شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٣

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار6%

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 597

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 597 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 207178 / تحميل: 7173
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

[ فضائل اسرة أمير المؤمنين ]

وقد ذكرنا من فضل علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام فيما تقدم. وذكرنا من فضل جعفر بن أبي طالب ، أخي عليعليه‌السلام كثيرا. ونذكر في هذا الباب شيئا مما انتهى إلينا من ذلك ، ومن فضائل غيرهم من أهل بيته إن شاء الله تعالى.

[١١٢٩] محمد بن عباد بن يعقوب ، باسناده ، عن جعفر بن محمد ، أنه قال : كانت أم عليعليه‌السلام احدى أحد عشر امرأة بدرية. فلما أن ماتت نزع رسول الله قميصه فأعطاهم إياه. وقال : كفنوها فيه ، ليدفع عنها ضغطة القبر. ونزل في قبرها ، فاضطجع في لحدها. وقال : أردت أن يوسع عليها ، فانه لم ينفعني أحد بعد أبي طالب كنفعها.

[١١٣٠] محمد بن علي بن أعرابي ، باسناده ، عن أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام ، أنه قال : قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام الحديبية فصالحهم على أن يقدم من قابل ، ولا يدخل مكة بفرس ولا سلاح ، ولا يخرج منها أحد ، فنزل بطن مرو. وتخلف عليعليه‌السلام بمكة ، فأخرج بنت حمزة(١) على بعير. فلقيه رجل من المشركين ، فلما علم أنه

__________________

(١) واسمها امامة. وقيل : إن امها زينب بنت عميس الخثعمية ، وقيل : امها : سلمى بنت عميس.

كما سيأتي إن شاء الله.

٢٠١

علي لم يجسر على مقاومته ، فكان اكثر ما قدر عليه أن شتم الجارية ، وشتم أباها.

وقدم بها علي بطن مرو على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنازعه فيها جعفر وزيد بن حارثة. فقال له جعفر : هي ابنة عمي وخالتها عندي ، والنساء عورة.

وقال زيد : هي مولاتي ، وقد آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيني وبين أبيها ، وأنا أحقكم بها.

قال عليعليه‌السلام : هي ابنة عمي ، وقد تركتموها بمكة تضرب ويشتم أبوها واخوتها ، وأنا أحقكم بها.

فسمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلامهم. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا أقضي بينكم فيها وفي غيرها. أما أنت يا جعفر فأشبهت خلقي وخلقي وأما أنت يا علي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي : وأما أنت يا زيد فمولى الله ومولى رسوله ، فادفعوها الى خالتها فان النساء عورة.

[ جعفر بن أبي طالب ](١)

[ الصدقة في الليل ]

[١١٣١] سعد بن طريف ، باسناده ، عن جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام

__________________

(١) واستشهد من أولاد جعفر بن أبي طالب ثلاثة لم يذكرهم المؤلف وهم :

عون بن عبد الله بن جعفر : أمه : العقيلة زينب بنت علي عليهما‌السلام دخل ساحة الوغى مرتجزا :

إن تكروني فأنا ابن جعفر

شهيد صدق في الجنان أزهر

يطير فيها بجناح أخضر

كفى بهذا شرفا في المحشر

( ناسخ التواريخ ٢ / ٣٢١ )

٢٠٢

لما أن بعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى النجاشي(١) ركب البحر ، فبيناهم يجرون في الليل إذ سمعوا قائلا يقول : اسمعوا ما أقول لكم يا أهل السفينة وأخبركم به من ربكم ، فتقدم جعفرعليه‌السلام الى مقدم السفينة.

فقال : أين مخبرنا عن ربنا؟ فاذا قائل يقول : إن الصدقات بالنهار تطفئ غضب الرب ، والصدقة بالليل تطفئ الخطايا كما يطفئ الماء النار.

__________________

قتله : عبد الله بن قطنة الطائي ( الكامل ٤ / ٧٥ ، مقتل الخوارزمي ٢ / ٤٧ ، مقاتل الطالبيين ص ٦٠ ، بحار الانوار ١٠١ / ٣٤١ ، الفتوح ٥ / ٣٠٤ ، الارشاد ص ٢٦٨ ، عمدة الطالب ص ٢٠٠ ).

محمد بن عبد الله بن جعفر : أمه : الحوصاء بنت حفصة بنت ثقيف من بكر بن وائل.

دخل المعركة وهو يرتجز يقول :

نشكو الى الله من العدوان

قتال قوم في الردى عميان

قد بدّلوا معالم القرآن

ومحكم التنزيل والتبيان

وأظهروا الكفر مع الطغيان

فحمل عليه عامر بن نهثل التميمي فقتله. ( الارشاد ص ٢٦٨ ، الفتوح ٥ / ٢٠٤ ، ابصار العين ص ٤٠ ، مقتل الخوارزمي ٢ / ٤٧ ، عمدة الطالب ص ٢٠٠ ).

عبد الله بن عبد الله بن جعفر : أمه : الحوصاء بنت حفصة.

قال أبو الفرج الاصفهاني في المقاتل ص ٩٢ : ذكر يحيى بن الحسن العلوي فيما حدثني به أحمد بن سعيد عنه : أنه قتل مع الحسين بالطف. وذكره أيضا الخوارزمي في مقتله.

وأنكر بعض المؤرخين استشهاده في كربلاء ، ويؤيد هذا القول ما قاله عبد الله بن جعفر لما بلغه قتل الحسين عليه‌السلام دخل عليه بعض مواليه يعزونه والناس يعزونه. فقال مولاه : هذا ما لقيناه من الحسين. فحذفه ابن جعفر بنعله قائلا : يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا. والله لو شهدته لأحببت أن لا افارقه حتى اقتل معه. والله إنه لما يسخي بنفس منهما ويهون على المصاب بهما أنهما اصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه.

ثم قال : إن لم تكن آست الحسين يديّ فقد آساه ولدي ( الكامل ٤ / ٨٩ ، الطبري ٦ / ٢٦٨ ) حيث صرح بأن اثنين استشهدا في كربلاء ، والله اعلم.

(١) وهو أصحمة بن أبحر ملك الحبشة واسمه بالعربية عطية ، والنجاشي لقب له. أسلم على عهد

٢٠٣

[ قتال جعفر ]

[١١٣٢] عبد الملك بن هشام ، باسناده ، [ أن ] جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام ، أخذ اللواء يوم مؤتة بيمينه. فلم يزل يقاتل حتى قطعت يمينه. فأخذه بشماله ، فلم يزل يقاتل حتى قطعت شماله. فاحتضن اللواء بعضديه ، وجعل يقاتل حتى قتلعليه‌السلام .

[١١٣٣] محمد بن حميد ، باسناده ، أن جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام لم يزل يقاتل يوم مؤتة بيمينه حتى جرح سبعين جراحة بين ضربة وطعنة ، فأدركه الجرح ، فقتلرحمه‌الله .

[ مقام جعفر ]

[١١٣٤] خالد بن يزيد ، باسناده ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال :

رأيت جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام في الجنة ملكا يطير فيها بجناحين مضرّجين قوادمهما بالدماء ، يتبوأ منها حيث يشاء يطير فيها مع الملائكة.

[ بأيهما اسرّ؟ ]

[١١٣٥] الأجلح ، باسناده ، أن جعفر بن أبي طالب ، قدم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحبشة يوم فتح خيبر ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أدري بأيهما أنا اسرّ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟ وضمه إليه ، وقبّل ما بين عينيه.

__________________

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وتوفي ببلاده قبل فتح مكة ( اسد الغابة ١ / ١٢٠ ).

٢٠٤

[ الرسول وجعفر ]

[١١٣٦] سلمة ( بن شيش )(١) ، باسناده ، عن جعفر بن محمدعليه‌السلام [ أنه ] قال : سمعت أبي يقول : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلق الناس بأشجار شتى وخلقت أنا وجعفر من طينة واحدة. وأنا وآل عبد المطلب من شجرة واحدة. وأنا [ و ] جعفر من غصن من أغصانها فأشبه خلقي خلقه وخلقه خلقي(٢) .

[١١٣٧] محمد بن الحسن(٣) ، باسناده ، أن أبا طالب مرّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه عليعليه‌السلام وهما يصلّيان ، وجعفر مع أبي طالب. فقال أبو طالب له : ارجع فصل جناح ابن عمك. فأتى جعفر الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأسلم ، وصلّى معهما ، وكانت أول صلاة صلاّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جماعة.

[ جعفر هاجر الهجرتين ]

[١١٣٨] وبآخر ، عن جعفر بن محمدعليه‌السلام ، قال : ضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجعفر بن أبي طالب بسهمه يوم بدر ، وهو بأرض الحبشة ، وهاجر الهجرتين ـ هاجر الى أرض الحبشة ، وهاجر الى المدينة ـ.

__________________

(١) ما بين القوسين من نسخة ز.

(٢) وفي حياة القلوب ٢ / ١٢٨ ، وذخائر العقبى ص ٢١٥ ، وكتاب ربيع الأبرار للزمخشري : عند ما كان يمرّ جعفر على جماعة يتصورون أنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويقولون له : السلام عليك يا رسول الله.

فكان جعفر يقول : أنا جعفر ولست رسولا.

(٣) وفي نسخة ز : يحيى بن الحسن.

٢٠٥

[ نعي جعفر ]

[١١٣٩] أحمد بن يحيى ، باسناده ، عن أنس بن مالك ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعيناه تذرفان ، فقال : أخذ الراية جعفر ، فقتل ، ثم أخذها زيد بن حارث(١) فقتل ، ثم أخذها عبد الله بن رواحة(٢) . فقتل ، ثم أخذها خالد بن الوليد(٣) .

ثم عليعليه‌السلام التفت الى مؤتة(٤) وقال لهم : بايعهم ، إن

__________________

(١) وهو زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي ، اختطف في الجاهلية صغيرا ، واشترته خديجة بنت خويلد ، فوهبته الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين تزوجها ، فتبناه قبل الاسلام ، واعتقه ، وزوجه بنت عمته ، واستمر الناس يدعونه زيد بن محمد حتى نزلت الآية الكريمة( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) وقد جعله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد الامراء في غزوة مؤتة ( خزانة الادب للبغدادي ١ / ٣٦٣ ، الروض الآنف ١ / ١٦٤ ).

(٢) وهو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الانصاري. كنيته : أبو محمد. شهد بدرا واحدا وخندق والحديبية ، واستخلفه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المدينة في احدى غزواته ، وصحبه في عمرة القضاء وله فيها رجز ، وكان أحد الامراء في وقعة مؤتة ( امتاع الاستماع ١ / ٢٧٠ ، خزانة الادب ١ / ٣٦٢ ).

(٣) خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي ، أسلم قبل الفتح سنة ٧ ه‍ ، ومات بحمص سنة ٣١ ه‍ ( الاصابة ١ / ٤١٢ ، طبقات ابن سعد ٤ / ٢٥٢ ).

(٤) واقعة وقعت في سنة ٨ للهجرة.

سبب الغزوة : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث الحرث بن عمير الازدي الى ملك بصرى بكتاب ، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو النسائي فقتله ، ولم يقتل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيره. فشق عليه ذلك ، قندب الناس وعسكر بالجرف وهم ثلاثة آلاف وشيعهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى ثنية الوداع ، فساروا حتى نزلوا أرض مؤتة ، فالتقى بهم هرقل في أربعمائة ألف منهم أربعون ألف مقرنين ، فالتقوا ، فثبت المسلمون واستشهد زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وجعفر بن أبي طالب ( تذكرة الخواص ١٨٩ ).

مؤتة : قرية من قرى البلقاء في حدود الشام ، وقبر سيدنا جعفر في ضيعة كما قال المهلبي : مآب أذرح مدينتا الشراة على اثني عشر ميلا من أذرح من ضيعة تعرف مؤتة بها قبر جعفر. وقد وجد جثمانه بهيئته وثيابه وعليه الدم طريا والسيف في عنقه لم يتغير من بدنه شيء ، وذلك حينما ازمعوا على تجديد بناء المرقد الطاهر ( مراقد المعارف ١ / ٢٢٥ ).

٢٠٦

اصيب جعفر فأميركم زيد بن حارثة. فإن اصيب زيد فأميركم عبد الله بن رواحة ، ولم يذكر الامرة بعده غيره(١) .

فلما اصيبوا ثلاثتهم رضي الله عنهم أخذ الراية خالد بن الوليد عن غير إمرة ، ففتح الله للمسلمين.

[ السنّة الحسنة ]

[١١٤٠] إبراهيم بن علي ، باسناده ، عن عائشة ، قالت : لما [ أتى ] نعي جعفر وعرفنا في وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحزن. وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اصنعوا لآل جعفر طعاما ، فقد جاءهم ما يشغلهم أن يصنعوا لأنفسهم.

فجرت بذلك السنّة من بعد بأن يصنع لأهل بيت خواصهم طعاما.

وقالت أسماء بنت عميس ترثي جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام بهذه الابيات :

يا جعفر الطيار خير مضرب

للخيل يوم تطاعن وتشاح

قد كنت لي جبلا ألوذ بظلّه

فتركتني أمشي بأجرد ضاحي

قد كنت ذات حمية ما عشت لي

أمشي البراز وأنت كنت جناحي

فاليوم أخشع للذليل وأتقي

منه وأدفع ظالمي بالراح

[ ضبط الغريب ]

قولها : تشاح ، يقال منه شجى فلان فاه : إذا فتحه. وشحا اللجام فم الفرس. قال الشاعر :

__________________

(١) قال اليعقوبي في تاريخه ١ / ٦٦ ط لندن ١٨٨٣ م : إن الامراء الذين عينهم الرسول ثلاثة : جعفر وزيد وعبد الله.

٢٠٧

كأن فاها ، واللجام شاحية

جنبا غبيط ملس نواحيه(١)

ويقال من ذلك : اقبلت الخيل شواحي وشواحيات : إذا أقبلت فاتحة أفواهها.

وقولها : فتركتني أمشي بأجرد ضاحي.

الأجرد : الذي لا نبات فيه من الجبال والارضين.

والضاحي : ما ليس له ظل. يقال منه : ضحا الرجل ضحيا إذا أصابه حرّ الشمس. وفي القرآن :( وَلا تَضْحى ) (٢) أي : لا يصيبك حرّ الشمس يعني في الجنة.

وقولها : ألوذ. اللوذ : مصدر لاذ ، يلوذ ، لواذا ، ولواذا ، واللياذ مصدر اللواذة. الملاوذة أن تستتر بشيء مخافة من تراه وتخافه.

وقولها : وأدفع ظالمي بالراح.

الراح : جمع الراحة. والراحة باطن الكف ، وذلك مما يدفع به الضعيف الذليل من نفسه أن يتقي براحة كفه.

[ حسّان يرثيه ]

وقال حسّان بن ثابت(٣) يرثي جعفرا ومن قتل معه شعرا(٤) :

__________________

(١) هكذا صححناه من لسان العرب ١٤ / ٤٢٤ وفي الاصل :

فان فاها والحمام شاحية

حينا عبيط ملبس نواحيه

(٢)( وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) طه : ١٩.

(٣) حسان بن ثابت بن المنذر من الشعراء المخضرمين ويعرف بشاعر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .كنيته : أبو الوليد. ولد قبل ولادة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثمان سنين وعاش مائة وعشرين سنة. قال في المستدرك ٣ / ٤٨٦ : أربعة تناسلوا من صلب واحد عاش كل واحد منهم مائة وعشرين سنة ، وهم : حسان بن ثابت بن المنذر بن حزام الخ. عاش أبو الوليد ستين سنة في الجاهلية وستين في الاسلام ، وذهب بصره ، توفي سنة ٥٥ ه‍ ( اسد الغابة ٢ / ٧ ).

(٤) وهذه القصيدة ذكرها ابن هشام في سيرته ٤ / ٣٦. وأنهاها الى سبعة عشر بيتا ، ومطلعها :

٢٠٨

رأيت خيار المسلمين تتابعوا(١)

شعوبا وخلفا بعدهم يتأخر(٢)

فلا يبعدون الله قتلى تتابعوا

جميعا وأسباب المنية تخطر(٣)

وزيد وعبد الله حين تتابعوا

بمؤتة فيهم ذو الجناحين جعفر

غداة(٤) غدا بالمؤمنين يقودهم

الى الموت ميمون النقية أزهر

أعزّ كضوء البدر من آل هاشم

أبي إذا سم(٥) الضلامة مجسر

فطاعن حتى مال غير موسد

بمعترك فيه القنا ينكسر

وصار مع المستشهدين(٦) ثوابه

جنان ومتلف الحدائق أخضر

وكنا نرى في جعفر من محمد

وقارا(٧) وأمرا حازما حين يأمر

وما زال(٨) في الاسلام من آل هاشم

دعائم عزّ لا ترام(٩) ومفخر

هم جبل الاسلام والناس حولهم

قيام الى طود يروق ويبهر(١٠)

بها ليل منهم جعفر وابن أمه

علي ومنهم أحمد المتخير

وحمزة والعباس منهم وفيهم(١١)

عقيل وماء العود من حيث يعصر

__________________

تأويني نيل وبيثرب أعسر

وهم اذا ما نوم الناس مسهر

(١) وفي الاصابة ٤ / ٢٣٨ والسيرة ٤ / ٣٦ : تواردوا.

(٢) شعوب وقد خلقت ممن يؤخر ( الاصابة ٢ / ٢٣٨ ) وفي الديوان : شعوب وقد خلفت فيمن يؤخر.

(٣) وقد ذكر ابن هشام في السيرة ٤ / ٣٦ ، هذا البيت والبيت الذي يليه هكذا.

فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا

بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر

وزيد وعبد الله حين تتابعوا

جميعا وأسباب المنية تخطر

(٤) وفي السيرة : غداة مضوا بالمؤمنين.

(٥) وفي السيرة : إذا سيم.

(٦) وفي نسخة ز : المتشهدين.

(٧) وفي السيرة : وفاء.

(٨) وفي الديوان : فلا زال. وفي السيرة : فما يزال.

(٩) وفي الديوان : عز لا تزول. وفي السيرة : لا يزلن.

(١٠) وفي السيرة : رضام الى طود يروق ويقهر.

(١١) وفي شرح النهج لابن أبي الحديد ١٥ / ٦٢ : وحمزة والعباس منهم ومنهم.

٢٠٩

[ ويرثيه أيضا كعب ]

وقال كعب بن مالك(١) يرثي جعفر وأصحابه شعرا :

نام(٢) العيون ودمع عينك يهمل

سحا كما وكفّ الضباب المخضل

وكأنما بين الجوانح والحشا

مما تأويني شهاب مدخل

وجدا على النفر الذين تتابعوا

سرعى بمؤتة غود روا لم ينقل(٣)

صلّى الاله عليهم من فتية

وسقى عظامهم الغمام المسبل

صبروا هنا لك(٤) للاله نفوسهم

حذرا له وحفيظة أن ينكلوا(٥)

فمضوا أمام المؤمنين(٦) كأنهم

فنق عليهن الحديد المرفل

إذ يهتدون بجعفر ولوائه

قدام أولهم ونعم(٧) الاول

حتى تفرقت الصفوف وجعفر

بين الصفوف لدى الحتوف مجدل(٨)

__________________

بعض الكلمات الغريبة :

شعب بضم الشين : وهي القبيلة. خلف : من يأتي بعده. أزهر : أبيض. أبي : عزيز الجانب. سيم : كلف وحمل. المجسر : المقدام الجسور. معترك : موضع الحرب. الرضام : جمع رضيم ، وهي الحجارة يتراكم بعضها على بعض. الطود : الجبل.

(١) وهو أحد شعراء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين كانوا يردون الاذى عنه. أسلم وشهد العقبة.

توفي في عهد معاوية ٥٠ ه‍ وهو ابن سبع وسبعين سنة.

أما القصيدة فهي مؤلفة من ٢٥ بيتا وقد ابتدأ المؤلف بالمطلع ثم انتقل الى البيت الرابع.

(٢) وفي السيرة : هدف العيون.

(٣) وفي السيرة : يوما بمؤتة اشتدوا لم ينقلوا.

(٤) وفي السيرة : صبروا بمؤتة.

(٥) وفي نسخة ز : عند الحمام وحفيظة أن ينكلوا. وفي السيرة : حذر الردى ومخافة أن يتكلوا.

(٦) وفي السيرة. امام المسلمين.

(٧) السيرة : فنعم الاول.

(٨) وفي السيرة :

حتى تفرجت الصفوف وجعفر

حيث التقى وعنت الصفوف مجدل

٢١٠

فتغيّر القمر المنير لقدره(١)

والشمس قد كسفت وكادت تأفل

قرم علا بنيانه من هاشم

فرع اشمّ وسؤدد ما ينقل(٢)

قوم بهم عصم الاله عباده(٣)

وعليهم نزل الكتاب المنزل

بيض الوجوه ترى بطون اكفهم

تندى إذا اعتذر الزمان الممحل

ويهديهم رضي الاله لخلقه

وبحدهم(٤) نصر النبي المرسل

[ ضبط الغريب ]

فأما قول حسان بن ثابت : رأيت خيار المسلمين تتابعوا شعوبا.

تتابعوا : أي اتبع بعضهم بعضا شعوب.

تفرقوا : فارقوا الدنيا وأهلها.

والشعب : يكون تفرقا ، ويكون اجتماعا. فمن الاجتماع ، قول الطرماح شعرا :

شتت شعب الحي بعد الالتيام

وسخال اليوم ربيع المقام(٥)

ويقول : شتت شملهم بعد الالتيام. ويقول : شعب بين القوم : إذا فرق بينهم. واشعب الطريق : إذا تفرق. واشعب أغصان الشجر : إذا تفرقت. وعصا في رأسها شعبتان. وشعب الجبال : ما تفرق من رءوسها.

وقوله : وخلفا بعدهم يتأخر.

الخلف ( بجزم اللام ) هم القرون من الناس. قال الشاعر :

__________________

(١) السيرة : لفقده.

(٢) السيرة : فرعا اشم وسؤددا ما ينقل.

(٣) السيرة : قوم بهم نصر الاله عباده.

(٤) السيرة : وبجدهم.

(٥) وفي لسان العرب ١ / ٤٩٨ :

شعث شعب الحي بعد التئام

وشجاك اليوم ربع المقام

٢١١

فبئس الخلق كان أبوك فينا

وبئس الخلق خلف أبيك خلفا

والخلف من الصالحين. قال تبارك وتعالى :( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ ) (١) .

وقوله : ميمون النقيبة أزهر. النقيبة من العمل ، يقول : إنه لميمون النقيبة كرم الفعال. الازهر : بمعنى المنير.

وقوله : أبي إذا سيم الظلامة مجسر.

الأبي : الذي يأبى من أن يظلم أو يظلم.

والمجسر ، الجسور والجسارة ، يقال منه رجل جسور وجسر ومجسر.

وقوله : بمعترك. فالمعترك الموضع الذي يعترك القوم فيه للقتال. اعتراكهم : اعتلاجهم. أخذ ذلك من عرك الاديم إذا عرك : لترطيبه.

والطود : الجبل العظيم.

وقوله : يروق. الروق : الاعجاب ، يقول : راقني هذا الامر فهو يروقني إذا أعجبه.

وقوله : يبهر : يقول يعجز من رؤيته ، ويقال للشيء إذا اعجزه الشيء قد أبهره ، وهو شيء يبهر : يعجز.

وأما قول كعب : وبها ليل : جمع بهلول. والبهلول : الرجل الحي : أي الكريم.

ودمع عينك يهمل ، يقال منه : همل الدمع ، وكل شيء ترك لا يستعمل فهو مهمل.

وقوله : سحا. تقول من ذلك سيح المطر ، والدمع. وهو سح سحا : اذا اشتدّ انصبابه.

قال امرؤ القيس :

فأضحى يسيح الماء من كل قبعة

يكبّ على الاذقان دوح الكنهبل(٢)

__________________

(١) مريم : ٥٩.

(٢) وفي لسان العرب ١١ / ١٠٣ :

فأضحى يسح الماء من كل فيقة

يكبّ على الاذقان دوح الكنهبل

٢١٢

وقوله : كما وكفّ الضباب.

وكفّ : قطر. يقول : وكفّ الدار ، إذا قطر. وو كف الدمع يكفّ وكفا ووكيفا. ودمع واكف. والضباب جمع ضبة : شقة مستطيلة من المزادة والقربة.

وقوله : مخضل ، الخضل : البدن المبلول. اخضلتنا السماء : أي بلتنا بلا شديدا.

وقوله : تأويني ، يقول : راجعني وعاودني.

والشهاب : شعلة النار. الغمام : السحاب. المسبل : التام الطويل العام. والحفيظة : من المحافظة على المحارم والمكارم وضعها عن الحروب. يقال من ذلك رجل ذو حفيظة ، ورجال من أهل الحفاظ.

وقوله : أن ينكلوا : أي ينكلوا ويرجعوا. يقال منه : نكل الرجل عن الشيء ، إذا أحجم ورجع عنه. ويقال : نكل ينكل في لغة بني تميم. ونكل ينكل في لغة أهل الحجاز.

وقوله : فنق : شبههم بفحول الإبل. والفنيق : الفحل من الإبل الذي لا يؤدي ولا يركب بكرامته على أهله.

وقوله : عليهن الحديد المرفل.

يعني السابقة التامة التي يجرّ على من مشى فيها الترفل : جرّ الذيل.

وقوله في الشمس : وكادت تأفل. أي تغيب. وكل شيء غاب فهو آفل. والقرم : الفحل من الإبل.

[ وقوله : ] الزمان الممحل.

الماحل : القليل المطر. الممحل : انقطاع المطر ويبس الارض.

٢١٣

[ اسرة أبي طالب ]

وكان ولد أبي طالب الذكور أربعة :

طالب : وبه كان يكنى.

وعقيل : وبين مولدهما عشر سنين.

وجعفر : بينه وبين عقيل عشر سنين.

وعلي : أصغرهم ، بينه وبين جعفر عشر سنين.

وأعقبوا كلهم ما خلا طالب ، فانه لم يعقب.

وأم هاني : واسمها فاختة.

وجمانة.

وامهم فاطمة بنت أسد بن هاشم. أسلمت ، فكانت ربت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد ذكرنا قوله عليه الصلاة والسلام فيها عند موتها. وهي أول هاشمية ولدت من هاشمي.

[١١٤١] [ السري ] بن سهيل(١) ، باسناده عن الزبير بن العوام ، قال :

سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو النساء الى البيعة لما أنزل الله تعالى :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ )

__________________

(١) هكذا صححناه وفي الاصل : السهل بن سهيل.

٢١٤

الآية(١) . قال : فكانت فاطمة بنت أسد بن هاشم أول امرأة بايعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

[ وداعا يا أمّ أمير المؤمنين ]

[١١٤٢] بكر بن عبد الوهاب ، باسناده ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفن فاطمة بنت أسد بن هاشم ، أم عليعليه‌السلام بالروحاء وكفنها في قميصه ، ونزل في قبرها ، وتمعّك في لحدها. فقيل له في ذلك ، فقال : إن أبي هلك وأنا صغير ، وهلكت أمي ، وأخذتني هي وأبو طالب ، وكانا يوسعان عليّ ، ويؤثران لي على أولادهما ، فأحببت أن يوسع الله عليها في قبرها. وكانت مبايعة مهاجرة من أفضل المؤمنات ، ودعا لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجزاها خيرا(٢) .

[١١٤٣] ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، باسناده ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام ، أنه قال : أوصت فاطمة بنت أسد بن هاشم ، أم علي بن أبي طالب الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقبل وصيتها ، فقالت له : يا رسول الله اني أردت أن أعتق [ جاريتي ](٣) هذه.

فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما قدّمت من خير تجديه(٤) .

فلما توفيت نزع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قميصه ، وقال : كفنوها [ فيه ]. واضطجع في لحدها ، وقال : أما قميصي فأمان لها يوم

__________________

(١) الممتحنة : ١٢.

(٢) قال ابن الصباغ في الفصول ص ٣١ : وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الله الذي يحيي ويميت وهو حي.

(٣) هكذا صححناه وفي الاصل : جارية.

(٤) وفي بحار الانوار ٣٥ / ٧٧ : فستجديه.

٢١٥

القيامة ، وأما اضطجاعي في قبرها فليوسع الله عليها.

[ أمّ هاني واختها ]

وأم هاني وجمانة ابنتا أبي طالب اختا عليعليه‌السلام المبايعتان ، ولما فتح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة ، وندر دماء قوم سماهم ، وقال : اقتلوهم حيث وجدتموهم ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب أم هاني بنت أبي طالب ، فاعتذرت إليه بأنها غيّرة لا تملك نفسها ، فعذرها.

[١١٤٤] فتزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي(١) وكان فيمن ندر رسول الله دمه رجلان من أحمائها بني مخزوم(٢) ، فاستجارا بها. فدخل عليعليه‌السلام ، فرآهما ، فأخذ سيفه ، وقام ليقتلهما ، فحالت فيما بينه وبينهما ، وكانت ايدة(٣) فلوت [ يده ] ، وانتزعت السيف منه ، فغلبته. وأغلقت عليهما باب بيتها ، فألحّ عليعليه‌السلام ، فقالت له : بيني وبينك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وانتهى الخبر الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يصلا إليه ، فلما رآهما ضحكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال لعليعليه‌السلام : هيه يا أبا الحسن غلبتك أم هاني؟

قالعليه‌السلام : يا رسول الله ، والله ما ملكت من يدي شيئا

__________________

(١) هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم تزوج من أم هاني وقد ولدت له أولادا ، وهرب الى نجران ، ومات مشركا ( ذخائر العقبى ص ٢٢٣ ).

وقال ابن أبي الحديد : ولدت أم هاني لهبيرة بن أبي وهب بنين أربعة : جعدة وعمرا وهانئا ويوسف ( شرح نهج البلاغة ١٠ / ٧٩ ).

(٢) وهما عبد الله بن أبي ربيعة والحارث بن هشام ( المغازي ٢ / ٨٢٩. السيرة لابن هشام ٤ / ٥٣ ).

(٣) أي قوية.

٢١٦

حتى انتزعت السيف من يدي.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أن أبا طالب ولد الناس كلهم لكانوا أشداء.

ثم قال لام هاني ـ وهو مبتسم ـ : إنا قد ندرنا دمهما يا أم هاني.

قالت : يا رسول الله اني قد أجرتهما ، فهبهما لي.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد أجرنا من أجرت يا أم هاني. وقال لعليعليه‌السلام : أعرض عنهما ، ودعهما لها.

[ جمانة ]

وكانت جمانة عند ابن عمها أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب(١) . وكان أبو سفيان هذا أخا لرسول الله صلّى الله عليه

__________________

(١) روي أنه أحد الخمسة الذين كانوا يشبهون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجمعهم ابن سيد الناس في بيتين :

خمسة شبهة المختار من مضر

بأحسن ما خولوا من شبهه الحسن

بجعفر وأين عمّ المصطفى قثم

وسائب وأبي سفيان والحسن

وهو أبو سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ، ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأخوه من الرضاعة ( وقيل إن اسمه المغيرة ، وقيل إن المغيرة هو أخوه من أمه كما ورد في الذخائر ص ٢٤٣ ) ، وكان يألف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل البعثة ، وبعده عاداه وهجاه ، وكان شاعرا ، وقد ردّ عليه حسان بن ثابت بقوله :

هجوت محمدا فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

قال أبو هشام : وأنشد أبو سفيان ابن الحارث قوله في إسلامه ، واعتذر إليه مما كان مضى عنه. فمن قوله :

لعمرك اني يوم أحمل راية

لتغلب خيل اللاّت خيل محمد

كالمدلج الحيران أظلم ليله

فهذا أواني حين اهدى واهتدي

توفي سنة ١٦ ه‍ ، وكان هو الذي حفر قبره بيده قبل أن يموت بثلاثة أيام ( سيرة ابن هشام ٤ / ٤٠١ ، الدرجات الرفيعة ص ١٦٧ ).

٢١٧

وآله من الرضاعة أرضعتهما حليمة(١) وكان يألف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأسلم عام الفتح ، وشهد حنين ، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرجو أن يكون أبو سفيان خلفا من عمه حمزة.

وقال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبو سفيان من فتيان أهل الجنة. ومات بالمدينة ، وكان سبب موته`ثؤلول في رأسه ، فحلقه الحلاق بمنى ، فقطعه ، ولما احتضر قال لأهله : لا تبكوا عليّ ، فاني لم اصطف بخطيئة مذ أسلمت(٢) ، وكانت وفاته سنة عشرين ، ودفن بالبقيع ، ولم يبق له عقب(٣) وهو ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأبوه الحارث ، وهو اكبر ولد عبد المطلب وبه يكنى وشهد معه حفر زمزم وهو عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

__________________

(١) حليمة السعدية بنت أبي ذؤيب من بني سعد بن بكر زوجها الحارث بن عبد العزي بن رفاعة من هوازن ( السيرة ٤ / ١٥٨. تفسير الرازي ٤ / ٢١٠ ، المغازي ٢ / ٨٠٦ ).

(٢) وفي الذخائر ص ٢٤٣ ، والاستيعاب ٤ / ٨٤ : قال : اني لم أنطف بخطيئة يوم أسلمت.

(٣) وقد ذكر المؤرخون له أولادا. قال صاحب الدرجات الرفيعة : انه خلف ثلاثة ذكور وبنتا وهم :

١ ـ عبد الله : قال محبّ الدين الطبري في الذخائر ص ٢٤٣ : ان عبد الله رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان معه مسلما بعد الفتح ، وقد مدح أمير المؤمنين في أبيات منها.

صلّى علي مخلصا بصلاته

لخمس عشر من سنيه كوامل

وخلى اناسا بعده يتبعونه

له عمل أفضل به صنع عامل

وقال ابن عساكر : بأن عبد الله لحق بعلي عليه‌السلام بالمدائن ، وكان شاعرا أجاب الوليد بن عقبة ، قائلا : ( منا علي الخير صاحب خيبر ) الخ. وقال المفيد عن الواقدي : قتل عبد الله بن أبي سفيان بكربلاء شهيدا مع الحسين عليه‌السلام ( الدرجات الرفيعة ص ١٨٩ ).

٢ ـ جعفر : وأمه جمانة بنت أبي طالب ، وقد شهد حنينا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يزل مع أبيه ملازما للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى قبض ، وتوفي بدمشق سنة ٥٠ ه‍ ( ذخائر العقبى ص ٢٤٣ الدرجات ص ١٦٥ ).

٣ ـ أبو الهياج. وقيل اسمه علي ، وقيل اسمه عبد الله.

٤ ـ عاتكة تزوجها مقصب بن أبي لهب ، فولدت له ( الذخائر ص ٢٤٢ ) وأضاف أنه لم يكن من أولاده المغيرة بل هو أخوه من أبيه وأمه غذية بنت قريش بن طريف ، والله اعلم.

٢١٨

[ أولاد عبد المطّلب ]

وكان لعبد المطّلب بن هاشم(١) جدّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الولد : عشرة ذكور ، ومن البنات : ست بنات.

فولده الاصغر عبد الله أبو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتوفي في حياة عبد المطّلب. والحارث وهو اكبر ولده. والزبير. وأبو طالب واسمه عبد المناف. والعباس. وضرار. وحمزة. والمقرم. وأبو لهب واسمه عبد العزى. والعبدان ، واسمه حجل ، ويقال : نوفل. فهؤلاء أعمام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وعبد الله وأبو طالب والزبير وعاتكة(٢) واميمة(٣) والبيضاء(٤) وبرة(٥)

__________________

(١) وكانت قريش تقول : عبد المطلب ابراهيم الثاني. ولد في المدينة وتوفي في مكة سنة تسع من عام الفيل ولرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العمر ثمان سنين ، ولعبد المطلب مائة وعشرون سنة ، وأعظمت قريش موته ، وغسل بالماء والسدرة ، وكانت قريش أول من غسل الموتى بالسدر. ولفّ في حلتين من حلل اليمن وطرح عليه المسك حلى ستره ، وحمل على أيدي الرجل عدة أيام اعظاما واكراما واكبارا لتغيبه في التراب ( عيون الاثر ١ / ٤. تاريخ اليعقوبي ٢ / ١١ ).

(٢) وكانت عند أبي أميّة ابن المغيرة المخزومي ، فولدت له : عبد الله وقد أسلم وشهد فتح مكة وحنين والطائف وفيها رمي بسهم فقتل ( كما في الذخائر ص ٢٥٠ ) وزهير.

(٣) وكانت عند جحش ابن أخي بني غنم فولدت له : عبد الله ( وكان من المهاجرين الى الحبشة وتنصّر فيها ) وعبيد الله ( وهو الذي عقد له أول لواء في الاسلام ) وأبا أحمد وزينب وأم حبيبة وحمنة ( الذخائر ص ٢٥١ ).

(٤) وهى أم حكيم.

(٥) وكانت عند أبي دهم ابن عبد العزى العامري. ثم خلف عليها بعده عبد الاسد بن هلال المخزومي ،

٢١٩

سبعة منهم أشقاء ، وامهم فاطمة بنت عمرو بن عمران بن مخزوم(١) .

والعباس وضرار شقيقان ، امهما نبيلة ، من ولد النمر بن قاسط.

وحمزة والمقرم وصفية(٢) أشقاء ، امهم هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة.

والحارث وأروي(٣) شقيقان ، وامهما صفية(٤) ، امرأة من بني عامر بن صعصعة.

والعبد وحيد لامه ، وهي ممتنعة بنت عمر من خزاعة.

[ أبو طالب ]

ولما ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفله جده عبد المطّلب ، فلما مات

__________________

فولدت له : أبا سلمة ، وكان من المهاجرين الى الحبشة ثم الى المدينة وشهد بدرا وجرح يوم احد فمات منه.

(١) وهكذا ذكره فخار بن معد المتوفى ٦٢٠ ه‍ في كتابه الحجة على الذاهب ص ٢٥٤ ، أما ابن هشام في السيرة ١ / ١٠٩ : فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن مخزوم بن يقظة.

(٢) وهي أمّ الزبير ، أسلمت وشهدت الخندق ، وقتلت رجلا من اليهود ، عند ما تخلف حسان بن ثابت في المدينة وطلبت منه أن يذهب الى قتله ، فاستعذر ، ولما قتلته خوفا من أن يذهب الى قومه ويرشدهم على عورات المسلمين ضرب لها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسهم ، وروت الحديث.

وكانت في الجاهلية عند الحرث بن حرب بن أميّة فهلك ، فخلف عليها العوام بن خويلد ، أخو خديجة بنت خويلد ، فولدت له : الزبير والسابق وعبد الكعبة. توفيت في المدينة سنة عشرين وعمرها ثلاث وسبعون سنة ودفنت في البقيع ( المدخل لابن الحاج ١ / ٢٦٥ ، وفاء الوفاء ٢ / ١٠٥ ، المناقب ١ / ١٣٧ ).

(٣) وكانت عند عمير بن وهب ، فولدت له : طليبا ثم خلف عليها كلدة بن عبد المناف. أما طليب فقد أسلم ، وكان سبب اسلامه أمه. ذكر الواقدي : أن طليبا أسلم في دار الارقم ، ثم خرج فدخل على أمه اروى بنت عبد المطلب. فقال : اتبعت محمدا ، وأسلمت لله عزّ وجلّ. فقالت : إن أحق من واددت وعضدت ابن خالك ، والله لو قدرنا على ما يقدر عليه الرجال لمنعناه. ثم شهدت الشهادتين ( ذخائر العقبى ص ٢٥١ ).

(٤) صفية بنت جندب.

٢٢٠

عبد المطّلب كفله عمه أبو طالب شقيق أبيه ، فلما اختصه الله عزّ وجلّ بالنبوة ، وابتعثه بالرسالة حماه أبو طالب ونصره ومنع منه من أراد أذاه ، وصدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما جاء به من الرسالة والنبوة ، وعنف من دفع ذلك وكذبه ، إلا أنه لم يظهر الإسلام(١) وكان ذلك أنفع لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه كان سيدا مطاعا في قومه ، فلو أسلم لكان كرجل من المسلمين ، ولم يبلغ من الذبّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما بلغ وهو على حالته ، ولم يكن يتحاماه المشركون فيه كما تحاموه ، وكان ذلك من صنع الله عزّ وجلّ لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وله في نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والذبّ عنه ، والمحاماة عنه من دونه ما يخرج ذكره بطوله عن حدّ هذا الكتاب ، وله في ذلك أشعار كثيرة معروفة يستدعي فيها قبائل العرب لنصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويؤكد فيها فضله وصدقه وأمر ابنيه عليا وجعفر باتباعه ، ورغبهما في ذلك ، وأقرّ بنبوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذكر ذلك في غير موضع من شعره. فمنه

__________________

(١) روى محمد بن ادريس ، عن الصادقعليه‌السلام عن آبائه ، عن عليعليه‌السلام ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هبط عليّ جبرائيل ، فقال لي : يا محمد إن الله عزّ وجلّ مشفعك في ستة بطن حملتك آمنة بنت وهب وصلب أنزلك عبد الله بن عبد المطلب وحجر كفلك أبو طالب ( الحجة على الذاهب ص ٤٨ ) :

وروى عن الصادق عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن أصحاب الكهف أسرّوا الايمان وأظهروا الكفر فأتاهم الله أجرهم مرتين ، وأبا طالب أسرّ الايمان وأظهر الشرك فأتاه الله أجره مرتين ( شرح النهج لابن أبي الحديد ١٤ / ٧٠ ).

وعن الشعبي مرفوعا ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : كان والله أبو طالب بن عبد المطلب مؤمنا مسلما يكتم ايمانه على بني هاشم ان تساندها قريش ( بحار الانوار ٣٥ / ١١٢ ).

وعن أبي علي الموضح ، انه قال : تواترت الاخبار عن علي بن الحسين عليه‌السلام أنه سئل عن أبي طالب أكان مؤمنا؟ فقال عليه‌السلام : نعم. فقيل له : إن قوما هاهنا يزعمون أنه كافر. فقال عليه‌السلام : واعجباه أيطعنون على علي بن أبي طالب أو على رسول الله. وقد نهى الله أن يقرّ مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد رضي الله عنها من المؤمنات الصادقات ، فانها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالب ( بحار الانوار ٣٥ / ١١٢ ).

٢٢١

قوله في شعر له هذه الابيات(١) :

ألا أبلغا عني على ذات بيننا(٢)

لؤيا وخصّا من لؤي بني كعب

ألم تعلموا إنا وجدنا محمدا

نبيا(٣) كموسى خط في أول الكتب

وأن عليه في العباد محبة

ولا خير(٤) ممن خصّه الله في الحب

وقوله في آخر :

فأمسى ابن عبد الله فينا مصدّقا

على ساخط من قومنا غير معتب

وقوله [ في ] قصيدة له طويلة(٥) شعرا :

وما ترك قوم ـ لا أبا لك ـ سيدا

يحوط الذمار غير ذرب مؤاكل

__________________

(١) وقد أنشد هذه الابيات في شأن الصحيفة واكل الارضة ما فيها من ظلم وقطيعة رحم وهي مؤلفة من سبعة أبيات مطلعها :

ألا من لهم آخر الليل منصب

وشعب العصا من قومك المتشعب

وما ذكره المؤلف ( ره ) هو من الابيات الاخيرة من القصيدة. أما القصيدة فقد ذكرت في الديوان ص ١٧.

وايمان أبي طالب للمفيد ص ٧٩ ، ناسخ التواريخ ١ / ٢٦٠ ، الكامل لابن الأثير ٢ / ٣٦. أما الشيخ الاميني في الغدير ٧ / ٣٣٣ فقد ذكر القصيدة في أربعة عشر بيتا ولم يذكر البيت الأخير ( فأمسى ابن عبد الله مصدقا ) من جملتها.

وقد ذكرت القصيدة في روض الانف ١ / ٢٢١ ، والسيرة لابن هشام ١ / ٣١٩ ، الاحتجاج للطبرسي ١ / ٣٤٦ ، شرح ابن أبي الحديد ١٤ / ٧٢ ، خزانة الادب ١ / ٢٦١ ، بلوغ الادب للآلوسي ١ / ٣٢٥.

(٢) وفي السيرة : ذات بينها.

(٣) وفي السيرة : رسولا.

(٤) وفي السيرة والروض الانف : ( ولا خير ممن خصه الله بالحب ) وفي نسخة ز : ولا حيف فيمن خصه الله.

(٥) وتعرف القصيدة باللامية ، ومطلعها :

خليلي ما اذني لاول عاذل

بصفراء في حق ولا عند باطل

وقد ذكر ابن أبي الحديد القصيدة في سبعة عشر بيتا ( شرح النهج ١٤ / ٣٩ ) وابن هشام في تسعين بيتا والأمينى في الغدير ٧ / ٣٤٠ في مائة وأحد وعشرين بيتا. ومن الملاحظ أن المؤلف ره قد نقل الابيات باختلاف وتقديم وتأخير مثلا : فأيده ربّ العباد. موقعه في أواخر القصيدة جاء بها قبل : لكنا اتبعناه على كل حالة.

٢٢٢

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال [ ال ] يتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

وقوله فيها :

كذبتم وبيت الله نترك أحمدا(١)

ولما نطاعن(٢) حوله ونناضل

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد

واخوته داب المحبّ المواصل(٣)

فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها

وزينا لمن والاه ربّ المشاكل(٤)

فما مثله(٥) في الناس أيّ مؤمل

إذا قامت(٦) الحكام عند التفاضل

حليم رشيد عادل غير طائش

يوالي إلها ليس عنه بغافل

فأيده ربّ العباد بنصره

وأظهر دينا حقه غير باطل(٧)

فو الله لو لا أن أجيء بسبة

تعد على أشياخنا في المحافل(٨)

لكنا اتبعناه على كل حالة

من الدهر جدا غير قول التهازل

لقد علموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعني بقول(٩) الأباطل

[ ضبط الغريب ]

قوله : يحوط الذمار. ذمار الرجل : كلما يلزمه حماة والدافع عنه وان ضيّعه

__________________

(١) نترك محمدا. وفي نسخة الشنقيطي : نبرى محمدا.

(٢) السيرة : ولما نطاعن دونه ونناضل.

(٣) السيرة : وأجبته حبّ حبيب المواصل.

(٤) السيرة : زينا لمن ولاه ذب المشاكل.

(٥) السيرة : فمن مثله.

(٦) اذا قاسه الحكام.

(٧) السيرة : غير فاصل.

(٨) السيرة : تجسر على أشياخنا في القبائل.

(٩) السيرة : ولا نعني بقول إلا باطل.

٢٢٣

لزمه القوم لذلك. والذمر : اللوم والتحريض.

الذرب : الجاد من كل شيء(١) قال الشاعر :

( اني لقيت ذربة من الذرب )

يعنى امرأة سليطة.

الموكل من الرجل : الذي يتكل أمره على غيره ( فيعينه ، ومثله رجل مكليه : وهو الذي يكل أمره على غيره )(٢) .

وقوله : يستسقى الغمام بوجهه.

الغمام : السحاب. والثمال : اللبن.

[ استشهاد الرسول بأبيات أبي طالب ]

[١١٤٥] ولما أن دعا رسول الله على [ مضر ]. وقال : اللهمّ اجعلها عليهم كسنيّ يوسف.

فاحبس الغيث عنهم ، واجدبوا حتى هلك اكثرهم واسترحم لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاستسقى ، فما انصرف حتى همت الناس أنفسهم من شدة المطر. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أن أبا طالب شهد هذا المشهد لسرّه لما سبق ، ومنه قوله : ( وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ).

[ واستشهاده أيضا في يوم بدر ]

ولما أن جرح عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب(٣) يوم بدر

__________________

(١) وفي نسخة ز : المجادة من كل شيء.

(٢) ومنه قول أبي المثلم ( حامي الحقيقة لا وان ولا وكل ) لسان العرب ١١ / ٧٣٥.

(٣) أسلم وكان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكة ، ثم هاجر وشهد بدرا ، وذكر ابن اسحاق

٢٢٤

وانصرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصار الى بعض الطريق ، سال مخ ساق عبيدة(١) وكان ضرب على ساقه ، واشتدّ عليه واحتضر ، وجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدعا له ، وأثنى عليه وبشره بالجنة.

وكان شيخنا مسنا. ويقال إنه بارز من بارزه ، وهو يتوكأ على عصا(٢) . فقال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نحن كما قال أبو طالب. وأنشده شعرا :

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

[ نعود الى ذكر أبي طالب ]

وكان اظهار أبي طالب ما اظهر من التمسك بدين العرب ، والرغبة فيه مع تصديقه لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقراره بنبوته ، مما أيد الله به أمر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لانه [ لو ] أظهر الاسلام لرفضته العرب ولم يعضده من عضده منهم على نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والاخبار يطول ذكرها في تربيته رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وايثاره إياه على ولده وقيامه به وبذله نفسه دونه.

__________________

أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقد لعبيدة راية ، وارسله في سرية قبل واقعة بدر ، فكانت أول راية عقدت في الاسلام.

قال ابن هشام في السيرة ص ٥٢٦ : لما اصيب في قطع رجله يوم بدر قال : أما والله لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لعلم أني أحق بما قال منه حيث يقول :

كذبتم وبيت الله نبرى محمدا

ولما تطاعن دونه ونناضل

وتوفي في العام الثاني للهجرة.

(١) المغازي ١ / ٦٩ ، شرح النهج لابن أبي الحديد ١٤ / ٨٠ ، خزانة الادب ٢ / ٦٤.

(٢) الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب لشمس الدين المتوفى ٦٣٠ ه‍ ص ٣٠٢ ، الكامل لابن الاثير ٢ / ١٢٥.

٢٢٥

[ حمزة بن عبد المطّلب ]

فأما حمزة بن عبد المطلب عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعمّ عليعليه‌السلام ، فكان على ما كان عليه أبو طالب من الحمية في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذبّ عنه ولم يسلم الى أن خرج يوما لصيد ، ومرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسجد الحرام ينادي قريشا ، فنالوا منه ، وكان أكثرهم قولا فيه أبو جهل(١) .

وجاء حمزة من الصيد ، فاخبر بذلك(٢) ، فجاء مغضبا وهو مقلد قوسه حسب ما كان في صيده ، فكان من شأنه اذا دخل المسجد أن يبدأ ، فيطوف بالبيت ثم يأتي نادي بني عبد المطلب ، فيجلس فلم يلو على شيء حتى وقف على أبي جهل ، فشجه شجة منكرة ، وقال : أتشتم ابن أخي ، فأنا على دينه أقول ما يقول. فاردد عليّ ان استطعت.

فقام إليه [ رجال ](٣) من بني مخزوم لينتصروا منه ، فقام إليهم أبو جهل ، وقال : دعوا أبا عمارة ، فاني والله سببت ابن أخيه سبا قبيحا. ( وانما فعل ذلك ليستميله لأن لا يسلم )

فتمادى حمزة على الاسلام ، وأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأظهر

__________________

(١) وهو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي. كنيته : أبو الحكم. كناه المسلمون أبا جهل ، وكان أشد الناس عداوة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشهد بدرا ، فكان من جملة قتلى المشركين ( امتناع الاسماء ١ / ١٨. السيرة الحلبية ٢ / ٣٣ ).

(٢) إذ أقبل حمزة متوحشا بقوسه راجعا من قنص له فوجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دار اخته مهموما وهى باكية ، فقال له : ما شأنك؟ قالت : ذلّ الحمى ، يا أبا عمارة لو لقيت ما لقي ابن اخيك محمد آنفا من أبي الحكم ابن هشام ، وجده هاهنا جالسا ، فأذله وسبه وبلغ منه ما يكره ، فانصرف [ حمزة ] الى المسجد ( المناقب ١ / ٦٢ ).

(٣) هكذا صححناه وفي الأصل : رجل.

٢٢٦

اسلامه فعلم بنو عبد شمس أنه سيمنع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أن أسلم.

وكان حمزة منيع الجانب من قريش ، شديد العارضة ، أبيّ النفس. فكفّ بنو عبد شمس من أذى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعن شتمه ، وأظهر حمزة الاسلام ، ودخل في جملة أهله.

[ عقب حمزة ]

وكان يكنى أبا عمارة ، ولا عقب له ، وكان قد ولد له ولد سماه عمارة من امرأة بني النجار ، ومات. وكانت له ابنة يقال لها : أم أبيها ، وهي التي تقدم الخبر باخراج عليعليه‌السلام لها من مكة في عمرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الحديبية ، وأنه تنافس في كفالتها معه من ذكر في الخبر. وعرضها عليعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليتزوجها(١) . فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنها ابنة أخي في الرضاعة. وكان حمزةعليه‌السلام قد رضع مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أرضعتهما امرأة من مكة ( يقال لها : ثويبة )(٢) .

__________________

(١) قال الطبرى في الذخائر ص ١٠٧ : اخرج مسلم عن عليعليه‌السلام ، قال : قلت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مالك لا تنوق في قريش وتدعنا ( أي لم تتزوج من قريش ولا تتزوج من بني هاشم )؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وعندكم شيء؟ قلت : نعم بنت حمزة. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنها لا تحل لي فانها ابنة اخي من الرضاعة.

وفي الاستيعاب ١ / ١٧ : عن ابن عباس ، قال : قيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا تتزوج ابنة حمزة؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انها ابنة أخي من الرضاعة.

(٢) وكان حمزة أخا رسول الله من الرضاعة أرضعتهما وعبد الله بن عبد الأسد ثويبة بلبن ابنها مسروح ، وكانت ثويبة مولاة أبي لهب ( ذخائر العقبى ص ١٧٢ ). وقال في الاصابة ١ / ١٦ : ولدت آمنة لعبد الله رسول الله وولدت هالة لعبد المطلب حمزة ، فأرضعت منهما أبا سلمة ابن عبد الاسد. فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكرم ثويبة ، وكانت تدخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن تزوج خديجة ، فكانت خديجة تكرمها وأعتقها أبو لهب بعد ما هاجر الرسول الى المدينة. فكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث إليها من المدينة بكسوة وصلة حتى ماتت بعد فتح خيبر.

٢٢٧

[ جهاده ]

فهاجر حمزة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى المدينة وشهد بدرا ، ولما أن توافقوا للقتال يومئذ برز من المشركين عتبة(١) وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة ودعوا للمبارزة ، فبرز إليهم عليعليه‌السلام وحمزة عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ، وقد كان يومئذ شيخا مسنا ، خرج الى المبارزة يتوكأ على عصاه ، ولما أن تبارزا يومئذ أنزل الله عزّ وجلّ فيهم( هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) الآية(٢) .

فبارز عليعليه‌السلام الوليد بن عتبة ، فقتله ، وبارز حمزة شيبة ، فقتله. وبارز عبيدة بن الحارث عتبة ، فاختلف بينهما ضربتان أثبت كل واحد منهما صاحبه ، فعطف حمزةعليه‌السلام وعليعليه‌السلام على عتبة ، فقتلاه ، واستنقذا عبيدة بن الحارث ، وقد قطع عتبة رجله(٣) ، فمات من ذلك بعد منصرفهم الى المدينة بالصفراء(٤) . وقتل حمزة يومئذ طعيمة بن عدي ، وسبأ الخزاعي ، وجماعة من المشركين.

[ شجاعته ]

وكان حمزة يدعى : أسد الله وأسد رسوله ، لنجدته وشجاعته واقدامه ، وشهد

__________________

(١) وهو عتبة بن ربيعة بن عبد قيس. كنيته : أبو الوليد من شخصيات قريش وكان يضمر عداء شديدا لرسول الله ، وقد نشأ في حجر حرب بن أميّة لانه كان يتيما ، وقد شهد بدرا. وكان ضخم الجثة عظيم الهامة طلب يوم بدر بخوذة ليلبسها ، فلم يجد ما يسع هامته. وقد قتله علي بن أبي طالب ( الروض الانف ١ / ١٢١ ، نسب قريش ص ١٥٣ ).

(٢) الحج : ١٩.

(٣) وفي نسخة ز : رجليه.

(٤) الصفراء بالتأنيث : وادي الصفراء من ناحية المدينة وهو واد كثير النخل والزرع في طريق الحاج بينه وبين بدر مرحلة وماؤها عيون ( مراصد الاطلاع مادة الصفراء ).

٢٢٨

يوم احد(١) ، فأبلى من المشركين بلاء شديدا ، وقتل منهم عددا كثيرا ، وقتل يومئذ عثمان بن أبي طلحة صاحب لواء المشركين(٢) .

وكان إذا هجم يومئذ انفرجوا ، ولم يقم أحد منهم له ، فهجم في جماعة منهم ، فافترقوا ، وكان فيهم وحشي بن الحارث ، وكان من سودان مكة عبدا لجبير بن مطعم(٣) ، فاستتر منه [ خلف ] شجرة ، ولم يرد حمزةعليه‌السلام وسار مقدما أمامه في طلب المشركين.

فرماه وحشي بحربة كانت معه ، فأصاب مقتله فسقط ، وأحاط به المشركون فمثلوا به لشدة ما أبلى [ في ] هم وكثرة من قتل منهم. وكانت هند أمّ معاوية مع المشركين يومئذ تحرضهم على القتل ، فلما أن قتل حمزة أتت إليه ، فبقرت بطنه وأخذت قطعة من كبده ، فرمتها في فمها ولاكتها ، وأرادت أن تبلعها ، فلم تستطع وألقتها(٤) .

__________________

(١) عن عمر يناهز الاربع والستين سنة.

(٢) قال الواقدي في المغازي ١ / ٢٤٦ : وكان يرتجز أمام النساء :

اني على أهل اللواء حقا

ان تخطب الصعدة أو تندقا

 (٣) جبير بن مطعم بن عدي ( شرح النهج لابن أبي الحديد ١٥ / ١٣ ).

(٤) قال حسان بن ثابت وهو يبكي :

أتعرف الدار عفا رسمها

بعدك صوب المسيل الهاطل

بين السراديح فأدمانة

فمدفع الروحاء في حائل

سألتها من ذاك فاستجمعت

لم تدر ما مرجوعة السائل

دع عنك دارا قد عفا رسمها

وابك على حمزة ذي النائل

المالئ الشيزى إذا أعصفت

غبراء في ذي الشيم الماحل

والتارك القرن لذي لبدة

يعثر في ذي الخرص الذابل

واللابس الخيل إذا أحجمت

كالليث في عابته الباسل

أبيض في الذروة من هاشم

لم يمرّ درن الحق بالباطل

مال شهيدا بين أسيافكم

شلّت يدا وحشي من قاتل

صلّى عليه الله في جنة

عالية مكرمة الداخل

٢٢٩

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما إنها لو ابتلعتها حتى يخالط دم حمزة دمها لما طعمتها النار ، ولكن أبى الله ذلك. ووقف عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واشتدّ حزنه عليه ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لئن أمكنني الله عزّ وجلّ منهم لامثلن منهم سبعين. فأنزل الله عزّ وجلّ( وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ

__________________

كنا نرى حمزة حرزا لنا

في كل أمر نابنا نازل

وكان في الاسلام ذا تدرا

يكفيك فقد القاعد الخاذل

لا تفرجى يا هند واستجلبي

دمعا فأذري عبرة الثاكل

وابكي على عتبة إذ قطه

بالسيف تحت الرهج الجائل

اذ خرّ في مشيخة منكم

من كل عات قلبه جاهل

أرداهم حمزة في اسرة

يمشون تحت الحلق الفاضل

غداة جبريل وزير له

نعم وزير الفارس الحامل

ضبط الغريب :

عفا : غبر ودرس. الصوب : المطر. السراديح : جمع سرداح ، وهو الوادي. ادمانه : مكان بعينه. المدفع : حيث يندفع السيل. الحائل : الجبل. النائل : العطاء. الشيزي : الجهان التي تصنع من خشب الشين. وأعصفت : اشتدت. الغبراء : التي تثير الغبار وتهيجه. الشيم : الماء البارد. الماحل : من المحل وهو القحط. القرن : الذي يقاومك في القتال. ذو الخرص : الرمح ، والخرص سنانه. ذا تدرا : يريد انه كان كثير الدفاع عنا. الرهج : الغبار. الجائل : المتحرك الثائر مما اثارته سنابك الخيل واقدام المحاربين. الحلق : الدروع.

وقال كعب بن مالك :

ولقد هددت لفقد حمزة هدة

ظلت بنات الجوف منها ترعد

ولو أنه فجعت حواء بمثله

لرأيت رأسي صخرها يتبدد

قوم تمكن في ذؤابة هاشم

حيث النبوة والندى والسؤدد

والعاقر الكوم الجلاد اذا غدت

ريح يكاد الماء فيها يجمد

والتارك القرن الكمى مجدلا

يوم الكريهة القنا يتقصد

وتراه يرفل في الحديد كأنه

ذو لبدة شأن البرائن أربد

عمّ النبي محمد وصفيه

ورد الحمام فطاب ذاك المورد

وأتى المنية معلما في اسرة

نصروا النبي ومنهم المستشهد

ولقد أخال بذاك هندا بشرت

لتميت داخل غصة لا تبرد

٢٣٠

بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ ) (١) .

وصبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدفنه مع الشهداء في مصارعهم.

ولما أن صار الى المدينة سمع بكاء نساء الانصار على من قتل منهم ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لكن حمزة لا بواكي له.

فسمع ذلك الأنصار ، واجتمع نساؤهم وآتين منزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجعلن يبكين حمزة ، فخرجصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجزاهن خيرا ، وامرهن أن ينصرفن.

[ قاتل حمزة ]

وأسلم وحشي بعد ذلك ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : غيّب وجهك عني.

فكان إذا رآه توارى منه ، وخرج بعد ذلك الى الشام(٢) ، وكان يشرب الخمر ويلبس المعصفرات وحدّ على شرب الخمر وهو أول من حدّ في الشام على شر الخمر(٣) .

__________________

الى قوله :

شتان من هو في جهنم ناويا

أبدا ومن هو في الجنان مخلّد

ضبط الغريب :

بنات الجوف : يعني قلبه وما اتصل به مما يشتمل عليه الجوف. ذؤابة هاشم : أعاليها ، وأراد سمي أنسابها وأرفعها. الكوم : جمع كوماء ، وهي من الابل العظيمة السنام. مجدلا : مطروحا على الجدالة وهي الارض. الحديد : أراد به الدروع. البراثن : للسباع بمنزلة الاصابع للانسان. الاربد : الاغبر يخالط لونه سواد.

(١) النحل : ١٢٦.

(٢) الى مدينة حمص.

(٣) قال ابن الاثير في الكامل ٢ / ٢٥١ : وهو أول من لبس المعصفر المصقول في الشام.

٢٣١

[ العباس بن عبد المطّلب ]

وأما العباس بن عبد المطّلب(١) عمّ الرسول ، فإنه كان أسن بثلاث سنين من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يسلم الى أن شهد بدرا مع مشركي أهل مكة. وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ قد ] قال للمسلمين يوم بدر : فمن قدرتم أن تأسروه من بني هاشم فلا تقتلوه ، فانهم اخرجوا كرها.

فاسر العباس فيمن اسر(٢) ، وشدّ في الوثاق ، فكان يئن لشدة الرباط ، فإذا سمعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يئن ، قال : احفظوني في العباس ، فانه عمي(٣) وعم الرجل صنو أبيه. ولما أن منّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على من اسر من المشركين يوم بدر على أن يفدوا أنفسهم منّ عليه فيهم.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : أفد نفسك وابن أخيك عقيلا ، فانه ليس له مال ، وكان قد اسر معه يومئذ. فقال : أنا ما عندي مال.

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فأين المال الذي دفعته يوم خروجك من مكة الى أمّ الفضل ، وقلت لها : إن اصبت فلعبد الله كذا ، وللفضل كذا ، ولك كذا ، ولفلان كذا. وذكر له ما قال.

فقال العباس : والله ما سمع مني ذلك غيرها ، وما أطلعك على ذلك إلا الله. وأسلم ، وفدى نفسه وعقيل بن أبي طالب ، وكان مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة العقبة. فعقد له على الانصار ، وأعطاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السقاية يوم فتح مكة. وعاش بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى أن أدرك

__________________

(١) وأمه أول عربية كست البيت حريرا وفاء لنذرها.

(٢) أسره أبو اليسر كعب بن عمر.

(٣) رواه أحمد بن حنبل في مسنده ١ / ٩٤.

٢٣٢

أيام عثمان بن عفان ، فمات فيها في المدينة ، وقد كفّ بصره ، وكان طول أيامه بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف لعليعليه‌السلام حقه ويحثه على القيام ، ويبذل له نفسه في ذلك ، ولما أن قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلّم أمره لعلي عليه والسلام ، ولم يعارضه في شيء من أمر القيام بأمره ، وقال له : أين تدفنه يا أبا الحسن؟

فقالعليه‌السلام : في الموضع الذي قبض فيه ، وفعل ذلك ، ولم يجر بينهما اختلاف خلا ما جاء في الظاهر بأنه طلب منه تراث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخاصمه في ذلك الى أبي بكر ، فقضى أبو بكر لعلي.

وقد قيل إن ذلك كان بينهما توقيفا لأبي بكر على ما استأثر به من حق عليعليه‌السلام .

وقد قال بعض المتكلمين لبعض الشيعة(١) عند بني العباس : أليس قد خاصم عليعليه‌السلام العباس عند أبي بكر ، قال : فأيهما كان على الحق؟

أراد إن قال العباس ظلم عليا ، وإن قال علي أوحش بني العباس. فقال : كانا على الحق كما كان الملكان اللذان تسوّرا المحراب على داودعليه‌السلام واختصما إليه. وانما أرادا تقريره على الخطيئة التي وقع فيها ، فكذلك أراد علي والعباس ، ألم تر أن العباس لما قال أبو بكر ما قال عن رسول الله صلّى الله عليه

__________________

(١) روى المدني في الدرجات الرفيعة ص ٩١ : أن متكلما قال لهارون الرشيد : اريد أن اقرر هشام بن الحكم بأن عليا كان ظالما. فقال له : إن حصلت لك كذا وكذا. فأمر به ، فلما حضر هشام قال له المتكلم : يا أبا محمد روت الامة بأجمعها أن عليا نازع العباس الى أبي بكر في تركه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال هشام : نعم. قال : فأيهما الظالم لصاحبه.

قال هشام : فقلت له : لم يكن فيهما ظالم. قال : أفيختصم اثنان في أمروهما جميعا محقان؟ قال هشام : نعم اختصم الملكان الى داود ، وليس فيهما ظالم ، وانما أرادا أن ينبها داود على الخطيئة ويعرفاه الحكم. كذلك علي عليه‌السلام والعباس تحاكما الى أبي بكر ليعرفاه ظلمه وينبهاه على خطئه ، فلم يحر المتكلم جوابا واستحسن الرشيد ذلك.

٢٣٣

وآله مما أوجب حق عليعليه‌السلام ثم يدفع ذلك ولا ناظر فيه ، ولم يكن اكثر من أن تبسم وأخذ بيد عليعليه‌السلام ثم قاما.

وكان العباس يرغب في العطاء وأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أتى بمال ، وأمر به فصبّ بناحية المسجد ، وخرج الى الصلاة ، فمرّ عليه ، فما التفت إليه. [ ولما ] انفتل من الصلاة قام إليه العباس ، فقال : يا رسول الله قد جاء هذا وأنا في عيال وعليّ دين ، فمر لي منه بما تراه.

فقال لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خذ منه ما يكفيك. فجاء الى المال وبسط رداءه ، وأخذ شيئا كثيرا ، فذهب لينهض به ، فلم يستطع ، فنقص منه مرارا حتى نهض بما أخذ ، ومضى ، فأتبعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببصره ، ولم يقل له شيئا.

وفرض عمر العطاء الى ناس ، ففرض لكل رجل من أهل بدر أربعة آلاف ، وفرض للعباس اثنا عشر ألفا.

ولما كان عام الرماد [ ة ](١) واشتدّ القحط ، فخرج بالناس واستسقى لهم ، فلما أن قام ليستسقي أخذ بيد العباس ، فقال : اللهمّ هذا كبيرنا وسيدنا وعمّ نبينا ، نتوجه إليك ، فاسقنا ، فسقوا(٢) .

وتوفي العباس وهو ابن تسع وثمانين سنة(٣) وصلّى عليه عثمان بن عفان ، وأنزله في قبره ابنه عبد الله(٤) .

__________________

(١) وهو عام جدب وقحط وقع على عهد عمر سمي ذلك من رمده أو أرمده إذا هلكه وصيره كالرماد. وأرمد إذا هلك بالرمدة ، والرمادة الهلاك. وقيل سمي بذلك لان الجدب صير ألوانهم كلون الرماد.

(٢) قال الطبري في الذخائر ص ١٩٩ : أخرجه إبراهيم بن عبد الصمد ، عن عبد الله بن عمر ، قال : استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس. وقال : اللهمّ هذا عمّ نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نتوجه به إليك فاسقنا. قال : فما برحوا حتى سقاهم الله تعالى.

(٣) عن عمر يناهز ثمان وثمانين سنة ( ذخائر العقبى ص ٢٠٧ ، الدرجات الرفيعة ص ٩٦ ، الكامل ٣ / ١٣٦ ).

(٤) دفن في البقيع ودخل قبره ابنه عبد الله بن العباس ( الاستيعاب ١ / ١٠٠ ، المدخل لابن الحاج

٢٣٤

[ نعود الى ذكر أولاد أبي طالب ]

[ طالب بن أبي طالب ]

وأما طالب بن أبي طالب(١) فهو الذي يقول في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الأبيات :

وقد حلّ مجد بني هاشم

فكان النعامة(٢) والزهرة

ومحض بني هاشم أحمد

رسول المليك على فترة

عظيم المكارم نور البلاد

حريّ الفؤاد صدى الزبرة

كريم المشاهد سمح البنان

اذا ضنّ ذو الجود والقدرة

عفيف تقيّ نقيّ الردا

طهر السراويل والازرة

جواد رفيع على المعتقين

وزين الاقارب والاسرة

واشوس كالليث لم ينهه

لدى الحرب زجرة ذى الزجرة

وكم من صريع له قد ثوى

طويل التأوّه والزفرة

[ ضبط الغريب ]

[ قوله ] مجد بني هاشم. المجد : نبل الشرف ، يقال منه : مجد الرجال ، ومجد

__________________

١ / ٢٦٥ ، وفاء الوفاء ٢ / ١٠٥ ).

(١) قال في العمدة : هو اكبر أولاد أبي طالب وبه يكنى وهو أسن من أخيه علي بثلاثين سنة وان قريشا أكرهته على الخروج معها في بدر. ونقل الكليني رواية عن الصادقعليه‌السلام بأنه أسلم. وهو الذي ذكر الابيات في مدح الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتي ذكرها المؤلف ( راجع عمدة الطالب ص ٢٠ الدرجات الرفيعة ص ٦٢ ).

وقال الطبرى في الذخائر ص ٢٤٩ : إنه مات كافرا.

(٢) وفي نسخة ز : النعائم.

٢٣٥

العباس. وأمجده : كرم فعاله. والله عزّ وجلّ هو المجيد ، بمجيد فعاله. ومجده خلقه لعظمته.

والمحض : الخالص من كل شيء الذي لا يشوبه غيره. ويقال منه : رجل ممحوض الضريبة(١) : أي مخلّص. وفضته [ محضة ] : إذا لم يخالطها شيء.

والفترة : أصلها السكون. يقال لكل ما بين رسولين من الزمان فترة. و [ الضن ](٢) : الشح. قال الله تعالى :( وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) (٣) .

وقوله : نقيّ الردى : أي ما ارتدي به وهو الثوب الواسع غير المخيط. والسروال : ما ليس من الثياب.

الازرة : ما اتّزر به. وأراد بطهارة ذلك ونقائه البراءة من العيوب والدنس(٤) ، والعرب تضرب ذلك مثلا للسلامة من العيوب ، قال الله عزّ وجلّ :

( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (٥) . والمعتقون : الطالبون. والاشوس : الذي يعرف الغضب في نظره يقال عنه : رجل أشوس وامرأة شوساء. والزجر : يقال زجرت البعير حتى مضى وزجرت عامل سوء عن عمله فازدجر أي نهيته فانتهى ، وهي في الابل وأشباهها الحث على السير ، وفي الناس النهي والمنع. والتأوّه والتوجع : إذا قال المتوجع آه فقد تأوه.

والزفرة : من الزفر ، والزفر والزفير الواحدة من فعل ذلك وهو أن يملأ الرجل

__________________

(١) قال الشاعر :

تجد قوما ذوي حسب وحال

كراما حيثما حسبوا محاضا

( لسان العرب ٧ / ٢٢٧ )

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : الظن.

(٣) التكوير : ٢٤.

(٤) قال عدي بن زيد :

أجل إن الله قد فضلكم

فوق من أحكأ صلبا بازار

( لسان العرب ٤ / ١٧ )

(٥) المدثر : ٤.

٢٣٦

صدره غما ثم يتأوه به فهو في الزفير(١) والواحدة منه زفرة ، قال الله عزّ وجلّ حكاية عن أهل النار : «ولَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ) (٢) ، والزفير ما ذكرناه.

والشهيق : مذ النفس بالزفير. وذلك أن يرمي بنفسه حتى يخرجه من صدره.

[ نعود الى ذكر طالب ]

ولمّا نفر أهل مكة الى بدر تخلف عنهم بنو هاشم ، فأكرهوهم على الخروج ، وبذلك قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمسلمين يوم بدر : من قدرتم أن تأسروه من بني هاشم فلا تقتلوه ، فانهم انما خرجوا كرها. ففي ذلك طالب بن أبي طالب(٣) يقول هذه الابيات :

يا ربّ إمّا خرجوا بطالب

في مقنب عن هذه المقانب

فاجعلهم المغلوب غير الغالب

وارددهم المسلوب غير سالب(٤)

قوله : المقنب : زهاء ثلاثمائة فارس(٥) .

[ عقيل بن أبي طالب ]

وأما عقيل بن أبي طالب(٦) فكان أحبّ ولد أبي طالب إليه.

__________________

(١) قال الشاعر : ( فتستريح النفس من زفراتها ) لسان العرب ٤ / ٣٢٥.

(٢) هود : ١٠٦.

(٣) وكان طالب مع العباس يوم بدر فلم يعرف خبره ( المناقب ٢ / ١٨٠ ).

(٤) وقد ذكر في عمدة الطالب ص ١٥ هذا البيت هكذا :

فليكن المطلوب غير طالب

والرجل المغلوب غير الغالب

(٥) لسان العرب ١ / ٦٩١.

(٦) وكان علي بن الحسينعليه‌السلام يعطف على آل عقيل ويقدمهم على غيرهم من آل جعفر. فقيل له في ذلك ، قال : اني لأذكر يومهم مع أبي عبد الله الحسين فأرق لهم ( كامل الزيارة لابن قولويه ص ١٠٧ بحار الانوار ١١ / ١٢٣ ط قديم ) وقد ذكر المؤلف من ولد عقيل الذين استشهدوا مع الحسينعليه‌السلام في كربلاء ثلاثة وهم :

٢٣٧

وأسلم عليا الى رسول الله ، وجعفرا الى العباس ليربياهما كما كانت أشراف العرب تفعل ذلك بأبنائها ، وتمسك بعقيل ، وقال : إذا بقى لي عقيل

__________________

١ ـ عبد الرحمن بن عقيل.

٢ ـ عبد الله بن عقيل.

٣ ـ عبد الله بن مسلم بن عقيل.

ولم يذكر غيرهم ، ونحن نذكر من وقفنا عليه حسب ما ذكره المؤرخون :

١ ـ مسلم بن عقيل : وهو سفير الحسين عليه‌السلام لأهل الكوفة. واستشهد فيها قبل ورود الحسين عليه‌السلام الى كربلاء.

٢ ـ محمد بن عقيل : ولم يذكره سوى الخوارزمي في مقتله ٢ / ٤٨ وذكره المؤلف في جملة الأسرى.

٣ ـ جعفر بن عقيل : وأمه الخوصاء بنت عمرو العامري. دخل المعركة فجالد القوم يضرب فيهم بسيفه قدما ، وهو يقول :

أنا الغلام الابطحي الطالبي

من معشر في هاشم من غالب

ونحن حقا سادة الذوائب

هذا حسين أطيب الاطائب

قتله : بشر بن حوط قاتل أخيه عبد الرحمن ( ابصار العين ص ٥٣ ، الكامل ٤ / ٩٢. مقاتل الطالبيين ص ٨٧ ) وقيل : قتله عروة بن عبد الله الخثعمي.

٤ ـ محمد بن مسلم بن عقيل : أمه أمّ ولد. قال أبو جعفر عليه‌السلام : حمل بنو أبي طالب بعد قتل عبد الله حملة واحده ، فصاح بهم الحسين عليه‌السلام : صبرا على الموت يا بني عمومتي. فوقع فيهم محمد بن مسلم ، قتله أبو مرهم الازدي ولقيط بن إياس الجهني ( ابصار العين ص ٥٠ ، المقاتل ص ٨٧ ، الخوارزمي ٢ / ٤٧ ).

٥ ـ محمد بن أبي سعيد بن عقيل : أمه أمّ ولد. قال حميد بن مسلم الازدي : لما صرع الحسين عليه‌السلام خرج غلام مذعورا يلتفت يمينا وشمالا فشدّ عليه فارس فضربه ، فسألت عن الغلام ، قيل : محمد بن أبي سفيان. وعن الفارس : لقيط بن إياس الجهني. وقال هشام الكلبي حدث هاني بن ثبيت الحضرمي ، قال : كنت ممن شهد قتل الحسين عليه‌السلام فو الله اني لواقف عاشر عشرة ليس منا رجل إلا على فرس ، وقد حالت الخيل وتضعضعت إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الابنية عليه ازار وقميص وهو مذعور يتلفت يمينا وشمالا ، فكأني انظر الى درتين في اذنيه يتذبذبان كلما التفت ، إذ أقبل رجل يركض حتى إذا دنا منه مال عن فرسه ، ثم اقتصد الغلام فقطعه بالسيف.

قال هشام الكلبي : إن هاني بن ثبيت الحضرمي هو صاحب الغلام عن نفسه استحياء وخوفا. ( ابصار العين ص ٥١ ، الخوارزمي ٢ / ٤٧ ، الكامل ٤ / ٩٢ ).

٦ ـ جعفر بن محمد بن عقيل : ذكره الخوارزمي في مقتله ٢ / ٤٧.

٢٣٨

فلا ابالي ، وكان ذلك من صنع الله عزّ وجلّ لعليعليه‌السلام ، فان كان عند رسول الله فمن الله عليه بالسبق الى الاسلام.

[١١٤٦] وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعقيل : اني لاحبك يا عقيل حبّين ، حبّ لك وحبّ لحبّ أبي طالب إياك.

[ في ليلة بدر ]

[١١٤٧] عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال : لما أن كانت ليلة بدر ، أصابنا وعك من حمى ، وشيء من مطر ، وافترق الناس يستترون تحت الشجر فنظرت إليهم من الليل ، ( فلم أر أحدا غير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(١) ، فلم يزل قائما يصلّي والناس نيام حتى انفجر الصبح ، فصاح : الصلاة عباد الله ، فأقبل الناس إليه من تحت الشجر(٢) . فصلّى بهم. فلما انتقل أقبل عليهم فذكر فضل الجهاد ورغبهم فيه ، ثم قال لهم : إن بني المطلب قوم اخرجوا كرها ولم يريدوا قتالكم ، فمن لقي منكم أحدا فلا يقتله إن قدر عليه وليأسره ، وليأت به أسيرا.

قال : فلما انهزم القوم ، وقتل من قتل ، واسر من اسر منهم ، نظرت فاذا عقيل في الاسارى ، مشدودة يده الى عنقه بنسعة(٣) ، فصددت(٤) عنه ، فصاح بي : يا علي يا بن أم [ أما والله ] لقد رأيت مكاني ، ولكنك عمدا تصدّعني.

__________________

(١) ما بين القوسين من نسخة ز.

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : من الشجرة.

(٣) النسع ـ جمعها نسوع ـ : سير أو حبل عريض طويل تشدّ به الرحال.

(٤) وفي الاصل : فصدرت.

٢٣٩

قال عليعليه‌السلام : فلم اجبه بشيء ، وأتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، هل لك في أبي يزيد مشدودة يده بنسعة الى عنقه.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انطلق بنا إليه. فمضينا نمشي نحوه ، فلما رآنا قال : يا رسول الله إن كنتم قتلتم أبا جهل فقد ظفرتم ، والا فادركوه ما دام القوم يحدثان قرحتهم.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل قتله الله يا عقيل.

[١١٤٨] ودخل عقيل على امرأته فاطمة بنت [ الوليد بن ] عتبة بن ربيعة ، لما انصرف من قتال المشركين يوم هوازن وسيفه متلطخ بالدم. فقالت له : قد عرفت إنك قد قاتلت ولكن ما الذي جئتنا به من الغنائم.

فأخرج إليها ابرة ، وقال : هذه ما أصبت فدونكها ، فخيطي بها ثيابك. فأخذتها.

ثم سمع منادي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من أصاب من الغنائم شيئا فليأت به ولو كانت ابرة ، ارددوا الخياط والمخيط فان الغلول في النار. فرجع إليها ، وقال لها : ما ارى إبرتك إلا فاتتك. فأخذها ، ومضى بها مع ما جاء به فوضعه في المغنم ، وجاء فيما جاء به بفصّ من جواهر أحمر ، وجارية. فنظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى الفص ، فأعجبه فقال : لو لا التملك يعني لنحميه ، ونقله والجارية عقيلا(١) .

[ ضبط الغريب ]

الخياط : ما خيط به ، والمخيط وما قد خيط به من الثياب وغيرها.

__________________

(١) كذا في الاصل.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597