شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٣

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار13%

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 597

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 597 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 207185 / تحميل: 7173
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

[ فضائل اسرة أمير المؤمنين ]

وقد ذكرنا من فضل علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام فيما تقدم. وذكرنا من فضل جعفر بن أبي طالب ، أخي عليعليه‌السلام كثيرا. ونذكر في هذا الباب شيئا مما انتهى إلينا من ذلك ، ومن فضائل غيرهم من أهل بيته إن شاء الله تعالى.

[١١٢٩] محمد بن عباد بن يعقوب ، باسناده ، عن جعفر بن محمد ، أنه قال : كانت أم عليعليه‌السلام احدى أحد عشر امرأة بدرية. فلما أن ماتت نزع رسول الله قميصه فأعطاهم إياه. وقال : كفنوها فيه ، ليدفع عنها ضغطة القبر. ونزل في قبرها ، فاضطجع في لحدها. وقال : أردت أن يوسع عليها ، فانه لم ينفعني أحد بعد أبي طالب كنفعها.

[١١٣٠] محمد بن علي بن أعرابي ، باسناده ، عن أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام ، أنه قال : قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام الحديبية فصالحهم على أن يقدم من قابل ، ولا يدخل مكة بفرس ولا سلاح ، ولا يخرج منها أحد ، فنزل بطن مرو. وتخلف عليعليه‌السلام بمكة ، فأخرج بنت حمزة(١) على بعير. فلقيه رجل من المشركين ، فلما علم أنه

__________________

(١) واسمها امامة. وقيل : إن امها زينب بنت عميس الخثعمية ، وقيل : امها : سلمى بنت عميس.

كما سيأتي إن شاء الله.

٢٠١

علي لم يجسر على مقاومته ، فكان اكثر ما قدر عليه أن شتم الجارية ، وشتم أباها.

وقدم بها علي بطن مرو على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنازعه فيها جعفر وزيد بن حارثة. فقال له جعفر : هي ابنة عمي وخالتها عندي ، والنساء عورة.

وقال زيد : هي مولاتي ، وقد آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيني وبين أبيها ، وأنا أحقكم بها.

قال عليعليه‌السلام : هي ابنة عمي ، وقد تركتموها بمكة تضرب ويشتم أبوها واخوتها ، وأنا أحقكم بها.

فسمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلامهم. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا أقضي بينكم فيها وفي غيرها. أما أنت يا جعفر فأشبهت خلقي وخلقي وأما أنت يا علي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي : وأما أنت يا زيد فمولى الله ومولى رسوله ، فادفعوها الى خالتها فان النساء عورة.

[ جعفر بن أبي طالب ](١)

[ الصدقة في الليل ]

[١١٣١] سعد بن طريف ، باسناده ، عن جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام

__________________

(١) واستشهد من أولاد جعفر بن أبي طالب ثلاثة لم يذكرهم المؤلف وهم :

عون بن عبد الله بن جعفر : أمه : العقيلة زينب بنت علي عليهما‌السلام دخل ساحة الوغى مرتجزا :

إن تكروني فأنا ابن جعفر

شهيد صدق في الجنان أزهر

يطير فيها بجناح أخضر

كفى بهذا شرفا في المحشر

( ناسخ التواريخ ٢ / ٣٢١ )

٢٠٢

لما أن بعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى النجاشي(١) ركب البحر ، فبيناهم يجرون في الليل إذ سمعوا قائلا يقول : اسمعوا ما أقول لكم يا أهل السفينة وأخبركم به من ربكم ، فتقدم جعفرعليه‌السلام الى مقدم السفينة.

فقال : أين مخبرنا عن ربنا؟ فاذا قائل يقول : إن الصدقات بالنهار تطفئ غضب الرب ، والصدقة بالليل تطفئ الخطايا كما يطفئ الماء النار.

__________________

قتله : عبد الله بن قطنة الطائي ( الكامل ٤ / ٧٥ ، مقتل الخوارزمي ٢ / ٤٧ ، مقاتل الطالبيين ص ٦٠ ، بحار الانوار ١٠١ / ٣٤١ ، الفتوح ٥ / ٣٠٤ ، الارشاد ص ٢٦٨ ، عمدة الطالب ص ٢٠٠ ).

محمد بن عبد الله بن جعفر : أمه : الحوصاء بنت حفصة بنت ثقيف من بكر بن وائل.

دخل المعركة وهو يرتجز يقول :

نشكو الى الله من العدوان

قتال قوم في الردى عميان

قد بدّلوا معالم القرآن

ومحكم التنزيل والتبيان

وأظهروا الكفر مع الطغيان

فحمل عليه عامر بن نهثل التميمي فقتله. ( الارشاد ص ٢٦٨ ، الفتوح ٥ / ٢٠٤ ، ابصار العين ص ٤٠ ، مقتل الخوارزمي ٢ / ٤٧ ، عمدة الطالب ص ٢٠٠ ).

عبد الله بن عبد الله بن جعفر : أمه : الحوصاء بنت حفصة.

قال أبو الفرج الاصفهاني في المقاتل ص ٩٢ : ذكر يحيى بن الحسن العلوي فيما حدثني به أحمد بن سعيد عنه : أنه قتل مع الحسين بالطف. وذكره أيضا الخوارزمي في مقتله.

وأنكر بعض المؤرخين استشهاده في كربلاء ، ويؤيد هذا القول ما قاله عبد الله بن جعفر لما بلغه قتل الحسين عليه‌السلام دخل عليه بعض مواليه يعزونه والناس يعزونه. فقال مولاه : هذا ما لقيناه من الحسين. فحذفه ابن جعفر بنعله قائلا : يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا. والله لو شهدته لأحببت أن لا افارقه حتى اقتل معه. والله إنه لما يسخي بنفس منهما ويهون على المصاب بهما أنهما اصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه.

ثم قال : إن لم تكن آست الحسين يديّ فقد آساه ولدي ( الكامل ٤ / ٨٩ ، الطبري ٦ / ٢٦٨ ) حيث صرح بأن اثنين استشهدا في كربلاء ، والله اعلم.

(١) وهو أصحمة بن أبحر ملك الحبشة واسمه بالعربية عطية ، والنجاشي لقب له. أسلم على عهد

٢٠٣

[ قتال جعفر ]

[١١٣٢] عبد الملك بن هشام ، باسناده ، [ أن ] جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام ، أخذ اللواء يوم مؤتة بيمينه. فلم يزل يقاتل حتى قطعت يمينه. فأخذه بشماله ، فلم يزل يقاتل حتى قطعت شماله. فاحتضن اللواء بعضديه ، وجعل يقاتل حتى قتلعليه‌السلام .

[١١٣٣] محمد بن حميد ، باسناده ، أن جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام لم يزل يقاتل يوم مؤتة بيمينه حتى جرح سبعين جراحة بين ضربة وطعنة ، فأدركه الجرح ، فقتلرحمه‌الله .

[ مقام جعفر ]

[١١٣٤] خالد بن يزيد ، باسناده ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال :

رأيت جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام في الجنة ملكا يطير فيها بجناحين مضرّجين قوادمهما بالدماء ، يتبوأ منها حيث يشاء يطير فيها مع الملائكة.

[ بأيهما اسرّ؟ ]

[١١٣٥] الأجلح ، باسناده ، أن جعفر بن أبي طالب ، قدم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحبشة يوم فتح خيبر ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أدري بأيهما أنا اسرّ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟ وضمه إليه ، وقبّل ما بين عينيه.

__________________

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وتوفي ببلاده قبل فتح مكة ( اسد الغابة ١ / ١٢٠ ).

٢٠٤

[ الرسول وجعفر ]

[١١٣٦] سلمة ( بن شيش )(١) ، باسناده ، عن جعفر بن محمدعليه‌السلام [ أنه ] قال : سمعت أبي يقول : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلق الناس بأشجار شتى وخلقت أنا وجعفر من طينة واحدة. وأنا وآل عبد المطلب من شجرة واحدة. وأنا [ و ] جعفر من غصن من أغصانها فأشبه خلقي خلقه وخلقه خلقي(٢) .

[١١٣٧] محمد بن الحسن(٣) ، باسناده ، أن أبا طالب مرّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه عليعليه‌السلام وهما يصلّيان ، وجعفر مع أبي طالب. فقال أبو طالب له : ارجع فصل جناح ابن عمك. فأتى جعفر الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأسلم ، وصلّى معهما ، وكانت أول صلاة صلاّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جماعة.

[ جعفر هاجر الهجرتين ]

[١١٣٨] وبآخر ، عن جعفر بن محمدعليه‌السلام ، قال : ضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجعفر بن أبي طالب بسهمه يوم بدر ، وهو بأرض الحبشة ، وهاجر الهجرتين ـ هاجر الى أرض الحبشة ، وهاجر الى المدينة ـ.

__________________

(١) ما بين القوسين من نسخة ز.

(٢) وفي حياة القلوب ٢ / ١٢٨ ، وذخائر العقبى ص ٢١٥ ، وكتاب ربيع الأبرار للزمخشري : عند ما كان يمرّ جعفر على جماعة يتصورون أنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويقولون له : السلام عليك يا رسول الله.

فكان جعفر يقول : أنا جعفر ولست رسولا.

(٣) وفي نسخة ز : يحيى بن الحسن.

٢٠٥

[ نعي جعفر ]

[١١٣٩] أحمد بن يحيى ، باسناده ، عن أنس بن مالك ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعيناه تذرفان ، فقال : أخذ الراية جعفر ، فقتل ، ثم أخذها زيد بن حارث(١) فقتل ، ثم أخذها عبد الله بن رواحة(٢) . فقتل ، ثم أخذها خالد بن الوليد(٣) .

ثم عليعليه‌السلام التفت الى مؤتة(٤) وقال لهم : بايعهم ، إن

__________________

(١) وهو زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي ، اختطف في الجاهلية صغيرا ، واشترته خديجة بنت خويلد ، فوهبته الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين تزوجها ، فتبناه قبل الاسلام ، واعتقه ، وزوجه بنت عمته ، واستمر الناس يدعونه زيد بن محمد حتى نزلت الآية الكريمة( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) وقد جعله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد الامراء في غزوة مؤتة ( خزانة الادب للبغدادي ١ / ٣٦٣ ، الروض الآنف ١ / ١٦٤ ).

(٢) وهو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الانصاري. كنيته : أبو محمد. شهد بدرا واحدا وخندق والحديبية ، واستخلفه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المدينة في احدى غزواته ، وصحبه في عمرة القضاء وله فيها رجز ، وكان أحد الامراء في وقعة مؤتة ( امتاع الاستماع ١ / ٢٧٠ ، خزانة الادب ١ / ٣٦٢ ).

(٣) خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي ، أسلم قبل الفتح سنة ٧ ه‍ ، ومات بحمص سنة ٣١ ه‍ ( الاصابة ١ / ٤١٢ ، طبقات ابن سعد ٤ / ٢٥٢ ).

(٤) واقعة وقعت في سنة ٨ للهجرة.

سبب الغزوة : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث الحرث بن عمير الازدي الى ملك بصرى بكتاب ، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو النسائي فقتله ، ولم يقتل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيره. فشق عليه ذلك ، قندب الناس وعسكر بالجرف وهم ثلاثة آلاف وشيعهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى ثنية الوداع ، فساروا حتى نزلوا أرض مؤتة ، فالتقى بهم هرقل في أربعمائة ألف منهم أربعون ألف مقرنين ، فالتقوا ، فثبت المسلمون واستشهد زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وجعفر بن أبي طالب ( تذكرة الخواص ١٨٩ ).

مؤتة : قرية من قرى البلقاء في حدود الشام ، وقبر سيدنا جعفر في ضيعة كما قال المهلبي : مآب أذرح مدينتا الشراة على اثني عشر ميلا من أذرح من ضيعة تعرف مؤتة بها قبر جعفر. وقد وجد جثمانه بهيئته وثيابه وعليه الدم طريا والسيف في عنقه لم يتغير من بدنه شيء ، وذلك حينما ازمعوا على تجديد بناء المرقد الطاهر ( مراقد المعارف ١ / ٢٢٥ ).

٢٠٦

اصيب جعفر فأميركم زيد بن حارثة. فإن اصيب زيد فأميركم عبد الله بن رواحة ، ولم يذكر الامرة بعده غيره(١) .

فلما اصيبوا ثلاثتهم رضي الله عنهم أخذ الراية خالد بن الوليد عن غير إمرة ، ففتح الله للمسلمين.

[ السنّة الحسنة ]

[١١٤٠] إبراهيم بن علي ، باسناده ، عن عائشة ، قالت : لما [ أتى ] نعي جعفر وعرفنا في وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحزن. وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اصنعوا لآل جعفر طعاما ، فقد جاءهم ما يشغلهم أن يصنعوا لأنفسهم.

فجرت بذلك السنّة من بعد بأن يصنع لأهل بيت خواصهم طعاما.

وقالت أسماء بنت عميس ترثي جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام بهذه الابيات :

يا جعفر الطيار خير مضرب

للخيل يوم تطاعن وتشاح

قد كنت لي جبلا ألوذ بظلّه

فتركتني أمشي بأجرد ضاحي

قد كنت ذات حمية ما عشت لي

أمشي البراز وأنت كنت جناحي

فاليوم أخشع للذليل وأتقي

منه وأدفع ظالمي بالراح

[ ضبط الغريب ]

قولها : تشاح ، يقال منه شجى فلان فاه : إذا فتحه. وشحا اللجام فم الفرس. قال الشاعر :

__________________

(١) قال اليعقوبي في تاريخه ١ / ٦٦ ط لندن ١٨٨٣ م : إن الامراء الذين عينهم الرسول ثلاثة : جعفر وزيد وعبد الله.

٢٠٧

كأن فاها ، واللجام شاحية

جنبا غبيط ملس نواحيه(١)

ويقال من ذلك : اقبلت الخيل شواحي وشواحيات : إذا أقبلت فاتحة أفواهها.

وقولها : فتركتني أمشي بأجرد ضاحي.

الأجرد : الذي لا نبات فيه من الجبال والارضين.

والضاحي : ما ليس له ظل. يقال منه : ضحا الرجل ضحيا إذا أصابه حرّ الشمس. وفي القرآن :( وَلا تَضْحى ) (٢) أي : لا يصيبك حرّ الشمس يعني في الجنة.

وقولها : ألوذ. اللوذ : مصدر لاذ ، يلوذ ، لواذا ، ولواذا ، واللياذ مصدر اللواذة. الملاوذة أن تستتر بشيء مخافة من تراه وتخافه.

وقولها : وأدفع ظالمي بالراح.

الراح : جمع الراحة. والراحة باطن الكف ، وذلك مما يدفع به الضعيف الذليل من نفسه أن يتقي براحة كفه.

[ حسّان يرثيه ]

وقال حسّان بن ثابت(٣) يرثي جعفرا ومن قتل معه شعرا(٤) :

__________________

(١) هكذا صححناه من لسان العرب ١٤ / ٤٢٤ وفي الاصل :

فان فاها والحمام شاحية

حينا عبيط ملبس نواحيه

(٢)( وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) طه : ١٩.

(٣) حسان بن ثابت بن المنذر من الشعراء المخضرمين ويعرف بشاعر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .كنيته : أبو الوليد. ولد قبل ولادة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثمان سنين وعاش مائة وعشرين سنة. قال في المستدرك ٣ / ٤٨٦ : أربعة تناسلوا من صلب واحد عاش كل واحد منهم مائة وعشرين سنة ، وهم : حسان بن ثابت بن المنذر بن حزام الخ. عاش أبو الوليد ستين سنة في الجاهلية وستين في الاسلام ، وذهب بصره ، توفي سنة ٥٥ ه‍ ( اسد الغابة ٢ / ٧ ).

(٤) وهذه القصيدة ذكرها ابن هشام في سيرته ٤ / ٣٦. وأنهاها الى سبعة عشر بيتا ، ومطلعها :

٢٠٨

رأيت خيار المسلمين تتابعوا(١)

شعوبا وخلفا بعدهم يتأخر(٢)

فلا يبعدون الله قتلى تتابعوا

جميعا وأسباب المنية تخطر(٣)

وزيد وعبد الله حين تتابعوا

بمؤتة فيهم ذو الجناحين جعفر

غداة(٤) غدا بالمؤمنين يقودهم

الى الموت ميمون النقية أزهر

أعزّ كضوء البدر من آل هاشم

أبي إذا سم(٥) الضلامة مجسر

فطاعن حتى مال غير موسد

بمعترك فيه القنا ينكسر

وصار مع المستشهدين(٦) ثوابه

جنان ومتلف الحدائق أخضر

وكنا نرى في جعفر من محمد

وقارا(٧) وأمرا حازما حين يأمر

وما زال(٨) في الاسلام من آل هاشم

دعائم عزّ لا ترام(٩) ومفخر

هم جبل الاسلام والناس حولهم

قيام الى طود يروق ويبهر(١٠)

بها ليل منهم جعفر وابن أمه

علي ومنهم أحمد المتخير

وحمزة والعباس منهم وفيهم(١١)

عقيل وماء العود من حيث يعصر

__________________

تأويني نيل وبيثرب أعسر

وهم اذا ما نوم الناس مسهر

(١) وفي الاصابة ٤ / ٢٣٨ والسيرة ٤ / ٣٦ : تواردوا.

(٢) شعوب وقد خلقت ممن يؤخر ( الاصابة ٢ / ٢٣٨ ) وفي الديوان : شعوب وقد خلفت فيمن يؤخر.

(٣) وقد ذكر ابن هشام في السيرة ٤ / ٣٦ ، هذا البيت والبيت الذي يليه هكذا.

فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا

بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر

وزيد وعبد الله حين تتابعوا

جميعا وأسباب المنية تخطر

(٤) وفي السيرة : غداة مضوا بالمؤمنين.

(٥) وفي السيرة : إذا سيم.

(٦) وفي نسخة ز : المتشهدين.

(٧) وفي السيرة : وفاء.

(٨) وفي الديوان : فلا زال. وفي السيرة : فما يزال.

(٩) وفي الديوان : عز لا تزول. وفي السيرة : لا يزلن.

(١٠) وفي السيرة : رضام الى طود يروق ويقهر.

(١١) وفي شرح النهج لابن أبي الحديد ١٥ / ٦٢ : وحمزة والعباس منهم ومنهم.

٢٠٩

[ ويرثيه أيضا كعب ]

وقال كعب بن مالك(١) يرثي جعفر وأصحابه شعرا :

نام(٢) العيون ودمع عينك يهمل

سحا كما وكفّ الضباب المخضل

وكأنما بين الجوانح والحشا

مما تأويني شهاب مدخل

وجدا على النفر الذين تتابعوا

سرعى بمؤتة غود روا لم ينقل(٣)

صلّى الاله عليهم من فتية

وسقى عظامهم الغمام المسبل

صبروا هنا لك(٤) للاله نفوسهم

حذرا له وحفيظة أن ينكلوا(٥)

فمضوا أمام المؤمنين(٦) كأنهم

فنق عليهن الحديد المرفل

إذ يهتدون بجعفر ولوائه

قدام أولهم ونعم(٧) الاول

حتى تفرقت الصفوف وجعفر

بين الصفوف لدى الحتوف مجدل(٨)

__________________

بعض الكلمات الغريبة :

شعب بضم الشين : وهي القبيلة. خلف : من يأتي بعده. أزهر : أبيض. أبي : عزيز الجانب. سيم : كلف وحمل. المجسر : المقدام الجسور. معترك : موضع الحرب. الرضام : جمع رضيم ، وهي الحجارة يتراكم بعضها على بعض. الطود : الجبل.

(١) وهو أحد شعراء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين كانوا يردون الاذى عنه. أسلم وشهد العقبة.

توفي في عهد معاوية ٥٠ ه‍ وهو ابن سبع وسبعين سنة.

أما القصيدة فهي مؤلفة من ٢٥ بيتا وقد ابتدأ المؤلف بالمطلع ثم انتقل الى البيت الرابع.

(٢) وفي السيرة : هدف العيون.

(٣) وفي السيرة : يوما بمؤتة اشتدوا لم ينقلوا.

(٤) وفي السيرة : صبروا بمؤتة.

(٥) وفي نسخة ز : عند الحمام وحفيظة أن ينكلوا. وفي السيرة : حذر الردى ومخافة أن يتكلوا.

(٦) وفي السيرة. امام المسلمين.

(٧) السيرة : فنعم الاول.

(٨) وفي السيرة :

حتى تفرجت الصفوف وجعفر

حيث التقى وعنت الصفوف مجدل

٢١٠

فتغيّر القمر المنير لقدره(١)

والشمس قد كسفت وكادت تأفل

قرم علا بنيانه من هاشم

فرع اشمّ وسؤدد ما ينقل(٢)

قوم بهم عصم الاله عباده(٣)

وعليهم نزل الكتاب المنزل

بيض الوجوه ترى بطون اكفهم

تندى إذا اعتذر الزمان الممحل

ويهديهم رضي الاله لخلقه

وبحدهم(٤) نصر النبي المرسل

[ ضبط الغريب ]

فأما قول حسان بن ثابت : رأيت خيار المسلمين تتابعوا شعوبا.

تتابعوا : أي اتبع بعضهم بعضا شعوب.

تفرقوا : فارقوا الدنيا وأهلها.

والشعب : يكون تفرقا ، ويكون اجتماعا. فمن الاجتماع ، قول الطرماح شعرا :

شتت شعب الحي بعد الالتيام

وسخال اليوم ربيع المقام(٥)

ويقول : شتت شملهم بعد الالتيام. ويقول : شعب بين القوم : إذا فرق بينهم. واشعب الطريق : إذا تفرق. واشعب أغصان الشجر : إذا تفرقت. وعصا في رأسها شعبتان. وشعب الجبال : ما تفرق من رءوسها.

وقوله : وخلفا بعدهم يتأخر.

الخلف ( بجزم اللام ) هم القرون من الناس. قال الشاعر :

__________________

(١) السيرة : لفقده.

(٢) السيرة : فرعا اشم وسؤددا ما ينقل.

(٣) السيرة : قوم بهم نصر الاله عباده.

(٤) السيرة : وبجدهم.

(٥) وفي لسان العرب ١ / ٤٩٨ :

شعث شعب الحي بعد التئام

وشجاك اليوم ربع المقام

٢١١

فبئس الخلق كان أبوك فينا

وبئس الخلق خلف أبيك خلفا

والخلف من الصالحين. قال تبارك وتعالى :( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ ) (١) .

وقوله : ميمون النقيبة أزهر. النقيبة من العمل ، يقول : إنه لميمون النقيبة كرم الفعال. الازهر : بمعنى المنير.

وقوله : أبي إذا سيم الظلامة مجسر.

الأبي : الذي يأبى من أن يظلم أو يظلم.

والمجسر ، الجسور والجسارة ، يقال منه رجل جسور وجسر ومجسر.

وقوله : بمعترك. فالمعترك الموضع الذي يعترك القوم فيه للقتال. اعتراكهم : اعتلاجهم. أخذ ذلك من عرك الاديم إذا عرك : لترطيبه.

والطود : الجبل العظيم.

وقوله : يروق. الروق : الاعجاب ، يقول : راقني هذا الامر فهو يروقني إذا أعجبه.

وقوله : يبهر : يقول يعجز من رؤيته ، ويقال للشيء إذا اعجزه الشيء قد أبهره ، وهو شيء يبهر : يعجز.

وأما قول كعب : وبها ليل : جمع بهلول. والبهلول : الرجل الحي : أي الكريم.

ودمع عينك يهمل ، يقال منه : همل الدمع ، وكل شيء ترك لا يستعمل فهو مهمل.

وقوله : سحا. تقول من ذلك سيح المطر ، والدمع. وهو سح سحا : اذا اشتدّ انصبابه.

قال امرؤ القيس :

فأضحى يسيح الماء من كل قبعة

يكبّ على الاذقان دوح الكنهبل(٢)

__________________

(١) مريم : ٥٩.

(٢) وفي لسان العرب ١١ / ١٠٣ :

فأضحى يسح الماء من كل فيقة

يكبّ على الاذقان دوح الكنهبل

٢١٢

وقوله : كما وكفّ الضباب.

وكفّ : قطر. يقول : وكفّ الدار ، إذا قطر. وو كف الدمع يكفّ وكفا ووكيفا. ودمع واكف. والضباب جمع ضبة : شقة مستطيلة من المزادة والقربة.

وقوله : مخضل ، الخضل : البدن المبلول. اخضلتنا السماء : أي بلتنا بلا شديدا.

وقوله : تأويني ، يقول : راجعني وعاودني.

والشهاب : شعلة النار. الغمام : السحاب. المسبل : التام الطويل العام. والحفيظة : من المحافظة على المحارم والمكارم وضعها عن الحروب. يقال من ذلك رجل ذو حفيظة ، ورجال من أهل الحفاظ.

وقوله : أن ينكلوا : أي ينكلوا ويرجعوا. يقال منه : نكل الرجل عن الشيء ، إذا أحجم ورجع عنه. ويقال : نكل ينكل في لغة بني تميم. ونكل ينكل في لغة أهل الحجاز.

وقوله : فنق : شبههم بفحول الإبل. والفنيق : الفحل من الإبل الذي لا يؤدي ولا يركب بكرامته على أهله.

وقوله : عليهن الحديد المرفل.

يعني السابقة التامة التي يجرّ على من مشى فيها الترفل : جرّ الذيل.

وقوله في الشمس : وكادت تأفل. أي تغيب. وكل شيء غاب فهو آفل. والقرم : الفحل من الإبل.

[ وقوله : ] الزمان الممحل.

الماحل : القليل المطر. الممحل : انقطاع المطر ويبس الارض.

٢١٣

[ اسرة أبي طالب ]

وكان ولد أبي طالب الذكور أربعة :

طالب : وبه كان يكنى.

وعقيل : وبين مولدهما عشر سنين.

وجعفر : بينه وبين عقيل عشر سنين.

وعلي : أصغرهم ، بينه وبين جعفر عشر سنين.

وأعقبوا كلهم ما خلا طالب ، فانه لم يعقب.

وأم هاني : واسمها فاختة.

وجمانة.

وامهم فاطمة بنت أسد بن هاشم. أسلمت ، فكانت ربت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد ذكرنا قوله عليه الصلاة والسلام فيها عند موتها. وهي أول هاشمية ولدت من هاشمي.

[١١٤١] [ السري ] بن سهيل(١) ، باسناده عن الزبير بن العوام ، قال :

سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو النساء الى البيعة لما أنزل الله تعالى :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ )

__________________

(١) هكذا صححناه وفي الاصل : السهل بن سهيل.

٢١٤

الآية(١) . قال : فكانت فاطمة بنت أسد بن هاشم أول امرأة بايعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

[ وداعا يا أمّ أمير المؤمنين ]

[١١٤٢] بكر بن عبد الوهاب ، باسناده ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفن فاطمة بنت أسد بن هاشم ، أم عليعليه‌السلام بالروحاء وكفنها في قميصه ، ونزل في قبرها ، وتمعّك في لحدها. فقيل له في ذلك ، فقال : إن أبي هلك وأنا صغير ، وهلكت أمي ، وأخذتني هي وأبو طالب ، وكانا يوسعان عليّ ، ويؤثران لي على أولادهما ، فأحببت أن يوسع الله عليها في قبرها. وكانت مبايعة مهاجرة من أفضل المؤمنات ، ودعا لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجزاها خيرا(٢) .

[١١٤٣] ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، باسناده ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام ، أنه قال : أوصت فاطمة بنت أسد بن هاشم ، أم علي بن أبي طالب الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقبل وصيتها ، فقالت له : يا رسول الله اني أردت أن أعتق [ جاريتي ](٣) هذه.

فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما قدّمت من خير تجديه(٤) .

فلما توفيت نزع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قميصه ، وقال : كفنوها [ فيه ]. واضطجع في لحدها ، وقال : أما قميصي فأمان لها يوم

__________________

(١) الممتحنة : ١٢.

(٢) قال ابن الصباغ في الفصول ص ٣١ : وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الله الذي يحيي ويميت وهو حي.

(٣) هكذا صححناه وفي الاصل : جارية.

(٤) وفي بحار الانوار ٣٥ / ٧٧ : فستجديه.

٢١٥

القيامة ، وأما اضطجاعي في قبرها فليوسع الله عليها.

[ أمّ هاني واختها ]

وأم هاني وجمانة ابنتا أبي طالب اختا عليعليه‌السلام المبايعتان ، ولما فتح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة ، وندر دماء قوم سماهم ، وقال : اقتلوهم حيث وجدتموهم ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب أم هاني بنت أبي طالب ، فاعتذرت إليه بأنها غيّرة لا تملك نفسها ، فعذرها.

[١١٤٤] فتزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي(١) وكان فيمن ندر رسول الله دمه رجلان من أحمائها بني مخزوم(٢) ، فاستجارا بها. فدخل عليعليه‌السلام ، فرآهما ، فأخذ سيفه ، وقام ليقتلهما ، فحالت فيما بينه وبينهما ، وكانت ايدة(٣) فلوت [ يده ] ، وانتزعت السيف منه ، فغلبته. وأغلقت عليهما باب بيتها ، فألحّ عليعليه‌السلام ، فقالت له : بيني وبينك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وانتهى الخبر الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يصلا إليه ، فلما رآهما ضحكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال لعليعليه‌السلام : هيه يا أبا الحسن غلبتك أم هاني؟

قالعليه‌السلام : يا رسول الله ، والله ما ملكت من يدي شيئا

__________________

(١) هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم تزوج من أم هاني وقد ولدت له أولادا ، وهرب الى نجران ، ومات مشركا ( ذخائر العقبى ص ٢٢٣ ).

وقال ابن أبي الحديد : ولدت أم هاني لهبيرة بن أبي وهب بنين أربعة : جعدة وعمرا وهانئا ويوسف ( شرح نهج البلاغة ١٠ / ٧٩ ).

(٢) وهما عبد الله بن أبي ربيعة والحارث بن هشام ( المغازي ٢ / ٨٢٩. السيرة لابن هشام ٤ / ٥٣ ).

(٣) أي قوية.

٢١٦

حتى انتزعت السيف من يدي.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أن أبا طالب ولد الناس كلهم لكانوا أشداء.

ثم قال لام هاني ـ وهو مبتسم ـ : إنا قد ندرنا دمهما يا أم هاني.

قالت : يا رسول الله اني قد أجرتهما ، فهبهما لي.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد أجرنا من أجرت يا أم هاني. وقال لعليعليه‌السلام : أعرض عنهما ، ودعهما لها.

[ جمانة ]

وكانت جمانة عند ابن عمها أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب(١) . وكان أبو سفيان هذا أخا لرسول الله صلّى الله عليه

__________________

(١) روي أنه أحد الخمسة الذين كانوا يشبهون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجمعهم ابن سيد الناس في بيتين :

خمسة شبهة المختار من مضر

بأحسن ما خولوا من شبهه الحسن

بجعفر وأين عمّ المصطفى قثم

وسائب وأبي سفيان والحسن

وهو أبو سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ، ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأخوه من الرضاعة ( وقيل إن اسمه المغيرة ، وقيل إن المغيرة هو أخوه من أمه كما ورد في الذخائر ص ٢٤٣ ) ، وكان يألف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل البعثة ، وبعده عاداه وهجاه ، وكان شاعرا ، وقد ردّ عليه حسان بن ثابت بقوله :

هجوت محمدا فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

قال أبو هشام : وأنشد أبو سفيان ابن الحارث قوله في إسلامه ، واعتذر إليه مما كان مضى عنه. فمن قوله :

لعمرك اني يوم أحمل راية

لتغلب خيل اللاّت خيل محمد

كالمدلج الحيران أظلم ليله

فهذا أواني حين اهدى واهتدي

توفي سنة ١٦ ه‍ ، وكان هو الذي حفر قبره بيده قبل أن يموت بثلاثة أيام ( سيرة ابن هشام ٤ / ٤٠١ ، الدرجات الرفيعة ص ١٦٧ ).

٢١٧

وآله من الرضاعة أرضعتهما حليمة(١) وكان يألف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأسلم عام الفتح ، وشهد حنين ، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرجو أن يكون أبو سفيان خلفا من عمه حمزة.

وقال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبو سفيان من فتيان أهل الجنة. ومات بالمدينة ، وكان سبب موته`ثؤلول في رأسه ، فحلقه الحلاق بمنى ، فقطعه ، ولما احتضر قال لأهله : لا تبكوا عليّ ، فاني لم اصطف بخطيئة مذ أسلمت(٢) ، وكانت وفاته سنة عشرين ، ودفن بالبقيع ، ولم يبق له عقب(٣) وهو ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأبوه الحارث ، وهو اكبر ولد عبد المطلب وبه يكنى وشهد معه حفر زمزم وهو عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

__________________

(١) حليمة السعدية بنت أبي ذؤيب من بني سعد بن بكر زوجها الحارث بن عبد العزي بن رفاعة من هوازن ( السيرة ٤ / ١٥٨. تفسير الرازي ٤ / ٢١٠ ، المغازي ٢ / ٨٠٦ ).

(٢) وفي الذخائر ص ٢٤٣ ، والاستيعاب ٤ / ٨٤ : قال : اني لم أنطف بخطيئة يوم أسلمت.

(٣) وقد ذكر المؤرخون له أولادا. قال صاحب الدرجات الرفيعة : انه خلف ثلاثة ذكور وبنتا وهم :

١ ـ عبد الله : قال محبّ الدين الطبري في الذخائر ص ٢٤٣ : ان عبد الله رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان معه مسلما بعد الفتح ، وقد مدح أمير المؤمنين في أبيات منها.

صلّى علي مخلصا بصلاته

لخمس عشر من سنيه كوامل

وخلى اناسا بعده يتبعونه

له عمل أفضل به صنع عامل

وقال ابن عساكر : بأن عبد الله لحق بعلي عليه‌السلام بالمدائن ، وكان شاعرا أجاب الوليد بن عقبة ، قائلا : ( منا علي الخير صاحب خيبر ) الخ. وقال المفيد عن الواقدي : قتل عبد الله بن أبي سفيان بكربلاء شهيدا مع الحسين عليه‌السلام ( الدرجات الرفيعة ص ١٨٩ ).

٢ ـ جعفر : وأمه جمانة بنت أبي طالب ، وقد شهد حنينا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يزل مع أبيه ملازما للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى قبض ، وتوفي بدمشق سنة ٥٠ ه‍ ( ذخائر العقبى ص ٢٤٣ الدرجات ص ١٦٥ ).

٣ ـ أبو الهياج. وقيل اسمه علي ، وقيل اسمه عبد الله.

٤ ـ عاتكة تزوجها مقصب بن أبي لهب ، فولدت له ( الذخائر ص ٢٤٢ ) وأضاف أنه لم يكن من أولاده المغيرة بل هو أخوه من أبيه وأمه غذية بنت قريش بن طريف ، والله اعلم.

٢١٨

[ أولاد عبد المطّلب ]

وكان لعبد المطّلب بن هاشم(١) جدّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الولد : عشرة ذكور ، ومن البنات : ست بنات.

فولده الاصغر عبد الله أبو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتوفي في حياة عبد المطّلب. والحارث وهو اكبر ولده. والزبير. وأبو طالب واسمه عبد المناف. والعباس. وضرار. وحمزة. والمقرم. وأبو لهب واسمه عبد العزى. والعبدان ، واسمه حجل ، ويقال : نوفل. فهؤلاء أعمام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وعبد الله وأبو طالب والزبير وعاتكة(٢) واميمة(٣) والبيضاء(٤) وبرة(٥)

__________________

(١) وكانت قريش تقول : عبد المطلب ابراهيم الثاني. ولد في المدينة وتوفي في مكة سنة تسع من عام الفيل ولرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العمر ثمان سنين ، ولعبد المطلب مائة وعشرون سنة ، وأعظمت قريش موته ، وغسل بالماء والسدرة ، وكانت قريش أول من غسل الموتى بالسدر. ولفّ في حلتين من حلل اليمن وطرح عليه المسك حلى ستره ، وحمل على أيدي الرجل عدة أيام اعظاما واكراما واكبارا لتغيبه في التراب ( عيون الاثر ١ / ٤. تاريخ اليعقوبي ٢ / ١١ ).

(٢) وكانت عند أبي أميّة ابن المغيرة المخزومي ، فولدت له : عبد الله وقد أسلم وشهد فتح مكة وحنين والطائف وفيها رمي بسهم فقتل ( كما في الذخائر ص ٢٥٠ ) وزهير.

(٣) وكانت عند جحش ابن أخي بني غنم فولدت له : عبد الله ( وكان من المهاجرين الى الحبشة وتنصّر فيها ) وعبيد الله ( وهو الذي عقد له أول لواء في الاسلام ) وأبا أحمد وزينب وأم حبيبة وحمنة ( الذخائر ص ٢٥١ ).

(٤) وهى أم حكيم.

(٥) وكانت عند أبي دهم ابن عبد العزى العامري. ثم خلف عليها بعده عبد الاسد بن هلال المخزومي ،

٢١٩

سبعة منهم أشقاء ، وامهم فاطمة بنت عمرو بن عمران بن مخزوم(١) .

والعباس وضرار شقيقان ، امهما نبيلة ، من ولد النمر بن قاسط.

وحمزة والمقرم وصفية(٢) أشقاء ، امهم هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة.

والحارث وأروي(٣) شقيقان ، وامهما صفية(٤) ، امرأة من بني عامر بن صعصعة.

والعبد وحيد لامه ، وهي ممتنعة بنت عمر من خزاعة.

[ أبو طالب ]

ولما ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفله جده عبد المطّلب ، فلما مات

__________________

فولدت له : أبا سلمة ، وكان من المهاجرين الى الحبشة ثم الى المدينة وشهد بدرا وجرح يوم احد فمات منه.

(١) وهكذا ذكره فخار بن معد المتوفى ٦٢٠ ه‍ في كتابه الحجة على الذاهب ص ٢٥٤ ، أما ابن هشام في السيرة ١ / ١٠٩ : فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن مخزوم بن يقظة.

(٢) وهي أمّ الزبير ، أسلمت وشهدت الخندق ، وقتلت رجلا من اليهود ، عند ما تخلف حسان بن ثابت في المدينة وطلبت منه أن يذهب الى قتله ، فاستعذر ، ولما قتلته خوفا من أن يذهب الى قومه ويرشدهم على عورات المسلمين ضرب لها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسهم ، وروت الحديث.

وكانت في الجاهلية عند الحرث بن حرب بن أميّة فهلك ، فخلف عليها العوام بن خويلد ، أخو خديجة بنت خويلد ، فولدت له : الزبير والسابق وعبد الكعبة. توفيت في المدينة سنة عشرين وعمرها ثلاث وسبعون سنة ودفنت في البقيع ( المدخل لابن الحاج ١ / ٢٦٥ ، وفاء الوفاء ٢ / ١٠٥ ، المناقب ١ / ١٣٧ ).

(٣) وكانت عند عمير بن وهب ، فولدت له : طليبا ثم خلف عليها كلدة بن عبد المناف. أما طليب فقد أسلم ، وكان سبب اسلامه أمه. ذكر الواقدي : أن طليبا أسلم في دار الارقم ، ثم خرج فدخل على أمه اروى بنت عبد المطلب. فقال : اتبعت محمدا ، وأسلمت لله عزّ وجلّ. فقالت : إن أحق من واددت وعضدت ابن خالك ، والله لو قدرنا على ما يقدر عليه الرجال لمنعناه. ثم شهدت الشهادتين ( ذخائر العقبى ص ٢٥١ ).

(٤) صفية بنت جندب.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

حسم الخلاف فيها ، بل دون كلمة تؤذن بأنّه يحسّ ضيقاً بهذا الخلاف

ففي صفحة واحدة من الأغاني مثلاً ، تقرأ أربع روايات متناقضة متضاربة ،
سردها أبو الفرج متتابعة ، ثمّ لا شيء أكثر من هذا السرد .

وإذا بلغ الخلاف في الموضع الواحد أن يكون الأصبغ المرواني أوّل أزواجها في رواية ، ورابعهم في أُخرى ، ثمّ لا يشار إلى هذا الخلاف بكلمة واحدة !

وإذا بلغ الشذوذ فيما يروى من حياتها الزوجية أن تلد لمصعب بنتاً تتزوّج من عمّها أخي مصعب ـ كما في دائرة المعارف الإسلامية ـ.

وأن يقال : إنّ الرباب بنت امرئ القيس ، التي أهلكها الحزن على زوجها الحسين ، فماتت بعده بعام واحد ، قد بُعثت من قبرها لتشهد مصرع مصعب بعد سنة ٧٠ هـ ، وترفض زواج بنتها سكينة من قاتله ـ كما في « الأغاني » ـ.

وأن تزوّجها ـ كما في « دائرة المعارف » ـ عبد الله بن عثمان ابن أخي مصعب ، وعمرو بن الحاكم بن حزام ، ولا خبر في نسب قريش ، وأنساب العرب عن وجود أخ لمصعب اسمه عثمان ، أو حفيد لحزام اسمه عمرو بن الحاكم

وقال أيضاً : ونقل صاحب الأغاني رواية عن سعيد بن صخر عن أُمّه سعيدة بنت عبد الله ابن سالم : أنّ السيّدة سكينة لقيتها بين مكّة ومنى ، فاستوقفتها لتريها ابنتها من مصعب ، وإذ هي قد أثقلتها بالحلي واللؤلؤ ، وقالت : ما ألبستها الدرّ إلا لتفضحه

ثمّ أتبعها أبو الفرج برواية أُخرى عن شعيب بن صخر عن أُمّه سعدة بنت عبد الله : أنّ سكينة أرتها بنتها من الحزامي ، وقد أثقلتها بالحلي ، وقالت : والله ما ألبستها إيّاه إلّا لتفضحه

وهكذا بين فقرة وأُخرى ، صار سعيد بن صخر شعيب بن صخر ، وصارت سعيدة بنت عبد الله بن سالم ، سعدة بنت عبد الله ، كما صارت بنت مصعب بنت الحزامي

وتتحدّث الدكتورة عن زواج سكينة بعمرو بن حاكم بن حزام فتقول :

٣٦١

وعمرو هذا أو عمر ، هو أخ لجدّ عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام ، زوجها بعد مصعب ، ولا ندري كيف أدركت سكينة ، إلى أن يصبح في حساب هؤلاء أن تتزوّج من رجلين بينهما ثلاثة أجيال

وقالت : إنّ الشيعة كما ذكرنا في مطلع هذا الفصل ، يرفضون الاعتراف بهذه الزيجات المتعاقبة ، ولا يقبلون منها غير ما ذكروه من زواجها بابن عمّها الحسن ، ثمّ مصعب بن الزبير ، وعذرهم واضح ، فما كانت هذه الأخبار في تناقضها ، وتدافعها واختلاطها بالتي تدعو إلى شيء من ثقة وطمأنينة ، وقد رأيناها زوّجت سكينة من عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام ، ثمّ من عمّ أبيه عمرو بن حكيم

وبعثت الموتى من قبورهم بعد سنين ذوات عدد ، فجعلت الرباب أُمّ سكينة ترفض زواجها من عبد الله بن مروان بعد قتل مصعب

وسبقت الزمن فجاءت على مسرح الأحداث بالأجنّة في بطون أُمّهاتهم ، حتّى جعلت هشام بن عبد الملك ـ الذي ولد بعد مقتل مصعب ، أو كان رضيعاً في عامه الأوّل ـ يتدخّل في حكاية إبراهيم بن عبد الرحمن ، لمّا أراد زواجها بعد ترمّلها من مصعب بن الزبير

فليس بالغريب أن ترفض الشيعة هذه الروايات جميعاً ، وقد تعارضت فتساقطت ، وكذّب بعضها بعضاً ، وجاوزت نطاق المعقول

وقال علي دخيل : والذي عليه الشيعة : أنّها لم تتزّوج غير ابن عمّها عبد الله ابن الإمام الحسنعليه‌السلام ، ويوافق الشيعة على زواجها بعبد الله بن الإمام الحسنعليه‌السلام غيرهم من السنّة ، نذكر من كتب الطرفين : إعلام الورى : ١٢٧ للمجدي ( مخطوط ) ، إسعاف الراغبين : ٢١٠ ، رياض الجنان : ٥١ ، مقتل الحسين للمقرّم : ٣٣٠ ، سكينة بنت الحسين للمقرّم : ٧٢ ، أدب الطف ١ : ١٦٢ ،
سفينة بحار الأنوار ١ : ٦٣٨ .

٣٦٢

وقفة مع التاريخ المزيّف :

لم تنتهي تهم الأعداء ـ أعداء آل محمّدعليهم‌السلام ـ لسكينة بنت الحسينعليه‌السلام بتعدّد أزواجها حسبما قالوه ، بل تجاوزتها إلى أكبر من ذلك وأعظم ، حيث جعلوا سكينة تجالس الشعراء ، وتعقد مجالس الطرب والشعر في بيتها ، ويتغزّل بها ابن أبي ربيعة ، إلى غير ذلك من الافتراءات الباطلة

وما كنّا نودّ التحدّث عن هذا الجانب من حياة السيّدة سكينة ؛ لأنّ التعرّض له قد ينبّه مَن غفل عنه ، إلّا أنّا وجدنا بعض الكتّاب يحاول أن يوجّه هذه الاتهامات بقوله : نعم كانت سكينة تجالس الشعراء من وراء حجاب ، أو أنّها كانت تبعث للشعراء الذين يجتمعون عندها جاريةً لها علّمتها الشعر ، وإلى غير ذلك من التوجيهات الباطلة

ونحن إذ نعيب الأصفهاني وغيره الذين نقلوا لنا هذه الأحاديث المفتعلة ، ففي نفس الوقت نوجّه النقد لأُولئك الذين حاولوا توجيه هذه الافتراءات ، ولا ندري كيف يرتضون لأنفسهم هذه التوجيهات ، بل كيف يقتنعون بها ؟!

ونذكر هنا اتهامين باطلين سجّلهما لنا التاريخ المزيّف ، والجواب عنهما :

الأوّل : روى أبو الفرج الأصفهاني عن الزبيري : اجتمع بالمدينة راوية جرير ، وراوية كثير ، وراوية جميل ، ورواية نصيب ، ورواية الأحوص ، فافتخر كلّ واحد منهم بصاحبه وقال : صاحبي أشعر ، فحكّموا سكينة بنت الحسين بن عليعليهما‌السلام ، لما يعرفونه من عقلها ، وبصرها بالشعر ، فخرجوا يتقادّون حتّى استأذنوا عليها فأذنت لهم ، فذكروا لها الذي كان من أمرهم ، فقالت لراوية جرير : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :

طرقتُكِ صائدة القلوب وليس ذا

حين الزيارة فارجعي بسلام

وأيّ ساعة أحلى للزيارة من الطروق ، قبّح الله صاحبكَ وقبّح شعره ، ألا
قال : فادخلي بسلام .

ثمّ قالت لراوية كثير : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :

٣٦٣

يقرّ بعيني ما يقرّ بعينها

وأحسن شيء ما به العين قرّت

فليس شيء أقرّ لعينها من النكاح ، أفيحب صاحبكَ أن ينكح ؟ قبّح الله صاحبكَ وقبّح شعره

ثمّ قالت لراوية جميل : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :

فلو تَركتْ عقلي معي ما طلبتُها

ولكن طلابيها لما فات من عقلي

فما أرى بصاحبك من هوى ، إنّما يطلب عقله ، قبّح الله صاحبكَ وقبّح شعره

ثمّ قالت لراوية نصيب : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :

أهيم بدعد ما حييتُ فإن أمت

فيا حرباً مَن ذا يهيم بها بعدي

فما أرى له همّة إلّا مَن يتعشّقها بعده ! قبّحه الله وقبّح شعره ، ألا قال :

أهيم بدعد ما حييت فإن أمت

فلا صلحت دعد لذي خلّة بعدي

ثمّ قالت لراوية الأحوص : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :

من عاشقين تواعدا وتراسلا

ليلاً إذا نجم الثريا حلقا

باتا بأنعم ليلة وألذّها

حتّى إذا وضح الصباح تفرّقا

قال : نعم

قالت : قبّحه الله وقبّح شعره ، ألا قال : تعانقا

قال إسحاق في خبره : فلم تثنِ على واحدٍ منهم في ذلك اليوم ، ولم تقدّمه

قال : وذكر لي الهيثم بن عدي مثل ذلك في جميعهم ، إلّا جميلاً فإنّه خالف هذه الرواية ، وقال : فقالت لراوية جميل : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :

فيا ليتني أعمى أصم تقودني

بثينة لا يخفى عليّ كلامها

قال نعم

قالت : رحم الله صاحبكَ كان صادقاً في شعره ، كان جميلاً كاسمه ،
فحكمت له .

٣٦٤

وعلّق الأُستاذ علي دخيل على هذه الرواية بقوله : إنّ أثر الصنعة واضح على هذه الرواية ، وهي من نسج الزبيري عدوّ أهل البيت ، وما أكثر مفترياته هو وذويه على آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لقد جعلَ من ابنة الرسالة النابغة الذبياني ـ فقد كان يضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ ، فتأتيه الشعراء فتعرض أشعارها ـ

وجدير بالذكر أنّ المؤرّخين لم يحدّثونا عن مثل هذا الاجتماع لمن سبقها من نساء أهل البيتعليهم‌السلام كفاطمة وزينبعليهما‌السلام ، مع أنّهما أجلّ وأعلم من سكينة ، بل لم يذكر التاريخ اجتماع مثل هؤلاء الرواة عند أحد من الأئمّةعليهم‌السلام للحكومة فيما بينهم

نعم ورد في نهج البلاغة : ( سُئلعليه‌السلام : مَن أشعر الشعراء ؟ فقال :« إنّ القوم لم يجروا في حلبة تعرف الغاية عند قصبتها ، فإن كان ولابدّ فالملك الضليل » )(١) ، يريد امرئ القيس

أنا لا أدري كيف يقبل هؤلاء بحكم سكينة ، مع أنّه لم يرو لها إلّا سبعة أبيات ، لا تؤهل قائلها لمثل هذا المنصب الكبير

وقد سُئل الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء عن هذا الاجتماع ، فقال : لم يذكره ابن قتيبة ، ولا ابن طيفور في « بلاغات النساء » ، مع أنّهما أقدم من أبي الفرج

وقالقدس‌سره : « أبو الفرج كتابه كتاب لهو ، وقد يأخذ عن الكذّابين ، وحمّاد الذي جاءت عنه الرواية كذّاب »(٢)

وقال الشيخ جعفر النقدي : أمّا وصف الحسينعليه‌السلام لابنته سكينة من غلبة الاستغراق مع الله تعالى ، فيكذّب الانقال المروية عن الزبير بن بكّار ، وأضرابه من النواصب ، كعمّه مصعب الزبيري ، من اجتماع الشعراء عندها ومحاكمتها بينهم ، وأمثال ذلك ممّا ينافي شأن خفرة من خفرات النبوّة ، وعقيلة من عقائل بيت العصمة

______________________

(١) شرح نهج البلاغة ٢٠ / ١٥٣

(٢) جنّة المأوى : ١٦٥

٣٦٥

وإن تعجب فاعجب من أبي الفرج الأصبهاني ، ومَن حذا حذوه ، أن ينقلوا مفتريات هؤلاء في كتبهم من غير فكر ولا تروٍّ ، على أنَّ الزبير بن بكّار كان عدوّاً لآل علي ، بل لسائر بني هاشم ، كان يصنع المفتريات في رجالهم ونسائهم حتّى أرادوا قتله ، ففرَّ من مكّة إلى بغداد أيّام المتوكّل ، ذكر ذلك ابن خلكان في تاريخه « وفيات الأعيان »

وجدير بالذكر هو أن تعلم أنّ مثل هذا الاجتماع عقد برعاية عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التيمي ، فقد روى أبو الفرج عن أبي عمرو قال : أنشدت عائشة بنت طلحة بن عبيد الله هذه القصيدة : وجدت الخمر جامحة وفيها وبحضرتها جماعة من الشعراء ، فقالت : مَن قدر منكم أن يزيد فيها بيتاً يشبهها ، ويدخل في معناها حلّتي هذه ؟ فلم يقدر أحد منهم على ذلك

وذكر أبو الفرج نفسه اجتماعاً مشابهاً للاجتماع الذي نسبه للسيّدة سكينة ، عقد برعاية امرأة أموية ، قال : أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان ، قال : حدّثني عبد الله بن إسماعيل ابن أبي عبيد الله كاتب المهدي ، قال : وجدت في كتاب أبي بخطّه : حدّثني أبو يوسف التجيبي ، قال : حدّثني إسماعيل بن المختار مولى آل طلحة ، وكان شيخاً كبيراً ، قال : حدّثني النصيب أبو محجن ، أنّه خرج هو وكثير والأحوص غب يوم أمطرت فيه السماء ، فقال : هل لكم أن نركب جميعاً ، فنسير حتّى نأتي العقيق ، فنمتّع فيه أبصارنا ؟

فقالوا : نعم ، فركبوا أفضل ما يقدرون عليه من الدواب ، ولبسوا أحسن ما يقدرون عليه من الثياب ، وتنكّروا ثمّ ساروا حتّى أتوا العقيق ، فجعلوا يتصفّحون ويرون بعض ما يشتهون ، حتّى رفع لهم سواد عظيم ، فأمّوه حتّى أتوه ، فإذا وصائف ورجال من الموالي ، ونساء بارزات ، فسألنهم أن ينزلن ، فاستحوا أن يجيبوهن من أوّل وهلة ، فقالوا : لا نستطيعَ أو نمضي في حاجة لنا ، فحلّفنهم أن يرجعوا إليهن ، ففعلوا وأتوهن فسألنهم النزول فنزلوا

ودخلت امرأة من النساء فاستأذنت لهم ، فلم تلبث جاءت المرأة فقالت :

٣٦٦

ادخلوا ، فدخلنا على امرأة جميلة برزت على فرش لها ، فرحبّت وحيّت ، وإذا كراسي موضوعة ، فجلسنا جميعاً في صفّ واحدٍ كلّ إنسان على كرسي ، فقالت : إن أحببتم أن ندعو بصبي لنا فنصيحه ونعرك أذنه فعلنا ، وإن شئتم بدأنا بالغداء ؟

فقلنا : بل تدعين الصبي ولن يفوتنا الغداء ، فأومأت بيدها إلى بعض الخدم فلم يكن إلّا كلا ولا ، حتّى جاءت جارية جميلة قد سترت عليها بمطرف فأمسكوه عليها حتّى ذهب بصرها ، ثمّ كُشف عنها ، وإذا جارية ذات جمال قريبة من جمال مولاتها ، فرحّبت بهم وحيّتهم ، فقالت لها مولاتها : خذي ويحك من قول النصيب ، عافى الله أبا محجن :

ألا هل من البين المفرق من بد

وهل مثل أيّام بمنقطع السعد

تمنّيت أيّامي أُولئك والمنى

على عهد عاد ما تعيد ولا تبدي

فغنّته ، فجاءت كأحسن ما سمعته بأحلى لفظ ، وأشجى صوت

ثمّ قالت لها : خذي أيضاً من قول أبي محجن ، عافى الله أبا محجن :

أرق المحبّ وعاده سهده

لطوارق الهم التي ترده

وذكرت من رقّت له كبدي

وأبى فليس ترق لي كبده

لا قومه قومي ولا بلدي

فنكون حيناً جيرة بلده

ووجدت وجداً لم يكن أحد

من أجله بصبابة يجده

إلّا ابن عجلان الذي تبلت

هند ففات بنفسه كمده

قال : فجاءت به أحسن من الأوّل ، فكدت أطير سروراً

ثمّ قالت لها : ويحك خذي من قول أبي محجن ، عافى الله أبا محجن :

فيا لك من ليل تمتعت طوله

وهل طائف من نائم متمتّع

نعم إنّ ذا شجو متى يلق شجوه

ولو نائماً مستعتب أو مودع

٣٦٧

له حاجة قد طالما قد أسرّها

من الناس من صدر بها يتصدّع

تحملها طول الزمان لعلّها

يكون لها يوماً من الدهر منزع

وقد قرعت في أُمّ عمرو لي العصا

قديماً كما كانت لذي الحلم تقرع

قال : فجاءني والله شيء حيّرني وأذهلني طرباً لحسن الغناء ، وسروراً باختيارها الغناء في شعري ، وما سمعت منه من حسن الصنعة وجودتها وإحكامها

ثمّ قالت لها : خذي أيضاً من قول أبي محجن ، عافى الله أبا محجن :

يا أيّها الركب إنّي غير تابعكم

حتّى تلموا وأنتم بي ملمونا

فما أرى مثلكم ركباً كشكلكم

يدعوهم ذو هوى أن لا يعوجونا

أم خبروني عن داء بعلمكم

وأعلم الناس بالداء الأطبونا

قال نصيب : فو الله زهوت بما سمعت زهواً خيّل إليّ أنّي من قريش ، وأنّ الخلافة لي

ثمّ قالت : حسبكِ يا بنية ، هات الطعام يا غلام ، فوثب الأحوص وكثير ، وقالا : والله لا نطعم لك طعاماً ، ولا نجلس لك في مجلس ، فقد أسأت عشرتنا واستخففت بنا ، وقدّمت شعر هذا على أشعارنا ، وأسمعت الغناء فيه ، وإنّ في أشعارنا لما يفضل شعره ، وفيها من الغناء ما هو أحسن من هذا

فقالت : على معرفة كلّ ما كان منّي فأيّ شعركما أفضل من شعره ، أقولك يا أحوص :

يقر بعيني ما يقرّ بعينها

وأحسن شيء ما به العين قرّت

ثمّ قولك يا كثير في عزة :

وما حسبت ضمرية جدوية

سوى التيس ذي القرنين إن لها بعلاً

قال : فخرجا مغضبين واحتبستني ، فتغدّيت عندها ، وأمرت لي بثلاثمائة

٣٦٨

دينار وحلّتين وطيب ، ثمّ دفعت إليّ مائتي دينار ، قالت : ادفعها إلى صاحبيك فإن قبلاها وإلّا فهي لك ، فأتيتهما منازلهما فأخبرتهما القصّة ، فأمّا الأحوص فقبلها ، وأمّا كثير فلم يقبلها ، وقال : لعن الله صاحبتكَ وجائزتها ، ولعنكَ معها ، فأخذتها وانصرفت

فسألت النصيب ممّن المرأة ؟ فقال : من بني أُمية ، ولا أذكر اسمها ما حييت لأحد

وشيء آخر يجب أن نتنبّه له هو أثر الصنعة واضح على هذا التلفيق ، وهو تجميع لكلمات عدّة من النقّاد والبصراء بالشعر ، وقد مرّ عليك آنفاً نقد المرأة الأموية لبعض الأبيات بالنقد الذي نسبوه للسيّدة سكينة ، كما أنّ بيت نصيب وإصلاحه المنسوب إلى السيّدة سكينة ، رواه ابن قتيبة بلفظ مقارب لعبد الملك ابن مروان ، قال : دخل الأقيشر على عبد الملك بن مروان وعنده قوم ، فتذاكروا الشعر ، وقول نصيب :

اهيم بدعد ما حييت فإن أمت

فيا ويح دعد من يهيم بها بعدي

فقال الاقيشر : والله لقد أساء قائل هذا البيت

فقال عبد الملك : فكيف كنت تقول لو كنت قائله ؟

قال : كنت أقول :

تحبّكم نفسي حياتي فإن أمت

أُوكل بِدَعد من يهيم بها بعدي

فقال عبد الملك : والله لأنت أسوأ قولاً منه حين توكل بها

فقال الاقيشر : فكيف كنت تقول يا أمير المؤمنين ؟

قال : كنت أقول :

تحبّكم نفسي حياتي فإن أمت

فلا صلحت هند لذي خلّة بعدي

فقال القوم جميعاً : أنت والله يا أمير المؤمنين أشعر القوم

الثاني : حديث الصورين :

٣٦٩

قال أبو الفرج الأصفهاني : أخبرني علي بن صالح ، قال : حدّثنا أبو هفان ،
عن إسحاق ، عن أبي عبد الله الزبيري ، قال : اجتمع نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف ، فتذاكرن عمر بن أبي ربيعة ، وشعره وظرفه وحسن حديثه ، فتشوّقن إليه وتمنيّنه ، فقالت سكينة بنت الحسين عليه‌السلام : أنا لكُنّ به ، فأرسلت إليه رسولاً وواعدته الصورين ، وسمّت له الليلة والوقت ، وواعدت صواحباتها ، فوافاهنّ عمر على راحلته ، فحدّثهن حتّى أضاء الفجر وحان انصرافهن ، فقال لهن : والله إنّي لمحتاج إلى زيارة قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والصلاة في مسجده ، ولكن لا أخلط بزيارتكن شيئاً ، ثمّ انصرف إلى مكّة ، وقال :

قالت سكينة والدموع ذوارف

منها على الخدين والجلباب

ليت المغيريّ الذي لم أجزه

فيما أطال تصيّدي وطلابي

كانت ترد لنا المنى أيّامنا

إذ لا نلام على هوى وتصابي

خبرت ما قالت فبتّ كأنّما

ترمي الحشا بنوافذ النشاب

أسكين ما ماء الفرات وطيبه

منّي على ظمأ وفقد شراب

بألذّ منك وإن نأيت وقلّما

ترعى النساء أمانة الغيّاب

وأجاب الأُستاذ علي دخيّل على هذه الرواية قائلاً : إنّ هذه الأبيات ليست في سكينة بنت الحسينعليه‌السلام ، وإنّما هي في سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف ، وإنّ عداوة الزبيري صيّرتها في سكينة ، ودليلنا :

١ ـ قال العلّامة الشنقيطي : أكثر الروايات « سكينة » في المتمم ، « وأسكين »
في المرخم ، والرواية الصحيحة : قالت « سعيدة » في المتمم ، و « أسعيد » في المرخم ،
وسعيدة تصغير سعدى وهي بنت عبد الرحمن بن عوف .

وسبب هذا الشعر أنّ سعدى المذكورة كانت جالسة في المسجد الحرام ، فرأت عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت ، فأرسلت إليه : إذا فرغت من طوافك فأتنا ، فأتاها ، فقالت : لا أراكَ يا ابن أبي ربيعة سادراً في حرم الله ، أما

٣٧٠

تخاف الله ويحكَ ، إلى متى هذا السفه ؟!

فقال : أي هذه دعي عنك هذا من القول ، أما سمعت ما قلتُ فيكِ ؟

قالت : لا ، فما قلت ؟ فأنشدها الأبيات

فقالت : أخزاك الله يا فاسق ، علمَ الله إنّي ما قلت ممّا قلت حرفاً ، ولكنّك إنسان بهوت

هذا هو الصحيح ، وإنّما غيّره المغنّون فجعلوا « سكينة » مكان سعيدة ، « وأسكين » مكان « أسعيد »

٢ ـ قال الأُستاذ عبد السلام محمّد هارون : ويُفهم من كلام أبي الفرج أنّ الرواية الصحيحة في البيت « قالت سعيدة » ، وفي البيت الخامس التالي « أسعيد » ، وكلاهما تصغير ترخيم لسعدى ، وهي سعدى بنت عبد الرحمن ابن عوف

وللشعر على هذه الرواية قصّة في الأغاني ، ثمّ قال أبو الفرج : وإنّما غيّره المغنّون

٣ ـ ذكرت هذه القصيدة بكاملها في ديوان ابن أبي ربيعة ، لشارحه الأُستاذ محمّد علي العناني المصري ، قال : وكانت سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف جالسة في المسجد الحرام ، فرأت عمر يطوف بالبيت ، فأرسلت إليه : إذا فرغت من طوافك فأتنا ، فأتاها ، فقالت : مالي أراكَ يابن أبي ربيعة سادراً في حرم الله ، ويحكَ أما تخاف الله ، ويحكَ إلى متى هذا السفه ؟

فقال : أي هذه دعي عنك هذا من القول ، أما سمعت ما قلت فيك ؟

قالت : لا ، فما قلت ؟ فأنشدها قوله :

ردع الفؤاد بنكرة الأطراب

وصبا إليكِ ولاتَ حينَ تصابي

إن تبذلي لي نائلاً يشفى به

سقم الفؤاد فقد أطلت عذابي

وعصيتُ فيك أقاربي فتقطّعت

بيني وبينهم عرى الأسباب

٣٧١

وتركتني لا بالوصال ممتّعاً

يوماً ولا أسعفتني بثواب

فقعدت كالمهريق فضلة مائه

من حرّها جرة للسع شراب

يشفى به منه الصدى فأماته

طلب السراب ولات حين طلاب

قالت سعيدة والدموع ذوارف

منها على الخدين والجلباب

ليت المغيري الذي لم تجزه

فيما أطال تصيّدي وطلابي

كانت ترد لنا المنى أيّامنا

إذ لا تلام على هوى وتصابي

خبرت ما قالت فبتّ كأنّما

ترمي الحشا بنوافذ النشاب

أسعيد ما ماء الفرات وطيبه

منّي على ظمأ وفقد شراب

بألذّ منك وإن رأيت وقلّما

ترعى النساء أمانة الغيّاب

فلمّا فرغ من الإنشاد قالت له : أخزاكَ الله يا فاسق ، علم الله أنّي ما قلتُ ما قلتَ حرفاً ، ولكنكَ إنسان بهوت

٤ ـ إنّ أبا الفرج نفسه ذكر في موضع آخر من أغانيه هذا الاجتماع عن الرواة أنفسهم ، وذكر سكينة ، ولكن لم ينسبها إلى الحسينعليه‌السلام ، كما ذكر شعراً غير الشعر الأوّل

ثمّ قال الأُستاذ علي دخيّل : كيف تعقد سكينة مثل هذا الاجتماع ، والمدينة بأسرها في مأتم على الحسينعليه‌السلام ؟! فالرباب ـ أُمّ سكينة ـ يقول عنها ابن كثير : « ولما قُتل كانت معه ، فوجدت عليه وجداً شديداً وقد خطبها بعده أشراف قريش ، فقالت : ما كنتُ لأتخذ حمواً بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله لا يؤويني ورجلاً بعد الحسين سقف أبداً ، ولم تزل عليه كمدة حتّى ماتت ، ويقال : إنّها عاشت بعده أيّاماً يسيرة »(١)

وأُمّ البنين فقد كانت تخرج كلّ يوم ترثيه ـ العباسعليه‌السلام ـ وتحمل ولده عبيد
______________________

(١) البداية والنهاية ٨ / ٢٢٩

٣٧٢

الله ، فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة ـ فيهم مروان بن الحكم ـ فيبكون لشجى الندبة

والرواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام : « ما امتشطت فينا هاشمية ، ولا اختضبت حتّى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين صلوات الله عليه »(١)

وأنت سلّمك الله إذا علمت أنّ سكينة تقول للصحابي الجليل سهل بن سعد الساعدي في الشام : قُل لصاحب هذا الرأس أن يقدّم الرأس أمامنا حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه ، ولا ينظروا إلى حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

قال سهل : فدنوتُ من صاحب الرأس فقلت له : هل لكَ أن تقضي حاجتي ، وتأخذ منّي أربعمائة دينار ؟

قال : وما هي ؟

قلت : تُقدّم الرأس أمام الحرم ، ففعل ذلك ، فدفعتُ إليه ما وعدته

وإذا كان حال هذه السيّدة في الصيانة والحجاب في موضع سلب فيه الاختيار ، فهل يتصوّر مسلم أن تواعد عمر بن أبي ربيعة الصورين ؟!

ولو قلنا : إنّ اجتماع الصورين تأخّر عن واقعة الطف كثيراً حتّى نستها سكينة ، فإنّ ابن أبي ربيعة تاب عام ٦٢ هـ ، فيبطل الاجتماع أيضاً

ولو صحّ اجتماع الصورين لَذَكَرَهُ كبار مؤرّخي الشيعة ومحدّثيهم ، فقد تميّزوا بالإطلاع والتحقيق ، وعدم المهادنة ، فهذه كتب الشيخ المفيد ، والسيّد المرتضى ، والشيخ الطوسي والطبرسي ، وغيرهم من أعلام الطائفة ، وهي خالية من الإشارة إلى ذلك ونحوه

ومَن قرأ مصنّفات هؤلاء الأعلام يجد ما كتبوه عمّن شذّ من أولاد الأئمّةعليهم‌السلام ، فهذا جعفر بن الإمام الهاديعليه‌السلام ، وقد وصفوه بالكذب وشرب الخمر ، ومعاونة الظالمين ، كما تناولوا غيره كعلي بن إسماعيل بن الإمام الصادقعليه‌السلام
______________________

(١) اختيار معرفة الرجال ١ / ٣٤١ ، رجال ابن داود : ٢٧٧

٣٧٣

وغيرهما ، فهم لم يتعصّبوا إلّا للحقّ ، ولم يكتبوا إلّا للتاريخ

وقالت الدكتورة بنت الشاطئ : ربما عرض لنا آخر الأمر أن نسأل : متى ظهرت سكينة في المجتمع طليقة متحرّرة ، وشاركت في التاريخ الأدبي بعصرها ؟

الأخبار التي بين أيدينا تشير إلى أنّها ظهرت لأوّل مرّة في موسم الحجّ سنة ٦٠ هـ ، حين صحبت أباهارضي‌الله‌عنه في هجرته من المدينة إلى مكّة ، وقد كانت إذ ذاك في ربيعها الثاني عشر ، أو الثالث عشر ، وغير بعيد أن تكون لفتت إليها الأنظار بنضرة صباها ، وحيوية مرحها ، وبهاء طلعتها ، ولكن مهابة أبيها الإمام الحسين كافية وحدها لأن تلجم ألسنة الشعراء عن التغنّي باسمها في قصائد الغزل ، فهل ترى حلّت عقدة لسانهم بعد عودتها إلى المدينة إثر فاجعة كربلاء ؟!

المؤرّخون يقرّون أنّ المدينة كانت في مأتم عام لسيّد الشهداء ، وأنّ أُمّها الرباب قد أمضت عاماً بأكمله حادّة حزينة حتّى لحقت بزوجها الشهيد

وإنّ أُمّ البنين بنت حزام بن خالد العامرية ، زوج الإمام علي بن أبي طالب ، كانت تخرج إلى البقيع كلّ يوم ، فتبكي أبناءها الأربعة ، أعمام سكينة ، الذين استشهدوا مع أخيهم الحسين في كربلاء : عبد الله ، وجعفر ، وعثمان ، والعباس بني علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) ، فتلبث نهارها هناك تندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها ، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي

فهل ترى كان يحدث هذا ، وسكينة تعقد مجالس الغناء في دارها ، وتواعد عمر الصورين ذات ليلة ، استجابةً لرغبة نسوة شاقهنّ مجلس ابن أبي ربيعة ؟!

هل كان مروان بن الحكم يسمع أُمّ البنين تندب أعمام سكينة فيبكي لها ، وسكينة تبكي بدموع ذوارف على الخدين والجلباب ، لفراق عمر بن أبي

٣٧٤

ربيعة ، وتصغي إلى شدو المغنّين بقولها على لسانه :

ليتَ المغيري الذي لم أجزه

فيما أطال تصيّدي وطلابي

كانت ترد لنا المنى أيّامنا

إذ لا نلام على هوى وتصابي

فهل عمر قال فيها ما قال بعد عودتها من سفرها إلى مصر مع عمّتها زينب عقيلة بني هاشم ؟

الذين أرّخوا للسيّدة زينبعليها‌السلام ذكروا وفاتها في شهر رجب سنة ٦٢ هـ ، وقد ثوت في مرقدها الأخير هناك ، وآبت سكينة من رحلتها مضاعفة اليتم ، لتشهد بعد ذلك ثورة أهل المدينة على بني أُمية ، وخروجهم على يزيد بن معاوية لقلّة دينه ، وهي الثورة التي انتهت بوقعة الحرّة ، حيث استشهد من أولاد المهاجرين والأنصار ٣٠٦ شخصاً ، وعدد من بقية الصحابة الأوّلين ، وهجر المسجد النبوي ، فلم تقم فيه صلاة الجماعة لمدى أيّام

والمنقول أنّ عمر تاب توبته المشهورة في ذلك العام ، وشُغل العالم الإسلامي بعد ذلك بقيام حركة التوّابين في العراق ، الذين أظهروا الندم على عدم نصرة الإمام الحسين الشهيد ، فلم يَروا كفارة دون القتل في الثأر له ولصحبه ، فهل يا ترى كانت سكينة تصمّ أُذنيها عن هتاف التوّابين لترغيم « ابن سريج » على الغناء في دارها مع عزّة الميلاء ، وتفتنه عن توبته عن الغناء(١)

« محمّد البغدادي ـ العراق ـ ٢٠ سنة ـ طالب »

شخصية مالك بن نويرة :

س : نسأل المولى العزيز القدير أن يحفظكم لخدمة هذا الدين الحنيف ، وعلى وجه الخصوص المذهب الحقّ ، مذهب أهل البيتعليهم‌السلام

أخواني الأعزّاء طلبي منكم هو : أن توضّحوا الشخصية الدينية التي أبت أن
______________________

(١) أعلام النساء المؤمنات : ٤٩٥

٣٧٥

تخضع إلى أعداء الله والإسلام ، لأنّه كثير من الناس يجهلونها ، وهي شخصية البطل مالك بن نويرةرضي‌الله‌عنه

ولكم منّي أجمل التوفيق بسعي لخدمة الله وآل بيت نبيّهعليهم‌السلام

ج : كان مالك بن نويرة من كبار بني تميم وبني يربوع ، وصاحب شرف رفيع ، وأريحية عالية بين العرب حتّى ضرب به المثل في الشجاعة والكرم ، والمبادرة إلى إسداء المعروف ، والأخذ بالملهوف

وكانت له الكلمة النافذة في قبيلته حتّى إنّه لمّا أسلم ورجع إلى قبيلته ، وأخبرهم بإسلامه ، وأعطاهم فكرة عن جوهر هذا الدين الجديد ، أسلموا على يديه جميعاً ، ولم يتخلّف منهم رجل واحد

وكان هذا الصحابي الجليل قد نال منزلة رفيعة لدى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى نصّبه وكيلاً عنه في قبض زكاة قومه كلّها ، وتقسيمها على الفقراء ، وهذا دليل وثقاته واحتياطه وورعه

واختصّ مالك بأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأخلص له نهاية الإخلاص ، حتّى إنّه ما بايع أبا بكر ، وأنكر عليه أشدّ الإنكار ، وعاتبه بقوله له :

« أربِع على ضلعك ، والزم قعر بيتك ، واستغفر لذنبك ، وردّ الحقّ إلى أهله ، أما تستحي أن تقوم في مقام أقام الله ورسوله فيه غيرك ، وما تزال يوم الغدير حجّة ، ولا معذرة »(١)

وأرسل أبو بكر ـ في بداية خلافته ـ خالد بن الوليد لمحاربة المرتدّين ، ولمّا فرغ خالد من حروب الردَّة سار نحو البطاح ، وهي منزل لمالك بن نويرة وقبيلته

وكان مالك قد فرّق أفراد عشيرته ، ونهاهم عن الاجتماع ، فعندما دخلها خالد لم يجد فيها أحداً ، فأمر خالد ببثّ السرايا ، وأمرهم بإعلان الأذان وهو رمز الإسلام ، وإلقاء القبض على كلّ من لم يجب داعي الإسلام ، وأن يقتلوا كلّ مَن يمتنع حسب وصية أبي بكر

______________________

(١) تنقيح المقال ٢ / ترجمة مالك بن نويرة

٣٧٦

فلمّا دخلت سرايا خالد قوم مالك بن نويرة في ظلام الليل ارتاع القوم ، فأخذوا أسلحتهم للدفاع عن أنفسهم ، فقالوا : إنّا لمسلمون ، فقال قوم مالك : ونحن لمسلمون ، فقالوا : فما بال السلاح معكم ؟ فقال قوم مالك : فما بال السلاح معكم أنتم ؟! فقالوا : فإن كنتم مسلمين كما تقولون فضعوا السلاح ، فوضع قوم مالك السلاح ، ثمّ صلّى الطرفان ، فلمّا انتهت الصلاة ، قام جماعة خالد بمباغتة أصحاب مالك ، فكتّفوهم بما فيهم مالك بن نويرة ، وأخذوهم إلى خالد بن الوليد

وتبريراً لما سيقدم عليه خالد ، ادّعى أنّ مالك بن نويرة ارتدَّ عن الإسلام ، فأنكر مالك ذلك ، وقال : أنا على دين الإسلام ما غيَّرت ولا بدَّلت

وشهد له بذلك اثنان من جماعة خالد ، وهما : أبو عتادة الأنصاري ، وعبد الله بن عمر ، ولكن خالد لم يُلق إذناً صاغية ، لا لكلام مالك ولا للشهادة التي قيلت بحقّه

فأمر بضرب عنق مالك وأعناق أصحابه ، وبقبض أُمّ تميم ـ زوجة مالك ـ ودخل بها في نفس الليلة التي قتل فيها زوجها مالك بن نويرةرضي‌الله‌عنه

« خالد الجزائر ـ ٢٧ سنة ـ التاسعة أساسي »

خواجه نصير الدين الطوسي :

س : هل كان نصير الدين الطوسيقدس‌سره إسماعيلياً ؟ وما هو سبب تواجده أكثر من ٢٠ سنة في قلاع الإسماعيلية ؟

وهل ألّف كتباً على المذهب الإسماعيلي قبل أن يعتنق مذهب الاثني عشرية ؟ وكيف كانت وفاته ؟ وهل قتل نفسه والعياذ بالله كما يزعم البعض ؟

ج : إنّ خواجه نصير الدين الطوسيقدس‌سره هو من أعظم علماء الشيعة الإمامية على التحقيق ، ولا يصغى إلى ما يتقوّله البعض حول فساد مذهبه في بادئ الأمر

٣٧٧

وأمّا الجواب على الشبهات التي أُثيرت حوله ، فكما يلي :

أوّلاً : أنّ بدء إقامة الخواجة عند الإسماعيليين ، يتزامن مع الهجوم الأوّل للمغول على عهد جنكيز ، ففراراً من وطأة الغزاة لجأوا ـ كما غيره ممّن استطاعوا الفرار والنجاة ـ إلى قلاع الإسماعيلية التي صمدت في وجه جنكيز ، فتمكّن الطوسي من الاستمرار في دراساته العلمية هناك ، خصوصاً أنّ أمراء الإسماعيلية قد أظهروا الودّ والمحبّة في الأوائل ، وإن اختلفوا معه أخيراً

نعم ، هناك رأي لبعض المؤرّخين ـ كصاحب كتاب درّة الأخبار ـ بأنّ الطوسي ذهب إلى الإسماعيليين مرغماً ، وأقام عندهم مكرهاً ، إذ هدّدوه بالالتحاق بهم ، ويؤيّد مورّخ آخر ـ وهو سرجان ملكم ـ هذا الفكرة في تاريخه ، وإن كان يختلف معه في كيفية الإرغام

وفي المقابل ، ينفي آخرون قصّة إرغامه أو سجنه ، بل وادّعى بعضهم أنّ الطوسي كان محلّ ثقة واعتماد عند الإسماعيليين

وعلى كلّ ، فإنّ الذي يظهر من بعض كتبهقدس‌سره هو صحّة مضايقته ، أو فرض الإقامة الجبرية عليه ، ففي تتمّة كتاب شرح الإشارات يلوّح ـ وإن لم يصرّح ـ بتلك الضغوط ، وتراكم الهموم والغموم الواردة عليه

وعلى الجملة ، فاغلب الظنّ أنّ الإسماعيليين وإن رحّبوا بالطوسي بدواً ، ولكن عندما ثبت عندهم ـ بمرور الزمن ـ عدم رضوخه لعقيدتهم ، استعملوا معه أساليب أُخرى للتأثير عليه ؛ وهذا هو الوجه الصحيح في كيفية تعامل الإسماعيليين مع الطوسي من البدو إلى الختم

فالطوسي كان يستعمل حالة التقية معهم ، لدفع شرّهم وأذاهم ، وهذا الأسلوب كان ينفع أحياناً ، وقد لا ينفع في بعض الأحيان ، عندما يصل الأمر إلى حد أُسس العقيدة ، فكان يظهر عدم موافقته لبعض آرائهم ، فينتهي الأمر إلى الشدّة والضيق

ومهما يكون الأمر ، فإنّ الطوسي لم يتأثّر بأية سلبية إسماعيلية في عقيدته ،

٣٧٨

كيف وهو رأس المتكلّمين والفلاسفة في عصره ، فكيف ينخدع بأدلّة واهية ، وأُسس غير متينة ؟

وهذه كتبه بين أيدينا ، كلّها في دعم الدين والمذهب ، وليست فيها أية إشارة إلى صحّة المذهب الإسماعيلي

نعم ، قد ينسب إليه بعض الرسائل والكرّاسات التي يفوح منها ما يؤيّد الفكر الباطني والإسماعيلي ، ولكن لا يمكن التأكّد من هذه النسبة ، بل ويظهر من بعض هذه الرسالات أنّ النسبة مفتعلة ، لعدم مجانستها مع باقي مؤلّفاته من حيث الأسلوب ، وكيفية الكتابة

ثمّ حتّى وإن ثبت نسبة بعضها إليه ، يجب تفسيرها من باب التقية ، فإنّه كان ملزماً بها مدّة إقامته عند الإسماعيليين

وأمّا دعوى اعتناقه المذهب الاثني عشري بعد الإسماعيلية فهي باطلة من الأساس ، فلا يوجد لإثباتها دليل قطعي مقنع ، مضافاً إلى استبعادها عقلاً ، إذ إنّ الذي حدث في الأمر هو مجيء هولاكو ، وإبادة الحكم الإسماعيلي بيده ، وهذا بحدّ نفسه لا يكون حافزاً على التشيّع بعدما نعرف أنّ المغول كانوا وثنيين لا يفرّقون بين المذاهب

وأمّا في داخل قلاع الإسماعيلية ، فليس هناك ما يكون باعثاً للمنهج الصحيح ـ الاثني عشرية ـ بعدما نعلم شدّة عصبية أُولئك لمذهبهم ، ممّا لا يبقى مجالاً لتبليغ أو دراسة بقية المذاهب

فالصحيح ـ كما قلنا ـ هو أنّ الطوسي كان يعتنق المذهب الإمامي الاثني عشري من البدء ، ولكن لخطورة الموقف كان يتّقي أحياناً لدى الحكّام اتقاءً لشرّهم ، وصيانةً للعلم والعقيدة

وأمّا أسطورة انتحاره ، فهي أيضاً من المجعولات والموضوعات التي لا ينبغي الوقوف عندها ، فإنّهقدس‌سره كان من أساطين العلم والتقوى ، ولا يتصوّر في حقّه بعض المكروهات ، فكيف بقتل نفسه الذي هو من أعظم المحرّمات ؟!

٣٧٩

« حسين ـ السعودية ـ ٢٨ سنة ـ بكالوريوس هندسة الحاسب الآلي »

الكافي لم يعرض على الإمام :

س : من المعلوم أنّ الشيخ الكليني مؤلّف الكافي ، قد جمع أحاديث الكافي في عصر النوّاب الأربعة ، الذين كانوا يلتقون بالإمام المهديعليه‌السلام ، ويلقون عليه الأسئلة ، ويأخذون منه الإجابات ، ويدفعون له الأخماس ، الخ

ومن المعلوم : أنّ الغيبة الصغرى استمرت من عام ٢٦٠ هـ إلى ٣٢٩ هـ ، والشيخ الكليني جمع كتابه في هذه الفترة الزمنية ، حيث توفّي عام ٣٢٧ هـ ، أي في حياة النائب الرابع

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : لماذا لم يُعرض الكافي على الإمام المهدي لتصحيحه ؟ وهو الكتاب الذي ضعيفه يفوق صحيحه ، حيث إنّ تصحيح الحديث أكثر أهمّية من الإجابة على أسئلة الناس والتواقيع ، لأنّ الأحاديث هي المشرب والمنبع والمستقى للتشريع والتبليغ ، الذي جاء به الرسول والأئمّة ؟!

نرجو التفضّل بالإجابة على هذا السؤال ؟

ج : يلاحظ في الجواب عدّة أُمور :

أوّلاً : إنّ كتاب الكافي وإن كان يشتمل على بعض الأحاديث غير المعتبرة سنداً أو متناً ، ولكن ليس بالحجم الذي ذكرته

والمهمّ في هذا المجال ، عدم الالتزام بصحّة جميع ما ورد فيه ، كما هو رأي المحقّقين من علماء الشيعة

ثانياً : ليس من مهام الإمامعليه‌السلام تمحيص الكتب والمؤلّفات ، وتمييز الصحيح عن السقيم فيها ؛ وهذا الأمر متّفق عليه عند الشيعة ، حتّى بالنسبة للإمام الحاضر والظاهرعليه‌السلام ، فكيف بالإمام الغائب ؟!

بل وظيفة الإمامعليه‌السلام هي : ترسيم الخطوط العريضة لمسار الأُمّة في عصر الحضور ـ إن كانت الظروف مهيّأة ، ولم تكن هناك تقية وخوف ـ وأمّا في فترة الغيبة ، فالأمر يختلف قليلاً عن زمن الحضور

ثالثاً : حتّى في عصر الأئمّة السابقينعليهم‌السلام لم يكن من ديدن الشيعة ورواتها

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597