شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٢

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار6%

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 610

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 610 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64051 / تحميل: 6281
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

تسمّى حروراء ، فنسبوا إليها. فقالت : والله لو شاء علي بن أبي طالب لأخبركم بما أخبره به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهم. وقد جئتك يا أمير المؤمنين أسألك عن ذلك.

فهلّل عليعليه‌السلام وكبّر مرتين.

ثم قال : نعم ، دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليس عنده أحد غير عائشة. فقال : يا علي ، كيف أنت وقوم كذا وكذا؟

قلت : الله ورسوله أعلم. قال : هم قوم يخرجون من المشرق يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فيهم رجل مخدج كأن يده ثدي امرأة(١) .

ثم نظر الى الناس فقال : انشدكم الله هل أخبرتكم بهم؟

قالوا : نعم.

قال : فانشدكم الله هل أخبرتكم أنه فيهم؟ فقلتم : إنه ليس فيهم. فحلفت لكم أنه فيهم وإني ما كذبت ولا كذبت ، فأتيتموني به تسحبونه كما نعت لكم.

قالوا : نعم. [ صدق الله ورسوله ].

[٤٢٣] يحيى بن اكثم(٢) باسناده ، عن ابن عباس ، قال : لما قتل عليعليه‌السلام أهل النهروان ، قال : أيّ نهر هذا؟

قالوا : هو النهروان.

قال : اطلبوا في القتلى رجلا أخدج إحدى اليدين ليست له كف

__________________

(١) وفي خصائص النسائي ص ١٤٧ : ثدي حبشية.

(٢) أبو محمّد يحيى بن اكثم بن محمّد بن قطن التميمي الأسيدي المروزي القاضي ولد بمرو ١٥٩ واتصل بالمأمون ولاه قضاء البصرة ٢٠٢ هـ ثم قضاء بغداد. واحتجاجه مع الامام الجواد مشهور. عزله المتوكل ومات في الربذة ٢٤٢ ه‍.

٦١

ولا ذراع على موضع عضده مثل ثدي المرأة في طرفه حلمة مثل حلمة الثدي ، فيها سبع شعرات طوال.

فالتمسناه ، فلم نجده ، فما رأيته اشتدّ عليه شيء كما اشتدّ ذلك عليه. وقال : اطلبوه! فو الله ما كذبت ولا كذبت وأنه لفيهم.

فرجعنا ، وأتينا خندقا فيه قتلى بعضهم على بعض ، فاستخرجناه من تحتهم. فلما رآه فرح فرحا ما رأيناه فرح مثله.

[٤٢٤] إسماعيل بن موسى ، باسناده ، عن عليعليه‌السلام ، أنه لما أتى بالمخدج سجد ـ سجدة الشكر ـ(١) .

[٤٢٥] الحكم بن سليمان ، باسناده ، عن أبي سعيد الخدري ، أنه قال : ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخوارج ووصفهم ، ثم قال : يقتلهم خير البرية علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

[٤٢٦] إسماعيل ، باسناده ، عن حبة العرني ، انه قال : لما فرغ عليعليه‌السلام من قتال أهل النهروان قام إليه رجل ، فقال : الحمد لله الذي قتلهم وأخزاهم وأفناهم.

فقال له عليعليه‌السلام : لقد بقي منهم من هو في أصلاب الرجال ومن هو في أرحام النساء ، ولا تزال الخارجة تخرج منهم بعد الخارجة حتى تخرج منهم فرقة ـ أو قال : طائفة ـ لا يناويهم أحد إلا قتلوه ـ أو قال : ظهروا عليه ـ ، قال : فيخرج إليهم رجل مني(٢) ـ أو قال : من ولدي ـ فيقتلهم فلا يخرج منهم بعدها خارجة أبدا.

فاخلق أن يكون الخارج إليهم بعد ما كان منهم وصفه علي

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : سجدتي الشكر.

(٢) هكذا في نسخة ـ أ ـ وفي الاصل : من امتي.

٦٢

صلوات الله عليه الإمام المنصور بالله صلوات الله عليه ، فانه لم يكن للخوارج فئة أشد ولا أغلظ على الامة من فئة اللعين مخلد ، ولا فتنة أعظم من فتنته عمّت الأرض شرقا وغربا وبرا وبحرا حتى خرج إليه المنصورعليه‌السلام من دار ملكه ، فلم يزل يفله ويقل حده وجمعه ، ويقتلهم في كل موطن ، وهم يولون بين يديه ناكصين على أعقابهم هربا منه يتوغلون الصحاري والرمال ، ويقطعون الفيافي ، وينزلقون في قلل الجبال وهو على ذلك لا يثني عنهم عنان الطلب حيث ما أمعنوا ، وجدوا في الحرب متجشما في ذلك لفح الهجير والحر ، ومباشرة الثلج والقرّ والصرّ حتى أمكنه الله عزّ وجلّ من رمته وأفنى على يديه أكثر أهل نحلته. ولن تخرج إن شاء الله لهم بعد ذلك خارجة أبدا. وفيه إن شاء الله جاء الخير وبذلك عن علي صلوات الله عليه(١) .

[ عائشة والخوارج ]

[٤٢٧] الدغشي ، باسناده ، عن مسروق(٢) ، قال : قالت لي عائشة : ترى قول عليعليه‌السلام « والله ما عبروا النهر ولا يعبرونه » حق؟

قلت : إي والله حق.

قالت : أفترى قوله في ذي الثدية : اطلبوه ، فو الله ما كذبت ولا كذبت؟

__________________

(١) ومن المتوقع أن هذه الرواية وردت في المهدي محمّد بن الحسن العسكري ـ لأن شراذم من الخوارج وبقاياهم موجودون في الأرض ولهم حكومات كدولة عمان ودول في المغرب العربي حتى يظهر (ع) ويطهر الأرض منهم وهذه من مؤيدات عدم ظهوره (ع) بعد. وسنذكر في الجزء الخامس عشر بطلان ما ادعاه المؤلف من أن المنصور بالله الفاطمي هو المهدي ، فراجع.

(٢) مسروق بن الأجذع بن مالك الهمداني الوادعي ـ أبو عائشة ـ سكن الكوفة ، توفي ٦٣ ه‍.

٦٣

قلت : إي والله.

قالت : والله إني لأعلم أن الحق مع علي ، ولكني كنت امرأة من الأحماء.

[٤٢٨] وبآخر ، عن غالب الهمداني ، قال : أخبرني رجل من كندة ، قال : خرجت من الكوفة اريد الحج ، فمررت بعائشة ، فدخلت عليها.

فقالت لي : ممن الرجل؟

قلت : رجل من أهل العراق.

فقالت : إني أسألك عن أمر ، ولا تقل بلغني ولا قيل لي ، فإن ذلك قد ينسو به الكذب ، ولا تخبرني إلا عمّا رأته عيناك وسمعته اذناك.

قلت : سلي عما شئت يا أم المؤمنين ، فإني لا اخبرك إلا بما رأيت وسمعت.

قالت : شهدت شيئا من حروب علىعليه‌السلام ؟

قلت : قد شهدت جميعها ، فاسألي عمّا شئت.

قالت : صف لي الموضع الذي اصيب فيه الخوارج؟

قلت : نعم ، اصيبوا. بجانب نهر يقال لأسفله : النهروان ، ولأعلاه :

تأمر ، أصبناهم بين أخافيق وأودية وطرق ، بقرب بناء لبوران بنت كسرى ، هنالك أصبناهم.

قالت : فأصبتم فيهم ذا الثدية؟

قلت : نعم أصبناه ، رجلا أسود له يد كثدي المرأة ، إذا مديت امتدت ، وإذا تركت تقلصت.

قالت : فعل الله بعمرو بن العاص ما فعل به ، فقد قال : إنه أصابه على نيل مصر.

٦٤

قلت : يا اماه ، وما أردت بسؤلك عن ذلك؟

قالت : لخبر.

قلت : فإني أسألك بحقّ رسول الله إلا أخبرتنيه.

قالت : سبحان الله ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : هم شرّ الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة ، وأقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة.

٦٥

[ ابن عباس ومعاوية ]

[٤٢٩] وبآخر ، عن عبيد الله بن عبد الله الكناني ـ من أهل المدينة ـ حليفا لبني أميّة ، قال : حجّ معاوية ، فأتى المدينة ، فجلس في المسجد في حلقة ، فيها أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم عبد الله بن عباس(١) .

فقال له معاوية : أنا كنت أولى بالأمر منك من ابن عمك.

قال ابن عباس : ولم؟

قال : لأني ابن عم الخليفة المقتول ظلما.

قال ابن عباس : فهذا إذا أولى بالأمر منك ومن ابن عمك ـ وأشار الى عبد الله بن عمر ـ لان أباه قتل مظلوما قبل ابن عمك.

قال معاوية : إن أبا هذا ليس كابن عمي ، إن أبا هذا قتله مشرك ، وإن ابن عمي قتله المسلمون.

فضحك ابن عباس ، وقال : ذاك والله أدحض لحجتك إذ كان المسلمون قتلوه.

فسكت معاوية ولم يجر جوابا.

ثم أقبل على سعد بن أبي وقاص.

__________________

(١) وفي تاريخ دمشق ٣ / ١٢١ : في مجلس فيه سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وعبد الله بن العباس.

٦٦

فقال : وأنت يا سعد الذي لم تعرف حقنا عن باطل غيرنا ، فتكون معنا أو علينا(١) .

فقال سعد : إني والله لما رأيت الظلمة قد غشيت الأرض قلت لبعيري : هيج ، فلما أسفرت مضيت.

قال له معاوية : لقد قرأت ما بين اللوحين ، فما سمعت فيه هيج(٢) .

فقال سعد : أما إذا أبيت ، فإني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعليعليه‌السلام : أنت مع الحق والحق معك.

فقال له معاوية : لتجيئني بمن سمع ذلك معك أو لأفعلن أو لأصنعن ـ.

فقال سعد : بيني وبينك أمّ سلمة هي سمعته معي.

فقام معاوية وجماعة معه وسعد ، فأتوها.

فناداها معاوية.

فقال : يا أم المؤمنين إن الكذب قد فشى على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يزال قائل يقول : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم يقله ، وقد زعم سعد أنه سمع قولا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ ما لم نسمعه ] سمعه يقول لعلي بن أبي طالب أنه مع الحق والحق معه(٣) ، فإنك سمعت ذلك معه.

قالت : صدق سعد ، في بيتي قال ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام .

__________________

(١) وفي تاريخ دمشق : فلم تكن معنا ولا علينا.

(٢) وفي جميع المصادر التي لدينا كلمة إخ : صوت اناخة الجمل.

(٣) وفي تاريخ دمشق ٣ / ١٢١ : أنت مع الحق والحق معك حيثما دار.

٦٧

قال سعد : الله اكبر.

فأقبل عليه معاوية ، فقال : الآن والله أنت ألوم ما تكون عندي ، والله لو سمعت هذا من رسول الله ما زلت خادما لعلي حتى أموت.

وكذب عدو الله قد سمع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من ذلك ممّا ذكرناه ، وسمع قوله : من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه. فما تولاّه ولا والاه بل حاربه وعاداه ولا رجع عما كان فيه ، إذ أخبره سعد وأمّ سلمة بما أخبراه به عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل تمادى على ظلمه وأصرّ عليه.

٦٨

[ ندامة عائشة ]

[٤٣٠] وبآخر ، عن عائشة ، أنها قالت : والله لوددت أني كنت غصنا رطبا ، ولم أسر مسيري ـ تعني الى البصرة ـ يا ليتني كنت حيضة ، يا ليتني كنت حممة.

[ ضبط الغريب ]

والحممة : الفحمة الباردة ، وجمعها حمم. ويقال للمرأة السوداء حممة ، شبهوها بالفحمة لسوادها.

[٤٣١] وبآخر ، عن قيس بن أبي حازم ، أنه قال : قالت عائشة : لا تدفنوني(١) مع أزواج النبي ، فإني أحدثت بعده حدثا ـ تعني خروجها مع طلحة والزبير ـ.

[٤٣٢] وبآخر ، عن جميع بن عمير ، أنه قال : دخلت على عائشة ، وأنا غلام

__________________

(١) وأظن أن هنا تصحيفا والصحيح : لا تدفنوني مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وادفنوني مع أزواج النبي. أو كما ذكرنا الحديث : ادفنوني مع أزواج النبي ( راجع تخريج الاحاديث ) ويؤيده ما رواه المجلسي في بحار الأنوار مجلد ٨ / ٦٤٠ : عن مصعب بن سلام ، عن موسى بن مطير ، عن أبيه ، عن أم حكيم بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، قالت ـ لما نزلت بعائشة الموت ـ قلت لها : يا امتاه ندفنك في البيت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وقد كان موضع قبر تذخره لنفسها ـ؟ قالت : لا ، ألا تعلمون حيث سرت ، ادفنوني مع صواحبي فلست خيرهن.

٦٩

مع أمي وخالتي ، فسألتاها عن أشياء ، ثم قالتا لها : ما كانت منزلة علي فيكم؟

قالت : سبحان الله كيف تسألاني عن رجل قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على صدره ، وسالت نفسه في يده فمسح بها وجهه ، ولم يدر الناس وجهة حيث يدفنونه؟ فقال : إن أفضل بقعة بقعة قبض فيها ، فادفنوه بها.

فقالتا لها : وكيف رأيت الخروج عليه؟

قالت : والله لوددت أني افتديت من ذلك بما في الأرض من شيء.

[٤٣٣] وبآخر ، عن فاطمة بنت الحسين ، أنها زاملت(١) عائشة الى مكة ، فرأت يوما عذرة ، فقالت :

والله وددت أني كنت هذه ، ولم أخرج في وجهي الذي خرجت فيه.

قال عبد الله بن الحسين : فقد تابت ، فلا تقولوا إلا خيرا(٢) .

__________________

(١) المزاملة : المعادلة على البعير.

(٢) إن هذه الرواية وأمثالها ربما تفيد الظن ، وبديهي أن الظن لا يقاوم العلم ولا يمكن رفع اليد منه بالظن. أضف الى ذلك الروايات الكثيرة المعارضة القوية أو المساوية لها رتبة. فمنها :

ما رواه أبو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين ص ٢٦ : عن محمّد بن الحسين الأشناني ، عن موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، عن عثمان بن عبد الرحمن ، عن إسماعيل بن راشد ، باسناده ، قال : لما اتي عائشة نعي علي أمير المؤمنين عليه‌السلام تمثلت :

فالقت عصاها واستقرت بها النوى

كما قرّ عينا بالإياب المسافر

ثم قالت : من قتله؟

فقيل : رجل من مراد.

فقالت :

فإن يك نائبا فلقد بغاه

غلام ليس في فيه التراب

٧٠

[٤٣٤] وعن عمرو بن أمّ سلمة ، أنه قال : قالت عائشة : والله لوددت أني شجرة ، والله لوددت إن كنت مدرة ، والله لوددت أن الله لم يكن خلقني شيئا ، ولم أسر سيري الذي سرت.

[٤٣٥] وعن أبي جعفر ـ محمّد بن علي ـ صلوات الله عليه ، إن عيسى بن دينار المؤذن ، قال له : يا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما تقول في عائشة ، وقد سارت المسير الذي علمت الى أمير المؤمنين ، وأحدثت ما أحدثت في الدين؟

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : أولم يبلغك ندامتها ، وقولها : يا ليتني كنت شجرة ، يا ليتني كنت حجرا؟

قال له عيسى : فما ذاك منها يا ابن رسول الله؟ قال : توبة.

[٤٣٦] الليث بن سعد ، يرفعه الى عائشة ، أنها قالت :

لئن اكون قد قعدت عن يوم الجمل أحب إليّ من أن يكون [ لي ] من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعون ـ أو قالت أربعون ـ ولدا ذكرا.

__________________

وروى أيضا : عن الأشناني ، عن أحمد بن حازم ، عن عاصم بن عامر ، عن جرير ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البحتري قال : لما أن جاء عائشة قتل عليعليه‌السلام سجدت.

وأما ما روي عن بكائها ، فكانت تبكي لأجل الخيبة لا للتوبة. وممّا يدل على ذلك ما رواه الواقدي باسناده ، أن عمار (ره) استأذن على عائشة بالبصرة بعد الفتح ، فأذنت له ، فدخل. فقال : يا أمة كيف رأيت صنع الله حين جمع بين الحق والباطل ، ألم يظهر الحق على الباطل ويزهق الباطل؟

فقالت : إن الحروب دول وسجال وقد اديل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن انظر يا عمار كيف تكون في عاقبة أمرك.

وروى مسروق ، أنه قال : دخلت على عائشة ، فجلست احدثها ، واستدعت غلاما لها أسود ، يقال له : عبد الرحمن ، فجاء حتى وقف. فقالت : يا مسروق أتدري لم سميته عبد الرحمن ، فقلت : لا. فقالت حبا مني لعبد الرحمن بن ملجم.

وأما قصتها مع جثمان الإمام الحسن عليه‌السلام فمن أهم الدلائل على ما ذكرنا.

٧١

[ ندامة عبد الله بن عمر ]

[٤٣٧] وعن فاطمة بنت علي ، أنها قالت :

ما مات عبد الله بن عمر حتى تاب عن تخلفه عن عليعليه‌السلام [٤٣٨] عن عبد الله بن عمر ، أنه قال : كان يقول : ما أسى على شيء من امور الدنيا إلا أن أكون قد قاتلنا الفئة الباغية مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

[٤٣٩] وعنه ، أنه قال :

ما أسى على شيء إلا على ظلماء الهواجر(١) ، وإني لم أكن قاتلت مع عليعليه‌السلام الفئة الباغية.

[ ندامة مسروق ]

[٤٤٠] فطر(٢) بن خليفة ، باسناده ، عن الشعبي ، أنه قال :

ما مات مسروق(٣) حتى تاب الى الله عزّ وجلّ من تخلفه عن عليعليه‌السلام .

__________________

(١) وفي طبقات ابن سعد ٤ / ١٣٦ : ظماء الهواجر ومكابدة الليل وأ لا اكون قاتلت هذه الفئة الباغية التي حلّت بنا.

(٢) وفي الاصل : قطر. وهو أبو بكر الحناط فطر بن خليفة القرشي المخزومي ، توفي ١٥٣ ه‍.

(٣) وهو مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي ، أبو عائشة الكوفي.

٧٢

[ التحريض على القتال ]

ولم يزل عليعليه‌السلام ـ بعد قتله الخوارج ـ يدعو الناس الى الخروج الى قتال معاوية وأصحابه ، ليقضي دين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أمره وتقدم إليه بقضائه عنه من جهاد المنافقين الذين أمر الله عزّ وجلّ به بقوله( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ ) (١) ، لا يشغله عن ذلك شاغل ولا تدركه فيه سأمة ، والناس في ذلك يتثاقلون عنه ويتخلفون ويعتذرون لما أصابهم من طول الجهاد معه ، الى أن اصيب صلوات الله عليه على ذلك غير وان فيه ولا مقصر عنه.

ومن ذلك ما يؤثر من تحريضه ممّا رواه.

[٤٤١] الدغشي ، باسناده ، عنهعليه‌السلام ، أنه خطب الناس بالكوفة. فقال : بعد حمد الله ، والثناء عليه ، والصلاة على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

أيها الناس المجتمعة أبدانهم ، المختلفة قلوبهم وأهواؤهم ، ما عزت دعوة من دعاكم ، ولا استراح قلب من قاساكم ، كلامكم يوهي(٢) الصم الصلاب ، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم ، إذا قلت لكم سيروا إليهم ، قلتم : كيت وكيت ، ومهما ، ولا ندري أعاليل وأضاليل(٣) وفعل ذي

__________________

(١) التوبة : ٧٣.

(٢) وفي الغارات : كلامكم يوهن.

(٣) وفي نسخة ـ ج ـ : وأضالبل ، وفعلتم فعل.

٧٣

الدين المطلّ ، هيهات لا يمنع الضيم الذليل ، ولا يدرك الحق إلا بالصدق والجد ، أيّ جار بعد جاركم تمنعون؟ وعن أيّ دار بعد داركم تدفعون؟ ومع أيّ إمام بعدي تقاتلون؟ الذليل والله من نصرتموه ، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب ، أصبحت لا أطمع في نصرتكم ، ولا أرغب في دعوتكم ، فرق الله بيني وبينكم ، وأبدل لي بكم من هو خير لي منكم ، وأبدل لكم بي من هو شرّ مني لكم.

فلما كان بالعشي راح الناس إليه يعتذرون ، فقال لهم :

أما أنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا ، وسيفا قاتلا ، وأثرة قبيحة ، يتخذها الظالمون عليكم حجة تبكي عيونكم ، ويدخل الفقر عليكم في بيوتكم ، ولا يبعد الله إلا من ظلم.

فكان كعب بن مالك بن جندب الأزدي إذا ذكر هذا الحديث ، يبكي ، ثم يقول : صدق والله أمير المؤمنين ، لقد رأينا بعده ذلا شاملا ، وسيفا قائلا ، وأثرة قبيحة.

[٤٤٢] ومن ذلك ما رواه محمّد بن الجنيد ، عن أبي صادق ، قال : بعث معاوية خيلا فأغارت على الأنبار(١) ، فقتلوا عامل عليعليه‌السلام عليها ، وأصابوا من أهلها ، وانصرفوا. فبلغ ذلك علياعليه‌السلام . فخرج من فوره مع من خفّ معه حتّى أتى النخيلة(٢) ، فأدركه الناس ، وقالوا : ارجع يا أمير المؤمنين فنحن نكفيكهم.

فقال : والله لا تكفوني ولا تكفون أنفسكم.

ثم صعد المنبر : فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) مدينة في أواسط العراق.

(٢) النخيلة : على بعد فرسخين من الكوفة.

٧٤

ثم قال : أيها الناس إن الجهاد باب من أبواب الجنة ، فمن تركه ألبسه الله الذلة ، وشمله البلاء ، وضرب بالصغار ، هذا عامل معاوية قد أغار على الأنبار ، فقتل بها عاملي ابن حسان ، ورجالا كثيرا ، وانتهكت بها حرم من النساء ، فقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والاخرى المعاهدة ، فينتزع خلخالها ورعاثها(١) لا تمتنع منه إلا بالاسترحام والاسترجاع ، ثم انصرفوا لم يكلم أحد منهم ، فو الله لو أن امرأ مات من دون هذا أسفا ما كان عندي ملوما ، بل كان عندي جديرا ، يا عجبا ، عجبت لبث القلوب ، وتشعب الآراء من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم ، وفشلكم عن حقكم حتى صرتم غرضا(٢) ترمون ولا ترمون ، وتغزون ولا تغزون ، ويغار عليكم ولا تغيرون ، ويعصى الله وترضون. اذا قلت لكم : اغزوهم في البرد ، قلتم : هذه أيام صرّ وقرّ. واذا قلت لكم : اغزوهم في الحر ، قلتم : هذه حمارة القيظ(٣) ، امهلنا حتى ينسلخ الحر. فأنتم من الحر والبرد تفرون ولأنتم والله من السيف أفر ، يا أشباه الرجال ولا رجال ، ويا طغام الأحلام ، ويا عقول ربات الحجال ، قد ملأتم قلبي غيظا بالعصيان والخذلان ، حتى قالت قريش : إن علي بن أبي طالب رجل شجاع ، ولكن لا علم له بالحرب ، ومن منهم أعلم بالحرب مني ، لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وأنا الآن قد عاقبت الستين ، لكن لا رأي لمن لا يطاع ، كم أمرتكم أن تغزوهم قبل أن يغزوكم ، وقلت لكم : إنه لم يغز قوم قط في عقر دارهم إلاّ ذلوا ، فما قبلتم أمري ، ولا استجبتم لي ، أبدلني الله بكم

__________________

(١) الرعاث : جمع رعثة أي الرعثة القرط.

(٢) غرضا : هدفا.

(٣) حمارة القيظ : شدة الحر.

٧٥

من هو خير منكم ، وأبدلكم بي من هو شرّ لكم مني ، قد أصبحت لا أرجو نصرتكم ، ولا أصدق قولكم ، ولقد فاز بالسهم الأخيب من فاز بكم.

فقام إليه جندب بن عبد الله ، فقال : يا أمير المؤمنين هذا أنا وأخي(١) ، أقول كما قال موسىعليه‌السلام :( رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي ) (٢) . فمرنا بأمرك. فو الله لنضر بن دونك ، وإن حال دون ما تريده جمر الغضا وشوك القتاد.

فأثنى عليهما خيرا ، وقال : وأين تقعان رحمكما الله ممّا اريد.

ثم نزل ، ولم يزل على ذلك يدعو الناس ويحضهم على جهاد عدوهم ، حتى اصيب صلوات الله عليه ورحمته وبركاته.

__________________

(١) وفي الغارات ٢ / ٤٧٧ : آخذا بيد ابن أخ له يقال عبد الرحمن بن عبد الله بن عفيف. والقائم حبيب بن عفيف.

(٢) المائدة : ٢٥.

٧٦

[ الحجة على من حارب عليّا ]

نكب من الاحتجاج على من حارب عليا ومن خذله

قد ذكرنا أنا لم نبسط هذا الكتاب إلا لذكر فضائل علي صلوات الله عليه ، وفضائل الائمة من ذريتهعليهم‌السلام ، وما يدخل في ذلك ممّا يشبهه ، وإن ذكر ما يثبت إمامته ، ويوجب الحجة على من تقدم عليه ، ومن قال بذلك واعتقد يخرج عن حدّ هذا الكتاب لطوله ، واتساع القول فيه ، وكذلك الحجة فيه على مناصبيه والمتوثبين عليه وخاذليه ، تخرج أيضا إذا استقصيت عن حده. ولكنا لما ذكرنا من حاربه وناصبه ، ومن قام معه ونصره ، ومن تخلف عنه وخذله رأينا أن نذكر جملا من الحجة في ذلك ، لأن لا نخلي هذا الكتاب من ذكر شيء من ذلك ، فيلتبس الأمر في ذلك ، ويشكل على من قصر فهمه ، وقلّ علمه ، وإن كنا قد أوردنا فيه ما رواه الخاص والعام من فضل علي صلوات الله عليه ، وما يوجب إمامته وطاعته ، وينهى عن التقدم عليه ، وعن مخالفته ومناصبته والتخلف عنه ، وذكرت ما كان منه صلوات الله عليه من الصبر على تقدم من تقدم عليه بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واستأثر دونه بحقه الذي جعله الله عزّ وجلّ ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخافة ما يكون في ذلك من الاختلاف والتنازع واراقة الدماء ، وما يتخوف منه من الفتنة والردة لقرب عهد الإسلام وأهله بالجاهلية ، وكثرة من لم يعتقده

٧٧

حق الاعتقاد ومن تسمى به من المنافقين والذين في قلوبهم مرض ، فسالم أبا بكر وعمر وعثمان أيام حياتهم مخافة ذلك ولما عهد إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى أحدث عثمان ما أحدثه ، ممّا أنكره عليه جماعة من المسلمين الذين بتقديمهم إياه استحق فيما زعم! وزعم من أوجب ذلك له ما صار إليه ، وخيّروه بين أن يتوب عما أحدثه ويرجع عنه أو أن يعتزل ، فامتنع من كلا الأمرين ، وإذا كان من الواجب أن يقوم باقامتهم إياه ، فالواجب أن يعتزل بعزلهم له ، وتمالوا بأجمعهم في ذلك عليهم ، فلم يكن منهم إلا قائم في ذلك عليه ، حتى قتلوه ، أو خاذل له فيما أتوه إليه ، معرض عنهم فيه.

وكان علي صلوات الله عليه فيمن أعرض عن ذلك لم يكن منه فيه أمر ولا نهي ، خلا أنه نهاهم عن حصاره ، وأرسل الماء والطعام إليه ، فكان أكثرهم نفعا له.

فلما قتلوه أتوا عليا صلوات الله عليه بأجمعهم ، فبايعوه بعد أن دفعهم ، فلم يقبلوه منه ، ولا انصرفوا عنه ، وبعد أن شرط عليهم من السمع والطاعة في الحق والعدل ، ما تقدم ذكره ، وأخذ ميثاقهم ، وبيعتهم عليه ، بعد أن عقد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم البيعة له في غير موطن ـ كما تقدم القول بذلك ـ فلما لم يجد أكثرهم عنده ما عودوه وأرادوه ، نكث من نكث منهم عليه ، وحاربوه ، وقعد من قعد منهم عن نصرته وخذلوه ، وقام أكثرهم معه وحاربوا من حاربه وناصبوا من ناصبه ـ كما تقدم القول باخبارهم ـ وما آلى إليه أمرهعليه‌السلام وأمرهم.

وليس ترك علي صلوات الله عليه القيام على من تغلّب عليه بمسقط ما وجب له ، وقد أجمع المسلمون على أن سكوت ذي الحق عن طلب حقه ممن هو عنده وعليه ، ما سكت عن ذلك ولم يطلبه غير مسقط لشىء منه ،

٧٨

وأن له إذا شاء أن يطلب ذلك منه طلبه ، والقيام فيه.

وكذلك امتناعه أن يبايعهم لما أتوه ليبايعوه ، ليس بمزيل ما وجب له ، كما أن ذا الحق إذا عرض عليه حقه ، فأبى في وقت ذلك أخذه ، وأخره الى وقت آخر لم يسقط ذلك ، مع ما أراد صلوات الله عليه في ذلك من التأكيد عليهم باشتراط ما شرطه لما تقدم ـ وعودوه من خلافه من غير الواجب.

وكان اول ما امتحن بهعليه‌السلام بعد أن بويع ، وافضي الأمر إليه ، بعد أن أوغر صدور الخاصة بأن قطع عنهم من الإثرة ما عودوه ، والعامة بما حملهم من العدل عليه إلا من عصم الله جلّ ذكره ممّن امتحن الله بالايمان قلبه فخف عليه من ذلك ما استثقله غيره ، ما قد احتال به من أراد التوثب عليه من القيام بدم عثمان ممّن كان قد ألب عليه ، وقام مع قاتليه وممّن خذله ، وقعد عنه ، فامتحن علي صلوات الله عليه بذلك محنة لم يجد معها غير ما صار إليه ، لأن جميع الخواص والوجوه من جميع الصحابة والمهاجرين والأنصار كانوا قد حلوا فيه محلتين ونزلوا فيه منزلتين : بين قائم عليه مجاهر بذلك حتى قتل ، وبين راض بذلك ، خاذل له معرض عما حلّ به. وعامة من غاب عن ذلك من سواد الناس وجملتهم يكبرون قتله ، ويتعاظمونه مع ما قبحه لهم وألبهم به ، وأغراهم من قبح ذلك لهم ممّن خرج مع طلحة والزبير وعائشة ، واظهارهم أنهم إنما قاموا يطلبون بدم عثمان. وما اقتفاه معاوية وعمرو بن العاص في ذلك من آثارهم ، وسلكاه حتى صار ذلك عند العامة من أكبر الكبائر ، وأعظم العظائم لا يلتفتون فيه الى من قتله ، وأعان عليه ، ولا إلى من قعد عنه وخذله فيه من أكابر الصحابة الذين هم قدوتهم ، وعنهم يأخذون دينهم.

فوقف علي صلوات الله عليه من ذلك على أمرين ، المكروه في كليهما ، إن هو صرح بتصويب قتله استفسد العامة. وإن صرح بإنكاره استفسد الخاصة.

٧٩

فكان أكثر ما عنده في ذلك إذا سئل عنه معاريض القول.

ومجمل الكلام كقوله صلوات الله عليه : ما سرني قتله ولا ساءني. فناولت الخاصة ذلك على الاستحقاق به. وناولته العامة على أنه أراد بقوله : ما سرني أنه قتل ، ولا ساءني إذا استشهد فدخل الجنة.

وكقولهعليه‌السلام : ما قتلته ولا أمرت بقتله ، وهذا بما أبان فيه عما كان منه.

وكقوله : قتله الله وأنا معه فتأول ذلك الذين قتلوه على أنه أراد به ، أنه مع الله عزّ وجلّ في قتله.

وتأولته العامة على أنه كان معه لما رووه عنه من النهي عن حصاره ، وارساله الماء إليه وهو محصور ، لأنه كان معه من لا ينبغي أن يقتل عطشا في كلام كثير يحتمل التأويل. وما سلم مع ذلك من الأقاويل كما أن سلطانا لو أسر أسيرا ، أو اعتقل رجلا مذكورا فمات الأسير ، أو المعتقل في سجنه لم يعد قائلا يقول : إنه هو الذي قتله ، أو سقاه سما ، أو احتال في موته حتى لو رأوا صاعقة وقعت عليه ، أو عذابا من السماء ، لما صرفهم ذلك عن أن يقولوا فيه.

وكان ما وقع من الفتنة ، وقتل من قتل فيها من الامة ، واختلاف الناس الى اليوم في ذلك مع شهرته ، واطباق من أطبق من الصحابة على قتل عثمان ، أو خذلانه ، ولحق من ذلك علياعليه‌السلام وأولياء الله ـ الائمة من ذريته ـ ما لحقهم من السفلة والعوام مع ذلك ، فكيف لو قد قامعليه‌السلام على أبي بكر فقتله ، أو على عمر فقتله ، أو كان قد قام فيمن قام على عثمان؟

فمحنة أولياء الله ، وإن تحفظوا منها لا بدّ أن يمتحنوا بها ، ليكمل الله عزّ وجلّ بها لهم فضيلة الإمامة ، ويرفعهم في أعلى درجات الكرامة. وما كان عندي أن يكون جوابه وقوله وفعله غير السكوت عن ذلك كما سكت لما

٨٠

نادى منادي أهل الشام بصفين أصحاب عليعليه‌السلام ـ وهم ما لم يحص عددهم يومئذ كثرة ـ : ادفعوا إلينا قتلة عثمان.

فقال أصحاب عليعليه‌السلام ـ عن آخرهم بلسان واحد ـ : كلنا قتلة عثمان.

أفكان يمكنه دفعهم كلهم الى أهل الشام ، فيقتلونهم؟ أو أن يقول لأهل الشام : هم مصيبون في قتلهم إياه؟ وليس كل من قال قولا بما لا يجب له يجب جوابه عليه ، ولو كان ذلك لوجب على كل سامع يسمع ـ محالا من الكلام ـ أن يجيب عنه ، أو يحتج على قائليه.

[ من يطالب بالدم؟ ]

والطلب بالحقوق إنما يكون لأهلها عند إمام المسلمين ، وذلك ممّا أجمعوا عليه ، وعلى أن علياعليه‌السلام إمامهم يومئذ ، وليس من أهل الشام ، ولا من غيرهم من يستحق القيام بدم عثمان ، ولا طلب ذلك أحد ممن يستحقه عند عليعليه‌السلام فيحكم له فيه بما يوجب الحق له عنده.

ولكن الذين قاموا عليه ، ونكثوا بيعته ، وقعدوا أمره جعلوا ذلك سببا يستدعون به الجهال الى القيام معهم لما أرادوه التغلب على ظاهر أمر الدنيا(١) ، والتوثب على أولياء الله.

وسنذكر جميع ما احتجوا به ، وأوهموا أهل الضعف من العوام أنهم على حق من أجله. ونقض ذلك وبيان فساده إن شاء الله.

__________________

(١) كما سيأتي أن معاوية اعتذر لابنة عثمان عند ما طلبت منه الثأر لأبيها ، وقد كان دم عثمان سلاحه ووسيلته لاشعال الحروب وقتل المسلمين في الأمس.

٨١

[ المتخلّفون عن أمير المؤمنين ]

فأما المتخلفون عن الجهاد مع علي صلوات الله عليه ، وقتال من نكث بيعته ، ومن حاربه وناصبه ، فإنه تخلف عنه في ذلك من المعروفين من الصحابة :

سعد بن أبي وقاص ، وكان أحد الستة الذين سماهم عمر للشورى. وعبد الله بن عمر بن الخطاب. ومحمّد بن سلمة.

[ المرجئة ]

واقتدى بهم جماعة ، فقعدوا بقعودهم عنه ، ولم يشهدوا شيئا من حروبه معه ، ولا مع من حاربه هذه الفرقة هم أصل ـ المرجئة ـ وبهم اقتدوا ، وذهب الى ذلك من رأيهم(١) جماعة من الناس ، وصوبوهم فيه ، وذهبوا الى ما ذهبوا إليه ، فقالوا في الفريقين ـ في عليعليه‌السلام ، ومن قاتل معه ، وفي الذين حاربوه وناصبوه ـ ومن قتل من الفريقين إنهم يخافون عليهم العذاب ، ويرجون لهم الخلاص والثواب ، ولم يقطعوا عليهم بغير ذلك ، وتخلفوا عنهم.

والإرجاء : في اللغة التأخير. فسموا : مرجئة لتأخيرهم القول فيهم ،

__________________

(١) كذا في جميع النسخ.

٨٢

وتأخرهم عنهم ، ولم يقطعوا عليهم بثواب ولا عقاب لأنهم زعموا [ انهم ] كلهم موحدون ، ولا عذاب عندهم على من قال : لا إله إلاّ الله ، فقدموا المقال وأخروا الأعمال ، فكان هذا أصل الارجاء.

ثم تفرق أهله فرقا الى اليوم يزيدون على ذلك من القول وينقصون.

ورووا في الوقوف الذي وقفه من تقدم ذكرهم عن عليعليه‌السلام ، وعن الذين حاربوه ، وما ذكرناه عن أبي موسى الأشعري مما رواه أهل الكوفة ، لما أتاهم الحسنعليه‌السلام وعمار بن ياسررضي‌الله‌عنه برسالة علي صلوات الله عليه ليستنفرهم ، فلما قرأ كتابهعليه‌السلام على جماعتهم قام أبو موسى الأشعري ، فقال : أما إني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنه سيكون من بعدي فتنة ، القائم فيها خير من الساعي ، والجالس خير من القائم ، فاقطعوا أوتار قسيكم ، واغمدوا سيوفكم ، وكونوا أحلاس بيوتكم.

فقال عمار بن ياسررضي‌الله‌عنه : تلك التي تكون أنت منها ، أما والله لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد لعنك.

فقال أبو موسى : كان ذلك ، ولكنه استغفر لي.

فقال عمار : اللعنة فقد سمعتها ، وأما الاستغفار فلم أسمعه. وقال عمّار رضوان الله عليه : أشهد لقد أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن أقاتل مع علي الناكثين والقاسطين.

فتعلق أهل الارجاء بالحديث الذي رواه أبو موسى ، وقد أجابه عماررضي‌الله‌عنه بجملة تفسيره بقوله : تلك التي تكون أنت منها ، يعني : من أهل الفتنة التي نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن القيام مع أهلها.

وأهل الفتنة هم أهل البغي ، وأهل التخلف عن الجهاد ، وقد أبان الله عزّ وجلّ ذلك فيما أنزله في الذين سألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٨٣

الإذن في التخلف عن الجهاد معه ، فقال جلّ من قائل :( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ) (١) .

[ جهاد أهل البغي ]

وقتل أهل البغي جهاد ، وقد أمر الله عزّ وجلّ به في كتابه وافترضه على المؤمنين من عباده كما افترض عليهم قتال المشركين بقوله تعالى :( فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) (٢) ، والفتنة إلى أمره الدخول في طاعة من أوجب عزّ وجلّ طاعته ، ولو كان القعود واجبا عن كل مفتون ، وقائم بفتنته لسقط فرض جهاد أهل البغي ، وهذا أوضح وأبين من أن يحتاج الى بيانه لما فيه من نصّ القرآن ، فمن قعد عن الخروج مع عليعليه‌السلام وعن محاربة من حاربه معه لغير عذر يوجب ذلك فقد خالف أمر الله عزّ وجلّ ، وترك فرضه الذي افترضه على المؤمنين من عباده من جهاد أهل البغي ، وليس ذلك ممّا يلزم جميع الناس أن يخرجوا فيه ، ولا في جهاد المشركين ، إذا قامت به طائفة منهم لقول الله عزّ وجلّ( وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ) (٣) .

وأما قوله جلّ من قائل :( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً ) (٤) . وقوله تعالى :( وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ) (٥) . فهو إذا دهم المسلمين من عدوهم ما يحتاجون فيه الى ذلك ، وهذا قول أهل البيت صلوات الله

__________________

(١) التوبة : ٤٩.

(٢) الحجرات : ٩.

(٣) التوبة : ١٢٢.

(٤) التوبة : ٤١.

(٥) التوبة : ٣٦.

٨٤

عليهم ، وجملة المنسوبين الى الفتيا من العوام ولو لا ذلك لهلك كل من لم يجاهد في سبيل الله وكذلك من له عذر لم يطق الجهاد معه فلا شيء عليه في التخلف عنه إذا صدقت نيته. ومن ذلك ما روي :

[٤٤٣] عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال لأصحابه ، وقد انصرف من غزاة ـ : إن بالمدينة قوما ما قطعتم واديا ، ولا شهدتم مشهدا إلا وهم معكم فيه.

قالوا : من هم يا رسول الله؟ قال : قوم قعد بهم العذر ، وصدقت نياتهم.

وقد بيّن الله عزّ وجلّ هذا في كتابه فقال جلّ من قائل :( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ ) (١) . فقد يكون لمن تخلف عن علي صلوات الله عليه من الصحابة الذين اقتدى بهم غيرهم بتخلفهم عنه ، وجعلوا ذلك حجة لما ذهبوا إليه عذر في التخلف لا يعلم الناس به. أو أنهم رأوا ان علياعليه‌السلام مكتف بمن خرج ، وقام معه من المسلمين ، فوسعهم التخلف عنه ، وإن كان الخروج معه أفضل من القعود عنه. ومن ذلك ما تقدم ذكره من ندامة عبد الله بن عمر على تركه جهاد الفئة الباغية مع عليعليه‌السلام ، وعلى تخلفه عنه ، وذلك من الأخبار المأثورة المشهورة عنه.

__________________

(١) التوبة : ٩١ و ٩٢.

٨٥

وجاء ذلك عنه من غير طريق ، وفي غير مقام.

وجاء مفسرا من قوله ، انه قال : ما آسي(١) على شيء إلا إني لم اكن قاتلت مع عليعليه‌السلام الناكثين ـ وهم أهل البصرة ـ ، والقاسطين ـ وهم أهل الشام ـ ، والمارقين ـ وهم أهل النهروان ـ. فذكرهم صنفا صنفا وشهد عليهم بما يوجب قتالهم ويحل دماءهم.

روى ذلك ، الوليد بن صبيح ، باسناده ، عن حبيب بن أبي ثابت ، أنه سمع عبد الله بن عمر بن الخطاب يقوله. فقد يكون غيره كذلك ندم على تخلفه عن عليعليه‌السلام ، إذ كان له عذر في التخلف ، أو تخلف لعلمه باستضلاع عليعليه‌السلام بمن معه دون أن يرى أن التخلف عنه لغير عذر تبعة.

وقد اعتذر الى عليعليه‌السلام جماعة ممن تخلف عنه ، فقبل عذر من اعتذر منهم. وقد ذكرت فيما مضى من هذا الكتاب ندامة عائشة على خروجها ، ورجوع طلحة والزبير لما ذكرهما عليعليه‌السلام قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه(٢) . وقول سعد بن أبي وقاص بفضله وأنه على الحق(٣) .

فأما من تخلف عنه لغير عذر ، أو حاربه فقد عصى الله عزّ وجلّ ، وعصى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد ذكرت الأخبار المشهورة في ذلك ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله فيه :

اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله.

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : ما أسى أو قال : ما أسفت.

(٢) قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للزبير : تقاتله وأنت ظالم.

(٣) لقد ذكر المؤلف الحديث مفصلا ، الحديث ٤٢٩.

٨٦

فمن تخلف عنه لغير عذر فقد خذله ، ومن خذله فقد عاداه.

وقوله له : سلمك سلمي ، وحربك حربي. فمن حاربه فقد حارب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن حارب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد حارب الله سبحانه.

وقوله : من آذى عليا فقد آذاني. ولا أذى أشد من المحاربة في غير ذلك ممّا ذكرناه ، ونذكره في هذا الكتاب ممّا هو في معنى ذلك.

وما جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نصه على من يقاتله من بعده وأنهم الناكثون والقاسطون والمارقون ، ووصفه إياهم بصفاتهم ، وما يكون منهم وما يؤول إليه أمرهم ممّا جاء عن الله عزّ وجلّ.

فرؤساء الناكثين : ـ وهم أصحاب الجمل ـ طلحة والزبير وعائشة ـ قد تابوا من خروجهم عليه ، ورجعوا عليه وندموا على ما فرط منهم فيه ، فلم يجد أحد بعدهم سببا لذلك يتعلق به في أن يقول بقولهم ، أو يصوّب فعلهم ، أو أن يتخذ قولا يقول به ، ومذهبا يذهب إليه ، وهم قد رجعوا عنه.

وأما معاوية ، وأتباعه ، والخوارج ومن قال بقولهم ، فأصروا على باطلهم ، ولم يرجعوا عنه كما رجع من تقدمهم ، وأن معاوية وأصحابه ، إنما احتذوا على مثال أصحاب الجمل في انتحالهم القيام بطلب دم عثمان فلم يرعهم رجوع من استنّ ذلك لهم عن الرجوع عنه ، بل تمادوا على غيّهم ، وساعدتهم الدنيا فاستمالوا بها كثيرا من الناس ، فذهبوا الى مذهبهم ، وقالوا بمثل قولهم ، وتابع الخوارج على ما ذهبت إليه كل من أبغض عليا صلوات الله عليه أو ذهب الى التقصير به. وكل من أراد أن يأكل أموال الامة ، وسفك دمائها ، فجعل القول بذلك وسيلة الى ما أراده من ذلك.

وكان ممّا تهيأ لمعاوية بن أبي سفيان ممّا قوي به على مقاومة عليعليه‌السلام ، والخلاف عليه ، ووجد به أنصارا وأعوانا على ما أراده من ذلك ،

٨٧

أنه كان مع أخيه يزيد بن أبي سفيان(١) ومع أبي عبيدة بن الجراح(٢) ، وقد شهد فتوح الشام. والشام دار مملكة الروم ، وموضع أموالها وكنوزها وذخائرها وخيراتها.

ومعاوية من المؤلفة قلوبهم كما ذكرنا فيما تقدم ، وثبت ذلك ، وفيمن أعطاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأباه يوم حنين من غنائم هوازان ما أعطاهما مع جملة المؤلفة قلوبهم لرقة اسلامهم ليسترضيهم ويتألفهم على الإسلام ، ولم يكن ممن نزع عن الغلول ، والاستيثار بما قدر عليه من الفيء.

ثم هلك أخوه يزيد ، فاستعمله عمر بن الخطاب مكانه ، فاحتوى على مملكة الشام ، وبيوت أموال ملوك الروم ، وأموال أشرافهم ، فاكتسب من ذلك أموالا عظيمة وذخائر نفيسة ، فكان يرضي بها من معه ، ويستميلهم الى ما يريده ، ويعطي من أتاه.

ونزع إليه ممن يرغب في الدنيا ، وهم عامة الناس. واتفق له أن عليا صلوات الله عليه طالب عمال عثمان ، وكان من أقطعه عثمان قطيعة من مال المسلمين بما في أيديهم ممّا أقطعوه ، واقتطعوه ، ومن مثل ذلك خاف معاوية على ما في يديه ، ولعلمه بأن عليا صلوات الله عليه لا يدع له شيئا منه. فنزع إليه من كانت هذه حاله ومن خاف علياعليه‌السلام واتقى جانبه أو من علم أنه ليس له من الدنيا عنده ما يريده.

وكان ممّا يشنعون به عليه وينذرون منه به ، أن بعضهم سأله(٣) للحسن والحسينعليهما‌السلام متكلفا لذلك من غير أن يسألاه فيه ولا أن يعلما بسؤاله ذلك لهما ، إلا أنه أراد الشناعة(٤) عليه بذلك إذ قد علم أنه لا يفعله ، في أن

__________________

(١) أسلم يوم الفتح ، توفي في دمشق بالطاعون ١٨ ه‍.

(٢) وهو عامر بن عبد الله الصحابي القرشي الفهري توفي بطاعون عمواس ودفن في غوربيسان ١٨ ه‍.

(٣) كما يأتي في الجزء السادس وهو خالد بن العمر.

(٤) وفي نسخة ـ ج ـ الشفاعة.

٨٨

يزيدهما دراهم في عطائهما ، فانتهره من ذلك ، ولم يجبه إليه ، فجعل يبث ذلك عنه ، ويشنعه عليه ، ليؤنس أبناء الطمع منه(١) فلم يبق مع علي صلوات الله عليه إلا أهل البصائر في الدين الذين يجاهدون معه بأموالهم وأنفسهم ، كما افترض الله عزّ وجلّ كذلك الجهاد على كافة المؤمنين.

ولحق بمعاوية أبناء الدنيا ، وأهل الطمع ، وكل سخيف الدين عار من الورع ، وكل من استثقل العدل عليه ، وإقامة الحق فيه ، وعلم أن له عند معاوية ما يحبه من ذلك ويرضيه.

فلم يخلص مع علي صلوات الله عليه إلا أهل البصائر والورع من المهاجرين والأنصار ، والتابعين لهم بإحسان ، وأشراف العرب ـ من ربيعة ومضر ـ ممّن سمت همته إليه ، وأنف من الكون مع معاوية والانحياش إليه. حتى كان أكثر عسكره الرؤساء والأشراف والوجوه. حتى كان لكل رئيس منهم لواء ، ولكل سيد معسكر ، وقلّ ما تستقيم الامور على هذه الحال ، وقد قيل إن الشركة في الرئاسة شركة في الملك ، والشركة في الملك كالشركة في الزوجة.

وكان أصحاب معاوية الرؤساء منهم يطيعونه ويتبعونه لما يرجون من دنياه ، وسائرهم رعاع ، واتباع ، وبالطاعة تستقيم الامور.

[ تقييم المواقف ]

[٤٤٤] ومن ذلك ما قد روي عن علي صلوات الله عليه ، أنه امتحن أصحاب معاوية وأصحابه ، قبل أن يخرج الى معاوية ، فأرسل رجلا من الكوفة إلى حمص(٢) وبها معاوية ، وقال للرجل :

__________________

(١) الى هنا تنتهي نسخة ـ ج ـ :.

(٢) مدينة بين دمشق وحلب في الجمهورية العربية السورية.

٨٩

اركب راحلتك وسر ، فاذا دخلت حمص ، فلا تعرج على شيء ، ولا تغيّر ثيابك ، واقصد المسجد الجامع ، فانخ راحلتك واعقلها ببابه ، وادخل المسجد على هيئتك. فإن الناس سيسألونك من أين قدمت؟

فقل : من الكوفة. فهم يسألونك عن امري ، فقل : تركته معتزما على غزوكم قد فرغ من عامة ما يحتاج إليه لذلك ، وما أظنه إلا وقد خرج على أثري. وانظر ما يكون منهم ، وارجع إليّ بالخبر.

ففعل الرجل ذلك.

فلما سمع أهل المسجد قوله خاضوا في ذلك وخاض الناس ، واتصل الخبر معاوية ، فأتى المسجد ، فرقى المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال :

أيها الناس إنه قد انتهى إليّ ما قد فشى فيكم ، وانتهى إليكم من قدوم علي في أهل العراق إليكم لغزوكم ، فما أنتم قائلون في ذلك ، وصانعون؟

فسكتوا حتى كأن الطير على رءوسهم.

ثم قا [ م ](١) رجل من سادات حمير ، فقال : أيها الأمير عليك المقال وعلينا انفعال.

( انفعال لغة حميرية يدخلون النون مكان اللام ).

فقال : أرى أن تبرزوا في غد على بركة الله.

ثمّ نزل ، فأصلحوا مبرزين.

وانصرف الرجل الى علي صلوات الله عليه وأخبره الخبر.

فأمر بالنداء في الناس بأن الصلاة جامعة ، وخرج الى المسجد

__________________

(١) وفي الاصل : قال رجل.

٩٠

الجامع ، وقد اجتمع الناس فيه. فرقى المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال :

أيها الناس إنه قد انتهى إليّ أن معاوية قد برز من حمص في أهل الشام ، ومن معه يريد حربكم ، فما أنتم في ذلك قائلون وصانعون؟

فقام رجل ، فقال : يكون الأمر كذا. وقال الآخر : بل الرأي كذا. وقام آخر فقال غير ذلك. حتى قام منهم عدة ، واعتكر الكلام.

فنزل علي صلوات الله عليه ، وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، غلب والله ابن آكلة الأكباد.

وقيل أيضا : إن الناس خاضوا بصفين ، فاختلط أصحاب معاوية ، وترك أكثرهم مراكزهم ، فخرج منهم ، فوقف بينهم ، فأشار بكمه عن يمينه ، فرجع كل من كان في تلك الناحية ، وأشار عن يساره ، ففعلوا كذلك.

فقال له بعض من شهده : إن هذه للطاعة.

فقال : إني ما أخلفتهم قط في وعد ولا وعيد.

فمن أجل هذا وما قدمنا قبله ممّا يجري(١) مجراه تهيأ لمعاوية أن يقاوم علياعليه‌السلام . وعلي صلوات الله عليه في الفضل والاستحقاق بحيث لا يخفى مكانه على أحد أن يقيسه بمعاوية في خصلة من خصال الخير.

حتى أن بعض أهل التمييز والمعرفة سمع من يقول علي أفضل من معاوية.

فقال : هذا من فاسد القول ، إنه ليس يقال إن العسل أحلى من

__________________

(١) هكذا في نسخة ـ أ ـ وفي الاصل : وما يجري.

٩١

الصبر ، ولا إن الحنظل أمر من السكر ، [ فـ ] معاوية أقلّ من أن يقاس بعليعليه‌السلام .

تمّ الجزء الخامس من كتاب شرح الأخبار في فضائل الائمة الأطهار تأليف سيّدنا القاضي الأجلّ النعمان بن محمّد بن منصور قدّس الله روحه ورزقنا شفاعته وانسته.

٩٢

٩٣

٩٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[ عدلوا الى معاوية ]

فأما نزوع من نزع عن علي صلوات الله عليه الى معاوية ، فلم يكن أحد منهم نزع عنه إليه اختيارا لدينه ، ولا ناظرا لأمر آخرته ، وإنما نزع عنه إليه من نزع لما قدمنا ذكره من مطالبة علي صلوات الله عليه لهم بما أقطعوه واقتطعوه من مال الله ، وخوفهم من أن يقيم عليهم حدود الله ، ولما وثقوا به من إطعام معاوية إياهم مال الله وتبجيحهم(١) لديه في معاصي الله ، وتحرمهم(٢) به من إقامة حدود الله التي لزمتهم ، كنزوع عبيد الله بن عمر بن الخطاب إليه لقتله الهرمزان ـ وقد ذكرنا قصته ـ وما كان من تخلية عثمان إياه ، وتواعد عليعليه‌السلام له بالقتل إن قدر عليه ، وإقامة الحق فيه ، والقود منه ، فلحق بمعاوية ، فأمنه.

ومثل النجاشي(٣) لما شرب الخمر ، فأقام عليه عليعليه‌السلام الحد ، وخاف من ذلك ، فلحق بمعاوية ، فكان يشربها بالشام صراحا.

ومثل مصقلة بن هبيرة ، فإنه اشترى سبي بني ناجية(٤) وأعتقهم فطلبه

__________________

(١) أي تفاخرهم. وفي نسخة ـ ج ـ : تحبجهم.

(٢) وفي نسخة ـ أ ـ : وتحريمهم.

(٣) وهو قيس بن عمر الشاعر من بني الحارث بن كعب.

(٤) وهم قوم من النصارى من أهل البصرة أسلموا ، ثم ارتدوا ، فدعوهم الى الإسلام ، فأبوا ،

٩٥

عليعليه‌السلام بأثمانهم ، فهرب عنه الى معاوية في عامة بني شيبان ، وهم عدد كثير ، معروف كان عنده مقامهم ، ومشهورة أيامهم.

وكان يزيد بن حجبة من وجوه أصحاب عليعليه‌السلام فاستدرك عليه مالا من مال خراج المسلمين ، فطالبه به ، وحبسه لما له عن الأداء ، ففر من محبسه(١) ولحق بمعاوية في عدد كثير من قومه.

ولحق أيضا بمعاوية خالد بن معمر في عامة بني سدوس لأمر نقمه على علي صلوات الله عليه ، ولقدره ، وكثرة من جاء به الى معاوية من قومه. قال قائل شعرا :

معاوي أمر خالد بن معمر

فإنك لو لا خالد لم تؤمر

وممّن هرب عن علي(٢) صلوات الله عليه الى معاوية من مثل هؤلاء كثير من وجوه العرب ورؤسائهم ، ومن أهل البأس والنجدة والرئاسة في عشائرهم لما اتصل عن معاوية من بذله الأموال ، وإفضاله على الرجال ، وإقطاعه القطائع مثل إطعامه عمرو بن العاص خراج مصر ، وإقطاعه ذا الكلاع ، وحبيب بن سلمة(٣) ، ويزيد بن حجبة ، وغيرهم ما أقطعهم ، وأنا لهم إياه ، وعلموا ما عند عليعليه‌السلام من شدته على الخائن ، وقمعه الظالم ، وعدله بين الناس ، واسترجاعه ما أقطعه عثمان ، وفشى ذلك عنه ، وتفاوض أهل الطمع ، وقلة الورع فيه ، حتى قال خالد بن المعمر للعباس بن الهيثم :

__________________

فقاتلوهم ، واسروا منهم ، وأتوا بهم ، الى أمير المؤمنين ، فجاء مصقلة ، واشتراهم بخمسمائة الف درهم ، وهرب الى معاوية ، فقيل لأمير المؤمنينعليه‌السلام : ألا تأخذ الذرية؟ فقال : لا. فلم يعرض لهم.

(١) وفي نسخة ـ د ـ : من حبسه وهو يزيد بن حجبة التميمي من بني تيم بن ثعلبة.

(٢) وفي نسخة ـ ج ـ : اتى من هرب عن علي صلوات الله عليه.

(٣) هكذا في الاصل والصحيح حبيب بن مسلمة الفهري القرشي ولاه عثمان آذربايجان ، وولاه معاوية ارمينيا ومات فيها ٤٢ هـ وشارك في صفين بجنب معاوية.

٩٦

اتق الله في عشيرتك وانظر في نفسك ، ما تؤمل من رجل سألته أن يزيد في عطاء ابنيه الحسن والحسين دريهمات لما رأيته حالتهما(١) ، فأبى عليّ ، وغضب من سؤالي إياه ذلك.

فكان ذلك ممّا تهيأ به لمعاوية ما أراده ، وهو في ذلك مذموم غير مشكور ، بل مأثوم مأزور ، وممّا امتحن الله به علياعليه‌السلام ، وهو فيه محمود مشكور ، مثاب مأجور ، وفيما منع منه معذور ، على أن أكثر من نزع عن عليعليه‌السلام ، ولحق بمعاوية لم يكونوا جهلوا فضل عليعليه‌السلام ، ولا غبي عنهم نقص معاوية ، ولكنهم إنما قصدوه للدنيا التي أرادوها وقصدوها.

وقد باين معاوية كثير منهم كالذي يحكى عن عمرو بن العاص ، أنه لما قدم عليه جعل يذكر له فضل القيام بدم عثمان ، وما في ذلك من الثواب والأجر(٢) ، وما في اتباعه في ذلك إذا قام به(٣) .

فقال له عمرو : دعني من هذا يا معاوية إنما جئتك لطلب الدنيا ، ولو أردت الآخرة للحقت بعلي. فأقطعه مصر.

وكان ابنه قد كره له المسير(٤) الى معاوية ، فلما سمع منه ما سمع قال : يا أبة وما عسى أن يكون من مصر في أن تؤثر بها الباطل على الحق؟

فقال عمرو : وان لم يشبعك مصر فلا أشبع الله بطنك(٥) .

وكالذي يحكى من قول معاوية للنجاشي ، وقد أقطعه وأرضاه : أينا(٦)

__________________

(١) هكذا في ب وفي نسخة الاصل : خلتهما.

(٢) وفي نسخة ـ أ ـ : من الأجر والثواب.

(٣) هكذا في نسخة ـ أ ـ وفي نسخة الاصل و ـ ج ـ : إذ قد قام بذلك.

(٤) وفي نسخة ـ ب ـ : المصير.

(٥) وفي نسخة ـ أ ـ : لك بطنا.

(٦) هكذا في نسخة د ، وفي بقية النسخ : أيهما.

٩٧

أفضل ، أنا أو علي بن أبي طالب؟ فقال النجاشي شعرا :

نعم الفتى أنت لو لا أن بينكما

كما تفاضل ضوء الشمس والقمر

فرضي معاوية منه بذلك.

واخذ هذا على النجاشي من انتقد قوله ، فقال : ما علمت أحدا من أهل التمييز يقول إنه ليس بين عليعليه‌السلام وبين معاوية من الفضل إلا بقدر ما بين الشمس والقمر ، ولا من يجعل لمعاوية في الفضل حظا(١) ولا نصيبا مع عليعليه‌السلام إلا مثل ما بين هاشم وعبد شمس ، وبين عبد المطلب وحرب ، وبين أبي طالب وأبي سفيان ممّا تفاضل به البرّ والفاجر ، وتساوى فيه الجاهلي والإسلامي ممّا تفتخر به العرب فيما بينهما.

وقد الّفت كتابا سميته كتاب المناقب والمثالب ، ذكرت فيه فضل هاشم وولده وما له ولهم من المناقب في الجاهلية والإسلام ، وفضلهم في ذلك على عبد شمس وولده ، ومثالب عبد شمس وولده في الجاهلية والإسلام على الموازنة رجلا برجل الى وقت تأليفي ذلك ، وبسطي له ، فمن أحب معرفة ذلك نظر فيه ، ولو ذكرت ذلك في هذا الكتاب لخرج عن حده ، وهو في مثل قدر نصف هذا الكتاب.

على أن في قول النجاشي معنى لطيفا ، وذلك أن نور القمر إنما يكون عن نور الشمس ، كذلك معاوية إنما إسلامه من حسنات عليعليه‌السلام .

وعلى أن معاوية في كثير من مجالسه(٢) ومقاماته لم ينكر ، ولا دفع فضل عليعليه‌السلام ، كالذي روي عنه أن رجلا(٣) من أصحاب علي

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : حصا.

(٢) وفي نسخة ـ أ ـ : مجلسه.

(٣) ذكره ابن قتيبة في الإمامة والسياسة باسم : عبد الله بن أبي محجن الثقفي. وذكره المجلسي في

٩٨

عليه‌السلام نزع إليه ، فأدخله عليه وعنده جماعة من أهل الشام ووجوه من معه من غيرهم ، فقال له : من أين أقبلت؟

قال : من عند هذا العي الجبان البخيل ـ يعني علياعليه‌السلام ـ. فسكت معاوية.

وقام عمرو بن العاص ، فقال لمعاوية : أيها الأمير لا يسرك من يغرك.

فقال له معاوية : اجلس يا أبا عبد الله وأنت كما قال الأول شعرا :

مهما تسرك من تميم خصلة

فلما يسؤك من تميم أكثر

وكره أن يسمع ذلك من حضره ، فلما انصرفوا احضر عمرو بن العاص ، وأمر بالرجل ، فادخل إليه(١) .

ثم قال له : من عنيت بالعي الجبان البخيل؟

قال : علي بن أبي طالب.

قال : كذبت والله فيما قلت ، ولو لم يكن للامة إلا لسان علي لكفاها(٢) . وما انهزم علي قط ولا جبن في مشهد من مشاهد حروبه ، ولا بارزه أحد إلا قتله. ولو كان له بيتان ، بيت من تبن ، وبيت من تبر لأنفق تبره قبل تبنه.

قال الرجل : فإذا كان علي عندك بهذه المنزلة ، فلم حاربته؟

قال : لأجل هذا الخاتم الذي من غلب عليه جازت طينته(٣) .

__________________

بحار الأنوار مجلد ٩ ص ٥٧٨ نقلا عن الموفقيات للزبير بن بكار الزبيري باسم : مجفن بن أبي مجفن الضبي.

(١) وفي نسخة ـ أ ـ : فادخل عليه.

(٢) هكذا في نسخة ـ ج ـ : وفي الأصل : لكفيتها.

(٣) طنت الكتاب أي جعلت عليه الطعن والختم.

٩٩

[ وأما عقيل ]

وكالذي جاء من خبر عقيل بن أبي طالب ، وذلك أنه أتى الى عليعليه‌السلام يسأله أن يعطيه ، فقال له عليعليه‌السلام : تلزم عليّ حتى يخرج عطائي فاعطيك.

فقال : وما عندك غير هذا؟

قال : لا.

فلحق معاوية فلما صار إليه ، حفل به(١) وسرّ بقدومه ، وأجزل العطاء له ، وأكرم نزله.

ثم جمع وجوه الناس ممن معه وجلس وذكر لهم قدوم عقيل ، وقال : ما ظنكم برجل لم يصلح لأخيه حتى فارقه وآثرنا عليه ، ودعا به.

فلما دخل رحب به وقربه ، وأقبل عليه ، ومازحه ، وقال : يا أبا يزيد من خير لك أنا أو علي؟

فقال له عقيل : أنت خير لنا من علي ، وعلي خير لنفسه منك لنفسك.

فضحك معاوية ـ وأراد أن يستر بضحكه ما قاله عقيل عمن حضر ـ وسكت عنه.

فجعل عقيل ينظر الى من في مجلس معاوية ويضحك.

فقال له معاوية : ما يضحك(٢) يا أبا يزيد؟

فقال : ضحكت والله إني كنت عند علي ، والتفت الى جلسائه فلم أر غير المهاجرين ، والأنصار ، والبدريين ، وأهل بيعة الرضوان ، وأخاير

__________________

(١) حفل القوم حفولا : اذا اجتمعوا.

(٢) وفي نسخة ـ ج ـ ما يضحك. وفي نسخة ـ أ ـ : ما أضحلك.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610