شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٢

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار9%

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 610

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 610 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64048 / تحميل: 6281
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

بن الصباح أولى به.

ومنها : تخلفه عن مقدار عمرو بن العاص في الدهاء والمكر والحيلة والخديعة.

[ اجتماع الحكمين ]

فلما اجتمع مع عمرو بن العاص ، أظهر له عمرو ـ لما أضمره من المكر به ـ التبجيل والتعظيم والتقدمة على نفسه ، وأن ذلك واجب عليه لسنّه وعلمه وفضله حتى إذا استحكم ذلك فيه ، وان طبع عنده جعل عمرو يدخل عليه من حيث علم أنه يميل نحوه ، من أن الواجب والرأي القعود عن الحرب وترك الدخول في الفتنة والعمل في صلاح ذات البين ، حتى لم يشك أبو موسى أن رأي عمرو في ذلك كرأيه.

ثم جعل يذكر له فضل عبد الله بن عمر وحاله ، ويكرر ذلك عليه(١) ، ويكثر ذكره ويطريه(٢) ، ويذكر أبو موسى مثل ذلك فيه ، حتى رأى أبو موسى أن عبد الله عند عمرو ، في الحال التي هو فيها عنده ، أو أفضل من ذلك.

وقلّ إنسان يؤتى من قبل محبوبه وشهوته وإرادته وموافقته ونحلته إلا مال الى من يوافقه على ذلك ، وركن الى من يرى رأيه ، ويذهب الى ما ذهب إليه. فلما تمكن ذلك لعمرو بن العاص عند أبي موسى مع ما قدمه إليه من تبجيله ، وتعظيمه ، والميل إليه ، والتواضع له ، ثم موافقته إياه على ما هو عليه.

قال له : يا أبا موسى ، إنا إن ذهبنا أن ننظر في فضل علي على معاوية ،

__________________

(١) وفي الأصل : ويكرر ذلك.

(٢) وفي نسخة ـ ج ـ : ويطير به.

١٤١

وفي فضل معاوية على علي ، وما ادعى به الأمر لنفسه لطال ذلك. ونخشى أنه لا يصلح لنا به حكومة ، لأنا إن حكمنا بخلع معاوية وإثبات علي لم نعدم طاعنا(١) في ذلك من أهل الشام علينا ، ورادا لما حكمنا به. وقد استمال معاوية اكثر أهل الشام ، فليسوا براجعين عن نصرته والقيام معه ، ولا يرجع هو عن الذي قام فيه وطلبه. وإن نحن أثبتنا معاوية ، وخلعنا عليا كان الخوف في ذلك منه ، ومن معه اكثر ، فتبقى الفتنة بحالها ويهلك الناس فيها.

ولكن هل لك في شيء يصلح الله به أمر الامة ، ويقطع به الفتنة ويجري ذلك على يديك ويجزل الله به مثوبتك؟

قال أبو موسى : وما هو؟

قال عمرو بن العاص : أن تخلع أنت عليا ، وأخلع أنا معاوية ، ثم نقول للناس : اختاروا من شئتم غيرهما ، فإن هذين قد صار لكل واحد منهما شيعة وأحزاب وأنصار لا يسلّمون الأمر لصاحبه ، لما وقع بينهم من الاختلاف وسفك الدماء ، ونختار نحن لهم عبد الله بن عمر. فحاله الحال التي قد علمت وقد اعتزل هذه الحروب ، فليس أحد ممن كان فيها يكرهه من اجلها ، وقد سئم الفريقان الحرب لما نالهم فيها من القتل والجراح وذهاب الأموال والاغتراب عن الأوطان ، فلا شك أنهم يجيبون الى ذلك ويرونه ويتلقونه بالقبول ، ويجيب أيضا الى ذلك ويسارع إليه كل من اعتزل الطائفتين إذ كان رأي عبد الله بن عمر في ذلك كرأيهم ، وكان فيه أحدهم ومكانه منهم ومكان أبيه ما قد علمت.

فجاء عمرو بن العاص من ذلك الى أبي موسى بكل ما يعتقده ، ويشتهيه ، ويحبه ، ويميل إليه ، كما قدمنا ذلك ممّا كان من أغلب طباعه

__________________

(١) وفي نسخة ـ أ ـ و ـ ج ـ : طاعتنا.

١٤٢

عليه ، ونقب عما في سويداء قلبه ، فأتاه من جهة ما يراه ويعتقده حتى كأنه هو ، ولم يأته من ذلك شيء ينكره ولا يكرهه ولا ينفر طباعه.

فأجابه أبو موسى الى ذلك ، واتفقا عليه ، ووجها الى من أحبا إحضاره ، والى عبد الله بن عمر بأن يوافقوهما للقضية ـ بدومة الجندل ـ(١) فلما وافى من بعثا إليه ، وحضر عبد الله بن عمر وهو لا يدري ما كان من الأمر بين عمرو بن العاص وبين أبي موسى ممّا عقداه في أمره.

فقال عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعري : قم ، يا أبا موسى ، وفقك الله وقل بما أراك الله فيما قلدته وجعل إليك أمره وذلك بحسب ما واطأه عمرو بن العاص لما أراده من الحيلة والمكر به من تقديمه في كل شيء جرى قبل ذلك بينهما ، حتى أنهما كانا إذا مشيا جميعا تأخر عمرو عن أبي موسى ، وقدمه ، فإذا جبده ، وقدمه إليه ، وأراد أن يحدثه رنا قليلا لم يساوه.

فقام أبو موسى ، فتقدم عمرا ، كما جرت به سنّة ما بينهما(٢) في تقديمه فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إن عليا قد قدّمني كما علمتم وحكّمني ، وقد صار الناس الى ما صاروا إليه من الفتنة ، وسفك الدماء ، وقتل فيما بينه وبين معاوية من قد علمتم من الخلائق ، وقد رأيت أن الذي هو أصلح للأمة خلعه ليضع الحرب أوزارها ، وتحقن الدماء ، وتسكن الدهماء ، وقد خلعته كما خلعت خاتمي هذا. وأخذ خاتمه فخلعه من اصبعه ، ثم جلس.

وقام عمرو بن العاص. فحمد الله ، وأثنى عليه. ثم قال :

أيها الناس قد علمتم أن خليفتكم عثمان قتل مظلوما ، وأن معاوية ابن

__________________

(١) دومة الجندل بضم أوله وفتحه : من اعمال المدينة سميت بدوم بن اسماعيل بن ابراهيم.

(٢) وفي نسخة ـ أ ـ : به سنتهما.

١٤٣

عمه وولي الطلب بدمه ، وقد كان هو وعمر من قبله ولياه ما ولياه ، فهو على ذلك ، وقد أثبته كما أثبت خاتمي في إصبعي هذا ، وأخذ خاتمه فأدخله في إصبعه ، ثم جلس.

فقام أبو موسى ، فقال : معاذ الله ما كنا اتفقنا إلا على خلع علي ومعاوية. فقال عمرو : سبحان الله ، يا أبا موسى متى كان هذا؟

وتراجعا الكلام بينهما واعتكر الى أن لعن كل واحد منهما صاحبه.

وافترق الناس على غير إحكام شيء ، ولا يشك أكثرهم أن عمرا خدع أبا موسى. وأقام أهل الشام على ما كانوا عليه لمعاوية ، وأهل العراق على ما كانوا عليه لعليعليه‌السلام . ومن كان من شيعة كل واحد منهما ، خلا الخوارج الذين قدمنا ذكرهم ، ومفارقتهم لعليعليه‌السلام لما أنكروه من أمر التحكيم ، وندموا عليه بعد أن رأوه ودعوا إليه.

وبقي معاوية على حالته يدعى : أميرا ، وعليعليه‌السلام على ما كان عليه يدعى : أمير المؤمنين ، الى أن قتل صلوات الله عليه. ولم يعقد أحد شيئا ممّا كان بين أبي موسى وبين عمرو بن العاص ، ولا احتج به. وانصرف عمرو بن العاص الى معاوية.

وانصرف أبو موسى الى عليعليه‌السلام يعتذر ممّا كان منه ، وبقي الأمر على ما كان عليه الى أن قتل عليعليه‌السلام .

فهذه جملة من القول فيما جرى بين علي وبين من حاربه ، ممن انتحل دعوة الإسلام.

والحجة في أنهم بغوا عليه ، وفي أنه وفئته فئة أهل العدل ، وكل فئة حاربته فئة أهل البغي الذين أمر الله عزّ وجلّ بقتالهم في كتابه حتى يفيئوا الى أمره(١) .

__________________

(١) مفاد الآية الكريمة :( فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) ( الحجرات : ٩ ) وفي نسخة ـ ج ـ : ووافاهم.

١٤٤

وهذه نكت وجوامع من أخبار معاوية وسلفه وخلفه تبيّن عن سوء اعتقادهم وما كانوا عليه.

وقد ذكرت فيما تقدم من هذا الكتاب عداوة أبي سفيان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما تولاه من حربه والتأليب عليه والزحف بمن استنصر به من قبائل العرب إليه ، ومن لفّ لفيفه من بني عبد شمس كافة ، ومن بني أميّة خاصة ، وان معاوية ابنه كان في ذلك معه الى أن مكّن الله رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأعزّ دينه ، وفتح عليه مكة ، فاستسلم أبو سفيان والذين كانوا تمالئوا معه على حرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بنيه ، وأقاربه ، ومن كان على مثل رأيه من بنى أميّة وغيرهم ، وأظهروا الإسلام واعتصموا به لما غلب عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأتاهم(١) من المسلمين أنصار دين الله بما لا قبل لهم به ، والله عزّ وجلّ أعلم بما اعتقده في ذلك كل واحد منهم ، ولكنا نذكر في هذا الفصل من هذا الكتاب نكتا ممّا جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم ، وما كان بعد إظهارهم الإسلام منهم.

وقد ذكرت في كتاب المناقب والمثالب عداوة بني عبد شمس لبني عبد مناف على القديم ، وعداوة بني أميّة لبني هاشم بعد ذلك. وذلك ما يخرج ذكره عن حد هذا الكتاب ، وليس هو ممّا بني عليه ، وذكرت فيه ، وفي بعض ما تقدم من هذا الكتاب ما استفرغوا جهدهم فيه من محاربة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومناصبته ، والسعي في إطفاء نور الله عزّ وجلّ الذي أبى الله إلا تمامه(٢) وقطع دينه الذي كفل بإظهاره.

__________________

(١) يوم الفتح.

(٢) وفي نسخة ـ ج ـ : إلاّ إتمامه.

١٤٥

[ أبو سفيان ]

[٤٤٥] فأما أبو سفيان ممّا يؤثر عنه بعد إسلامه.

أنه قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما ـ وابنته أم حبيبة(١) عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو عنده في بيتها ، وهو يظهر المزاح لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : والله إن هو إلا تركتك فتركتك العرب ، إن انتطحت جماء ، ولا ذات قرن.

فضحك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة(٢) .

وهذا ممّا قيل في مثله : ما صدقك إلا مازح ، أو سكران.

ولو كان أبو سفيان يعتقد الإسلام حق الاعتقاد ، ويعرف لرسول الله فضل الرسالة لم يكن يمازحه بمثل هذا القول ، ولم يكن يعتقده.

[٤٤٦] ومن ذلك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نظر يوما الى أبي سفيان مقبلا وخلفه ابنه معاوية ، فقال : اللهمّ العن التابع والمتبوع ، اللهمّ عليك بالأقيعس ـ يعني معاوية ـ.

__________________

(١) وهي رملة بنت ابي سفيان توفيت ٤٤ هـ تزوجها الرسول بعد ان مات زوجها عبيد الله بن جحش.

(٢) ابن أبي سفيان الاكبر قتل كافرا في بدر مع المشركين.

١٤٦

[٤٤٧] ورأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا سفيان يوما راكبا ومعاوية يقود به ويزيد يسوق ، فقال : اللهمّ العن الراكب والقائد والسائق.

[٤٤٨] ودخل أبو سفيان بعد أن كفّ بصره المسجد لحاجة ، فاقيمت الصلاة.

فقام مع الناس ، فلما ركع الإمام أطال الركوع فجعل أبو سفيان يقول لقائده ـ وهو الى جنبه ـ : لم يرفعوا رءوسهم بعد؟

قال : لا.

قال : لا رفعوها. فهذا قول مستخف بالإسلام ، وممّا يبيّن أنه كان لا يعتقده ، وأن إظهاره إياه ودخوله في الصلاة إنما كان رياء.

[٤٤٩] وممّا يؤثر : أنه دخل يوما على عثمان ـ وقد كفّ بصره ـ ، فجلس ، ثم قال لعثمان : أعليّ عين؟ قال : لا. قال : يا عثمان لا تكن حجر بن حجر(١) ، انظر هذا المال ، فاجعله دولة بينكم ، وتلقفوا هذه الإمارة تلقف الكرة. وكان البراء بن عازب بالحضرة. فاستحيى عثمان من البراء ، وقال له : خرف أبو سفيان.

[٤٥٠] أبو ليلى عبد الله بن عبد الرحمن ، يرفعه الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه كان جالسا في ملأ من أصحابه فيهم معاوية. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : إن هذا ـ وأشار بيده الى معاوية ـ سيطلب الإمارة ، فإذا فعل فابقروا بطنه.

[٤٥١] سيّان(٢) بإسناده عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : كنا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : سيطلع عليكم من هذا الفج(٣) رجل يموت وهو على غير ملتي. فقال عبد الله : وكنت قد

__________________

(١) يشير الى عمر بن الخطاب.

(٢) وفي نسخة ـ أ ـ : سفيان.

(٣) الفج : الطريق.

١٤٧

خلفت أبي وقد لبس ثيابه يريد أن يأتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكنت كحابس البول خوفا من أن يكون هو الطالع ، فطلع معاوية.

[ بنو أميّة ]

[٤٥٢] سفيان الثوري ، عن ابن طاوس.

قال : مرض أبي فدخل عليه بعض ولاة بني أمية يعوده ، فجلس على كرسي.

فلما خرج ، أمر بالكرسي فغسل ، وغسل أثره في الدار.

فقيل له في ذلك.

فقال : إن حذيفة لو أدرك هؤلاء ما استظل في ظلهم ولا شرب من مائهم الذي يشربون.

[٤٥٣] صالح بن أحمد ، باسناده ، عن عبد الله بن مسعود ، أنه كان يقول : لكل شيء آفة ، وآفة الإسلام بنو أميّة ، وبنو مروان.

[٤٥٤] عبد الله بن عبيد(١) باسناده ، عن عمر بن الخطاب ، أنه قال : كنا نقرأ فيما نقرأ :( وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ ) (٢) في آخر الزمان ، كما جاهدتم في أوله.

فقيل له : فمتى يكون ذلك؟

فقال : إذا كان بنو أميّة الأمراء وبنو المغيرة الوزراء.

وهذا التوقيف على بني أميّة ، فليس ممّا يكون مثله موقوفا على

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : ابن أحمد باسناده عمر بن الخطاب.

(٢) الحج : ٧٨.

١٤٨

عمر لأنه من علم ما يكون ، ولا يكون ذلك إلا ممّا سمعه عمر من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وان لم يرفعه إليه.

[٤٥٥] وبآخر ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول : إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا ، اتخذوا دين الله دغلا ، وماله دولا ، وعباده خولا.

[٤٥٦] يعلي بن عبيد ، باسناده ، عن سعيد المسيب(١) يرفعه ، قال : رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شبان بني أميّة يطلعون على منبره وينزلون ، فاغتمّ لذلك ، فأنزل الله عزّ وجلّ :( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَ االَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (٢) ـ يعني بني أميّة ـ.

وقيل له : إنما هي دنيا يعطونها ثم يصيرون الى النار.

[٤٥٧] الأعمش ، باسناده ، عن عبد الله بن مسعود أنه قال : لكل شيء آفة ، وآفة [ هذا ] الدين بنو أميّة.

[٤٥٨] وكيع ، باسناده ، يرفعه أنه كان أبغض الأحياء الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنو أميّة.

[٤٥٩] إسماعيل بن أبان ، باسناده ، عن أبي جعفر محمّد بن علي(٣) صلوات الله عليه أنه قال في قوله تعالى :( وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا ) (٤) .

قال : عنى بني أميّة.

__________________

(١) أبو محمّد سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي القرشي ولد ١٣ هـ توفي بالمدينة ٩٤ ه‍.

(٢) الاسراء : ٦٠.

(٣) وفي نسخة ـ ب ـ : بإسناده عن جعفر بن محمّد.

(٤) مريم : ٩٧.

١٤٩

[٤٦٠] حماد بن سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ليرعفنّ جبار من جبابرة بني أميّة على منبري هذا [ فيسيل رعافه ].

قال علي بن زيد : فحدثني من رأى [ عمرو بن ] سعيد بن العاص رعف على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسال رعافه على درج المنبر.

[ بنو مروان ]

[٤٦١] وبآخر ، يرفعه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن الحكم بن أبي العاص ، وقال : جاء حتى شق الجدار إليّ ، وأنا مع بعض أزواجي فكلح(١) في وجهي.

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كأني أنظر الى بنيه يصعدون على منبري وينزلون.

ثم نفاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة ، فلم يزل منفيا بنفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر وصدرا من أيام عثمان ، ثم رده عثمان ، ووصله وحباه وقربه وأدناه. وكان ذلك ممّا نقمه الناس عليه لنقضه حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه.

ولذلك قال الحسن بن عليعليه‌السلام لمروان : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن أباك وأنت في صلبه.

[٤٦٢] إسحاق ، عن أبي إسرائيل ، باسناده ، عن محمّد بن كعب القرظي ،

__________________

(١) كلح يكلح : عبس وتكثر.

١٥٠

أنه قال : لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحكم وما خرج من صلبه إلا القليل.

قال عمرو بن أبي بكر القريشي : ففرحنا بها لعمرو بن عبد العزيز. يعني أنه القليل ممّن خرج من صلبه ممّن لم تدركه لعنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

[٤٦٣] الأعمش ، باسناده ، عن علي صلوات الله عليه ، أنه خطب الناس بخطبة ذكر فيها بني أميّة ، فقال فيهم : إن رأيتم رجلا من بنى أميّة في الماء الى حلقه ، فغطوه في الماء حتى يغرق ، فإنه لو لم يبق منهم إلا رجل واحد ، لبغي دين الله عوجا(١) .

[٤٦٤] عباد بن يعقوب ، باسناده ، عن حذيفة بن اليمان ، أنه قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إذا رأيتم الحكم بن أبي العاص(٢) ولو تحت أستار الكعبة فاقتلوه.

ونفاه الى دهلك من أرض الحبشة.

[٤٦٥] عن عبد الرحمن بن صالح ، باسناده ، عن عبد الله بن الزبير(٣) ، أنه قال ـ وهو على المنبر ، مستند الى الكعبة ـ : وربّ هذا البيت الحرام والبلد الحرام(٤) ، إن الحكم بن أبي العاص وولده لملعونون(٥) .

__________________

(١) ولهذا المعنى يشير الشاعر بقوله :

آل حرب أوقدتموا نار حرب

ليس يخبو الزمان وقود

فابن حرب للمصطفى وابن هند

لعلي وللحسين يزيد

(٢) الحكم بن أبي عاص بن أميّة بن عبد شمس القرشي الذي نفاه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى الطائف واعاده عثمان الى المدينة ، وهو عم عثمان وابو مروان رأس الدولة المروانية.

(٣) ولد ١ هـ وهو ابن الزبير بن العوام واسماء كبرى بنات أبي بكر ، اشترك مع عائشة. أعلن نفسه خليفة وعارض الامويين. قتله الحجاج ٧٣ ه‍.

(٤) وفي نسخة ـ ج ـ : الحراب.

(٥) وفي كنز العمال ٦ / ٩٠ : ح ٢٠٠ : وولده ملعونون على لسان محمّد (ص).

١٥١

[٤٦٦] وبآخر ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أتي بمروان بن الحكم حين ولد ليحنكه(١) ، كما كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفعل بأولاد المسلمين إذا اتي بهم ، فرده ، ولم يحنكه ولا تناوله ، وقال : ائتوني بأزرقهم.

__________________

(١) وفي حاشية نسخة الاصل : حنك الرجل الصبي : اذا مضغ زبيبا أو تمرا.

١٥٢

[ معاوية بن أبي سفيان ]

[٤٦٧] حسن بن حسين ، باسناده ، عن جابر بن عبد الله ، أنه قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : يموت معاوية على غير ملتي(١) .

[٤٦٨] وبآخر ، عن طاوس(٢) ، أنه قال : ما كان معاوية مؤمنا.

[٤٦٩] وبآخر ، عن سعيد بن المسيب ، أنه قال : مرض معاوية ، مرضه الذي مات فيه ، فدخل عليه طبيب له نصراني ، فقال له : ويلك ما أراني أزداد مع علاجك إلا علة ومرضا؟ فقال له : والله ما أبقيت في علاجك شيئا أرجو به صحتك إلا وقد عالجتك به غير واحد ، فاني أبرأت به جماعة ، فان أنت ارتضيته وأمرتني بأن اعالجك به فعلت. قال : وما هو؟ قال : صليب(٣) عندنا ما علق في عنق عليل إلا فاق. فقال له معاوية : عليّ به. فأتاه ، فعلقه في عنقه. فمات في ليلته تلك والصليب معلق في عنقه ، وأصبح وقد انزوت بين عينيه غصون انطوت من جلدة جبهته مكتوبة يقرأها كل من رآها ، كافرا.

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : وولده ملعون.

(٢) أبو عبد الرحمن طاوس بن كيسان الخولاني الهمداني ولد باليمن ٣٣ وتوفي بمنى ١٠٦.

(٣) هكذا في نسخة ـ ج ـ وفي الأصل : طبيب.

١٥٣

[٤٧٠] إسماعيل بن عامر ، باسناده : أن معاوية لما احتضر ، بكى! فقيل له : ما يبكيك؟

فقال : ما بكيت جزعا من الموت ، ولكني ذكرت أهل القليب ببدر.

فانزوي ما بين عينيه لبكائه كافر ، وبقي كذلك يراه كل من شهده ، وغسل ، وكفن ، ودفن وهو كذلك.

[٤٧١] محمّد بن علي(١) ، باسناده : أن أسقف(٢) نجران كتب الى معاوية يستعينه في بناء كنيسة.

فأرسل إليه مائتي الف درهم من بيت مال المسلمين.

[٤٧٢] يحيى بن عبيد الله ، باسناده عن أبي شيرين ، أنه تلا قول الله عزّ وجلّ :( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) (٣) .

فقال : ان لم يكن هؤلاء معاوية وأصحابه فلسنا ندري من هم؟

[٤٧٣] ابن عون ، باسناده ، قال : أول من غيّر حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاوية ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، فألحق معاوية(٤) زيادا بأبي سفيان ، لأنه زنى بأمه ، فحملته فيما قال منه.

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : أحمد بن علي.

(٢) وفي نسخة ـ ج ـ : اسفن بن نجران. واسقف النصارى : عالمهم ونجران : واد في اليمن.

(٣) القلم : ٤٤ و ٤٥.

(٤) ونعم ما قاله ابن مفرغ الحميري :

ألا أبلغ معاوية بن صخر م

غلغلة من الرجل اليماني

أتغضب أن يقال أبوك عف

وترضى أن يقال أبوك زاني

فاشهد ان رحمك من زياد

كرحم الفيل من ولد الأتان

١٥٤

[٤٧٤] أبو نعيم(١) ، باسناده ، عن مسروق ، أنه مرت به سفينة فيها أصنام ، فقال : ما هذا؟

قالوا : معاوية بعث بهذه الأصنام الى الهند لتباع ممّن يعبدها.

فقال مسروق : والله ما أدري أيّ الرجلين معاوية ، أرجل قد يئس من الآخرة ، فهو يتمتع من دنياه؟ أو رجل زين له سوء عمله؟ أما والله لو أعلم أنه إنما يقتلني لغرقتها ، ولكني أخاف أن يعذبني ، فيفتنني.

[٤٧٥] إسماعيل بن أبان ، باسناده ، عن علي صلوات الله عليه لما نظر الى رايات معاوية ـ يوم صفين ـ قال : هذه رايات أبي سفيان التي قاتل بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثم قال عليعليه‌السلام (٢) : والله ما أسلم القوم ولكنهم استسلموا ، وأسرّوا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا.

[ رجعوا إلى عداواتهم منّا ، إلا أنهم لم يدعوا الصلاة ](٣) .

[٤٧٦] هودة بن خليفة ، باسناده [ عن ] أبي بكرة ، أنه قال : أيرى الناس أني إنما عتبت على هؤلاء ـ يعني بني أميّة ـ في أمر الدنيا ، فقد

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : إبراهيم باسناده.

(٢) وفي وقعه صفين : رفع عمرو بن العاص بصفين شقة خميصة في رأس رمح. فقال ناس : هذا لواء عقده له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم يزالوا كذلك حتى بلغ عليا ، فقال عليعليه‌السلام :هل تدرون ما أمر هذا اللواء؟ إن عدو الله عمرو بن العاص أخرج له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الشقة. فقال : من يأخذها بما فيها؟ فقال عمرو : وما فيها يا رسول الله؟ قال : فيها أن لا تقاتل به مسلما ، ولا تقربه من كافر ، فأخذها فقد والله قرّبه من المشركين ، وقاتل به اليوم المسلمين. والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أسلموا ولكن استسلموا الخبر.

(٣) هذه الزيادة من وقعة صفين : ص ٢١٥.

١٥٥

استعملوا عبد الله على فارس ، واستعملوا داود على دار الرزق ، واستعملوا عبد الرحمن على بيت المال والديوان. أفليس لي في هؤلاء دينا ، كلا والله لكني إنما عتبت أنهم كفروا صراحة.

[٤٧٧] سليمان بن عبد العزيز ، باسناده : أن معاوية نقم على رجل ، فأمر به فحلق رأسه ، وطيف به.

فبلغ ذلك ابن عباس وكعبا ، فقالا : ما لمعاوية قاتله الله ، ابتدع بدعة جعل الحلق عقوبة ومثلة وقد جعله الله نسكا وسنّة.

[٤٧٨] يحيى الحماني ، باسناده ، عن سعد بن أبي وقاص ، أنه قيل له : إن معاوية ينهي عن متعة الحج.

قال : قد والله فعلها من آمن بالله ورسوله ومعاوية كافر بهما.

[٤٧٩] هودة بن خليفة ، باسناده ، عن أبي عالية قال : غزى يزيد بن أبي سفيان بالناس ـ وهو أمير على الشام ـ فغنموا ، وقسموا الغنائم ، فوقعت جارية في سهم رجل من المسلمين ، وكانت جميلة ، فذكرت ليزيد ، فانتزعها من الرجل.

وكان أبو ذر يومئذ بالشام ، فأتاه الرجل ، فشكا إليه ، واستعان به على يزيد ليردّ الجارية إليه. فانطلق إليه معه ، وسأله ذلك ، فتلكأ عليه.

فقال له أبو ذر : أما والله لئن فعلت ذلك ، لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن أول من يبدل سنّتي رجل من بني أميّة.

ثم قام ، فلحقه يزيد ، فقال له : اذكرك الله عزّ وجلّ أنا ذلك الرجل؟

قال : لا. فردّ عليه الجارية.

[٤٨٠] الشعبي ، باسناده ، عن عبد الله بن مسعود ، أنه قال : سمعت

١٥٦

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ائمة الكفر خمسة : معاوية وعمرو وذكر الثلاثة.

[٤٨١] يحيى بن يعلي ، باسناده ، عن صعصعة بن صوحان ، أنه قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول : خمسة من قريش ضالّون مضلّون معاوية وعمرو بن العاص(١) منهم.

[٤٨٢] عبد الله بن صالح ، باسناده ، عن عمار بن ياسر ، أنه قال ـ يوم صفين ـ ، ونظر الى معاوية وأصحابه : والله ما أسلموا ولكن استسلموا وأسرّوا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا.

[٤٨٣] يعلي بن عبيد ، باسناده ، عن سعيد بن سويد ، قال : خطبنا معاوية ـ بالنخيلة ـ(٢) ، فقال : يا أهل العراق ، أترون إني إنما قاتلتكم لأنكم لا تصلّون ، والله إني لأعلم انكم لتصلّون وإنكم لتغتسلون عن الجنابة ، وإنما قاتلتكم لأتامر عليكم ، فقد تأمرت.

[٤٨٤] أبو نعيم ، باسناده ، عن معاوية ، أنه قال : أنا أول الملوك.

[٤٨٥] شهاب بن عباد(٣) باسناده ، عن الشعبي ، أنه قال : اعتل معاوية ، فبكى.

فقال له مروان بن الحكم : ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟

قال : كبرت سني ، ودق عظمي ، ورق جلدي ، وكثر الدمع في عيني ، وراجعت ما كنت عنه عزوفا(٤) لو لا هواي ( في يزيد )(٥)

__________________

(١) راجع كتاب الغدير للأميني ٢ / ١٢٩ ففيه بحث مفصل عن عمرو بن العاص وترجمته.

(٢) تبعد عن الكوفة بفرسخين.

(٣) وفي نسخة ـ ج ـ : شهاد بن عباس.

(٤) عزفت نفسه عن الشيء : زهدت فيه وملّته.

(٥) هذه الزيادة من نسختي ـ أ ـ و ـ ج ـ.

١٥٧

لأبصرت رشدي.

[٤٨٦] علي بن أبي الجعد ، باسناده ، عن الشعبي ، قال : خطب معاوية بالكوفة ، بعد أن بويع له.

فقال في خطبته : إنه لم يختلف امة بعد نبيها إلا غلب أهل باطلها ( على أهل حقها ).

وهذا حديث يروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجراه الله على لسانه ، فلما قاله ندم.

فقال : إلا هذه الامة فإنها ، فتلجلج(١) لسانه ، ولم يدر ما يقول في ذلك ، فأخذ في غيره.

[٤٨٧] حماد بن سلمة ، عن محمّد بن زياد ، قال : كتب معاوية الى مروان ـ وهو على المدينة ـ أن يبايع الناس ليزيد.

فقال عبد الرحمن بن أبي بكر : جاء بها معاوية هرقلية(٢) .

فقال مروان : أيها الناس إن هذا عبد الرحمن بن أبي بكر هو الذي أنزل الله عزّ وجلّ فيه :( وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي ) (٣) الآية.

فبلغ ذلك اخته عائشة ، فغضبت ، وقالت : لا والله ما هو به ولو شئت أن اسميه لسميته ، ولكن الله لعن أباك يامرون على لسان رسوله وأنت في صلبه ، فأنت قطعة من لعنة الله عزّ وجلّ.

[٤٨٨] يحيى بن غيلان(٤) ، باسناده ، عن عبد الملك قال : دخل سعيد بن العاص على معاوية ، فقال : السّلام عليكم.

__________________

(١) التلجلج : التحرك والتردد في كلامه.

(٢) الهرقل : ملك من ملوك الروم.

(٣) الأحقاف : ١٧.

(٤) وفي نسخة ـ ج ـ : ابن عتيد.

١٥٨

فقال له معاوية : ما يمنعك أن تقول : السّلام عليك يا أمير المؤمنين؟

فقال له سعيد : لست بأمير المؤمنين ، والله ما رضيناك.

[٤٨٩] يحيى بن عبد الله ، باسناده ، عن الحسن البصري ، أنه قال : قاتل الله معاوية سلب هذه الأمة أمرها ، ونازع الأمر أهله ، واستعمل على المؤمنين علجا(١) يعني زيادا.

[٤٩٠] وبآخر ، عن الأسود(٢) ، قال : قلت لعائشة : ألا تعجبين لرجل من الطلقاء ينازع رجلا من أهل بدر الخلافة ـ يعني منازعة معاوية علياعليه‌السلام .

فقالت عائشة : لا تعجب ، فإن فرعون قد ملك بني إسرائيل أربعمائة سنة ، والملك لله يعطيه البرّ والفاجر(٣) .

__________________

(١) العلج : الرجل الغليظ. وفي نسخة ـ أ ـ : عجلا.

(٢) واظنه الاسود بن يزيد بن قيس النخعي توفي ٥٤ ه‍.

(٣) قال السيد محمّد بن عقيل العلوي في نصائح الكافية ص ١٢ : ان كلام عائشة يشير الى ثلاثة امور :

١ ـ دلالة مفهوم الصفة مخالفة أن معاوية ليس من أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أقول : وقد نقل السيد النص من الدر المنثور هكذا رجل من الطلقاء ينازع أصحاب محمّد في الخلافة.

٢ ـ الإشارة بالمثال الى فجور معاوية.

٣ ـ تشبيهها معاوية بفرعون الذي بيّن الله حاله بقوله تعالى : ( وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ. وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ) هود : ٩٧ ـ ٩٩.

ولله درّ الشاعر حيث يقول :

ما أنت بالحكم لترضى حكومته

ولا الأصل ولا ذي الرأي والجدل

١٥٩

[٤٩١] عبد الرحمن بن صالح ، باسناده ، عن عبد الله بن عطاء ، أنه قال : لم تلد سمية ولدا على فراش ، غير زياد ، فإنها ولدته على فراش عبيد.

[٤٩٢] وبآخر ، أن أبا سفيان مرّ ببلال وسلمان وصهيب. فقالوا : لقد كان في قصرة(١) عدو الله هذا مواضع لسيوف المسلمين.

فسمعهم أبو بكر ، فقال : تقولون مثل هذا لشيخ من شيوخ قريش؟

وانطلق الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأخبر بما قالوه.

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لعلك أغضبتهم؟ فإن كنت أغضبتهم ، فإنما أغضبت ربك.

[ فجاء أبو بكر إليهم وترضاهم وسألهم أن يستغفروا له. فقالوا : غفر الله لك ](٢) .

[٤٩٣] وبآخر ، أن أبا سفيان مرض في أيام عمر ، فدخل عليه عثمان يعوده ، فلما أراد عثمان القيام تمسك به ، وقال له : يا عثمان لي إليك حاجة! قال : وما هي؟

قال : إن مت فلا يليني غيرك ، ولا يصلّي عليّ إلا أنت.

قال : وكيف لي بذلك مع عمر؟

قال : فادفني ليلا ولا تخبره.

قال : أفعل.

قال : فاحلف لي باللات والعزى لتفعلن ذلك! فقال له عثمان : خرفت يا أبا سفيان.

فنقه(٣) من علته تلك ، ومات في أيام عثمان ، فصلّى عليه.

__________________

(١) قصرة : عنق.

(٢) هذه الزيادة من فصل الحاكم ص ٢٠.

(٣) نقه : برئ من علّته.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

و أما قوله لم يكن قاطعا علي موته فلا يضر تسليمه أ ليس كان مشفقا و خائفا و على الخائف أن يتحرز ممن يخاف منه فأما قوله فإنه لم يرد نفذوا الجيش في حياتي فقد بينا ما فيه فأما ولاية أسامة على من ولي عليه فلا بد من اقتضائها لفضله على الجماعة فيما كان واليا فيه و قد دللنا فيما تقدم من الكتاب على أن ولاية المفضول على الفاضل فيما كان أفضل منه فيه قبيحة فكذلك القول في ولاية عمرو بن العاص عليها فيما تقدم و القول في الأمرين واحد و قوله إن أحدا لم يدع فضل أسامة على أبي بكر و عمر فليس الأمر علي ما ظنه لأن من ذهب إلى فساد إمامة المفضول لا بد من أن يفضل أسامة عليهما فيما كان واليا فيه فأما ادعاؤه ما ذكره من السبب في دخول عمر في الجيش فما نعرفه و لا وقفنا عليه إلا من كتابه ثم لو صح لم يغن شيئا لأن عمر لو كان أفضل من أسامة لمنعه الرسول ص من الدخول في إمارته و المسير تحت لوائه و التواضع لا يقتضي فعل القبيح قلت إن الكلام في هذا الفصل قد تشعب شعبا كثيرة و المرتضىرحمه‌الله لا يورد كلام قاضي القضاة بنصه و إنما يختصره و يورده مبتورا و يومئ إلى المعاني إيماء لطيفا و غرضه الإيجاز و لو أورد كلام قاضي القضاة بنصه لكان أليق و كان أبعد عن الظنة و أدفع لقول قائل من خصومه إنه يحرف كلام قاضي القضاة و يذكر على غير وجه أ لا ترى أن من نصب نفسه لاختصار كلام فقد ضمن على نفسه أنه قد فهم معاني ذلك الكلام حتى يصح منه اختصاره و من الجائز أن يظن أنه قد فهم

١٨١

بعض المواضع و لم يكن قد فهمه على الحقيقة فيختصر ما في نفسه لا ما في تصنيف ذلك الشخص و أما من يورد كلام الناس بنصه فقد استراح من هذه التبعة و عرض عقل غيره و عقل نفسه على الناظرين و السامعين ثم نقول إن هذا الفصل ينقسم أقساما منها قول قاضي القضاة لا نسلم أن أبا بكر كان في جيش أسامة و أما قول المرتضى إنه قد ذكره أرباب السير و التواريخ و قوله إن البلاذري ذكره في تاريخه و قوله هلا عين قاضي القضاة الكتاب الذي ذكر أنه يتضمن عدم كون أبي بكر في ذلك الجيش فإن الأمر عندي في هذا الموضع مشتبه و التواريخ مختلفة في هذه القضية فمنهم من يقول إن أبا بكر كان في جملة الجيش و منهم من يقول إنه لم يكن و ما أشار إليه قاضي القضاة بقوله في كتب المغازي لا ينتهي إلى أمر صحيح و لم يكن ممن يستحل القول بالباطل في دينه و لا في رئاسته ذكر الواقدي في كتاب المغازي أن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة و إنما كان عمر و أبو عبيدة و سعد بن أبي وقاص و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل و قتادة بن النعمان و سلمة بن أسلم و رجال كثير من المهاجرين و الأنصار قال و كان المنكر لإمارة أسامة عياش بن أبي ربيعة و غير الواقدي يقول عبد الله بن عياش و قد قيل عبد الله بن أبي ربيعة أخو عياش و قال الواقدي و جاء عمر بن الخطاب فودع رسول الله ص ليسير مع أسامة و قال و جاء أبو بكر فقال يا رسول الله أصبحت مفيقا بحمد الله و اليوم يوم ابنة خارجة فأذن لي فأذن له فذهب إلى منزله بالسنح و سار أسامة في العسكر و هذا تصريح بأن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة

١٨٢

و ذكر موسى بن عقبة في كتاب المغازي أن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة و كثير من المحدثين يقولون بل كان في جيشه فأما أبو جعفر محمد بن جرير الطبري فلم يذكر أنه كان في جيش أسامة إلا عمر و قال أبو جعفر حدثني السدي بإسناد ذكره أن رسول الله ص ضرب قبل وفاته بعثا على أهل المدينة و من حولهم و فيهم عمر بن الخطاب و أمر عليهم أسامة بن زيد فلم يجاوز آخرهم الخندق حتى قبض رسول الله ص فوقف أسامة بالناس ثم قال لعمر ارجع إلى خليفة رسول الله ص فاستأذنه يأذن لي أرجع بالناس فإن معي وجوه الصحابة و لا آمن على خليفة رسول الله ص و ثقل رسول الله ص و أثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون حول المدينة و قالت الأنصار لعمر سرا فإن أبى إلا أن يمضي فأبلغه عنا و اطلب إليه أن يولي أمرنا رجلا أقدم سنا من أسامة فخرج عمر بأمر أسامة فأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة فقال أبو بكر لو تخطفتني الكلاب و الذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله ص قال فإن الأنصار أمروني أن أبلغك أنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلا أقدم سنا من أسامة فوثب أبو بكر و كان جالسا فأخذ بلحية عمر و قال ثكلتك أمك يا ابن الخطاب أ يستعمله رسول الله ص و تأمرني أن أنزعه فخرج عمر إلى الناس فقالوا له ما صنعت فقال امضوا ثكلتكم أمهاتكم ما لقيت في سبيلكم اليوم من خليفة رسول الله ص ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم فأشخصهم و شيعهم و هو ماش و أسامة راكب و عبد الرحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر فقال له أسامة بن زيد يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن فقال و الله لا تنزل و لا أركب و ما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة

١٨٣

فإن للغازي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة تكتب له و سبعمائة درجة ترفع له و سبعمائة خطيئة تمحى عنه حتى إذا انتهى قال لأسامة إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل فأذن له ثم

قال أيها الناس قفوا حتى أوصيكم بعشر فاحفظوها عني لا تخونوا و لا تغدروا و لا تغلوا و لا تمثلوا و لا تقتلوا طفلا صغيرا و لا شيخا كبيرا و لا امرأة و لا تعقروا نخلا و لا تحرقوه و لا تقطعوا شجرة مثمرة و لا تذبحوا شاة و لا بعيرا و لا بقرة إلا لمأكلة و سوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم للعبادة في الصوامع فدعوهم فيما فرغوا أنفسهم له و سوف تقدمون على أقوام يأتونكم بصحاف فيها ألوان الطعام فلا تأكلوا من شي‏ء حتى تذكروا اسم الله عليه و سوف تلقون أقواما قد حصوا أوساط رءوسهم و تركوا حولها مثل العصائب فاخفقوهم بالسيوف خفقا أفناهم الله بالطعن و الطاعون سيروا على اسم الله و أما قول الشيخ أبي علي فإنه يدل على أنه لم يكن في جيش أسامة أمره إياه بالصلاة و قول المرتضى هذا اعتراف بأن الأمر بتنفيذ الجيش كان في الحال دون ما بعد الوفاة و هذا ينقض ما بنى عليه قاضي القضاة أمره فلقائل أن يقول إنه لا ينقض ما بناه لأن قاضي القضاة ما قال إن الأمر بتنفيذ الجيش ما كان إلا بعد الوفاة بل قال إنه أمر و الأمر على التراخي فلو نفذ الجيش في الحال لجاز و لو تأخر إلى بعد الوفاة لجاز فأما إنكار المرتضى أن تكون صلاة أبي بكر بالناس كانت عن أمر رسول الله ص فقد ذكرنا ما عندنا في هذا فيما تقدم و أما قوله يجوز أن يكون أمر بصلاة واحدة أو صلاتين ثم أمره بالنفوذ بعد

١٨٤

ذلك فهذا لعمري جائز و قد يمكن أن يقال إنه لما خرج متحاملا من شدة المرض فتأخر أبو بكر عن مقامه و صلى رسول الله ص بالناس أمره بالنفوذ مع الجيش و أسكت رسول الله ص في أثناء ذلك اليوم و استمر أبو بكر على الصلاة بالناس إلى أن توفي ع فقد جاء في الحديث أنه أسكت و أن أسامة دخل عليه فلم يستطع كلامه لكنه كان يرفع يديه و يضعهما عليه كالداعي له و يمكن أن يكون زمان هذه السكتة قد امتد يوما أو يومين و هذا الموضع من المواضع المشتبهة عندي و منها قول قاضي القضاة إن الأمر على التراخي فلا يلزم من تأخر أبي بكر عن النفوذ أن يكون عاصيا فأما قول المرتضى الأمر على الفور إما لغة عند من قال به أو شرعا لإجماع الكل على أن الأوامر الشرعية على الفور إلا ما خرج بالدليل فالظاهر في هذا الموضع صحة ما قاله المرتضى لأن قرائن الأحوال عند من يقرأ السير و يعرف التواريخ تدل على أن الرسول ص كان يحثهم على الخروج و المسير و هذا هو الفور و أما قول المرتضى و قول أسامة لم أكن لأسأل عنك الركب فهو أوضح دليل على أنه عقل من الأمر الفور لأن سؤال الركب عنه بعد الوفاة لا معنى له فلقائل أن يقول إن ذلك لا يدل على الفور بل يدل على أنه مأمور في الجملة بالنفوذ و المسير فإن التعجيل و التأخير مفوضان إلى رأيه فلما قال له النبي ص لم تأخرت عن المسير قال لم أكن لأسير و أسأل عنك الركب إني انتظرت عافيتك فإني إذا سرت و أنت على هذه الحال لم يكن لي قلب للجهاد بل أكون قلقا شديد الجزع أسأل

١٨٥

عنك الركبان و هذا الكلام لا يدل على أنه عقل من الأمر الفور لا محالة بل هو على أن يدل على التراخي أظهر و قول النبي ص لم تأخرت عن المسير لا يدل على الفور لأنه قد يقال مثل ذلك لمن يؤمر بالشي‏ء على جهة التراخي إذا لم يكن سؤال إنكار و قول المرتضى لأن سؤال الركب عنه بعد الوفاة لا معنى له قول من قد توهم على قاضي القضاة أنه يقول إن النبي ص ما أمرهم بالنفوذ إلا بعد وفاته و لم يقل قاضي القضاة ذلك و إنما ادعى أن الأمر على التراخي لا غير و كيف يظن بقاضي القضاة أنه حمل كلام أسامة على سؤال الركب بعد الموت و هل كان أسامة يعلم الغيب فيقول ذاك و هل سأل أحد عن حال أحد من المرضى بعد موته فأما قول المرتضى عقيب هذا الكلام لا معنى لقول قاضي القضاة إنه لم ينكر على أسامة تأخره فإن الإنكار قد وقع بتكرار الأمر حالا بعد حال فلقائل أن يقول إن قاضي القضاة لم يجعل عدم الإنكار على أسامة حجة على كون الأمر على التراخي و إنما جعل ذلك دليلا على أن الأمر كان مشروطا بالمصلحة و من تأمل كلام قاضي القضاة الذي حكاه عنه المرتضى تحقق ذلك فلا يجوز للمرتضى أن ينتزعه من الوضع الذي أورده فيه فيجعله في موضع آخر و منها قول قاضي القضاة الأمر بتنفيذ الجيش يجب أن يكون متوجها إلى الخليفة بعده و المخاطب لا يدخل تحت الخطاب و اعتراض المرتضى عليه بأن لفظة الجيش يدخل تحتها أبو بكر فلا بد من وجوب النفوذ عليه لأن عدم نفوذه يسلب الجماعة اسم الجيش فليس بجيد لأن لفظة الجيش لفظة موضوعة لجماعة من الناس قد أعدت للحرب فإذا خرج منها واحد أو اثنان لم يزل مسمى الجيش عن الباقين و المرتضى

١٨٦

اعتقد أن ذلك مثل الماهيات المركبة نحو العشرة إذا عدم منها واحد زال مسمى العشرة و ليس الأمر كذلك يبين ذلك أنه لو قال بعض الملوك لمائة إنسان أنتم جيشي ثم قال لواحد منهم إذا مت فأعط كل واحد من جيشي درهما من خزانتي فقد جعلتك أميرا عليهم لم يكن له أن يأخذ لنفسه درهما و يقول أنا من جملة الجماعة الذين أطلق عليهم لفظة الجيش و منها قول قاضي القضاة هذه القضية تدل على أنه لم يكن هناك إمام منصوص عليه و أما قول المرتضى فقد بينا أن الخطاب إنما توجه إلى الحاضرين لا إلى القائم بالأمر بعده فلم نجد في كلامه في هذا الفصل بطوله ما بين فيه ذلك و لا أعلم على ما ذا أحال و لو كان قد بين على ما زعم أن الخطاب متوجه إلى الحاضرين لكان الإشكال قائما لأنه يقال له إذا كان الإمام المنصوص عليه حاضرا عنده فلم وجه الخطاب إلى الحاضرين أ لا ترى أنه لا يجوز أن يقول الملك للرعية اقضوا بين هذين الشخصين و القاضي حاضر عنده إلا إذا كان قد عزله عن القضاء في تلك الواقعة عن الرعية فأما قول المرتضى هذا ينقلب عليكم فليس ينقلب و إنما ينقلب لو كان يريد تنفيذ الجيش بعد موته فقط و لا يريده و هو حي فكان يجي‏ء ما قاله المرتضى لينفذ القائم بالأمر بعدي جيش أسامة فأما إذا كان يريد نفوذ الجيش من حين ما أمر بنفوذه فقد سقط القلب لأن الخليفة حينئذ لم يكن قد تعين لأن الاختيار ما وقع بعد و على مذهب المرتضى الإمام متعين حاضر عنده نصب عينه فافترق الوصفان و منها قول قاضي القضاة إن مخالفة أمره ص في النفوذ مع الجيش أو في إنفاذ الجيش لا يكون معصية و بين ذلك من وجوه

١٨٧

أحدها أن أمره ع بذلك لا بد أن يكون مشروطا بالمصلحة و ألا يعرض ما هو أهم من نفوذ الجيش لأنه لا يجوز أن يأمرهم بالنفوذ و إن أعقب ضررا في الدين فأما قول المرتضى الأمر المطلق يدل على ثبوت المصلحة و لا يجوز أن يجعل الأمر المطلق فقول جيد إذا اعترض به على الوجه الذي أورده قاضي القضاة فأما إذا أورده أصحابنا على وجه آخر فإنه يندفع كلام المرتضى و ذلك أنه يجوز تخصيص عمومات النصوص بالقياس الجلي عند كثير من أصحابنا على ما هو مذكور في أصول الفقه فلم لا يجوز لأبي بكر أن يخص عموم قوله انفذوا بعث أسامة لمصلحة غلبت على ظنه في عدم نفوذه نفسه و لمفسدة غلبت على نفسه في نفوذه نفسه مع البعث و ثانيها أنه ع كان يبعث السرايا عن اجتهاد لا عن وحي يحرم مخالفته فأما قول المرتضى إن للدين تعلقا قويا بأمثال ذلك و إنها ليست من الأمور الدنياوية المحضة نحو أكله و شربه و نومه فإنه يعود على الإسلام بفتوحه عز و قوة و علو كلمة فيقال له و إذا أكل اللحم و قوي مزاجه بذلك و نام نوما طبيعيا يزول عنه به المرض و الإعياء اقتضى ذلك أيضا عز الإسلام و قوته فقل إن ذلك أيضا عن وحي ثم إن الذي يقتضيه فتوحه و غزواته و حروبه من العز و علو الكلمة لا ينافي كون تلك الغزوات و الحروب باجتهاده لأنه لا منافاة بين اجتهاده و بين عز الدين و علو كلمته بحروبه و إن الذي ينافي اجتهاده بالرأي هو مثل فرائض الصلوات و مقادير الزكوات و مناسك الحج و نحو ذلك من الأحكام التي تشعر بأنها متلقاة من محض الوحي و ليس للرأي و الاجتهاد فيها مدخل و قد خرج بهذا الكلام الجواب عن قوله

١٨٨

لو جاز أن تكون السرايا و الحروب عن اجتهاده لجاز أن تكون الأحكام كلها عن اجتهاده و أيضا فإن الصحابة كانوا يراجعونه في الحروب و آراءه التي يدبرها بها و يرجع ع إليهم في كثير منها بعد أن قد رأى غيره و أما الأحكام فلم يكن يراجع فيها أصلا فكيف يحمل أحد البابين على الآخر فأما قوله لو كانت عن اجتهاد لوجب أن يحرم مخالفته فيها و هو حي لا فرق بين الحالين فلقائل أن يقول القياس يقتضي ما ذكرت إلا أنه وقع الإجماع على أنه لو كان في الأحكام أو في الحروب و الجهاد ما هو باجتهاده لما جازت مخالفته و العدول عن مذهبه و هو حي لم يختلف أحد من المسلمين في ذلك و أجازوا مخالفته بعد وفاته بتقدير أن يكون ما صار إليه عن اجتهاد و الإجماع حجة فأما قول قاضي القضاة لأن اجتهاده و هو حي أولى من اجتهاد غيره فليس يكاد يظهر لأن اجتهاده و هو ميت أولى أيضا من اجتهاد غيره و يغلب على ظني أنهم فرقوا بين حالتي الحياة و الموت فإن في مخالفته و هو حي نوعا من أذى له و أذاه محرم لقوله تعالى( وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اَللَّهِ ) و الأذى بعد الموت لا يكون فافترق الحالان و ثالثها أنه لو كان الإمام منصوصا عليه لجاز أن يسترد جيش أسامة أو بعضه لنصرته فكذلك إذا كان بالاختيار و هذا قد منع منه المرتضى و قال إنه لا يجوز للمنصوص عليه ذلك و لا أن يولي من عزله رسول الله ص و لا أن يعزل من ولاه رسول الله ص

١٨٩

و رابعها أنه ع ترك حرب معاوية في بعض الحالات و لم يوجب ذلك أن يكون عاصيا فكذلك أبو بكر في ترك النفوذ في جيش أسامة فأما قول المرتضى إن عليا ع كان مأمورا بحرب معاوية مع التمكن و وجود الأنصار فإذا عدما لم يكن مأمورا بحربه فلقائل أن يقول و أبو بكر كان مأمورا بالنفوذ في جيش أسامة مع التمكن و وجود الأنصار و قد عدم التمكن لما استخلف فإنه قد تحمل أعباء الإمامة و تعذر عليه الخروج عن المدينة التي هي دار الإمامة فلم يكن مأمورا و الحال هذه بالنفوذ في جيش أسامة فإن قلت الإشكال عليكم إنما هو من قبل الاستخلاف كيف جاز لأبي بكر أن يتأخر عن المسير و كيف جاز له أن يرجع إلى المدينة و هو مأمور بالمسير و هلا نفذ لوجهه و لم يرجع و إن بلغه موت رسول الله ص قلت لعل أسامة أذن له فهو مأمور بطاعته و لأنه رأى أسامة و قد عاد باللواء فعاد هو لأنه لم يكن يمكنه أن يسير إلى الروم وحده و أيضا فإن أصحابنا قالوا إن ولاية أسامة بطلت بموت النبي ص و عاد الأمر إلى رأي من ينصب للأمر قالوا لأن تصرف أسامة إنما كان من جهة النبي ص ثم زال تصرف النبي ص بموته فوجب أن يزول تصرف أسامة لأن تصرفه تبع لتصرف الرسول ص قالوا و ذلك كالوكيل تبطل وكالته بموت الموكل قالوا و يفارق الوصي لأن ولايته لا تثبت إلا بعد موت الموصي فهو كعهد الإمام إلى غيره لا يثبت إلا بعد موت الإمام ثم فرع أصحابنا على هذا الأصل مسألة و هي الحاكم هل ينعزل بموت الإمام أم لا قال قوم من أصحابنا لا ينعزل و بنوه على أن التولي من غير جهة الإمام يجوز فجعلوا الحاكم نائبا عن المسلمين أجمعين لا عن الإمام

١٩٠

و إن وقف تصرفه على اختياره و صار ذلك عندهم بمنزلة أن يختار المسلمون واحدا يحكم بينهم ثم يموت من رضي بذلك فإن تصرفه يبقى على ما كان عليه و قال قوم من أصحابنا ينعزل و إن هذا النوع من التصرف لا يستفاد إلا من جهة الإمام و لا يقوم به غيره و إذا ثبت أن أسامة قد بطلت ولايته لم تبق تبعة على أبي بكر في الرجوع من بعض الطريق إلى المدينة و خامسها أن أمير المؤمنين ولى أبا موسى الحكم و ولى رسول الله ص خالد بن الوليد السرية إلى الغميصاء و هذا الكلام إنما ذكره قاضي القضاة تتمة لقوله إن أمره ع بنفوذ بعث أسامة كان مشروطا بالمصلحة قال كما أن توليته ع أبا موسى كانت مشروطة باتباع القرآن و كما أن تولية رسول الله ص خالد بن الوليد كانت مشروطة بأن يعمل بما أوصاه به فخالفا و لم يعملا الحق فإذا كانت هذه الأوامر مشروطة فكذلك أمره جيش أسامة بالنفوذ كان مشروطا بالمصلحة و ألا يعرض ما يقتضي رجوع الجيش أو بعضه إلى المدينة و قد سبق القول في كون الأمر مشروطا و سادسها أن أبا بكر كان محتاجا إلى مقام عمر عنده ليعاضده و يقوم في تمهيد أمر الإمامة ما لا يقوم به غيره فكان ذلك أصلح في باب الدين من مسيره مع الجيش فجاز أن يحبسه عنده لذلك و هذا الوجه مختص بمن قال إن أبا بكر لم يكن في الجيش و إيضاح عذره في حبس عمر عن النفوذ مع الجيش

١٩١

فأما قول المرتضى فإن ذلك غير جائز لأن مخالفة النص حرام فقد قلنا إن هذا مبني على مسألة تخصيص العمومات الواردة في القرآن بالقياس و أما قوله أي حاجة كانت لأبي بكر إلى عمر بعد وقوع البيعة و لم يكن هناك تنازع و لا اختلاف فعجيب و هل كان لو لا مقام عمر و حضوره في تلك المقامات يتم لأبي بكر أمر أو ينتظم له حال و لو لا عمر لما بايع علي و لا الزبير و لا أكثر الأنصار و الأمر في هذا أظهر من كل ظاهر و سابعها أن من يصلح للإمامة ممن ضمه جيش أسامة يجب تأخرهم ليختار للإمامة أحدهم فإن ذلك أهم من نفوذهم فإذا جاز لهذه العلة التأخر قبل العقد جاز التأخر بعده للمعاضدة و غيرها فأما قول المرتضى إن ذلك الجيش لم يضم من يصلح للإمامة فبناء على مذهبه في أن كل من ليس بمعصوم لا يصلح للإمامة فأما قوله و لو صح ذلك لم يكن عذرا في التأخر لأن من خرج في الجيش يمكن أن يختار و لو كان بعيدا و لا يمكن بعده من صحة الاختيار فلقائل أن يقول دار الهجرة هي التي فيها أهل الحل و العقد و أقارب رسول الله ص و القراء و أصحاب السقيفة فلا يجوز العدول عن الاجتماع و المشاورة فيها إلى الاختيار على البعد و على جناح السفر من غير مشاركة من ذكرنا من أعيان المسلمين فأما قوله و لو صح هذا العقد لكان عذرا في التأخر قبل العقد فأما بعد إبرامه فلا عذر فيه فلقائل أن يقول إذا أجزت التأخر قبل العقد لنوع من المصلحة فأجز التأخر بعد العقد لنوع آخر من المصلحة و هو المعاضدة و المساعدة

١٩٢

هذه الوجوه السبعة كلها لبيان قوله تأخر أبي بكر أو عمر عن النفوذ في جيش أسامة و إن كان مأمورا بالنفوذ ثم نعود إلى تمام أقسام الفصل و منها قول قاضي القضاة لا معنى لقول من قال إن رسول الله ص قصد إبعادهم عن المدينة لأن بعدهم عنها لا يمنعهم من أن يختاروا واحدا منهم للإمامة و لأنه ع لم يكن قاطعا على موته لا محالة لأنه لم يرد نفذوا جيش أسامة في حياته و قد اعترض المرتضى هذا فقال إنه لم يتبين معنى الطعن لأن الطاعن لا يقول إنهم أبعدوا عن المدينة كي لا يختاروا واحدا للإمامة بل يقول إنما أبعدوا لينتصب بعد موته ص في المدينة الشخص الذي نص عليه و لا يكون حاضرا بالمدينة من يخالفه و ينازعه و ليس يضرنا ألا يكون ص قاطعا على موته لأنه و إن لم يكن قاطعا فهو لا محالة يشفق و يخاف من الموت و على الخائف أن يتحرز مما يخاف منه و كلام المرتضى في هذا الموضع أظهر من كلام قاضي القضاة و منها قول قاضي القضاة إن ولاية أسامة عليهما لا تقتضي كونهما دونه في الفضل كما أن عمرو بن العاص لما ولي عليهما لم يقتض كونه أفضل منهما و قد اعترض المرتضى هذا بأنه يقبح تقديم المفضول على الفاضل فيما هو أفضل منه و إن تقديم عمرو بن العاص عليهما في الإمرة يقتضي أن يكون أفضل منهما فيما يرجع إلى الإمرة و السياسة و لا يقتضي أفضليته عليهما في غير ذلك و كذلك القول في أسامة

١٩٣

و لقائل أن يقول إن الملوك قد يؤمرون الأمراء على الجيوش لوجهين أحدهما أن يقصد الملك بتأمير ذلك الشخص أن يسوس الجيش و يدبره بفضل رأيه و شيخوخته و قديم تجربته و ما عرف من يمن نقيبته في الحرب و قود العساكر و الثاني أن يؤمر على الجيش غلاما حدثا من غلمانه أو من ولده أو من أهله و يأمر الأكابر من الجيش أن يثقفوه و يعلموه و يأمره أن يتدبر بتدبيرهم و يرجع إلى رأيهم و يكون قصد الملك من ذلك تخريج ذلك الغلام و تمرينه على الإمارة و أن يثبت له في نفوس الناس منزلة و أن يرشحه لجلائل الأمور و معاظم الشئون ففي الوجه الأول يقبح تقديم المفضول على الفاضل و في الوجه الثاني لا يقبح فلم لا يجوز أن يكون تأمير أسامة عليهما من قبيل الوجه الثاني و الحال يشهد لذلك لأن أسامة كان غلاما لم يبلغ ثماني عشرة سنة حين قبض النبي ص فمن أين حصل له من تجربة الحرب و ممارسة الوقائع و قود الجيش ما يكون به أعرف بالإمرة من أبي بكر و عمر و أبي عبيدة و سعد بن أبي وقاص و غيرهم و منها قول قاضي القضاة إن السبب في كون عمر في الجيش أنه أنكر على عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة تسخطه إمرة أسامة و قال أنا أخرج في جيش أسامة فخرج من تلقاء نفسه تعظيما لأمر رسول الله ص و قد اعترضه المرتضى فقال هذا شي‏ء لم نسمعه من راو و لا قرأناه في كتاب و صدق المرتضى فيما قال فإن هذا حديث غريب لا يعرف و أما قول عمر دعني أضرب عنقه فقد نافق فمنقول مشهور لا محالة و إنما الغريب الذي لم يعرف كون عمر خرج من تلقاء نفسه في الجيش مراغمة لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة حيث أنكر ما أنكر و لعل قاضي القضاة سمعه من راو أو نقله من كتاب إلا أنا نحن ما وقفنا على ذلك

١٩٤

الطعن الخامس

قالوا إنه ص لم يول أبا بكر الأعمال و ولى غيره و لما ولاه الحج بالناس و قراءة سورة براءة على الناس عزله عن ذلك كله و جعل الأمر إلى أمير المؤمنين ع و قال لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني حتى يرجع أبو بكر إلى النبي ص أجاب قاضي القضاة فقال لو سلمنا أنه لم يوله لما دل ذلك على نقص و لا على أنه لم يصلح للإمارة و الإمامة بل لو قيل إنه لم يوله لحاجته إليه بحضرته و إن ذلك رفعة له لكان أقرب لا سيما و قد روي عنه ما يدل على أنهما وزيراه و أنه كان ص محتاجا إليهما و إلى رأيهما فلذلك لم يولهما و لو كان للعمل على تركه فضل لكان عمرو بن العاص و خالد بن الوليد و غيرهما أفضل من أكابر الصحابة لأنه ع ولاهما و قدمهما و قد قدمنا أن توليته هي بحسب الصلاح و قد يولى المفضول على الفاضل تارة و الفاضل أخرى و ربما ولى الواحد لاستغنائه عنه بحضرته و ربما ولاه لاتصال بينه و بين من يولى عليه إلى غير ذلك ثم ادعى أنه ولى أبا بكر على الموسم و الحج قد ثبتت بلا خلاف بين أهل الأخبار و لم يصح أنه عزله و لا يدل رجوع أبي بكر إلى النبي ص مستفهما عن القصة على العزل ثم جعل إنكار من أنكر حج أبي بكر في تلك السنة بالناس كإنكار عباد و طبقته أخذ أمير المؤمنين ع سورة براءة من أبي بكر و حكي عن أبي علي أن المعنى كان في أخذ السورة من أبي بكر أن من عادة العرب أن سيدا من سادات قبائلهم إذا عقد عقد القوم فإن ذلك العقد لا ينحل إلا أن يحله هو أو بعض سادات قومه فلما كان هذا عادتهم و أراد النبي ص أن ينبذ إليهم عقدهم و ينقض ما كان بينه و بينهم علم

١٩٥

أنه لا ينحل ذلك إلا به أو بسيد من سادات رهطه فعدل عن أبي بكر إلى أمير المؤمنين المقرب في النسب ثم ادعى أنه ص ولى أبا بكر في مرضه الصلاة و ذلك أشرف الولايات و قال في ذلك يأبى الله و رسوله و المسلمون إلا أبا بكر ثم اعترض نفسه بصلاته ع خلف عبد الرحمن بن عوف و أجاب بأنه ص إنما صلى خلفه لا أنه ولاه الصلاة و قدمه فيها قال و إنما قدم عبد الرحمن عند غيبة النبي ص فصلى بغير أمره و قد ضاق الوقت فجاء النبي ص فصلى خلفه اعترض المرتضى فقال قد بينا أن تركه ص الولاية لبعض أصحابه مع حضوره و إمكان ولايته و العدول عنه إلى غيره مع تطاول الزمان و امتداده لا بد من أن تقتضي غلبة الظن بأنه لا يصلح للولاية فأما ادعاؤه أنه لم يوله لافتقاره إليه بحضرته و حاجته إلى تدبيره و رأيه فقد بينا أنه ع ما كان يفتقر إلى رأي أحد لكماله و رجحانه على كل أحد و إنما كان يشاور أصحابه على سبيل التعليم لهم و التأديب أو لغير ذلك مما قد ذكر و بعد فكيف استمرت هذه الحاجة و اتصلت منه إليهما حتى لم يستغن في زمان من الأزمان عن حضورهما فيوليهما و هل هذا إلا قدح في رأي رسول الله ص و نسبته إلى أنه كان ممن يحتاج إلى أن يلقن و يوقف على كل شي‏ء و قد نزهه الله تعالى عن ذلك فأما ادعاؤه أن الرواية قد وردت بأنهما وزيراه فقد كان يجب أن يصحح ذلك قبل أن يعتمده و يحتج به فإنا ندفعه عنه أشد دفع فأما ولاية عمرو بن العاص و خالد بن الوليد فقد تكلمنا عليها من قبل و بينا أن ولايتهما تدل على صلاحهما لما ولياه و لا تدل على صلاحهما للإمامة لأن شرائط الإمامة لم تتكامل فيهما و بينا أيضا لأن ولاية المفضول على الفاضل لا تجوز فأما تعظيمه

١٩٦

و إكباره قول من يذهب إلى أن أبا بكر عزل عن أداء السورة و الموسم جميعا و جمعه بين ذلك في البعد و بين إنكار عباد أن يكون أمير المؤمنين ع ارتجع سورة براءة من أبي بكر فأول ما فيه أنا لا ننكر أن يكون أكثر الأخبار واردة بأن أبا بكر حج بالناس في تلك السنة إلا أنه قد روى قوم من أصحابنا خلاف ذلك و أن أمير المؤمنين ع كان أمير الموسم في تلك السنة و أن عزل الرجل كان عن الأمرين معا و استكبار ذلك و فيه خلاف لا معنى له فأما ما حكاه عن عباد فإنا لا نعرفه و ما نظن أحدا يذهب إلى مثله و ليس يمكنه بإزاء ذلك جحد مذهب أصحابنا الذي حكيناه و ليس عباد لو صحت الرواية عنه بإزاء من ذكرناه فهو ملي‏ء بالجهالات و دفع الضرورات و بعد فلو سلمنا أن ولاية الموسم لم تفسخ لكان الكلام باقيا لأنه إذا كان ما ولي مع تطاول الزمان إلا هذه الولاية ثم سلب شطرها و الأفخم الأعظم منها فليس ذلك إلا تنبيها على ما ذكرناه فأما ما حكاه عن أبي علي من أن عادة العرب ألا يحل ما عقده الرئيس منهم إلا هو أو المتقدم من رهطه فمعاذ الله أن يجري النبي ص سنته و أحكامه على عادات الجاهلية و قد بين ع لما رجع إليه أبو بكر يسأله عن أخذ السورة منه الحال

فقال إنه أوحي إلي ألا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني و لم يذكر ما ادعاه أبو علي على أن هذه العادة قد كان يعرفها النبي ص قبل بعثه أبا بكر بسورة براءة فما باله لم يعتمدها في الابتداء و يبعث من يجوز أن يحل عقده من قومه فأما ادعاؤه ولاية أبي بكر الصلاة فقد ذكرنا فيما تقدم أنه لم يوله إياها فأما فصله بين صلاته خلف عبد الرحمن و بين صلاة أبي بكر بالناس فليس بشي‏ء لأنا إذا كنا قد دللنا على أن الرسول ص ما قدم أبا بكر إلى الصلاة فقد

١٩٧

استوى الأمران و بعد فأي فرق بين أن يصلي خلفه و بين أن يوليه و يقدمه و نحن نعلم أن صلاته خلفه إقرار لولايته و رضا بها فقد عاد الأمر إلى أن عبد الرحمن كأنه قد صلى بأمره و إذنه على أن قصة عبد الرحمن أوكد لأنه قد اعترف بأن الرسول صلى خلفه و لم يصل خلف أبي بكر و إن ذهب كثير من الناس إلى أنه قدمه و أمر بالصلاة قبل خروجه إلى المسجد و تحامله ثم سأل المرتضىرحمه‌الله نفسه فقال إن قيل ليس يخلو النبي ص من أن يكون سلم في الابتداء سورة براءة إلى أبي بكر بأمر الله أو باجتهاده و رأيه فإن كان بأمر الله تعالى فكيف يجوز أن يرتجع منه السورة قبل وقت الأداء و عندكم أنه لا يجوز نسخ الشي‏ء قبل تقضي وقت فعله و إن كان باجتهاده ص فعندكم أنه لا يجوز أن يجتهد فيما يجري هذا المجرى و أجاب فقال إنه ما سلم السورة إلى أبي بكر إلا بإذنه تعالى إلا أنه لم يأمره بأدائها و لا كلفه قراءتها على أهل الموسم لأن أحدا لم يمكنه أن ينقل ع في ذلك لفظ الأمر و التكليف فكأنه سلم سورة براءة إليه لتقرأ على أهل الموسم و لم يصرح بذكر القارئ المبلغ لها في الحال و لو نقل عنه تصريح لجاز أن يكون مشروطا بشرط لم يظهر فإن قيل فأي فائدة في دفع السورة إلى أبي بكر و هو لا يريد أن يؤديها ثم ارتجاعها منه و هلا دفعت في الابتداء إلى أمير المؤمنين ع قيل الفائدة في ذلك ظهور فضل أمير المؤمنين ع و مرتبته و أن الرجل الذي نزعت السورة عنه لا يصلح لما يصلح له و هذا غرض قوي في وقوع الأمر على ما وقع عليه

١٩٨

قلت قد ذكرنا فيما تقدم القول في تولية الملك بعض أصحابه و ترك تولية بعضهم و كيفية الحال في ذلك على أنه قد روى أصحاب المغازي أنه أمر أبا بكر في شعبان من سنة سبع على سرية بعثها إلى نجد فلقوا جمعا من هوازن فبيتوهم فروى إياس بن سلمة عن أبيه قال كنت في ذلك البعث فقتلت بيدي سبعة منهم و كان شعارنا أمت أمت و قتل من أصحاب النبي ص قوم و جرح أبو بكر و ارتث و عاد إلى المدينة على أن أمراء السرايا الذين كان يبعثهم ص كانوا قوما مشهورين بالشجاعة و لقاء الحروب كمحمد بن مسلمة و أبي دجانة و زيد بن حارثة و نحوهم و لم يكن أبو بكر مشهورا بالشجاعة و لقاء الحروب و لم يكن جبانا و لا خوارا و إنما كان رجلا مجتمع القلب عاقلا ذا رأي و حسن تدبير و كان رسول الله ص يترك بعثه في السرايا لأن غيره أنفع منه فيها و لا يدل ذلك على أنه لا يصلح للإمامة و أن الإمامة لا تحتاج أن يكون صاحبها من المشهورين بالشجاعة و إنما يحتاج إلى ثبات القلب و إلا يكون هلعا طائر الجنان و كيف يقول المرتضى إنه ص لم يكن محتاجا إلى رأي أحد و قد نقل الناس كلهم رجوعه من رأي إلى رأي عند المشورة نحو ما جرى يوم بدر من تغير المنزل لما أشار عليه الحباب بن المنذر و نحو ما جرى يوم الخندق من فسخ رأيه في دفع ثلث تمر المدينة إلى عيينة بن حصن ليرجع بالأحزاب عنهم لأجل ما رآه سعد بن معاذ و سعد بن عبادة من الحرب و العدول عن الصلح و نحو ما جرى في تلقيح النخل بالمدينة و غير ذلك فأما ولاية أبي بكر الموسم فأكثر الأخبار على ذلك و لم يرو عزله عن الموسم إلا قوم من الشيعة.

١٩٩

و أما ما أنكره المرتضى من حال عباد بن سليمان و دفعه أن يكون علي أخذ براءة من أبي بكر و استغرابه ذلك عجب فإن قول عباد قد ذهب إليه كثير من الناس و رووا أن رسول الله ص لم يدفع براءة إلى أبي بكر و أنه بعد أن نفذ أبو بكر بالحجيج أتبعه عليا و معه تسع آيات من براءة و قد أمره أن يقرأها على الناس و يؤذنهم بنقض العهد و قطع الدنية فانصرف أبو بكر إلى رسول الله ص فأعاده على الحجيج و قال له أنت الأمير و علي المبلغ فإنه لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني و لم ينكر عباد أمر براءة بالكلية و إنما أنكر أن يكون النبي ص دفعها إلى أبي بكر ثم انتزعها منه و طائفة عظيمة من المحدثين يروون ما ذكرناه و إن كان الأكثر الأظهر أنه دفعها إليه ثم أتبعه بعلي ع فانتزعها منه و المقصود أن المرتضى قد تعجب مما لا يتعجب من مثله فظن أن عبادا أنكر حديث براءة بالكلية و قد وقفت أنا على ما ذكره عباد في هذه القضية في كتابه المعروف بكتاب الأبواب و هو الكتاب الذي نقضه شيخنا أبو هاشم فأما عذر شيخنا أبي علي و قوله إن عادة العرب ذلك و اعتراض المرتضى عليه فالذي قاله المرتضى أصح و أظهر و ما نسب إلى عادة العرب غير معروف و إنما هو تأويل تأول به متعصبو أبي بكر لانتزاع براءة منه و ليس بشي‏ء و لست أقول ما قاله المرتضى من أن غرض رسول الله ص إظهار أن أبا بكر لا يصلح للأداء عنه بل أقول فعل ذلك لمصلحة رآها و لعل السبب في ذلك أن عليا ع من بني عبد مناف و هم جمرة قريش بمكة و علي أيضا شجاع لا يقام له و قد حصل في صدور قريش منه الهيبة الشديدة و المخافة العظيمة فإذا حصل مثل هذا الشجاع البطل و حوله من بني عمه و هم أهل العزة و القوة و الحمية

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610