شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار15%

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 502

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 502 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187824 / تحميل: 9853
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

كتاب الغدير للطبري ( ت / ٣١٠ هـ ) :

ويعتبر هذا الكتاب المصدر الوحيد الذي ذكره المؤلّف بالاسم ونقل عنه نصوصا كثيرة ، وتظهر أهميّة هذه النقول أن الكتاب ـ اليوم ـ مفقود من المكتبة الاسلامية بالرغم من أنه كان في متناول الباحثين في القرن الثامن الهجري.

فقد نقل عنه المؤرخ الدمشقي عماد الدين أبو الفداء بن كثير ( ت / ٧٧٤ هـ ) حيث عنونه باسم « كتاب غدير خم » ، ونقل عن الجزء الأول منه في كتابه البداية والنهاية(١) أورد فيه سبعة أحاديث من الكتاب المذكور.

واهتمّ علماء الشيعة بهذا الكتاب اهتماما خاصّا وذكروا اسنادهم إليه في كتبهم بالرغم من أن مؤلّفه كان عامّي المذهب لأهمية موضوع الغدير :

فقد ذكر الشيخ الطوسي ( ت / ٤٦٠ هـ ) اسناده إليه قائلا : « محمد بن جرير الطبري يكنى أبا جعفر صاحب التاريخ عامّي المذهب له كتاب غدير خم وشرح أمره ، أخبرنا به أحمد بن عبدون عن أبي بكر الدوري عن ابن كامل عنه »(٢) .

وقال النجاشي ( ت / ٤٥٠ هـ ) : « محمد بن جرير أبو جعفر الطبري عامّي له كتاب الردّ على الحرقوصية ذكر طرق خبر يوم الغدير أخبرنا القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن مخلد ، قال : حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا محمّد بن جرير بكتابه الردّ على الحرقوصية »(٣) .

وحيث صرّح كلّ من الطوسي والنجاشي بعامّيته فلا وجه لما استظهره

__________________

(١) ج ٥ / ٣١٣ الطبعة الاولى سنه ١٣٥٩ / القاهرة.

(٢) الفهرست : ص ١٧٨.

(٣) رجال النجاشي : ص ٢٢٦.

٨١

شيخنا العلاّمة ( ت / ١٣٨٩ هـ ) بقوله : « بل المظنون أنها لأبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الإمام المعاصر لصاحب الترجمة وانما وقع الخلط من اتحاد الاسم والكنية واسم الأب والنسبة »(١) .

فان تصريح كلّ من الطوسي والنجاشي والمؤرخ ابن كثير والمؤلّف هنا يقتضي خلاف ذلك وللتفصيل يراجع الصيانة ، فقد ذكرت فيه ما يفي بذلك إن شاء الله.

وقال المؤلّف ما نصّه : « ورواه [ خبر الغدير ] اكثر أصحاب الحديث وممن رواه وأدخله في كتاب ذكر فيه فضائل علي غير من قدّمت ذكره محمد بن جرير بن الطبري وهو أحد أهل بغداد من العامّة ممن قرب عهده [؟ ] في العلم والحديث والفقه عندهم ، واسناده فيه أنه قال : حدّثنا محمد بن حميد »(٢) .

ثم أورد طائفة من الروايات ذلك الكتاب وعسى أن يوفّق الله سبحانه العثور عليه.

وكفى لهذا الكتاب أهميّة وجود هذه الطائفة المنقولة من كتاب الغدير للطبري فيه ، فهي وإن كانت محذوفة الأسانيد إلا أنها تلقي الضوء على محتوى ذلك الكتاب.

وختاما :

أبارك جهد الأخ السيّد محمّد الحسينيّ الجلاليّ ـ حفظ الله ـ الذي قام بتحقيق هذا الكتاب وإخراجه الى عالم المطبوعات ، وكان الله في عون كلّ مخلص أمين.

محمّد حسين الحسينيّ الجلاليّ

__________________

(١) الذريعة : ١٦ / ٢٦.

(٢) شرح الأخبار : ١ / ١١٦.

٨٢

فهرس المصادر

اسم الكتاب

المؤلّف وسنة الوفا

محل وسنة الطبع

١ ـ اتّعاظ الحنفاء بأخبار الخلفاء

تقيّ الدين المقريزي ـ ٨٤٥

القاهرة ١٣٦٧ ه‍ 

٢_ أعلام الاسماعيلية

مصطفى غالب الاسماعيلي

بيروت ١٩٦٤ م

٣ ـ أمل الآمل

الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي ـ ١١٠٤

النجف ١٣٨٥ ه‍

٤ ـ إيضاح المكنون

إسماعيل پاشا البغدادي ـ ١٣٣٩

استانبول ١٩٤٥ م

٥ ـ بحار الأنوار

الشيخ محمد باقر المجلسي ـ ١١١١

طهران ١٣٧٦ ه‍

٦ ـ البداية والنهاية

أبي الفداء بن كثير ـ ٧٧٤

القاهرة ١٩٢٢ م

٧ ـ تاريخ التراث العربي ـ بالألمانية

فؤاد سزكين

لندن ١٩٦٧ م

٨ ـ تنقيح المقال

الشيخ عبد الله المامقاني ـ ١٣٥١

النجف ١٣٥٢ ه

٩ ـ جامع الرواة

محمد بن علي الأردبيلي ـ بعد ١١٠٠

طهران ١٣٣١ ه‍

١٠ ـ دليل المخطوطات الاسماعيلية

ايفانوف

لندن ١٩٣٣ م

١١ ـ الذريعة الى تصانيف الشيعة

الشيخ آغابزرگ الطهراني ـ ١٣٨٩

النجف ١٣٥٥ ه‍

١٢ ـ رجال بحر العلوم « الفوائد الرجالية »

السيّد محمد مهدي بحر العلوم ـ ١٢١٢

النجف ١٣٨٦ ه‍

١٣ ـ رجال الطوسي

الشيخ أبي جعفر الطوسي ـ ٤٦٠

النجف ١٣٨١ ه‍

١٤_ رياض العلماء

عبد الله الأفندي ـ ق ١٢

قم ١٤٠١ ه‍

١٥_ شذرات الذهب

العماد الحنبليّ ـ عبد الحي ـ ١٠٨٩

القاهرة ١٩٦٦ م

٨٣

١٦ ـ مصادر الأدب الاسماعيلي

إسماعيل پونا والا

كاليفورنيا ١٩٧٧ م

١٧ ـ الفهرست

الشيخ أبي جعفر الطوسي ـ ٤٦٠

النجف ١٣٨٠ ه

١٨ ـ الفهرس [ رجال النجاشي ]

أبي العبّاس النجاشي ـ ٤٥٠

‍ قم ١٣٩٧ ه‍

١٩ ـ فهرسة الكتب والرسائل

إسماعيل مجدوع ق ١٢

طهران ١٩٦٦ م

٢٠ ـ فهرس المخطوطات العربية

في مكتبه معهد الدراسات

آدم غسك

لندن ١٩٨٤ م

الاسماعيلية بلندن ـ بالانگليزية

٢١ ـ فهرس مكتبة آية ا المرعشي

السيّد أحمد الحسيني

 قم ١٣٦٤ ش

٢٢ ـ قاموس الرجال

الشيخ محمد تقي التستري

قم ١٣٨٨ ه‍

٢٣ ـ القضاة الذين ولّوا قضاء مصر

أبي عمرو الكندي ـ ٣٥٨

باريس ١٩٠٨ م

٢٤ ـ كشف الظنون

حاجي خليفة ١٠٦٧

استانبول ١٩٤١ م

٢٥ ـ لسان الميزان

أحمد بن حجر العسقلاني ـ ٨٥٢

حيدرآباد ١٣٣١ ه‍

٢٦ ـ معالم العلماء

محمد بن علي بن شهرآشوب ـ ٥٨٨

النجف ١٣٨٠ ه

٢٧ ـ المعزّ لدين الله

حسن إبراهيم حسن

‍ القاهرة ١٩٦٤ م

٢٨ ـ مناقب آل أبي طالب

محمد بن علي بن شهرآشوب ٥٨٨

قم

٢٩ ـ مرآة الجنان

عبد الله اليافعي ـ ٧٦٨

حيدرآباد ١٣٣٨ ه‍

٣٠ ـ مستدرك الوسائل

ميرزا حسين النوري ـ ١٣٢١

طهران ١٣٨٤ ه‍

٣١ ـ وفيات الأعيان

شمس الدين أحمد بن خلكان ـ ٦٨١

بيروت ١٩٦٨ م

٣٢ ـ النجوم الزاهرة

جمال الدين يوسف بن تغرى بردى ـ ٨٧٤

القاهرة ١٩٦٣ م

٣٣ ـ نوابغ الرواة

الشيخ آغابزرگ الطهران ـ ١٣٨٩

بيروت ١٣٩٢ ه

٨٤

٨٥

٨٦

[ خطبة الكتاب ]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وبه نستعين

الحمد لله الأول بلا أحد ، والآخر بلا أمد ، وصلّى الله على خاتم الأنبياء ورسله محمّد النبيّ ، وعلى الأئمة من ذريته ونجله.

قال القاضي النعمان بن محمّد ( قدّس الله روحه ) : آثرت من الأخبار وجمعت من الآثار في فضل الأئمة الأبرار حسب ما وجدته وغاية ما أمكنني واستطعته ، فصحّحت من ذلك ما بسطته في كتابي هذا ، وألفته بأن عرضته على وليّ الأمر وصاحب الزمان والعصر مولاي الامام المعز لدين الله(١) أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى سلفه وخلفه ، وأثبتّ منه ما أثبته وصحّ عنده وعرفه ، وآثره من آبائه الطاهرين ، وأجاز لي سماعه منه ، وبأن أرويه ـ لمن يأخذه عني ـ عنه صلوات الله عليه. فبسطت في هذا الكتاب ما أثبته وأجازه وعرفه ، وأسقطت ما دفعه من ذلك وأنكره مما نسبه الى أهل الحق المبطلون ، وحرفه من قولهم المحرّفون الضالّون إذ هو صلوات الله عليه والأئمة من آبائه الطاهرين وخلفه الأكرمين الذين عناهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله يحمل هذا العلم من كل خلف عدول ينفون عنه تحريف الجاهلين المحرفين وانتحال المبطلين وتأويل الغالين. وأمدّني صلوات الله عليه مع ذلك من نوره

__________________

(١) الفاطمي.

٨٧

وأفادني من علمه ، من بيان ذلك ما أدخلته في تصانيف ما بسطته في هذا الكتاب ، من البيان لما في الأخبار المبسوطة فيه لمن عسى أن يشكل شيء منها أو يقصر فهمه عنها ، وحذفت أسانيدها وتكرار اكثر الروايات فيها واختلاف الحكايات منها إذ قد أثرتها وأثبتها وصححتها بأسنادها الى إمام العصر (ع) ، فقربت بذلك بعيدها واحتصرتها وقويت تأكيدها ، ثم رأيت أن يكون بسطها لفيفا ، كما رويت ، وصنفا صنفا كما حكيت لأن مجيء الصنف بعد الصنف من الأخبار أوقع بالقلوب ، وأقرب الى الحفظ والتذكار ، كما أن الطعام إذا جاء [ لونا بعد لون ](١) كان أشهى ، وكان من يوتى به إليه أكثر منه أكلا من أن يتلو منه الشيء ما هو مثله وإن كنت قد تابعت شيئا من ذلك تأكيدا فانني لم أطله إطالة تملّ من سمعه.

وبالله التوفيق على فضله ، ومدد وليّه المعول.

__________________

(١) وفي الأصل : جاء الوانا الوانا بعد لون.

٨٨

[ قول رسول الله صلوات الله عليه وعلى الائمة من نسله :

« أنا مدينة العلم وعلي بابها » ]

[١] [ الصنابجي ](١) عن علي صلوات الله عليه وعلى الائمة من ولده ، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها.

[٢] الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس ، إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب.

[٣] عبد الرزاق عن يحيى بن علي يرفعه الى علي بن أبي طالب صلوات الله عليه إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة الحكمة وعلي بابها ، وكذب من دخلها من غير بابها.

[٤] محمّد بن الحسن الجعفري عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام عن آبائه : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليعليه‌السلام : يا علي أنا مدينة العلم وأنت بابها ، فمن دخل المدينة من غير بابها فقد أخطأ الطريق.

وهذا مأثور مشهور ، وقد رواه الخاص والعام وهو مما أبان به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولاية عليعليه‌السلام وإمامته ومكانه منه ، وانه لا يصح اخذ العلم والحكمة عنه في حياة رسول الله ولا بعد وفاته إلا من فيله ولا يؤتى إليه إلا من قبله كما قال الله عز وجل : «وَأْتُوا الْبُيُوتَ

__________________

(١) وفي الاصل : الصباعي ولم أجده في كتب الرجال

٨٩

مِنْ أَبْوابِها » (١) . فأخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن مثله مثل المدينة التي هي جامعة البيوت ذوات الأبواب ، وبأن علياعليه‌السلام مثله مثل بابها الذي هو باب الأبواب ، كذلك لا يؤتي كل إمام إلا من قبل من نصبه بابا له ولا يؤخذ عنه علمه إلا من جهته ، وفي هذا كلام طويل دونه سرّ ليس هذا موضع كشفه ، فلو كانوا أخذوا علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أمرهم من قبله واقتصروا في ذلك عليه لم يختلفوا.

[٥] كما جاء عن الصادق جعفر بن محمد صلوات الله عليه إن سائلا سأله : فقال : يا ابن رسول الله من أين اختلفت هذه الامة فيما اختلفت فيه من القضايا والأحكام [ من الإحلال والإحرام ] ، ودينهم واحد ، ونبيّهم واحد؟؟. فقالعليه‌السلام : هل علمت إنهم اختلفوا في ذلك أيام حياة رسول الله صلوات الله عليه وآله.

فقال : لا ، وكيف يختلفون وهم يردّون إليه ما جهلوه واختلفوا فيه؟؟. فقال : وكذلك ، لو أقاموا فيه بعده من أمرهم بالأخذ عنه لم يختلفوا ولكنهم أقاموا فيه من لم يعرف كلما ورد عليه ، فردّوه الى الصحابة يسألونهم عنه ، فاختلفوا في الجواب ، فكان سبب الاختلاف ، ولو كان الجواب عن واحد والقصد في السؤال عن واحد كما كان ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن الاختلاف.

__________________

(١) البقرة : ١٨٩.

٩٠

[ قول رسول الله صلى الله عليه وآله : أقضاكم علي ]

[٦] أبو سعيد الخدري ، قال : سمعت رسول الله صلوات الله عليه وآله يقول : أقضاكم علي.

[٧] حدّث بذلك عنه عطاء بن أبي رياح ، فقيل لعطاء : أكان في أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلم من علي؟ ، فقال : لا والله ، ما أعلمه(١) .

والخبر المأثور عن رسول الله بقوله : أقضاكم علي مشهور ، قد رواه الخاص والعام ذلك مما لم يختلف فيه ، وسيأتي في هذا الكتاب بعد هذا إن شاء الله مع ذكر ما جرى له من القضايا في أيام حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن بعده واعتراف الصحابة له بأنه أقضاهم وأعلمهم ، وأنهم كانوا في ذلك محتاجين إليه يسألونه ، ولم يسأل هو أحدا منهم ولا من غيرهم ، وكان يضرب بيده على صدره ، ويقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، إنّ هاهنا لعلما جما لو أجد له حملة ، ويضرب بيده على بطنه ويقول : إنه لعلم كله ، ويقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، فلن نجدوا أعلم بما بين اللوحين مني ، ويقول : ما دخل عيني غمض مذ صحبت رسول الله

__________________

(١) وفي فيض القدير للمناوي ٣ / ٤٦ : لا والله لا أعلم.

٩١

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى أن قبض ليلة من الليالي حتى علمت ما أنزل عليه في ذلك اليوم ، وفيما أنزل.

وإذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أخبرهم إنه أقضاهم فليس ينبغي لهم أن يتحاكموا بعده الى غيره. والقضاء يجمع علوم الدين. وهذا أيضا مما أبان به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضله ، وأوجب به إمامته لأن القضاء لا يكون إلا للإمام أو لمن أقامه الامامعليه‌السلام .

٩٢

[ قول رسول الله صلى الله عليه وآله : علي مني وأنا من علي ]

[٨] مطرف بن عبد الله بن الشخير ، عن عمران بن حصين ، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : علي مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن من بعدي.

[٩] عمرو بن ميمون عن ابن عباس ، إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي.

[١٠] أعمش بن شيرين ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام : أنت مني وأنا منك.

[١١] عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة ، قال : بعثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعث(١) الى اليمن وبعث عليه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وعلى طائفة منه خالد بن الوليد ، وقال : إذا اجتمعتم فعلي على جميع الناس وإذا افترقتم فكل واحد على أصحابه ، فلقينا العدو ، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية ، فاصطفى عليعليه‌السلام لنفسه جارية من السبي. فكتب بذلك خالد الى رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ، ونال من علي ، وأمرني أن أقع فيه عنده وكنت ممن ضم إليه ،

__________________

(١) وفي كفاية الطالب : في سريّة.

٩٣

فأتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكتاب خالد ، فدفعته إليه ، فقلت : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثتني مع رجل ، وأمرتنى بطاعته ، فوجهني إليك ، وأمرني أن أقع(١) في علي عندك ، وهذا مقام العائذ بك. فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بريدة ، لا تقع في علي ، فانما علي مني وأنا منه ، وهو وليكم بعدي.

[١٢] جعفر بن سليمان ، عن عمر بن علاء ، قال : لما كان يوم أحد وتفرق الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرب رسول الله ستين ضربة بالسيف ، وعليه يومئذ درعان قد تظاهر بينهما ، وكسرت رباعيته وشج في وجهه وتفرق الناس عنه ، وبقي معه علي بن [ أبي ] طالبعليه‌السلام ، فقال له رسول الله : ارجع يا علي ، فقال : الى أين أرجع عنك يا رسول الله؟؟ أرجع كافرا بعد أن أسلمت؟! وأقبل الى رسول الله صلوات الله عليه وآله كردوس(٢) من المشركين. فقال لعليعليه‌السلام : فاحمل إذن على هؤلاء ، فحمل عليهم ، ففرجهم ، وأصاب منهم.

فقال جبرائيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا محمّد إن هذه للمواساة. فقال : يا جبرائيل : إنه مني وأنا منه.

فقال جبرائيل : وأنا منكما.

[١٣] عبد الله بن رقيم ، عن سعد بن مالك ، قال : بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر ببراءة الى أهل مكة ، ثم أتبعه علياعليه‌السلام ، فأخذها

__________________

(١) وقع في فلان ، أي : ذمه وعيبه وعنفه. ووقعت فيه إذا عبته وذممته. ( النهاية لابن الأثير ٥ / ٢١٥ ).

(٢) كردوس ، أي : الجماعة من الأعداء.

٩٤

منه. فقال أبو بكر : يا رسول الله ، أأنزل فيّ شيء. قال : لا ، إلا إنه لا يؤدي عني غيري أو رجل مني ، فعلي مني وأنا منه.

فهذه وغيرها أخبار كثيرة مأثورة معروفة قد رواها الخاص والعام فيما ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها إن عليّاعليه‌السلام منه ، وهو صلوات الله عليه من علي صلوات الله عليه وعلى الأئمة من ولده وذلك أيضا مما أبان به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولايته وإمامته ، وإنه ولي أمر الأمة من بعده لأن الله عز وجل يقول :

[١٤] «أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ »(١) يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ ) يعني عليا ، فأخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه هو ذاك الشاهد على الامة من بعده.

وليس أحد ممن تأمّر على الامة من بعده غيره يدعي إنه من رسول الله صلوات الله عليه وآله وإن رسول الله منه ، ولا إنه قال ذلك فيه ، ولا يدعي ذلك له أحد غيره. والشهداء هم الأئمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن ذلك :

[١٥] قول الله عزّ وجلّ : «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ »(٢) «وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً » (٣) . وقوله عز وجل : «وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ » (٤) والأنبياء أيضا شهداء على أهل زمانهم.

[١٦] ومن ذلك قول الله عز وجل لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً » يعني أهل زمانه لأنه لا يقال هؤلاء إلا للحضور دون من لم يكن بعد.

__________________

(١) هود : ١٧.

(٢) النساء : ٤١.

(٣) النحل : ٨٩.

(٤) الزمر : ٦٩.

٩٥

[١٧] ومن ذلك ما جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنه قرأ عليه قول الله عز وجل حكاية عن عيسى : «وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ ، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ » (١) فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأنا أقول كذلك : يا رب أكون شهيدا على هؤلاء ما دمت فيهم.

وانما اشتق الشاهد والشهيد لمشاهدته ما يشهد به.

فكان عليعليه‌السلام بقول الله وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الشاهد على الامة بعد رسول الله صلوات الله عليه وآله الذي يتلوه وهو منه وهو وليّ المسلمين ـ كما أخبر ـ من بعده.

__________________

(١) المائدة : ١١٧.

٩٦

[ قول رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام :

« أنت مني بمنزلة هارون من موسى » ]

[١٨] أسماء بنت عميس ، قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبيّ بعدي.

[١٩] فضل بن عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى غزوة تبوك ، وخلف علياعليه‌السلام في أهله. فقال بعض الناس : ما منعه أن يخرجه معه ، إلا أنه كره صحبته ، فبلغ بذلك علياعليه‌السلام ، فذكره لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال له : يا ابن أبي طالب ، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، تخلفني في أهلي.

[٢٠] عمار بن سعيد بن مالك(١) ، عن أبيه ، مثل ذلك ، وزاد فيه : إلا أنه لا نبيّ بعدي.

وهذا أيضا خبر مشهور قد جاء من طرق شتى وثبت ، وهو أيضا كذلك مما أبان(٢) به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضل علي وإمامته ، وكان هارون أخا موسى من الولادة ، ولم يكن عليعليه‌السلام كذلك

__________________

(١) كذا في الأصل.

(٢) مما أظهر.

٩٧

من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان هارون نبيا قد بعثه الله عز وجل مع موسى الى فرعون ، كما ذكر في كتابه ، فأخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن علياعليه‌السلام ليس بنبيّ كذلك ، فلم يبق مما يكون به منزلة علي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منزلة هارون من موسى إلا أن يكون وزيره وخليفته كما أخبر الله عز وجل عن موسى في قوله : «وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي » (١) . وقوله : «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي » (٢) . وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : أنت وزيري وخليفتي في أهلي. فصرّح بذلك له ، واذا كان خليفته ، فمن أين يجوز لغيره أن يدعي بعده الخلافة؟

__________________

(١) طه : ٢٩.

(٢) الأعراف : ١٤٢.

٩٨

[ قول رسول الله صلى الله عليه وآله :

« من كنت مولاه فعلي مولاه » ]

[٢١] يحيى بن جعدة ، عن زيد بن أرقم ، قال : خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجّة الوداع ، فلما انصرفنا وصرنا الى غدير خم ، نزل ـ وذلك في يوم ما أتى علينا يوم أشد حرا منه ـ فأمر بدوح(١) ، فجمع ، فقمم له ما تحته [ من الشوك ] واستظلّ به ، ونادى في الناس ـ الصلاة جامعة ـ فاجتمعوا إليه أجمع ما كانوا ، لأنه قلّ من بقى من المسلمين لم يخرج معه في تلك الحجة ، فلما اجتمعوا قام فيهم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا عاش نصف ما عاش النبي الذي كان قبله ، وإني أوشك أن ادعى ، فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم [ بهما ](٢) لن تضلّوا : كتاب الله ، وعترتي.

ثم أخذ بيد عليعليه‌السلام ، فأقامه ورفع يده بيده حتى رؤي بياض إبطيهما. وقال : من أولى بكم من أنفسكم. قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : ألست أولى بذلك لقول الله عز وجل : «النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ

__________________

(١) قال ابن الأثير في النهاية ٢ / ١٣٨ : الدوح : الشجر.

(٢) وفي الأصل : تمسكتم به.

٩٩

أَنْفُسِهِمْ » (١) قالوا : اللهمّ نعم. قال : فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه. هل سمعتم وأطعتم؟ قالوا : نعم ، قال : اللهمّ اشهد.

[٢٢] قال : زيد بن أرقم : فسمعت بعد ذلك علياعليه‌السلام في الرحبة ، ينشد الناس بالله من سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه ، إلا قام. فقام ممن حضر ، ستة عشر رجلا ، فشهدوا بذلك وكنت فيمن كتم ذلك ، فذهب بصري ، وكان يحدّث بذلك بعد أن عمى.

[٢٣] عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه.

[٢٤] سالم ، قال : كنت في المسجد ونافع بن الازرق الخارجي وأصحابه قعود في ناحية من المسجد ، إذ خرج عبد الله بن عمر من خوخة(٢) ، فقام يصلّي. فسمعت نافعا وهو يقول لأصحابه : اذهبوا بنا الى هذا الشيخ نضحك منه ، ونسخره. فقالوا : نعم. فذهبوا ، فذهبت معهم ، وقلت : لأسمعنّ كلامهم اليوم ، فجلست إليهم ، فسمعت نافعا يقول لابن عمر : يا أبا عبد الرحمن أسألك؟ قال : سل إن شئت. قال : ما تقول في رجل دعا الناس الى أمر هدى حتى إذا جاء به عنق من الناس(٣) شكّ في أمره؟ قال : إني لأراك تعني علي بن أبي

__________________

(١) الأحزاب : ٦.

(٢) الخوخة : باب صغير كالنافذة الكبيرة ، وتكون بين البيتين ينصب عليها باب ( نهاية ابن الأثير ٢ / ٨٦ )

(٣) عنق من الناس ، أي : جماعة من الناس.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

يده مع يد الذّابح، ويسمّي الله تعالى، ويقول « وَجَّهْتُ وَجْهِيَ » إلى قوله « وأنا من المسلمين » ثمَّ يقول: « اللهم منك ولك. بسم الله، والله أكبر. اللهمّ تقبّل منّي » ثمَّ يمرّ السّكين. ولا ينخعه حتّى يموت. ومن أخطأ في الذّبيحة، فذكر غير صاحبها، كانت مجزئة عنه بالنّيّة. وينبغي أن يبدأ أيضا بالذّبح قبل الحلق، وفي العقيقة بالحلق قبل الذّبح. فإن قدّم الحلق على الذّبح ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء.

ومن السّنّة أن يأكل الإنسان من هديه لمتعته، ومن الأضحيّة ويطعم القانع والمعترّ: يأكل ثلثه، ويطعم القانع والمعترّ ثلثه، ويهدي لأصدقائه الثّلث الباقي. وقد بيّنّا أنه لا يجوز أن يأكل من الهدي المضمون إلّا إذا كان مضطرّا. فإن أكل منه من غير ضرورة، كان عليه قيمته. ولا بأس بأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام وادّخارها. ولا يجوز أن يخرج من منى من لحم ما يضحّيه. ولا بأس بإخراج السّنام منه. ولا بأس أيضا بإخراج لحم قد ضحّاه غيره. ويستحبّ أن لا يأخذ شيئا من جلود الهدي والأضاحي، بل يتصدّق بها كلّها. ولا يجوز أيضا أن يعطيها الجزّار. وإذا أراد أن يخرج شيئا منها لحاجته إلى ذلك، تصدّق بثمنه.

ولا يجوز أن يحلق الرّجل رأسه، ولا أن يزور البيت، إلا بعد الذّبح، أو أن يبلغ الهدي محلّه. وهو أن يحصل في رحله

٢٦١

فإذا حصل في رحله بمنى، وأراد أن يحلق، جاز له ذلك. ومتى فعل ذلك ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء. ومن وجبت عليه بدنة في نذر أو كفّارة، ولم يجدها، كان عليه سبع شياه. فإن لم يجد، صام ثمانية عشر يوما إمّا بمكّة أو إذا رجع إلى أهله.

والصّبيّ إذا حجّ به متمتّعا، وجب على وليّه أن يذبح عنه.

ومن لم يتمكّن من شراء هدي، إلّا يبيع بعض ثيابه التي يتجمّل بها، لم يلزمه ذلك، وكان الصوم مجزئا عنه.

ويجزي الهدي عن الأضحيّة. وإن جمع بينهما، كان أفضل. ومن لم يجد الأضحيّة، جاز له أن يتصدّق بثمنها. فإن اختلفت أثمانها، نظر إلى الثّمن الأوّل والثّاني والثّالث، وجمعها ثمَّ يتصدّق بثلثها، وليس عليه شي‌ء.

ومن نذر لله تعالى أن ينحر بدنة، فإن سمّى الموضع الذي ينحرها فيه، وجب عليه الوفاء به، وإن لم يسمّ الموضع، لم يجز له أن ينحرها إلّا بفناء الكعبة. ويكره للإنسان أن يضحّي بكبش قد تولّى تربيته، ويستحبّ أن يكون ذلك ممّا يشتريه.

باب الحلق والتقصير

يستحبّ أن يحلق الإنسان رأسه بعد الذّبح. وإن كان صرورة، لا يجزئه غير الحلق. وإن كان ممّن حجّ حجّة الإسلام، جاز له التّقصير، والحلق أفضل. اللهمّ إلّا أن يكون قد لبّد

٢٦٢

شعره. فإن كان كذلك، لم يجزئه غير الحلق في جميع الأحوال.

ومن ترك الحلق عامدا أو التّقصير إلى أن يزور البيت، كان عليه دم شاة. وإن فعله ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء، وكان عليه إعادة الطّواف. ومن رحل من منى قبل الحلق، فليرجع إليها، ولا يحلق رأسه إلّا بها مع الاختيار. فإن لم يتمكّن من الرّجوع إليها، فليحلق رأسه في مكانه، ويردّ شعره إلى منى، ويدفنه هناك فإن لم يتمكّن من ردّ الشعر، لم يكن عليه شي‌ء.

والمرأة ليس عليها حلق، ويكفيها من التّقصير مقدار أنملة.

وإذا أراد أن يحلق، فليبدأ بناصيته من القرن الأيمن ويحلق إلى العظمين ويقول إذا حلق: « اللهمّ أعطني بكلّ شعرة نورا يوم القيامة ». ومن لم يكن على رأسه شعر، فليمرّ الموسى عليه. وقد أجزأه. وإذا حلق رأسه، فقد حلّ له كلّ شي‌ء أحرم منه إلّا النّساء والطّيب، إن كان متمتّعا. فإن كان حاجّا غير متمتّع، حلّ له كلّ شي‌ء إلّا النّساء. فإذا طاف طواف الزّيارة، حلّ له كلّ شي‌ء إلّا النّساء. فإذا طاف طواف النّساء، حلّت له أيضا النّساء.

ويستحبّ ألا يلبس الثّياب إلّا بعد الفراغ من طواف الزّيارة، وليس ذلك بمحظور. وكذلك يستحبّ ألّا يمسّ الطّيب إلّا بعد الفراغ من طواف النّساء، وإن لم يكن ذلك محظورا على ما قدّمناه.

٢٦٣

باب زيارة البيت والرجوع الى منى ورمي الجمار

فإذا فرغ من مناسكه بمنى، فليتوجّه إلى مكّة، وليزر البيت يوم النّحر، ولا يؤخره إلّا لعذر. فإن أخّره لعذر، زار من الغد ولا يؤخر أكثر من ذلك. هذا إذا كان متمتّعا. فإن كان مفردا أو قارنا، جاز له أن يؤخر الى أيّ وقت شاء، غير أنّه لا تحلّ له النّساء. وتعجيل الطّواف للقارن والمفرد أفضل من تأخيره.

ويستحبّ لمن أراد زيارة البيت أن يغتسل قبل دخول المسجد والطّواف بالبيت، ويقلّم أظفاره، ويأخذ من شاربه، ثمَّ ثمَّ يزور. ولا بأس أن يغتسل الإنسان بمنى، ثمَّ يجي‌ء إلى مكّة، فيطوف بذلك الغسل بالبيت. ولا بأس أن يغتسل بالنّهار ويطوف بالليل ما لم ينقض ذلك الغسل بحدث أو نوم. فإن نقضه بحدث أو نوم، فليعد الغسل استحبابا، حتّى يطوف وهو على غسل. ويستحبّ للمرأة أيضا أن تغتسل قبل الطّواف.

وإذا أراد أن يدخل المسجد، فليقف على بابه، ويقول: « اللهمّ أعنّي على نسكك » إلى آخر الدّعاء الذي ذكرناه في الكتاب المقدّم ذكره. ثمَّ يدخل المسجد، ويأتي الحجر الأسود فيستلمه ويقبّله. فإن لم يستطع، استلمه بيده وقبّل يده. فإن لم يتمكّن من ذلك أيضا، استقبله، وكبّر، وقال ما قال حين طاف بالبيت يوم قدم مكّة. ثمَّ يطوف بالبيت أسبوعا كما قدّمنا وصفه

٢٦٤

ويصلّي عند المقام ركعتين. ثمَّ ليرجع الى الحجر الأسود فيقبّله، إن استطاع، ويستقبله ويكبّر. ثمَّ ليخرج إلى الصّفا، فيصنع عنده ما صنع يوم دخل مكّة. ثمَّ يأتي المروة، ويطوف بينهما سبعة أشواط، يبدأ بالصّفا ويختم بالمروة.

فإذا فعل ذلك، فقد حلّ له كلّ شي‌ء أحرم منه إلّا النّساء. ثمَّ ليرجع الى البيت، فيطوف به طواف النّساء أسبوعا، يصلّي عند المقام ركعتين، وقد حلّ له النّساء.

وأعلم أنّ طواف النّساء فريضة في الحجّ وفي العمرة المبتولة. وليس بواجب في العمرة التي يتمتّع بها الى الحج. فإن مات من وجب عليه طواف النّساء. كان على وليّه القضاء عنه. وإن تركه وهو حيّ، كان عليه قضاؤه. فإن لم يتمكّن من الرّجوع الى مكّة، جاز له أن يأمر من يتوب عنه. فإذا طاف النّائب عنه، حلّت له النّساء. وطواف النّساء فريضة على النّساء والرّجال والشّيوخ والخصيان، لا يجوز لهم تركه على حال.

فإذا فرغ الإنسان من الطّواف فليرجع إلى منى ولا يبيت ليالي التّشريق إلّا بها. فإن بات في غيرها، كان عليه دم شاة. فإن بات بمكّة ليالي التّشريق، ويكون مشتغلا بالطّواف والعبادة، لم يكن عليه شي‌ء. وإن لم يكن مشتغلا بهما، كان عليه ما ذكرناه، وان خرج من منى بعد نصف اللّيل، جاز له أن يبيت بغيرها، غير أنّه لا يدخل مكّة إلّا بعد طلوع الفجر. وإن تمكّن ألّا يخرج

٢٦٥

منها إلّا بعد طلوع الفجر، كان أفضل. ومن بات الثّلاث ليال بغير منى متعمّدا، كان عليه ثلاثة من الغنم. والأفضل أن لا يبرح الإنسان أيّام التّشريق من منى. فإن أراد أن يأتي مكّة للطّواف بالبيت تطوّعا، جاز له ذلك، غير أنّ الأفضل ما قدّمناه.

وإذا رجع الإنسان إلى منى لرمي الجمار، كان عليه أن يرمي ثلاثة أيّام: الثّاني من النّحر والثّالث والرّابع، كلّ يوم بإحدى وعشرين حصاة. ويكون ذلك عند الزّوال، فإنّه الأفضل. فإن رماها ما بين طلوع الشمس الى غروبها، لم يكن به بأس.

فإذا أراد أن يرمي، فليبدأ بالجمرة الأولى، فليرمها عن يسارها من بطن المسيل بسبع حصيات يرميهنّ خذفا. ويكبّر مع كلّ حصاة، ويدعوا بالدّعاء الذي قدّمناه. ثمَّ يقوم عن يسار الطّريق ويستقبل القبلة، ويحمد الله تعالى ويثني عليه، ويصلّي على النّبيّ وآله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمَّ ليتقدم قليلا ويدعوا ويسأله أن يتقبّل منه. ثمَّ يتقدّم أيضا ويرمي الجمرة الثّانية، ويصنع عندها كما صنع عند الأولى، ويقف ويدعوا، ثمَّ يمضي إلى الثّالثة فيرميها كما رمى الأوليين، ولا يقف عندها.

وإذا غابت الشّمس، ولم يكن قد رمى بعد، فلا يجوز له أن يرمي إلّا في الغد. فإذا كان من الغد، رمى ليومه مرّة، ومرّة قضاء لما فاته، ويفصل بينهما بساعة. وينبغي أن يكون الذي يرمي لأمسه بكرة، والذي ليومه عند الزّوال. فإن فاته رمي يومين،

٢٦٦

رماها كلّها يوم النّفر، وليس عليه شي‌ء. وقد بينا أنّه لا يجوز الرّمي باللّيل. وقد رخّص للعليل والخائف والرّعاة والعبيد الرّمي باللّيل. ومن نسي رمي الجمار الى أن أتى مكّة، عاد إلى منى، ورماها، وليس عليه شي‌ء. وحكم المرأة في جميع ما ذكرناه حكم الرّجل سواء.

فإن لم يذكر الى أن يخرج من مكّة، لم يكن عليه شي‌ء. إلّا أنّه إن حجّ في العام المقبل، أعاد ما كان قد فاته من رمي الجمار. وإن لم يحجّ أمر وليّه أن يرمي عنه. فإن لم يكن له وليّ، استعان برجل من المسلمين في قضاء ذلك عنه.

والترتيب واجب في الرّمي. يجب أن يبدأ بالجمرة العظمى ثمَّ الوسطى ثمَّ جمرة العقبة. فمن خالف شيئا منها، أو رماها منكوسة، كان عليه الإعادة. ومن بدأ بجمرة العقبة ثمَّ الوسطى ثمَّ الأولى، أعاد على الوسطى ثمَّ جمرة العقبة وقد أجزأه. فإن نسي فرمى الجمرة الأولى بثلاث حصيات، ورمى الجمرتين الأخريين على التّمام، كان عليه ان يعيد عليها كلّها. وإن كان قد رمى من الجمرة الأولى بأربع حصيات ثمَّ رمى الجمرتين على التّمام، كان عليه أن يعيد على الأولى بثلاث حصيات. وكذلك إن كان قد رمى على الوسطى أقل من أربعة، أعاد عليها وعلى ما بعدها. وإن رماها بأربعة، تمّمها، وليس عليه شي‌ء من الإعادة على الثّالثة. ومن رمى جمرة بست حصيات، وضاعت عنه واحدة،

٢٦٧

أعاد عليها بحصاة، وإن كان من الغد. ولا يجوز له أن يأخذ من حصى الجمار فيرمي بها. ومن علم أنّه قد نقص حصاة واحدة، ولم يعلم من أي الجمار هي، أعاد على كلّ واحدة منها بحصاة. فإن رمى بحصاة، فوقعت في محمله، أعاد مكانها حصاة أخرى. فإن أصابت إنسانا أو دابّة، ثمَّ وقعت على الجمرة، فقد أجزأه.

ولا بأس أن يرمي الإنسان راكبا. وإن رمى ماشيا، كان أفضل ولا بأس أن يرمى عن العليل والمبطون والمغمى عليه والصّبيّ.

وينبغي أن يكبّر الإنسان بمنى عقيب خمس عشرة صلاة. يبدأ بالتّكبير يوم النّحر من بعد الظّهر إلى صلاة الفجر من اليوم الثّالث من أيّام التّشريق، وفي الأمصار عقيب عشر صلوات، يبدأ عقيب الظّهر من يوم النّحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثّاني من أيّام التّشريق، ويقول في التّكبير: « الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلّا الله، والله أكبر، الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام ».

باب النفر من منى ودخول الكعبة ووداع البيت

لا بأس أن ينفر الإنسان من منى اليوم الثّاني من أيّام التّشريق وهو اليوم الثّالث من يوم النّحر. فإن أقام إلى النّفر الأخير، وهو اليوم الثّالث من أيّام التّشريق والرّابع من يوم النّحر، كان أفضل. فإن كان ممّن أصاب النّساء في إحرامه أو صيدا، لم يجز له أن

٢٦٨

ينفر في النّفر الأوّل. ويجب عليه المقام الى النّفر الأخير. وإذا أراد أن ينفر في النّفر الأوّل، فلا ينفر إلّا بعد الزّوال، إلّا أن تدعوه ضرورة إليه من خوف وغيره، فإنّه لا بأس أن ينفر قبل الزّوال، وله أن ينفر بعد الزّوال ما بينه وبين غروب الشّمس. فإذا غابت الشّمس، لم يجز له النّفر، وليبت بمنى الى الغد. وإذا نفر في النّفر الأخير، جاز له أن ينفر من بعد طلوع الشّمس أيّ وقت شاء. فإن لم ينفر وأراد المقام بمنى، جاز له ذلك، إلّا الإمام خاصّة، فإنّ عليه أن يصلّي الظّهر بمكّة.

ومن نفر من منى، وكان قد قضى مناسكه كلّها، جاز له أن لا يدخل مكّة. وإن كان قد بقي عليه شي‌ء من المناسك، فلا بدّ له من الرّجوع إليها. والأفضل على كلّ حال الرّجوع إليها لتوديع البيت وطواف الوداع.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان بمسجد منى، وهو مسجد الخيف. وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مسجده عند المنارة التي في وسط المسجد، وفوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا، وعن يمينها وعن يسارها مثل ذلك. فإن استطعت أن يكون مصلّاك فيه، فافعل. ويستحبّ أن يصلّي الإنسان ستّ ركعات في مسجد منى. فإذا بلغ مسجد الحصباء، وهو مسجد رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فليدخله وليسترح فيه قليلا وليستلق على قفاه.

٢٦٩

فإذا جاء إلى مكّة فليدخل الكعبة، إن تمكّن من ذلك سنّة واستحبابا. والصّرورة لا يترك دخولها على حال مع الاختيار. فإن لم يتمكّن من ذلك، لم يكن عليه شي‌ء.

فإذا أراد دخول الكعبة فليغتسل قبل دخولها سنّة مؤكّدة. فإذا دخلها، فلا يمتخط فيها، ولا يبصق. ولا يجوز دخولها بحذاء. ويقول إذا دخلها: « اللهمّ إنّك قلت: ومن دخله كان آمنا، فآمنّى من عذابك عذاب النار ».

ثمَّ يصلّي بين الأسطوانتين على الرّخامة الحمراء ركعتين، يقرأ في الأولى منهما « حم السّجدة » وفي الثّانية عدد آياتها، ثمَّ ليصلّ في زوايا البيت كلّها، ثمَّ يقول: « اللهمّ من تهيّأ وتعبّأ » إلى آخر الدّعاء. فإذا صلّى عند الرّخامة على ما قدّمناه، وفي زوايا البيت، قام فاستقبل الحائط بين الرّكن اليمانيّ والغربيّ، ويرفع يديه، ويلتصق به، ويدعوا. ثمَّ يتحوّل الى الرّكن اليمانيّ، فيفعل به مثل ذلك. ثمَّ يأتي الرّكن الغربيّ، ويفعل به أيضا مثل ذلك، ثمَّ ليخرج. ولا يجوز أن يصلّي الإنسان الفريضة جوف الكعبة مع الاختيار. فإن اضطرّ الى ذلك، لم يكن عليه بأس بالصّلاة فيها. فأمّا النّوافل فالصّلاة فيها مندوب اليه.

فإذا خرج من البيت ونزل عن الدرجة، صلّى عن يمينه ركعتين. فإذا أراد الخروج من مكّة، جاء الى البيت، فطاف به أسبوعا طواف الوداع سنّة مؤكّدة. فإن استطاع أن يستلم الحجر

٢٧٠

والرّكن اليمانيّ في كل شوط، وفعل. وإن لم يتمكّن، افتتح به، وختم به، وقد أجزأه. فإن لم يتمكن من ذلك أيضا، لم يكن عليه شي‌ء. ثمَّ يأتي المستجار، فيصنع عنده كما صنع يوم قدم مكّة. ويتخيّر لنفسه من الدّعاء ما أراد. ثمَّ يستلم الحجر الأسود، ثمَّ يودّع البيت ويقول: « اللهمّ لا تجعله آخر العهد من بيتك » ثمَّ ليأت زمزم فيشرب منه، ثمَّ ليخرج، ويقول: « آئبون تائبون، عابدون، لربّنا حامدون، الى ربّنا راغبون، الى ربّنا راجعون ». فإذا خرج من باب المسجد، فليكن خروجه من باب الحنّاطين. فيخرّ ساجدا، ويقوم مستقبل الكعبة، فيقول: « اللهمّ إني أنقلب على لا إله إلا الله ».

ومن لم يتمكّن من طواف الوداع، أو شغله شاغل عن ذلك حتى خرج، لم يكن عليه شي‌ء. فإذا أراد الخروج من مكّة، فليشتر بدرهم تمرا، وليتصدّق به، ليكون كفّارة لما دخل عليه في الإحرام، إن شاء الله.

باب فرائض الحج

فرائض الحجّ: الإحرام من الميقات، والتّلبيات الأربع، والطّواف بالبيت، إن كان متمتّعا، ثلاثة أطواف: طواف للعمرة، وطواف للزيارة، وطواف للنّساء، وإن كان قارنا أو مفردا، طوافان: طواف للحجّ، وطواف للنّساء، ويلزمه مع

٢٧١

كلّ طواف ركعتان عند المقام، وهما أيضا فرضان، والسّعي بين الصّفا والمروة، والوقوف بالموقفين: عرفات والمشعر الحرام وإن كان متمتّعا، كان الهدي أيضا واجبا عليه أو ما يقوم مقامه.

فمن ترك الإحرام متعمّدا، فلا حجّ له. وإن تركه ناسيا حتّى يجوز الميقات، كان عليه أن يرجع إليه، ويحرم منه، إذا تمكّن منه. فإن لم يتمكّن لضيق الوقت أو الخوف أو ما جرى مجراهما من أسباب الضّرورات، أحرم من موضعه وقد أجزأه. فإن كان قد دخل مكّة، وأمكنه الخروج الى خارج الحرم، فليخرج وليحرم منه. فإن لم يستطع ذلك، أحرم من موضعه.

ومن ترك التّلبية متعمّدا، فلا حجّ له. وإن تركها ناسيا، ثمَّ ذكر، فليجدّد التّلبية، وليس عليه شي‌ء.

ومن ترك طواف الزّيارة متعمّدا، فلا حجّ له. وإن تركه ناسيا، أعاد الطّواف أيّ وقت ذكره.

ومن ترك طواف النّساء متعمّدا، لم يبطل حجّة، إلّا أنّه لا تحلّ له النّساء، حتى يطوف عنه حسب ما قدّمناه. وركعتا الطّواف متى تركهما ناسيا، كان عليه قضاءهما حسب ما قدّمناه.

ومن ترك السّعي متعمّدا، فلا حجّ له. فإن تركه ناسيا،

٢٧٢

عليه قضاؤه حسب ما قدّمناه.

ومن ترك الوقوف بعرفات متعمّدا، أو بالمشعر الحرام، فلا حجّ له. فإن ترك الوقوف بعرفات ناسيا، كان عليه أن يعود، فيقف بها ما بينه وبين طلوع الفجر من يوم النّحر. فإن لم يذكر إلّا بعد طلوع الفجر، وكان قد وقف بالمشعر، فقد تمَّ حجّه، وليس عليه شي‌ء.

وإذا ورد الحاجّ ليلا، وعلم: أنّه مضى الى عرفات، وقف بها وإن كان قليلا، ثمَّ عاد الى المشعر الحرام قبل طلوع الشّمس، وجب عليه المضيّ إليها والوقوف بها، ثمَّ يجي‌ء إلى المشعر الحرام. فإن غلب على ظنّه أنّه إن مضى الى عرفات، لم يلحق المشعر قبل طلوع الشّمس، اقتصر على الوقوف بالمشعر، وقد تمَّ حجّه، وليس عليه شي‌ء.

ومن أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشّمس، فقد أدرك الحجّ. وإن أدركه بعد طلوع الشّمس، فقد فاته الحجّ.

ومن وقف بعرفات، ثمَّ قصد المشعر، فعاقه في الطّريق عائق، فلم يلحق الى قرب الزّوال، فقد تمَّ حجّه، ويقف قليلا بالمشعر ويمضي إلى منى. ومن لم يكن قد وقف بعرفات، وأدرك المشعر بعد طلوع الشّمس، فقد فاته الحجّ، لأنّه لم يلحق أحد الموقفين في وقته.

ومن فاته الحجّ، فليقم على إحرامه الى انقضاء أيّام

٢٧٣

التّشريق، ثمَّ يجي‌ء، فيطوف بالبيت، ويسعى بين الصّفا والمروة، ويجعل حجّته عمرة. وإن كان قد ساق معه هديا، فلينحره بمكّة وكان عليه الحجّ من قابل إن كانت حجته حجّة الإسلام. وإن كانت حجّة التّطوّع، كان بالخيار: إن شاء حجّ، وإن شاء لم يحجّ. ومن حضر المناسك كلّها ورتّبها في مواضعها. إلّا أنّه كان سكرانا، فلا حجّ له، وكان عليه الحجّ من قابل.

باب مناسك النساء في الحج والعمرة

قد بيّنّا فيما تقدّم من أن الحجّ واجب على النّساء كوجوبه على الرّجال. فمتى كانت المرأة لها زوج، فلا تخرج إلّا معه. فإن منعها زوجها من الخروج في حجّة الإسلام، جاز لها خلافه. ولتخرج، وتحجّ حجّة الإسلام. وإن أرادت أن تحجّ تطوّعا، فمنعها زوجها، فليس لها مخالفته.

وينبغي أن لا تخرج إلّا مع ذي محرم لها من أب أو أخ أو عمّ أو خال. فإن لم يكن لها أحد ممّن ذكرناه. جاز لها أن تخرج مع من تثق بدينه من المؤمنين.

وإذا كانت المرأة في عدّة الطّلاق، جاز لها أن تخرج في حجّة الإسلام، سواء كان للزّوج عليها رجعة أو لم تكن. وليس لها أن تخرج إذا كانت حجّتها تطوّعا، إلّا أن تكون العدّة

٢٧٤

لزوجها عليها فيها رجعة. فأمّا عدّة المتوفّى عنها زوجها، فلا بأس بها أن تخرج فيها الى الحجّ فرضا كان أو نفلا.

وإذا خرجت المرأة، وبلغت ميقات أهلها، فعليها أن تحرم منه، ولا تؤخره. فإن كانت حائضا، توضّأت وضوء الصّلاة واحتشت واستثفرت وأحرمت، إلّا أنها لا تصلّي ركعتي الإحرام فإن تركت الإحرام ظنّا منها أنّه لا يجوز لها ذلك، وجازت الميقات، كان عليها أن ترجع الى الميقات، فتحرم منه، إذا أمكنها ذلك. فإن لم يمكنها، أحرمت من موضعها. إذا لم تكن قد دخلت مكّة. فإن كانت قد دخلت مكّة، فلتخرج الى خارج الحرم، وتحرم من هناك. فإن لم يمكنها ذلك، أحرمت من موضعها، وليس عليها شي‌ء.

فإذا دخلت المرأة مكّة، وكانت متمتّعة، طافت بالبيت، وسعت بين الصّفا والمروة، وقصّرت. وقد أحلّت من كلّ ما أحرمت منه مثل الرّجل سواء.

فإن حاضت قبل الطّواف، انتظرت ما بينها وبين الوقت الذي تخرج الى عرفات. فإن طهرت، طافت وسعت. وإن لم تطهر، فقد مضت متعتها، وتكون حجّة مفردة، تقضي المناسك كلّها ثمَّ تعتمر بعد ذلك عمرة مبتولة. فإن طافت بالبيت ثلاثة أشواط ثمَّ حاضت، كان حكمها حكم من لم يطف. وإذا طافت أربعة أشواط، ثمَّ حاضت، قطعت الطّواف،

٢٧٥

وسعت بين الصّفا والمروة، وقصّرت، ثمَّ أحرمت بالحجّ، وقد تمّت متعتها.

فإذا فرغت من المناسك، وطهرت تمّمت الطّواف. وإن كانت قد طافت الطّواف كلّه، ولم تكن قد صلّت الرّكعتين عند المقام، فلتخرج من المسجد، ولتسع، وتعمل ما قدّمناه من الإحرام بالحجّ وقضاء المناسك، ثمَّ تقضي الرّكعتين إذا طهرت. وإذا طافت بالبيت بين الصّفا والمروة وقصّرت، ثمَّ أحرمت بالحجّ، وخافت أن يلحقها الحيض فيما بعد، فلا تتمكّن من طواف الزّيارة وطواف النّساء، فجائز لها أن تقدّم الطّوافين معا، والسّعي بين الصّفا والمروة، ثمَّ تخرج فتقضي المناسك كلّها، ثمَّ ترجع الى منزلها.

فإن كانت قد طافت طواف الزّيارة، وبقي عليها طواف النّساء، فلا تخرج من مكّة إلّا بعد أن تقضيه. وإن كانت قد طافت منه أربعة أشواط وأرادت الخروج، جاز لها أن تخرج وإن لم تتمّ الطّواف.

والمستحاضة لا بأس بها أن تطوف بالبيت، وتصلّي عند المقام، وتشهد المناسك كلّها، إذا فعلت ما تفعله المستحاضة. والفرق بينها وبين الحائض، أنّ الحائض لا يحلّ لها دخول المسجد، فلا تتمكّن من الطّواف، ولا يجوز لها أيضا الصّلاة، والطّواف لا بدّ فيه من الصّلاة، وليس هذا حكم المستحاضة.

٢٧٦

وإذا أرادت الحائض وداع البيت، فلا تدخل المسجد، ولتودّع من أدنى باب من أبواب المسجد، وتنصرف، إن شاء الله.

وإذا كانت المرأة عليلة لا تقدر على الطّواف، طيف بها، وتستلم الأركان والحجر. فإن كان عليها زحمة، فتكفيها الإشارة. ولا تزاحم الرّجال. وإن كان بها علّة تمنع من حملها والطّواف بها، طاف عنها وليّها، وليس عليها شي‌ء. وكذلك إذا كانت عليلة لا تعقل عند الإحرام، أحرم عنها وليّها، وجنّبها ما يجتنب المحرم، وقد تمَّ إحرامها. وليس على النّساء حلق ولا دخول البيت. فإن أرادت دخول البيت، فلتدخله إذا لم يكن هناك زحام. ولا يجوز للمستحاضة دخول البيت على حال.

باب من حج عن غيره

من وجب عليه الحجّ، لا يجوز له أن يحجّ عن غيره إلّا بعد أن يقضي حجّته التي وجبت عليه. فإذا قضاها، جاز له بعد ذلك أن يحجّ عن غيره. ومن ليس له مال يجب عليه الحجّ، جاز له أن يحجّ عن غيره. فإن تمكّن بعد ذلك من المال، كان عليه أن يحجّ عن نفسه، وقد أجزأت الحجّة التي حجّها عمّن حجّ عنه.

وينبغي لمن يحجّ عن غيره أن يذكره في المواضع كلّها،

٢٧٧

فيقول عند الإحرام: اللهمّ ما أصابني من تعب أو نصب أو لغوب فأجر فلان بن فلان، وأجرني في نيابتي عنه. وكذلك يذكره عند التّلبية والطّواف والسّعي وعند الموقفين وعند الذّبح وعند قضاء جميع المناسك، فإن لم يذكره في هذه المواضع، وكانت نيته الحجّ عنه، كان جائزا.

ومن أمر غيره أن يحجّ عنه متمتّعا، فليس له أن يحجّ عنه مفردا ولا قارنا. فإن حجّ عنه كذلك، لم يجزئه، وكان عليه الإعادة. وإن أمره أن يحجّ عنه مفردا أو قارنا، جاز له أن يحجّ عنه متمتّعا، لأنه يعدل الى ما هو الأفضل. ومن أمر غيره أن يحجّ عنه على طريق بعينها، جاز له أن يعدل عن ذلك الطّريق الى طريق آخر. وإذا أمره أن يحجّ عنه بنفسه، فليس له أن يأمر غيره بالنّيابة عنه. فإن جعل الأمر في ذلك اليه، جاز له أن يستنيب غيره فيه. وإذا أخذ حجة عن غيره، لا يجوز له أن يأخذ حجة أخرى، حتى يقضي التي أخذها.

وإذا حجّ عن غيره، فصدّ عن بعض الطّريق، كان عليه ممّا أخذه بمقدار ما بقي من الطّريق. اللهم إلّا أن يضمن الحجّ فيما يستأنف، ويتولّاه بنفسه.

فإن مات النّائب في الحجّ، وكان موته بعد الإحرام ودخول الحرم، فقد سقطت عنه عهدة الحجّ، وأجزأ عمّن حجّ عنه وإن مات قبل الإحرام ودخول الحرم، كان على ورثته، إن

٢٧٨

خلّف في أيديهم شيئا، مقدار ما بقي عليه من نفقة الطّريق. وإذا أخذ حجة، فأنفق ما أخذه في الطّريق من غير إسراف، واحتاج الى زيادة، كان على صاحب الحجّة أن يتمّمه استحبابا. فإن فضل من النّفقة شي‌ء، كان له، وليس لصاحب الحجّة الرّجوع عليه بالفضل. ولا يجوز للإنسان أن يطوف عن غيره وهو بمكّة، إلّا أن يكون الذي يطوف عنه مبطونا لا يقدر على الطّواف بنفسه، ولا يمكن حمله والطّواف به. وإن كان غائبا، جاز أن يطوف عنه.

وإذا حجّ الإنسان عن غيره من أخ له أو أب أو ذي قرابة أو مؤمن، فإن ثواب ذلك يصل الى من حجّ عنه من غير أن ينقض من ثوابه شي‌ء. وإذا حجّ الإنسان عمّن يجب عليه الحجّ بعد موته تطوّعا منه بذلك، فإنّه يسقط عن الميّت بذلك فرض الحجّ.

ومن كان عنده وديعة، فمات صاحبها، وله ورثة، ولم يكن قد حجّ حجّة الإسلام، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يحجّ عنه، ويردّ الباقي على ورثته، إذا غلب على ظنّه أنّ ورثته لا يقضون عنه حجّة الإسلام. فإن غلب على ظنّه أنّهم يتولّون القضاء عنه، فلا يجوز له أن يأخذ منها شيئا إلّا بأمرهم.

ولا بأس أن تحجّ المرأة عن الرّجل إذا كانت قد حجّت

٢٧٩

حجّة الإسلام، وكانت عارفة. وإذا لم تكن حجّت حجّة الإسلام، وكانت صرورة، لم يجز لها أن تحجّ عن غيرها على حال.

ولا يجوز لأحد أن يحجّ عن غيره إذا كان مخالفا له في الاعتقاد، اللهمّ إلّا أن يكون أباه، فإنّه يجوز له أن يحجّ عنه.

باب العمرة المفردة

العمرة فريضة مثل الحجّ، لا يجوز تركها. ومن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، سقط عنه فرضها. وإن لم يتمتّع، كان عليه أن يعتمر بعد انقضاء الحجّ، إن أراد، بعد انقضاء أيّام التّشريق، وإن شاء أخّرها إلى استقبال المحرّم. ومن دخل مكّة بالعمرة المفردة في غير أشهر الحجّ، لم يجز له أن يتمتّع بها الى الحجّ. فإن أراد التّمتّع كان عليه تجديد عمرة في أشهر الحجّ. وإن دخل مكّة بالعمرة المفردة في أشهر الحجّ، جاز له أن يقضيها، ويخرج الى بلده أو أيّ موضع شاء. والأفضل له أن يقيم حتى يحجّ، ويجعلها متعة. وإذا دخلها بنيّة التّمتّع، لم يجز له أن يجعلها مفردة، وأن يخرج من مكّة، لأنّه صار مرتبطا بالحجّ. وأفضل العمرة ما كانت في رجب، وهي تلي الحجّ في الفضل.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502