شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٢

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار6%

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 610

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 610 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 63976 / تحميل: 6269
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتصفحت من في مجلسك هذا فلم أر إلا الطلقاء(١) أصحابي وبقايا الأحزاب أصحابك.

وكان عقيل ممن أسر يوم بدر ، وفيمن اطلق بفكاك فكه به العباس مع نفسه(٢) .

فقال له معاوية : وأنت من الطلقاء يا أبا يزيد؟

فقال : إي والله ، ولكني أبت الى الحق ، وخرج منه هؤلاء معك.

قال : فلما ذا جئتنا؟

قال : لطلب الدنيا.

فاراد أن يقطع قوله ، فالتفت الى أهل الشام ، فقال : يا أهل الشام أسمعتم قول الله عزّ وجلّ :( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ ) (٣) .

قالوا : نعم.

قال : فأبو لهب عمّ هذا الشيخ المتكلم يعني عقيل ـ وضحك وضحكوا.

فقال لهم عقيل : فهل سمعتم قول الله عزّ وجلّ :( وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ) . هي عمة أميركم معاوية ، هي ابنة حرب بن أميّة زوجة عمي أبي لهب وهما جميعا في النار ، فانظروا أيهما أفضل الراكب أم المركوب؟

فلما نظر معاوية الى جوابه قال : إن كنت إنما جئتنا يا أبا يزيد للدنيا فقد أنلناك منها ما قسم لك ، ونحن نزيدك ، والحق بأخيك ، فحسبنا ما لقينا منك.

__________________

(١) وهم الذين منّ عليهم الرسول الكريم بالصفح عند ما فتح مكة وبعد أن ذاق منهم ألوان العذاب خاطبهم بما مفاده : ما ذا تروني صانع بكم؟ اخ كريم وابن اخ كريم. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اذهبوا فانتم الطلقاء.

(٢) كما سيذكره المؤلف مفصلا في ج ١٣ من هذا الكتاب.

(٣) المسد : ١.

١٠١

فقال عقيل : والله لقد تركت معه الدين ، واقبلت الى دنياك ، فما أصبت من دينه ، ولا نلت من دنياك عوضا منه ، وما كثير اعطائك إياي ، وقليله عندي إلا سواء ، وإن كل ذلك عندي لقليل في جنب ما تركت من علي.

وانصرف على عليعليه‌السلام .

والأخبار في مثل هذا كثير ، وإن نحن أوردنا ما انتهى إلينا طال الكتاب بها ، وليس أحد يجهل فضل عليعليه‌السلام على معاوية إلا من لا علم له بأخبار الناس وأشرارهم ، ومن الفاضل ومن المفضول منهم ، وقد ذكرت فيما مضى من هذا الكتاب ، وأذكر فيما بقي منه ما في أقل قليل منه ما يبين لمن وفق لفهمه ما لعلي صلوات الله عليه من نهاية الفضل الذي لا يدعي لأحد بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثله.

وأن معاوية ليس يقاس به ، ولا يدانيه في ذلك ، ولا يقارنه(١) ، بل معايبه ومثالبه(٢) أغلب عليه ، واكثر ما فيه ، ولو لم يكن له ما يعيبه ويثلبه إلا محاربته عليا صلوات الله عليه ومعاداته إياه مع قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : حربك حربي وسلمك سلمي ، وقوله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه. فمن عاداه الله عزّ وجلّ ، وكان حربا لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأيّ نصيب له في الإسلام ، فكيف بان يدعى له فضيلة فيه؟

__________________

(١) وفي نسخة ـ أ ـ : ولا يقاربه.

(٢) مثالب : نقائص.

١٠٢

[ الفضائل المزعومة ]

وأكثر ما ادعى له من الفضل من ادعاه ممن مال إليه وتولاه لدنياه ، ومن تسبب به الى الباطل لنيل حطام الدنيا وإيثاره ذلك على الاخرى.

إنهم قالوا : كان حليما صبورا محتملا. والحلم والصبر والاحتمال إنما يحمد عليها من استعملها في طاعة الله عزّ وجلّ ، فحلم عما يجب في الدنيا الحلم عنه ، وصبر على طاعة الله ، وصبر عن معاصيه ، واحتمل المكروه في ذاته عزّ وجلّ.

فأمّا من حلم وصبر ، واحتمل في معاصيه عزّ وجلّ وما يوجب سخطه ، واستعمل ذلك فيما حادّ الله به ورسوله وأولياءه ليقوى بما استعمله من ذلك على ما ارتكبه من المعصية والعنود ، كما استعمل ذلك معاوية ليستميل به قلوب أهل الباطل إليه ليقوى بهم على مناصبة ولي الله ومحاربته ، فذلك فيما يعدّ من مثالبه ومعايبه وخطاياه ، وليس بأن يكون له في ذلك فضل.

وكذلك قالوا : كان سمحا جوادا وهوبا مفضالا ، وإنما يحمد السماحة والموهبة ، ويعدّ الإفضال ، ويذكر الجود(١) لمن جاد لماله في مرضات الله جلّ ذكره ، وأنفقه في سبيله.

__________________

(١) وفي نسخة ـ أ ـ و ـ د ـ : ويزكو الجود.

١٠٣

فأما من غلّ أموال المسلمين وخانها واقتطعها وأقطعها ، وسمح بها ، ووصل من يستعين به على معصية الله جلّ ذكره ، وحرب وليه الذي أمر الله بطاعته وافترض مودته كما فعل معاوية ، فليس يعدّ من فعل ذلك في أهل(١) السماحة والجود والإفضال ، وإنما يعدّ من كانت هذه حاله في أهل الخيانة والغول والمحاربة لله عزّ وجلّ وللرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : يسأل العبد يوم القيامة عن ماله مما جمعه وفيما أنفقه(٢) .

فجمع معاوية ما جمعه من الأموال معلوم ، وقد ذكرت ذلك وعطاءه وسخاءه ، فإنما كان على من نزع إليه كما ذكرنا ممن يطلب ذلك عنه.

وقالوا : كان ذا رأي وعقل وسياسة ، جمع بذلك قلوب من كان معه عليه إليه ، وانصلحت به أحوالهم له(٣) .

فإنما الرأي المحمود ما اصيب به الحق لا الباطل ، والرأي الذي يصيب به صاحبه الباطل مذموم غير واجب أن يستعمل ، والعاقل من عمل بطاعة الله ، فأما من عمل بمعاصيه فهو الجاهل.

وأما السياسة ، فقد أقام الله عزّ وجلّ منها للعباد في كتابه ، وعلى لسان رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي سنّته ما إذا فعلوه استقام لهم به أمر دينهم الذي تعبّدهم بإقامته ، فمن جعل الله عزّ وجلّ إليه سياسة الخلق ، فساسهم بأمره ونهيه ، وحملهم على كتابه وسنّة رسوله كما فعل عليعليه‌السلام ، فقد

__________________

(١) وفي نسخة ـ أ ـ : من فعل.

(٢) وقد مر ذكر الحديث كاملا في الجزء الأول الحديث ١٠٤.

(٣) وهذه الاقوال كلها موجودة في كتاب مناقب معاوية وجدت نسختها الخطية في مكتبه الحرم المكي ، وحاولت مطالعته ولكن منعت من قبل ادارة المكتبة.

١٠٤

استنقذ نفسه واستنقذ من أطاعه منهم من عذاب الله ، وأحرز(١) واحرزوا به ثوابه جلّ ذكره.

ومن تغلب على ما لم يجعله الله عزّ وجلّ له كتغلب معاوية ، وساس من اتبعه بما يحملهم(٢) به على معصية الله ومعصية أوليائه الذين تعبدهم بطاعتهم(٣) كما ساس معاوية وأصحابه بذلك وحملهم عليه ، فقد أهلك نفسه وأهلك من اتبعه ، ولم يكن محمود السياسة عند أهل العلم بكتاب الله وسنّة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنما السياسة المحمودة ما جرت على واجب الكتاب والسنّة.

وقالوا : كان عالما بالحرب بصيرا بالمكايد والمكر(٤) والحيل فيه(٥) مع ما جمع إليه من مكر عمرو بن العاص.

فالمكايد والمكر والحيل في الحرب إنما يحمد ذلك لأهل الحق إذا استعملوا منه ما يجب ، ويحل في أهل الباطل.

فأما مكر أهل الباطل واحتيالهم على أهل الحق فغير محمود لهم بل هو زائد في سوء أحوالهم وخطاياهم وآثامهم.

وقد قيل مثل ذلك لعلي صلوات الله عليه ، وأشار عليه كما ذكرنا بعض من رأى المكر والاحتيال على معاوية ، بأن يكتب إليه بعهد على الشام ، فاذا بايع له واستقر ذلك عند الناس عزله.

فقال علي صلوات الله عليه : إن هذا الرأي في أمر الدنيا ، فأما في أمر

__________________

(١) وفي نسخة الأصل : وأحرزوه. وفي نسخة ـ أ ـ : وأحرز وأجزل ثوابه.

(٢) هكذا في جميع النسخ ما عدا نسخة ـ ب ـ : بما لا يحملهم.

(٣) وفي نسخة ـ أ ـ : بطاعته.

(٤) وفي نسخة ـ ج ـ : والمكروه.

(٥) هكذا في نسخة ـ أ ـ وفي بقية النسخ : فيها.

١٠٥

الدين فلا ينساغ ذلك ولا يجوز فيه( وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) (١) . وذلك أنه لو فعل ذلك لكان في توليته إياه وهو يعلم أنه لا يستحق الولاية ، ولا يجوز له الحكم في المسلمين معصية الله عزّ وجلّ ، ومخالف لما أمر به. وإن وزر ما يأتيه من محارم الله عزّ وجلّ ، ويذره من طاعته ، ويلحقه إثمه وإثم ما يرتكب من المسلمين ، وينال من الذنب(٢) مذ توليه الى أن يعزله ، ولأنه إن عزله بعد أن ولاه ، وهو يوم يعزله على ما كان عليه يوم ولاه ، لم يكن له في عزله حجة إلا التوبة من فعله الذي فعل في توليته.

وقد قيل : ترك الذنب أوجب من طلب التوبة(٣) . وكان علي صلوات الله عليه يقول : لو استخرت(٤) المكر ـ يعني في مثل هذا ـ ما كان معاوية أمكر مني(٥) .

[ لفتة نظر ]

وممّا أنكروه على علي صلوات الله عليه أنه سمى معاوية وأهل الشام القاسطين.

قالوا : فإن كان سمى طلحة والزبير وأصحابهم الناكثين لأنهم نكثوا بيعته ، والخوارج المارقين لأنهم مرقوا عنه ، فمن أين لزم أهل الشام اسم القاسطين ، ولم يأخذ على معاوية ولا عليهم جورا في حكم؟

فيقال لمن قال ذلك : إن علياعليه‌السلام لم يسمهم بهذا الاسم ، وإنما

__________________

(١) الكهف : ٥١.

(٢) وفي نسخة ـ أ ـ : من الدين.

(٣) ولذا اشتهر عند الأطباء : الوقاية خير من العلاج.

(٤) وفي نسخة ـ ج ـ : لو استحببت. وفي ـ أ ـ : استجزت.

(٥) وروي عنهعليه‌السلام أيضا ، قوله : لو لا التقى والدين لكنت أدهى العرب.

١٠٦

سماهم به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن كنت معترضا في ذلك فاعترض عليه.

وإنما ذكر علي صلوات الله عليه من ذلك ما سمعه وحكاه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن اتهمته وأسقطت نقله عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأنت أعلم ، ونفسك ، وقد فارقت بذلك جماعة المسلمين ، مع أن ذلك قد رواه كثير من الصحابة(١) ونقله عنهم ثقات الرواة من اصحاب الحديث.

وقد ذكرنا بعض من نقل ذلك عنه من الصحابة ممن آثره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونص بذلك عليهم : أنهم أهل الشام(٢) روى ذلك عمار بن ياسر قدّس الله روحه وهو من الفضل في الموضع الذي لا يدفع عنه. ورواه عبد الله بن عمر ولم يشهد حربهم وتأسف على ذلك ، وندم عليه. ورواه عبد الله بن مسعود ، ومات قبل أن تكون هذه الحرب(٣) في عدد كثير من الصحابة.

فأما جورهم في الحكم ، فأيّ جور أعظم من جور من جار على إمام زمانه ، وحاربه(٤) ، واستحل قتل أفاضل الصحابة الذين شهد لهم رسول الله

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : من أصحابه.

(٢) في الجزء الخامس ، فراجع.

(٣) روى ابن حجر في الاصابة ٢ / ٣١٩ ، قال أبو نعيم وغيره : مات سنة اثنين وثلاثين.

(٤) رحم الله السيّد علي العطاس ، حيث قال في قصيدته :

ومن يحكي عن معا واصابة

بحرب أبي السبطين فهو المحارب

إلى أن قال :

أوالي وليّ الله ناصر دينه

ومن نزل القرآن فيه يخاطب

فويل ابن هند من عداوة مهتد

ينازعه في حقه ويطالب

له الويل ما أجرأه فيما أتى به

على حبر علم قدمته الأطائب

١٠٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنة من أهل بدر ، ومن أهل بيعة الرضوان ، وأخبر عن بعضهم أن الفئة الباغية تقتله(١) .

والجور ، إنما هو في اللغة : الميل عن الحق. فأيّ ميل يكون أعظم من هذا ، ومن منع الزكاة من وجب له قبضها ، والصلاة من استحق أن يقيمها ، والأحكام من هو ولي تنفيذها ، وولي ذلك غيره؟ فهل بقي من الميل عن الحق الى الباطل شيء ، لم يدخل فيه من فعل هذا. وقد فعله معاوية ومن اتبعه من أهل الشام وغيرهم؟ ولو كانوا على الحق لكان عليعليه‌السلام ، ومن اتبعه من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان على الباطل ، وإن لم يكن عليعليه‌السلام وأصحابه ممن ( جار عن الحق فالذين جاروا عنه هم ممن )(٢) حاربهم وخالفهم.

وقول هذا القائل ما حكيناه قول من لم يتعقب ما قاله ، ولا عرف الحق لأهله.

وهذه حجة ، ما علمنا أن معاوية ، ولا أحد من أصحابه احتج بها على عليعليه‌السلام ، ولا على احد ، لعلمهم بأنها لا تثبت لهم ، ولو ثبتت لكانوا أولى بأن يحتجوا بها. وكذلك أكثرها نحكيه من قول المحتجين له والذاكرين يزعمهم فضائله ، وإنما هم نوابت نبتوا بعد ذلك(٣) ، وجاءوا بزخرف القول يبتغون به دنيا من زخرفوه له : من بني أميّة ، ومن تولاهم رغبة في دنياهم.

ولو كانت هذه الحجج(٤) قد احتج بها معاوية ، أو أحد من أصحابه

__________________

(١) يشير الى الصحابيّ الكبير عمّار بن ياسر رحمة الله عليه.

(٢) ما بين القوسين زيادة من نسخة ـ ج ـ لم تكن في الأصل. وكذا ـ أ ـ و ـ د ـ.

(٣) وفي نسخة ـ أ ـ : وإنما هم تواسوا بذلك.

(٤) وفي نسخة ـ ج ـ : هذه الحجة.

١٠٨

لذكرت في أخبارهم ، فلم نردها مذكورة في شيء منها(١) ولكني اثبتها في هذا الكتاب ونقضتها لئلاّ يلتبس الحق بالباطل على من سمعها ممّن يقصر فهمه ، ويقل تمييزه ، وبالله أستعين على مادة وليه وفي ذلك أعول ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ( العلي العظيم )(٢) .

وقالوا : خال المؤمنين(٣) ، لأنه أخو رملة(٤) بنت أبي سفيان زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولقول الله عزّ وجلّ :( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ) (٥) فتركوا أن ينزعوا بهذه الآية فيما نزع به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ولاية عليعليه‌السلام في قوله : ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟ لقول الله عزّ وجلّ :( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) . فقالوا : اللهمّ نعم. قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه. فنزعوا بها فيما لا يوجب شيئا ممّا ذكروه(٦) لأن قول الله عزّ وجلّ :( وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ) . إنما أوجب به تحريم نكاحهن على غيره ، كما قال جلّ من قائل :( وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً ) (٧) .

__________________

(١) ولا يخفى انها مذكورة في كتاب مناقب معاوية المخطوطة في مكتبة الحرم المكي.

(٢) ما بين القوسين زيادة من نسخة ـ أ ـ.

(٣) واول من سماه بهذا الاسم عمرو بن أوس في قصة طويلة ، راجع وقعة صفين : ص ٥١٨.

(٤) هكذا في نسخة ـ أ ـ وفي نسختي الأصل و ـ ج ـ ميمونة بنت أبي سفيان وهو غلط لان ميمونة بنت الحارث ، والاصح ما نقلناه ، وكنيتها أم حبيبة. وكانت تحت عبيد الله بن جحش الأسدي ، فهاجر بها الى الحبشة وتنصر بها ، ومات هناك ، فتزوجها رسول الله بعده. ( راجع اعلام الورى : ص ١٤١ ).

(٥) الأحزاب : ٦.

(٦) وفي نسخة ـ ج ـ : لما ذكره.

(٧) الأحزاب : ٥٣.

١٠٩

وما علمنا أن أحدا من قرابة أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ادعى بذلك فضيلة لنفسه ، ولا تسبب به ، بذكر قرابة للمؤمنين إذ لم يرد الله عزّ وجلّ بذلك القرابة ولا النسب فتستحقه أقاربهن ، ولا استحققن ( بذلك )(١) ميراثا من المؤمنين ، ولا حجبن به أحدا عن ميراث كما تحجب الام(٢) ، وقد قال الله عزّ وجلّ :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) (٣) . فلم يتقرب بعضهم الى بعض تقرب القرابة بالأنساب ولا تقرب غيرهم بهم ممن ليس من أهل الإيمان ، وقد كان لأزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرابات من المسلمين ومن المشركين ، فما تقرب أحد منهم ولا تقرب له بهذه القرابة ، ولا قال أحد إن أبا بكر ولا عمر ولا أبا سفيان أجداد المؤمنين(٤) ولا عبد الله بن عمر ولا يزيد بن أبي سفيان ولا محمّد بن أبي بكر أخوال المؤمنين ، ولا غيرهم من أقارب أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممن علمناه تقرب الى المؤمنين بقرابته منهن.

وهذا القول من قائليه(٥) سخف وضعف ، وما لا يوجب فضيلة لمن أراد أن يجعلها له به ، ولو كانت فضيلة لعدت لغيره من أمثاله ولأبيه ولأخيه من قبله ، ولأبي بكر ولعمر وغيرهم من قرابات أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا نعلم أحدا نسب أحدا منهم الى ذلك غير من نسب معاوية إليه لافتقاره الى ما يوجب الفضل وعدمه وذلك.

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة من نسخة ـ أ ـ.

(٢) الطبقات التالية من الارث مثل الاخوة والأعمام.

(٣) الحجرات : ١٠.

(٤) من جهة بنتيهما : عائشة ، وحفصة. أو أن حي بن أخطب اليهودي جدّ المؤمنين ، وان بنات أبي سفيان وأبي بكر وعمر كيف تزوجن بأبناء اخواتهن. ان هذا والله لهو التلاعب بكتاب الله وأحكامه.

(٥) وفي نسخة الأصل : من قائله.

١١٠

وقالوا : كان معاوية كاتب الوحي ، وقد كتب الوحي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو ما كان ينزل عليه من القرآن ـ جماعة ممن كان يومئذ يحسن الكتابة ، وكانوا قليلا(١) كعليعليه‌السلام ، وقد كان يكتب ذلك وكتب ذلك قبل معاوية عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، ثم ارتد كافرا ، ولحق بمكة(٢) قبل الفتح ، ونذر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دمه يوم فتح مكة. وقد ذكرنا فيما تقدم خبره(٣) واستنقاذ عثمان بن عفان إياه.

وما علمنا أحدا جعل كتابة الوحي فضيلة يتوسل بها الى أن يكون إماما بذلك ، والناس يكتبون القرآن الى اليوم. والتماس مثل هذا لمن يراد تفضيله ممّا يبيّن تخلفه عن الفضائل(٤) .

__________________

(١) منهم زيد بن ارقم وزيد بن ثابت وحنظلة بن الربيع وعبد الله بن حنظل.

(٢) وفي نسخة ـ ج ـ : ولحق بمعاوية.

(٣) في الجزء الثالث. فراجع.

(٤) هذا وقال المدائني : كان زيد بن ثابت يكتب الوحي ، وكان معاوية يكتب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما بينه وبين العرب. وقال السيد محمّد بن عقيل في النصائح : اما كتابة معاوية للوحي والتنزيل فلم تصلح ، ومن ادعى ذلك فليثبت أية نزلت فكتبها معاوية ، اللهم إلا أن يأتينا بالحديث الموضوع انه كتب آية الكرسي بقلم من ذهب جاء به جبرائيل هدية لمعاوية من فوق العرش نعوذ بالله من الفرية على الله وعلى أمينه وعلى رسوله. ذلك وأيم الله العار والشنار( قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ ) .

١١١

[ طلب الدم وسيلة ]

وأما تسبب معاوية الى الخلاف على عليعليه‌السلام ومناصبته له لما عزله من(١) العمل الذي كان عليه ، وانتحاله الطلب بزعمه بدم عثمان امتثالا منه لما سبق به من ذلك طلحة والزبير ، إذ لم يجدوا شيئا يتوسلون به الى القيام بأنفسهم يوجب عند العامة لهم ما أرادوا التوثب عليه بالتغلب من أمر الامة ، فجعلوا القيام بدم عثمان سببا لذلك.

فقد ذكرنا ما لم يختلف فيه الناس من قيام المهاجرين والأنصار وسائر المسلمين على عثمان في إحداثه ، وما أرادوه منه من الرجوع عما كان منه ، أو الاعتزال ، فأبى عليهم. فأجمعوا(٢) عليه بين خاذل وقاتل. وقد ذكرنا خبره(٣) ، وما كان من جواب من كان مع عليعليه‌السلام لأهل الشام لما قالوا : ادفعوا إلينا قتلة عثمان. فقالوا ـ بلسان واحد ـ : كلنا قتلته. وهم مائة الف أو يزيدون.

ولو كان الأمر الى الطلب بدم عثمان لكان ذلك إنما يكون لأولاده ، فقد خلف أولادا ، وأعقابهم الى اليوم كثيرة. وما علمنا أن أحدا منهم طلب بدمه ، ولو طلبوا لما جاز لهم أن يطلبوه إلا عند إمام المسلمين ، أو من أقامه

__________________

(١) هكذا في نسخة ـ أ ـ وفي الأصل : عن.

(٢) وفي نسخة ـ ج ـ : وأجمعوا.

(٣) في الجزء الخامس ، فراجع.

١١٢

الإمام لتنفيذ الأحكام في القود والقصاص. فأما طلب معاوية بذلك وأهل الشام فليسوا بأولياء الدم ، ولا ممن يستحق الطلب به والقيام فيه ولذلك أعرض عنهم علي صلوات الله عليه ، كما أن طالبا لو طلب عند حاكم من الحكام ما ليس له ؛ لم يكن لقوله جواب عنده.

ولو كان المدعى عليهم دم عثمان قوم معروفون ممن كان مع عليعليه‌السلام ، ووجب عليهم القصاص ، فما جاز أن يدفعوا الى معاوية وأهل الشام ، وليسوا بأولياء الدم ، ولا ممن يجوز لهم القود ، أو العفو ، أو أخذ الدية ، ولأنهم مع ذلك غير مأمونين عليهم لو دفعوا إليهم.

ولو كان معاوية وأهل الشام أولياء للطلب بدم عثمان ـ كما زعموا ـ لم يكن لهم أن ينصبوا الحرب لإمام المسلمين قبل أن يطلبوا بحقهم عنده ، ويخاصموا إليه من ادعوا ذلك عليه. ثم يقولون له : إن لم تدفع إلينا من اتهمناه بدم ولينا قاتلناك ، وقتلناك إن قدرنا عليك ، ومن قدرنا عليه من أصحابك(١) .

هذا هو الخروج والبغي على الأئمة وأهل الحق بعينه ، وليس سبيله سبيل الطلب بالحقوق. فإظهار معاوية وأصحابه الطلب والقيام بدم عثمان فاسد ومحال من جميع الجهات ، وفي كل المقالات ، ولم يكن معاوية يومئذ يدعي الإمامة ولا يدعها أحد له ممن كان معه ، ولا تسمى أمير المؤمنين إلا بعد أن تغلب على ظاهر أمر الحسنعليه‌السلام بعد أن قتل عليعليه‌السلام ، ولم ينته إلينا ولا سمعنا أن أحدا من أولياء دم عثمان قام عند معاوية فيه بعد تغلبه. ولا أنه أقاد أحدا منهم ـ من أحد ممن اتهم بقتله ـ بل قد أعولت ابنته ـ عائشة ـ لما دخل داره بالمدينة في حين تغلبه ، وذكرت مصاب أبيها.

__________________

(١) وفي نسخة ـ أ ـ : عليه منكم.

١١٣

فقال لها : يا ابنة أخي إن هؤلاء أعطونا سلطانا ، فأعطينا لهم أمانا ، وأظهرنا لهم حلما تحته غضب ، وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد ، وابتعنا منهم هذا بهذا ، ومعهم سيوفهم ، وهم يرون مكان شيعتهم ، فإن نكثنا بهم نكثوا بنا ، ولا ندري أعلينا تكون الدائرة أم لنا ، ( ولئن تكوني بنت عم أمير المؤمنين )(١) خير لك من أن تكوني امرأة من عرض الناس.

فهلا أعداها(٢) على قتلة أبيها الذين قام عليهم ( قبيلة )(٣) بالأمس بدمه؟ أو قال لها : اطلبي بحقك واحضري خصمائك. وهلا طلب هو بذلك إن كان ولي الدم ـ كما زعم ـ وليس بوليه بإجماع الامة؟ ولو عفا عنه ولد عثمان ، لما كان له ولغيره أن يطلب به ، وكذلك إذا لم يطلبوا لم يجز الطلب لغيرهم.

وهذا قول جميع أهل القبلة في الطلب بالدم ، وقد قال الله عزّ من قائل :( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ) (٤) . يعني يطلب عنده بحقه(٥) ، فيبلغه الواجب له ، ولم يجعل للناس أن يقتصوا ويحكموا لأنفسهم ، ولا أن يأخذوا حقوقهم ممن كانت عليه عنوة بأيديهم ، ولا أن يطلب بذلك لهم غيرهم ممن لم يوكلوه لطلبه ، ولا أن يحكم لهم في ذلك إلا من جعل الله عزّ وجلّ الحكم إليه ، وهذا الذي لا يجوز غيره ، ولا يجزي الأحكام إلا به.

[ أقوى حجة عند الامويين ]

فالوجوه محيطة بفساد دعوى معاوية وغيره ممن ادعى دم عثمان والقيام

__________________

(١) وفي نسخة الاصل : ولا تكوني بنت أمير المؤمنين.

(٢) اعداها : حثها.

(٣) ما بين القوسين زيادة من نسخة ـ ج و ـ أ ـ.

(٤) الإسراء : ٣٣.

(٥) من القصاص وهو القتل ، أو الدية ، أو العفو.

١١٤

فيه فضلا عن سفك الدماء ، وقتال المسلمين ، وإمامهم ، وقتلهم دون ذلك ، وما شك ذو عقل ولا تمييز علم أمر معاوية وما كان منه في ذلك أن مدافعته وقتاله علي بن أبي طالبعليه‌السلام ومن معه إنما كان دون أن يعتزل له إذا أعزله.

وممّا يؤيد ذلك ما رووه عنه أنه احتج على علي إذ أراد عزله ، واحتج به له غيره من بعده إذ رأى أنه من حجته بزعمه أن قال :

هذا موضع وضعني(١) به عمر بن الخطاب ولم يعزلني منه مذ ولاني إياه. وكان لا يدع أميرا إلا استبدل به أو غضب عليه لبعض ما يكون منه ، وربما أمر بإشخاصه إليه ، ولم يغضب عليّ مذ رضي عني ، ولا عزلني بعد إذ ولاني. ثم جمع إليّ الأرباع بعد أن قد كان ولاني ربعا ، وقوى أمري وثبت وطأتي. ثم أكد ذلك عثمان وشدده وقواه ومكنه ، ثم أمرتني بالاعتزال من غير أن أخون أو أحدثت(٢) حدثا ولا أويت محدثا ، وأنت لم تأخذها(٣) من جهة التشاور كما أخذها عثمان ، ولا نص عثمان عليك كما نص أبو بكر على عمر ، ولا أجمعت عليك الامة كما أجمعت على أبي بكر. فلم يكن لي أن اسلم إليك علقا في الضرعة(٤) كنت تسلمته من أهله في الجماعة ، فإن حاربتني على ما في يدي منعتك منه ، وإن تركتني سلمته الى من يجتمع عليه الناس إن أمروني بتسليمه إليه ، ولي أن أمنعك بالسلاح إن شهرت عليّ السلاح وبالحجة إن طلبته مني بالحجة.

وقيل : إنه قال ، أو قال ذلك من تقوله له :

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : وضعنا.

(٢) وفي نسخة ـ أ ـ : ولا احدث.

(٣) الضمير إشارة الى الخلافة.

(٤) وفي الاصل : الفرقة. وفي نسخة ـ أ ـ : الضرقة.

١١٥

احسبوا أن هذا العلق الذي صار في يدي كان لقطة التقطتها ثم طلبها مني علي ، وزعم أنها له ، أليس لي أن أمنعه منها ، حتى يتبين أنها له بعلامة أو دلالة؟ فإن قاتلني على ذلك قاتلته ، وإن كفّ عني حتى يتبين لي ذلك كففت عنه ، وأنا في منعي إياه إياها(١) محق ، وهو في طلب أخذها مني قبل البيان مبطل.

فهذه آكد حجة لمعاوية عند السفيانية وعند من تسبب بأسبابهم من المروانية(٢) ، وقلّ من يعرفها منهم ، ومن عرف من حجة خصمه ما لا يعرفه الخصم من حجته ، كان أجدر بأن يكون أقوم بالحجة منه. ومن ضرب عن حجة خصمه عند الاحتجاج عليه كان جديرا بأن يجد من يقوم بها عليه.

وهذه الحجج وما قدمنا قبلها مما وضعه من أراد التقرب به الى المتغلبين من آل أبي سفيان ، وآل مروان ، يدل على ذلك ويبينه ، أنها لم تذكر في شيء من أخبار صفين ، ولا فيما جرى بين عليعليه‌السلام وبين معاوية. وقد صنف ذلك أهل الأهواء للفريقين وأهل الصدق في نقلهم ، وترك الميل في ذلك الى أحد دون أحد وهبه ، قال ذلك واحتج به فحججه بذلك أدحض وأفسد من أن يعبأ بها ، ويلتفت إليها. والحق بحمد الله معنا يدمغها ويدحضها ، ويبين لمن نظر بعين الإنصاف عوارها.

فأما قوله : إن عمر كان ولاه ولم يعزله ولا غضب عليه ، وإن عثمان

__________________

(١) بمعنى : انا في منعي علياعليه‌السلام ولاية الشام.

(٢) ولله در الشيخ الحفظي حيث يقول :

وما جري فقد مضى وإنما

يا ويل من والى لمن قد طلبا

وكل من يسكت أو يلبس

ومن لعذر فاسد يلتمس

فذاك مفتون بكل حال

قد خسر الربح ورأس المال

واستبدل الأذى بكل خير

وباع دينه بدنيا الغير

١١٦

أقره على ما كان في يده وأكد ذلك له ، وإن ذلك مما رأى أنه لا ينبغي لعليعليه‌السلام أن يزيله عنه.

فلو شئنا أن نقول في تولية من ولاه وإثبات من أثبته لقلنا ، ولكن لا أقل من أن يكون ما قال من توليته وإثباته وأن ذلك بحق واجب كما ذكر له أن يلي ما ولي عليه ويثبت فيما أثبت فيه ، فهل بين المسلمين اختلاف أن لمن ولاه أن يعزله ، وأنه إن عزله لم يكن له أن يعترض عليه في ذلك ، ولا أن يمتنع من العزل ، بأن يقول كما قال معاوية : إنه لم يحدث حدثا ولا آوى محدثا.

فإن أقرّ بذلك من احتج بهذه الحجة له قيل له : أو ليس ذلك كذلك يجب لمن ولي الأمر بعد الذي ولاه. والذي أثبته كما فعل ذلك أبو بكر وعمر وعثمان في توليتهم كثيرا ممن ولوه ، إذا أرادوا توليته ، وعزلهم لما أرادوا عزله. وولاه بعضهم وعزله من بعدهم لأنه إذا كان للأول أن يعزل من ولاه وارتضاه إذا رأى عزله كان ذلك أجوز لمن بعده إذا كان لم يرضه.

وهذا ممّا لا اختلاف فيه ـ فيما أعلمه ـ بينهم ، لأنه كثير موجود فيهم ، ولو ذكرنا من ولوه وعزلوه لطال ذكرهم ، وهو ما لا فائدة في ذكره لإجماعهم عليه ، ولكننا نذكر طرفا منه ليسمعه من قد لعله خفي ذلك عنه.

١١٧

[ سعد بن أبي وقاص ]

وقد كان سعد بن أبي وقاص من قريش ـ هو سعد بن مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ـ يجتمع مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أربعة آباء.

وكان سعد هذا فيما رووه أحد العشرة الذين شهد لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنة ، ودعا له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : اللهمّ أجب دعوته وسدد رميته ، وكان منه أرمى الناس.

وكان على الناس يوم القادسية(١) فدعا على رجل ، فقال : اللهمّ اكفنا يده ولسانه. فقطعت يده واخرس لسانه ، لدعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بأن يستجيب الله عزّ وجلّ دعوته.

وقد ذكرت فيما تقدم أنه تخلف عن الخروج مع عليعليه‌السلام لعذر ـ إذ ليس مثله يتخلف عنه إلا لذلك ـ ، وأن معاوية قال له بعد ذلك بالمدينة : أنت يا سعد الذي لم تعرف حقنا من باطل غيرنا فتكون معنا أو علينا.

فقال له ـ فيما جرى بينهما ـ : أما إذا أبيت ، فإني سمعت رسول الله صلّى

__________________

(١) موضع من ارض العراق وقع فيه حرب المسلمين مع المجوس ، وكان النصر للمسلمين على دولة كسرى.

١١٨

الله عليه وآله يقول لعليعليه‌السلام : أنت مع الحق ، والحق معك.

فكذبه معاوية في ذلك وتواعده ، إن لم يأت بمن سمع ذلك معه ، واستشهد بام سلمة رضوان الله عليها.

فقالت : نعم ، في بيتي قال ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقد ذكرت الخبر بتمامه فيما تقدم(١) .

وكان سعد من أفاضل الصحابة عندهم ، وكان أحد الستة الذين أقامهم عمر للشورى ، واستعمله عمر على الكوفة ، ثم عزله ، ورضيه للخلافة.

واستعمله بعد ذلك عثمان على الكوفة ، ثمّ عزله عنها.

[ الوليد بن عقبة ]

وولي مكانه الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أميّة(٢) .

وكان أميّة بن عبد شمس(٣) ـ فيما ذكر الكلبي ـ قد خرج الى الشام فوقع على أمة للخم(٤) يهودية من أهل صفورية ، ولها زوج يهودي من أهل الصفورية ، فولدت ولدا سمي ذكوان ، فادعاه أمية ، وأخذه من أمه. وسلمه زوجها اليهودي الذي كان ولد على فراشه إليه ، وأتى به أمية الى مكة ، وكناه : أبا عمر. ولذلك قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لما أمر بقتل عقبة بن أبي معيط ـ هذا الذي استعمله عثمان مكان سعد بن أبي وقاص ـ لما

__________________

(١) في الجزء الخامس ، فراجع.

(٢) أبو وهب ، أخو عثمان لأمه ، رثى عثمانا توفي بالرقة ٦١ ه‍.

(٣) وهو أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي جد الامويين جاهلي ، عاش الى ما بعد مولد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(٤) لخم : حي من اليمن. والصفورية قرية في فلسطين شمال غرب مدينة الناصرة. فيها آثار يونانية ورومانية.

١١٩

استعطفه بالقرابة. فقال له رسول الله :

وأي قرابة لك ، إنما أنت يهودي من أهل صفورية. فقال : فمن للصبية(١) ؟

قال : النار.

وكان معه من صبيته الوليد هذا. وهو ممن شهد له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنار.

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد استعمل الوليد على صدقات بني المصطلق.

وأتى فقال : منعوني الصدقة ـ وهو كاذب ـ.

فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسلاح إليهم ، فأنزل الله عزّ وجلّ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (٢) .

وقد وقع بينه وبين علي صلوات الله عليه كلام. فقال : لأنا ارد للكتيبة ، واضرب لهامة(٣) البطل المشيح منك. فأنزل الله عزّ وجلّ فيها :( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً ) الآية(٤) .

وكان الوليد هذا أخا عثمان لامه(٥) ، وكان جده ـ أبو عمر ـ قد تزوج

__________________

(١) أي للبنين. وبنوه يومئذ : الوليد وعمارة وخالد وهشام.

(٢) الحجرات : ٦.

(٣) وفي نسخة ـ ب ـ : نهامة.

(٤) السجدة : ١٨. وبهذا الصدد يقول حسان بن ثابت :

أنزل الله في الكتاب عزيز

في على وفي الوليد قرآنا

فتبوأ الوليد من ذاك فسقا

وعلي مبوأ ايمانا

ليس من كان مؤمنا عرف الله

كمن كان فاسقا خوانا

فعلي يلقى لدى الله عزا

ووليد يلقى هناك هوانا

سوف يجزى الوليد خزيا ونارا

وعلي لا شك يجزى جنانا

 (٥) أم عثمان أوى بنت كريز بن حبيب.

١٢٠

امرأة أبيه من بعده في الجاهلية. وكان الوليد مع هذا العرق الخبيث والأصل السوء ، وما أنزل الله عزّ وجلّ فيه ، وأنه من أهل النار ، وشهادة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنار ، من سوء الحال بحيث لا يخفى حاله.

ولما ولاه عثمان الكوفة صلّى بالناس ـ وهو سكران ـ فلما سلّم التفت إليهم ، وقال : ازيدكم؟(١) وشهد بذلك عليه عند عثمان ، فلم يجد بدا من عزله.

[ نعود الى الجواب ]

فهذا الوليد بهذا الحال قد عزل عثمان به سعد بن أبي وقاص على ما ذكرنا من حاله. فما امتنع سعد من أن يعتزل ، ولا قال لعثمان ، ولا لعمر قبله ـ إذ عزلاه ـ : لم تعزلاني؟ وما أحدثت حدثا ، ولا آويت محدثا ، كما قال معاوية ، أو تقول ذلك له ، ولا امتنع ، ولا كان أكثر ما قال في ذلك. إلا أنه لما قدم عليه الوليد بن عقبة عاملا مكانه وجاء بعزله ، قال له : ليت شعري اكست بعدنا أم حمقنا بعدك.

فقال له الوليد : يا أبا إسحاق ، ما كسنا ولا حمقنا ، ولكن القوم استاثروها.

فهذا فعل عثمان الذي يذكر معاوية أنه إمامه ومولاه ، فكان أولى به أن يقتدي بفعله ، ولا يحتج بشيء يخالفه فيه.

وأما قوله : إن عليا صلوات الله عليه لم يأخذ الخلافة من جهة التشاور

__________________

(١) وفيه يقول الخطيئة :

تكلم في الصلاة وزاد فيها

علانية وجاهر بالنفاق

ومجّ الخمر في سنن المصلي

ونادى والجميع الى افتراق

ازيدكم على أن تحمدوني

فما لكم ومالي من خلاق

١٢١

كما أخذها عثمان ، ولا نصّ عليه عثمان كما نصّ أبو بكر على عمر ، ولا اجتمعت الامة عليه كما اجتمعوا على أبي بكر.

فالإمامة فريضة من الله عزّ وجلّ افترضها على عباده ، وأمرهم بطاعة من افترضها له من ائمة دينه كما افترض عليهم طاعته وطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووصل هذه الطاعات الثلاث بعضها ببعض ، فقال جلّ من قائل :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) . ولم يفوض الطاعة إليهم فيقول لهم : أطيعوا من شئتم فيكون لهم أن ينصبوا إماما لأنفسهم يطيعونه ، وأن يقيموا نبيا أو الها من دونه ، ولكنهم إنما تعبّدوا بطاعة من اصطفاه عليهم ، وأقامه لهم من رسله ، فقال سبحانه :( اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ ) (٢) ، وقال سبحانه :( إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) (٣) . وقال لإبراهيم :( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٤) ولم يكن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل للناس في حياته أن يولوا عليهم واليا ، ولا أن يؤمّروا على أنفسهم أميرا ، بل كان هو في أيام حياته الذي يؤمّر عليهم الأمراء ، ويولي الولاة ، وطاعته واجبة على العباد في حياته وبعد وفاته ، وسنّته متبعة من بعده كما كانت متبعه في وقته ، وقد أمّر عليهم علياعليه‌السلام وأخذ عليهم بيعته في غير موطن ، كما ذكرنا ذلك وبيناه في هذا الكتاب(٥) ، فكان علي صلوات الله عليه إمام الامة بنص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتوقيف عليه كما يجب أن تكون كذلك الإمامة لا كما زعم هذا القائل : إنها تكون باختيار الناس وإجماعهم كما زعم أنهم أجمعوا على أبي بكر وما أجمعوا عليه كما قال :

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) الحج : ٧٥.

(٣) البقرة : ٣٠.

(٤) البقرة : ١٢٤.

(٥) وفي نسخة ـ د ـ : في ذلك الكتاب.

١٢٢

ولا عقد له ذلك إلا نفر منهم ، وهذا ما لا يدفع ولا ينكر.

ولو لم تجب الإمامة للإمام حتى يجتمع الناس عليه ، ما أجمعوا على إنسان أبدا.

وإن كانت كما زعم إنما تجب باجماع الناس ، فلم أقام أبو بكر عمر دونهم ، وأنكروا عليه إقامته ، فلم يلتفت الى إنكارهم إذ اجتمعوا إليه ، فقالوا : نناشدك الله أن تولي علينا رجلا فظا غليظا.

فقال : أبا لله تخوفونني! أقعدوني.

فأقعدوه.

فقال : نعم إذا لقيت الله عزّ وجلّ ، قلت له : إني قد وليت عليهم خير أهلك.

فإن كانت الإمامة لا تجب إلا بإجماع الناس ، فقد أخطأ أبو بكر في توليته عمر عليهم ، وهم له كارهون ، وعمر في ولايته عليهم وهم عليه غير مجتمعين.

وفي اقتصار عمر بها على ستة من بعده جعلهم فيها يتشاورون دون جميع المسلمين. فلا هو اقتدى بفعلهم في أبي بكر ، ليجمعوا كما زعم هذا القائل على من رأوه ، ولا هو نصّ على رجل بعينه كما نصّ أبو بكر عليه.

والإمامة فريضة من فرائض الدين وليس للناس أن يحيلوا فريضة من فرائض دينهم ، ولا أن يزيدوا فيها ولا أن ينقصوا منها ، فالاستحالة إنما كانت في عقد الإمامة من قبل من جعلهم هذا القائل حجة لنفسه بزعمه ، وأخذ عليعليه‌السلام الإمامة إنما كان من الذي أوجب الله عزّ وجلّ أخذها منه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقد تقرر(١) القول فيما تقدم من هذا الكتاب بذكر ذلك وما يؤيده

__________________

(١) وفي الأصل : وقد تكرر.

١٢٣

ويشهد له ويثبته(١) ويؤكد صحته.

وأما قوله : إنه لم يكن له أن يسلّم إليه علقا(٢) في الفرقة كان تسلّمه من أهله في الجماعة.

[ الجماعة ]

فالجماعة في المتعارف في اللغة : قوم مجتمعون على أمر ما كان. فإن اجتمعوا على حق كانت جماعتهم جماعة محمودة ، وإن اجتمعوا على باطل كانت جماعتهم جماعة مذمومة.

والقول في الجماعة والاجتماع يخرج من حدّ هذا الكتاب ، وقد أثبتنا منه صدرا كافيا في كتاب اختلاف اصول المذاهب ، فمن أثر علم ذلك وجده فيه إلا أنا نذكر في هذا الكتاب طرفا منه يكتفي به إن شاء الله تعالى.

وذلك إنا إنما وجدنا ذكر الجماعة يجرئ مع قولهم أهل السنّة والجماعة. فالسنّة : سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . والجماعة المحمودة : هي الجماعة المجتمعة عليها وعلى القول بكتاب الله عزّ وجلّ ، وبما جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما كانت الجماعة التي كانت كذلك مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تتبعه وتأخذ عنه ولا تفارقه ، هي الجماعة المحمودة. والمفارقون له ، وإن اجتمعوا وكثروا ، فليسوا بجماعة محمودة. وعلى ذلك تكون الجماعات من بعده ، وقد جاء عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : افترق بنو إسرائيل على اثنين وسبعين فرقة ، وستفترق امتي(٣) على ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة واحدة ناجية وسائرها هالكة في النار.

__________________

(١) وفي نسخة ـ أ ـ : يبينه.

(٢) العلق : الشيء النفيس.

(٣) وفي نسخة ـ ج ـ : على امتي.

١٢٤

قيل : يا رسول الله ، ومن الفرقة الناجية؟

قال : أهل السنّة والجماعة.

قيل : ومن أهل السنّة والجماعة؟

قال : الذين هم على ما أنا اليوم عليه وأصحابي(١) .

وقد ذكرت أن الذي كان عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه ، إنه لم يكن يتقدم عليهم ، ولا يتأمر عليهم إلا من قدمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمّره ، وهذا ما لا اختلاف فيه بين المسلمين أعلمه. فأصحاب السنّة والجماعة بعده كذلك من اتبع من قدمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمن عليهم ، وإن قلّ عددهم ، ومن خالف في ذلك سنّته ، وقدم من لم يقدمه ، وأمرّ من لم يؤمره ، فليسوا من أهل السنّة والجماعة المحمودة وهم أهل جماعة مذمومة.

وقد سئل علي صلوات الله عليه من أهل السنّة ، ومن أهل الجماعة ، ومن أهل البدعة؟

فقال : أما أهل السنّة فالمستمسكون بما سنّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وان قلوا ، وأما أهل الجماعة فأنا ومن اتبعني وإن قلّوا(٢) ، وأما أهل

__________________

(١) رواه الترمذي وحسنه الالباني في صحيح الجامع : ٥٢١٩.

(٢) ونعم ما قاله الشافعيرحمه‌الله :

ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم

مذاهبهم في أبحر الغي والجهل

ركبت على اسم الله في سفن النجا

وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل

وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم

كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل

إذا افترقت في الدين سبعون فرقة

ونيف كما جاء في محكم النقل

ولم يك ناج منهم غير فرقة

فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل

أفي الفرق الهلاك آل محمّد؟!

أم الفرقة اللاتي نجت منهم قل لي

فإن قلت في الناجين فالقول واحد

وإن قلت في الهلاك حفت عن العدل

١٢٥

البدعة فالمخالفون لأمر الله عزّ وجلّ وكتابه ورسوله والعاملون بآرائهم ، وأهوائهم في دينه.

المبتدعون ما لم يأت عن الله تعالى ولا عن رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليس يقع اسم الجماعة على قوم مختلفين في دينهم ، وأحكامهم ، وحلالهم ، وحرامهم يقول كل واحد منهم في ذلك برأيه ، حتى يجتمعوا على ما في كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فالجماعة المحمودة إنما هي جماعة الحق التي اجتمعت عليه ، والحق جامعها وعلتها. فمن كان عليه فهو من الجماعة المحمودة ولو لم يكن إلا واحدا.

وقد جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال للمؤمن : المؤمن وحده جماعة.

وقال الله عزّ وجلّ :( إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً ) (١) .

وقد جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال ـ في غير واحد ذكره ـ : يبعث يوم القيامة امة وحده ، فليس ينقض صاحب الحق ولا يضعه(٢) عن درجته افتراق الناس عنه ولا يزيده في ذلك اجتماعهم عليه.

[ تقديم المفضول على الفاضل ]

وقد جاء عن بعض المتكلمين ، أنه قال ـ في أهل الفضل الذي تكلمنا عليه بعينه ـ : أكثر الناس يغلطون في حكم الإجماع في هذا المكان ويلحقون

__________________

إذا كان مولى القوم منهم فإنني

رضيت بهم لا زال في ظلهم ظلي

فخلّ عليا لي إماما ونسله

وأنت من الباقين في اوسع الحل

(١) النحل : ١٢٠.

(٢) وفي نسخة ـ ج ـ : ولا يدعه.

١٢٦

بغير شكله ، ويقول : إن الناس إنما اجتمعوا على تفضيل الفاضل لفضيلة وجدوها فيه.

فالاجتماع تبع الفضيلة الموجودة ، وليست الفضيلة تبعا للإجماع الذي كان منهم.

واذا كان الفضل في الفاضل موجودا فعليهم الإجماع عليه ، فإن اختلفوا فلا يبعد الله إلا من ظلم وخالف الحق ، والحق حق الفاضل ولن يصل إليه مع ضعف الموافق ، وقوة المخالف ، فإن وافق صاحب الحق إجماعا عليه ، فعليه الشكر ، والحق حقه. وإن وافق اختلافا فعليه الصبر ، والحق حقه.

وقد كان فضل عليعليه‌السلام ظاهرا مكشوفا وبينا معروفا ، ونصّ الرسول عليه مذكورا ، والخبر بذلك معروفا مشهورا ، فمن أجمع عليه فقد أصاب حظّه ، وأخطأ المخالف له وحرّم رشده ، وقد أصابه ذلكعليه‌السلام فصير لما اختلفوا فيه ، وقلّ ناصروه ، وتابعوه ، وشكر لما أجمع منهم عليه ونصروه. وقام لما وجد الى القيام سبيلا على من خالفه كما يجب ذلك عليه. وكان ثوابه على البلاء والصبر كثوابه على العطاء والشكر. وليس إنما يجب الحق ويكون أحق بالإجماع عليه ، ولكن الحق حق. وعلى الناس أن يجمعوا عليه ، ولا يعيده باطلا إن اختلفوا فيه ، ولم يقبل أحد منهم عليه ، بل الباطل يلزم من فارقه ، وهو نقيضه وضده. ولو كان الحق إنما يكون حقا بالإجماع لكان الباطل أولى أن يكون حقا لأن أكثر الناس قد أجمعوا عليه ، وقد ذكر الله عزّ وجلّ ذلك في غير موضع من كتابه ، فقال تعالى :( وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) (١) وقال تعالى :

( وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (٢) .( وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) (٣) وقال تعالى :

__________________

(١) يوسف : ١٠٣.

(٢) الانعام : ٣٧.

(٣) الانعام : ١١١.

١٢٧

( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ ) (١) .

فهذه جملة من القول في الإجماع والجماعة ، والرد على ما قاله معاوية ، وتقول له بما لا يخفى الحق فيه على من وفق لفهمه وما فيه كفاية من كثير مثله ، والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم.

__________________

(١) ص : ٢٤.

١٢٨

[ حجة الخوارج ]

وأما ما احتجت فيه الخوارج في مفارقتها(١) علياعليه‌السلام ومحاربته ، فقد ذكرت فيما تقدم عنه صلوات الله عليه وعنهم وعمن حكى قولهم ، أنهم إنما نقموا عليه تحكيمه الحكمين.

وقالوا : إن بيعته كانت هدى ، وإنها أكد وأصلح من كل بيعة تقدمتها ، كان الناس أتوه لها طوعا راغبين في بيعته ، مسارعين إليها.

وإن طلحة والزبير نكثا عليه وبغيا ، وكان في قتالهما مصيبا موفقا.

وفي قتال معاوية الى أن حكم الحكمين.

قالوا : فأخطأ في ذلك إذ حكم في دماء المسلمين وفي نفسه عمرو بن العاص ، وهو ممن لا يجوز شهادته ، فكيف حكمه.

وقالوا : وتحكيمه شك في أمره ، فإن كان كذلك ، فلم قاتل وقتل من قتل على الشك ، وإن لم يكن في شك من أمره ، فالتحكيم غير واجب فيما لا شك فيه.

قالوا : وإن كنا نحن وغيرنا من أصحابه قد رأينا ذلك التحكيم لما رفع معاوية وأصحابه المصاحف وأطبقنا في ذلك عليه ، فلم يكن له أن يرجع

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : مفارقها.

١٢٩

إلينا ـ ونحن على الخطأ ـ وكان الواجب عليه أن يمضي على ما هو عليه من الحق والصواب ، فإذ قد فعل ذلك ، فقد زالت إمامته ، وسقطت طاعته ، ووجب جهاده إن أقام على ذلك ، أو ادعاه ولم يرجع عنه.

فهذه جملة(١) من قول الخوارج في عليعليه‌السلام .

فيقال لهم : إن علياعليه‌السلام لم يكن في شك من أنه على الحق ، ومن معه ، وإن معاوية ومن معه على الباطل. ولا غاب عنه مكرهم في رفعهم المصاحف ، ولا أن ذلك كان منهم خدعة لما كانت عليهم الدائرة ، وفيهم الهزيمة ، وقد علم أن المصاحف التي رفعوها يشهد له وبحقه ما فيها ، فلم يقبل عليعليه‌السلام قولهم ، وأمركم بالجد في قتالهم(٢) فأبيتم ذلك وانصرفتم عنه.

وقلتم له : قد دعوا الى الحق الذي كنا ندعوهم إليه ، وأجابوا الى ما سألناهم إياه من الرجوع الى ما في كتاب الله عزّ وجلّ ، فلسنا نقاتلهم.

فراجع من قال له ذلك منكم وبصرهم ، فلم يرجعوا الى قوله : ولم يستبصروا ، وهو على قولكم إمام مفترض الطاعة ، فعصيتموه ، وخالفتم ما أمركم به حتى تواعده منكم من تواعده بالقتل ، وبالقبض عليه ودفعه الى معاوية إن تمادى على ما هو فيه ، فيمن كان يقاتل معاوية إذ خذلتموه ، وبمن كان يمتنع عنكم لما به تواعدتموه من أثبت الحكومة التي. أنكرتموه ، وكفرتموه من أحلها. أنتم الذين أكرهتموه عليها ، أم هو الذي أتى منها ما لا حرج عليه فيه ، وما لم يجدوا غيره ، إذ عصيتموه وخالفتم أمره ، فقد دفع

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : فهو جملة من.

(٢) وفي نسخة ـ ج ـ : في قتاله.

١٣٠

الحكومة إذ كان دفعها يمكنه ، وإذ قد علم أنها خدعة ومكيدة من عدوه.

وأجاب إليها إذ لم يجد غير ذلك ولم يمكنه دفعها. وإذ قد علم أنها توجب حقه ، وتثبته على ما شرطه وأكده فيها ، وعلى ما كان دعا القوم إليه من الحكم بكتاب الله عزّ وجلّ.

والله جلّ من قائل يقول :( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (١) ( فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) (٢) ( فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) (٣) . وقال تعالى( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ) (٤) .

وإنما قدم علي صلوات الله عليه من قدمه للحكم على أن يحكم بكتاب الله الذي دعوا يومئذ الى الحكم بما فيه ، وقد علمعليه‌السلام أن كتاب الله يشهد له ويشهد على معاوية ، فلو حكما بالكتاب لحكما بامامة عليعليه‌السلام ، وبعزل معاوية عما عزله عنه.

وهذا هو الذي دعا إليه عليعليه‌السلام ، وأراده من معاوية.

وأما ما أنكرتم من أن يحكم بذلك عمرو بن العاص ، فهل يكون عمرو بن العاص عندكم أسوأ حالا من النصارى؟ فقد قال الله عزّ وجلّ :

( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ ) (٥) . لأنهم لو حكموا بذلك لدخلوا في الإسلام ، كما أن عمرو بن العاص لو حكم بالكتاب لدخل في إمامة علي صلوات الله عليه لان الكتاب يشهد بتفضيل علي صلوات الله عليه على معاوية.

قال الله عزّ وجلّ( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ) (٦) وقال تعالى :( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ

__________________

(١) المائدة : ٤٥.

(٢) المائدة : ٤٤.

(٣) المائدة : ٤٧.

(٤) المائدة : ٤٩.

(٥) المائدة : ٤٧.

(٦) المجادلة : ١١.

١٣١

الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا ) (١) وقال تعالى :( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (٢) . وقال تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٣) .

فعليعليه‌السلام أرفع درجة من معاوية في السبق الى الإسلام ، والعلم ، والجهاد ، والنفقة في سبيل الله من قبل الفتح ، وأقرب الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأحق بالخمس من معاوية ، وعلى معاوية أن يعطيه خمس ما غنمه ، وليس له ممّا غنم عليعليه‌السلام شيء ، مع ما ذكرناه(٤) ونذكره في هذا الكتاب من فضائله وما نزل فيه من القرآن ممّا يوجب له الفضل على معاوية وغيره.

وما من فضيلة تذكر لأحد من الصحابة إلا وعليعليه‌السلام له مثلها فقد شاركهم كلهم في فضائلهم ، واجتمع فيه ما قد افترق فيهم ، وانفرد بكثير من الفضائل دونهم ، لم يشركه فيها أحد منهم.

ولما أجاب معاوية علياعليه‌السلام الى حكم الكتاب ، فقد أجاب الى الدخول في طاعته وأقرّ بإمامته من حيث لا يدري ، وإنما أراد علي صلوات الله عليه اجتماع الناس للحكم بكتاب الله عزّ وجلّ لتقرير معاوية على إمامته من الكتاب ، إذ فاته قهره بالغلبة بالسيف لاختلاف أصحابه عليه ، لما أدخله معاوية عليهم من الشبهة بالحيلة التي دفع بها الغلبة عن نفسه.

فأراد عليعليه‌السلام انه يرى من شبه بذلك عليه فساد ما شبه به عليهم ، وليعلموا صحيح حقه من باطل معاوية الذي هو عليه ، وان الذي دعاهم إليه من رفع المصاحف إنما كانت خديعة منه ، ومكرا ، وحيلة.

__________________

(١) الحديد : ١٠.

(٢) الواقعة : ١٠.

(٣) الشورى : ٢٣.

(٤) وفي نسخة ـ ج ـ : مع ذكره وذكره.

١٣٢

وقد قال الله عزّ وجلّ لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نازعه المشركون :

( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (١) وقد علم أن المشركين هم الكاذبون.

وهذا من التحاكم الى الله عزّ وجلّ وما فيه إنصاف المتنازعين فيما بينهم ، وكذلك قال الله تعالى وهو أصدق القائلين( قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) (٢) .

أراد بذلك إنصافهم في ظاهر الأمر ، وهو يعلم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الحق.

وكذلك لم يكن عليعليه‌السلام شك في أمره كما زعمتم ، وإنما أراد تقرير خصمه على ما أنكره من حقه وفضله بكتاب الله جلّ ذكره الذي دعا إليه لما أراده من المكر والخديعة بدعائه إليه ، وليعلم ذلك من شبه عليهم به.

فلما ترك الحكم بالكتاب من اقيم لذلك ، وحكم بالهوى دون الكتاب لم يجز حكمه بإجماع ، لأن من وكّل على شيء بعينه لم يكن له أن يتجاوزه الى غيره ، وقد مرّ فيما تقدم ذكر تحكيم الله عزّ وجلّ العباد في جزاء الصيد ، وفي شقاق ما بين الزوجين ، وتحكيم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سعدا في بني قريظة مع ما قدمناه(٣) أيضا من احتجاج عليعليه‌السلام واحتجاج عبد الله بن عباس عليهم فيما أنكروه من التحكيم ورجوع من رجع منهم لما سمع ذلك الى الحق ، وفي ذلك كفاية لمن وفق لفهمه ، وهدي لرشده.

__________________

(١) آل عمران : ٦١.

(٢) القصص : ٤٩.

(٣) في أواخر الجزء الخامس ، عدة روايات.

١٣٣

[ بحث حول وثيقة التحكيم ]

وحكاية ما قيل إنه كان في كتاب القضية الذي كتب بين عليعليه‌السلام وبين معاوية ، واختلف فيه ، ولم يأت برواية صحيحة تثبت بنقلها صحته ، وأثبت ما جاء في ذلك ما أوقف عليه الزهري ، وعلي بن إسحاق ، ولم يلحق واحد منهما زمن ذلك. فلم يكن أيضا ما جاء عنهما من ذلك بثابت.

وطعن فيه لضعف ألفاظه ، وسخافة معانيه ، وأن فيه ما يضارع العجمة.

فقال الطاعنون في ذلك : إن كلام القوم كان معروفا ، وجوهره معلوما ، متى تكلفه(١) مولده لم يستطعه ، وما داخله من كلام غيره عرف فيه.

ونحن نذكر ما رووه من ذلك ، ولا أقل من أن يكون كذلك ، ونبيّن الحجة فيه على ما جاء مرويا عن الزهري وعن محمّد بن إسحاق انهما قالا كانت القضية بين عليعليه‌السلام وبين معاوية :

بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تقاضى عليه(٢) علي أمير المؤمنين ومعاوية.

فقال معاوية : لو أقررت أنك أمير المؤمنين ما حاربتك ، ولو لا أنك أسن مني ما قدمتك ، فاكتب : هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ، ودع ذكر أمير المؤمنين.

فأبى عليعليه‌السلام من أن يدع ذلك مدة من نهار ، ثم سمح بأن يدعه.

فهذا مثل ما دار بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية ، وبين

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : تكلف.

(٢) هكذا في نسخة ـ ج ـ وفي الأصل : علي.

١٣٤

مشركي قريش لما قاضاهم ، وكتب الكتاب بينه وبينهم. كتب : هذا ما قاضى عليه محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال المشركون : لو نعلم انك رسول الله ما صددناك ، ولكن اكتب ـ إن شئت ـ : هذا ما قاضى عليه محمّد بن عبد الله.

وكان الذي كتب القضية بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : امح : رسول الله ، فالله يعلم أني رسوله ، وأكتب : محمّد بن عبد الله.

فتوقف علي صلوات الله عليه تهيبا لذلك.

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرني مكانه؟ فأراه إياه ، فمحاه.

( وقد ذكرنا(١) احتجاج الخوارج على ابن عباس بهذا ، وقولهم : لم محا اسمه من إمرة المؤمنين؟ فاحتج عليهم ابن عباس بما صنعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ذلك. وان ذلك لم يمح اسمه من الرسالة ، وكذلك ذلك لم يمح اسم عليعليه‌السلام من الإمامة )(٢) ، فكتب فيما رووه(٣) .

[ وثيقة التحكيم ]

هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان. قاضى علي على أهل العراق ومن كان معه من المؤمنين والمسلمين ، وقاضى معاوية على أهل الشام ومن كان معه من المؤمنين والمسلمين ، إنا ننزل عند حكم

__________________

(١) في الجزء الخامس ، الحديث ١٤١٣.

(٢) ما بين القوسين زيادة من كلام المؤلف ، وليست من الرواية.

(٣) ورواه نصر بن مزاحم في وقعة صفين عن عمر بن سعد عن أبي إسحاق عن بريد باختلاف يسير وتقديم وتأخير.

١٣٥

الله في كتابه فيما اختلفنا فيه من فاتحته الى خاتمته ، نحيي ما أحياه ونميت ما أمات.

فما وجدنا في كتاب الله عزّ وجلّ مسمى أخذنا به ، وما لم نجده في كتاب الله مسمى فالسنّة العادلة الجامعة غير المفرقة فيما اختلفنا فيه.

والحكمان ، عبد الله بن قيس الأشعري. وعمرو بن العاص.

وأخذ علي ومعاوية على الحكمين عهد الله ، وميثاقه للحكمين بما وجدا في كتاب الله مسمى ، وما لم يجدا في كتاب الله مسمى فالسنّة العادلة الجامعة غير المفرقة.

وأخذ الحكمان من علي بن أبي طالب ، ومعاوية بن أبي سفيان الذي يرضيان من العهد والميثاق ليقبلا ما قضيا به لهما وعليهما من خلع من خلعا منهما ، وتأمير من أمّرا منهما.

وأخذا لأنفسهما من علي ، ومعاوية ، والجندين كليهما الذي ، يرضيانه من العهد والميثاق إنهما مأمونان على أنفسهما وأبدانهما وأموالهما ، والأمة لهما أنصار على ما يقضيان به لهما وعليهما ، وأعوان على من بدّل وغيّر منهما.

وان القضية قد أوجبت بين المؤمنين الأمن ووضع السلاح أينما ساروا ، وكانوا [ آمنين ] على أنفسهم وأهليهم وأموالهم وأرضيهم شاهدهم وغائبهم.

وعلى عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه ليقضيان بين الأمة [ بالحق ] ولا يذرانها(١) في الفرقة من الحرب(٢) حتى يقضيان.

وآخر أجل القضية بين الناس انسلاخ(٣) شهر رمضان ، وإن أحبا أن يعجلا ذلك عجلاه ، وإن أحبا أن يؤخرا ذلك أو رأيا ذلك عن

__________________

(١) وفي الاصل : لا يذرانهم.

(٢) وفي نسخة ـ أ ـ : في الفرقة والحوب.

(٣) انسلاخ : نهاية.

١٣٦

تراض منهما أخراه.

وان هلك أحد الحكمين قبل القضاء ، فإن أمير الشيعة والشيعة يختارون مكانه رجلا ، لا يألون في اختياره من أهل المعدلة والاقتصاد.

وأن ميعاد القضية أن يقضيا(١) بمكان يكون بين أهل الكوفة وأهل الحجاز وأهل الشام سواء ، لا يحضرهما فيه إلا من أراد ، وإن أراد أن يكون ذلك بدومة الجندل(٢) كان ، وإن رضيا مكانا غيره حيث أحبا فليقضيان.

وعلى علي ومعاوية أن يجمعا على الحكمين. [ ونحن براء من حكم بغير ما نزل الله. اللهمّ إنا نستعينك على من ترك ما في هذه الصحيفة ، وأراد فيها إلحادا وظلما ].

شهد [ على ما في الصحيفة ] عبد الله بن عباس وشهد الأشعث بن قيس.

وسعيد بن قيس.

وورقاء بن سمي البكري ـ ويقال الحارثي ـ.

وعبد الله بن الطفيل البكاوي(٣) .

ويقال عبد الله بن طليق.

ويقال عقبة بن زيد.

ويقال زياد بن كعب.

وحجر بن يزيد الكلبي.

وعبد الله بن جحفل العجلي(٤) .

وعقبة بن زياد المدحجي ـ أو الأنصاري ـ.

__________________

(١) وفي نسخة الاصل : ان يقضي.

(٢) دومة الجندل بضم اوله وفتحه : بلدة في جوف سرحان.

(٣) وفي نسخة ـ أ ـ : البكاري.

(٤) وفي نسخة ـ ج ـ : العجلي والهمداني عقبة ...

١٣٧

ومالك بن كعب البجلي ـ أو الهمداني ـ.

[ وكتب عميرة يوم الاربعاء لثلاث عشرة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين ](١) .

فهذا معنى ما جاء في القضية وما روي عن الزهري ، ومحمّد بن إسحاق فيهما.

وان كان ذلك لا يثبت عند أهل العلم بالحديث ، لأنه مقطوع ، ولكن لا أقل من أن يكون الأمر على مثل ذلك.

فالذي وقع عليه التحكيم وعقدت عليه القضية أن يكون الحكم بكتاب الله جلّ ذكره ، وسنّة محمّد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو لم يقع الحكم ، وتعقد القضية على ذلك لما وجبت لأن الله عزّ وجلّ يقول وهو أصدق القائلين :( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) (٢) والظالمون والفاسقون. وقال تعالى :( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ) (٣) فمن حكم بخلاف ذلك لم يجز حكمه.

ووجه آخر : إن التحكيم والقضية إنما عقد بين عليعليه‌السلام ، وبين معاوية فيما تنازعا فيه من الأمر ، وعلى ذلك حكما الحكمين بأن يتفقا على الحكم فيما تشاجرا فيه ، ويكون حكمها بكتاب الله عزّ وجلّ ، وسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فاتفق أن كان أحد الحكمين وهو عمرو بن العاص من أدهى العرب ، وأشدهم مكرا وحيلة وخديعة ، وهو عدوّ لعليعليه‌السلام مباين بعداوته.

__________________

(١) وقعة صفين : ص ٥١١. ولا يخفى ان نصر بن مزاحم نقل صورة اخرى للوثيقة مفصلة : عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن زيد بن حسن. فراجع ص ٥٠٤ منه.

(٢) المائدة : ٤٤.

(٣) المائدة : ٤٩.

١٣٨

واتفق أن كانت في الآخر وهو أبو موسى الأشعري خلال غلبت عليه استمالته الى ما حاوله عمرو بن العاص من المكر به ، والحيلة عليه ، والخديعة له.

١٣٩

[ مواقف الأشعري ]

منها : ما قدمناه ذكره من أن رأيه كان الكفّ والقعود عن الفريقين.

وقد ذكرت أمره أهل الكوفة بالقعود لما جاءهم الحسنعليه‌السلام . وعمار بن ياسر بكتاب عليعليه‌السلام .

ومنها : أنه كان شديد الميل والمحبة لعبد الله بن عمر ، كما ذكرنا ، وقد آثر التخلف عن عليعليه‌السلام أولا ، ثم ندم على ذلك آخرا.

وقد ذكرنا ندامته على التخلف عن جهاد أصحاب الجمل و [ أصحاب ] معاوية و [ هم ] أهل الشام وأهل النهروان.

ومنها : أنه كان مائلا عن عليعليه‌السلام وعن ناحيته(١) ، وأنه كان يميل بعض الميل الى معاوية ، وقد وصفه بذلك عليعليه‌السلام ، وتقدم القول بذلك عنه فيه.

ومنها : أنه كان مائلا عن العدنانية الى القحطانية(٢) . ومن ذلك قوله يومئذ : لو كان الأمر لا ينال إلاّ بالقدم والشرف لكان رجل من ولد أبرهة

__________________

(١) وفي نسخة الأصل : عن ناحية.

(٢) العدنانية : هي القبيلة التي ينتمي إليها أمير المؤمنين ، والقحطانية : وهي القبيلة التي ينتمي إليها هو وعبد الله بن عمر. والاحرى ان نقول : العصبية القبيلة هي الحاكمة على نفس أبي موسى لا الشرط الذي شرطه على أمير المؤمنين من احياء ما احياه القرآن ، واماتة ما اماته القرآن.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610