شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار11%

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 502

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 502 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187703 / تحميل: 9849
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) (1) .

5 - قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا أَدْعُواْ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ) (2) .

هذه الآيات المباركة لسانها واحد واستدلالهم بها قريب من الاستدلال بالآية الأولى، حيث إن هذه الآيات القرآنية تنهى عن أن يدعو الإنسان مع اللَّه أحداً، أي لا يعبد مع اللَّه مخلوقاً من المخلوقات، وإذا كان الدعاء روح العبادة وقوامها، فسوف يكون منهيّاً عنه بمقتضى صريح هذه الآيات الكريمة؛ لكونه من الشرك الصريح.

6 - قوله تعالى: ( وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم ) (3) .

7 - قوله تعالى: ( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِى يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ) (4) .

وهذا اللسان من الآيات القرآنية يؤكّد على أن التوجّه إلى الغير بغية الاستنصار به شرك ومغالاة يوجب الخذلان الإلهي.

8 - قوله تعالى: ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ) (5) .

9 - قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ

____________________

(1) الحج: 62.

(2) الجن: 20.

(3) آل عمران: 126.

(4) آل عمران: 160.

(5) يونس: 18.

٢٤١

زُلْفَى ) (1) .

فهاتان الآيتان دلّتا على وجوب نبذ مقالة المشركين الذين جعلوا أصنامهم شركاء في الدعاء والتوسّل والتقرّب والتشفّع والوساطة بينهم وبين اللَّه عزَّ وجل، والإسلام جاء لكسر مثل هذه الأصنام وإبطال عقيدة الصنمية والوثنية والمغالاة والتشفّع والتوسّل بغير اللَّه تعالى، وهو ما ابتُلى به مشركو العرب؛ إذ لم يكن شركهم في ذات اللَّه تعالى أو صفاته، بل كان شركهم شركاً في العبادة والدعاء والاستغاثة والتوسّل.

فيُعلم من هذه الآيات أن التوحيد في العبادة والدعاء والاستغاثة والتوسّل أساس الدين، وهدف الرسالة الإسلامية الخاتمة؛ وذلك لأن صحة الأعمال والنسك العبادية مشروطة بصحّة العقيدة، فمَن يعمل ويعبد وكان في معتقده الدينيّ شي‏ء من الغلو والصنمية للأشخاص يحبط عمله كلّه؛ ويستدلّون لذلك بقوله تعالى: ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (2) ، وقوله تعالى: ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (3) ، فصحّة العقيدة بالتوحيد شرطاً في صحة وقبول الأعمال، ولابدّ حينئذٍ من نبذ كلّ ما يوجب الشرك وبطلان العقيدة، كالتشفّع والتوسّل بغير اللَّه تعالى.

الجواب عن الشبهة الثالثة:

الشبهة الثالثة عبارة عن تمسّكهم ببعض الآيات القرآنية التي زعموا أنها

____________________

(1) الزمر: 3.

(2) الزمر: 65.

(3) الأنعام: 88.

٢٤٢

تنهى عن التوجّه والقصد إلى غير اللَّه عزَّ وجل، منها:

قوله تعالى: ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ) (1) ، فلا يجوز التوسّل والدعاء بغير الأسماء الحسنى التي جاءت في قوله تعالى: ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُواْ فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) (2) .

إذن لابدّ من التوحيد في الدعاء الذي هو مخّ العبادة ولا يجوز القصد والتوجّه في الدعاء إلى غير اللَّه عزَّ وجلَّ وأسمائه الحسنى؛ لأنه شرك وإلحاد بالأسماء الإلهية.

الجواب الأول: حقيقة الأسماء الإلهية مستند للتوسّل

في البدء لابدّ من الإجابة عن التساؤل التالي:

ما هو المراد من الأسماء الإلهية الواردة في الآيات المباركة؟

الاسم في اللغة عبارة عن السّمة والعلامة.

قال ابن منظور: (واسم الشي‏ء علامته).

(قال أبو العبَّاس: الاسم وسمة توضع على الشي‏ء يُعرف به، قال ابن سيده: والاسم اللفظ الموضوع على الجوهر أو العرض لتفصل به بعضه عن بعض، كقولك مبتدئاً: اسم هذا كذا).

(قال أبو إسحاق: إنما جعل الاسم تنويهاً بالدلالة على المعنى) (3) .

____________________

(1) الأعراف: 180.

(2) الإسراء: 110.

(3) لسان العرب، ج14، ص 403 - 401.

٢٤٣

إذن اسم الشي‏ء سمته وعلامته وصفته الدالّة عليه.

والأسماء والصفات تنقسم إلى ذاتية وفعلية، فللّه تعالى أسماء وصفات ذاتية هي عين ذاته غير زائدة عليها، وله عزَّ وجلَّ أسماء وصفات فعلية هي عين فعله. فالقدرة والعلم والحياة صفات ذاتية يُشتقّ منها القادر والعالم والحيّ، وهي أسماء ذاتية غير زائدة على الذات الإلهية المقدّسة، والخَلق والرِّزق والتدبير والربوبية والحُكم والعَدل وغيرها صفات فعلية يشتقّ منها أسماء فعلية، هي الخالق والرازق والمدبّر والربّ والحَكَم والعدَْل، ولا ريب أن الأسماء الفعلية غير الذات وليست عينها، بل مخلوقة لها مشتقّة من أفعاله عزَّ وجل.

ولا ريب أيضاً أن جملة وافرة من الأسماء الإلهية هي أسماء فعلية مشتقّة من أفعاله ومخلوقاته تعالى.

والمخلوق يكون اسماً للَّه عزَّ وجلَّ بملاحظة صدوره من خالقه وأنه فقير له متقوّم به ليس له من نفسه شي‏ء، دالّ بسبب افتقاره بما فيه من كمال على كمال خالقه وباريه، فهو سمة وعلامة على صانعه، وما فيه من عظمة وحكمة دالّة على عظمة وحكمة الخالق؛ إذ ليس له من ذاته إلّا الفقر والاحتياج.

الجواب الثاني: الكلمة والآية

إن الكلمة والآية مع الاسم متقاربة المعنى متّحدة المضمون، فهي وإن لم تكن ألفاظاً مترادفة، إلّا أن مضمونها والمراد منها في اللغة وفي القرآن الكريم واحد؛ وهو الدلالة على الشي‏ء والعلامّية والمرآتية له.

٢٤٤

ففي لسان العرب:

(الآية العلامة) (وأيّا آية: وضع علامة).

وفيه أيضاً: (وقال ابن حمزة: الآية في القرآن كأنها العلامة التي يفضى منها إلى غيرها كأعلام الطريق المنصوبة للهداية) (1) .

كذلك قال في اللسان:

(كلمات اللَّه أي كلامه وهو صفته وصفاته) (2) .

أضف إلى ذلك أن الكلمة في حقيقتها دالّة على مراد المتكلم وكاشفة عنه.

إذن الأسماء والآيات والكلمات في شطر وافر منها عبارة عن مخلوقات دالّة بوجودها على وجود صانعها، ودالّة بعظمتها واتقانها وهادفيتها على عظمة وقدرة وحكمة الباري عزَّ وجل، ومن ثمّ يكون كلّ مخلوق اسماً من أسماء اللَّه تعالى وآية من آياته وكلمة من كلماته، ولكن الأسماء والآيات والكلمات على درجات في الصغر والكبر، فكلّما كان الاسم أعظم والآية أكبر لِمَا أعطيت من المقامات والكرامات الإلهية، كلّما كانت آييَّة ذلك المخلوق واسميَّته أعظم، لا سيما المخلوق الأول وهو نور النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام .

وقد ورد هذا الاستعمال في القرآن الكريم في موارد كثيرة جدّاً، منها:

1 - قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ) (3) .

2 - قوله تعالى: ( وَالتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا

____________________

(1) لسان العرب، ج4، ص 61 - 62.

(2) لسان العرب، ج12، ص522.

(3) المؤمنون: 50.

٢٤٥

آيَةً لِلْعَالَمِينَ ) (1) .

3 - قوله تعالى: ( إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجيِهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) (2) .

4 - قوله تعالى: ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) (3) .

5 - قوله تعالى: ( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الِْمحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) (4) .

فقد أطلق في هذه الآيات المباركة على مريم عليها‌السلام أنها آية، وعلى عيسى عليه‌السلام أنه كلمة اللَّه وآيته للعالمين.

6 - قوله تعالى: ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلآءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (5) .

7 - قوله تعالى: ( فَتَلَقَّى ءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (6) .

8 - قوله تعالى: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ

____________________

(1) الأنبياء: 91.

(2) آل عمران: 45.

(3) النساء: 171.

(4) آل عمران: 38 - 39.

(5) البقرة: 31.

(6) البقرة: 37.

٢٤٦

إ ِمَامًا ) (1) .

9 - ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) (2) .

فإن هذه المخلوقات العظيمة عند اللَّه عزَّ وجلَّ أسماء وآيات وكلمات وعلامات للَّه تعالى، وحينئذٍ تكون مشمولة لإطلاق قوله تعالى: ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ) (3) فهذه الآية المباركة وغيرها، التي ذكروها للتدليل على مدّعاهم لا تعني النهي عن التوجّه إلى اللَّه عزَّ وجلَّ بالوسائط، بل هي توجب وتعيّن التوجّه إلى اللَّه تعالى بأعاظم مخلوقاته وأسمائه الفعلية.

إذن؛ ليست الآية المباركة غير صالحة للاستدلال بها على مدّعاهم فحسب، بل هي تحكُّمهم وتديُّنهم بالإلحاد عن اسمائه، وتنصُّ على ضرورة توسيط الأسماء الإلهية والمخلوقات الوجيهة عند اللَّه تعالى، ولابدّ من عدم الإلحاد فيها والإعراض عنها في الدعاء.

لكن لابدّ من الالتفات إلى أن النظرة إلى الوسائط لابد أن لا تكون نظرة استقلالية وموضوعية وبما هي هي، بل لابدّ أن تكون نظرة آلية حرفية آيتيّة، أي بما هي يُنظر بها إلى اللَّه تعالى، فالتوجّه بها لا إليها بما هي هي.

وبناء على ذلك يكون التعاطي مع الأسماء والآيات والوسائط على ثلاثة مناهج:

الأول: منهج إبليس؛ وهو رفض وساطة الآيات والأسماء والمخلوقات

____________________

(1 ) البقرة: 124.

(2) الأنعام: 115.

(3) الأعراف: 180.

٢٤٧

الوجيهة عند اللَّه عزَّ وجلَّ وإنكارها والإلحاد بها والصدّ عنها، وهذا شرّ المناهج، وهو الكفر والحجاب الأعظم؛ إذ مع الإلحاد في تلك المخلوقات العظيمة والأسماء الإلهية لا يمكن التوجّه والزلفى إلى اللَّه عزَّ وجل؛ لأنه ليس بجسم، وهو حقيقة الحقائق والمقوّم لها، فلا يجابه ولا يقابل، فلابدّ من التوجّه إلى المظاهر والمجالي والآيات.

الثاني: وهو منهج المغالين الذين ينظرون إلى الأسماء الإلهية بالنظرة الاستقلالية وبما هي هي ويتوجّهون إليها لا بها، وهذا أيضاً من الشرك والحجاب الذي يمنع عن معرفة اللَّه تعالى، ولكنّه أهون من سابقه؛ إذ أصحابه على سبيل نجاة فيما إذا شملهم اللَّه عزَّ وجلَّ بلطفه ورأوا ما وراء الآية من الحقائق، بخلاف مَن أعرض عن الآية بالمرّة.

الثالث: التوجّه بالآيات وتوسيطها في الدعاء، وهذا هو التوحيد التام الذي يوصل إلى معرفة اللَّه تبارك وتعالى.

فالنظرة في هذا المنهج إلى الأسماء الإلهية الفعلية من حيث هي مخلوقة للباري تعالى ومرتبطة به ومفتقرة إليه ودالّة عليه، وأكرم المخلوقات وأعظم الآيات هم النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ؛ إذ حباهم اللَّه عزَّ وجلَّ بالكرامات والمقامات التكوينية، التي تفضل جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين، فهم عليهم‌السلام الأسماء التي تعلّمها آدم وفُضَّل بها على الملائكة كلّهم أجمعون، وذلك بنصّ سورة البقرة في قوله تعالى: ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلآءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )( 1 ) ، حيث

____________________

(1) البقرة: 31.

٢٤٨

جاء التعبير فيها بـ ( عَرَضَهُمْ ) ولم يقل: عرضها، وكذا التعبير بـ ( هؤُلآءِ ) ولم يقل: هذه، كلّ ذلك يدلّ على أن تلك الأسماء موجودات نورية مخلوقة حيّة شاعرة عاقلة، أفضل من جميع الملائكة، ولم يعلم بها الملائكة ولا يحيطون بها وهي تحيط بهم وهي أوّل ما خلق اللَّه تعالى، فهم عباد ليس على اللَّه أكرم منهم، أُسند إليهم ما لم يسند إلى غيرهم، ومكّنهم اللَّه عزَّ وجلَّ ما لم يمكّن به غيرهم بإرادته وإذنه وسلطانه.

والحاصل: إن تلك الآيات التي ذكروها لنفي التوسّل تدلّ على ضرورة التوجّه والتشفّع والتوسّل بالآيات الكبرى والأسماء الفعلية الحسنى والعظمى - وهم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام - إلى اللَّه عزَّ وجل، والباء في قوله تعالى: ( فَادْعُوهُ بِهَا ) للتوسيط وجعل الآيات والأسماء واسطة؛ ولذا ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنه قال:

(ياهشام، اللَّه مشتق من إله، وإله يقتضي مألوهاً، والاسم غير المسمّى، فمَن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً، ومَن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد الاثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد. أفهمت يا هشام؟) قال: قلت: زدني، قال: (للَّه تسعة وتسعون اسماً، فلو كان الاسم هو المسمَّى، لكان كل اسم منها إلهاً، ولكن اللَّه معنى يُدلّ عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره. ياهشام، الخبز اسم للمأكول والماء اسم للمشروب والثوب اسم للملبوس والنار اسم للمحرق، أفهمت ياهشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا المتَّخذين مع اللَّه عزَّ وجلَّ غيره؟) قلت: نعم، فقال: (نفعك اللَّه به وثبّتك يا هشام)

٢٤٩

قال: فواللَّه ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا) (1) .

فبيّن عليه‌السلام أن الاسم غير المسمَّى وهو الذات الإلهية ومغاير لها، ولو كان الاسم هو عين الذات الإلهية، لكان كل اسم إلهاً ولتكثَّرت الآلهة، ولكن اللَّه ذات أحدية واحدة يُدلّ عليه وله علامات هي هذه الأسماء المتكثرة المتعدّدة، فالأسماء آيات وعلامات وكلمات دالّة ووسيلة إلى الذات، فظهر أن قوله تعالى: ( لِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) (2) برهان قرآني على ضرورة الوسيلة، وهي الكلمات والآيات الإلهية، بأن يدعى اللَّه بها، فلا يُدعى اللَّه بدونها، بل لابدّ من توسيطها في دعاء اللَّه، وذلك بالتوجّه بها إليه، فلابدّ من تعلّق التوجّه بها كي يتوجّه منها إلى اللَّه، ولابدّ من تعلّق الدعاء بها ليتحقّق دعاء اللَّه تعالى، وقد جعلت الآية الإعراض عن الأسماء والكلمات والآيات الإلهية إلحاداً ومجانبة وزيغاً عن الطريق إلى اللَّه. ومن ثمّ قد أُكّد في الآية أن الأسماء الإلهية بكثرتها الكاثرة هي برمّتها ملك للَّه تعالى مملوكة له، فالاستخفاف بها استخفاف بالعظمة الإلهية، وجحود وساطتها استكبار وتمرّد على الشأن الإلهي، ومنه يعرف اتحاد الاسم والوجه وأن الأسماء هي وجه اللَّه التي يتوجّه بها إليه، وأن مَن له وجاهة ووجيه عند اللَّه هو وجه للَّه يتوجّه به إليه تعالى، فيكون اسماً وآية وكلمة للَّه تعالى.

نعم، بين الأسماء والكلمات والآيات درجات وتفاضل في الدلالة عليه تعالى عظمة وكبراً؛ وذلك لأن الاسم إذا كان من أسماء الأفعال يكون مخلوقاً للَّه تعالى وآية من

____________________

(1) توحيد الصدوق، ص521، وأصول الكافي، ج1، ص89، باب معاني الاسماء واشتقاقها، ح2.

(2) سورة الأعراف: 180.

٢٥٠

آياته، فالعبادة ليست له، بل لباريه تعالى، ومن ثم يتوجّه إليه كمرآة وآية يُنظر بها ولا ينظر إليها؛ ولذا تكون اسماً وعلامة. وأمَّا إذا نُظر إلى الاسم بما هو هو، فيكون حينئذٍ صنماً موجباً للشرك والكفر، وهو الغلو المنهيّ عنه، ولكن هذا لا يعني رفض الأسماء والوسائط، فإن ذلك يحجب عن المسمّى أيضاً، فلا يلحد بها ولا ينظر إليها بالاستقلال، بل ينظر بها؛ وذلك لِمَا بيّناه سابقاً من أنه لا تعطيل ولا تشبيه، فالإلحاد في الأسماء تعطيل للباري بعد عدم كونه جسماً يُقابل أو يجابه أو يشابه مخلوقاته، وهو نفي الجسميّة، فلا محيص عن التوجّه بالأسماء، لا سيّما الاسم الأعظم وهو أوّل ما خلق اللَّه عزَّ وجل، نور النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، الذين بواسطتهم وصل آدم إلى ما وصل إليه من الخلافة، عندما علّمه اللَّه عزَّ وجلَّ تلك الأسماء الحيّة الشاعرة العاقلة المجرّدة النوريّة، التي هي أعظم آيات الباري تعالى وأفضل من جميع الملائكة.

الكلمات التامّات:

هناك آيات عديدة تدلّ - بمعونة الروايات الواردة فيها - على أن الكلمات التامّات والآيات الكبرى للَّه عزَّ وجلَّ هم النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، منها:

1 - ما تقدّم من قوله تعالى: ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلآءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (1) ، وقد سبق تقريب الاستدلال بهذه الآية المباركة، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنه قال: (إن اللَّه تبارك وتعالى كان ولا شي‏ء، فخلق خمسة من نور جلاله، وجعل لكلّ واحد منهم اسماً من أسمائه المنزلة، فهو الحميد وسمّى النبيّ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو الأعلى وسمّى

____________________

(1) البقرة: 31.

٢٥١

أمير المؤمنين عليه‌السلام عليّاً، وله الأسماء الحسنى فاشتقّ منها حسناً وحسيناً، وهو فاطر فاشتقّ لفاطمة من أسمائه اسماً، فلمّا خلقهم، جعلهم في الميثاق، فإنهم عن يمين العرش، وخلق الملائكة من نور، فلمَّا نظروا إليهم، عظّموا أمرهم وشأنهم ولقّنوا التسبيح فذلك قوله: ( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) (1) فلمّا خلق اللَّه تعالى آدم(صلوات اللَّه وسلامه عليه) نظر إليهم عن يمين العرش، فقال: ياربّ مَنْ هؤلاء؟ قال: ياآدم، هؤلاء صفوتي وخاصّتي، خلقتهم من نور جلالي وشققت لهم اسماً من أسمائي، قال: ياربّ، فبحقّك عليهم علّمني أسماءهم، قال: ياآدم فهم عندك أمانة، سرّ من سرّي، لا يطّلع عليه غيرك إلّا بإذني، قال: نعم ياربّ، قال: ياآدم، أعطني على ذلك العهد، فأخذ عليه العهد، ثم علّمه أسماءهم، ثم عرضهم على الملائكة، ولم يكن علّمهم بأسمائهم، ( فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلآءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ ) (2) علمت الملائكة أنه مستودع وأنه مفضّل بالعلم، وأُمروا بالسجود إذ كانت سجدتهم لآدم تفضيلاً له وعبادة للَّه؛ إذ كان ذلك بحقّ له، وأبى إبليس الفاسق عن أمر ربّه) (3) .

2 - قوله تعالى: ( فَتَلَقَّى ءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ) ، ويمكن تقريب دلالة الآية إجمالاً على كون الكلمات هي النبي وأهل بيته بما تقدّمت الإشارة من

____________________

(1) الصافات: 165 - 166.

(2) البقرة: 31 - 32 - 33.

(3) تفسير فرات الكوفي، ص56، وكمال الدين وتمام النعمة، ص14، والهداية الكبرى للخصيبي، ص428 (واللفظ للأوَّل).

٢٥٢

إطلاق الكلمة في القرآن الكريم على النبي عيسى عليه‌السلام بما هو حجّة للَّه اصطفاه على العباد، فمنه يعرف أن الكلمة في استعمال القرآن تطلق على حجج اللَّه وأصفيائه، ويشير إلى ذلك أيضاً قوله تعالى: ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً ) (1) حيث تومئ الآية إلى كون كلمة اللَّه تعرف بالصدق والعدالة، وهو وصف لحجج اللَّه، وهذا الوصف أحرى بالصدق على سيد الأنبياء بعد صدقه على النبي عيسى عليه‌السلام .

وقد وردت بذلك الروايات من الفريقين كما سيأتي معتضداً ذلك بأن الأسماء التي تعلّمها آدم وشرّف بها على الملائكة قد مرّ أنها عرّفت بضمير الجمع للحي الشاعر العاقل وأُشير إليها باسم الإشارة للجمع الحي الشاعر العاقل، ممَّا يدلُّ على أنها موجودات وكائنات حيّة شاعرة عاقلة، نشأتها في غيب السماوات والأرض؛ لعدم علم ملائكة السماوات والأرض بها، كما أُشير إلى ذلك بقوله تعالى: ( أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ) (2) .

ولا ريب أن أشرف الكائنات بنصوصية الكثير من الآيات وروايات الفريقين هو سيد الأنبياء، كما قد تبيّن أن أوَّل وأسمى الكلمات التي بشرفها قُبلت توبة آدم هو سيد الأنبياء، وحينئذٍ تُبيّن الآيات أن تلك الأسماء والكلمات حيث عبّر عنها بلفظ الجمع يقتضي أن مع سيد الأنبياء حجج آخرين للَّه تعالى شُرّف بمعرفتهم آدم وتاب اللَّه بهم عليه.

ولا نجد القرآن الكريم يُنزّل منزلة نفس النبي أحداً من الأنبياء والرسل، بل نزَّل علي بن أبي طالب منزلة نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذه خصيصة اختصّ هو عليه‌السلام بها. كما لم يُشرك اللَّه تعالى في طهارة

____________________

(1) سورة الأنعام: 115.

(2) سورة البقرة: 33.

٢٥٣

النبي وعصمته ونمط حُجِّيَّته وعلمه بالكتاب كلّه مع العديد من المقامات الأخرى أحداً من أنبيائه ورسله، لكنَّه أشرك أهل بيته؛ وهم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، كما في آية التطهير والمباهلة ومسِّ الكتاب من المطهَّرين من هذه الأمة وغيرها من الآيات النازلة فيهم.

فتبيّن أن قرين سيد الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله في المراد من الكلمات والأسماء هم أهل بيته عليهم‌السلام .

وقد ورد في كتب الفريقين من السنّة والشيعة أن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه هم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، فدعا اللَّه عزَّ وجلَّ بواسطة الكلمات فتاب عليه.

منها: ما أخرجه الحاكم في المستدرك عن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لمَّا اقترف آدم الخطيئة، قال: يا ربّ، أسألك بحقّ محمّد لمّا غفرت لي، فقال: يا آدم، وكيف عرفت محمّداً ولم أخلقه؟، قال: يا ربّ؛ لأنك لمَّا خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه، فعلمت أنك لم تُضف إلى اسمك إلّا أحبّ الخلق إليك، فقال: صدقت يا آدم إنه لأحبّ الخلق إليّ، ادعني بحقّه فقد غفرت لك، ولولا محمّد ما خلقتك) (1) ، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ومنها: ما أخرجه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل عن ابن عبَّاس قال: سألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه، قال:

____________________

(1) المستدرك، ج2، ص615.

٢٥٤

سأل بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت علي فتاب عليه) (1) . ومنها: ما أخرجه السيوطي عن الإمام علي عليه‌السلام أنه ذكر أن اللَّه عزَّ وجلَّ علّم آدم الكلمات التي تاب بها عليه وهي: (اللّهم إني أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد، سبحانك لا إله إلّا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي، فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم. اللّهم إني أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد، سبحانك لا إله إلّا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي، فتب عليّ إنك أنت التوَّاب الرحيم. فهؤلاء الكلمات التي تلقّى آدم) (2) .

3 - قوله تعالى: ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ ) (3) .

فالكلمة أُطلقت على عيسى عليه‌السلام ، وهذا الإطلاق غير خاص به عليه‌السلام ، بل هو شامل لكلّ الأنبياء لا سيما أولوا العزم منهم ولا سيما خاتم النبيِّين، فهو أفضل الأنبياء وسيّدهم وأعظمهم، فلا محالة يكون هو الكلمة الأتمّ، وكذا من هم نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم أهل بيته عليهم‌السلام .

4 - قوله تعالى: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) (4)

فلا شك أن إبراهيم عليه‌السلام كلمة وآية من آيات اللَّه تعالى؛ لأنه أفضل من عيسى عليه‌السلام ، ومع ذلك امتحنه اللَّه عزَّ وجلَّ بكلمات تفوقه في المقام والمنزلة، ولمَّا ثبت في الامتحان، فاز بمقام الإمامة بعد الخلّة والنبوّة والرسالة، فلا محالة

____________________

(1) شواهد التنزيل، ج1، ص101.

(2) الدر المنثور، ج1، ص60.

(3) النساء: 171.

(4) البقرة: 124.

٢٥٥

تكون الكلمات هم سيد الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله وآخرين غير النبي إبراهيم والنبي عيسى وموسى وآدم عليهم‌السلام .

والكلمات - كما جاء في الروايات - هم خمسة أصحاب الكساء، فإبراهيم نال مقام الخلافة في الأرض والزلفى عند اللَّه عزَّ وجلَّ بالكلمات، كما أن آدم فُضّل على الملائكة وأصبح مسجوداً لهم لتعلّمه الأسماء الحسنى والآيات العظمى، وهم أهل آية التطهير عليهم‌السلام .

وكذلك آدم تسنّم مقام الخلافة الإلهية بتوسّط علم الأسماء الحيّة العاقلة النوريّة، التي تحيط بجميع المخلوقات، ولا يحيط بها مخلوق من المخلوقات إلّا بما شاء اللَّه عزَّ وجل.

عن المفضّل بن عمر عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام ، قال: سألته عن قول اللَّه عزَّ وجل: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) ما هذه الكلمات؟

قال: (هي الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب اللَّه عليه، وهو أنه قال: أسألك بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت عليَّ، فتاب اللَّه عليه إنه هو التواب الرحيم) (1) .

5 - قوله تعالى: ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) (2) .

وقد كان المعصومون الأربعة عشر كلّهم عليهم‌السلام يقرأون هذه الآية عند ولادتهم، فهم الكلمات التَّامَّات التي تمّت صدقاً وعدلاً لا مبدِّل لكلماته، وقد مرّت الإشارة إلى أن نعت الكلمة بالصدق والعدالة يشير إلى حجج اللَّه فيما

____________________

(1) كمال الدين وتمام النعمة، ص358.

(2) الأنعام: 115.

٢٥٦

يؤدّونه عن اللَّه وما هي عليه سيرتهم من الصدق والعدل والعدالة، هذا كلّه بالنسبة إلى الجواب الأوّل وتفصيلاته.

الجواب الثالث: الآيات القرآنية

1 - وهو ما جاء في قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ) (1) . الاستكبار على الآيات الوارد في هذه الآية المباركة نظير ما فعله إبليس؛ حيث أبى واستكبر أن يسجد لآدم، فكذّب بآية من آيات اللَّه تعالى. وذلك عندما قال: ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) (2) وقد استند في تكذيبه هذا إلى القياس الباطل، وهو لا يعلم حقائق دين اللَّه تعالى، ولا يعلم أن جانباً آخر في آدم نوريّ يعلو على النار هو الذي أهّله لذلك المقام، وليس الطين إلّا وجوده النازل المادّي. ثم إن الآية المباركة ذكرت أثراً آخر من آثار التكذيب بالآيات الإلهية والاستكبار عليها، حيث قالت: ( لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ) ، ومن الواضح أن أبواب السماء إنما تفتّح حين الدعاء والعبادة والتوجّه إلى اللَّه عزَّ وجل، وحين إرادة الزلفى والقرب، وكذلك لتصاعد الإيمان والعقيدة، كما يشير إليه قوله تعالى: ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ) (3) ، فهذه الآية المباركة تقول: إن الذين يكذّبون بآيات اللَّه تعالى وأسمائه وكلماته ويستكبرون عنها - كما فعل إبليس - لا

____________________

(1) الأعراف: 40.

(2) الأعراف: 12.

(3) سورة فاطر: 10.

٢٥٧

تفتّح لهم أبواب السماء، فلا يمكنهم أن يدعوا اللَّه أو يتقرّبوا إليه، ولا يستجاب لهم دعاؤهم ولا عباداتهم كالصلاة والصوم والحجّ. والربط بين ترك الآية والإعراض عنها والاستكبار عليها وبين عدم القرب وعدم قبول الدعاء وعدم تفتّح الأبواب هو أن اللَّه عزَّ وجلَّ ليس بمادّي ولا بجسم، فلا يمكن أن يقابل أو يجابه، فلا زلفى إلّا بالآيات والإيمان بها والطاعة والخضوع لها والتوجّه بها إلى اللَّه عزَّ وجل: ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) ، وقد مرّ في هذا الفصل وفي الفصل الثالث أن الآيات هم الحجج المصطفون، فلابدّ عند إرادة التوجّه إلى سماء الحضرة الإلهية بالدعاء والعبادة والازدلاف من التوجّه بهم والتوسّل بهم؛ لأن ذلك مفتاح فتح أبواب السماء، فهذه الآية تتشاهد وتتطابق مع الآية المتقدمة من قوله تعالى: ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (1) وأن الأسماء التي يُدعى بها في مقام الدعاء والفوز على اللَّه هي الآيات التي لابدّ من الإيمان بها والخضوع والإقبال عليها والتوجّه بها إلى الحضرة السماوية. وهذا المضمون هو ما ورد في الروايات المتواترة من أن ولاية أهل البيت عليهم‌السلام شرط في قبول الأعمال والعقائد، فإمامتهم عليهم‌السلام مقام من مقامات التوحيد في الطاعة، وهي شرط التوحيد وكلمة لا إله إلّا اللَّه، فمَن لا ولاية ولا طاعة له لا يقبل اللَّه عزَّ وجلَّ له عملاً، كما هو الحال في إبليس، حيث لم يقبل اللَّه عزَّ وجلَّ أعماله، ولم يقم له وزناً وطُرد من جوار اللَّه وقربه.

____________________

(1) سورة الأعراف: 180.

٢٥٨

إذن؛ مَن لا يُذعِن بالواسطة والولاية لا يقبل له عمل، لأنه لا تفتّح له الأبواب، ولا يكون ناجياً يوم القيامة ( وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الُْمجْرِمِينَ ) .

2 - وهو قوله تعالى: ( وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ) (1) ، فهذه الآية جاءت في سياق واحد مع قوله تعالى: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا ِلآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ) (2) ، فالسياق الواحد في هذه الآيات دالّ على أن ما فعله إبليس كان إنكاراً وظلماً لآية من آيات اللَّه تعالى، ودالّ أيضاً على أن ثقل الميزان والقرب وقبول الأعمال إنما يتمّ بالخضوع للآيات والإيمان بها.

وليست الأصنام إلّا الوسائل والوسائط المقترحة.

3 - قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (3) ، وتقريب الاستدلال بهذه الآية كالتقريب الذي تقدّم في الآيات التي سبقتها، ولا يخفى ما في التعبير بـ(عنه) دون التعبير بـ(عليه) من دلالة على الإعراض والإنكار لوساطة الآيات الإلهية، وأنه موجب لبطلان الأعمال والخلود في النار.

____________________

(1) الأعراف: 9.

(2) الأعراف: 11 - 13.

(3) الأعراف: 36.

٢٥٩

الشبهة الرابعة: الأعمال الصالحة هي الوسيلة

التوسُّل والوسيلة حقيقة العقيدة بالنبوّة والرسالة

لقد قام أصحاب هذا الاتجاه المنكِر لمبدأ التوسّل بتوجيه قوله تعالى: ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) (1) ، حيث فسّروا الوسيلة في هذه الآية بالطاعات والقربات والأعمال الصالحة التي يتقرّب بها العبد إلى ربّه.

وقد ورد في الأحاديث بأن العبد لا يتقرّب إلى اللَّه عزَّ وجلَّ إلّا بالطاعة والعمل الصالح، فطوعانية العبد لربّه هي وسيلته الوحيدة، وليس بين اللَّه وبين خلقه قرابة وقرب إلّا بالطاعة ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ، فالجنّة يدخلها المطيع ولو كان عبداً حبشياً، والنار يدخلها العاصي ولو كان سيّداً قرشيّاً.

الجواب عن الشبهة الرابعة:

كان حصيلة الشبهة الرابعة هو تمسّكهم بقوله تعالى: ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) حيث فسّروا الوسيلة بالأعمال الصالحة من البرّ والتقوى والورع وسائر العبادات، وأن طوعانية العبد لربّه هي الوسيلة الوحيدة للنجاة والفوز بالجنة.

وفي المقدّمة نحن لا ننفي كون الأعمال الصالحة وسيلة من وسائل القرب إلى اللَّه عزَّ وجل، ولكن نريد أن نقول هي أحد مصاديق الوسيلة وليست الوسيلة منحصرة بها، وذلك بمقتضى نفس زعمهم من أن الوسيلة هي الأعمال الصالحة والطاعات، حيث إن أعظم الأعمال الصالحة والطاعات هو الإيمان باللَّه ورسوله؛ إذ لا يقاس بالإيمان بقيّة الأعمال من الصلاة والصيام والحج وغيرها،

____________________

(1) المائدة: 35.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

وإن حزبك هم الغالبون ، أما الناكثون فيبايعونك بأيديهم وتأبى قلوبهم وأكثرهم الفاسقون ، وأما القاسطون فهم الذي ركنوا الى الدنيا فكانوا لجهنم حطبا ، وأما المارقون فيقاتلون معك ثم يكفرون ولا تجاوز صلاتهم رءوسهم ولا إيمانهم تراقيهم ، أينما ثقفوا(١) اخذوا وقتلوا تقتيلا. ولا ينفع المعين عليك ولا مبغضك ولا من قاتلك إيمان ولا عمل.

[٣٥٠] حيان بن المغلس بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : شهد مع علي صلوات الله عليه يوم الجمل ، ثمانون من أهل بدر وألف وخمسمائة(٢) من أصحاب رسول الله صلوات الله عليه وآله.

[٣٥١] محمد بن فضل بإسناده عن أبي عبد الله الجدلي ، قال : بينا نحن بمكة ، وقد قتل عثمان في ذي الحجة ، إذ أقبل طلحة والزبير حتى قدما على عائشة ، فدخلا عليها ، فخرج مناديها ، فنادى : من كان يريد السير مع طلحة والزبير فليسر فإن أمّ المؤمنين سائرة.

قال أبو عبد الله : فدخلت عليها وكنت لها مواصلا ( فقلت : يا أمّ المؤمنين ما أخرجك رسول الله صلوات الله عليه وآله في غزوة قط )(٣) أو في قتال ، ألم يأمرك الله عزّ وجلّ أن تقرّي في بيتك؟ فلم أزل بها اذكرها وانشدها حتى رجعت عن الذي أمرت به. فأمرت مناديها ، فنادى : من كان يريد السير مع طلحة والزبير ، فليسر! فإن أمّ المؤمنين قد قعدت.

فلما سمع ذلك طلحة ، دخل عليها ، فنفث في اذنيها ، فخرج مناديها ، فنادى بمثل ندائه الأول.

__________________

(١) أي وجدوا.

(٢) وفي بحار الأنوار ط قديم ٨ / ٤٣٤ الف وخمسمائة من أصحاب الرسول.

(٣) ما بين الهلالين زيادة من نسخة ـ ب ـ.

٤٠١

فلما كان من أمرها ما كان ، ورجعت الى المدينة ، وقفت ببابها ، فقلت : السلام عليك ، أيدخل أبو عبد الله الجدلي؟؟ فانتحبت ، حتى رحمتها ، ثم أذنت لي ، فدخلت ، وسألتها عن حالها ، فجعلت تخبرني بما كان من أمرها. فقالت : وقعت من الناس يوم الجمل ثلاث غلاء ، فسمعت صوتا لم أسمع مثله قط. فقلت لغلام كان معي : ويحك ، اخرج فانظر ما هذا؟؟ فذهب ثم أتاني ، فقال : تواقع القوم. فقلت : الصوت فينا أو فيهم؟؟ قال : فيكم. قلت : فذاك خير لنا أو شرّ علينا؟؟ قال : بل شرّ عليكم.

ثم سمعت الثانية ، فأرسلت الغلام. فقال : مثل ذلك.

ثم سمعت الثالثة ، فذهبت لأنظر فاذا أنا في مثل لجة البحر(١) فبرك الجمل ، وجاء رجل ، فأدخل يده ، فقلت : من أنت ، ويلك؟؟ قال : أبغض أهلك إليك! قلت : محمد بن أبي بكر؟ قال : نعم ، فلا تسأل عن عذل(٢) ثم جاء الأشتر ، فقال : لا تسل عن عذل(٣) ، وشتم حتى قال لي : وددت أن السيف كان أصابك.

[ ضبط الغريب ]

الغلا : جمع غلوة ، والغلوة : قدر ما تبلغه رمية السهم ، يقال : إن الفرسخ التام خمس وعشرون غلوة أي رمية السهم.

[٣٥٢] محمد بن سعيد يرفعه الى نافع مولى ابن عمر قال : حدثني من نظر الى

__________________

(١) أي : في وسط الحراك والقتال.

(٢) أمالى المفيد ص ٢٣.

(٣) وفي الأصل : عن عذر.

٤٠٢

طلحة بن عبيد الله يوم الجمل ، قبل القتال ، وقد ناداه علي صلوات الله عليه فخرج إليه ، فقال له : يا أبا محمد ، اناشدك الله ، أما سمعت رسول الله صلوات الله عليه وآله يقول : اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه؟؟ قال طلحة : اللهمّ نعم. قال : فلم جئت تقاتلني وقد سمعت هذا من رسول الله صلوات الله عليه وآله؟

قال : فانصرف ، وقال : لا اقاتلك بعد هذا.

فلما انصرف قال مروان بن الحكم : لا أطلب بثاري بعد هذا اليوم بدم عثمان(١) فرمى طلحة بسهم فقتله.

[٣٥٣] جعفر بن سليمان ، عن عبد الله بن موسى بن قادم ، قال : سمعت سفيان الثوري يقول ـ بأعلا صوته ـ : والله ما أشك ، لقد بايع طلحة والزبير عليا صلوات الله عليه ، ولقد نكثا عليه ، والله ما وجدا فيه ـ لا علّة في دين ولا خيانة في مال ـ(٢) .

قال : وسمعت سفيان الثوري يحلف باليمين المحرجة ما قاتل عليا صلوات الله عليه أحد إلا وعلي صلوات الله عليه أولى بالحق منه.

[٣٥٤] محمد بن إسماعيل بن أبان يرفعه الى حذيفة بن اليمان ، إنه قال ـ يوما لجماعة حوله ـ : كيف أنتم إذا صار أهل ملّتكم فرقتين يضرب بعضكم وجوه بعض بالسيف. قالوا : وإن ذلك لكائن يا أبا عبد الله؟؟

قال : نعم.

قالوا : فكيف نصنع إن نحن أدركنا ذلك؟؟

قال : انظروا الى الفرقة التي فيها علي بن أبي طالب ، أو تدعو إليه

__________________

(١) وفي نسخة ـ ب ـ من عثمان.

(٢) أقول : وقد مرّ هذا الحديث بهذا السند تحت الرقم ٣٤٥ بدون هذه الاضافة يحلف الخ.

٤٠٣

أبدا من كانت ، فالزموها ، فإنها على الهدى.

[٣٥٥] وبآخر عن علي بن ربيعة ، إنه قال : سمعت عليا صلوات الله عليه على منبركم هذا يقول : عهد إليّ النبي صلوات الله عليه وآله أني مقاتل بعده الناكثين والقاسطين والمارقين.

فهذه نكت وجوامع من أخبار نكث طلحة والزبير وخروجهما مع عائشة وما كان من أخبار يوم الجمل ، وقد ذكرت فيما تقدم إن أحدا لم يتابع على ذلك طلحة والزبير ولا قال بما قالاه ، ولا انتحل الى اليوم ما انتحلاه مما ذكرته وأذكره من رجوع طلحة والزبير عن ذلك ، وندامة عائشة عليه وندامة من تخلّف عن علي صلوات الله عليه(١) فيه.

__________________

(١) أمثال عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص.

٤٠٤

حرب صفين

فأما ما كان بينه وبين معاوية فقد ذكرت جملة قول علي صلوات الله عليه في ذلك ، ومما لم أذكره من جملة ما أردت إثباته وبسطه في هذا الكتاب ، وذلك أن عليا صلوات الله عليه لما فرغ من حرب أصحاب الجمل وقد كان أراد عزل معاوية عن الشام ، فدسّ إليه من يسأله في إثباته في ولايته ، فأبى عليه من ذلك ، وأشار عليه بعض من ينصح لهعليه‌السلام ، وقيل إن عبد الله بن العباس فيمن أشار عليه بذلك ( أن يكتب إليه بعهده فإذا دعا له وأخذ بيعته على الناس عزله )(١) فقال علي صلوات الله عليه : إن هذا لهو الرأي العاجل ، فأما فيما بيني وبين الله عزّ وجلّ ، فما أجد لنفسي في ذلك عذرا «وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً » (٢) .

فكتب إليه لما فرغ من أصحاب الجمل يدعوه الى الدخول فيما دخل الناس فيه ـ من بيعته والقدوم عليه ـ ، فأبى معاوية من ذلك. وأتاه عمرو بن العاص يوافقه على رأيه ، ووعده معاوية أن يولّيه مصر وأشركه في أمره فلا يخرج عن رأيه. وكان عمرو داهية من دواهي العرب. وعلم أن ليس له عند علي صلوات

__________________

(١) ما بين الهلالين زيادة من نسخة ـ ب ـ.

(٢) سورة الكهف الآية ٥١.

٤٠٥

الله عليه ما يريده ، فانحاز الى معاوية ، واتفقا على الخلاف على علي صلوات الله عليه ، وسلكا مسلك أصحاب الجمل في إظهار القيام بثار عثمان(١) ، وعمدا الى قميص فضرّجاه بالدم ، ورفعاه على رمح ، وجعلا يدوران به في جماعة بعثوا بها في نواحي(٢) الشام ، ويقولون هذا دم خليفتكم المقتول ظلما ، فقوموا في دمه ، واجتمعت لمعاوية جموع كثيرة لذلك ، وسار علي صلوات الله عليه الى الكوفة ، واجتمع له أهل العراق وأهل الحرمين(٣) وأفاضل الصحابة من المهاجرين والأنصار ممن قد كان شهد معه وقعة الجمل ، وغيرهم ممن لحق به بعد ذلك. وجعل يعذر الى معاوية ويرسل إليه ، فيشترط كما أخبر علي صلوات الله عليه فيما قدمنا ذكره في هذا الكتاب من الحكاية عنه(٤) ، واشتراطه على الشروط التي لا تحلّ ولا تجوز.

ومعاوية في كل ذلك لا يدعي إلا إنه عامل عثمان على الشام ، ويدفع بيعة علي صلوات الله عليه ، ويقول : إنه على إمارة عثمان التي أمّره ، وعلى ذلك كان يدعى الأمير ، الى أن قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، فتسمى أمير المؤمنين.

وأما تعلّقه بتأمير عثمان إياه ، فذلك ما لا يجوز ، لأن الإمارة التي عقدها له عثمان قد انقطعت بانقطاع أمر عثمان ووفاته ، كما أنه لو وكله على شيء من أمواله ، فمات وصار ما وكله عليه ميراثا لورثته لم تبق وكالته إياه ، وكان لمن ورث ماله خلعه عن الوكالة أو إثباته.

__________________

(١) وفي نسخة ـ ب ـ بدم عثمان.

(٢) وفي الأصل : ناحية.

(٣) أي أهل مكة والمدينة فمكة حرم الله والمدينة حرم الرسول (ص).

(٤) وقد مرّ في الحديث ٣١٥ المواطن التي امتحنه الله بعد وفاة الرسول (ص).

٤٠٦

وهذا ما لا اختلاف فيه بين المسلمين.

[ عمّار بن ياسر ]

وكان عمار بن ياسر رضوان الله عليه فيمن كان مع علي صلوات الله عليه وكان رسول الله صلوات الله عليه وآله قد قال له : يا عمار تقتلك الفئة الباغية. وذلك مشهور في الآثار ، يرويه الخاصّ والعام.

فقتل رضوان الله عليه مع علي صلوات الله عليه في حربه مع معاوية ، قتله أصحاب معاوية.

[٣٥٦] وروى أبو غسان بإسناده عن رسول الله صلوات الله عليه وآله ، إنه قال :

ما يريدون من عمار يدعوهم الى الجنة ، ويدعونه الى النار.

[٣٥٧] سعيد بن كثيرة بن عفير ، عن أبي لهيعة يرفعه الى النبي صلوات الله عليه وآله إنه قال لعمار : تقتلك الفئة الباغية.

[٣٥٨] أبو غسان ، بإسناده ، عن ربيعة بن ناجذ(١) قال : قال عمار ـ يوم صفين ـ : الجنة تحت الأبارقة ، والظمئان يرد الماء ، والماء مورد ، اليوم القى الأحبة محمدا وحزبه.

[٣٥٩] وبآخر ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه ، قال عمار بن ياسر ـ وهو يسير على شاطي الفرات ـ : اللهمّ إنك تعلم إني لو أعلم إن رضاك عني أن أتردى عن دابتي ، فأسقط ، فيندق عنقي ، لفعلت. ولو أعلم إن رضاك عني ( أن اوقد نارا ، فألقي نفسي فيها ، لفعلت. ولو أعلم إن رضاك عني )(٢) أن أرمي بنفسي في هذا النهر ، فأموت فيه ، لفعلت.

__________________

(١) وفي الأصل : هاجر.

(٢) ما بين الهلالين زيادة من نسخة ـ ب ـ.

٤٠٧

اللهمّ فإني لا اقاتل أهل الشام إلا وأنا اريد [ بذلك ] وجهك ، وأرجو أن لا تخيبني وأنا اريد وجهك [ الكريم ].

[٣٦٠] محمد بن حميد الاصباعي بإسناده عن أبي عبد الرحمن السلمي ، قال : شهد عمار صفين وكان لا يأخذ(١) واديا إلا رأيت أصحاب محمد صلوات الله عليه وآله يتبعونه كأنه لهم علم ، وذلك لما سمعوا من رسول الله صلوات الله عليه وآله إنه تقتله الفئة الباغية.

وكان معاوية وأصحابه يأثرون ذلك ، ويقولون : معنا يقتل عمار ، وسوف يسير إلينا. فلما قتلوه مع علي صلوات الله عليه اسقط في أيديهم ، فانبرى(٢) عمرو بن العاص وقال : إنا نحن لم نقتل عمارا ، وإنما قتله أصحابه الذين أتوا به.

فقام ذلك في عقول أهل الشام ، واتصل قوله بعلي صلوات الله عليه ، فقال : لعن الله عمرا ، يا لها من عقول!! إن كنا نحن قتلنا عمارا ، لأنا جئنا به ، وكان معنا! فرسول الله صلوات الله عليه وآله وأصحابه قتلوا من استشهد فيهم من المسلمين.

قال أبو عبد الرحمن : وانتهى عمار يوم صفين الى هاشم بن عتبة [ المرقال ] ، وبيده راية علي صلوات الله عليه ، وقد ركزها ، ووقف ـ وكان أعور ـ فقال له عمار : يا هاشم ، أعورا وجبنا ، لا خير في أعور لا يغشى الناس.

ثم نظر عمار الى أبي موسى الأشعري ، وهو بين الصفين ، فقال : يا هاشم والله لينقضن عهده وليخونن أمانته وليفرن جهده.

__________________

(١) في الجوهرة ص ١٠٠ : لا يأخذ في جهة ولا واد.

(٢) انبرى : اعترض.

٤٠٨

ثم حمل عمار وهاشم في أصحاب معاوية وهو يقول(١) :

أعور يبغي أهله محلاّ

قد عالج الحياة حتى ملاّ

لا بدّ أن يفلّ أو يفلاّ

وعمار يقول : يا هاشم ، الموت في أطراف الأسل والجنة تحت الأبارقة ، ترى محمدا وحزبه في الرفيق الأعلى. قال أبو عبد الرحمن : فما رأيتهما رجعا من فورهما ذلك حتى قتلا.

[ ضبط الغريب ]

الأسل : القناة ، شبهت لاستوائها بنبات له أو أغصان كثيرة دقاق ولا ورق له ، وهو الأسل ، واحده : اسلة ، ويقال : إنه الذي ضرب به أيوبعليه‌السلام أهله(٢) .

[٣٦١] أبو نعيم : لما قتل عمار دخل خزيمة بن ثابت [ الأسدي ] فسطاطه ، فشنّ عليه من الماء ، ثم طرح عليه سلاحه. ثم خرج ، فحمل في أصحاب معاوية ، فلم يزل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

[٣٦٢] وبآخر عن عمار بن ياسر ، إنه قال : والله لو ضربونا حتى يبلغونا

__________________

(١) وفي كتاب صفين لنصر بن مزاحم ص ٣٢٧ هكذا :

قد اكثروا لومي وما أقلاّ

إني شريت النفس لن اعتلاّ

أعور يبغي نفسه محلاّ

لا بدّ أن يفلّ أو يفلاّ

قد عالج الحياة حتى ملاّ

أشدّهم بذي الكعوب شلاّ

مع ابن عمّ أحمد المعلّى

فيه الرسول بالهدى استهلاّ

أول من صدّقه وصلّى

فجاهد الكفار حتى أبلى

(٢) وذلك إنه حلف على امرأته لامر أنكره من قولها إن عوفي ليضربها مائة جلدة ، فقيل له :

خذ ضغثا بعدد ما حلفت فاضربها به دفعة واحده ، فإنك إذا فعلت ذلك برت يمينك.

٤٠٩

شعاف(١) هجر لعلمت إنا على الحق وإنهم على الباطل.

الشعاف : رءوس الاثافي المستديرة ، ورءوس الجبال أيضا.

[ ضبط الغريب ]

[٣٦٣] عبد الله بن جعفر ، بإسناده ، إن رسول الله صلوات الله عليه وآله نظر الى عمار وهو يبني مسجد المدينة ، والناس ينقلون اللبن والحجر ، حجرا حجرا ، وعمار ينقل حجرين حجرين.

فقال له النبي صلوات الله عليه : أتحمل على نفسك يا عمار؟

فقال : يا رسول الله ، إني والله مع ذلك لمحموم.

فقال رسول الله صلوات الله عليه وآله : إن الله قد ملأ قلب عمار وسمعه وبصره إيمانا ، لا يعرض عليه أمر حق إلا قبله ، ولا أمر باطل إلا رده ، تقتله الفئة الباغية ، آخر زاده من الدنيا ضياح من لبن ، وقاتلاه وسالباه في النار.

وقد فسر الضياح في غير هذا المكان من الكتاب وهو : اللبن الخاثر يصب فيه الماء حتى ينصح ويرق ويطيب.

[٣٦٤] أبو نعيم ، بإسناده ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلوات الله عليه وآله : ثلاثة تشتاق إليهم الجنة : علي وعمار وسلمان.

[٣٦٥] أحمد بن ثابت بإسناده عن بشير بن تميم ، إنه قال : نزل في أبي جهل وعمار : «أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ » ـ يعني أبا جهل «خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً

__________________

(١) وفي كشف الغمة ١ / ٢٦٠ : بلغونا سعفات.

السعفات : جمع سعفة بالتحريك وهي أغصان النخيل وقيل إذا يبست سميت سعفة.

وإنما خص هجر للمساعدة في المسافة ولأنها موصوفة بكثرة النخيل. وهجر يسمى اليوم بالأحساء.

٤١٠

يَوْمَ الْقِيامَةِ » (١) يعني عمار بن ياسر.

[٣٦٦] الليث بن سعد ، بإسناده : إن أول من بايع رسول الله صلوات الله عليه وآله يوم الشجرة عمار.

[٣٦٧] أبو غسان ، بإسناده ، عن علي صلوات الله عليه قال : استأذن عمار على رسول الله صلوات الله عليه وآله فعرف صوته.

فقال : مرحبا بالطيب المطيب [ ائذنوا له ].

[٣٦٨] وبآخر ، عن الأشتر ، قال : نازع عمار خالد بن الوليد ، فشكاه الى رسول الله صلوات الله عليه وآله. فقال : يا خالد لا تسبّ عمارا ، فإنه من سبّ عمارا سبّه الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله(٢) .

قال خالد : استغفر الله لي يا رسول الله.

[٣٦٩] إسماعيل بن أبان ، بإسناده ، عن عائشة إنها قالت : ما من أصحاب محمد إلا من لو شئت أن أقول فيه لقلت غير عمار ، فإنه قد ملئ ـ من كعبيه الى عنقه ـ إيمانا.

[٣٧٠] سفيان الثوري ، بإسناده ، عن عمر ، إنه كتب الى أهل الكوفة : إنه قد بعثت إليكم عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود(٣) ، وهما من النجباء من أصحاب محمد من أهل بدر ، فاقتدوا بهما ، واسمعوا منهما ، فقد آثرتكم بهما على نفسي.

[٣٧١] صالح بن محمد الأصبهاني ، بإسناده عن زياد مولى عمرو بن العاص.

قال : أهدى عمرو بن العاص الى أصحاب النبي صلوات الله عليه وآله

__________________

(١) فصّلت : ٤٠.

(٢) وفي نسخة ب : ومن أبغض عمارا أبغضه الله ومن سبّ عمارا فقد سبّه الله. كرر الجلسة الأخيرة.

(٣) وفي الدرجات الرفيعة ص ٢٥٧ : إني بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا وابن مسعود معلما.

٤١١

ففضل عمارا عليهم! فقيل له في ذلك. فقال : إني سمعت رسول الله صلوات الله عليه وآله يقول : تقتله الفئة الباغية.

[٣٧٢] أبو أحمد ، بإسناده ، عن حذيفة بن اليمان ، إنه لما احتضر ، قيل له(١) أوصنا! ، فقال : أما إذا قلتم ذلك ، فأسندوني ، فأسندوه. فقال : سمعت رسول الله صلوات الله عليه وآله يقول : أبو اليقظان على الفطرة لا يدعها [ ثلاث مرات. لا يدعها حتى يموت ](٢) .

[٣٧٣] وبآخر ، عن رسول الله صلوات الله عليه وآله ، إنه قيل له : إن عمارا وقع عليه حائط(٣) ، فمات. فقال : لا يموت عمار موتة ، إنما تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم الى الجنة ، ويدعونه إلى النار.

[٣٧٤] وبآخر عن عمار ، إن رجلا قال ـ يوم صفين ـ : يا أبا اليقظان ألا تقسم اليوم كما أقسمت يوم الجمل قال : أقسم بالله أنّا على الحق ، وهؤلاء على الباطل.

[٣٧٥] وبآخر عن عبد الله بن الحارث ، قال : اني لا ساير معاوية ومعه عمرو ( بن العاص وابنه عبد الله ، إذ قال عبد الله بن عمرو )(٤) سمعت رسول الله صلوات الله عليه وآله يقول ـ لعمار ـ : تقتلك الفئة الباغية. فقال عمرو لمعاوية : اسمع ما يقول : هذا الحدث :(٥) نحن ما قتلناه ، إنما قتله من جاء به(٦) .

__________________

(١) وفي الأصل : إنه احتضر قيل له.

(٢) هذه الزيادة في بحار الأنوار ط قديم ٨ / ٥٢٢.

(٣) وفي كنز العمال ٤ / ٧٤ : وقع عليه حجر.

(٤) ما بين القوسين زيادة من نسخة ب.

(٥) هكذا في الأصل وفي مسند أحمد ٢ / ١٦١ : ألا تسمع ما يقول هذا؟ فقال معاوية : لا تزال تأتينا بهنة أنحن قتلناه؟

(٦) لقد مرّ في الحديث ٣٦٠ جواب أمير المؤمنين صلوات الله عليه على هذا القول.

٤١٢

[٣٧٦] الأعمش ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، قال : ( كنت جالسا مع عمار ومعه أبو مسعود وأبو موسى )(١) فقالا له : يا عمار ، ما وجدنا عليك في شيء إلا في سرعتك في هذا الأمر ـ يعنيان قيامه مع علي صلوات الله عليه ، وخروجه الى البصرة ـ.

فقال لهما عمار : وإنا ما وجدت عليكما إلا تخلفكما عنه.

[٣٧٧] أبو غسان ، بإسناده ، عن حذيفة ، إنه قيل له ـ حين قتل عثمان ـ يا أبا عبد الله ، إن أمير المؤمنين قد قتل فمن تأمر أن نبايع بعده؟؟

قال : اتبعوا عمارا فمن تبعه عمار ، فاتبعوه.

فقالوا : إن عمار مع علي صلوات الله عليه لا يفارقه.

قال حذيفة : إن الحسد أهلك الجسد ، وإنما يقربكم من علي صلوات الله عليه قرب عمار منه ، فو الله لعلي خير من عمار بأبعد ما بين التراب والسحاب ، وإنما عمار لمن الأخيار.

[٣٧٨] عثمان بن أبي شيبة ، عن أبيه ، عن هشام بن الوليد بن المغيرة(٢) ، قال : كنت امرّض عمارا في مرضه ، فجاء معاوية إليه يعوده.

فقال : اللهمّ لا تجعل ميتته بأيدينا ، فأني سمعت رسول الله صلوات الله عليه وآله يقول : تقتل عمارا الفئة الباغية.

ذكرنا ما ذكرنا من فضل عماررحمه‌الله عليه وقول رسول الله صلوات الله عليه فيه لما أردنا تأكيده وبيانه ، من أن معاوية وأصحابه من أهل الشام الذين قاتلوا عليا صلوات الله عليه ومن معه من أهل البغي. وأن عليا صلوات الله عليه ومن معه هم أهل العدل. وإن كان عامة الامة على القول بذلك. وبسيرة

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة من نسخة ب.

(٢) وفي كنز العمال ٧ / ٧٣ : ابنة هشام بن الوليد بن المغيرة وكانت تمرّض عمارا.

٤١٣

علي صلوات الله عليه فيهم وفي أهل الجمل ، وما حكم به في قتلهم وأموالهم وذراريهم ، قال جماعة ـ المنسوبين الى الفتيا ـ من العامة ، وأوجبوا مثل ذلك في أهل البغي إذا قاتلهم أهل العدل ، وقد أمر الله عزّ وجلّ بقتال أهل البغي ، وأوجبه في كتابه وأذن في قتلهم كما أوجب قتال المشركين وأذن في قتلهم بقوله عزّ من قائل : «وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ » (١) فمعاوية وأصحابه أهل بغي بحكم رسول الله صلوات الله عليه وآله وإجماع عامة المسلمين إلا من شذّ ممن انتحل الإسلام من أتباعهم ، ولم يفىء معاوية حتى مات. وتوسل الى الإمامة به من تغلّب عليها من بني أميّة الى اليوم. فهم على ذلك أهل بغي بمنزلته ، وواجب على المسلمين قتالهم. ومن انتزع ما اغتصبوه بمثل ما هم عليه من أيديهم ـ أعني به بني العباس ومن اتبعهم ـ فقتالهم(٢) كذلك وأيضا واجب مع فئة أهل العدل وهم الذين قاموا باستخلاف علي صلوات الله عليه إياهم من الائمة من ذريته صلوات الله عليهم أجمعين الذين قاموا من بعده مقامه ، فواجب على جميع المسلمين جهاد من خالفهم معهم حتى يفيئوا الى طاعتهم كما فعل ذلك أفاضل الصحابة والتابعين مع أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

وسنذكر فيما بعد إن شاء الله تعالى من شهد حربه منهم ومن استشهد معه من جماعتهم لما سمعوا من كتاب الله عزّ وجلّ ومن توقيف رسوله صلوات الله عليه وآله على ذلك مما قد ذكرنا في هذا الكتاب بعضه ونذكر فيما بقي منه باقيه إن شاء الله تعالى.

تمّ الجزء الرابع من كتاب شرح الأخبار في فضائل الوصيّ الكرار.

والحمد لله وحده وصلاته على سيدنا محمد وآله الطاهرين وسلّم تسليما.

__________________

(١) الحجرات : ٩.

(٢) وفي الأصل : فقاتلهم.

٤١٤

٤١٥

٤١٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

نذكر هنا شواهد الأحاديث المذكورة في المتن أو متابعاتها ، كما نحاول ذكر المزيد من المصادر التي اخرجت الحديث ، والارجاع الى أكبر قدر ممكن من المراجع العامة المتكفلة لتقوية كل حديث متنا أو سندا أو كليهما مع تقديم ما يقرب ـ من حيث اللفظ ـ لما ذكر في متن الكتاب.

[١] رواه ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص ٥١ عن أحمد ، عن إبراهيم بن عبد الله ، عن محمد بن عبد الله الرومي ، عن شريك ، عن سلمة بن كهيل ، عن الصنابجى الحديث.

وذكر أيضا أن سويد بن غفلة رواه أيضا عن الصنابجي.

[٢] رواه ابن المغازلي في مناقبه ص ٨٣ الحديث ١٢٤ ، عن الفضل بن محمد الأصفهاني ، عن محمد بن موسى الصيرفي ، عن محمد بن يعقوب الأصم ، عن محمد بن عبد الرحيم الهروي ، عن عبد السلام بن صالح ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس الحديث.

وأخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك ٣ / ١٢٦ ورواه أيضا البحراني في غاية المرام ص ٥٢٠ الباب ٢٩ الحديث ٢ و ٦.

٤١٧

ورواه ابن الأثير في اسد الغابة ٤ / ٢٢.

ورواه ابن حجر في تهذيب التهذيب ٦ / ٣٢٠ و ٧ / ٤٢٧.

ورواه المتقي في كنز العمال ٦ / ١٥٢.

[٣] روى ابن المغازلي في مناقبه ص ٨٧ ـ الحديث ١٢٩ عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن المظفر ، عن محمد بن محمد الباغندي ، عن سويد ، عن شريك ، عن سلمة بن كهيل ، عن الصنابجى ، عن عليعليه‌السلام الحديث.

ورواه أبو نعيم ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن الحارث ، عن أمير المؤمنين ( في حلية الأبرار ١ / ٦٤ ).

ورواه الترمذي في سننه الباب ٢٠ من المناقب عن الصنابجي وكذلك البغوي في المصابيح ٢ / ٢٧٥.

[٤] روى ابن المغازلي في مناقبه ص ٨٥ الحديث ١٢٦ : عن محمد بن أحمد النحوي ، عن إبراهيم بن عمر ، عن محمد بن عبد الله بن المطلب ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن عبد الله بن عمر اللاحقي ، عن علي بن موسى الرضا [عليه‌السلام ] ، عن أبيه ، عن جده : جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده : علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام الحديث.

وأخرجه القندوري في ينابيع المودة ٧٣.

[٦] بهذا اللفظ ذكره الكنجي في كفاية الطالب ص ٣٨٣ مرسلا ، أما المضمون ـ ولكن بألفاظ مختلفة ـ فقد ذكره كثيرون منهم البحراني في غاية المرام ص ٥٣٠ الباب ٣٩ و ٤٠ بطرق عديدة فراجع هناك ، والأربلي في كشف الغمة ١ / ١١٦.

[٧] وروى ابن الأثير في اسد الغابة ٦ / ٢٢ عن يحيى بن معين عن عبدة بن

٤١٨

سليمان قال : قلت لعطاء الحديث. ورواه ابن عبد ربه في الاستيعاب ٢ / ٤٦٢ والمحب الطبري في الرياض النضرة ٢ / ١٩٤.

[٨] رواه النسائي في خصائصه ص ١٣٦ الحديث ٦٨ عن بشر بن هلال ، عن جعفر بن سليمان ، عن يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله ، عن عمران بن حصين ، عن رسول الله صلوات الله عليه وآله الحديث.

ورواه البحراني في غاية المرام ص ٤٥٧ الحديث ١٥.

ورواه الكنجي في كفاية الطالب ص ١١٤ وأضاف : فلا تخالفوه في حكمه.

ورواه المتقي في كنز العمال ٦ / ٣٩٩.

ورواه ابن المغازلي في مناقبه ص ٢٢٣ الحديث ٢٧٠.

ورواه الترمذي في صحيحه ٢ / ٢٩٧.

[٩] رواه أحمد بن اسماعيل في كتاب ( الأربعين المنتقى في مناقب المرتضى ) الباب السادس : الحديث ٩ عن محمد بن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن الحسن ، عن يحيى بن محمد ، عن الحسن بن مسلم الكوفي ، عن يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الغفار ، عن الحكم بن عيينه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس الحديث.

ورواه التلمساني في الجوهرة ص ٦٤ عن أبي داود الطيالسي عن أبي عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس الحديث.

[١١] رواه أحمد بن حنبل في مسنده ٥ / ٣٥٦ ـ بتفاوت ـ عن أبي نمير ، عن الأجلح الكندي عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه الحديث.

ورواه البحراني في غاية المرام ص ٤٥٦ الباب ٥ الحديث ٢.

[١٣] رواه النسائي في خصائصه ص ١٤٧ الحديث ٧٧ عن زكريا بن يحيى ، عن عبد الله بن عمر ، عن أسباط بن محمد ، عن فطر ، عن عبد الله بن

٤١٩

شريك ، عن عبد الله بن رقيم ، عن سعد الحديث.

[١٤] روى البحراني في غاية المرام ٢ / ٢١٤ الحديث ١٨ عن موفق بن أحمد قال في قوله تعالى : «أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ » ـ هود ١٧ ـ قال : ابن عباس : هو علي يشهد للنبي وهو منه.

ورواه البحراني في غاية المرام ص ٣٥٩ الباب ٦٣ الحديث ٢ مسندا.

[١٥] و[١٦] روى البحراني في تفسير البرهان ( المقدمة / ص ١٩٥ ) عن سليم بن قيس عن عليعليه‌السلام قال : إن الله إيانا عنى بقوله : شهداء على الناس. فرسول الله شاهد علينا ونحن شهداء الله على خلقه.

وعن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى : «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً » قال : نزلت في أمّة محمد خاصه وفي قرن منهم إمام منا شاهد عليهم ومحمد شاهد علينا.

وروى عنهعليه‌السلام إنه قال : لا يكون شهداء على الناس إلا الرسل والائمة دون سائر الامّة. فانه غير جائز أن يستشهد الله بهم وفيهم من لا تجوز شهادته في الدنيا على آخرته.

وقال البحراني أيضا في ٢ / ٣٧٨ الحديث ٥ : قال الصادقعليه‌السلام : لكل زمان وأمّة شهيد تبعث كل أمّة مع إمامها.

[١٨] رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق ص ٣٨٤ الحديث ٤٤٣ : عن محمد بن معمر بن أحمد ، عن رزق الله بن عبد الوهاب التميمي ، عن أحمد بن محمد الواعظ ، عن يوسف بن يعقوب ، عن جده عن أبيه ، عن غياث بن إبراهيم ، عن موسى الجهني ، عن فاطمة بنت علي ، عن أسماء بنت عميس الحديث.

[١٩] روى المجلسي في بحار الأنوار ٣٧ / ٢٦١ الحديث ٢٠ ، بإسناده عن

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502