شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار11%

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 502

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 502 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187758 / تحميل: 9852
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

( احكام الحج )

الحج من أهم الفرائض في الشريعة الاسلامية ، قال الله تعالى( ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين ) وفي المروي عن الامام الصادقعليه‌السلام أنه قال : ( من مات ولم يحج حجة الاسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تُجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً ).

( مسألة 523 ) : يجب الحج على البالغ العاقل المستطيع ، وتتحقق الاستطاعة بتوفر الاُمور التالية :

1 ـ سلامة البدن ، بمعنى ان يكون متمكناً من مباشرة الحج بنفسه ، فالمريض أو الهرم ـ اي كبير السن ـ الذي لا يتمكن من أداء الحج إلى آخر عمره ، أو كانت مباشرته لأداء الحج موجبةً لوقوعه في حرج شديد لا يتحمل عادة لا يجب عليه الحج بنفسه.

2 ـ تخلية السرب : ويقصد بها ان يكون الطريق مفتوحاً ومأموناً ، فلا يكون فيه مانع لا يمكن معه من الوصول إلى اماكن أداء المناسك ، وكذلك لا يكون خطراً على النفس أو المال أو العرض والا لم يجب الحج.

وإذا كان طريق الحج مغلقاً أو غير مأمون الا لمن يدفع مبلغاً من المال فان كان بذله مُجحِفاً بحال الشخص لم يجب عليه ذلك والا وجب وان كان المبلغ معتداً به.

٢٢١

3 ـ النفقة ، ويقصد بها كل ما يحتاج اليه في سفر الحج من تكاليف الذهاب والاياب ـ أو الذهاب فقط لمن لا يريد الرجوع إلى بلده ـ وأجور المسكن وما يصرف خلال ذلك من المواد الغذائية والأدوية وغير ذلك.

4 ـ الرجوع إلى الكفاية ، وهو ان يتمكن بالفعل أو بالقوة من اعاشة نفسه وعائلته بعد الرجوع إذا خرج إلى الحج وصرف ما عنده في نفقته بحيث لا يحتاج إلى التكفف ولا يقع في الشدة والحرج بسبب الخروج إلى الحج وصرف ما عنده من المال في سبيله.

5 ـ السعة في الوقت ، بان يكون له متسع من الوقت للسفر إلى الأماكن المقدسة واداء مناسك الحج فلو حصل له المال الكافي لأداء الحج في وقت متأخر لا يتسع لتهيئة متطلبات السفر إلى الحج ـ من تحصيل الجواز والتأشيرة ونحو ذلك ـ أو كان يمكن ذلك ولكن بحرج ومشقة شديدة لا تتحمل عادة ففي هذه الحالة لا يجب عليه الحج في هذا العام ، وعليه أن يحتفظ بماله لأداء الحج في عام لاحق إذا كان محرزاً تمكنه من ذلك من دون عوائق اخرى وكان التصرف فيه يخرجه عن الاستطاعة بحيث لا يتيسر له التدارك ، واما مع عدم احراز التمكن من الذهاب لاحقاً أو تيسر تدارك المال فلا بأس بصرفه وعدم التحفظ عليه.

( مسألة 524 ) : إذا كان عنده ما يفي بنفقات الحج ولكنه كان مديناً بدين مستوعب لما عنده من المال أو كالمستوعب بان لم يكن وافياً لنفقاته لو اقتطع منه مقدار الدين ـ لم يجب عليه الحج ، الا إذا كان مؤجلاً بأجل بعيد جداً كخمسين سنة مثلاً.

( مسألة 525 ) : إذا وجب عليه الحج وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرها من الحقوق الواجبة لزمه اداؤها ولم يجز له تأخيرها لأجل السفر إلى

٢٢٢

الحج ، ولو كان ساتره في الطواف أو في صلاة الطوف من المال الذي تعلق به الخمس أو نحوه من الحقوق لم يصحا على الأحوط لزوماً ، ولو كان ثمن هدية من ذلك المال لم يجزئه إلاّ إذا كان الشراء بثمن في الذمة والوفاء من ذلك المال.

( مسألة 526 ) : تجب الاستنابة في الحج اي ارسال شخص للحج عن غيره في حالات ثلاث :

أ ـ إذا كان الشخص قادراً على تأمين نفقة الحج ولكنه كان في حال لا يمكنه معها فعل الحج لمرض ونحوه.

ب ـ إذا كان متمكناً من ادائه بنفسه فتسامح ولم يحج حتى ضعف عن الحج وعجز عنه بحيث لا يأمل التمكن منه لاحقاً.

ج ـ إذا كان متمكناً من أداء الحج ولم يحج حتى مات فيجب ان يستأجر من تركته من يحج عنه.

( مسألة 527 ) : الحج على ثلاثة أنواع : حج التمتع ، وحج الافراد ، وحج القران ، والأول هو وظيفة كل من كان محل سكناه يبعد عن مكة المكرمة اكثر من ثمانية وثمانين كيلومترا ، والآخران وظيفة من كان من اهل مكة أو من كانت المسافة بين محل سكناه ومكة اقل من المقدار المذكور كالمقيمين في جدة.

( مسألة 528 ) : يتألف حج التمتع من عبادتين الأولى ( العمرة ) والثانية ( الحج ) وتجب في عمرة التمتع خمسة أمور حسب الترتيب الآتي :

1 ـ الإحرام بالتلبية.

٢٢٣

2 ـ الطواف حول الكعبة المعظمة سبع مرات.

3 ـ صلاة الطواف خلف مقام إبراهيمعليه‌السلام .

4 ـ السعي بين الصفا والمروة سبع مرات.

5 ـ التقصير بقص شيء من شعر الرأس أو اللحية أو الشارب.

ويجب في حج التمتع ثلاثة عشر أمراً :

1 ـ الاحرام بالتلبية.

2 ـ الوقوف في عرفات يوم التاسع من ذي الحجة من زوال الشمس إلى غروبها.

3 ـ الوقوف في المزدلفة مقداراً من ليلة العيد إلى طلوع الشمس.

4 ـ رمي جمرة العقبة يوم العيد سبع حصيات.

5 ـ الذبح والنحر في يوم العيد أو فيما بعده إلى آخر أيام التشريق في منى.

6 ـ حلق شعر الرأس او التقصير في منى.

7 ـ الطواف بالبيت طواف الحج.

8 ـ صلاة الطواف خلف مقام إبراهيمعليه‌السلام .

9 ـ الطواف بالبيت طواف النساء.

11 ـ صلاة طواف النساء.

12 ـ المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر من ذي الحجة.

13 ـ رمي الجمار الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر.

٢٢٤

( مسألة 529 ) : يتألف حج الافراد من الامور الثلاثة عشر المذكور لحج التمتع باستثناء ( الذبح والنحر ) فانه ليس من اعماله ، كما يشترك حج القرآن مع حج الافراد في جميع الأعمال باستثناء أن المكلف يصحب معه الهدي وقت احرامه لحج القران ، وبذلك يجب الهدي عليه ، والاحرام له كما يصح ان يكون بالتلبية يصح ان يكون بالإشعار والتقليد.

ثم ان من تكون وظيفته حج الافراد أو حج القران يجب عليه أداء العمرة المفردة ايضاً إذا تمكن منها بل إذا تمكن منها ولم يتمكن من الحج وجب عليه اداؤها ، وإذا تمكن منهما معاً في وقت واحد فالأحوط لزوماً تقديم الحج على العمرة المفردة.

وتشترك عمرة المفردة مع عمرة التمتع في الامور الخمسة المذكورة ويضاف اليها : الطواف بالبيت طواف النساء وصلاة هذا الطواف خلف مقام إبراهيم ويتخير الرجل فيها بين التقصير والحلق ولا يتعين عليه التقصير كما في عمرة التمتع.

( مسألة 530 ) : كل واحد من افعال العمرة والحج ـ باقسامهما المذكورة ـ عمل عبادي لا بد من ادائه تخضعاً لله تعالى ، ولها الكثير من الخصوصيات والاحكام مما تكفلت لبيانها رسالة ( مناسك الحج ) فعلى من يروم ادائها ان يتعلم احكامها بصورة وافية لئلا يخالف وظيفته فينقص أو يبطل حجّه أو عمرته.

٢٢٥

٢٢٦

( أحكام زكاة المال )

الزكاة من الواجبات التي اهتم الشارع المقدّس بها ، وقد قرنها الله تبارك وتعالى بالصلاة في غير واحد من الآيات الكريمة ، وهي احدى الخمس التي بني عليها الإسلام ، وقد ورد أن الصلاة لا تقبل من مانعها ، وإنَّ من منع قيراطاً من الزكاة فليمت ان شاء يهودياً أو نصرانياً ، وهي على قسمين : زكاة الأموال ، وزكاة الأبدان ( زكاة الفطرة ) وسيأتي بيان القسم الثاني بعد ذلك.

( مسألة 531 ) : تجب الزكاة في اربعة اشياء :

(1) في الأنعام : الغنم بقسميها المعز والضأن ، والإبل ، والبقر ومنه الجاموس.

(2) في النقدين : الذهب والفضة.

(3) في الغلاّت : الحنطة والشعير ، والتمر والزبيب.

(4) في مال التجارة على ـ الأحوط وجوباً ـ.

ويعتبر في وجوبها في الجميع أمران :

( الأوّل ) : الملكية الشخصية ، فلا تجب في الأوقاف العامة ، ولا في المال الذي أوصى بان يصرف في التعازي أو المساجد ، أو المدارس ونحوها.

( الثاني ) : ان لا يكون محبوساً عن مالكه شرعاً ، فلا تجب الزكاة في الوقف الخاص ، والمرهون وما تعلق به حق الغرماء ، وأما المنذور التصدق به فتجب فيه الزكاة ولكن يلزم اداؤها من مال آخر لكي لا ينافي الوفاء بالنذر.

٢٢٧

( زكاة الحيوان )

( مسألة 532 ) : يشترط في وجوب الزكاة في الأنعام أمور : فلا تجب بفقدان شيء منها :

(1) استقرار الملكية في مجموع الحول ، فلو خرجت عن ملك مالكها اثناء الحول لم تجب فيها الزكاة ، والمراد بالحول هنا مضي احد عشر شهراً والدخول في الشهر الثاني عشر ـ وان كان الحول الثاني يبدأ من بعد انتهائه ـ وابتداء السنة فيها من حين تملّكها وفي نتاجها من حين ولادتها.

(2) تمكّن المالك ، أو وليّه من التصرف فيها في تمام الحول ، فلو غصبت أو ضلت ، أو سرقت فترة يعتد بها عرفاً لم تجب الزكاة فيها.

(3) السوم ، فلو كانت معلوفة ـ ولو في بعض السنة ـ لم تجب فيها الزكاة ، نعم لا يقدح في صدق السوم علفها قليلاً ، والعبرة فيه بالصدق العرفي ، وتحسب مدة رضاع النتاج من الحول وان لم تكن امهاتها سائمة.

(4) بلوغها حد النصاب ، وسيأتي بيانه.

( مسألة 533 ) : صدق السائمة على ما رعت من الأرض المستأجرة ، او المشتراة للرعي محل اشكال ، فثبوت الزكاة فيها مبني على ـ الاحتياط اللزومي ـ.

( مسألة 534 ) : لا يشترط في وجوب الزكاة في البقر والإبل زائداً على كونها سائمة ان لا تكون عوامل على ـ الأحوط لزوماً ـ فلو استعملت في

٢٢٨

السقي ، أو الحرث ، أو الحمل ، أو نحو ذلك فلا يترك الاحتياط باخراج زكاتها ، وإذا كان استعمالها من القلة بحد يصدق عليها انها فارغة ـ وليست بعوامل ـ وجبت فيها الزكاة بلا اشكال.

( مسألة 535 ) : في الغنم خمسة نصب :

(1) اربعون ، وفيها شاة.

(2) مائة واحدى وعشرون ، وفيها شاتان.

(3) مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياه.

(4) ثلاثمائة وواحدة ، وفيها اربع شياه.

(5) اربعمائة فصاعداً ففي كل مائة شاة ، وما بين النصابين في حكم النصاب السابق ـ والأحوط لزوماً ـ في الشاة المخرجة زكاة ان تكون داخلة في السنة الثالثة ان كانت معزاً ، وان تكون داخلة في السنة الثانية ان كانت ضأناً.

( مسألة 536 ) : في الإبل اثنا عشر نصاباً :

(1) خمس ، وفيها شاة.

(2) عشرة ، وفيها شاتان.

(3) خمس عشرة ، وفيها ثلاث شياه.

(4) عشرون ، وفيها اربع شياه.

(5) خمس وعشرون ، وفيها خمس شياه.

(6) ست وعشرون ، وفيها بنت مخاض ، وهي الداخلة في السنة الثانية.

(7) ست وثلاثون ، وفيها بنت لبون ، وهي الداخلة في السنة الثالثة.

٢٢٩

(8) ست واربعون ، وفيها حقة ، وهي الداخلة في السنة الرابعة.

(9) احدى وستون ، وفيها جذعة ، وهي التي دخلت في السنة الخامسة.

(10) ست وسبعون ، وفيها بنتا لبون.

(11) احدى وتسعون وفيها حقتان.

(12) مائة واحدى وعشرون فصاعداً ، وفيها حقة لكل خمسين ، وبنت لبون لكل اربعين ، بمعنى انه يتعين عدها بالأربعين اذا كان عادَّاً لها بحيث اذا حسبت به لم تكن زيادة ولا نقيصة ، كما اذا كانت مائة وستين رأساً ، ويتعين عدها بالخمسين اذا كان عاداً لها ـ بالمعنى المتقدم ـ كما اذا كانت مائة وخمسين رأساً ، وان كان كل من الأربعين والخمسين عاداً كما اذا كانت مأتي رأس تخير المالك في العدّ بأيّ منهما ، وان كانا معاً عادين لها وجب العد بهما كذلك كما اذا كانت مأتين وستين رأساً فيحسب خمسينين واربع اربعينات.

( مسألة 537 ) : في البقر نصابان :

(1) ثلاثون ، وزكاتها ما دخل منها في السنة الثانية ـ والأحوط لزوماً ـ ان يكون ذكراً.

(2) اربعون ، وزكاتها مسنّة ، وهي الداخلة في السنة الثالثة ، وفي ما زاد على اربعين يعد بثلاثين أو أربعين على التفصيل المتقدم ، وما بين النصابين في البقر والإبل في حكم النصاب السابق كما تقدم في الغنم.

( مسألة 538 ) : اذا تولى المالك اخراج زكاة ماله لم يجز له اخراج المريض زكاة اذا كان جميع النصاب في الانعام صحاحاً ، كما لا يجوز له

٢٣٠

اخراج المعيب اذا كان النصاب باجمعه سليماً ، وكذلك لا يجوز له اخراج الهرم اذا كان كان الجميع شباباً ، بل الأمر كذلك مع الاختلاف على ـ الأحوط لزوماً ـ نعم إذا كان جميع افراد النصاب مريضاً ، أو معيباً أو هرماً جاز له الإخراج منها.

( مسألة 539 ) : اذا ملك من الأنعام بمقدار النصاب ثم ملك مقداراً آخر بنتاج او شراء او غير ذلك ، ففيه صور :

( الأولى ) : ان يكون ملكه الجديد بعد تمام الحول لما ملّكه أولاً ، ففي هذه الصورة يبتدئ الحول للمجموع ، مثلاً إذا كان عنده من الابل خمس وعشرون ، وبعد انتهاء الحول ملك واحدة فحينئذٍ يبتدئ الحول لست وعشرين.

( الثانية ) : ان يكون ملكه الجديد اثناء الحول ، وكان هو بنفسه بمقدار النصاب ، ففي هذه الصورة لا ينضم الجديد إلى الملك الأوّل ، بل يعتبر لكل منهما حول بانفراده ـ وان كان الملك الجديد مكملاً للنصاب اللاحق على الأحوط لزوماً ـ ، فإذا كان عنده خمس من الابل فملك خمساً اخرى بعد مضي ستة اشهر ، لزم عليه اخراج شاة عند تمام السنة الأولى ، واخراج شاة اخرى عند تمام السنة من حين تملكه الخمس الاُخرى ، واذا كان عنده عشرون من الابل وملك ستة في اثناء حولها فالأحوط لزوماً ان يعتبر للعشرين حولاً وللستة حولاً آخر ويدفع على رأس كل حول فريضته.

( الثالثة ) : ان يكون ملكه الجديد مكملا للنصاب اللاحق ولا يعتبر نصاباً مستقلاً ، ففي هذه الصورة يجب اخراج الزكاة للنصاب الأوّل عند انتهاء سنته ، وبعده يضم الجديد الى السابق ، ويعتبر لهما حولا واحداً ، فاذا ملك ثلاثين من البقر ، وفي اثناء الحول ملك احد عشر رأساً من البقر

٢٣١

وجب عليه ـ بعد انتهاء الحول ـ اخراج الزكاة للثلاثين ويبتدئ الحول للاربعين.

( الرابعة ) : ان لا يكون ملكه الجديد نصاباً مستقلاً ولا مكملاً للنصاب اللاحق ، ففي هذه الصورة لا يجب عليه شيء لملكه الجديد ، وان كان هو بنفسه نصاباً لو فرض انه لم يكن مالكاً للنصاب السابق ، فاذا ملك اربعين رأساً من الغنم ثم ملك اثناء الحول اربعين غيرها لم يجب شيء في ملكه ثانياً ما لم يصل إلى النصاب الثاني.

( مسألة 540 ) : إذا كان مالكاً للنصاب لا أزيد ـ كاربعين شاة مثلاً ـ فحال عليه ، احوال فان اخرج زكاته كل سنة من غيره تكررت لعدم نقصانه حينئذٍ عن النصاب ، وان اخرجها منه أو لم يخرجها اصلاً لم تجب الا زكاة سنة واحدة ، ولو كان عنده ازيد من النصاب ـ كأن كان عنده خمسون شاة ـ وحال عليه احوال لم يؤد زكاتها وجبت عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين الى ان ينقص عن النصاب.

( مسألة 541 ) : لا يجب اخراج الزكاة من شخص الأنعام التي تعلقت الزكاة بها ، فلو ملك من الغنم اربعين جاز له ان يعطي شاة من غيرها زكاة.

٢٣٢

( زكاة النقدين )

يعتبر في وجوب الزكاة في الذهب والفضة أمور :

( الأوّل ) : كمال المالك بالبلوغ والعقل ، فلا تجب الزكاة في النقدين من اموال الصبي والمجنون.

( الثاني ) : بلوغ النصاب ، ولكل منهما نصابان ، ولا زكاة فيما لم يبلغ النصاب الأوّل منهما ، وما بين النصابين بحكم النصاب السابق ، فنصابا الذهب : خمسة عشر مثقالاً صيرفياً ، ثم ثلاثة فثلاثة ، ونصابا الفضة : مائة وخمسة مثاقيل ، ثم واحد وعشرون ، فواحد وعشرون مثقالاً وهكذا ، والمقدار الواجب اخراجه في كل منهما ربع العشر ( 2.5%).

( الثالث ) : ان يكونا من المسكوكات النقدية التي يتداول التعامل بها سواء في ذلك السكة الاسلامية وغيرها ، فلا تجب الزكاة في سبائك الذهب والفضة ، والحلي المتخذة منهما ، وفي غير ذلك مما لا يكون مسكوكاً او يكون من المسكوكات القديمة الخارجة عن رواج المعاملة.

وبذلك يعلم انه لا موضوع لزكاة الذهب والفضة في العصر الحاضر الذي لا يتداول فيه التعامل بالعملات النقدية الذهبية والفضية.

( الرابع ) : مضي الحول ، بان يبقى في ملك مالكه واجداً للشروط تمام الحول ، فلو خرج عن ملكه اثناء الحول ، أو نقص عن النصاب ، او الغيت سكته ـ ولو بجعله سبيكة ـ لم تجب الزكاة فيه ، نعم لو ابدل الذهب

٢٣٣

المسكوك بمثله ، أو بالفضة المسكوكة ، أو ابدل الفضة المسكوكة بمثلها ، أو بالذهب المسكوك كلاً أو بعضاً بقصد الفرار من الزكاة وبقي واجداً لسائر الشرائط الى تمام الحول فلا يترك الاحتياط باخراج زكاته حينئذٍ ، ويتم الحول بمضي احد عشر شهراً ، ودخول الشهر الثاني عشر.

( الخامس ) : تمكن المالك من التصرف فيه في تمام الحول ، فلا تجب الزكاة في المغصوب والمسروق ، والمال الضائع فترة يعتد بها عرفاً.

٢٣٤

( زكاة الغلات الأربع )

يعتبر في وجوب الزكاة في الغلات الأربع أمران :

( الأوّل : بلوغ النصاب ) ولها نصاب واحد وهو ثلاثمائة صاع ، وهذا يقارب ـ فيما قيل ـ ثمانمائة وسبعة واربعين كيلو غراماً(1) ، ولا تجب الزكاة في ما لم يبلغ النصاب ، فاذا بلغه وجبت فيه وفي ما يزيد عليه ، وان كان الزائد قليلاً.

( الثاني : الملكية حال تعلق الزكاة بها ) فلا زكاة فيها اذا تملكها الانسان بعد تعلق الزكاة بها.

( مسألة 542 ) : تتعلق الزكاة بالغلات حينما يصدق عليها اسم الحنطة

__________________

(1) ان نصاب الغلات قد حدد في النصوص الشرعية بالمكاييل التي كانت متداولة في العصور السابقة ولا تعرف مقاديرها اليوم بحسب المكاييل السائدة في هذا العصر ، كما لا يمكن تطبيق الكيل على الوزن بضابط عام يطرد في جميع انواع الغلات لانها تختلف خفة وثقلاً بحسب طبيعتها ولعوامل اُخرى ، فالشعير اخف وزناً من الحنطة بكثير كما ان ما يستوعبه المكيال من التمر غير المكبوس أقل وزناً مما يستوعبه من الحنطة لاختلاف افرادهما في الحجم والشكل مما تجعل الخلل والفُرَج الواقعة بين أفراد التمر ازيد منها بين افراد الحنطة ، بل ان نفس افراد النوع الواحد تختلف في الوزن بحسب اختلافها في الصنف وفي نسبة ما تحملها من الرطوبة ، ولذلك لا سبيل إلى تحديد النصاب بوزن موحد لجميع الانواع والاصناف ، ولكن الذي يسهل الأمر ان المكلف اذا لم يحرز بلوغ ما ملكه من الغلة حد النصاب لا يجب عليه اخراج الزكاة منه ومع كونه بالمقدار المذكور في المتن يقطع ببلوغه النصاب على جميع التقادير والمحتملات.

٢٣٥

أو الشعير ، أو التمر أو العنب ، إلاّ أن المناط في اعتبار النصاب بلوغها حده بعد يبسها ، حين تصفية الحنطة والشعير من التبن ، واجتذاذ التمر واقتطاف الزبيب ، فاذا كانت الغلة حينما يصدق عليها احد هذه العناوين بحد النصاب ، ولكنها لا تبلغه حينذاك لجفافها لم تجب الزكاة فيها.

( مسألة 543 ) : لا تتعلق الزكاة بما يؤكل ويصرف من ثمر النخل حال كونه بُسراً ( خلالاً ) أو رطباً وإن كان يبلغ مقدار النصاب لو بقي وصار تمراً ، وأمّا ما يؤكل ويصرف من ثمر الكرم عنباً فيجب إخراج زكاته لو كان بحيث لو بقي وصار زبيباً لبلغ حد النصاب.

( مسألة 544 ) : لا تجب الزكاة في الغلات الأربع إلاّ مرة واحدة ، فاذا ادى زكاتها لم تجب في السنة الثانية ، ولا يشترط فيها الحول المعتبر في النقدين والأنعام.

( مسألة 545 ) : يختلف مقدار الزكاة في الغلات باختلاف الصور الآتية :

( الأولى ) : ان يكون سقيها بالمطر ، أو بماء النهر ، أو بمصّ عروقها الماء من الأرض ونحو ذلك مما لا يحتاج السقي فيه إلى العلاج ، ففي هذه الصورة يجب اخراج عشرها ( 10% ) زكاة.

( الثانية ) : ان يكون سقيها بالدلو والرشا ، والدوالي والمضخات ونحو ذلك ، ففي هذه الصورة يجب اخراج نصف العشر ( 5% ).

( الثالثة ) : ان يكون سقيها بالمطر أو نحوه تارة ، وبالدلو أو نحوه تارة اُخرى ، ولكن كان الغالب احدهما بحد يصدق عرفاً انه سقي به ، ولا يعتد بالآخر ، ففي هذه الصورة يجري عليه حكم الغالب.

٢٣٦

( الرابعة ) : ان يكون سقيها بالأمرين على نحو الاشتراك ، بان لا يزيد احدهما على الآخر ، أو كانت الزيادة على نحو لا يسقط بها الآخر عن الاعتبار ، ففي هذه الصورة يجب اخراج ثلاثة ارباع العشر ( 7.5% ).

( مسألة 546 ) : المدار في التفصيل المتقدم في الثمرة عليها لا على شجرتها ، فاذا كان الشجر حين غرسه يسقى بالدلاء مثلا فلما بلغ اوان اثمارها صار يمص ماء النزيز بعروقه وجب فيه العشر 10%.

( مسألة 547 ) : إذا زرع الأرض حنطة ـ مثلاً ـ وسقاها بالمضخات أو نحوها ، فتسرّب الماء إلى ارض مجاورة فزرعها شعيراً فمصّ الماء بعروقه ولم يحتج الى سقي آخر فمقدار الزكاة في الزرع الأوّل 5% وفي الزرع الثاني 10% على ـ الأحوط لزوماً ـ ومثل ذلك ما إذا زرع الأرض وسقاها بعلاج ثم حصده وزرع مكانه شعيراً مثلا فمصّ الماء المتخلف في الأرض ولم يحتج الى سقي جديد فان ـ الأحوط لزوماً ـ ثبوت الزكاة فيه بنسبة 10%.

( مسألة 548 ) : لا يعتبر في بلوغ الغلات حدّ النصاب استثناء ما صرفه المالك في المؤن قبل تعلق الزكاة وبعده ، فلو كان الحاصل يبلغ حد النصاب ولكنه إذا وضعت المؤن لم يبلغه وجبت الزكاة فيه ، بل الأحوط لزوماً إخراج الزكاة من مجموع الحاصل من دون وضع المؤن ، نعم ما تأخذه الحكومة من اعيان الغلات لا تجب زكاته على المالك.

( مسألة 549 ) : اذا تعلقت الزكاة بالغلات لا يتعين على المالك تحمل مؤونتها إلى أوان الحصاد أو الاجتناء ، فان له المخرج عن ذلك بان يسلمها الى مستحقها ، أو الحاكم الشرعي وهي على الساق ، أو على الشجر ثم يشترك معه في المؤن.

( مسألة 550 ) : لا يعتبر في وجوب الزكاة أن تكون الغلة في مكان

٢٣٧

واحد ، فلو كان له نخيل أو زرع في بلد لم يبلغ حاصله حد النصاب ، وكان له مثل ذلك في بلد آخر ، وبلغ مجموع الحاصلين في سنة حد النصاب وجبت الزكاة فيه.

( مسألة 551 ) : إذا ملك شيئاً من الغلات وتعلقت به الزكاة ثم مات وجب على الورثة إخراجها ، وإذا مات قبل تعلقها به انتقل المال باجمعه الى الورثة ، فمن بلغ نصيبه حد النصاب ـ حين تعلق الزكاة به ـ وجبت عليه ، ومن لم يبلغ نصيبه حده لم تجب عليه.

( مسألة 552 ) : من ملك نوعين من غلة واحدة كالحنطة الجيدة والرديئة ، جاز له اخراج الزكاة منهما مراعياً للنسبة ، ولا يجوز اخراج تمامها من القسم الرديء على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 553 ) : إذا اشترك اثنان أو أكثر في غلة ـ كما في المزارعة وغيرها ـ لم يكف في وجوب الزكاة بلوغ مجموع الحاصل حد النصاب ، بل يختص الوجوب بمن بلغ نصيبه حده.

٢٣٨

( زكاة مال التجارة )

وهو المال الذي يتملكه الشخص بعقد المعاوضة قاصداً به الاكتساب والاسترباح ، فيجب ـ على الأحوط ـ أداء زكاته ، وهي ربع العشر ( 2.5% ) مع استجماع الشرائط التالية :

( الأوّل ) : كمال المالك بالبلوغ والعقل.

( الثاني ) : بلوغ المال حد النصاب وهو نصاب احد النقدين المتقدم في ص (233).

( الثالث ) : مُضيِّ الحول عليه بعينه من حين قصد الاسترباح.

( الرابع ) : بقاء قصد الاسترباح طول الحول ، فلو عدل عنه ونوى به القنية ، أو الصرف في المؤونة مثلاً في الأثناء لم تجب فيه الزكاة.

( الخامس ) : تمكن المالك من التصرف فيه في تمام الحول.

( السادس ) : ان يطلب برأس المال أو بزيادة عليه طول الحول ، فلو طلب بنقيصة اثناء السنة لم تجب فيه الزكاة.

٢٣٩

( من أحكام الزكاة )

يجب قصد القربة في أداء الزكاة حين تسليمها الى المستحق ، أو الحاكم الشرعي ، أو العامل المنصوب من قبله ، أو الوكيل في ايصالها الى المستحق ـ والأحوط استحباباً ـ استمرار النية حتى يوصلها الوكيل ، وان ادى قاصداً به الزكاة من دون قصد القربة فالأظهر تعيّنه واجزاؤه وإن أثم ، والأولى تسليم الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليصرفها في مصارفها.

( مسألة 554 ) : لا يجب اخراج الزكاة من عين ما تعلقت به فيجوز اعطاء قيمتها من النقود ، دون غيرها على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 555 ) : من كان له على الفقير دين جاز له ان يحتسبه زكاة ، سواء في ذلك موت المديون وحياته ، نعم يعتبر في المديون الميت ان لا تفي تركته باداء دينه ، أو يمتنع الورثة عن ادائه ، او يتعذر استيفاؤه لسبب آخر.

( مسألة 556 ) : يجوز اعطاء الفقير الزكاة من دون إعلامه بالحال.

( مسألة 557 ) : إذا أدى الزكاة الى من يعتقد كونه مصرفاً لها ثم انكشف خلافه استردها إذا كانت عينها باقية ، وكان له استرداد بدلها إذا تلفت العين وقد علم الآخذ ان ما اخذه زكاة ، وأما إذا لم يكن الآخذ عالماً بذلك فلا ضمان عليه ، ويجب على المالك حينئذٍ وعند عدم امكان الاسترداد في الصورة الأولى اخراج بدلها ، نعم اذا كان أداؤه بعد الفحص

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

على مثالهما. وأسرعت في قتل من خالفها(١) من المسلمين وتتابعت الأخبار بفعلهم ، فخرجت حتى قطعت إليهم دجلة(٢) اوجّه إليهم السفراء والنصحاء وأطلب إليهم العتبى بجهدي(٣) بهذا مرة ، وبهذا مرة ، وبهذا مرة ، وبهذا مرة ـ وأومأ بيده الى الأشتر والأحنف بن قيس ، وسعيد بن قيس [ الأرحبي ] والأشعث [ بن قيس ] الكندي.

فلما أبوا إلا تلك ركبتها منهم ، فقتلهم الله عز وجل عن آخرهم ـ وهم أربعة آلاف أو يزيدون ـ حتى لم يبق منهم مخبر. ثم استخرجت ذا الثدية من قتلاهم بحضرة من ترون له ثدي كثدي المرأة(٤) .

فهذه سبع مواطن ، امتحنت فيها بعد رسول الله صلوات الله عليه وآله ، وبقيت الاخرى واوشك بها أن تكون.

قالوا : يا أمير المؤمنين وما هذه الاخرى؟؟

قال : أن تخضب هذه ـ وأشار إلى لحيته ـ من هذه ـ وأومأ الى هامته عليه الصلاة السلام ـ.

فارتفعت أصوات الناس بالبكاء ، والضجيج في المسجد ـ الجامع بالكوفة ـ حتى لم يبق بالكوفة دار إلا خرج أهلها فزعا من الضجيج.

[ تنبيه ]

ولعل من قصر فهمه ، وقلّ عقله إذا سمع ما في هذا الباب من رغبة علي

__________________

(١) وفي الأصل : خالفهما.

(٢) اسم نهر في العراق.

(٣) وفي الأصل : كهدي. والعتبي : الرجوع عن الإساءة الى المسيرة.

(٤) وقد أورد المؤلّف في الجزء الخامس روايات عديدة حول ذي الثدية.

٣٦١

صلوات الله عليه في أمر الإمامة(١) ، واحتجاجه على من دفعه عن ذلك يتوهم أن ذلك منه رغبة في الدنيا ، وقد علم الخاص والعام بلا اختلاف منهم : زهده كان عليه الصلاة والسلام فيما قبل أن يلي الأمر ، ومن بعد أن وليه.

وإنما كان ذلك منه لأن الإمامة قد عقدها له رسول الله صلوات الله عليه وآله بأمر الله جلّ ذكره ، كما ذكرت في غير موضع من هذا الكتاب ، وهي(٢) فضيلة من الله عزّ وجلّ لمن أقامه لها ، فليس ينبغي لمن آثره الله عزّ وجلّ بها واختصّه بفضلها رفضها ولا دفعها ولا التخلّف عنها ، كما لا ينبغي مثل ذلك أن يفعله من آثره الله عزّ وجلّ بفضل النبوة من أنبيائه ، وقد قاموا بذلك صلوات الله عليهم أجمعين مغتبطين بذلك راغبين فيه ، وجاهدوا عليه وبذلوا أنفسهم دونه.

وليس سبيله في ذلك عليه الصلاة والسلام سبيل من لم يعهد إليه رسول الله صلوات الله عليه وآله فيه ولا أمره به ولا أقامه له. والحجة في هذا وفي تحكيم الحكمين وقتال من قاتله تخرج عن حدّ هذا الكتاب ، وقد ذكرنا ذلك في غيره.

__________________

(١) وفي الأصل : أمر الامّة.

(٢) وفي الأصل : فيه.

٣٦٢

[ من منابع الاختلاف ]

فهذه جملة اختصار ذكر من حاربه صلوات الله عليه ، وكيف تصرّف به الحال بعد النبي صلوات الله عليه وآله. وفي جملة ما حكاهعليه‌السلام من هذا القول الذي ذكرناه ، وقع الاختلاف بين الامّة بعد النبيّ صلوات الله عليه وآله.

[ يوم السقيفة ]

وكان أول اختلاف كان في الامة بعد رسول الله صلوات الله عليه وآله ما جرى بين المهاجرين والأنصار يوم السقيفة ، إذ أراد الأنصار أن يقيموا منهم أميرا ، فخالفهم من جاءهم من المهاجرين.

فقالت الأنصار : فيكون منا أمير ومنكم أمير.

فاحتجوا عليهم بأن النبيّ صلوات الله عليه وآله قال : الإمامة في قريش. فسلّم الأنصار لهم ذلك خلا سعد بن عبادة.

وانقطعت دعوى الأنصار أن تكون مخصوصة بالإمامة دون غيرها! ( خلا سعد بن عبادة ورجال من أفناء العرب إذ لم يعلم ممن هو )(١) وتابع قولها قوم ،

__________________

(١) وما بين الهلالين لم يكن في نسخة ـ ب ـ.

٣٦٣

فزعموا أن الإمام يكون من أفناء الناس.

وفارقت الشيعة الجماعة الذين اجتمعوا على بيعة أبي بكر ، فأنكرت بيعة أبي بكر. وقالوا : الإمام بعد رسول الله صلوات الله عليه وآله علي عليه الصلاة والسّلام. وبقي الاختلاف في ذلك الى اليوم.

والحجة في إمامة علي صلوات الله عليه يخرج عن حدّ هذا الكتاب ، وتقطع مما قصدت(١) إليه ، وقد بسطت ذلك في كتاب الإمامة.

[ مقتل ابن النويرة وأصحابه ]

ثم انفرد أبو بكر بقتال أهل الردة عنده ، وهم الذين منعوه زكاة أموالهم ، وخالفه سائر الناس في ذلك ، فاصرّ عليه ، وقال : لو منعوني عقالا لقاتلتهم عليه ، فتابعه قوم ، وبقي على خلافه جماعة منهم.

والاختلاف في ذلك باق الى اليوم.

ومن الناس من يرى أن قتالهم وفتنتهم كان صوابا.

ومنهم من يرى أن ذلك كان خطاء وظلما.

[ مقتل ابن عفان ]

ثم اختلفوا في أمر عثمان.

فرأى قوم قتله ، فقتلوه. ونصره قوم ، ولم يروا قتله ، وقعد عن نصرته ، وعن القيام عليه آخرون. فهذا الاختلاف في أمره باق الى اليوم(٢) .

ومن الناس من يرى أن القيام عليه لما أحدث ما أحدثه كان حقا و

__________________

(١) وفي الأصل : انقطع عن قصدته. وما نقلته من نسخة ـ ب ـ.

(٢) من : ثم اختلفوا باق الى اليوم لم يكن في نسخة ـ ب ـ.

٣٦٤

صوابا ، وقتله لما امتنع كذلك كان حقا وصوابا.

ومن الناس من أنكر القيام عليه ، ورأى أنه قتل مظلوما.

ومن الناس من يرى الإعراض عن ذلك وترك القول فيه هو الصواب والحق.

[ خلافة أمير المؤمنينعليه‌السلام ]

ثم بايع عليا صلوات الله عليه عامة المهاجرين والأنصار واتفق الناس عليه خلا من شذّ ومن تخلّف عنه للتقية على نفسه مثل معاوية بن أبي سفيان ونظرائه(١) والامّة [ ذلك ] اليوم مجمعون على استخلافه عليه الصلاة والسلام.

ثم افترقت عنه الخوارج بعد تحكيم الحكمين ، فزعموا أن إمامته سقطت من يومئذ ، وهم الى اليوم على ذلك ، والحجة عليهم تخرج أيضا عن حدّ هذا الكتاب وقد أفردت كتابا في الردّ عليهم ، فمن آثر النظر في ذلك وجده فيه.

فأما خروج عائشة وطلحة والزبير وخلافهم على علي صلوات الله عليه ، فقد انقطع ذلك الخلاف ولا أعلم أحدا تابعهم عليه.

فأما خلاف معاوية على علي صلوات الله عليه فقد تعلّقت به بنو اميّة ـ أعني المتوثبين منهم على الإمامة وأتباعهم ـ فهم على ذلك الى اليوم يتولّونه ويزعمون أنه كان مصيبا في خلافه ، والحجة على هؤلاء مذكورة في كتاب الإمامة الذي قدمت ذكره فمن آثر علم ذلك وجده فيه.

[ نتائج الاختلاف ]

ثم هذه الفرق التي ذكرناها تتشعب ويحدث في أهلها الاختلاف الى

__________________

(١) أمثال عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ومروان بن الحكم.

٣٦٥

اليوم.

وأصلها ست فرق :

شيعة.

وعامة.

وخوارج(١) .

ومعتزلة(٢) .

ومرجئة(٣) .

وحشوية.

[ الشيعة ]

فالشيعة : هم شيعة علي صلوات الله عليه القائلون بإمامته.

وهم أقدم الفرق ، وأصلها الذي تفرعت عنه ، ورسول الله صلوات الله

__________________

(١) وقد تعرض المؤلّف الى هذه الفرق وردها في ارجوزته من ص ٣٨ ـ ص ٩٢.

(٢) وهم الذين اعتزلوا عن علي وامتنعوا من محاربته والمحاربة معه بعد دخولهم في بيعته والرضا به ، وقالوا : لا يحلّ قتال علي ولا القتال معه.

(٣) وهم الذين تولّوا المختلفين جميعا ( معاوية وطلحة والزبير وعائشة ) وزعموا أن أهل القبلة كلهم مؤمنون بإقرارهم الظاهر بالإيمان ورجوا لهم جميعا المغفرة.

وهم أربع فرق :

١ ـ الجهمية : أصحاب جهم بن صفوان وهم مرجئة أهل خراسان.

٢ ـ الغيلانية : أصحاب غيلان بن مروان وهم مرجئة أهل الشام.

٣ ـ الماصرية : أصحاب عمرو بن قيس الماصر وهم مرجئة أهل العراق ومنهم « أبو حنيفة ».

٤ ـ الشكاك والبترية وهم أصحاب الحديث منهم سفيان بن سعيد الثوري وابن أبي ليلي. وهم الحشوية ، ومن أقوالهم : على الناس أن يجتهدوا آراءهم في نصب الإمام ، وجميع حوادث الدين والدنيا الى اجتهاد الرأي. وأنكره بعضهم.

٣٦٦

عليه وآله سماها بهذا الاسم. وقال : شيعة علي هم الفائزون. وقال لعليعليه‌السلام : أنت وشيعتك. في آثار كثيرة رويت عنه.

وسنذكر في هذا الكتاب ما يجري ذكره إن شاء الله تعالى. وغير ذلك من الفرق محدثة احدثت بعد النبيّ صلوات الله عليه وآله.

[ أهل السنّة والجماعة ]

والذي تعلّق العامّة به من قولهم : إنهم أهل السنّة والجماعة ، وإن النبي صلوات الله عليه وآله ذكر السنّة والجماعة وفضلهما(١) .

فالسنّة سنّة رسول الله صلوات الله عليه وآله لا يتهيأ لأحد أن يقول : إنها سنّة غيره. والجماعة الذين عناهم رسول الله صلوات الله عليه وآله بالفضل هم المجتمعون.

على القول بكتاب الله جلّ ذكره وسنّة رسوله الله صلوات الله عليه وآله ، « فأما من قال في دين الله والحلال والحرام والقضايا والأحكام برأيه وبقياسه واستحسانه وبغير ذلك مما هو من ذات نفسه ، فليس من أهل السنّة »(٢) ولا من الجماعة التي أثنى عليها رسول الله صلوات الله عليه وآله ، وقد سئل صلوات الله عليه وآله عن السنّة والجماعة لمّا ذكرهما : ما هما؟. فقال : ما أنا عليه وأصحابي. وذلك أن أصحابه كانوا متّفقين عليه غير مختلفين ولا قائلين بشيء إلا بما جاء عن الله سبحانه وعن رسوله صلوات الله عليه وآله. فأهل السنّة والجماعة من كان على مثل ذلك متديّنا بإمامة إمام زمانه صلوات الله عليه يأخذ عنه ويطيعه كما أمر(٣) الله جلّ ذكره. والقول في مثل هذا والحجة فيه

__________________

(١) فجملة « ان النبي ذكر السنّة والجماعة » لم تكن في الأصل بل في نسخة ـ ب ـ.

(٢) ما بين الهلالين من نسخة ـ ب ـ.

(٣) وفي نسخة ـ ب ـ أخبر

٣٦٧

تطول وتتسع.

ولما ذكرنا في هذا الباب الذي رسمناه بذكر ـ حرب علي صلوات الله عليه من فارقه ـ جملة قوله في حروبه. رأينا بعد ذلك أن نذكر نكتا مما جاءت به الأخبار في ذلك والآثار كما شرطنا أن نذكر مثل ذلك في كل باب.

٣٦٨

[ خطبة علي عليه السلام بعد بيعته ]

[٣١٦] فمن ذلك ما روي عن علي صلوات الله عليه أنه خطب الناس بعد أن بايعوه بيومين بالخطبة التي رمز فيها بامثال ذكرها.

وهي ؛ أنه عليه الصلاة والسلام : حمد الله عزّ وجلّ وأثنى عليه بما هو أهله وصلّى على النبي صلوات الله عليه وآله ، وذكر فضله وما خصّه الله عزّ وجلّ به ، ثم قال :

أيها الناس اوصيكم بتقوى الله فإنها نجاة لأهلها في الدنيا وفوز لهم في معادهم في الآخرة ، وخير ما تواصى به العباد ، وأقربه من رضوان الله وخير الفوائد عند الله ، وبتقوى الله بلغ الصالحون الخير ، ونالوا الفضيلة وحلوا الجنة وكرموا على الله خالقهم جلّ وعز ، بتقواهم الذي به أمرهم.

ثم احذروا عباد الله من الله ما حذركم من نفسه ، واعملوا بما أمركم الله بالعمل به مجاهدين لأنفسكم فيه ، واضربوا عما حذركم منه ، وتناهوا عنه ، فإنه من يعمل لغير الله يكله الى من عمل له ، ومن يعمل لله بطاعته يتولّى الله أمره ، وإن الله لم يخلقكم عبثا ولم يدع شيئا من أمركم سدى ، وقد سمى آجالكم وكتب آثاركم ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا فإنها غرارة لأهلها مغرور من اغترّ بها والى الفناء ما هي ، « وإن الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون ». نسأل الله منازل الشهداء ومرافقة

٣٦٩

الأنبياء ، ومعيشة السعداء ، فإنما نحن به وله.

أما بعد ذلكم ، فإنه لما قبض رسول الله صلوات الله عليه وآله استخلف الناس أبا بكر ، وقد استخلف أبو بكر عمر ، ثم جعلها عمر شورى بين ستة من قريش أنا أحدهم ، فدار الأمر لعثمان ، وعمل ما قد عرفتم وأنكرتم ، وقد حصره المهاجرون والأنصار ، وإنما أنا رجل واحد من المهاجرين لي ما لهم وعليّ ما عليهم ، ألا وقد فتح الباب بينكم وبين أهل القبلة ، ولا يحمل هذا الأمر ولا يضطلع به إلا أهل الصبر والبصيرة(١) بمواضع الحق ، ألا إني حاملكم على منهاج نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما استقمتم عليه ، وركنتم إليه ، وماض لما امرت به ، والله المستعان.

أيها الناس ، موضعي من رسول الله صلوات الله عليه وآله بعد وفاته لموضعي منه في حياته ، ألا وإنه لم(٢) يهلك قوم ولّوا أمرهم أهل بيت نبيهم ـ أهل العلم والصفوة ـ ، ألا وإن مواريث الأنبياء عندي مجتمعة فاسألوني ( واسألوا واسللوا )(٣) فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لئن سألتموني عن العلم المخزون ، وعن علم ما يكون ، وعن علم ما لا تعلمون لأخبرتكم بذلك مما أعلمنيه النبي الصادق عن الروح الأمين عن ربّ العالمين.

أيها الناس ، امضوا لما تؤمرون به وقفوا عند ما تنهون عنه ولا تعجلوا في أمر تنكرونه حتّى تسألونا عنه ، فإن عندنا لكل ما تحبون أمرا ، وفي كل ما تكرهون عذرا.

__________________

(١) وفي نسخة ـ ب ـ : والنظر بدل البصيرة.

(٢) وفي الاصل : لن.

(٣) ما بين الهلالين من نسخة ـ ب ـ.

٣٧٠

أيها الناس ، إن أول من بغى في الأرض ، فقتله الله لبغيه : عناق بنت آدمعليه‌السلام ، خلق الله لها عشرين إصبعا ، طول كل اصبع منها ذراعان وفي كل اصبع منها ظفران محددان(١) طويلان معقفان. وكان موضع مجلسها في الأرض جريبا(٢) [ فبغت في الأرض ثمانين سنة ] ، فلما بغت في الأرض خلق الله لها أسدا كالفيل ونسرا كالبعير وذئبا كالحمار [ فسلّطهم عليها فمزقوها ، فقتلوها ](٣) وأكلوها وأراح الله منها. [ ثم قتل الله الجبابرة في زمانها ] وقد قتل الله فرعون وهامان وخسف بقارون(٤) ثم قد عادت بليّتكم مثلها مذ قبض الله نبيكم صلوات الله عليه وآله.

ايم الله لتغربلن غربلة ثم لتبلبلن بلبلة ولتساطن كما يساط القدر(٥) حتى يصير أعاليكم أسافلكم وأسافلكم أعاليكم ، وليسبقن قوم قوما قد كانوا سبقوا(٦) ، أما والله ما انتحلت وصمة(٧) ولا كذبت كلمة(٨) . ألا وإن الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها. [ وخلعت لجمها ] ،

__________________

(١) وفي الاصل : مجردان. وأيضا : طويلان معممان.

(٢) الجريب وحدة مساحية تساوي ستين ذراعا مربعا.

(٣) هذه الزيادة في اثبات الوصية للمسعودي ص ١٢٦.

(٤) وقد أضاف المسعودي في نقله ما يلي : وخسف بقارون وقد قتل عثمان وكان حق لي حازه من لم آمنه عليه ، ولم أشركه فيه ، فهو منه على شفا حفرة من النار لا يستنقذه منها إلا نبي مرسل يتوب على يديه ، ولا نبي بعد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(٥) لتبلبلن : لتخلطن ، لتغربلن : لتميزن. لتساطن : من السوط : وهو أن تجعل شيئين في الاناء وتضربهما بيديك حتى يختلط. سوط القدر : أي كما يختلط الابزار في القدر عند غليانه.

(٦) وقد نقل الشريف الرضي في نهج البلاغة الخطبة ١٦ مقاطع من هذه الخطبة [ التي نقلها المؤلّف ] باختلاف يسير مثلا هذه الجملة : وليسبقن سابقون كانوا قصروا وليقصرن سباقون كانوا سبقوا.

(٧) اي عيب.

(٨) وفي النهج : ولا كذبت كذبة ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم.

٣٧١

فاقتحمت بهم نار جهنم(١) . ألا وإن التقوى مطايا ذلل(٢) حمل عليها أهلها وأمكنوا من أزمتها ، فسارت بهم رويدا حتى أتوا ظلا ظليلا ، فتحدثوا فيه وتسألوا وفتحت لهم أبواب الجنة وظلل عليهم ظلها وروحها ووجدوا طيبها وقيل لهم ادخلوها بسلام آمنين.

أيها الناس إنه حقّ وباطل ولكلّ أهل ، فلئن قام الباطل فقديما ما فعل ، ولئن قام الحق فلربما ولعل ، ولقلما أدبر شيء فأقبل!(٣) ولقد خشيت أن تكونوا في فترة [ من الزمن ](٤) وما عليّ إلا الجهد وكانت امور مضت ملتم فيها عليّ ، ميلة واحدة كنتم عندي فيها غير محمودي الرأي ، أما إني لو شئت أن أقول لقلت : عفى الله عما سلف. سبق الرجلان ، وقام الثالث كالغراب همّه(٥) بطنه ، يا ويحه لو قصّ ريشه وقطع جناحاه(٦) شغل عن الجنة ، والنار أمامه. ثلاثة واثنان ليس لهم سادس ، ساع مجتهد ، وطالب يرجو(٧) ، ومقصر في النار ، وملك يطير بجناحيه ، ونبيّ أخذ الله ميثاقه ، هلك من ادعى ، وخاب من افترى ، اليمين والشمال مضلّتان(٨) ، [ والوسطى ] والطريق المثلى المنهج ، عليه تأويل

__________________

(١) خيل شمس : منع ظهره أن يركب. لجمها : عنان الدابة. فاقتحمت بهم نار جهنم : اردته فيها.

(٢) الذلل : جمع ذلول وهي الطائعة ، وأمكنوا من ازمتها : تغلّبوا على المصاعب والشدائد.

(٣) وقد أضاف الشريف الرضي في النهج ص ٥٥ هذه الجمل عقيب ما سبق : شغل من الجنة والنار أمامه ساع سريع نجا وطالب بطىء رجا ومقصر في النار هوى. اليمين والشمال مضلة.

(٤) إثبات الوصية للمسعودي ص ١٢٦. اي زمان الانقطاع عن الحجة.

(٥) وفي إثبات الوصية : همته.

(٦) وفي الإرشاد للمفيد ص ١٢٨ : ويله لو قصّ جناحاه وقطع رأسه لكان خيرا له.

(٧) وفي الإرشاد : شغل من الجنة والنار أمامه ساع مجتهد وطالب يرجو ومقصر في النار ثلاثة واثنان.

(٨) العمال خمسة :

٣٧٢

الكتاب [ والسنّة ](١) وآثار النبوة.

أيها الناس إن الله جلّ وعلا أدّب هذه الامّة بالسوط والسيف ـ ليس عند الإمام فيهما هوادة لأحد(٢) ، فاستتروا في بيوتكم ، وأصلحوا ذات بينكم ، فالموت من ورائكم والتوبة أمامكم(٣) ومن أبدى صفحته للحقّ هلك.

ألا وكل قطيعة أقطعها عثمان أو مال أعطاه من مال الله ، فهو مردود على المسلمين في بيت مالهم ، فإن الحق قديم لا يبطله شيء ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو وجدته قد تزوج به النساء واشتري به الإماء وتفرق في البلدان لرددته على حاله فإن في الحقّ والعدل لكم سعة ، ومن ضاق به العدل فالجور به أضيق.

أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم.

وكانت هذه الخطبة مما سرّ به وسكن إليه المؤمنون المخلصون ، وأهل الحق والبصائر. واستوحش منه المنافقون والذين في قلوبهم مرض ، وكل من تطاعم الاثرة أو كان في يده شيء منها لما تواعد به علي صلوات الله عليه من استرجاع ذلك من أيديهم ، وردّه الى بيت مال المسلمين ،

__________________

١ ـ ساع في مرضاة الله مجتهد في إتيان أوامر الله.

٢ ـ وطالب عند الله يرجو الفوز والفلاح ـ فهو على سبيل النجاة ـ.

٣ ـ ومقصر فيما يقربه الى الله مفرط في نيل الشهوات فهو في النار.

٤ ـ وطائر طار الى رضوان الله بجناحيه.

٥ ـ ونبي أخذ الله بيده الى مراضيه.

ولا سادس لهم.

(١) هكذا في الإرشاد للمفيد.

(٢) اي رخصة لأحد.

(٣) وفي إثبات الوصية ص ١٢٦ : فإن التوبة من ورائكم.

٣٧٣

وتداخل قلوبهم لذلك بغضه عليه الصلاة والسلام واعتقدوا القيام عليه إن وجدوا سبيلا الى ذلك.

فلما قام طلحة والزبير انضوى إليهما من هذه حاله وصاروا معهما ، وكان سبب خروجها عليه صلوات الله عليه.

[٣١٧] فيما رواه محمد بن سلام ، بإسناده ، عن أبي رافع : أن عليا صلوات الله عليه لما افضي الأمر إليه بدأ ببيت المال فحصل جميع ما فيه ، وأمر [ أن ] يقسم ذلك على المسلمين بالسواء على مثل ما كان رسول الله صلوات الله عليه وآله يقسم ما اجتمع عنده من فيئهم ما يجب قسمته فيهم وكانوا بعد ذلك قد عوّدهم الذين ولّوا الأمر الاثرة والتفضيل لبعضهم على بعض.

فأمر علي صلوات الله عليه ـ من أقامه لقسمة ذلك(١) ـ أن يسوي بين الناس فيه ، وأن يعزلوا من ذلك سهما كسهم أحدهم(٢) ، ففعلوا.

وخرج الى ضيعته(٣) فأتاه طلحة والزبير ، وهو قائم في الشمس على أجير يعمل له في ضيعته. فسلّما عليه ، وقالا : أترى أن تميل معنا إلى الظل؟؟ ففعل. فقالا : إنا أتينا الذين أمرتهم بقسمة هذا المال بين الناس ، ومع كل واحد منا ابنه ، فأعطونا مثل الذي أعطوا أبناءنا وسائر الناس ، وقد كان من مضى من قبلك يفضلنا لسابقتنا وقرابتنا وجهادنا ، فإن رأيت أن تأمر لنا بما كان غيرك يأمر لنا به ، فافعل.

فقال لهما علي صلوات الله عليه : أنتما أسبق الى الإسلام أم أنا؟ قالا : بل أنت. قال : فأنتما أقرب إلى رسول الله صلوات الله عليه وآله أم أنا؟

__________________

(١) وفي الاختصاص ص ١٥٢ : ولّى أمير المؤمنين عمار بن ياسر بيت مال المدينة.

(٢) وكان سهم كل واحد ثلاثة دنانير.

(٣) قال ابن دأب : وكان بئر ينبع سميت بئر الملك وفيها ضيعته.

٣٧٤

قالا : بل أنت ، قال : فجهاد كما أكثر أم جهادي؟؟ قالا : جهادك ، قال : فو الله ما أمرت أن يعزل لي من هذا المال إلا كما يصيب هذا الأجير منه ـ وأومأ بيده الى الأجير الذي يعمل بين يديه ـ على ما عهدت وعهدتما رسول الله صلوات الله عليه وآله يقسم مثل ذلك ، وسنّته أحق أن تتبع من أن يتبع من خالفها بعده.

فسكتا ساعة ، ثم قالا : لم نأت لهذا ولكنه شيء ذكرناه ، ولكنا أردنا العمرة ، فأتيناك نستأذنك في الخروج إليها.

وكانت عائشة قد خرجت من مكة ولم تصل بعد الى المدينة ، فأرادا لقاءها لما كان من أمرهما وأمرها.

فقال لهما علي صلوات الله عليه : اذهبا فما العمرة أردتما ، ولقد انبئت بأمركما ، وما يكون منكما. فخرجا ، ولقيا عائشة وكان من أمرهم ما قد كان.

٣٧٥

حرب الجمل

[٣١٨] الدغشي بإسناده ، عن أبي بشير العائدي(١) ، قال : كنت بالمدينة حين قتل عثمان ، فاجتمع المهاجرون والأنصار وفيهم طلحة والزبير ، فأتوا عليا صلوات الله عليه ، فقالوا : يا أبا الحسن ، هلمّ لنبايعك!

فقال : لا حاجة لي في أمركم أنا معكم فمن اخترتم فقدموه.

فقالوا : ما نختار غيرك!. فأبى عليهم(٢)

فاختلفوا إليه في ذلك بعد قتل عثمان مرارا(٣) ، ثم أتوا في آخر ذلك.

فقالوا إنه لا يصلح الناس إلا بإمرة ، وقد طال هذا الأمر ولسنا نختار غيرك ، ولا بدّ لنا منك ، وإن أنت لم تقبل ذلك خفنا أن ينخرق في الإسلام خرق ، إن بقى الناس لا ناظر فيهم فالله الله في ذلك!! فقال علي صلوات الله عليه : أنا أقول لكم قولا ، فإن قبلتموه قبلت

__________________

(١) العائدي من نسخة ب ولم يكن في الأصل. وفي مناقب الخوارزمي ص ١١١ : الشيباني.

(٢) واضاف في الدعائم ١ / ٣٨٤ : فمضيا وهو يتلو ـ وهما يسمعان ـ : « فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ».

(٣) وفي المناقب للخوارزمي : فاختلفوا إليه أربعين ليلة.

٣٧٦

منكم(١) .

قالوا : قل ما شئت فمقبول منك.

فجاء حتى صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي صلوات الله عليه وآله.

ثم قال : أما بعد ، فقد طال تردادكم إليّ فيما أردتموه مني وكرهت امركم ، فأبيتم عليّ إلا ما أردتم مني ، وقد علمت ما سبق فيكم فإن كنت أتولّى أمركم عليّ العدل فيكم والتسوية بينكم وإن تكون مفاتيح بيت مالكم معي ليس لي منه إلا مثل ما لأحدكم ولا لغيري إلا ذلك تولّيت أمركم.

قالوا : نعم.

قال : أرضيتم ذلك؟؟

قالوا : رضينا.

قال : اللهمّ اشهد عليهم.

ثم نزل صلوات الله عليه ، فبايعهم على ذلك.

قال أبو بشير : وأنا يومئذ عند منبر رسول الله صلوات الله عليه وآله أسمع ما يقول.

[٣١٩] وبآخر عن زيد بن صوحان ، إنه كان متوجها الى المدينة من مكة ، فلقيه الخبر في الطريق : إن عثمان قد قتل وإن الناس قد بايعوا عليا صلوات الله عليه. فبكى.

فقيل له : يا أبا سلمان ما يبكيك عليه ، فو الله ما كنت تحبه؟؟

فقال : ما عليه أبكي ، ولكني أبكي لما وقعت فيه هذا الامّة.

__________________

(١) وفي نسخة ـ ب ـ : أمركم.

٣٧٧

ثم دخل المسجد ، فصلّى ركعتين. ثم دخل على أزواج النبيّ صلوات الله عليه وآله امرأة امرأة ، يقول لكل واحدة منهن : إن هذا الرجل قد بويع ـ يعني عليا صلوات الله عليه ـ فما ترين في بيعته؟؟ فتقول : بايعت.

فيقول : اللهمّ اشهد عليها ، حتى فعل ذلك بهن كلّهن.

فأظن هذا ـ والله أعلم ـ قد سمع قول النبيّ صلوات الله عليه وآله أن إحدى أزواجه تقاتله وهي له ظالمة ، وأراد أن يتوثق منهن.

[٣٢٠] وبآخر ، عبلة بنت طارق. قالت : كنت جالسة عند امرأة تعالج الصبيان في صدى ، فإذا نحن براكب قد أشرف علينا ، فجاء حتى انتهى الى باب الدار ، ثم دخل ، فجاء المرأة ـ التي كنا عندها ـ فأكبّ عليها ، فإذا ابنها. فقالت : يا بني ما فعل الناس؟؟

قال : ما عندي من علم إلا أني كنت بمكة ، فقدم طلحة والزبير على عائشة ، وتجهزوا إلى البصرة.

قال : فقلت : زوجة رسول الله صلوات الله عليه وآله وحواري(١) رسول الله ـ يعني الزبير ـ والله لأموتن مع هؤلاء أو لأحيين معهم. حتى انتهيت الى ماء. قالت عائشة : ما هذا الماء؟ قيل لها : الحفير. قالت : ردّوني ، فقد نهاني رسول الله صلوات الله عليه وآله أن أكون مع الركب(٢) الواردين حفيرا(٣) .

قال الفتى لامّه : فقلت : ثكلتني امّي لا أراني أبيت في الركب ( الواردين حفيرا الذي نهى رسول الله صلوات الله عليه وآله عائشة أن

__________________

(١) حواري : الناصر.

(٢) وفي نسخة ـ ب ـ مع الراكب.

(٣) قال ابن الاثير في النهاية ١ / ٤٠٧ بضم الحاء وفتح الفاء منزل بين ذي الحليفة وملل يسلكه الحاج. وفاء الوفا ص ١١٩٢.

٣٧٨

تكون فيه )(١) .

قال : فأنخت بعيري ونزعت رحلي ، وأقبل الناس عليّ ، فقالوا : مالك يا عبد الله. قلت : اغير على بعيرى ، وجعلت أشده مرة وأنزعه اخرى.

فلما انقطع الناس عني توجهت خلاف وجهتهم ، والله ما أدري أين أتوجه حتى رفعت لي نار ، والله ما أدري أنار إنس هي أم نار جن ، فقصدتها ، فإذا أعرابي معه أهله ، فسألني عن خيري فأخبرته. فقال لي الأعرابي : أحسنت لا عليها ولا لها. واستخبرت عن الطريق ، فدلّني عليه(٢) ثم كان ذا وجهي إليك.

[٣٢١] وبآخر عن زيد بن صوحان ، جاء الى علي صلوات الله عليه فقال : يا أمير المؤمنين ، إني رأيت كأن يدا تطلعت إليّ من السماء ، ولا أراني إلا مقتولا ، فأذن لي حتى أتي هذه المرأة ـ يعني عائشة ـ ، وكانت يد ـ هذا زيد ـ قد قطعت يوم جلولاء في الجهاد.

قال : انطلق يا أبا سلمان راشدا غير مودع. فانطلق في عصابة ، فلما رآه من حول عائشة ، قالوا : هذا زيد بن صوحان.

قالت عائشة : يا أبا سلمان ، إليّ تسير وقتالي تريد؟؟

قال : إني سرت فيما أمرني الله به وإنك سرت فيما نهاك الله عنه ، أمرني الله أن اجاهد وأن اقاتل في سبيله ، وأمرك أن تقري في بيتك.

[٣٢٣] وبآخر ، أن أمّ سلمة رضوان الله عليها ، أتت عائشة ـ لما أرادت الخروج الى

__________________

(١) ما بين الهلالين في نسخة ـ ب ـ وفي الأصل : مع الركب الذين نهى رسول الله صلوات الله عليه وآله الواردين حفيرا.

(٢) وفي الأصل : فدلّني عليها.

٣٧٩

البصرة ـ وقالت لها : يا عائشة ، إنك بين سدة(١) رسول الله صلوات الله عليه وآله وامته وحجابك مضروب على حرمته ، قد جمع القرآن ذيلك ، فلا تندحيه(٢) . وسكن عقيرتك فلا تصحريها ، وقد علم رسول الله صلوات الله عليه وآله مكانك ، ولو أراد أن يعهد إليك لعهد ، وقد أمرك الله عز وجل ، وأمرنا أن نقرّ في بيوتنا وإن عمود الدين لا يقام بالنساء ، ولا يرأب بهن صدعة(٣) وخمارات النساء غضّ الأطراف وضمّ الذيول ، ما كنت قائلة لو أن رسول الله صلوات الله عليه وآله عارضك بأطراف الفلوات ناصة قعودك من منهل الى منهل إن بعين الله عزّ وجلّ مهواك ، وعلى رسول الله صلوات الله عليه وآله تردّين.

والله لو قيل لي : ادخلي الفردوس ، على أن أسير مسيرك(٤) هذا لاستحييت « أن القى محمدا صلوات الله عليه وآله هاتكة حجابا »(٥) قد ضربه عليّ ، فلا تهتكي حجابا قد ضربه عليك رسول الله صلوات الله عليه وآله ، فانه أطوع ما تكونين لله ما لزمتيه(٦) ، وأنصر ما تكونين للدين ما قعدت عنه.

فقالت لها عائشة : ما أقبلني لوعظك وأعرفني بنصحك ، وليس الأمر على ما تظنين ، وإنما رأيت فئتين من المسلمين متنا جزتين ، فإن أقعد(٧) عن إصلاح ذات بينهما ففي غير حرج ، وإن أمض فإلى ما لا

__________________

(١) وفي نسخة ـ ب ـ سيدة. وفي البحار : أنت سدة بين رسول الله وبين امته.

(٢) اي لا توسعيه وتنشريه.

(٣) رأب الصدع : أصلحه.

(٤) وفي الأصل : ميسرك.

(٥) ما بين الهلالين زيادة من نسخة ـ ب ـ.

(٦) وفي الأصل فالزميه.

(٧) وفي الأصل : فان قعدت من إصلاح.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502