مناقب الأنصار رقم ١١، وصحيح مسلم ( ج ٧؛ ٧٤ / فضائل الصحابة ) ومسند أحمد بن حنبل ( ج ٣؛ ١٥٦، ١٧٦، ١٨٨، ٢٠١ ).

ألا قد خلّفت فيكم كتاب الله وخلّفت فيكم العلم الأكبر وصيّي عليّ بن أبي طالب

تقدّم الكلام عن حديث الثقلين في الطّرفة العاشرة، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كتاب الله وأهل بيتي فإنّ اللّطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »، وذكرنا هناك أنّ علياعليه‌السلام هو رأس أهل البيت الثقل الثاني، ووردت روايات صريحة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: « كتاب الله وعليّ بن أبي طالب » كما تقدّم نقله عن كتاب مائة منقبة لابن شاذان ( ١٤٠ المنقبة ٨٦ ). ونزيد هنا أنّ الخوارزمي أخرجه أيضا في كتاب مقتل الحسينعليه‌السلام ( ج ١؛ ٣٢ ) والديلمي في إرشاد القلوب (٣٧٨) عن زيد بن ثابت أيضا.

كما تقدّم الكلام عن حديث « أنّ عليّا هو العلم » في الطّرفة الحادية عشر، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ عليّ بن أبي طالب هو العلم، فمن قصر دون العلم فقد ضلّ، ومن تقدّمه تقدّم إلى النار، ومن تأخّر عن العلم يمينا هلك، ومن أخذ يسارا غوى » فراجع.

ألا وهو حبل الله فاعتصموا به جميعا ولا تفرّقوا عنه

لقد روت المصادر الإماميّة والعاميّة هذا المضمون بأسانيد مختلفة، ويمكن تقسيم الروايات الواردة في هذا المعنى إلى ثلاثة أقسام: أوّلها: ما ورد فيه أنّ عليّا هو حبل الله، وثانيها: ما ورد فيه أنّ آل محمّد حبل الله، وثالثها: ما ورد فيه أنّ عليّا والأئمّة من ولده حبل الله.

٤٠٨

فأمّا القسم الأول: ففي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٧٦ ) قال: محمّد بن عليّ العنبريّ، بإسناده، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سأل أعرابي عن هذه الآية، فأخذ رسول الله يده فوضعها على كتف عليّ، فقال: يا أعرابي، هذا حبل الله فاعتصم به، فدار الأعرابي من خلف عليّ والتزمه، ثمّ قال: اللهمّ إنّي أشهدك أنّي اعتصمت بحبلك، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا. وروى نحوا من ذلك الباقر والصادقعليهما‌السلام ، وهو في ينابيع المودّة ( ج ١؛ ١١٨ ) عن المناقب، وانظر تفسير فرات ( ٩٠ / الحديث ٧٠ ) بسنده عن الباقر، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام ، وفيه أيضا ( ٩٠ / الحديث ٧١ ) بسنده عن ابن عبّاس، وفيه أيضا ( ٩١ / الحديث ٧٤ ) بسنده عن الصادقعليه‌السلام ، والفضائل لابن شاذان (١٢٥) عن السجادعليه‌السلام .

وفي تفسير فرات ( ٩٠، ٩١ / الحديث ٧٢ ) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، قال: ولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام الحبل الّذي قال الله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) ، فمن تمسّك به كان مؤمنا، ومن تركه خرج من الإيمان.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢١٧ ) عن ابن يزيد، قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن قوله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢) قال: عليّ بن أبي طالب حبل الله المتين. وهو في تفسير الصافي ( ج ١؛ ٢٨٥ ) والبرهان ( ج ١؛ ٣٠٥ ).

وفي أمالي الصدوق (١٦٥) بسنده عن حذيفة بن أسيد الغفاريّ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا حذيفة إنّه أخو رسول الله، ووصيّه وإمام أمّته، ومولاهم، وهو حبل الله المتين ...

وأمّا القسم الثاني: ففي تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢١٧ ) عن الباقرعليه‌السلام ، قال: آل محمّد هم حبل الله الّذي أمرنا بالاعتصام به، فقال:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٣) .

__________________

(١) آل عمران؛ ١٠٣.

(٢) آل عمران؛ ١٠٣.

(٣) آل عمران؛ ١٠٣.

٤٠٩

وفي شواهد التنزيل ( ج ١؛ ١٦٩ / الحديث ١٨٠ ) بسنده عن الصادقعليه‌السلام - في قوله:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) - قال: نحن حبل الله.

وانظر رواية هذا الخبر عن الصادقعليه‌السلام في ينابيع المودّة ( ج ١؛ ١١٨ ) ومجمع البيان ( ج ١؛ ٤٨٢ ) وأمالي الطوسي (٢٧٢) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٧٥ ) وخصائص الوحي المبين (١٨٣) ونقله أيضا في خصائصه (١٨٤) من طريق أبي نعيم إلى الصادقعليه‌السلام ، وانظر الصواعق المحرقة (٩٠) ونور الأبصار (١٠١).

وأمّا القسم الثالث: ففي أمالي الصدوق (٢٦) بسنده عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحبّ أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوال عليّا بعدي، وليعاد عدوّه، وليأتمّ بالأئمّة الهداة من ولده، فإنّهم خلفائي، وأوصيائي، وحجج الله على الخلق بعدي، وسادة أمّتي، وقادة الأتقياء إلى الجنّة، حزبهم حزبي، وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان. وهو في شواهد التنزيل ( ج ١؛ ١٦٨ / الحديث ١٧٧ ) بسنده عن الرضاعليه‌السلام ، ورواه البحراني في غاية المرام ( ٢٤٢ / الباب ٣٦ ) بأربعه طرق، وهو في روضة الواعظين (١٥٧).

وفي تفسير فرات ( ٩١ / الحديث ٧٣ ) بسنده عن الصادق ٧، قال: نحن حبل الله الّذي قال:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢) ، وولاية عليّ البرّ، فمن استمسك به كان مؤمنا، ومن تركه خرج من الإيمان. وهو في شواهد التنزيل ( ج ١؛ ١٦٩ / الحديثان ١٧٨، ١٧٩ ).

ويدلّ على هذا المطلب ما مرّ في حديث الثقلين، بلفظ « حبل ممدود ما بين السماء والأرض » أو « سبب طرفه بيد الله »، ولذلك أورد الثعلبي والسيوطي حديث الثقلين بهذه الألفاظ في تفسير قول تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٣) ، وفي أمالي الطوسي (١٥٧) بسنده عن الصادقعليه‌السلام ، قال: نحن السبب بينكم وبين الله. كما يدلّ

__________________

(١) آل عمران؛ ١٠٣.

(٢) آل عمران؛ ١٠٣.

(٣) آل عمران؛ ١٠٣.

٤١٠

عليه ما جاء في تفسير قوله تعالى:( إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ) (١) وأنّ الحبل من الله هو الكتاب العزيز، والحبل من الناس هو عليّ بن أبي طالب. انظر في ذلك تفسير فرات ( ٩٢ الحديث ٧٦ ) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢١٩ ) وتفسير الصافي ( ج ١؛ ٢٨٩ ) وتفسير البرهان ( ج ١؛ ٣٠٩ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٧٥ ).

لا تأتوني غدا بالدنيا تزفّونها زفّا، ويأتي أهل بيتي شعثا غبرا، مقهورين مظلومين، تسيل دماؤهم

إنّ المظلوميّة الّتي حلّت بأهل البيت والأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام ، وأتباعهم وشيعتهم، ممّا لا يحتاج إلى بيان، فقد أطبق التاريخ والمؤرخون على هذه الحقيقة، وأن الشيعة عموما، والفرقة الإماميّة خصوصا، لا قوا من الويلات والاضطهاد والتنكيل ما لم يلقه أيّ مذهب آخر، وكان بدء الظلم قد حلّ بهم بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ نزل الظلم بعليّ وفاطمة والحسن والحسين ومن بعدهم التسعة من ولد الحسينعليهم‌السلام ، هذا الظلم كلّه أنزل بهم مع كثرة وصايا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم بمثل قوله: « الله الله في أهل بيتي » وغيره من توصياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بهم، وتحذيره الأمّة من ظلمهم وأذاهم، وقد مرّ عليك في تخريجات كثير من المطالب الماضية ما فيه غنى وكفاية، ومن أوضحها وأصرحها ما جاء في حديث الثقلين من الأمر باتّباعهم وأنّه سبيل النجاة، والنهي عن التخلّف عنهم وإيذائهم وظلمهم، وأنّه يؤدي إلى الهلاك والنار.

ففي مناقب ابن المغازلي ( ١٦ - ١٨ ) بسنده عن امرأة زيد بن أرقم، قالت: أقبل نبي الله من مكّة في حجّة الوداع، حتّى نزل بغدير الجحفة بين مكّة والمدينة، فأمر بالدوحات فقمّ ما تحتهنّ من شوك، ثمّ نادى: الصلاة جامعة فصلّى بنا الظهر، ثمّ انصرف إلينا فقال: الحمد لله ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله لا شريك له؟ وأنّ محمّدا عبده ورسوله؟ وأنّ الجنّة حقّ وأنّ النار حقّ؟ وتؤمنون بالكتاب كلّه؟ قالوا: بلى، قال: فإني أشهد أن قد صدقتكم

__________________

(١) آل عمران؛ ١١٢.

٤١١

وصدّقتموني، ألا وإنّي فرطكم، وإنّكم تبعي، توشكون أن تردوا عليّ الحوض، فأسألكم حين تلقونني عن ثقلي كيف خلفتموني فيهما الأكبر منهما كتاب الله تعالى؛ سبب طرف بيد الله وطرف بأيديكم، فتمسّكوا به ولا تضلّوا، والأصغر منهما عترتي فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصّروا عنهم؛ فإنّي قد سألت لهم اللّطيف الخبير فأعطاني، ناصرهما لي ناصر، وخاذلهما لي خاذل، ووليّهما لي ولي، وعدوّهما لي عدوّ، ألا وإنّها لم تهلك أمّة قبلكم حتّى تتديّن بأهوائها، وتظاهر على نبوّتها، وتقتل من قام بالقسط، ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فرفعها، ثمّ قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، ومن كنت وليّه فهذا وليّه، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، قالها ثلاثا. وهو في العمدة ( ١٠٤ - ١٠٦ ) عن ابن المغازلي، وفيه « عن ابن امرأة زيد بن أرقم ».

وفي نظم درر السمطين ( ٢٣٣ - ٢٣٤ ) قال: وروى زيد بن أرقم، قال: أقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم حجّة الوداع، فقال: إنّي فرطكم على الحوض، وإنّكم تبعي، وإنّكم توشكون أن تردوا عليّ الحوض فأسألكم عن ثقلي؛ كيف خلفتموني فيهما الأكبر منهما كتاب الله والأصغر عترتي، فمن استقبل قبلتي، وأجاب دعوتي، فليستوص لهم خيرا - أو كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم وهو في ذخائر العقبى (١٦) حيث قال: أخرجه أبو سعيد في شرف النبوّة، ونقله عن نظم درر السمطين القندوزيّ في ينابيع المودّة ( ج ١؛ ٣٥ ) والسمهوديّ في جواهر العقدين المخطوط، في الذكر الرابع، ورواه عن زيد بن أرقم العلاّمة حميد المحلي في محاسن الأزهار كما في نفحات الأزهار ( ج ١؛ ٤٢٠ ). ولزيادة التوضيح ننقل هنا بعض ما يرتبط بهذا المطلب.

ففي المختار من مسند فاطمة (١٦٠) نقل عن البخاريّ في تاريخه، وابن عساكر في تاريخ دمشق، عن شريح، قال: أخبرني أبو أمامة والحارث بن الحارث، وعمرو بن الأسود في نفر من الفقهاء: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نادى في قريش فجمعهم، ثمّ قام فيهم ثمّ قال: يا معشر قريش، لا ألفين أناسا يأتوني يجرّون الجنّة، وتأتوني تجرون الدنيا، اللهمّ لا أجعل لقريش أن يفسدوا ما أصلحت أمّتي ...

٤١٢

ومن ذلك حديث المصحف والمسجد والعترة؛ ففي الخصال ( ١٧٤ - ١٧٥ ) بسنده عن جابر، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عزّ وجلّ: المصحف والمسجد والعترة، يقول المصحف: يا ربّ حرقوني ومزّقوني، ويقول المسجد: يا ربّ عطّلوني وضيّعوني، وتقول العترة: يا ربّ قتلونا وطردونا وشرّدونا، فأجثو للركبتين للخصومة، فيقول الله جلّ جلاله لي: أنا أولى بذلك. وانظر هذا الحديث في بحار الأنوار ( ج ٢؛ ٨٦ ) عن كتاب المستدرك المخطوط لابن البطريق، وبصائر الدرجات ( ٤٣٣ - ٤٣٤ ) ومقتل الحسين للخوارزمي ( ج ٢؛ ٨٥ ) عن جابر، ونقله الإمام المظفر في دلائل الصدق ( ج ٣؛ ٤٠٥ ) عن كنز العمال ( ج ٦؛ ٤٦ ) عن الديلمي، عن جابر، ونقله عن أحمد والطبراني وسعيد بن منصور، عن أبي أمامة الباهلي، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومن ذلك حديث مظلوميّة أهل البيت الّذي قاله النبي لأصحابه؛ ففي أمالي الصدوق ( ٩٩ - ١٠١ ) بسنده عن ابن عبّاس، قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان جالسا ذات يوم، إذ أقبل الحسنعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إلى أين يا بني؟ فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليمنى، ثمّ أقبل الحسينعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إلى أين يا بني؟ فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليسرى، ثمّ أقبلت فاطمةعليها‌السلام ، فلمّا رآها بكى، ثمّ قال: إليّ إليّ يا بنيّة، فأجلسها بين يديه، ثمّ أقبل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إليّ يا أخي، فما زال يدنيه حتّى أجلسه إلى جنبه الأيمن.

فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما ترى واحدا من هؤلاء إلاّ بكيت؟ أو ما فيهم من تسرّ برؤيته؟!

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : والّذي بعثني بالنبوّة واصطفاني على جميع البريّة، إنّي وإيّاهم لأكرم الخلق على الله عزّ وجلّ، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم:

أمّا عليّ بن أبي طالب، فإنّه أخي وشقيقي وصاحب الأمر بعدي وإنّي بكيت حين أقبل لأنّي ذكرت غدر الأمّة به بعدي، حتّى أنّه ليزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي، ثمّ لا يزال الأمر به حتّى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور( شَهْرُ

٤١٣

رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ ) (١) .

وأمّا ابنتي فاطمة، فإنّها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وإنّي لمّا رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي؛ كأنّي بها وقد دخل الذلّ بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقّها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي « يا محمّداه » فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية فتكون أوّل من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم عليّ محزونة، مكروبة، مغمومة، مغصوبة، مقتولة، فأقول عند ذلك: اللهمّ العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وذلّل من أذلّها، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتّى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين.

وأمّا الحسن، فإنّه ابني وولدي وبضعة منّي، وقرّة عيني وإنّي لمّا نظرت إليه تذكّرت ما يجري عليه من الذلّ بعدي، فلا يزال الأمر به حتّى يقتل بالسمّ ظلما وعدوانا، فعند ذلك تبكي ملائكة السبع الشداد لموته، ويبكيه كلّ شيء، حتّى الطير في جوّ السماء، والحيتان في جوف الماء، فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب، ومن زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام.

وأمّا الحسين، فإنّه منّي، وهو ابني وولدي، وخير الخلق بعد أخيه وإنّي لمّا رأيته تذكّرت ما يصنع به بعدي، كأنّي به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار، فأضمّه في منامه إلى صدري، وآمره بالرحلة عن دار هجرتي، وأبشّره بالشهادة، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله، وموضع مصرعه، أرض كرب وبلاء، وقتل وفناء، تنصره عصابة من المسلمين، أولئك من سادة شهداء أمّتي يوم القيامة، كأنّي أنظر إليه وقد رمي بسهم، فخرّ عن فرسه صريعا، ثمّ يذبح كما يذبح الكبش، مظلوما.

ثمّ بكى رسول الله وبكى من حوله، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، ثمّ قام وهو يقول: اللهمّ إنّي أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي، ثمّ دخل منزله.

__________________

(١) البقرة؛ ١٨٥.

٤١٤

وقد مرّ طرفا من هذا الحديث، وانظره في إرشاد القلوب (٢٩٥) وبشارة المصطفى ( ١٩٨ - ١٩٩ ) وفرائد السمطين ( ج ٢؛ ٣٤ - ٣٥ ) وبيت الأحزان ( ٧٣ - ٧٤ ).

وفي دلائل الصدق ( ٢٣٣ - ٢٣٤ ) بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: كنّا جلوسا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم، فأقبل فتية من بني عبد المطّلب، فلمّا نظر إليهم رسول الله اغرورقت عيناه بالدموع، فقلنا: يا رسول الله أرأيت شيئا تكرهه؟ قال: إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتطريدا وتشريدا، حتّى يجيء قوم من هاهنا - وأشار بيده إلى المشرق - أصحاب رايات سود وروى مثله في (٢٣٥) روايتين أخريين عن ابن مسعود أيضا، وروى مثله عن ابن مسعود أيضا في (٢٣٦) بلفظ « حتّى مرّت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسينعليهما‌السلام ».

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٠٩ ) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: بينا أنا وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ التفت إليّ فبكى، فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدّها، وطعن الحسن في فخذه، والسمّ الّذي يسقاه، وقتل الحسينعليه‌السلام .

وفي بصائر الدرجات (٦٨) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي، ويدخل جنّة ربّي جنّة عدن - قضيب من قضبانه غرسه ربّي بيده، فقال له: كن، فكان - فليتولّ عليّا والأوصياء من بعده، وليسلّم لفضلهم؛ فإنّهم الهداة المرضيّون، أعطاهم فهمي وعلمي، وهم عترتي من دمي ولحمي، أشكو إلى الله عدوّهم من أمّتي، المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي، والله ليقتلن ابني، لا أنالهم شفاعتي.

وانظر بصائر الدرجات ( ٦٨ - ٧٢ / الباب ٢٢ من الجزء الأوّل )، فإنّ فيه ثمانية عشر حديثا، تسعة منها في المعنى المراد، والإمامة والتبصرة ( ٤١ - ٤٥ ) ففيه أربعة أحاديث. وهذا الحديث مذكور في المصادر الّتي ذكرت الأحاديث المبشّرة بظهور المهدي من آل محمّد عجّل الله فرجه.

وفي تفسير فرات (٤٢٥) بسنده عن أنس بن مالك: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتى ذات يوم

٤١٥

ويده في يد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، ولقيه رجل، إذ قال له: يا فلان، لا تسبّوا عليّا، فانّه من سبّه فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ الله، والله - يا فلان - إنّه لا يؤمن بما يكون من عليّ وولد عليّ في آخر الزمان إلاّ ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد قد امتحن الله قلبه للإيمان، يا فلان، إنّه سيصيب ولد عبد المطّلب بلاء شديد، وأثرة، وقتل، وتشريد، فالله الله يا فلان في أصحابي وذرّيتي وذمّتي، فإنّ لله يوما ينتصف فيه للمظلوم من الظالم.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٩١ ) عن عطيّة العوفي، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اشتدّ غضب الله على اليهود حين قالوا: « عزير ابن الله »، واشتدّ غضب الله على النصارى حين قالوا: « المسيح ابن الله »، واشتدّ غضب الله ممّن أراق دمي وآذاني في عترتي.

وفي الاحتجاج ( ج ١؛ ١٩٦ - ١٩٧ ) عن أحمد بن همام، قال: أتيت عبادة بن الصامت في ولاية أبي بكر، فقلت: يا عبادة أكان الناس على تفضيل أبي بكر قبل أن يستخلف؟ فقال: يا أبا ثعلبة، إذا سكتنا عنكم فاسكتوا ولا تبحثوا، فو الله لعليّ بن أبي طالب كان أحقّ بالخلافة من أبي بكر، كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحقّ بالنبوة من أبي جهل، قال: وأزيدكم إنّا كنا ذات يوم عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاء عليّعليه‌السلام وأبو بكر وعمر إلى باب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدخل أبو بكر، ثمّ دخل عمر، ثمّ دخل عليّعليه‌السلام على أثرهما، فكأنّما سفي على وجه رسول اللهعليه‌السلام الرماد، ثمّ قال: يا عليّ أيتقدّمانك، وقد أمّرك الله عليهما؟!

فقال أبو بكر: نسيت يا رسول الله.

وقال عمر: سهوت يا رسول الله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما نسيتما ولا سهوتما، وكأنّي بكما قد سلبتماه ملكه، وتحاربتما عليه، وأعانكما على ذلك أعداء الله وأعداء رسوله، وكأنّي بكما قد تركتما المهاجرين والأنصار يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف على الدنيا، ولكأنّي بأهل بيتي وهم المقهورون المشتّتون في أقطارها، وذلك لأمر قد قضي.

ثمّ بكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى سالت دموعه، ثمّ قال: يا عليّ الصبر الصبر، حتّى ينزل الأمر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم، فإنّ لك من الأجر في كلّ يوم ما لا

٤١٦

يحصيه كاتباك، فإذا أمكنك الأمر فالسيف السيف، القتل القتل، حتى يفيئوا إلى أمر الله وأمر رسوله، فإنّك على الحقّ، ومن ناواك على الباطل، وكذلك ذرّيّتك من بعدك إلى يوم القيامة.

وقد صرّح أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام في كلماتهم وخطبهم بما حلّ بهم من الظلم، وأنّ القوم لم يرعوا فيهم حقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يطيعوه، ولم يسمعوا وصاياه

ففي كتاب سليم بن قيس ( ١٠٨ - ١١١ ) قال أبان: قال لي أبو جعفر الباقرعليه‌السلام : ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش وتظاهرهم علينا وقتلهم إيّانا، وما لقيت شيعتنا ومحبّونا من الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبض وقد قام بحقّنا، وأمر بطاعتنا، وفرض ولايتنا ومودّتنا، وأخبرهم بأنّا أولى الناس بهم من أنفسهم، وأمر أن يبلّغ الشاهد الغائب، فتظاهروا على عليّعليه‌السلام ثمّ بايعوا الحسن بن عليّعليهما‌السلام بعد أبيه وعاهدوه، ثمّ غدروا به وأسلموه، ووثبوا به حتّى طعنوه بخنجر في فخذه، وانتهبوا عسكره ثمّ بايع الحسينعليه‌السلام من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا، ثمّ غدروا به، ثمّ خرجوا إليه فقاتلوه حتّى قتل، ثمّ لم نزل أهل البيت منذ قبض رسول الله نذلّ ونقصى ونحرم ونقتل ونطرد، ونخاف على دمائنا وكلّ من يحبنا فقتلت الشيعة في كلّ بلدة، وقطعت أيديهم وأرجلهم، وصلبوا على التهمة والظنّة، وكان من ذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره، ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان ابن زياد بعد قتل الحسينعليه‌السلام ، ثمّ جاء الحجّاج فقتلهم بكلّ قتلة وبكلّ ظنّة وبكلّ تهمة، حتّى أنّ الرجل ليقال له: زنديق أو مجوسي، كان ذلك أحبّ إليه من أن يشار إليه أنّه من شيعة الحسينعليه‌السلام ونقل هذه الرواية مبتورة ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١١؛ ٤٣ - ٤٤ ).

وفي بشارة المصطفى (٢٠٠) عن عمر بن عبد السلام، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: ما بعث الله نبيّا قطّ من أولي الأمر ممّن أمر بالقتال إلاّ أعزّه الله، حتّى يدخل الناس في دينه طوعا وكرها، فإذا مات النبي وثب الّذين دخلوا في دينه كرها، على الّذين دخلوا طوعا، فقتلوهم واستذلّوهم، حتّى أن كان النبي يبعث بعد النبي فلا يجد أحدا يصدّقه أو يؤمن له، وكذلك فعلت هذه الأمّة، غير أنّه لا نبي بعد محمّد ...

٤١٧

وفي تفسير فرات (١٤٩) بسنده عن منهال بن عمرو، قال: دخلنا على عليّ ابن الحسينعليهما‌السلام بعد مقتل الحسينعليه‌السلام ، فقلت له: كيف أمسيت؟ قالعليه‌السلام : ويحك يا منهال، أمسينا كهيئة آل موسى في آل فرعون؛ يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، أمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّدا منها، وأمست قريش تفتخر على العرب بأنّ محمّدا منها، وأمسى آل محمّد مخذولين مقهورين مقبورين، فإلى الله نشكو غيبة نبيّنا، وتظاهر الأعداء علينا.

وفي تفسير فرات (٣٨٢) بسنده عن زيد بن عليّ - وهو من خيار علماء الطالبيّين - أنّه قال في بعض رسائله: ألستم تعلمون أنّا أهل بيت نبيّكم المظلومون المقهورون من ولايتهم، فلا سهم وفينا، ولا ميراث أعطينا، ما زال قائلنا يقهر، ويولد مولودنا في الخوف، وينشأ ناشئنا بالقهر، ويموت ميّتنا بالذلّ ...

وكان أتباع أئمّة أهل البيت أيضا يصرّحون بمظلمة أئمتهمعليهم‌السلام من قبل الجبابرة والطواغيت؛ ففي كفاية الأثر (٢٥٢) بسنده عن أبي مريم عبد الغفّار بن القاسم، قال: دخلت على مولاي الباقرعليه‌السلام وقلت: بأبي أنت وأمّي يا بن رسول الله، فما نجد العلم الصحيح إلاّ عندكم، وإنّي قد كبرت سنّي ودقّ عظمي ولا أرى فيكم ما أسرّ به، أراكم مقتّلين مشرّدين خائفين ....

وفيه أيضا ( ٢٦٠ - ٢٦١ ) بسنده عن مسعدة، قال: كنت عند الصادقعليه‌السلام إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى، متّكئا على عصاه، فسلّم، فردّ أبو عبد اللهعليه‌السلام الجواب، ثمّ قال: يا بن رسول ناولني يدك أقبّلها، فأعطاه يده فقبّلها، ثمّ بكى، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما يبكيك يا شيخ؟ قال: جعلت فداك، أقمت على قائمكم منذ مائة سنة، أقول: هذا الشهر وهذه السنة، وقد كبرت سنّي ودقّ عظمي واقترب أجلي، ولا أرى ما أحبّ، أراكم مقتّلين مشرّدين، وأرى عدوّكم يطيرون بالأجنحة، فيكف لا أبكي؟! فدمعت عينا أبي عبد اللهعليه‌السلام ، ثمّ قال: يا شيخ إن أبقاك الله حتّى ترى قائمنا كنت معنا في السنام الأعلى، وإن حلّت بك المنيّة جئت يوم القيامة مع ثقل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن ثقله، فقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي مخلّف فيكم الثقلين، فتمسكوا بهما لن تضلوا؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي ....

٤١٨

وسيأتي ما يتعلّق بالمطلب عند ما سنذكره من حديث الرايات الخمس - أو الأربع - في الطّرفة الثانية والثلاثين، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ابيضّت وجوه واسودّت وجوه، وسعد أقوام وشقي آخرون ».

إيّاكم وبيعات الضلالة، والشورى للجهالة

مرّ ما يتعلّق ببيعات الضلالة في الطّرفة السادسة، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « البيعة بعدي لغيره ضلالة وفلتة وزلة »، وعند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « بيعة الأوّل ضلالة ثمّ الثاني ثمّ الثالث »، وبقي هنا أن نبيّن موقف عليّعليه‌السلام وأهل البيتعليهم‌السلام من الشورى، وكيف أنّها كانت مؤامرة ضد عليّ وأهل البيتعليهم‌السلام .

وأجلى نصّ في ذلك هو ما ثبت عن عليّعليه‌السلام في خطبته الشقشقيّة الرائعة الّتي صحّت روايتها في كتب أعاظم الفريقين، وإليك نصّها من نهج البلاغة ( ج ١؛ ٣٠ ) حيث يقولعليه‌السلام : أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهبا، حتّى مضى الأوّل لسبيله، فأدلى بها إلى عمر بعده فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته؛ لشدّ ما تشطّرا ضرعيها فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة، حتّى إذا مضى لسبيله، جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم، فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب في مع الأوّل منهم حتّى صرت أقرن إلى هذه النظائر فصغى رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن، إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ....

ورواها سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص (١٢٤) بلفظ « حتّى إذا مضى لسبيله جعلها شورى بين ستّة زعم أنّي أحدهم، فيا لله والشورى! فيم وبم ولم يعرض عنّي؟! » وللاطلاع على هذه الخطبة والوقوف على ألفاظها يراجع كتاب « نهج البلاغة مصادره وأسانيده » للسيّد المرحوم عبد الزهراء الحسيني الخطيب، وهو مطبوع في أربع مجلدات.

والّذي صغى في الشورى لضغنه وحقده هو سعد بن أبي وقاص؛ لأنّ عليّاعليه‌السلام

٤١٩

قتل الصناديد من أخواله في سبيل الله، وقيل: أنّه طلحة بن عبيد الله؛ لأنّه كان منحرفا عن عليّعليه‌السلام ، وكان ابن عمّ أبي بكر، فأراد صرف الخلافة عن عليّ، وأمّا الّذي مال إلى صهره فهو عبد الرحمن بن عوف؛ لأنّه كان زوج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط؛ وهي أخت عثمان لأمّه أروى بنت كريز، وأمّا الهن والهن فهي الأشياء الّتي كرهعليه‌السلام ذكرها، من حسدهم إيّاه، واتّفاق عبد الرحمن مع عثمان أن يسلّمه الخلافة ليردّها عليه من بعده، ولذلك قال عليّعليه‌السلام لابن عوف بعد مبايعة عثمان: « والله ما فعلتها إلاّ لأنّك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه، دقّ الله بينكما عطر منشم »، فمات عبد الرحمن وعثمان متباغضين.

وكان شكل المؤامرة أنّ عمر جعلها في ستّة، وجعل الخيار الأخير بيد عبد الرحمن بن عوف؛ لمعرفته بميوله إلى عثمان، والمؤامرة المحاكة ضدّ عليّعليه‌السلام ، ليتسلّمها ابن عوف من بعد، فوهب طلحة حقّه لعثمان، ووهب الزبير حقّه لعليّ، فتعادل الأمر، ثمّ وهب سعد بن أبي وقاص حقّه لعبد الرحمن بن عوف، ثمّ أخرج عبد الرحمن نفسه على أن يختار عليّا أو عثمان، فاختار عثمان، فيكون عمر المخطّط لإبعاد الخلافة عن عليّعليه‌السلام ، والباقون - سوى الزبير - منفّذين لغصب الخلافة من عليّعليه‌السلام . انظر في ذلك شرح النهج لابن أبي الحديد ( ج ١؛ ١٨٧ - ١٩٦ ) وشرح النهج لابن ميثم البحراني ( ج ١؛ ٢٦١ - ٢٦٢ ) وشرح محمّد عبده ( ج ١؛ ٣٥ ) ومنهاج البراعة للقطب الراونديّ ( ج ١؛ ١٢٧ - ١٢٨ ).

وفي كتاب سليم بن قيس ( ١٠٨ - ١٠٩ ) قال أبان بن عيّاش: قال لي أبو جعفرعليه‌السلام : ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش، وتظاهرهم علينا، وقتلهم إيّانا، وما لقيت شيعتنا ومحبّونا من الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبض وقد قام بحقّنا وأمر بطاعتنا، وفرض ولايتنا ومودّتنا، وأخبرهم بأنّا أولى بهم من أنفسهم، وأمر أن يبلّغ الشاهد الغائب، فتظاهروا على عليّعليه‌السلام ، فاحتجّ عليهم بما قال رسول اللهعليه‌السلام فيه، وما سمعت العامّة واحتجّوا على الأنصار بحقّنا، فعقدوها لأبي بكر، ثمّ ردّها أبو بكر إلى عمر يكافئه بها، ثمّ جعلها عمر شورى بين ستّة، ثمّ جعلها ابن عوف لعثمان على أن يردّها عليه، فغدر به عثمان، وأظهر ابن عوف كفره وجهله ونقل هذا الحديث مبتورا ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١١؛ ٤٣ ).

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502