شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٢

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار9%

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 610

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 610 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 63392 / تحميل: 6116
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٢

مؤلف:
العربية

شرح الأخبار

 في

 فضائل الائمة الاطهار

للقاضي أبي حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[ بقية أخبار صفّين ]

[٣٧٩] محمّد بن حميد ، عن أبي عبد الرحمن السلمي أنّه قال : شهدت صفين مع علي صلوات الله عليه ، وكنا قد وكلنا رجلين يحرسانه(١) ، فإذا حانت منهم غفلة ، هجم في القوم حتى يخالطهم ، فما يرجع إلينا حتى يخضب سيفه. وإنه حمل حملة من ذلك فرجع ، وقد انحني سيفه ، فرمى به. وقال : ما جئتكم حتى انثنى عليّ سيفي.

[٣٨٠] أبو نعيم ، باسناده ، عن يحيى بن مطرف ، قال : مرّ علينا علي صلوات الله عليه يوم صفين ، ونحن وقوف تحت راياتنا.

فقال : لمن هذه الرايات؟

قلنا : رايات ربيعة ، يا أمير المؤمنين.

قال : بل هي رايات الله.

[ عصم الله أهلها وثبت أقدامهم ](٢) .

[٣٨١] وبآخر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى(٣) ، قال : نادى(٤) رجل من أهل

__________________

(١) هكذا في النسخة ـ د ـ ، أما في نسختي ـ أو الأصل ـ : بحرسه.

(٢) هذه الزيادة من المناقب للخوارزمي ص ١٥٦.

(٣) وهو عبد الرحمن بن أبي ليلى واسمه يسار ويقال : داود الكوفي الانصاري والد محمّد وعيسى المتوفى ٨٣ ه‍. وهو الذي ضربه الحجاج حتى اسود كتفاه على سبب أمير المؤمنين عليعليه‌السلام فما فعل. ( ابن خلكان ١ / ٢٩٦ ).

(٤) وفي نسخة ـ ج ـ : دنا.

٣

الشام يوم صفين بنا : أفيكم اويس القرني؟

قلنا : نعم [ وما تريد منه ](١) .

قال : فاني سمعت رسول الله صلوات الله عليه وآله يقول : اويس القرني من خير التابعين [ بإحسان ](٢) ، ثم ضرب دابته ، فدخل في جملة أصحاب علي صلوات الله عليه.

[٣٨٢] إسماعيل بن أبان ، باسناده ، عن قيس بن أبي حازم(٣) [ التميمي ] ، قال : سمعت علياعليه‌السلام يستنفر الناس إلى قتال معاوية ، وهو يقول : انفروا الى بقية الأحزاب ، وأولياء الشيطان(٤) ، انفروا الى من يقول : كذب الله ورسوله مع من يقول : صدق الله ورسوله.

[٣٨٣] وبآخر ، عن عليعليه‌السلام ، أنه قال : رأيت رسول الله صلوات الله عليه وآله في المنام ، فجعلت أشكو إليه ما لقيت [ من امته من الأود واللّدد ](٥) حتى بكيت.

فقال لي : يا علي لا تبك ، وارفع رأسك الى ما هاهنا ، فرفعت رأسي ، فنظرت الى معاوية وعمرو بن العاص مناطين بأرجلهما ، فجعلت ارضخ(٦) رأسهما بالحجارة حتى يموتان(٧) ، ثم يعودان.

__________________

(١) هذه الزيادة من حلية الابرار ١ / ٨٩٦.

(٢) وفيه يقول دعبل الخزاعي مفتخرا في قصيدته :

ألا حييت عنا يا مدينا

اويس ذو الشفاعة كان منا

فيوم البعث نحن الشافعونا

(٣) وفي نسخة ـ ج ـ : أبي خد. وهو قيس بن عبد عوف بن الحارث الاحمسي البجلي سكن الكوفة.

توفي ٨٤ ه‍.

(٤) هكذا في نسخة ـ ج ـ وفي الأصل : الشياطين.

(٥) الزيادة من وقعة صفين ص ٢١٨.

(٦) الرضخ : كسر الشيء ودقه.

(٧) وفي نسخة ـ ج ـ يموت.

٤

[٣٨٤] الحسن(١) بن عطية ، عن عمرو بن أبي جندب ، قال : كنا جلوسا عند سيّدنا سعيد بن قيس(٢) بصفين ، إذ جاء أمير المؤمنين يتوكأ على عنزة(٣) وان الصفين ليتراءيان بعد ما اختلط الظلام.

فقال له سعيد : يا أمير المؤمنين.

قال : نعم.

قال : سبحان الله أما تخاف أن يغتالك أحد [ وأنت قرب عدوك ](٤) ؟

قال : لا ، إنه ليس من أحد إلا ومعه من الله حفظة أن يصيبه حجر ، أو أن يخر من جبل ، أو يقع في بئر ، أو تصيبه دابة حتى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينه. [ وإن الأجل جنة حصينة ](٥) .

[٣٨٥] سعيد بن كثير ، باسناده عن الليث بن سعيد ، قال : لما اجتمع أهل الشام وأهل العراق بصفين ، امطروا دما عبيطا ، فهال ذلك أهل الشام ، فقال لهم عمرو بن العاص :

أيها الناس إنما هذه آية من آيات الله(٦) اراكموها ، فليصلح كل

__________________

(١) وفي نسخة ـ د وج ـ : الحسين.

(٢) وهو سعيد بن قيس بن زيد من بني زيد بن مريب من همدان من الدهاة الاجواد من سلالة ملوك همدان توفي ٥٠ ه‍.

(٣) العنزة : كالعكازة في اسفله الزج ( الحديد التي في اسفل الرمح ). وفي الاصل : غذة.

(٤) هذه الزيادة من كتاب صفين ص ٢٥٠.

(٥) هذه الزيادة من نهج البلاغة ـ الكلمات ـ ٢٠١ ص ٥٠٥.

أقول : وهنا احتمالان :

١ ـ أن تكون هذه الامور من خصائصهم (ع) لعلمهم بعدم تضررهم بهذه الامور ومعرفة زمان موتهم وعوامله.

٢ ـ أن يكون المراد عدم المبالغة بالخوف وترك الواجبات لاجل التوهمات البعيدة.

(٦) وفي نسخة ـ د ـ : إنما هذه آيات من آيات الله.

٥

امرئ ما بينه وبين ربه ، ثم لا عليه أن ينتطح هذان الجبلان ، فقدموا الدروع وأخروا الحسر ، وأعيرونا جماجمكم ساعة من نهار.

قال : واقتتلوا بصفين أربعين يوما وكانت الهزيمة في أهل الشام ، فأمرهم عمرو بن العاص بأن يعلقوا المصاحف.

[٣٨٦] أبو نعيم ، باسناده ، عن عليعليه‌السلام ، أنه قال للحكمين ـ حين بعثهما ـ : عليكما أن تحكما بما في كتاب الله فإن لم تحكما بما في كتاب الله فلا حكم لكما.

[٣٨٧] وبآخر ، عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام ، أنه قال : قال عليعليه‌السلام [ لهما ] ـ يعني الحكمين ـ : عليكما أن تحكما بما في كتاب الله ، فتحييان ما أحيى القرآن ، وتميتان ما أمات القرآن ، ولا تزيغا عنه.

[٣٨٨] محمّد بن علي الدغشي ، باسناده ، عن علي صلوات الله عليه ، أنه قال : لما انصرف من صفين خاض الناس في أمر الحكمين. فقال بعضهم(١) : ما يمنع أمير المؤمنين من أن يأمر بعض(٢) أهل بيته ليتكلم؟

فقال علي صلوات الله عليه للحسن : قم يا حسن ، فقل في أمر هذين الرجلين ـ عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص ـ.

فقام الحسنعليه‌السلام ، فقال :

يا أيها النّاس إنكم قد اكثرتم في أمر عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص ، وإنما بعثا ليحكما بالكتاب على الهوى ، فحكما بالهوى على الكتاب ، ومن كان هكذا لم يسمّ حكما ، ولكنه محكوم عليه ، وقد

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : بعض الناس.

(٢) وفي نسخة ـ ج ـ : من.

٦

أخطأ عبد الله بن قيس(١) في أن أومأ(٢) بها الى عبد الله بن عمر ، فأخطأ في ذلك في ثلاث خصال : في أن أباه لم يرضه لها. وفي أنه لم يستأمره. وفي أنه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار الذين عقدوها لمن قبله. وإنما الحكومة [ فضل من الله ] ، وقد حكم رسول الله صلوات الله عليه وآله سعدا(٣) في بني قريظة ، فحكم فيهم بحكم الله لا شك فيه ، فنفذ رسول الله صلوات الله عليه وآله حكمه ، ولو خالف ذلك لم يجزه.

ثم قال عليعليه‌السلام لعبد الله بن عباس : قم ، فتكلم ثم جلس.

فقام عبد الله ، فقال :

أيها الناس إن للحق أهلا أصابوه بالتوفيق ، والناس بين راض به وراغب عنه. وإنما بعث عبد الله بن قيس بهدى لا بضلالة ، وبعث عمرو بن العاص بضلالة لا بهدى(٤) ، فلما التقيا رجع عبد الله بن قيس عن هداه. وثبت عمرو بن العاص على ضلالته. والله لئن كانا حكما بالكتاب لقد حكما عليه ، وان كانا حكما بما اجتمعا عليه معا فما اجتمعا على شيء ، ولئن كانا حكما بما سارا عليه ، لقد سار عبد الله بن قيس وعلي إمامه وسار عمرو ومعاوية إمامه ، فما بعد هذا من عتب(٥) ينتظر ، ولكنهم سأموا الحرب ، فاحبوا البقاء ودفعوا البلاء بمثله ورضي(٦) كل قوم صاحبهم.

__________________

(١) وهو أبو موسى الاشعري.

(٢) وفي المناقب ٣ / ١٩٣ : أن أوصى.

(٣) أبو عمرو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس الخزرجي.

(٤) وفي نسخة ـ ج ـ : الى هدى.

(٥) وفي الأصل وفي نسخة ـ ج ـ : عيب.

(٦) وفي المناقب ٣ / ١٩٣ : ورجاء.

٧

ثم جلس.

ثم قال علي صلوات الله عليه لعبد الله بن جعفر : قم ، فتكلم.

فقام عبد الله ، فقال :

أيها الناس إن هذا الأمر كان النظر فيه إلى عليعليه‌السلام والرضا فيه لغيره ، فجئتم بعبد الله بن قيس ، فقلتم : لا نرضى إلا بهذا ، فارض به فانه رضانا ، وأيم الله ما استفدناه علما ، ولا انتظرنا منه غائبا ، ولا أمّلنا ضعفه(١) ولارجونا توبة صاحبه ، ولا أفسدا بما فعلا العراق ، ولا أصلحا الشام ، ولا أماتا حق علي ، ولا احييا باطل معاوية ، ولا يذهب الحق رقية راق ، ولا نفخة شيطان ، وإنّا اليوم لعلى ما كنا عليه أمس.

ثم جلس.

[٣٨٩] أبو نعيم ، باسناده ، عن علي صلوات الله عليه ، بينا هو يخطب يوما إذ وقفت إليه امرأة [ من بني عبس ].

فقالت : يا أمير المؤمنين ثلاث ملئت(٢) القلوب عليك.

قال : وما هن ، ويحك؟

قالت : رضاك بالقضية ، وأخذك الدنيئة(٣) ، وجزعك عند البلية.

فقال لها : ما أنت وهذا ، إنما أنت امرأة ، فارجعي الى بيتك ، واجلسي على ذيلك.

قالت : لا ، والله ما من جلوس إلا في ظلال السيوف(٤) .

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : منعه.

(٢) وفي الغارات ١ / ٣٨ : بلبلن.

(٣) وفي نسخة ـ ج ـ : الدينية.

(٤) هكذا في الغارات أما في الاصل : إلا في تحت ظلال السيوف.

٨

[٣٩٠] محمّد بن سلام ، باسناده ، عن عبد الله بن أبي رافع(١) قال : بينا أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه يخطب بالكوفة بعد انصرافه من صفين ، إذ قام رجل من جانب المسجد ، فقال : لا حكم إلا لله.

فسكت أمير المؤمنينعليه‌السلام . وجلس الرجل.

فرجع عليعليه‌السلام الى خطبته. فقام آخر ، فقال : مثل ذلك.

فسكت عليعليه‌السلام ، وسكت الرجل. فرجععليه‌السلام الى خطبته ، حتى قام كذلك جماعة. فقالعليه‌السلام :

كلمة حق يراد بها باطل(٢) لكم عندنا ثلاث خصال : لا نمنعكم مساجد الله أن تصلّوا معنا فيها ، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ، ولا نبدأكم بحرب حتى تبدءونا ، وأشهد لقد أخبرني النبي الصادق عن الروح الأمين عن رب العالمين ، إنه لا يخرج علينا منكم فئة ـ قلّت أو كثرت ـ إلا جعل الله عزّ وجلّ حتفها على أيدينا.

وذكر باقي الحديث.

[٣٩١] أبو غسان ، باسناده ، عن ابن أبّزى(٣) ، قال : شهدت مع عليعليه‌السلام صفين ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان ، قتل معه منهم ثلاثة وستون رجلا منهم عمار بن ياسر رضوان الله عليه.

[٣٩٢] وبآخر ، عن الحكم ، قال : شهد(٤) مع علي صلوات الله عليه صفين ثمانون من أهل بدر ، وخمسون ومائتان ممن بايع تحت الشجرة.

[٣٩٣] وبآخر ، عن سعيد بن جبير ، قال : شهد مع عليعليه‌السلام ثمانمائة

__________________

(١) كاتب أمير المؤمنينعليه‌السلام .

(٢) أي : الكلمة كلمة حق ولكنكم تريدون إبطال الإمامة.

(٣) وفي نسخة ـ ج ـ : أبي أثر. وفي الاصل : اثرى وهو تصحيف.

(٤) هكذا في نسخة ـ ج ـ وفي الأصل : شهدت.

٩

من الأنصار ، وتسعمائة ممن بايع بيعة الرضوان.

[٣٩٤] وبآخر ، عن السدي(١) ، أنه قال : شهد مع عليعليه‌السلام من أهل بدر ثلاثون ومائة.

[٣٩٥] وبآخر ، يرفعه : أن رسول الله صلوات الله عليه وآله سار في بعض غزواته ليلة مع أصحابه ، فسمعوه يقول : جندب وما جندب ، والاقطع الخير زيد(٢) .

وكرر ذلك.

فقيل له : يا رسول الله سمعناك تذكر رجلين بخير ، فمن هما؟

قال : يكونان في هذه الامة ، يضرب أحدهما ضربة يفرق بين الحق والباطل(٣) ، ويقطع يد الآخر في سبيل الله فتسبقه الى الجنة ثم يتبعها سائر جسده. فأما جندب(٤) يقتل رجلا ساحرا كان قد افتتن الناس به. وأما زيد فقطعت يده يوم جلولاء ، وقتل مع عليعليه‌السلام يوم الجمل.

[٣٩٦] اسماعيل بن أبان ، عن صلة(٥) بن زفر ، قال : لما احتضر حذيفة بن اليمان وسجي ، جلست عند رأسه ، وأدخلت رأسي في الثوب معه ، وقلت : يا أبا عبد الله اذا وقعت الفتن فالى من تأمرني أن أفزع؟

قال : إذا كان ذلك فاشدد على راحلتك والحق بعليعليه‌السلام

__________________

(١) وهو اسماعيل بن عبد الرحمن المتوفى ١٢٨ هـ تابعي سكن الكوفة صاحب التفسير والمغازي والسير ( النجوم الزاهرة ١ / ٣٠٨ ).

(٢) زيد بن صوحان وهو يدعى زيد الخير.

(٣) وفي الإصابة ١ / ٢٥٠ : يضرب ضربة فيكون امة وحدة.

(٤) جندب بن كعب بن عبد الله الأزدي.

(٥) وفي نسخة ـ خ وج ـ : عيلة.

١٠

فإنه على الحق لا يفارقه.

قال : فلما مات حذيفة ، شددت على راحلتي ، ولحقت بهعليه‌السلام .

[٣٩٧] سعيد بن كثير بن عفير ، قال : خرج علي صلوات الله عليه الى صفين وخباب بن الأرت(١) مريض بالكوفة ، فرجع عليعليه‌السلام وقد توفي خباب.

قال : وكان مع عليعليه‌السلام من الأنصار البدريين : أبو أيوب الأنصاري(٢) ، وأبو مسعود ، ورفاعة بن مالك العجلان(٣) ، وسهل بن حنيف.

[٣٩٨] أبو نعيم ، باسناده ، عن ابراهيم النخعي ، أنه سئل عن : أيهما كان الأفضل الأسود أو علقمة؟ قال : علقمة أفضل ، علقمة شهد صفين مع عليعليه‌السلام .

قيل لإبراهيم : أفقاتل علقمة في أيام صفين؟

قال : نعم قاتل حتى خضب سيفه.

وشهد عبد الرحمن بن أبي ليلى(٤) صفين مع عليعليه‌السلام .

__________________

(١) أبو يحيى : أو أبو عبد الله خباب بن الارت بن جندلة بن سعد التميمي من السابقين في الاسلام ولما أسلم استضعفه المشركون فعذبوه فصبر. هاجر الى المدينة ونزل الكوفة فمات فيها وهو ابن ٧٣ سنة ولما رجع أمير المؤمنين من صفين مرّ بقبره فقال : رحم الله خبابا أسلم راغبا وهاجر طائعا وعاش مجاهدا ، توفي ٣٧ ه‍.

(٢) وهو خالد بن زيد بن كليب.

(٣) هكذا في جميع النسخ واظنه رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان كما في الاستيعاب ١ / ٣٨٩ وهو الذي شهد مشاهد الرسول وشهد مع عليعليه‌السلام الجمل وصفين ، ويكنى : أبا معاد.

(٤) وفي اسد الغابة ٥ / ٢٦٨ شهد هو وأبوه ( أبو ليلى الانصاري ـ داود بن بلبل بن بلال ) مع عليعليه‌السلام مشاهده كلها.

١١

[٣٩٩] شريك بن عبد الله ، عن يزيد(١) بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : قال : قتل اويس القرني(٢) يوم صفين مع عليعليه‌السلام .

[٤٠٠] عن الأصبغ بن نباتة ، قال : قال عليعليه‌السلام ـ يوم صفين ـ : أين شرطة الموت؟ فقام تسعة وتسعون رجلا.

فقال عليعليه‌السلام : ليس هذا تمام ما وعدت به. فقام(٣) رجل عليه جبة من صوف(٤) .

فقال له عليعليه‌السلام : من أنت؟ قال : أنا اويس القرني.

فقال عليعليه‌السلام : الله اكبر ، وتقدموا الى القتال.

وكان اويس أول قتيل.

__________________

(١) وفي الاصل : زيد بن أبي زياد.

(٢) اويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني أصله من اليمن تابعي ، أدرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يره استشهد ٣٧ ه‍.

(٣) وفي الخصائص للرضي ص ٢١ : قال : فجاء رجل.

(٤) وفي الخصائص أضاف : متقلد سيفين.

١٢

[ مقتل عبيد الله بن عمر ]

[٤٠١] عن الحسن(١) قال : قتل عبيد الله بن عمر يوم صفين مع معاوية ، قتله المسلمون ، وأخذوا سلبه ، وكان مالا كثيرا(٢) .

وقيل : إن عبيد الله بن عمر كان يرتجز ذلك اليوم ، ويقول :

أنا عبيد الله ينميني عمر

خير قريش من مضى ومن غبر

الا رسول الله والشيخ الأغر(٣)

وإنما نزغ عبيد الله بن عمر الى معاوية خوفا من عليعليه‌السلام لأنه كان أصاب دما في أيام عثمان ، وذلك أن عمر لما قتل وثب عبيد الله على رجل من العجم ـ يقال له الهرمزان ـ من المسلمين ، فقتله(٤) ، فأقاموا(٥) عليه عند عثمان. فقال : قتل أبوه بالأمس ويقتل هو اليوم ، فتواعده عليعليه‌السلام ، فلحق بمعاوية.

__________________

(١) وفي نسخة ـ أ ـ : عن الحسين.

(٢) وفي نسخة ـ ج ـ : ذا مال كثير.

(٣) وأضاف نصر بن مزاحم في وقعة صفين ص ٢٩٩ :

قد أبطات عن نصر عثمان مضر

والرّبعيّون فلا أسقطوا المطز

وسارع الحيّ اليمانون الغرر

والخبر في الناس قديما يبتدر

(٤) وزوجته وطفله الرضيع انتقاما لأبيه بدلا عن أبي لؤلؤ.

(٥) وفي الاصل : فقاموا عليه.

١٣

وقيل : إن أهل الشام فخروا به على أصحاب عليعليه‌السلام ، فقالوا : هذا عبيد الله بن عمر معنا! فقال لهم أصحاب عليعليه‌السلام : أو لم(١) تنظروا الى عدة من معنا من أخيار المهاجرين والأنصار من أهل بدر ومن بيعة الرضوان وممن شهد لهم رسول الله صلوات الله عليه وآله بالجنة وتنظرون الى غلام هرب بنفسه من قتل وجب عليه؟

فقالوا : إنه ابن عمر.

قال لهم أصحاب عليعليه‌السلام : أفعمر أفضل أم أبو بكر؟

قالوا : أبو بكر.

قال أصحاب عليعليه‌السلام : فهذا محمّد بن أبي بكر معنا فاضل لم يصب حدا ولا هرب من إقامته عليه.

[ من شهد حروب أمير المؤمنين ]

[٤٠٢] ابن أبي سلمة(٢) باسناده ، عن أبيه(٣) ، أنه قال : قتل مع عليعليه‌السلام بصفين خمسة وعشرون بدريا.

[٤٠٣] ابن أبي خيثمة(٤) ، عن يحيى بن معين(٥) ، عن أبي مسمع ، عن

__________________

(١) وفي الأصل ونسخة ـ ج ـ : لم.

(٢) واظنه عمر بن عبد الله ( أبي سلمة ) بن عبد الاسد ولد بالحبشة ٢ ه‍. وتوفي بالمدينة ٨٣ ه‍.

(٣) هكذا في ـ أ ـ و ـ د ـ ، أما في الاصل : باسناده عن يوثر عن أبيه ، وفي نسخة ـ ج ـ : باسناده عن بدر عن أبيه.

(٤) أبو بكر ، أحمد بن زهير ( أبي خيثمة ) بن حرب بن شداد النسائي ولد ١٨٥ هـ توفي ٢٧٩ ه‍.

(٥) أبو زكريا يحيى بن معين بن عون بن زياد المري ولد ١٥٨ هـ عاش ببغداد وتوفي بالمدينة حاجا ٢٣٣ ه‍.

١٤

سعيد بن عبد العزيز(١) ، قال : كان عليعليه‌السلام بالعراق يدعى أمير المؤمنين ، وكان معاوية بالشام يدعى الأمير ، فلما مات عليعليه‌السلام تسمى معاوية أمير المؤمنين.

[٤٠٤] ابن الأعرابي(٢) باسناده ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : دعا عمار يوم صفين بشراب ، فاتي بضياح من لبن ، فشربه ، ثم قال :

اليوم ألقى الأحبة محمّدا وحزبه

سمعت رسول الله صلوات الله عليه وآله يقول لي : تقتلك الفئة الباغية ، ويكون آخر زادك من الدنيا ضياح من لبن ، ثم تقدم إلى القتال ، فقاتل حتى قتل رحمة الله عليه.

[ ضبط الغريب ]

قوله. ضياح من لبن : الضياح : اللبن الخاثر يصب فيه الماء حتى ينضح أي يرق ويطيب ، وكل دواء وما أشبهه يصب فيه الماء يقال فيه : ضيحته : يصب الماء عليه ، ولكن لا يقال : ضياح إلا في اللبن وحده. وقيل : إن تضيحه : تبريده.

[٤٠٥] محمّد بن راشد ، باسناده ، عن علي صلوات الله عليه أنه لما دخل الكوفة بعد منصرفه من صفين سمع بكاء النساء على من قتل بصفين. فقالعليه‌السلام : ما صاح من نساء أهل الشام أكثر.

__________________

(١) أبو محمّد ، سعيد بن عبد العزيز الشوخي الدمشقي ولد ٩٠ ه‍. وتوفي ١٦٧ ه‍.

(٢) أبو سعيد أحمد بن محمّد بن زياد بن بشر بن درهم ولد ٢٤٦ هـ وتوفي بمكة ٣٤٠ ه‍.

١٥

[ كتاب ابن أبي رافع ]

[٤٠٦] محمّد بن سلام ، باسناده ، عن عون بن عبيد الله(١) عن أبيه ـ وكان كاتبا لعليعليه‌السلام ـ أنه سئل عن تسمية من شهد مع علي صلوات الله عليه حروبه من المهاجرين والأنصار الذين بشرهم رسول الله صلوات الله عليه وآله بالجنة ، ومن التابعين ، ومن أفاضل العرب؟

ـ وكان عالما بذلك ـ.

فقال : شهد معه :

من بني عبد المطلب :

الحسن والحسينعليهما‌السلام اللذان قال رسول الله صلوات الله عليه وآله فيهما : إنهما سيدا شباب أهل الجنة.

ومحمّد بن الحنفية الذي قال فيه رسول الله صلوات الله عليه وآله لعليعليه‌السلام : إنه سيولد لك غلام بعدي فسمّه باسمي وكنّه بكنيتي(٢) فسمّاه محمّدا ، وكنّاه أبا القاسم.

وعقيل بن أبي طالب.

وعبد الله بن عباس(٣) .

__________________

(١) وفي الاصل و ـ ج ـ : عبد الله وهو غلط لأن أبا رافع له ولدان عبيد الله وعلي.

(٢) وفي الاصل : بكنتي.

(٣) وكان أحد الأمراء فيها.

١٦

ومحمّد وعون ابنا جعفر الطيار في الجنّة.

وعبد الله بن جعفر الذي قال له رسول الله صلوات الله عليه وآله : إن أباك أشبه خلقي وخلقي وقد أشبهت خلق أبيك.

وعبد الله(١) وكثير وقثم وتمام بنو العباس بن عبد المطلب.

ومحمّد ومسلم ابنا عقيل بن أبي طالب.

ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب.

وربيعة وأبو رافع مولى رسول الله صلوات الله عليه وآله.

وأبو رافع الذي قال له رسول الله صلوات الله عليه وآله : كيف أنت يا أبا رافع وقوم يقاتلون عليا ، وهو على الحق وهم على الباطل؟

فقال : ادع الله لي يا رسول الله إن أدركتهم ألاّ يفتني(٢) ويقويني على قتالهم. فدعا له بذلك.

فلما نكث على عليعليه‌السلام من نكث ، باع أبو رافع أرضه بخيبر وبني قريظة وداره ، وتقوّى بذلك وقوى ولده وأهله وخرج بهم ، وهو يومئذ ابن خمس وثمانين سنة ، وقاتل في جميع حروب علي صلوات الله عليه.

ومن بني عبد المطلب أيضا :(٣)

الحصين والحارث ابنا الحارث(٤) ، وهما بدريان ، وشهدا مع النبي كل مشاهده.

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ولا أدري لما ذا كرر اسمه وقد ذكره سابقا واظنه عبيد الله.

(٢) وفي نسخة ـ ب ـ : لا يغشني.

(٣) كذا في النسخ ، لكنّ المذكورين تحت هذا العنوان ليسا من بني عبد المطلب بل هما من بني المطلب فلاحظ.

(٤) وفي نسخة ـ ج ـ : ابنا الحرث.

١٧

ومن بني عبد شمس بن عبد مناف :

محمّد بن [ أبي ] حذيفة بن ربيعة ، وهو الذي كان عاملا لعثمان على مصر ، ثم قدم عليه المدينة ، فأعطاه مائة الف درهم ، فخرج بها الى المسجد ، فقال :

يا معشر المؤمنين من أين يعطيني عثمان هذا المال دونكم؟

ومن بني زهرة :

هاشم بن عتبة(١) بن أبي وقاص ، قتل يوم صفين ، وكانت راية عليعليه‌السلام يومئذ [ بيده ] وأخذها بعده ابنه عبد الله.

وعبد الله بن خباب بن الارت ، وهو أول من قتلته(٢) الخوارج حين انصرفوا من صفين ، دعوه الى البراءة من عليعليه‌السلام ، فأبى ذلك ، فقتلوه بالمدائن.

ومن بني تيم(٣) :

محمّد وعبد الرحمن ابنا أبي بكر بن أبي قحافة.

ومن بني مخزوم :

عمار بن ياسر رحمة الله عليه.

ومحمّد بن عمار.

وعمار هو عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن عنس ، وعنس من مدحج من اليمن ، وأبوه ياسر كان قدم مكة وحالف أبا حذيفة بن المغيرة المخزومي ، وزوجه أبو حذيفة أمة له يقال لها : سمية ، فولدت منه

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : ابن عطية. وهو هاشم المرقال.

(٢) وفي نسخة ـ ج وأ ـ : قتله.

(٣) هكذا في نسخة ـ د ـ وفي الأصل : تميم.

١٨

عمارا ، فأعتقه أبو حذيفة وكانت أمه ـ سمية ـ اول من قتل في الاسلام ، قتلها ابو جهل بمكة. ولحق ياسر الاسلام ، فأسلّم هو وعمار وسمية. ومات ياسر وخلف على سمية بعده الازرق ، وكان روميا ممن ترك من عبيد أهل الطائف الذين أعتقهم رسول الله صلوات الله عليه وآله فولدت منه سلمة بن الأزرق. فسلمة بن الأزرق أخو عمار لامه(١) .

فمن أجل ذلك نسب عمار الى بني مخزوم. وعمار الذي قال فيه رسول الله صلوات الله عليه وآله : تقتله الفئة الباغية ، وبشر قاتله بالنار. قتل يوم صفين.

وممن كان مع عليعليه‌السلام سلمة ومحمّد ابنا أبي سلمة ، وامهما أمّ سلمة زوج النبي صلوات الله عليه وآله ، أتت بهما إلى عليعليه‌السلام ، فقالت : هما عليك صدقة ، فلو حسن بي أن أخرج لخرجت معك.

ومن بني جمح :

محمّد بن حاطب.

وعبد الرحمن بن [ حنبل ](٢) وهو الذي ضربه عثمان ، وسيره الى خيبر ، قتل يوم صفين.

ومن بني عامر بن لؤي :

عبد الله بن أبي سيرة بن أبي رهم(٣) .

__________________

(١) هكذا ذكر الطبري والبلاذري ( الإصابة ١ / ٢٨ ) ولكنه غريب جدا ، لأن ياسر كان معها حتى سن الشيوخة وأسلما معا. وأجاد أبو عمر حيث قال : خلف على سمية بعد ياسر الازرق غلام الحارث بن كلدة فولدت له سلمة فهو أخو عمار لامه وهو وهم فاحش ، فإن الازرق إنما خلف على سمية والدة زياد ، فسلمة بن الازرق أخوه لامه ( الاصابة ٤ / ٣٣٥ ).

(٢) وفي نسخة ـ ج ـ : بن حبان ، وفي الاصل : حسان ، والاصح ما ذكرناه.

(٣) وفي نسخة ـ أ ـ : راهم.

١٩

[ وعلي بن أبي رافع ] وكان علي بن أبي رافع صاحب خاتم عليعليه‌السلام وعلى بيت ماله.

وعبيد الله بن أبي رافع كاتبه.

ومن الأنصار البدريين

من بني مالك :

خزيمة وعدي ابنا النجار.

وأبو أيوب بن زيد بدري(١) : وهو الذي نزل عليه رسول الله صلوات الله عليه وآله [ يوم ] مقدمه المدينة ، وكان على مقدمة عليعليه‌السلام يوم صفين ، وهو الذي خاصم الخوارج يوم النهروان ، وهو الذي قال لمعاوية ـ حين أظهر سب عليعليه‌السلام ـ : كف يا معاوية عن سبّ علي! قال معاوية : ما أقدر على ذلك. فتنحى أبو أيوب ، وقال : والله لا أسكن أرضا أسمع فيها سبّ علي بن أبي طالب صلوات الله عليه. وخرج من المدينة الى ساحل البحر(٢) ، فأقام هنالك حتى مات رحمة الله عليه.

وعمرو بن حزم بدري ، وهو الذي فتح للناس بابا من داره ، فدخلوا على عثمان ، فقتل يومئذ.

وحارثة بن النعمان بدري ، وهو الذي مرّ على النبي صلوات الله عليه وآله وجبرائيل معه ، فلم يسلّم. فقال جبرائيلعليه‌السلام : لو سلّم لرددت عليه ، فلما انصرف جبرائيل أرسل النبي صلوات الله عليه وآله

__________________

(١) وقد مرّ اسمه في الحديث ٣٩٧ من هذا الجزء.

(٢) وفي نسخة ـ أ ـ : جانب البحر.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الإحداث، فإذن يمكن أن يقال بأنّ الإرادة المتعلّقة بالبقاء غير المتعلّقة بالحدوث؛ لأنّ الإحداث فعل لا دوام له، وأيضاً التأثير - بناءً على اختيار الشق الثاني من السؤال المتقدّم - لا يعقل إلاّ بتجدّد الإرادات، وأمّا بناءً على الوجه الأَوّل ففيه الوجهان.

مسألة

قالوا: إنّ الممكن القديم - أعني به المسبوق بالغير فقط لا بالعدم - لا يحتاج إلى المؤثّر، بناءً على مدخلية الحدوث في الحاجة؛ ضرورة فقدان مناط الحاجة حينئذٍ في القديم.

أقول: وفيه تفصيل، وأمّا بناءً على سببية الإمكان للفقر دون اشتراك الحدوث، فلا شكّ في أنّه محتاج إلى المؤثّر في بقائه بداهة ترتّب المعلول على علّته، وإنّما الكلام في أنّه هل يستند إلى المختار أو الموجب؟ والظاهر من أرباب الكلام هو الثاني، فإنّ فعل المختار مسبوق بالقصد، والقصد إلى الإيجاد متقدّم عليه، مقارن لعدم ما قصد إيجاده؛ لأنّ القصد إلى إيجاد الموجود ممتنع بديهةً.

وعن شارح المقاصد (1) أنّ هذا متّفق عليه بين الفلاسفة والمتكلّمين والنزاع فيه مكابرة، وقال اللاهيجي في شوارقه: التحقيق أنّ استناد القديم الممكن إلى المختار بالاختيار الزائد على الذات محال بدليل مرّ نقله، سواء كان الاختيار الزائد تامّاً كاختيار الواجب عند المتكلّمين، أو ناقصاً كاختيارنا، وذلك ضروري... والحكماء ينفون القصد عن الواجب؛ لأنّهم يجعلون القصد بالاختيار الزائد على الذات ويقولون: إنّ القصد لا يمكن إلاّ.. ولا ينفون الاختيار مطلقاً؛ لأنّهم مصرّحون بكونه تعالى فاعلاً بالاختيار الذي هو عين ذاته تعالى، ويعبّرون عنه بالرضاء (2) ... إلخ.

والتحقيق: أنّ القصد - بمعنى الصفة النفسانية - لا يتعلّق بالموجود بالضرورة، فلا يمكن استناد القديم إلى المختار بهذا المعنى، لكن القصد بهذا المفهوم ممتنع على الواجب كما يأتي في محلّه، والمراد من القصد المستعمل في حقّه هو تعلّل أفعاله بالأغراض الزائدة على ذاته.

وعليه فعدم استناد القديم إليه ليس بضروري بل سيأتي إن شاء الله - في مبحث قدرته واختياره - جواز استناد الممكن القديم إلى الواجب الوجود، فهذا الذي نقل اتّفاق المتكلّمين والفلاسفة عليه، ليس بشيء.

____________________

(1) الشوارق 1 / 131.

(2) المصدر نفسه.

٨١

وأمّا ما ذكره الفيّاض من أنّ الحكماء ينفون القصد دون الاختيار فسوف نتعرّض له تحليلاً ونقداً.

ثمّ إنّ الرازي (1) منع استناد الممكن القديم إلى الموجب أيضاً، متمسّكاً بأنّ تأثيره فيه إمّا حال بقائه فيلزم إيجاد الموجود، وإمّا حال عدمه أو حدوثه فيلزم كونه حادثاً، وقد فرضناه قديماً.

أقول: ما احتج به مدخول بعين ما أجبنا السؤال المتقدّم المشهور، فإنّه هو هو بعينه، وأمّا نفس المدّعى فهو لا يخلو عن وجه سندرسه في مسألة حدوث العالم.

ولكن لابدّ أن يلتفت الرازي أنّ هذه الدعوى تهدم ما بنى عليه هو وأشياخه الأشعريون وغيرهم، من زيادة الصفات الممكنة القديمة القائمة بالواجب الصادرة عنه بالإيجاب والجبر، وهذه زلّة وذلة وضلة عظيمة منهم في أعظم مباحث التوحيد، عصمنا الله من التخلّف عن السفينة المنجية المحمدية.

الخاصّة الرابعة: أنّ كلّ ممكن زوج تركيبي من الوجود والماهية

قال صاحب الأسفار: كما أنّ الضرورة الأزلية مساوقة للبساطة والأَحدية، وملازمة للفردية والوترية، فكذلك الإمكان الذاتي، رفيق التركيب والازدواج، فكل ممكن زوج تركيبي؛ إذ الماهية الإمكانية لا قِوام لها إلاّ بالوجود، والوجود الإمكاني لا تعيّن له إلاّ بمرتبة من القصور ودرجة من النزول ينشأ منها الماهية، ويُنتزع بحسبها المعاني الإمكانية ويترتّب عليها الآثار المختصة...

فإذن، كلّ هوية إمكانية ينتظم من مادة وصورة عقليتين هما المسمّاتين بالماهية والوجود، وكلّ منهما مضمّن فيه الآخر وإن كانت من الفصول الأخيرة والأجناس القاصية (2) انتهى كلامه.

وقال في موضع آخر منها: زيادة وجود الممكن على ماهيته، ليس معناه المباينة بينهما بحسب الحقيقية، كيف وحقيقة كلّ شيء نحو وجود الخاص به؟ ولا كونه عرضاً قائماً بها قيام الأعراض لموضوعاتها، حتى يلزم للماهية سوى وجودها وجود آخر، بل بمعنى كون الوجود الإمكاني، لقصوره وفقره، مشتملاً على معنىً آخر غير حقيقة الوجود، منتزعاً منه، محمولاً عليه، منبعثاً عن إمكانه ونقصه، كالمشبّكات التي يتراءى من مراتب نقصانات الضوء والظلال، الحاصلة من تصوّرات النور (3) انتهى.

____________________

(1) لاحظ شرح المواقف، وشرح التجريد للقوشجي / 77.

(2) الأسفار 1 / 186.

(3) الأسفار 1 / 243.

٨٢

الفائدة الحادية عشرة

في امتناع الدور والتسلسل

أمّا الدور فهو في اللغة - كما في بعض كتبها - التقلّب والحركة إلى ما كان عليه، وفي الاصطلاح هو توقّف الشيء على ما يتوقّف عليه (1) ، وإن شئت فقل: إنّه تعاكس الشيئين في السببية والمسببية، فإن توسّط بينهما واسطة أو وسائط أخرى يسمّى مضمراً، وإلاّ فمصرّح، فتوقّف الشيء على نفسه لا يسمّى دوراً بل هو نتيجته.

ثمّ إنّه ربّما يطلق الدور على شيئين لهما معيّة، ويقال له الدور المعي، وهو ليس بمحال، وهو أن يكون شيئان موجودان، يتوقّف كلّ منهما على الآخر في صفة من الصفات، بمعنى أن تتوقّف الصفة في كلّ منهما على ذات الآخر، سواء كانت تلك الصفة فيهما من نوع واحد، كالأُخوة في أخوين والمعية في شيئين، أو من نوعين كالفوقية والتحتية في الفوق والتحت، والتقدّم والتأخر بحسب المكان في جسمين، وهذا الدور جارٍ في كلّ متضايفين كما قيل.

ثمّ إنّ الدليل على استحالة الدور - بمعنييه المتقدّمين - أنّه يستلزم تقدّم الشيء على نفسه وتأخّره عن نفسه؛ ضرورة تقدّم العلّة على المعلول تقدّماً عليّاً وتقدّماً بالذات، فإذا كانت العلّة معلولة لمعلولها، لزم تأخّر الشيء عن نفسه بمرتبتين، وكذلك تقدّمه، وهو - أي تقدّم الشيء على نفسه أو تأخّره عنها - ضروري الاستحالة، مع أنّه قد يستدلّ عليه، بأنّه يستلزم تخلّل العدم بين الشيء ونفسه، وهو واضح الاستحالة، وبأنّ التقدّم نسبة لا تعقل إلاّ بين شيئين.

فإنّ توهّم أحد أنّ المراد بالتقدّم هنا إمّا التقدّم الزماني وهو غير لازم في العلة، أو العليّ وهو مصادرة؛ لأنّ معنى قولنا: إنّ الشيء لا يتقدّم على نفسه، أنّ الشيء لا يكون علّةً لنفسه.

يقال له: إنّ معنى تقدّم العلّة على معلولها هو صحّة مثل قولنا: تحركت اليد فتحرّك الخاتم، طلعت الشمس فوُجد النهار، وبطلان عكسه أي قولنا، تحرك الخاتم فتحركت اليد، وهذا الاعتبار الذي ممّا لا يشك فيه عاقل، بديهي البطلان بالنظر إلى الشيء ونفسه.

____________________

(1) الفرق بين تقدّم الشيء على نفسه، وتوقف الشيء على نفسه اعتباري، فإنّ الأَوّل باعتبار علّية كلّ منهما للآخر، والثاني باعتبار معلولية كلّ منهما للآخر.

٨٣

فإن قلت: إنّ الفرق بين الأجزاء التي هي العلة والمركّب الذي هو المعلول، إنّما هو باعتبار بشرط الشيء واللابشرط أو بشرط اللا، وقد ذكروا من جملة العلل الأربع المادة والصورة مع أنّهما عين المعلول، فكيف المخلص؟

قلت: الأجزاء بالنسبة إلى المركّب الذي ليس إلاّ نفسها ليست إلاّ نفسه، لا علية ولا معلولية بينهما، وإنّما يطلقون عليها العلية؛ لأنّ بها قِوام المركّب، فهي علل القِوام لا علل الوجود، والتأثير في الثانية لا في الأُولى، فافهم.

وأمّا تقدّم الأجزاء على المركّب ففيه بحث طويل، قد تعرّض له صاحب الأسفار مجملاً، وصاحب الشوارق مفصّلاً فراجع.

ثم إنّ معنى الدور - بتعبير واضح - هو كون الشيء علّةً وفاعلاً لوجود نفسه، وهذا ضروري الاستحالة، بديهي البطلان، يكذّبه العقل بأَوّل تصويره، فلا معنى لإطالة الكلام حوله وقد نقل العلاّمة قدّس سره (1) ، أنّ أكثر العقلاء على ضرورة استحالته.

وأمّا التسلسل فهو عند المتكلّمين (2) عبارة عن مطلق الأُمور غير المتناهية إذا ضبطها الوجود، سواء كانت مجتمعةً أم لا، مترتّبةً أم لا، ودليلهم على ذلك برهان التطبيق، فإنّهم يجرونه في الأُمور المتعاقبة في الوجود كالحركات الفلكية، وفي الأُمور المجتمعة، سواء كان بينها ترتّب طبيعي كالعلل والمعلولات، أو وضعي كالأبعاد، أو لا يكون هناك ترتّب أصلاً كالنفوس الناطقة المفارقة (3) .

وعند الحكماء يفسّر بالأُمور غير المتناهية المجتمعة في الوجود مع ترتّبٍ وضعاً أو طبعاً؛ ولذا قال صاحب الأسفار: وعليه (أي برهان التطبيق) التعويل في كلّ عدد ذي ترتيب موجود، سواء كان من قبيل العلل والمعلولات، أو من قبيل المقادير والأبعاد، أو الأعداد الوضعية (4) ... إلخ.

ثمّ إنّ الأدلة على امتناع التسلسل في الجملة كثيرة جداً، لكنّها بمجموعها غير مسلّمة عندهم، فلهم ردود ودفوع ونقوض ونقود، والبحث حولها طويل الذيل لا يسعه هذا المختصر، لكنّنا نستخدم لك منها حجّةً قويمة، قليلة المؤونة، وكثيرة المعونة، وهي ما اخترعه سلطان المحقّقين العلاّمة الطوسي (5) ، وأشار إليه في تجريده وإليك تقريره بعبارة

____________________

(1) كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد / 30.

(2) الشوارق 1 / 200، وكشف الفوائد / 30.

(3) شرح المواقف 1 / 541.

(4) الأسفار 2 / 145.

(5) كما ذكره صاحب الشوارق، ونُقل عن المحقّق الدواني أيضاً، لكن قيل: إنّ السيد الداماد رحمه‌الله ادّعى وجدان هذا الدليل في كتاب بهمنيار.

٨٤

المحقّق اللاهيجي (1) :

إنّ الممكن لا يجب لذاته، وما لا يجب لذاته لا يكون له وجود، وما لم يكن له وجود لا يكون لغيره عنه وجود، فلو كانت الموجودات بأسرها ممكنةً لَما كان في الوجود موجود، فلابدّ من واجب لذاته، فقد ثبت واجب الوجود وانقطعت السلسلة أيضاً.

ثمّ تعريضاً على الشارح العلاّمة قدّس سره حيث تنظّر فيها، والشارح القوشجي حيث حسبها مصادرةً، قال: وهذه الطريقة حسنة حقّة... إلخ، والأمر كما أفاد.

تتميم وتقسيم

ما لا يتناهى على ستة أقسام:

الأَوّل: المجتمع في الوجود، والمترتّب بالترتب العليّ.

الثاني: المجتمع في الوجود، والمترتّب بالترتب الوضعي كالأبعاد.

الثالث: المجتمع في الوجود بلا ترتيب، كالنفوس الناطقة على رأي الحكماء.

الرابع: المتعاقب في الوجود من قبل الماضي، مثل الصور الطارئة على المادة على سبيل المحو والإثبات.

الخامس: المتعاقب في الوجود في طرف المستقبل.

السادس: العدد.

أقول: أمّا الأَوّل فهو محال بلا خلاف بين الباحثين، بل لم أفز على مخالف ولو من الدهريين والماديين، فكأنّ هذا الاحتمال مصادم ما أودعه الله في كينونة البشر، فما يلتزم به فرد من هذا النوع الإنساني؛ ولذا ترى عبّاد الطبيعة متحيرين في تعيين المبدأ الأَوّل، فالتسلسل المذكور احتمال بدوي لم يتجاوز عن المسفورات العلمية إلى الخارج، وما نقلناه آنفاً من البرهان وغيره حجّة واضحة على إبطاله.

وأمّا الثاني فامتناعه موضع وِفاق بين المتكلّمين والحكماء، واستدلّوا عليه بأدلة منها برهان التطبيق، الذي هو عندي محلّ إشكال.

وأمّا الثالث والرابع فهما ممكنان، بل واقعان على زعم أصحاب الفلسفة؛ ولذا يدينون بقِدم العالم زماناً، لكنّ المتكلّمين يرونهما ممتنعين أيضاً، والحق معهم لِما سنبرهن على حدوث العالم في هذا الجزء إن شاء الله.

وأمّا الخامس فإمكانه متّفق عليه بينهم، فإنّ الوجود لم يضبطه، وهذا ما لا شك فيه، كيف

____________________

(1) الشوارق 1 / 199.

٨٥

وخلود المكلّفين في الجنة والنار، وبقاء ما يرتبط بهم من الضروريات الإسلامية؟

وأمّا السادس فهو مثل الخامس في اتّفاقهم على إمكانه، فإنّه إمّا غير موجود كما عن المتكلمين، وإمّا لا ترتّب بينها في غير الواحد كما عن الفلاسفة، فلم يتحقّق فيه مناط الاستحالة (1) .

وممّا ينبغي أن نختم به الكلام هنا، أنّ إبطال الدور والتسلسل إنّما يتوقف عليه إثبات الصانع؛ ضرورة أنّ إمكان أحدهما لا يدع مجالاً لإثباته، وأمّا إثبات الواجب الوجود، فهو غير موقوف عليه لِما ستعرفه إن شاء الله من الدليل على وجوده، سواء كان الممكن موجوداً خارجاً أم لا، أمكن الدور والتسلسل أم لا، وبعبارة أُخرى: إمكان الدور والتسلسل يبطل الأدلة الإنيّة، ولا ربط له بالبراهين اللميّة أو الشبيهة باللم.

هذا تمام كلامنا في المقدّمات، ثمّ بعد ذلك نرجع إلى بيان المقاصد، وإليك بيانها إجمالاً:

المقصد الأَوّل: في بيان الطريق إلى معرفة الواجب.

المقصد الثاني: في صفاته الثبوتية ذاتيةً كانت أو فعليةً.

المقصد الثالث: في صفاته السلبية.

المقصد الرابع: في التوحيد، أفردناه من سابقه اهتماماً بشأنه.

المقصد الخامس: في العدل.

المقصد السادس: في النبوّة.

المقصد السابع: في الإمامة.

المقصد الثامن: في المعاد.

____________________

(1) ولصاحب الأسفار هاهنا احتمال، وللسبزواري عليه كلام، لا يخلو مراجعتهما عن الفائدة، الأسفار 2 / 152.

٨٦

مقاصد الكتاب

المقصد الأَوّل: في بيان الطرق إلى معرفة الواجب لذاته

المقصد الثاني: في صفاته الثبوتية

المقصد الثالث: في صفاته السلبية

المقصد الرابع: في التوحيد

المقصد الخامس: في العدل

المقصد السادس: في النبوّة

المقصد السابع: في الإمامة

المقصد الثامن: في المعاد

٨٧

المقصد الأَوّل

في بيان الطرق إلى معرفة الواجب لذاته

البراهين والصُرط

مَن هم المخالفون في هذا المقصد؟

وما هو اعتقادهم؟

النظام الكامل يقضي على علّية المادة

ما يقول الماديون عن هذا النظام الأجمل؟

خاتمة

٨٨

المقصد الأَوّل

في بيان الطرق إلى معرفة

الواجب لذاته

وهو من أشرف المقاصد وأعظمها وأجلّها وأهمها، بل لا تكتسب مسألة علمية شرفاً وفضلاً ما لم تخدم هذا المقصد، فهو آخر ما تُناخ به الرواحل العقلية في سفر السعادة والفضيلة. ( أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) ( أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ ) .

وصُرط التصديق الحقّة المستقيمة، إلى الواجب القديم القدوس الأقدس - جلّت كبريائه وعَظُم سلطانه - متعدّدة، وإليك منها ما يناسب هذه الرسالة:

الصراط الأَوّل: إنّ العقل لا يرى الموجود الواجب لذاته مستحيلاً، بل يحكم بإمكانه إمكاناً عامّاً، ولا سيما قد شاهد الواجب الذاتي بنحو مفاد كان الناقصة، مثل زوجية الأربعة، ورطوبة الماء، ودسومة الدهن ونحوها، فإذا أمكن، وُجد وثبت من دون شرط وسبب، على ما أسلفنا برهانه.

وهذا الصراط أشرف الصُرط المذكورة في هذا المقصد، ليس له زيادة مؤونة، ولا توقّف له على استحالة الدور والتسلسل، بلا ولا على وجود ممكن، كل ذلك ظاهر جداً.

ولزيادة التأكيد لحكم العقل بعدم امتناع الواجب نقول: إنّ العقلاء - مليين كانوا أو ماديين (1) - اتفقوا في كلّ زمان ومكان، على الإذعان بوجود المبدأ الأَوّل في الخارج، وهذا ممّا يؤيّد استقلال العقل بعدم امتناع مثل هذا الوجود، والعجب من ذهول الباحثين عن هذا البرهان؛ حيث لم يذكروه في هذا المقام (2) .

الصراط الثاني: إنّ الأحاسيس قد قضت على أنّ في الخارج موجوداً ما، فهو إن كان واجباً لذاته فقد حصل الغرض، وإن كان ممكناً فهو يستلزم المقصود؛ لاستحالة الدور والتسلسل، وهذه الحجّة غير قائمة بوجود الممكن كما هو ظاهر.

____________________

(1) غير مَن قال منهم بجواز الترجّح بلا مرجّح (إن كان).

(2) وبه يمكن أن يفسّر ما أُثر عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام : (يا مَن دلّ على ذاته بذاته)، وما عن السجّاد عليه‌السلام : (بك عرفتك وأنت دللتني عليك).

٨٩

ثمّ إنّ هذين الوجهين المذكورين، ليسا من الأدلة الإنيّة، ولا من البراهين اللميّة؛ لعدم انتقال فيهما من العلّة إلى المعلول، ولا من المعلول إلى علّته، بل هما من شبه اللم، كما يظهر من كلمات عدّة من أكابر الحكماء.

الصراط الثالث: ما نقلناه سابقاً من المحقّق الطوسي قدّس سره في إبطال التسلسل، فإنّه يفضي إلى معرفة الواجب الوجود، ويجوز أن نعبّر عنه بألفاظ أُخرى فنقول: لا يمكن أن يكون ممكن ما من الممكنات منشأ لوجوب الممكنات، ولا لامتناع طريان العدم علّيها بالكلية، فلابدّ من واجب. وبوجه آخر: إنّ الممكن لا يستقلّ بنفسه في وجوده وهو ظاهر، ولا في إيجاده لغيره؛ لأنّ مرتبة الإيجاد بعد مرتبة الوجود، فإنّ الشيء ما لم يُوجَد لم يُوجِد، فلو انحصر الموجود في الممكن، لزم أن لا يوجد شيء أصلاً؛ لأنّ الممكن وإن كان متعدّداً، لا يستقلّ بوجود ولا إيجاد، وإذ لا وجود ولا إيجاد، فلا موجود لا بذاته ولا بغيره، إلى غير ذلك من التقارير والتعابير.

الصراط الرابع: الممكن موجود بلا ريب، فإنّ الأجسام مركّبة، وكلّ مركّب ممكن، والأعراض لمكان حاجتها إلى موضوعاتها ممكنة، بل حدوث بعض الأشياء وفقدانها وفناؤها محسوس فهو ممكن، ومهما يكن من شيء فالممكن موجود قطعاً بل ضرورةً، فيكون الواجب موجوداً بالضرورة؛ لِما مرّ من احتياج الممكن إلى الواجب، ومن بطلان الدور والتسلسل، ولعلّ قوله تعالى: ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) (1) يشير إلى ذلك، فإنّ الممكن لا يمكن أن يكون خالق نفسه؛ لما عرفت في بطلان الدور، ولا يمكن أن يوجد بلا خالق فإنّه ترجّح بلا مرجّح، ويمكن إدراج نفي التسلسل أيضاً في هذا الفرض كما يظهر بالتأمل.

ثمّ إنّ هذا الدليل الإنّي أساس لعدّة من الدلائل الأُخرى.

الصراط الخامس: ما سلكه المتكلّمون فقالوا: إنّ العالم حادث، وكلّ حادث له محدَث كما تشهد به بديهة العقل؛ ولذا مَن رأى بناءً حادثاً حكم حكماً بتياً جزمياً، بأنّ له بانياً، وعن أكثر مشايخ الاعتزال أنّ هذه المسألة - أي الكبرى - استدلالية، وقد استدلّوا عليه بوجهين (2) ، لكنّ ذلك خطأ وما استدلوا به غلط.

ثمّ إنّ هذا المحدث الصانع إن كان حادثاً احتاج إلى مؤثّر آخر، فيلزم الدور أو التسلسل وهما محالان، وإن كان قديماً أو منتهياً إلى القديم فقد ثبت المطلوب.

هذا، ولكن جملة من الفلاسفة لم يرتضوا بسلوك هذا الصراط لوجوه ثلاثة:

الأَوّل: تفنيد حدوث العالم بشراشره، بل منه ما هو قديم، ومنه ما هو حادث.

____________________

(1) الطور 52 / 35.                                   (2) شرح المواقف 3 / 3.

٩٠

الثاني: قصور هذا الدليل عن إثبات الواجب لذاته؛ لجواز أن يكون ذلك المحدِث غير الحادث ممكناً قديماً، فلا يفتقر إلى علة، فتنقطع السلسلة بلا إثبات الواجب، كما ذكره الحكيم اللاهيجي في شوارقه (1) .

الثالث: خروجه عن منهج الصدق؛ لأنّ مناط الحاجة إلى العلّة هو الإمكان دون الحدوث ولو شرطاً، ذكره الحكيم السبزواري (2) ، وقبله عنه غيره أيضاً.

أقول: هذه الوجوه ساقطة، ولا يمكن سد هذا الصراط المستقيم بها، أمّا الأَوّل، فلِما سيمرّ بك في محلّه، من حدوث تمام ما سوى الله وبطلان قِدم شيءٍ منه.

وأمّا الثاني، فينبثق بطلانه من بطلان الأَوّل؛ فإنّ القديم حينئذٍ لا يكون ممكناً، فهو واجب لعدم واسطة بينهما بالضرورة، فالقديم والواجب لذاته مترادفان عند المتكلّمين.

وأمّا الثالث ففيه، أنّ معنى علّية الإمكان للحاجة، هو سببيته للحاجة في وجوده، أو عدمه إلى المرجّح الخارجي، فحدوث الوجود، معلول عن هذا المرجّح المحدِث الخارجي، وكاشف عنه كشف كلّ معلول عن علّته، ويعبّر عنه في عرفهم بدليل الإن، فهذا لا ربط له ببطلان علّية الحدوث للحاجة، والإنصاف أنّ دلالة الحدوث على المحدِث ضرورية، وإنكارها عن هذا الرجل الفيلسوف بعيد جداً.

فاتّضح أنّ الدليل تام في نفسه، من غير أن يُبنى على الحركة الجوهرية كما تبرّع به بعضهم، لكن الذي يوجب صعوبة سلوك هذا الطريق في الجملة، هو أنّ إثبات المدّعى أسهل من تثبيت مقدّمتها الأُولى، أعني بها حدوث العالم بأجمعه، فإنّه وإن كان حقّاً إلاّ أنّ المدّعى أظهر منه، وإن أخذنا حدوث بعض العالم في المقدّمة حتى تكون ضروريةً، فلا يستنتج منها المطلوب، كما ذكره صاحب الشوارق من جواز كون القديم ممكناً.

ولا دافع له حينئذٍ أصلاً إلاّ أن يقال: بأنّ هذا القديم لا يكون إلاّ واجباً، فإنّ الممكن يستلزمه دفعاً للدور والتسلسل، لكن الدليل حينئذٍ لا يكون بلحاظ الحدوث فقط، بل مع انضمام لحاظ الإمكان.

فالتحقيق أن يقال: إنّ جملةً من هذه الموجودات حادثة حسّاً، والحادث يقتضي محدِثاً بالضرورة، وهذا المحدِث إن لم يكن له سبب وعلّة فهو المراد؛ إذ لا نعني بالقديم أو الواجب إلاّ المحدِث الذي لا سبب له، وإن كان له سبب فلابدّ من الانتهاء إلى محدِث كذلك، أي بلا سبب وعلة دفعاً للدور والتسلسل، فافهم.

____________________

(1) الشوارق 2 / 204.

(2) شرح المنظومة / 143.

٩١

الصراط السادس: ما سلكه الحكماء الطبيعيون، وهو الاستدلال بالحركات، فإنّ المتحرّك لا يوجب حركةً بل يحتاج إلى محرِّك غيره، والمحرِّكات لا محالة تنتهي إلى محرِّك غير متحرك دفعاً للدور والتسلسل، فإن كان واجباً فهو وإلاّ استلزمه لِما مرّ.

الصراط السابع: إذا كانت الموجودات منحصرةً في الممكنات لزم الدور، إذ تحقّق موجود ما يتوقّف - على هذا التقدير - على إيجاد ما؛ لأنّ وجود الممكنات إنّما يتحقق بالإيجاد، وتحقّق إيجاد ما يتوقّف أيضاً على تحقّق موجود ما؛ لأنّ الشيء ما لم يوجَد لم يُوجِد.

لكن الإنصاف، أنّ هذا التوقّف من قبيل توقّف النطفة على الحيوان، وتوقف الحيوان على النطفة، وتوقف البيض على الدجاج، وتوقف الدجاج على البيض، وهذا ليس بدور محال؛ لأنّ الدور هو الذي يكون طرفاه واحداً بالعدد، لا ما يتقدّم فيه طبيعة مرسلة على طبيعة مرسلة أُخرى، وهي تتقدّم أيضاً عليها في صورة التسلسل، فالمغالطة نشأت هاهنا، من أخذ الكلّي مكان الجزئي، والوحدة النوعية مكان الوحدة الشخصية، فتتميم هذا البرهان لا يمكن إلاّ بالتسلسل كما في الأسفار، وما رامه اللاهيجي من إصلاح الدليل، وإتمامه بالدور فقط غير تام، ومنه يظهر الحال في الصراط الآتي بكلا طريقيه.

الصراط الثامن: إنّه ليس للموجود المطلق من حيث هو موجود مبدأ، وإلاّ لزم تقدّم الشيء على نفسه، وبذلك ثبت وجود واجب الوجود بالذات، وبعبارة أُخرى: مجموع الموجودات من حيث هو موجود ليس له مبدأ بالذات، فثبت بذلك وجود الواجب لذاته.

الصراط التاسع: مجموع الموجودات من حيث هو موجود يمتنع أن يصير لا شيئاً محضاً، ومجموع الممكنات ليس يمتنع أن يصير لا شيئاً محضاً، فيثبت به الواجب لذاته.

وفيه: أنّ حيثية الإمكان وإن كانت مخالفةً لحيثية الوجود؛ لأنّ الموجود بما هو موجود يستحيل أن يصير معدوماً: لأنّ فيه ضرورة بشرط المحمول، بخلاف الموجود بما هو ممكن، فإنّ عدمه غير ممنوع، لكن هذا الاختلاف لا يؤدي إلى الاختلاف في الموضوع، كما أفاده صاحب الأسفار أيضاً.

الصراط العاشر: ما ذكره صاحب الأسفار ومَن تبعه وقال: إنّه سبيل الصدّيقين الذين يستشهدون بالحقّ على الحق، ووصفه بأنّه أسدّ البراهين وأشرفها، وإليك تقريره بعبارة السبزواري (1) مع تغيير ما: حقيقة الوجود الذي ثبتت أصالته، إن كانت واجبةً فهو المراد، وإن كانت ممكنةً - بمعنى الفقر والتعلّق بالغير، لا بمعنى سلب ضرورة الوجود والعدم؛ لأنّ ثبوت الوجود لنفسه ضروري، ولا بمعنى تساوي نسبتي الوجود والعدم؛ لأنّ نسبة الشيء إلى نفسه

____________________

(1) شرح المنظومة / 141.

٩٢

ليست كنسبة نقيضه إليه؛ لأنّ الأُولى مكيّفة بالوجوب والثانية بالامتناع - فقد استلزمت الواجب على سبيل الخلف؛ لأنّ تلك الحقيقة لا ثاني لها حتى تتعلّق به وتفتقر إليه، بل كلّما فرضته ثانياً فهو هي لا غيرها، والعدم والماهية حالهما معلومة؛ أو على سبيل الاستقامة، بأن يكون المراد بالوجود مرتبة من تلك الحقيقة، فإذا كان هذه المرتبة مفتقرة إلى الغير استلزم الغني بالذات دفعاً للدور والتسلسل، والأَوّل أوثق وأشرف وأخصر.

أقول: هذا الوجه مبني على مقدّمات، هي أغمض تصديقاً من أصل الدعوى بمراتب، فلابدّ أن يُرجع إلى الصراط الثاني.

الصراط الحادي عشر: اتّفاق الأنبياء والأولياء والعقلاء على ذلك، فإنّهم أخبروا عن وجود الواجب الصانع، وهذا الاتّفاق أقوى من التواتر، ولا شيء من المتواترات مساوٍ له في القوّة وإفادة اليقين، ذكره بعض المؤلّفين (1) ، وببالي أنّ هذا الوجه نُسب إلى جماعة من المتكلّمين.

لكن الاستدلال المذكور هيّن جداً، فإنّ العقلاء في ذلك مختلفون، وأمّا الأنبياء فهم كغيرهم، ما لم تثبت نبوّتهم المتوقّفة على وجود الواجب وصفاته، بل لا سبيل لنا إلى إحراز وجودهم - سوى خاتمهم صلى‌الله‌عليه‌وآله - من غير جهة إخباره تعالى.

هذا، مع أنّ التواتر في الحدسيات غير حجّة؛ فإنّه لا يفيد اليقين، وقد مرّ بعض الكلام فيه في المقدّمات، نعم يمكن الاستدلال بمعجزات خاتمهم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأوصيائه عليهم‌السلام ، على المطلوب، ولا محذور فيه أصلاً.

الصراط الثاني عشر: لو انحصرت الموجودات في الممكن لاحتاج الكلّ إلى موجِد مستقل - بأن لا يستند وجود شيء منها إلاّ إليه ولو بالواسطة - يكون ارتفاع الكلّ بالكلية - بأن لا يوجد الكلّ ولا واحد من أجزائه - ممتنعاً بالنظر إلى وجوده؛ لأنّ ما لم يجب لم يوجد، ويلزم من ذلك امتناع عدم المعلول من أجل العلة، والشيء الذي إذا فُرض عدم جميع أجزائه، كان ذلك العدم ممتنعاً نظراً إلى وجوده، يكون خارجاً عن المجموع، لا نفسه ولا داخلاً فيه؛ لأنّ عدم شيء منهما ليس ممتنعاً نظراً إلى ذاته، فيكون واجباً لذاته؛ إذ لا واسطة في الخارج بين الممكن والواجب، فتدبّر فيه.

هذه هي الصُرط القويمة، الحقّة المستقيمة، الموصلة إلى معرفة الواجب القديم، والصانع الحكيم (2)، وأنّ للعالم مبدأً تنتهي سلسلة الموجودات إليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

____________________

(1) كفاية الموحّدين 1 / 26.

(2) سوى بعضها، الذي ناقشنا فيه.

٩٣

مَن هم المخالفون

في هذا المقصد؟ وما هو اعتقادهم؟

نُسب إلى جماعة من القدماء كذيمقراطيس وأتباعه، إنكار حاجة الممكن إلى المؤثّر، وجعلوا كون العالم بالبخت والاتفاق، وأنكروا أن يكون له صانع أصلاً، ورأوا أنّ مبادئ الكل أجرام صغار لا تتجزّأ لصغرها وصلابتها، وأنّها غير متناهية بالعدد، ومبثوثة في خلاء غير متناهٍ، وأنّ جوهرها في طبايعها جوهر متشاكل، وبأشكالها تختلف، وأنّها دائمة الحركة في الخلاء، فيتفق أن يتصادم منها جملة، فتجتمع على هيئة ويكون منها عالم، وأنّ في الوجود عوالم مثل هذا العالم غير متناهية بالعدد، لكن مع ذلك يرون أنّ الأُمور الجزئية - مثل الحيوانات والنباتات - كائنة لا بحسب الاتّفاق، بل بحسب أسباب سماوية وأرضية، وفرقة أخرى منهم - كانباذقلس ومَن يجري مجراه - لم يقدموا على أن يجعلوا العالم بكلّيته كائناً بالاتفاق، ولكنّهم جعلوا الكائنات متكوّنةً عن الاسطقسات بالاتّفاق، وبالجملة فهؤلاء بأجمعهم يجوّزون الحدوث بلا سبب والكون بلا علة (1) .

أقول: هل ذميقراطيس (460 ق م) وانباذقلس كانا منكرين للواجب لذاته أم لا؟ سؤال لا طريق لنا إلى جوابه جزماً. وقد ذكر بانگون (2) ، أنّ الأَوّل ليس بمادي بل كان يعتقد وجود الروح، وذكر صاحب الأسفار أنّ كلام الثاني ناظر إلى أصالة الوجود واعتبارية الماهيات، وذكر غيره أنّ مراده هو إنكار العلة الغائية (3) ، لكن هذه الضلالة الخبيثة، والجهالة المبطلة حد الإنسانية، حدثت منذ زمن غير قريب، فإنّ آحاد الإنسان في أفكارهم ليسوا على مستوىً واحد، فمنهم مَن هو قاصر، ومنهم مَن هو متوسط، ومنهم مَن هو عالٍ، ولكلّ منها درجات.

هذا من ناحية، ومن ناحية أُخرى أنّ الحدود المقرّرة في الشرائع السماوية، كثيراً ما تضاد الشهوات النفسانية، والميولات الغريزية، والمخلص من هذا التضاد، هو البناء على إنكار المبدأ الشاعر القادر لا غير. قال أبيقورس أحد زعماء الماديين: إنّ راحة البال التي تقوم بها سعادة

____________________

(1) نقله في الشوارق 1 /126 من كتاب الشفاء لابن سينا.

(2) على أطلال المذهب المادي / 15.

(3) الأسفار 1 / 210.

٩٤

الإنسان، هي في اضطراب دائم؛ من جري الريب الواقع من نسبة الإنسان إلى الخليقة وإلى الله (1) ... فهذان السببان - أي القصور الفكري والشهوة - هما أحدثا هذه البلية الفاجعة.

وما قيل من أنّ المستفاد من أكثر التواريخ، أنّ تأسيس هذه النظرية الرديئة قبل ميلاد المسيح عليه‌السلام بستة قرون أو سبعة قرون، فلعلّه يُقصد به انتشارها واشتهارها، كما أنّ شدّة ظهورها وكثرة رواجها، إنّما كانت في القرن الثامن عشر والتاسع عشر بين الغربيين، فسرت منهم إلى الشرقيين، ثمّ ضعفت في القرن العشرين؛ لكشف بطلان ما اعتمدوا عليه في هذه الدعوى.

وأمّا أصل هذا المسلك فله عهد بعيد، كما ربّما يؤيّد قوله تعالى: ( يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون ) (2) ، وإن لم يكن بدليل عليه كما لا يخفى.

ثمّ إنّ أساس عقائدهم يتخلّص إلى أصول أربعة. كما قيل:

1 - لا موجود في العالم غير المادة وآثارها.

2 - العالم مركّب من العلل والمعاليل المادية، وكلّ شيء يعلّل بعلل مادية.

3 - الموجودات بأسرها تؤثّر بعضها في بعضها، فكلّ منها علّة شيء ومعلول لشيء آخر، وجميع الحوادث في تغيّر وتحوّل، بيد أنّ القدر الجامع بينها - يعني المادة - أمر أزلي.

4 - إنّ الكائنات - بشموسها، وكواكبها، وأقمارها، وأراضيها، وسمواتها، وجميع جزئياتها - معلولة التصادف والاتّفاق، لا بمعنى أن لا علّة لها، بل بمعنى اتّحاد العلّة الفاعلية والعلة المادية فيها، فلا مُوجِد لها إلاّ المادة، ولا صانع مختار لها أبداً، فليس لها العلّة الغائية أيضاً.

والحاصل: أنّهم لا ينكرون مبدأ الكائنات، بل ينكرون شعوره وقدرته وإرادته.

تفتيش وتفنيد

أمّا الأصل الأَوّل ففيه بحثان: الأَوّل: في بيان المادة. والثاني: في بيان انحصار الموجودات بها.

أمّا البحث الأَوّل: فالمعروف عن ديمقراط (3) أنّ المادة هي الجواهر الفردة، وهي الأجزاء التي لا تتجزّأ (الأتُم)، وليس لها إلاّ أشكال هندسية، فالعالم عنده مركّب من هذه الذرّات، التي لها بنظر بعضها إلى بعض حركة دائرة، وحركة اصطدام مستقيمة (4) ، ويرى أنّ هذه الذرّات يتخلّل

____________________

(1) الرحلة المدرسية للعلاّمة المجاهد الشيخ جواد البلاغي / 292.

(2) يس 36 / 30.

(3) وقيل: إنّ أَوّل مَن تفوّه به لوقيوس أُستاذ ديمقراط.

(4) الرحلة المدرسية / 298.

٩٥

بينها فراغ، خلافاً لأرسطو وأتباعه، حيث ذهبوا إلى أنّ الجسم شيء واحد متماسك، يمكننا أن نقسّمه إلى أجزاء منفصلة، لا أنّه يشتمل سلفاً على أجزاء كذلك (1) . ثمّ إنّ هذا الذرّات غير مختلفة في حقيقتها، وما يشاهد من اختلاف آثار الموجودات المتكوّنة منها، إنّما هو من جهة اختلاف أشكالها، وأحجامها، وأمكنتها، ونظامها، وأوضاعها، هذا ولمّا كان الشكل الهندسي متناقضاً لعدم التجزّؤ، رفضوا شكلها وقالوا: إنّها غير مشكّلة؛ ولذا قال المحقّقون من أهل العصر: إنّ الجواهر التي نقول بها هي أصغر من جوهر ديمقراط جداً (2) .

أقول: وهو كذلك قطعاً، فإنّ الذرة التي زعموا عدم إمكان تجزئتها ولزوم بساطتها، قد وقع عليها التجزئة خارجاً عام 1919م، من قِبل العالِم روترفورد، ثمّ عُلم أنّ لها أجزاءً عمدتها: بروتون ونوترون والكترون.

وذهب لوسيبوس إلى أنّ تلك الذرّات تتحرّك في الفراغ منذ الأزل، والأشياء تظهر وتخفى بحسب ما تجمع وتنفصل، وعن أبيقورس: أنّها متحرّكة دائماً في الخلاء الذي لا نهاية له، بانحراف بعضها على موازاة بعض، بحيث تصطدم وتحدث حركة لولبية مخروطية كحركة الزوابع، فتؤدّي إلى تراكيب عديدية وصور متنوعة ومتغيّرة. وقال بخنر: أمّا حركة الجواهر عندنا، فمن تضادّ قوتي الجذب والدفع، اللتين نعتبرهما غريزتين في الجوهر (3).

هذا، ولكن لمّا رأى بعض العلماء أنّ الفراغ مستحيل في الطبيعة، فرضوا أنّ تلك الجواهر تسبح في مادة لطيفة، أو غاز (4) أخف من الهواء، أو سائل تام الاتصال مالئ للخلاء سمّوه الأثير، تتحرك فيه الجواهر التي هي أجزاؤه حركة الزوابع في الهواء الهادئ، ومن أحوال اجتماعها بالحركة وأفاعيلها تظهر صور الكائنات، وهذه الجواهر في الرأي القديم، هي أزلية أبدية، لم تحدث بعد العدم، ولا تتلاشى ولا تنعدم، وإنّما تخفى بتفرّقها، ولكن الرأي الجديد حسب اكتشافات العالم الفرنسي - غوستاف لبون - الرأي المبني على المشاهدة والاختبار، بحيث وافقه أكثر علماء أوروبا - هو أنّ المادة قوّة متكاثفة، وأنّ المادة ليست أبديةً، بل تتلاشى بانحلالها إلى القوة، والقوة أيضاً تنحلّ إلى الأثير، كما أنّ المادة ليست أزليةً، بل إنّ الأثير تكاثف في الأزمان البعيدة - بسبب لا نعلمه - فصار مادّةً (5) .

وأمّا البحث الثاني - وهو انحصار الموجودات في مضيقة المادة، وعدم الحاجة إلى علّة

____________________

(1) فلسفتنا / 318.

(2) الرحلة المدرسية / 274.

(3) الرحلة المدرسية / 298.

(4) جوهر هوائي قابل للضغط سيّال.

(5) الرحلة المدرسية للشيخ جواد البلاغي / 275.

٩٦

فاعلية غير مادية - فقد ذكروا لإثباته وجوهاً: الأَوّل: وهو عمدة تلفيقاتهم وأشهرها: إنّ مثل هذه العلّة غير مدركة بأحد الأحاسيس، ولم تدلّ عليها التجربة العلمية، فلا سبيل لنا إلى الإيمان به.

الثاني: إنّ كلّ موجود لابدّ له من سبب، كما أثبتته التجربة العلمية، فالوجود الغني عن السب غير معقول. ذكره بعض الفلاسفة الماركسية على ما تقدّم.

الثالث: إنّ العالم المادي لو لم يكن أزلياً وغنيّاً عن علّة مجردة لكان معلولاً لها، فيكون مخلوقاً من العدم، وهذا غير معقول، فإنّ العدم لا يسبّب الوجود ولا يكوّنه.

الرابع: إنّ كلّ موجود يجب أن يكون في الزمان والمكان، ولا يعقل ما يكون متحرّراً منهما.

الخامس: إنّ حدوث المادة غير محسوس، فلا دليل على كونها مخلوقةً للفاعل الخارج عن نشأة الطبيعة، فإذن هي قديمة.

السادس: إنّ مبدأ العالم لو كان فاعلاً مختاراً، لكان له غرض من خلقته لا محالة، مع أنّا لا نعلم الغرض المفيد في جملة من الأشياء.

السابع: إنّ التجربة العلمية دلّت على أنّ كلّ موجِد مادّي، معلّل بسبب مادّي آخر، ومعه لا ملزم للالتزام بوجد فاعل مجرّد مختار بعد المادة المذكورة.

الثامن: المؤثّر في العالم لابدّ أن يكون إمّا إرادة الفاعل المختار، وإمّا العلل الطبيعية - على سبيل منع الجمع والخلو - فإنّ تأثير المريد المختار، ينافي النظام الحاصل من تأثير العلل الطبيعي، الذي لا يتغيّر ولا يتشتّت، وحيث إنّ العلوم قاضية بتأثير العلل المادية، وإنّ الحوادث الطبيعية مسبّبة عن أسباب طبيعية، يستكشف منها عدم المبدأ المختار المذكور.

هذه هي تلفيقاتهم في هذا المبحث، ومن الضروري أنّها مخالفة للوجدان، والفطرة، والبرهان، والفلسفة، والمميّز العاقل لا يقدم على إبراز هذه الكلمات الفاسدة المخالفة لضرورة العقول الساذجة، والإنصاف أنّ هؤلاء الماديين المتفلسفين، بين مَن غرّته العلوم الطبيعية، فحسب أن تبحّره ومهارته فيها، يجوّز له الإفتاء في كل علم وفن، وإن كان جاهلاً به رأساً:

قل للذي يدّعي في العلمِ فلسفةً

حفظتَ شيئاً وغابتَ عنك أشياءُ

وبين مَن دعته إليه الأغراض السياسية الدنية، وبين مَن اشتبه عليه تباين الإلهيات والطبيعيات، فحيث لم يجد الله في الحقل التجربي أنكره، ولم يدرِ المسكين أنّ طريق الاستنتاج في كلّ من العلمينِ لا يرتبط بالآخر أصلاً، وبين مَن أضلّه تعريف أصحاب الكنائس، حيث جعلوا الخالق جسماً متحرّكاً، آكلاً شارباً، متصارعاً، إلى غير ذلك من خرافات التوراة والأناجيل الموجودين، فإذا أصبح الإله المعبود كذلك فالحق مع الماديين، والجناية حينئذٍ على عاتق

٩٧

القسّيسين والأحبار وكتّابهم.

وعلى الجملة: أنّ الموجودات - بكراتها السامية العظيمة، وميكروباتها الصغيرة - دليل على وجود الله سبحانه وتعالى، ولا يتأتى من عاقل صحيح المزاج إنكاره، وهذه الواهيات المذكورة ممّا يصادم الفطرة البشرية في أحكامها الأَوّلية، وعلى سبيل التوضيح - وإن كان توضيحاً للواضحات - ننبّه على فساد كلّ واحد واحد:

فنقول: أمّا الوجه الأَوّل فقد تقدّم بطلانه في أوائل الكتاب، وذكرنا أنّ المدركات العقلية كالحسية في الاعتبار والحجّية، بلا يتمّ إدراك حسي إلاّ بتوسط الحكم العقلي، فلابدّ أن يكون الإنسان إمّا شكّاكاً، وسوفسطائياً، أو فلسفياً يقبل العقليات والحسيات معاً؛ إذ لا حدّ فاصل بينهما.

ونزيد هنا فنقول: ماذا يريدون بقولهم هذا؟

فإن أرادوا الإحساس المباشري، وأنّ الشيء ما لم يحس بنفسه - بأحد الأحاسيس - لا يذعنون به، فهذا يرفض كيان العلوم الطبيعة بأسرها، ويبطل المجرّبات التي يقدّسونها من أصلها، أَليست الأرض متحرّكةً بحركات مختلفة؟ أَليس للهواء المحيط بنا ثقل عظيم؟ أَليس الأثير موجوداً بزعمهم بل جعلوه مبدأ الكائنات؟ أَليس الأتُم موجوداً؟ أَليست الجاذبية العامّة التي استكشفها نيوتن مسلّمةً؟ فهل الحواس أدركت حركة الأرض، وثقل الهواء، ووجود الأثير، والذرة، والجاذبية، فيجوز إنكارها بتاتاً؟ وهكذا الحال في أُلوف من نظائرها، كلا، فالإحساس المباشري لا يرتبط بقبول الحقائق والمعارف بتاتاً.

وإن أرادوا الأعم من ذلك، وأنّ الشيء يُصدّق به ولو بإحساس آثاره - كما هو المقرّر الثابت في العلوم التجربية، على ما عرفت من الأمثلة المزبورة - فهذا بعينه يجري في المقام، فإنّ الله الواجب القديم المجرّد عن الزمان والمكان، وإن لم يُدرك بإحدى الحواس لكن آثاره محسوسة، فإنّ جميع هذه الكائنات المشاهدة المحسوسة آثاره، كما تقدم برهانه، وستعرف أنّ المادة لا تصلّح للمبدئية بل هي مخلوقة لله القهّار.

وأمّا الشبهة الثانية، فقد مرّ جوابها في الفائدة العاشرة من فوائد المدخل وقلنا: إنّ التجربة قاصرة عن تثبيت الحكم في خارج الحقل المادي، ونزيدك هنا ونقول: لو صحّت ضرورة العلّة لكلّ موجود، لوجب مسببية المادّة المزعومة من مبدأ آخر، وكلّ شيء تفرضونه مبدأ للأشياء المادية، لابدّ له من سبب بحكم التجربة، فهذا - مع كونه من التسلسل المحال - يبطل قولكم أيضاً.

وأمّا الشبهة الثالث فهي مخالفة للوجدان، فإنّ الأحاسيس تشاهد في كلّ يوم أُلوفاً من

٩٨

الموجودات، توجد في الخارج بعد ما كانت معدومةً، أَليست الصور الطارئة على المادة الأزلية المزعومة حادثةً عندكم؟ فما هو جوابكم في إصلاحها؟ هو الجواب في حدوث المادة. وحلّ المطلب: أنّ معنى قولنا: يوجد من العدم، ليس كون العدم علّةً مادية للموجود، ولعلّه لم يخطر ببال صبيّ مميّز من صبيان الموحّدين، ولم يتصوّره عالم من العلماء الإلهيين، بل معناه أنّ الله يوجد الشيء بعد ما لم يكن موجوداً، فهذه الشبهة من غفلتهم بمراد المليين أو تجاهلهم به.

وأمّا الشبهة الرابعة فجوابها: أنّ كلّ موجود مادّي لابدّ له من مكان وزمان، ولا دليل على انسحاب هذا الحكم إلى كل موجود مطلقاً، وسيأتي تحقيقه في المقصد الثالث إن شاء الله.

وأمّا الخامسة فهي مضحكة، فإنّ قِدم المادة مثل حدوثها في عدم إحاطة الأحاسيس به، فكيف يذعنون بأحدهما دون الآخر، وهذا شيء عجيب؟ وسيأتي في آخر هذا الجزء أنّ العقل قاضٍ بحدوث جميع الموجودات الممكنة.

وأمّا الشبهة السادسة فهي واضحة الفساد، فإنّ الجهل بفائدة خلقة جملة من الأشياء - مع إحرازها في كثير من الموجودات بنحو تدهش العقول منها - لا يدل على أنّ المؤثّر غير عالم، بل لابدّ من الإذعان بوجود الغرض الكامل فيها إجمالاً، وأن لا نعلمه تفصيلاً؛ وذلك من جهة ما علمنا من تحقّقه في أكثر المخلوقات، أَليس إذا شاهدنا ماكنةً كبيرة ذات آلات كثيرة، وعلمنا فائدة أكثر أجزائها، لكن جهلنا فائدة بعضها الآخر، يحكم عقلنا بأنّ صانعها عالم قادر؟ وأنّ عدم علمنا بغرضه في بعض أجزائها، لا يدلّ على جهل الصانع المذكور، وإنّي أثق كل الثقة أنّ هذا الجواب ممّا يعرفه الصبيان في حين وجدانهم التمييز، لكن مَن غلب فطرته الغباوة والسفاهة لا يدرك ذلك.

وأمّا السابعة فتزيّف بأنّ الكلام في العلّة الأُولى انقطاعاً للدور التسلسل، فهي إمّا الأثير، وإمّا المادة، وعلى كلّ منهما يبطل ما ادّعوه من الكلّية المذكورة، فإنّ الذرّات أو الأثير مادّية لا علة مادّية لها، وإلاّ جاء الدور والتسلسل، فلابدّ من الالتزام بأنّ لها علّة غير مادية، وهي الواجب الوجود، ولِما ستعرف من أنّ المادة - بأي شيء فسّرت - لا تصلح للمبدئية.

وبالجملة: لزوم علّة مادية لكلّ موجود مادّي لا ينافي تأثير الواجب الوجود، ولم ينكر اللزوم المذكور الإلهيون، بل يقولون بصحّة الأسباب والمسبّبات الطبيعية في عالم الطبيعة، ومع ذلك يقولون بتأثير الواجب الوجود أيضاً، فإنّ الممكن بعلّته ومعلوله غير مستغنٍ عن الواجب حدوثاً وبقاءً كما مرّ.

وأمّا الثامنة فهي من أرذل الكلام، ولعلّ القائل بها لم يملك إدراكه حين التلفّظ بها؛ إذ أي إلهي يقول بإله ذي إرادة هدّامة للنظام الطبيعي، حتى يستكشف النظام عن عدمه؟ بل نقول: إنّ

٩٩

نظام الطبيعة من فعله وإرادته وهو - لمكان علمه وقدرته وحكمته وغنائه - لا يريد إلاّ الأصلح، فهذا النظام أكبر برهان على أنّ مبدأ العالم حي قادر عالم حكيم كامل، كما سيأتي توضيحه فيما بعد، والعمدة إلى العلل المادية في طول إرادة الخالق الحكيم، لا في عَرضها، فلا تنافي بينهما، وقد خفي هذا الموضوع المهم العالي على الماركسيين.

چشم باز وگوش باز واين عمى

حيرتم از چشم بندى خدا

فاتضح أنّ ما نسجه عبّاد المادة لا يناسب الموازين العلمية، ولا يرتبط بالنواميس العقلية، وإنّما الداعي لهم إليه ما تقدّم من الأسباب، وصدق القرآن المجيد حيث يقول: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ) (1) .

هذا كله في الأصل الأَوّل من أُصولهم الأربعة المتقدّمة، ومن تزييفه وهدمه يظهر سقوط الأصل الثاني والثالث منها أيضاً، فيبقى الأصل الرابع، وهو أنّ مبدأ العالم ومؤثّره ليس إلاّ المادة المذكورة، وقد تقدّم تفسير المادّة وكيفية تشكيل الأجسام منها. وخلاصة القول: أنّ صلاحية المادّة للمبدئية المطلقة، موقوفة على وجوبها الذاتي، وعدم توقّفها على سبب آخر، كما هو ظاهر، وكونها واجبة الوجود، وأزلية الثبوت، متفرّع على بساطتها، وعدم تركّبها اتفاقاً - ولذا أنكروا تجزئتها أشد الإنكار، فإنّ التركّب أمارة المسببية كما مرّ - وعلى أنّ حركتها من ذاتها لا من غيرها، وإلاّ كان فوقها قاهر محرّك يدبّرها، وكِلا الأمرين باطل قطعاً، فلا يمكن وقوف تعليل الموجودات على المادة المذكورة.

ثمّ يُعلم أنّا لا ننكر تركّب الأجسام من الذرّات؛ تثبيتاً لتركّبها من العناصر الأربعة المعروفة (2) أو أكثر منها، ولسنا نحن بصدده، فإنّه من مسائل العلوم الطبيعة، وإنّما ننتقد كونها علّة العالم وحدها، بحيث لا تحتاج إلى علّة فاعلية أُخرى، فنقول:

أمّا كون المادة أو الأثير مركّباً، فهو ممّا لا يدانيه شك ولا يمسّه ريب، وقد أكثروا الأدلة على ذلك وإليك بعضها:

1 - كلّ موجود مادّي له جهات ستّ، وكلّ جهة منه غير جهة أُخرى منه بالضرورة؛ إذ ليس جهتها اليمنى عين جهتها اليسرى، ولا جهتها الفوقانية عين جهتها التحتانية بالبداهة، ويستنتج منه أنّ كلّ ذرة - مهما فُرض صغرها - مركبة من أجزاء ستّة، وإن عجزت الآلات الصناعية عن تجزئته في الخارج.

____________________

(1) الحج 22 / 3.

(2) وهي الماء والتراب والهواء والنار، وزاد عليها بعض علماء العرب ثلاثة أخرى: الكبريت والزئبق والملح، وعدّها الباحثون الغربيون إلى 104 عناصر.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610