شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٣

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار6%

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 597

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 597 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 207448 / تحميل: 7193
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

عبد المطّلب كفله عمه أبو طالب شقيق أبيه ، فلما اختصه الله عزّ وجلّ بالنبوة ، وابتعثه بالرسالة حماه أبو طالب ونصره ومنع منه من أراد أذاه ، وصدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما جاء به من الرسالة والنبوة ، وعنف من دفع ذلك وكذبه ، إلا أنه لم يظهر الإسلام(١) وكان ذلك أنفع لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه كان سيدا مطاعا في قومه ، فلو أسلم لكان كرجل من المسلمين ، ولم يبلغ من الذبّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما بلغ وهو على حالته ، ولم يكن يتحاماه المشركون فيه كما تحاموه ، وكان ذلك من صنع الله عزّ وجلّ لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وله في نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والذبّ عنه ، والمحاماة عنه من دونه ما يخرج ذكره بطوله عن حدّ هذا الكتاب ، وله في ذلك أشعار كثيرة معروفة يستدعي فيها قبائل العرب لنصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويؤكد فيها فضله وصدقه وأمر ابنيه عليا وجعفر باتباعه ، ورغبهما في ذلك ، وأقرّ بنبوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذكر ذلك في غير موضع من شعره. فمنه

__________________

(١) روى محمد بن ادريس ، عن الصادقعليه‌السلام عن آبائه ، عن عليعليه‌السلام ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هبط عليّ جبرائيل ، فقال لي : يا محمد إن الله عزّ وجلّ مشفعك في ستة بطن حملتك آمنة بنت وهب وصلب أنزلك عبد الله بن عبد المطلب وحجر كفلك أبو طالب ( الحجة على الذاهب ص ٤٨ ) :

وروى عن الصادق عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن أصحاب الكهف أسرّوا الايمان وأظهروا الكفر فأتاهم الله أجرهم مرتين ، وأبا طالب أسرّ الايمان وأظهر الشرك فأتاه الله أجره مرتين ( شرح النهج لابن أبي الحديد ١٤ / ٧٠ ).

وعن الشعبي مرفوعا ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : كان والله أبو طالب بن عبد المطلب مؤمنا مسلما يكتم ايمانه على بني هاشم ان تساندها قريش ( بحار الانوار ٣٥ / ١١٢ ).

وعن أبي علي الموضح ، انه قال : تواترت الاخبار عن علي بن الحسين عليه‌السلام أنه سئل عن أبي طالب أكان مؤمنا؟ فقال عليه‌السلام : نعم. فقيل له : إن قوما هاهنا يزعمون أنه كافر. فقال عليه‌السلام : واعجباه أيطعنون على علي بن أبي طالب أو على رسول الله. وقد نهى الله أن يقرّ مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد رضي الله عنها من المؤمنات الصادقات ، فانها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالب ( بحار الانوار ٣٥ / ١١٢ ).

٢٢١

قوله في شعر له هذه الابيات(١) :

ألا أبلغا عني على ذات بيننا(٢)

لؤيا وخصّا من لؤي بني كعب

ألم تعلموا إنا وجدنا محمدا

نبيا(٣) كموسى خط في أول الكتب

وأن عليه في العباد محبة

ولا خير(٤) ممن خصّه الله في الحب

وقوله في آخر :

فأمسى ابن عبد الله فينا مصدّقا

على ساخط من قومنا غير معتب

وقوله [ في ] قصيدة له طويلة(٥) شعرا :

وما ترك قوم ـ لا أبا لك ـ سيدا

يحوط الذمار غير ذرب مؤاكل

__________________

(١) وقد أنشد هذه الابيات في شأن الصحيفة واكل الارضة ما فيها من ظلم وقطيعة رحم وهي مؤلفة من سبعة أبيات مطلعها :

ألا من لهم آخر الليل منصب

وشعب العصا من قومك المتشعب

وما ذكره المؤلف ( ره ) هو من الابيات الاخيرة من القصيدة. أما القصيدة فقد ذكرت في الديوان ص ١٧.

وايمان أبي طالب للمفيد ص ٧٩ ، ناسخ التواريخ ١ / ٢٦٠ ، الكامل لابن الأثير ٢ / ٣٦. أما الشيخ الاميني في الغدير ٧ / ٣٣٣ فقد ذكر القصيدة في أربعة عشر بيتا ولم يذكر البيت الأخير ( فأمسى ابن عبد الله مصدقا ) من جملتها.

وقد ذكرت القصيدة في روض الانف ١ / ٢٢١ ، والسيرة لابن هشام ١ / ٣١٩ ، الاحتجاج للطبرسي ١ / ٣٤٦ ، شرح ابن أبي الحديد ١٤ / ٧٢ ، خزانة الادب ١ / ٢٦١ ، بلوغ الادب للآلوسي ١ / ٣٢٥.

(٢) وفي السيرة : ذات بينها.

(٣) وفي السيرة : رسولا.

(٤) وفي السيرة والروض الانف : ( ولا خير ممن خصه الله بالحب ) وفي نسخة ز : ولا حيف فيمن خصه الله.

(٥) وتعرف القصيدة باللامية ، ومطلعها :

خليلي ما اذني لاول عاذل

بصفراء في حق ولا عند باطل

وقد ذكر ابن أبي الحديد القصيدة في سبعة عشر بيتا ( شرح النهج ١٤ / ٣٩ ) وابن هشام في تسعين بيتا والأمينى في الغدير ٧ / ٣٤٠ في مائة وأحد وعشرين بيتا. ومن الملاحظ أن المؤلف ره قد نقل الابيات باختلاف وتقديم وتأخير مثلا : فأيده ربّ العباد. موقعه في أواخر القصيدة جاء بها قبل : لكنا اتبعناه على كل حالة.

٢٢٢

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال [ ال ] يتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

وقوله فيها :

كذبتم وبيت الله نترك أحمدا(١)

ولما نطاعن(٢) حوله ونناضل

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد

واخوته داب المحبّ المواصل(٣)

فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها

وزينا لمن والاه ربّ المشاكل(٤)

فما مثله(٥) في الناس أيّ مؤمل

إذا قامت(٦) الحكام عند التفاضل

حليم رشيد عادل غير طائش

يوالي إلها ليس عنه بغافل

فأيده ربّ العباد بنصره

وأظهر دينا حقه غير باطل(٧)

فو الله لو لا أن أجيء بسبة

تعد على أشياخنا في المحافل(٨)

لكنا اتبعناه على كل حالة

من الدهر جدا غير قول التهازل

لقد علموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعني بقول(٩) الأباطل

[ ضبط الغريب ]

قوله : يحوط الذمار. ذمار الرجل : كلما يلزمه حماة والدافع عنه وان ضيّعه

__________________

(١) نترك محمدا. وفي نسخة الشنقيطي : نبرى محمدا.

(٢) السيرة : ولما نطاعن دونه ونناضل.

(٣) السيرة : وأجبته حبّ حبيب المواصل.

(٤) السيرة : زينا لمن ولاه ذب المشاكل.

(٥) السيرة : فمن مثله.

(٦) اذا قاسه الحكام.

(٧) السيرة : غير فاصل.

(٨) السيرة : تجسر على أشياخنا في القبائل.

(٩) السيرة : ولا نعني بقول إلا باطل.

٢٢٣

لزمه القوم لذلك. والذمر : اللوم والتحريض.

الذرب : الجاد من كل شيء(١) قال الشاعر :

( اني لقيت ذربة من الذرب )

يعنى امرأة سليطة.

الموكل من الرجل : الذي يتكل أمره على غيره ( فيعينه ، ومثله رجل مكليه : وهو الذي يكل أمره على غيره )(٢) .

وقوله : يستسقى الغمام بوجهه.

الغمام : السحاب. والثمال : اللبن.

[ استشهاد الرسول بأبيات أبي طالب ]

[١١٤٥] ولما أن دعا رسول الله على [ مضر ]. وقال : اللهمّ اجعلها عليهم كسنيّ يوسف.

فاحبس الغيث عنهم ، واجدبوا حتى هلك اكثرهم واسترحم لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاستسقى ، فما انصرف حتى همت الناس أنفسهم من شدة المطر. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أن أبا طالب شهد هذا المشهد لسرّه لما سبق ، ومنه قوله : ( وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ).

[ واستشهاده أيضا في يوم بدر ]

ولما أن جرح عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب(٣) يوم بدر

__________________

(١) وفي نسخة ز : المجادة من كل شيء.

(٢) ومنه قول أبي المثلم ( حامي الحقيقة لا وان ولا وكل ) لسان العرب ١١ / ٧٣٥.

(٣) أسلم وكان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكة ، ثم هاجر وشهد بدرا ، وذكر ابن اسحاق

٢٢٤

وانصرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصار الى بعض الطريق ، سال مخ ساق عبيدة(١) وكان ضرب على ساقه ، واشتدّ عليه واحتضر ، وجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدعا له ، وأثنى عليه وبشره بالجنة.

وكان شيخنا مسنا. ويقال إنه بارز من بارزه ، وهو يتوكأ على عصا(٢) . فقال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نحن كما قال أبو طالب. وأنشده شعرا :

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

[ نعود الى ذكر أبي طالب ]

وكان اظهار أبي طالب ما اظهر من التمسك بدين العرب ، والرغبة فيه مع تصديقه لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقراره بنبوته ، مما أيد الله به أمر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لانه [ لو ] أظهر الاسلام لرفضته العرب ولم يعضده من عضده منهم على نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والاخبار يطول ذكرها في تربيته رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وايثاره إياه على ولده وقيامه به وبذله نفسه دونه.

__________________

أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقد لعبيدة راية ، وارسله في سرية قبل واقعة بدر ، فكانت أول راية عقدت في الاسلام.

قال ابن هشام في السيرة ص ٥٢٦ : لما اصيب في قطع رجله يوم بدر قال : أما والله لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لعلم أني أحق بما قال منه حيث يقول :

كذبتم وبيت الله نبرى محمدا

ولما تطاعن دونه ونناضل

وتوفي في العام الثاني للهجرة.

(١) المغازي ١ / ٦٩ ، شرح النهج لابن أبي الحديد ١٤ / ٨٠ ، خزانة الادب ٢ / ٦٤.

(٢) الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب لشمس الدين المتوفى ٦٣٠ ه‍ ص ٣٠٢ ، الكامل لابن الاثير ٢ / ١٢٥.

٢٢٥

[ حمزة بن عبد المطّلب ]

فأما حمزة بن عبد المطلب عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعمّ عليعليه‌السلام ، فكان على ما كان عليه أبو طالب من الحمية في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذبّ عنه ولم يسلم الى أن خرج يوما لصيد ، ومرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسجد الحرام ينادي قريشا ، فنالوا منه ، وكان أكثرهم قولا فيه أبو جهل(١) .

وجاء حمزة من الصيد ، فاخبر بذلك(٢) ، فجاء مغضبا وهو مقلد قوسه حسب ما كان في صيده ، فكان من شأنه اذا دخل المسجد أن يبدأ ، فيطوف بالبيت ثم يأتي نادي بني عبد المطلب ، فيجلس فلم يلو على شيء حتى وقف على أبي جهل ، فشجه شجة منكرة ، وقال : أتشتم ابن أخي ، فأنا على دينه أقول ما يقول. فاردد عليّ ان استطعت.

فقام إليه [ رجال ](٣) من بني مخزوم لينتصروا منه ، فقام إليهم أبو جهل ، وقال : دعوا أبا عمارة ، فاني والله سببت ابن أخيه سبا قبيحا. ( وانما فعل ذلك ليستميله لأن لا يسلم )

فتمادى حمزة على الاسلام ، وأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأظهر

__________________

(١) وهو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي. كنيته : أبو الحكم. كناه المسلمون أبا جهل ، وكان أشد الناس عداوة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشهد بدرا ، فكان من جملة قتلى المشركين ( امتناع الاسماء ١ / ١٨. السيرة الحلبية ٢ / ٣٣ ).

(٢) إذ أقبل حمزة متوحشا بقوسه راجعا من قنص له فوجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دار اخته مهموما وهى باكية ، فقال له : ما شأنك؟ قالت : ذلّ الحمى ، يا أبا عمارة لو لقيت ما لقي ابن اخيك محمد آنفا من أبي الحكم ابن هشام ، وجده هاهنا جالسا ، فأذله وسبه وبلغ منه ما يكره ، فانصرف [ حمزة ] الى المسجد ( المناقب ١ / ٦٢ ).

(٣) هكذا صححناه وفي الأصل : رجل.

٢٢٦

اسلامه فعلم بنو عبد شمس أنه سيمنع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أن أسلم.

وكان حمزة منيع الجانب من قريش ، شديد العارضة ، أبيّ النفس. فكفّ بنو عبد شمس من أذى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعن شتمه ، وأظهر حمزة الاسلام ، ودخل في جملة أهله.

[ عقب حمزة ]

وكان يكنى أبا عمارة ، ولا عقب له ، وكان قد ولد له ولد سماه عمارة من امرأة بني النجار ، ومات. وكانت له ابنة يقال لها : أم أبيها ، وهي التي تقدم الخبر باخراج عليعليه‌السلام لها من مكة في عمرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الحديبية ، وأنه تنافس في كفالتها معه من ذكر في الخبر. وعرضها عليعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليتزوجها(١) . فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنها ابنة أخي في الرضاعة. وكان حمزةعليه‌السلام قد رضع مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أرضعتهما امرأة من مكة ( يقال لها : ثويبة )(٢) .

__________________

(١) قال الطبرى في الذخائر ص ١٠٧ : اخرج مسلم عن عليعليه‌السلام ، قال : قلت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مالك لا تنوق في قريش وتدعنا ( أي لم تتزوج من قريش ولا تتزوج من بني هاشم )؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وعندكم شيء؟ قلت : نعم بنت حمزة. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنها لا تحل لي فانها ابنة اخي من الرضاعة.

وفي الاستيعاب ١ / ١٧ : عن ابن عباس ، قال : قيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا تتزوج ابنة حمزة؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انها ابنة أخي من الرضاعة.

(٢) وكان حمزة أخا رسول الله من الرضاعة أرضعتهما وعبد الله بن عبد الأسد ثويبة بلبن ابنها مسروح ، وكانت ثويبة مولاة أبي لهب ( ذخائر العقبى ص ١٧٢ ). وقال في الاصابة ١ / ١٦ : ولدت آمنة لعبد الله رسول الله وولدت هالة لعبد المطلب حمزة ، فأرضعت منهما أبا سلمة ابن عبد الاسد. فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكرم ثويبة ، وكانت تدخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن تزوج خديجة ، فكانت خديجة تكرمها وأعتقها أبو لهب بعد ما هاجر الرسول الى المدينة. فكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث إليها من المدينة بكسوة وصلة حتى ماتت بعد فتح خيبر.

٢٢٧

[ جهاده ]

فهاجر حمزة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى المدينة وشهد بدرا ، ولما أن توافقوا للقتال يومئذ برز من المشركين عتبة(١) وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة ودعوا للمبارزة ، فبرز إليهم عليعليه‌السلام وحمزة عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ، وقد كان يومئذ شيخا مسنا ، خرج الى المبارزة يتوكأ على عصاه ، ولما أن تبارزا يومئذ أنزل الله عزّ وجلّ فيهم( هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) الآية(٢) .

فبارز عليعليه‌السلام الوليد بن عتبة ، فقتله ، وبارز حمزة شيبة ، فقتله. وبارز عبيدة بن الحارث عتبة ، فاختلف بينهما ضربتان أثبت كل واحد منهما صاحبه ، فعطف حمزةعليه‌السلام وعليعليه‌السلام على عتبة ، فقتلاه ، واستنقذا عبيدة بن الحارث ، وقد قطع عتبة رجله(٣) ، فمات من ذلك بعد منصرفهم الى المدينة بالصفراء(٤) . وقتل حمزة يومئذ طعيمة بن عدي ، وسبأ الخزاعي ، وجماعة من المشركين.

[ شجاعته ]

وكان حمزة يدعى : أسد الله وأسد رسوله ، لنجدته وشجاعته واقدامه ، وشهد

__________________

(١) وهو عتبة بن ربيعة بن عبد قيس. كنيته : أبو الوليد من شخصيات قريش وكان يضمر عداء شديدا لرسول الله ، وقد نشأ في حجر حرب بن أميّة لانه كان يتيما ، وقد شهد بدرا. وكان ضخم الجثة عظيم الهامة طلب يوم بدر بخوذة ليلبسها ، فلم يجد ما يسع هامته. وقد قتله علي بن أبي طالب ( الروض الانف ١ / ١٢١ ، نسب قريش ص ١٥٣ ).

(٢) الحج : ١٩.

(٣) وفي نسخة ز : رجليه.

(٤) الصفراء بالتأنيث : وادي الصفراء من ناحية المدينة وهو واد كثير النخل والزرع في طريق الحاج بينه وبين بدر مرحلة وماؤها عيون ( مراصد الاطلاع مادة الصفراء ).

٢٢٨

يوم احد(١) ، فأبلى من المشركين بلاء شديدا ، وقتل منهم عددا كثيرا ، وقتل يومئذ عثمان بن أبي طلحة صاحب لواء المشركين(٢) .

وكان إذا هجم يومئذ انفرجوا ، ولم يقم أحد منهم له ، فهجم في جماعة منهم ، فافترقوا ، وكان فيهم وحشي بن الحارث ، وكان من سودان مكة عبدا لجبير بن مطعم(٣) ، فاستتر منه [ خلف ] شجرة ، ولم يرد حمزةعليه‌السلام وسار مقدما أمامه في طلب المشركين.

فرماه وحشي بحربة كانت معه ، فأصاب مقتله فسقط ، وأحاط به المشركون فمثلوا به لشدة ما أبلى [ في ] هم وكثرة من قتل منهم. وكانت هند أمّ معاوية مع المشركين يومئذ تحرضهم على القتل ، فلما أن قتل حمزة أتت إليه ، فبقرت بطنه وأخذت قطعة من كبده ، فرمتها في فمها ولاكتها ، وأرادت أن تبلعها ، فلم تستطع وألقتها(٤) .

__________________

(١) عن عمر يناهز الاربع والستين سنة.

(٢) قال الواقدي في المغازي ١ / ٢٤٦ : وكان يرتجز أمام النساء :

اني على أهل اللواء حقا

ان تخطب الصعدة أو تندقا

 (٣) جبير بن مطعم بن عدي ( شرح النهج لابن أبي الحديد ١٥ / ١٣ ).

(٤) قال حسان بن ثابت وهو يبكي :

أتعرف الدار عفا رسمها

بعدك صوب المسيل الهاطل

بين السراديح فأدمانة

فمدفع الروحاء في حائل

سألتها من ذاك فاستجمعت

لم تدر ما مرجوعة السائل

دع عنك دارا قد عفا رسمها

وابك على حمزة ذي النائل

المالئ الشيزى إذا أعصفت

غبراء في ذي الشيم الماحل

والتارك القرن لذي لبدة

يعثر في ذي الخرص الذابل

واللابس الخيل إذا أحجمت

كالليث في عابته الباسل

أبيض في الذروة من هاشم

لم يمرّ درن الحق بالباطل

مال شهيدا بين أسيافكم

شلّت يدا وحشي من قاتل

صلّى عليه الله في جنة

عالية مكرمة الداخل

٢٢٩

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما إنها لو ابتلعتها حتى يخالط دم حمزة دمها لما طعمتها النار ، ولكن أبى الله ذلك. ووقف عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واشتدّ حزنه عليه ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لئن أمكنني الله عزّ وجلّ منهم لامثلن منهم سبعين. فأنزل الله عزّ وجلّ( وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ

__________________

كنا نرى حمزة حرزا لنا

في كل أمر نابنا نازل

وكان في الاسلام ذا تدرا

يكفيك فقد القاعد الخاذل

لا تفرجى يا هند واستجلبي

دمعا فأذري عبرة الثاكل

وابكي على عتبة إذ قطه

بالسيف تحت الرهج الجائل

اذ خرّ في مشيخة منكم

من كل عات قلبه جاهل

أرداهم حمزة في اسرة

يمشون تحت الحلق الفاضل

غداة جبريل وزير له

نعم وزير الفارس الحامل

ضبط الغريب :

عفا : غبر ودرس. الصوب : المطر. السراديح : جمع سرداح ، وهو الوادي. ادمانه : مكان بعينه. المدفع : حيث يندفع السيل. الحائل : الجبل. النائل : العطاء. الشيزي : الجهان التي تصنع من خشب الشين. وأعصفت : اشتدت. الغبراء : التي تثير الغبار وتهيجه. الشيم : الماء البارد. الماحل : من المحل وهو القحط. القرن : الذي يقاومك في القتال. ذو الخرص : الرمح ، والخرص سنانه. ذا تدرا : يريد انه كان كثير الدفاع عنا. الرهج : الغبار. الجائل : المتحرك الثائر مما اثارته سنابك الخيل واقدام المحاربين. الحلق : الدروع.

وقال كعب بن مالك :

ولقد هددت لفقد حمزة هدة

ظلت بنات الجوف منها ترعد

ولو أنه فجعت حواء بمثله

لرأيت رأسي صخرها يتبدد

قوم تمكن في ذؤابة هاشم

حيث النبوة والندى والسؤدد

والعاقر الكوم الجلاد اذا غدت

ريح يكاد الماء فيها يجمد

والتارك القرن الكمى مجدلا

يوم الكريهة القنا يتقصد

وتراه يرفل في الحديد كأنه

ذو لبدة شأن البرائن أربد

عمّ النبي محمد وصفيه

ورد الحمام فطاب ذاك المورد

وأتى المنية معلما في اسرة

نصروا النبي ومنهم المستشهد

ولقد أخال بذاك هندا بشرت

لتميت داخل غصة لا تبرد

٢٣٠

بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ ) (١) .

وصبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدفنه مع الشهداء في مصارعهم.

ولما أن صار الى المدينة سمع بكاء نساء الانصار على من قتل منهم ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لكن حمزة لا بواكي له.

فسمع ذلك الأنصار ، واجتمع نساؤهم وآتين منزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجعلن يبكين حمزة ، فخرجصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجزاهن خيرا ، وامرهن أن ينصرفن.

[ قاتل حمزة ]

وأسلم وحشي بعد ذلك ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : غيّب وجهك عني.

فكان إذا رآه توارى منه ، وخرج بعد ذلك الى الشام(٢) ، وكان يشرب الخمر ويلبس المعصفرات وحدّ على شرب الخمر وهو أول من حدّ في الشام على شر الخمر(٣) .

__________________

الى قوله :

شتان من هو في جهنم ناويا

أبدا ومن هو في الجنان مخلّد

ضبط الغريب :

بنات الجوف : يعني قلبه وما اتصل به مما يشتمل عليه الجوف. ذؤابة هاشم : أعاليها ، وأراد سمي أنسابها وأرفعها. الكوم : جمع كوماء ، وهي من الابل العظيمة السنام. مجدلا : مطروحا على الجدالة وهي الارض. الحديد : أراد به الدروع. البراثن : للسباع بمنزلة الاصابع للانسان. الاربد : الاغبر يخالط لونه سواد.

(١) النحل : ١٢٦.

(٢) الى مدينة حمص.

(٣) قال ابن الاثير في الكامل ٢ / ٢٥١ : وهو أول من لبس المعصفر المصقول في الشام.

٢٣١

[ العباس بن عبد المطّلب ]

وأما العباس بن عبد المطّلب(١) عمّ الرسول ، فإنه كان أسن بثلاث سنين من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يسلم الى أن شهد بدرا مع مشركي أهل مكة. وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ قد ] قال للمسلمين يوم بدر : فمن قدرتم أن تأسروه من بني هاشم فلا تقتلوه ، فانهم اخرجوا كرها.

فاسر العباس فيمن اسر(٢) ، وشدّ في الوثاق ، فكان يئن لشدة الرباط ، فإذا سمعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يئن ، قال : احفظوني في العباس ، فانه عمي(٣) وعم الرجل صنو أبيه. ولما أن منّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على من اسر من المشركين يوم بدر على أن يفدوا أنفسهم منّ عليه فيهم.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : أفد نفسك وابن أخيك عقيلا ، فانه ليس له مال ، وكان قد اسر معه يومئذ. فقال : أنا ما عندي مال.

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فأين المال الذي دفعته يوم خروجك من مكة الى أمّ الفضل ، وقلت لها : إن اصبت فلعبد الله كذا ، وللفضل كذا ، ولك كذا ، ولفلان كذا. وذكر له ما قال.

فقال العباس : والله ما سمع مني ذلك غيرها ، وما أطلعك على ذلك إلا الله. وأسلم ، وفدى نفسه وعقيل بن أبي طالب ، وكان مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة العقبة. فعقد له على الانصار ، وأعطاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السقاية يوم فتح مكة. وعاش بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى أن أدرك

__________________

(١) وأمه أول عربية كست البيت حريرا وفاء لنذرها.

(٢) أسره أبو اليسر كعب بن عمر.

(٣) رواه أحمد بن حنبل في مسنده ١ / ٩٤.

٢٣٢

أيام عثمان بن عفان ، فمات فيها في المدينة ، وقد كفّ بصره ، وكان طول أيامه بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف لعليعليه‌السلام حقه ويحثه على القيام ، ويبذل له نفسه في ذلك ، ولما أن قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلّم أمره لعلي عليه والسلام ، ولم يعارضه في شيء من أمر القيام بأمره ، وقال له : أين تدفنه يا أبا الحسن؟

فقالعليه‌السلام : في الموضع الذي قبض فيه ، وفعل ذلك ، ولم يجر بينهما اختلاف خلا ما جاء في الظاهر بأنه طلب منه تراث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخاصمه في ذلك الى أبي بكر ، فقضى أبو بكر لعلي.

وقد قيل إن ذلك كان بينهما توقيفا لأبي بكر على ما استأثر به من حق عليعليه‌السلام .

وقد قال بعض المتكلمين لبعض الشيعة(١) عند بني العباس : أليس قد خاصم عليعليه‌السلام العباس عند أبي بكر ، قال : فأيهما كان على الحق؟

أراد إن قال العباس ظلم عليا ، وإن قال علي أوحش بني العباس. فقال : كانا على الحق كما كان الملكان اللذان تسوّرا المحراب على داودعليه‌السلام واختصما إليه. وانما أرادا تقريره على الخطيئة التي وقع فيها ، فكذلك أراد علي والعباس ، ألم تر أن العباس لما قال أبو بكر ما قال عن رسول الله صلّى الله عليه

__________________

(١) روى المدني في الدرجات الرفيعة ص ٩١ : أن متكلما قال لهارون الرشيد : اريد أن اقرر هشام بن الحكم بأن عليا كان ظالما. فقال له : إن حصلت لك كذا وكذا. فأمر به ، فلما حضر هشام قال له المتكلم : يا أبا محمد روت الامة بأجمعها أن عليا نازع العباس الى أبي بكر في تركه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال هشام : نعم. قال : فأيهما الظالم لصاحبه.

قال هشام : فقلت له : لم يكن فيهما ظالم. قال : أفيختصم اثنان في أمروهما جميعا محقان؟ قال هشام : نعم اختصم الملكان الى داود ، وليس فيهما ظالم ، وانما أرادا أن ينبها داود على الخطيئة ويعرفاه الحكم. كذلك علي عليه‌السلام والعباس تحاكما الى أبي بكر ليعرفاه ظلمه وينبهاه على خطئه ، فلم يحر المتكلم جوابا واستحسن الرشيد ذلك.

٢٣٣

وآله مما أوجب حق عليعليه‌السلام ثم يدفع ذلك ولا ناظر فيه ، ولم يكن اكثر من أن تبسم وأخذ بيد عليعليه‌السلام ثم قاما.

وكان العباس يرغب في العطاء وأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أتى بمال ، وأمر به فصبّ بناحية المسجد ، وخرج الى الصلاة ، فمرّ عليه ، فما التفت إليه. [ ولما ] انفتل من الصلاة قام إليه العباس ، فقال : يا رسول الله قد جاء هذا وأنا في عيال وعليّ دين ، فمر لي منه بما تراه.

فقال لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خذ منه ما يكفيك. فجاء الى المال وبسط رداءه ، وأخذ شيئا كثيرا ، فذهب لينهض به ، فلم يستطع ، فنقص منه مرارا حتى نهض بما أخذ ، ومضى ، فأتبعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببصره ، ولم يقل له شيئا.

وفرض عمر العطاء الى ناس ، ففرض لكل رجل من أهل بدر أربعة آلاف ، وفرض للعباس اثنا عشر ألفا.

ولما كان عام الرماد [ ة ](١) واشتدّ القحط ، فخرج بالناس واستسقى لهم ، فلما أن قام ليستسقي أخذ بيد العباس ، فقال : اللهمّ هذا كبيرنا وسيدنا وعمّ نبينا ، نتوجه إليك ، فاسقنا ، فسقوا(٢) .

وتوفي العباس وهو ابن تسع وثمانين سنة(٣) وصلّى عليه عثمان بن عفان ، وأنزله في قبره ابنه عبد الله(٤) .

__________________

(١) وهو عام جدب وقحط وقع على عهد عمر سمي ذلك من رمده أو أرمده إذا هلكه وصيره كالرماد. وأرمد إذا هلك بالرمدة ، والرمادة الهلاك. وقيل سمي بذلك لان الجدب صير ألوانهم كلون الرماد.

(٢) قال الطبري في الذخائر ص ١٩٩ : أخرجه إبراهيم بن عبد الصمد ، عن عبد الله بن عمر ، قال : استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس. وقال : اللهمّ هذا عمّ نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نتوجه به إليك فاسقنا. قال : فما برحوا حتى سقاهم الله تعالى.

(٣) عن عمر يناهز ثمان وثمانين سنة ( ذخائر العقبى ص ٢٠٧ ، الدرجات الرفيعة ص ٩٦ ، الكامل ٣ / ١٣٦ ).

(٤) دفن في البقيع ودخل قبره ابنه عبد الله بن العباس ( الاستيعاب ١ / ١٠٠ ، المدخل لابن الحاج

٢٣٤

[ نعود الى ذكر أولاد أبي طالب ]

[ طالب بن أبي طالب ]

وأما طالب بن أبي طالب(١) فهو الذي يقول في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الأبيات :

وقد حلّ مجد بني هاشم

فكان النعامة(٢) والزهرة

ومحض بني هاشم أحمد

رسول المليك على فترة

عظيم المكارم نور البلاد

حريّ الفؤاد صدى الزبرة

كريم المشاهد سمح البنان

اذا ضنّ ذو الجود والقدرة

عفيف تقيّ نقيّ الردا

طهر السراويل والازرة

جواد رفيع على المعتقين

وزين الاقارب والاسرة

واشوس كالليث لم ينهه

لدى الحرب زجرة ذى الزجرة

وكم من صريع له قد ثوى

طويل التأوّه والزفرة

[ ضبط الغريب ]

[ قوله ] مجد بني هاشم. المجد : نبل الشرف ، يقال منه : مجد الرجال ، ومجد

__________________

١ / ٢٦٥ ، وفاء الوفاء ٢ / ١٠٥ ).

(١) قال في العمدة : هو اكبر أولاد أبي طالب وبه يكنى وهو أسن من أخيه علي بثلاثين سنة وان قريشا أكرهته على الخروج معها في بدر. ونقل الكليني رواية عن الصادقعليه‌السلام بأنه أسلم. وهو الذي ذكر الابيات في مدح الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتي ذكرها المؤلف ( راجع عمدة الطالب ص ٢٠ الدرجات الرفيعة ص ٦٢ ).

وقال الطبرى في الذخائر ص ٢٤٩ : إنه مات كافرا.

(٢) وفي نسخة ز : النعائم.

٢٣٥

العباس. وأمجده : كرم فعاله. والله عزّ وجلّ هو المجيد ، بمجيد فعاله. ومجده خلقه لعظمته.

والمحض : الخالص من كل شيء الذي لا يشوبه غيره. ويقال منه : رجل ممحوض الضريبة(١) : أي مخلّص. وفضته [ محضة ] : إذا لم يخالطها شيء.

والفترة : أصلها السكون. يقال لكل ما بين رسولين من الزمان فترة. و [ الضن ](٢) : الشح. قال الله تعالى :( وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) (٣) .

وقوله : نقيّ الردى : أي ما ارتدي به وهو الثوب الواسع غير المخيط. والسروال : ما ليس من الثياب.

الازرة : ما اتّزر به. وأراد بطهارة ذلك ونقائه البراءة من العيوب والدنس(٤) ، والعرب تضرب ذلك مثلا للسلامة من العيوب ، قال الله عزّ وجلّ :

( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (٥) . والمعتقون : الطالبون. والاشوس : الذي يعرف الغضب في نظره يقال عنه : رجل أشوس وامرأة شوساء. والزجر : يقال زجرت البعير حتى مضى وزجرت عامل سوء عن عمله فازدجر أي نهيته فانتهى ، وهي في الابل وأشباهها الحث على السير ، وفي الناس النهي والمنع. والتأوّه والتوجع : إذا قال المتوجع آه فقد تأوه.

والزفرة : من الزفر ، والزفر والزفير الواحدة من فعل ذلك وهو أن يملأ الرجل

__________________

(١) قال الشاعر :

تجد قوما ذوي حسب وحال

كراما حيثما حسبوا محاضا

( لسان العرب ٧ / ٢٢٧ )

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : الظن.

(٣) التكوير : ٢٤.

(٤) قال عدي بن زيد :

أجل إن الله قد فضلكم

فوق من أحكأ صلبا بازار

( لسان العرب ٤ / ١٧ )

(٥) المدثر : ٤.

٢٣٦

صدره غما ثم يتأوه به فهو في الزفير(١) والواحدة منه زفرة ، قال الله عزّ وجلّ حكاية عن أهل النار : «ولَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ) (٢) ، والزفير ما ذكرناه.

والشهيق : مذ النفس بالزفير. وذلك أن يرمي بنفسه حتى يخرجه من صدره.

[ نعود الى ذكر طالب ]

ولمّا نفر أهل مكة الى بدر تخلف عنهم بنو هاشم ، فأكرهوهم على الخروج ، وبذلك قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمسلمين يوم بدر : من قدرتم أن تأسروه من بني هاشم فلا تقتلوه ، فانهم انما خرجوا كرها. ففي ذلك طالب بن أبي طالب(٣) يقول هذه الابيات :

يا ربّ إمّا خرجوا بطالب

في مقنب عن هذه المقانب

فاجعلهم المغلوب غير الغالب

وارددهم المسلوب غير سالب(٤)

قوله : المقنب : زهاء ثلاثمائة فارس(٥) .

[ عقيل بن أبي طالب ]

وأما عقيل بن أبي طالب(٦) فكان أحبّ ولد أبي طالب إليه.

__________________

(١) قال الشاعر : ( فتستريح النفس من زفراتها ) لسان العرب ٤ / ٣٢٥.

(٢) هود : ١٠٦.

(٣) وكان طالب مع العباس يوم بدر فلم يعرف خبره ( المناقب ٢ / ١٨٠ ).

(٤) وقد ذكر في عمدة الطالب ص ١٥ هذا البيت هكذا :

فليكن المطلوب غير طالب

والرجل المغلوب غير الغالب

(٥) لسان العرب ١ / ٦٩١.

(٦) وكان علي بن الحسينعليه‌السلام يعطف على آل عقيل ويقدمهم على غيرهم من آل جعفر. فقيل له في ذلك ، قال : اني لأذكر يومهم مع أبي عبد الله الحسين فأرق لهم ( كامل الزيارة لابن قولويه ص ١٠٧ بحار الانوار ١١ / ١٢٣ ط قديم ) وقد ذكر المؤلف من ولد عقيل الذين استشهدوا مع الحسينعليه‌السلام في كربلاء ثلاثة وهم :

٢٣٧

وأسلم عليا الى رسول الله ، وجعفرا الى العباس ليربياهما كما كانت أشراف العرب تفعل ذلك بأبنائها ، وتمسك بعقيل ، وقال : إذا بقى لي عقيل

__________________

١ ـ عبد الرحمن بن عقيل.

٢ ـ عبد الله بن عقيل.

٣ ـ عبد الله بن مسلم بن عقيل.

ولم يذكر غيرهم ، ونحن نذكر من وقفنا عليه حسب ما ذكره المؤرخون :

١ ـ مسلم بن عقيل : وهو سفير الحسين عليه‌السلام لأهل الكوفة. واستشهد فيها قبل ورود الحسين عليه‌السلام الى كربلاء.

٢ ـ محمد بن عقيل : ولم يذكره سوى الخوارزمي في مقتله ٢ / ٤٨ وذكره المؤلف في جملة الأسرى.

٣ ـ جعفر بن عقيل : وأمه الخوصاء بنت عمرو العامري. دخل المعركة فجالد القوم يضرب فيهم بسيفه قدما ، وهو يقول :

أنا الغلام الابطحي الطالبي

من معشر في هاشم من غالب

ونحن حقا سادة الذوائب

هذا حسين أطيب الاطائب

قتله : بشر بن حوط قاتل أخيه عبد الرحمن ( ابصار العين ص ٥٣ ، الكامل ٤ / ٩٢. مقاتل الطالبيين ص ٨٧ ) وقيل : قتله عروة بن عبد الله الخثعمي.

٤ ـ محمد بن مسلم بن عقيل : أمه أمّ ولد. قال أبو جعفر عليه‌السلام : حمل بنو أبي طالب بعد قتل عبد الله حملة واحده ، فصاح بهم الحسين عليه‌السلام : صبرا على الموت يا بني عمومتي. فوقع فيهم محمد بن مسلم ، قتله أبو مرهم الازدي ولقيط بن إياس الجهني ( ابصار العين ص ٥٠ ، المقاتل ص ٨٧ ، الخوارزمي ٢ / ٤٧ ).

٥ ـ محمد بن أبي سعيد بن عقيل : أمه أمّ ولد. قال حميد بن مسلم الازدي : لما صرع الحسين عليه‌السلام خرج غلام مذعورا يلتفت يمينا وشمالا فشدّ عليه فارس فضربه ، فسألت عن الغلام ، قيل : محمد بن أبي سفيان. وعن الفارس : لقيط بن إياس الجهني. وقال هشام الكلبي حدث هاني بن ثبيت الحضرمي ، قال : كنت ممن شهد قتل الحسين عليه‌السلام فو الله اني لواقف عاشر عشرة ليس منا رجل إلا على فرس ، وقد حالت الخيل وتضعضعت إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الابنية عليه ازار وقميص وهو مذعور يتلفت يمينا وشمالا ، فكأني انظر الى درتين في اذنيه يتذبذبان كلما التفت ، إذ أقبل رجل يركض حتى إذا دنا منه مال عن فرسه ، ثم اقتصد الغلام فقطعه بالسيف.

قال هشام الكلبي : إن هاني بن ثبيت الحضرمي هو صاحب الغلام عن نفسه استحياء وخوفا. ( ابصار العين ص ٥١ ، الخوارزمي ٢ / ٤٧ ، الكامل ٤ / ٩٢ ).

٦ ـ جعفر بن محمد بن عقيل : ذكره الخوارزمي في مقتله ٢ / ٤٧.

٢٣٨

فلا ابالي ، وكان ذلك من صنع الله عزّ وجلّ لعليعليه‌السلام ، فان كان عند رسول الله فمن الله عليه بالسبق الى الاسلام.

[١١٤٦] وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعقيل : اني لاحبك يا عقيل حبّين ، حبّ لك وحبّ لحبّ أبي طالب إياك.

[ في ليلة بدر ]

[١١٤٧] عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال : لما أن كانت ليلة بدر ، أصابنا وعك من حمى ، وشيء من مطر ، وافترق الناس يستترون تحت الشجر فنظرت إليهم من الليل ، ( فلم أر أحدا غير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(١) ، فلم يزل قائما يصلّي والناس نيام حتى انفجر الصبح ، فصاح : الصلاة عباد الله ، فأقبل الناس إليه من تحت الشجر(٢) . فصلّى بهم. فلما انتقل أقبل عليهم فذكر فضل الجهاد ورغبهم فيه ، ثم قال لهم : إن بني المطلب قوم اخرجوا كرها ولم يريدوا قتالكم ، فمن لقي منكم أحدا فلا يقتله إن قدر عليه وليأسره ، وليأت به أسيرا.

قال : فلما انهزم القوم ، وقتل من قتل ، واسر من اسر منهم ، نظرت فاذا عقيل في الاسارى ، مشدودة يده الى عنقه بنسعة(٣) ، فصددت(٤) عنه ، فصاح بي : يا علي يا بن أم [ أما والله ] لقد رأيت مكاني ، ولكنك عمدا تصدّعني.

__________________

(١) ما بين القوسين من نسخة ز.

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : من الشجرة.

(٣) النسع ـ جمعها نسوع ـ : سير أو حبل عريض طويل تشدّ به الرحال.

(٤) وفي الاصل : فصدرت.

٢٣٩

قال عليعليه‌السلام : فلم اجبه بشيء ، وأتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، هل لك في أبي يزيد مشدودة يده بنسعة الى عنقه.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انطلق بنا إليه. فمضينا نمشي نحوه ، فلما رآنا قال : يا رسول الله إن كنتم قتلتم أبا جهل فقد ظفرتم ، والا فادركوه ما دام القوم يحدثان قرحتهم.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل قتله الله يا عقيل.

[١١٤٨] ودخل عقيل على امرأته فاطمة بنت [ الوليد بن ] عتبة بن ربيعة ، لما انصرف من قتال المشركين يوم هوازن وسيفه متلطخ بالدم. فقالت له : قد عرفت إنك قد قاتلت ولكن ما الذي جئتنا به من الغنائم.

فأخرج إليها ابرة ، وقال : هذه ما أصبت فدونكها ، فخيطي بها ثيابك. فأخذتها.

ثم سمع منادي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من أصاب من الغنائم شيئا فليأت به ولو كانت ابرة ، ارددوا الخياط والمخيط فان الغلول في النار. فرجع إليها ، وقال لها : ما ارى إبرتك إلا فاتتك. فأخذها ، ومضى بها مع ما جاء به فوضعه في المغنم ، وجاء فيما جاء به بفصّ من جواهر أحمر ، وجارية. فنظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى الفص ، فأعجبه فقال : لو لا التملك يعني لنحميه ، ونقله والجارية عقيلا(١) .

[ ضبط الغريب ]

الخياط : ما خيط به ، والمخيط وما قد خيط به من الثياب وغيرها.

__________________

(١) كذا في الاصل.

٢٤٠

ومال عقيل بعد ذلك الى حبّ المال والكسب لما رأى الناس قد مالوا الى ذلك.

وأتى علياعليه‌السلام وهو في الكوفة. فقال له : اعطني من المال ما اتسع فيه كما اتسع الناس(١) .

فعرض عليه ما عنده ، فلم يقبضه.

وقال : اعطني ما في يديك من مال المسلمين.

فقال له : أما هذا فما إليه من سبيل ، ولكني أكتب لك الى مالي [ بينبع ] فنأخذ منه.

قال : ما يرضيني من ذلك شيئا وسأذهب الى رجل يعطيني(٢) .

[١١٤٩] فأتى معاوية ، فسرّ معاوية بقدومه عليه ، وجمع وجوه أهل الشام ، وأحضره. وقال لهم : هذا أبو يزيد عقيل بن أبي طالب قد اختارنا على أخيه علي ورآنا خيرا له منه.

فقال له عقيل : هو كذلك يا معاوية إن فينا اللين في غير ضعف ، وعزة في غير صلف ، وأنتم بني أميّة فلينكم غدر ، وعزكم كبر.

__________________

(١) والى هذا المعنى يشيرعليه‌السلام في كلامه : ( والله لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعا ، ورأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم ، وعاودني مؤكدا. وكرر عليّ القول مرددا ، فأصغيت إليه سمعي ، فظن أني ابيعه ديني ، وأتبع قياده مفارقا طريقتي ، فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها ، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها ، وكاد أن يحترق من ميسمها. فقلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل ، أتئن من حديدة أحماها انسانها للعبه وتجرّني الى نار سجّرها جبارها لغضبه ، أتئن من الاذى ولا أإن من لظى ( شرح ابن أبي الحديد ١١ / ٢٤٥ ).

(٢) أخرجه البغوي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن عقيلا جاء الى عليعليه‌السلام بالعراق ، فسأله ، فقالعليه‌السلام : أحببت أن أكتب لك الى مالي بينبع ، فاعطينك منه. فقال عقيل : لأذهبن الى رجل هو أوصل لي منك. فذهب الى معاوية ( ذخائر العقبى ص ٢٢٢ ).

قال ابن أبي الحديد : أن عقيل ذكر قصة الحديدة لمعاوية ، فجعل معاوية يتعجب ويقول : هيهات هيهات عقمت النساء أن يلدن مثله [ أي مثل علي عليه‌السلام ].

٢٤١

ثم نظر الى معاوية وتصفح وجوه من حوله ، وضحك.

فقال معاوية : ما أضحكك يا أبا يزيد ، أمنا ضحكت أم من علي؟

فقال : ضحكت والله بما قسم الله لعلي. اني كنت في مجلسه ، فنظرت الى من فيه ، فلم أر غير المهاجرين والانصار ونظرت الى من في مجلسك ، فلم أر غير الطلقاء وبقايا الاحزاب.

فقال معاوية لأهل الشام : ألا تعجبون من رجل يقول هذا القول وأنتم تقرءون قول الله عزّ وجلّ :( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ. ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ. سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ ) (١) وهو عمّ علي(٢) .

وأقبل على عقيل ، فقال له : يا أبا يزيد أين ترى عمك أبا لهب الآن من النار ، وما هو الآن صانع فيها؟

فأقبل [ عقيل ] على أهل الشام ، فقال : ألا تعجبون من معاوية يقول مثل هذا القول ، وأنتم تقرءون :( وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) (٣) وهي عمة معاوية.

ثم أقبل على معاوية ، فقال : إذا شئت أن تعلم أين أبو لهب من النار ، فأنت تراه فيها إذا دخلتها مفترشا عمتك حمالة الحطب ، فتعلم

__________________

(١) المسد : ١ ـ ٣.

(٢) والى هذا يشير أمير المؤمنينعليه‌السلام في قوله :

أبا لهب تبّت يدا أبا لهب

وصخرة بنت الحرب حمالة الحطب

خذلت نبي الله قاطع رحمه

فكنت كمن باع السلامة بالعطب

لخوف أبي جهل فأصبحت تابعا

له كذلك الرأس يتبعه الذنب

( الكنى والألقاب ١ / ١٤٣ ط صيدا ١٣٣٧ ه‍ )

(٣) المسد : ٤ و ٥.

٢٤٢

حينئذ أن الراكب أفضل من المركوب.

فندم معاوية على اعتراضه ، قال : ما كل هذا أردنا يا أبا يزيد ، وإنما أردنا أن نمازحك ونبسطك.

قال عقيل : وكذلك أيضا أردت أن نبسطك ونمازحك.

قال معاوية : ونحن يا أبا يزيد بعد هذه نفعل بك ما لم يفعله علي بك. فقد انتهى إليّ أنك سألته فمنعك ، ونحن نعطيك دون أن تسألنا. ـ أراد بذلك أن يرضيه ليلين في القول معه ـ

فقال : نعم ، فقد سألت عليا فبذل لي ماله ، فلم يرضني ، وسألته دينه ، فمنعني. وأنت تسمح بما يمنعه عليّ وتبخل بما بذله.

فسكت معاوية. فلما انصرف أهل الشام عنه ، فدعا بمال كثير فأعطاه عقيلا. وقال : يا أبا يزيد قد كنا نحبّ مقامك عندنا ، فأما بعد ما لقيناه منك ، فانصرف الى مكانك.

فقال عقيل : والله اني لأرغب في ذلك منك ، وما كثرة عطائك إياي وقلّته عندي سواء ، وان فضل ما بيننا عندي ليسير ، وما كنت من يسمح لك بعرضه ونقصه طمعا فيما يناله منك.

وانصرف.

[ عقيل يسقي الحجيج ]

[١١٥٠] وروى عطاء بن أبي رياح ، أنه قال : رأيت عقيل بن أبي طالب ينزع بغرب(١) على بئر زمزم ، وعليها غروب كثيرة يسقي الحجيج ومعه رجال من قومه وما معهم أحد من مواليهم ، وأن أسافل قميصهم لمبتلة بالماء ينزعون من قبل الحج في أيام منى ، وبعد الحج يبتغون بذلك

__________________

(١) كذا في الأصل.

٢٤٣

الأجر لا يكلونه الى عبد لهم ولا مولى.

وفي علي وعقيل يقول [ جعدة ] بن هبيرة المخزومي(١) هذا البيت :

أنا من بني مخزوم(٢) ان كنت سائلا

ومن هاشم أمي لخير قبيل

فمن ذا الذي ينوء عليّ بخاله

وخالي علي ذو الندا وعقيل

[ ضبط الغريب ]

ينوء : يقوم. أي يقوم بفخر خاله. يقال ناء : إذا نهض فتثاقل ، وناء اذا مال للسقوط.

قال أبو إسحاق : كان عقيل بن أبي طالب من أنسب الناس ، وكان يقول معد : يكنى : ابا فضاعة.

[ عبد الله بن عباس ]

وأما عبد الله بن عباس ، فكان من خاصة أولياء أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وأهل محبته ، وكان خصيصا به ، مائلا إليه يتولاه ، ويبرأ من أعدائه ، ويشهد [ معه ] حروبه ، وكان على ولايته الى أن مات بالطائف ، وقد كفّ بصره سنة ثمان وستين ، وهو ابن اثنين وسبعين سنة.

وقد تقدم من ذكر ولايته لعليعليه‌السلام ، وقوله فيه كثير من ذكر فضائل عليعليه‌السلام ، وعلى ذلك كان العباس وولده كلهم من الولاية لعلي عليه

__________________

(١) وجعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عابد بن عمران بن مخزوم ، وأمه : أم هاني بنت أبي طالب. شهد مع عليعليه‌السلام صفين وأبلى بها بلاء حسنا. ولاه خاله أمير المؤمنينعليه‌السلام على خراسان قالوا : وكان فقيها. توفي في حكومة معاوية ( الدرجات الرفيعة ص ٤١٢ ، الاستيعاب ١ / ٢٤٠ ) ومن الملاحظ أنه كان في الاصل ونسخة ز : جعفر بدل جعدة وهو خطأ وقد صححناه.

(٢) ونقل في الاستيعاب لعبد ربه المتوفى ٤٦٣ ه‍ ١ / ٢٠٤ : أبي من مخزوم. وفي شرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ٧٩ : فمن ذا الذي ينائي.

٢٤٤

السلام ولولده من بعده ويعتقدون امامتهم بذلك يعرفون.

واذ قام من قام منهم ، وأظهروا السواد أو لباسه حزنا بزعمهم على الحسينعليه‌السلام ، وأظهروا القيام بثاره والدعوة الى الائمة من ولده ، فلما تمكنوا عادوا عليهم من العداوة والطلب والتوثب باضعاف ما كان من بني [ أميّة ] مثل ذلك إليهم ، فعادت ولايتهم اياه عداوة ، ومودتهم بغضا ، مما استأثروا بحقهم وتباعدوا مما توسلوا إليه بهم بعد الولاية والمودة وقرب القرابة(١) .

__________________

(١) أقول : لم يتعرض المؤلف الى من استشهد في ركب الحسينعليه‌السلام من أصحابه ، ولذا نذكر أسماءهم نقلا عن كتاب تسمية من قتل مع الحسينعليه‌السلام تأليف الفضل بن الزبير بن عمرو بن درهم الاسدي الكوفي من أصحاب الامامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

الشهداء من أصحاب الحسين :

١ ـ سليمان مولى الحسين بن علي عليه‌السلام قتله سليمان بن عوف الحضرمي.

٢ ـ منجح مولى الحسين بن علي عليه‌السلام قتله حسان بن بكر الحنظلي.

٣ ـ قارب الديلمي مولى الحسين بن علي عليه‌السلام .

٤ ـ الحارث بن نبهان مولى حمزة بن عبد المطلب.

٥ ـ عبد الله بن يقطر رضيع الحسين بن علي. بالكوفة رمي به من فوق القصر فتكسر ، فقام إليه عبد الملك بن عمير اللخمي ، فقتله واحتز رأسه.

وقتل من بني أسد بن خزيمة :

٦ ـ حبيب بن مظاهر ، قتله بديل بن صريم الغفقاني ، وكان يأخذ البيعة للحسين عليه‌السلام .

٧ ـ أنس بن الحارث ، وكانت له صحبة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨ ـ قيس بن مسهر الصيداوي.

٩ ـ سليمان بن ربيعة.

١٠ ـ مسلم بن عوسجة السعدي من بني سعد بن ثعلبة ، قتله مسلم بن عبد الله وعبيد الله بن أبي خشكارة.

وقتل من بني غفار بن مليل بن صمرة :

١١ و ١٢ ـ عبد الله وعبيد الله ابنا قيس بن أبي عروة.

١٣ ـ جون بن أحوى مولى لأبي ذر الغفاري.

٢٤٥

__________________

وقتل من بني تميم :

١٤ ـ الحر بن يزيد ، وكان قد لحق بالحسين بن علي بعد.

١٥ ـ شبيب بن عبد الله من بني نفيل بن دارم.

وقتل من بني تغلب :

١٦ و ١٧ ـ قاسط وكردوس ابنا زهير بن الحارث.

١٨ ـ كنانة بن عتيق.

١٩ ـ الضرغامة بن مالك.

وقتل من قيس بن ثعلبة :

٢٠ ـ جوين بن مالك.

٢١ ـ عمرو بن ضبيعة.

وقتل من عبد القيس من أهل البصرة :

٢٢ ـ يزيد بن قاسط.

٢٣ ـ عبد الله بن يزيد.

٢٤ ـ عبيد الله بن يزيد.

٢٥ ـ عامر بن مسلم.

٢٦ ـ سالم مولى عامر بن مسلم.

٢٧ ـ سيف بن مالك.

٢٨ ـ الأدهم بن أميّة.

وقتل من الأنصار :

٢٩ ـ عمرو بن قرظة.

٣٠ ـ عبد الرحمن بن عبد رب ، من بني سالم بن الخزرج ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام رباه وعلّمه القرآن.

٣١ ـ نعيم بن العجلان الأنصاري.

٣٢ ـ عمران بن كعب الانصاري.

٣٣ ـ سعد بن الحارث.

٣٤ ـ أبو الحتوف ابن الحارث.

وقتل من بني الحارث بن كعب :

٣٥ ـ الضباب بن عامر.

٢٤٦

__________________

وقتل من بني خثعم.

٣٦ ـ عبد الله بن بشر الاكلة.

٣٧ ـ سويد بن عمرو بن المطاع ، قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي.

٣٨ ـ بكر بن حي التيملي من بني تيم الله بن ثعلبة.

٣٩ ـ جابر بن الحجاج مولى عامر بن نهشل من بني تيم الله.

٤٠ ـ مسعود بن الحجاج.

٤١ ـ عبد الرحمن بن مسعود بن الحجاج.

وقتل من عبد الله :

٤٢ ـ مجمع بن عبد الله.

٤٣ ـ عائذ بن مجمع.

وقتل من طي :

٤٤ ـ عامر بن حسان بن شريح بن سعد بن حارثة بن لام.

٤٥ ـ أميّة بن سعد.

وقتل من مراد :

٤٦ ـ نافع بن هلال الجملي ، وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام .

٤٧ ـ جنادة بن الحارث السلماني.

٤٨ ـ واضح الرومي غلام جنادة بن الحارث.

وقتل من بني شيبان بن ثعلبة :

٤٩ ـ جبلة بن علي.

وقتل من بني حنيفة :

٥٠ ـ سعيد بن عبد الله.

وقتل من خولان :

٥١ ـ جندب بن حجير.

٥٢ ـ حجير بن جندب بن حجير.

وقتل من صيدا :

٥٣ ـ عمرو بن خالد الصيداوي.

٥٤ ـ سعد مولاه.

٢٤٧

__________________

وقتل من كلب :

٥٥ ـ عبد الله بن عمرو بن عياش بن عبد قيس.

٥٦ ـ أسلم مولى لهم.

وقتل من كندة :

٥٧ ـ الحارث بن امرؤ القيس.

٥٨ ـ يزيد بن زيد بن المهاصر.

٥٩ ـ زاهر صاحب عمرو بن الحمق ، وكان صاحبه حين طلبه معاوية.

وقتل من بجيلة :

٦٠ ـ كثير بن عبد الله الشعبي.

٦١ ـ مهاجر بن أوس.

٦٢ ـ سلمان بن مضارب ، ابن عمه.

٦٣ ـ النعمان بن عمرو.

٦٤ ـ الحلاس بن عمرو الراسبيان.

وقتل من خرقة جهينة :

٦٥ ـ مجمع بن زياد.

٦٦ ـ عباد بن أبي المهاجر الجهني.

٦٧ ـ عقبة بن الصلت.

وقتل من الازد :

٦٨ ـ مسلم بن كثير.

٦٩ ـ القاسم بن بشر.

٧٠ ـ زهير بن سليم.

٧١ ـ مولى لأهل شدة يدعى رافعا.

وقتل من همدان :

٧٢ ـ أبو ثمامة عمرو بن عبد الله الصائدي ، وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قتله قيس بن عبد الله.

٧٣ ـ يزيد بن عبد الله المشرقي.

٧٤ ـ حنظلة بن أسعد الشبامي.

٢٤٨

__________________

٧٥ ـ عبد الرحمن بن عبد الله الارحبي.

٧٦ ـ عمار بن سلامة الدالاني.

٧٧ ـ عابس بن أبي شبيب الشاكري.

٧٨ ـ شوذب مولى شاكر.

٧٩ ـ سيف بن الحارث بن سريح.

٨٠ ـ مالك بن عبد الله بن سريح.

٨١ ـ همام بن سلمة القانصي.

٨٢ ـ سوار بن حمير الجابري ، مات لستة أشهر عن جراحته.

٨٣ ـ عمرو بن عبد الله الجندعي ، مات من جراحة كانت به على رأس سنة.

٨٤ ـ هانئ بن عروة المرادي بالكوفة ، قتله عبيد الله بن زياد.

٨٥ ـ بشير بن عمر.

٨٦ ـ الهفهاف بن المهند الراسبي من البصرة ، حين سمع بخروج الحسين عليه‌السلام ، فسار حتى انتهى الى العسكر بعد قتله فدخل عسكر عمرو بن سعد ثم انتضى سيفه وشد فيهم. [ وكان آخر من استشهد مع الحسين عليه‌السلام في أرض الطف ].

٢٤٩

( ذكر فضائل الائمة من ولد الحسين بن علي عليه السلام )

( ذكر فضل علي بن الحسين عليهما السلام )

وكان علي بن الحسينعليه‌السلام أعبد أهل زمانه وأفضلهم ، يشهد له بذلك الخاص والعام وكان يدعى سيد العابدين.

[ السجاد وواقعة الطف ]

وكان مع أبيه الحسينعليه‌السلام يوم الطف ، وهو وصيه. وقد ولد له : محمد بن علي وهو يومئذ في جملة العيال ، وكان علي بن الحسينعليه‌السلام يومئذ عليلا دنفا ( ثقيل العلة ، شديدها )(١) ، فلم يستطع القتال ، وكان مع النساء يمرضنه.

وقتل علي الاصغر أخوه ، فلما أن قتلوا عن آخرهم حملوه مع جملة النساء والصبيان فرآه رجل من أهل الشام على ما هو عليه من العلة ، فرقّ له ، فأخذه إليه ، وقال علي بن الحسينعليه‌السلام : فكان يمرضني ويرفق بي ويبكي إذا رأى ما بي من الضعف والعلة ، وأسلمني النساء خوفا عليّ وظنوا به خيرا ، وأنه يسترني ، فلما أن صرنا الى الكوفة ذكر خبري لعبيد الله(٢) بن زياد ، فطلبني ،

__________________

(١) لسان العرب ٩ / ١٠٧.

(٢) وفي الاصل : عبد الله.

٢٥٠

فلم يجدني ، فسمعت النداء على أنه من وجد علي بن الحسين وجاء به فله ثلاثمائة درهم ، فدخل الرجل إليّ وأنا في منزله ، فقال : يا ابن بنت رسول الله قد تسمع النداء ، وأنا أخاف على نفسي إن كتمت أمرك ، وأخذ بيدي فشدها الى عنقي ، وأخرجني الى عبيد الله بن زياد ، وأخذ منه ثلاثمائة درهم [ وأنا انظر إليها ](١) .

ولما أن رآه اللعين عبيد الله بن زياد(٢) ، قال : أنت علي بن الحسين.

قال لهعليه‌السلام : نعم.

قال : أولم يقتل الله علي بن الحسين؟

قال علي بن الحسينعليه‌السلام : كان لي [ أخ ] يسمى عليا ، فقتله الناس(٣) .

قال عبيد الله : إن الله قتله.

قال عليعليه‌السلام :( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) (٤) .

فأمر عبيد الله اللعين ليقتل. فصاحت زينب بنت علي : حسبك من دمائنا ، أناشدك الله إن عزمت على قتله إلا قتلتني قبله.

__________________

(١) طبقات ابن سعد : مخطوط.

(٢) ولد سنة ٣٩ ه‍ وأبوه زياد بن سمية ، وهو ابن لعبيد الرومي لكن معاوية ألحقه بأبيه وكان يعرف بزياد ابن أبيه. وأم زياد : مرجانة ، وكانت مجوسية ، وقد اشتهرت بالبغي وقد فارقها زياد فتزوج بها شيرويه ، وكان كافرا ، ونشأ منذ طفولته عند زوج أمه ، ولما ترعرع اخذه أبوه ، وقد قال عبيد الله في احدى خطبه : أنا ابن زياد اشبهته من بين وطء الحصى ولم ينزعن فيه خال ولا ابن عم. قتله إبراهيم بن الاشتر قائد جيش المختار سنة ٦٧ ه‍ في خازر من أرض الموصل ( البداية والنهاية ٨ / ٢٨٤ ، عيون الاخبار ١ / ٢٩٩ ).

(٣) قال ابن الاثير في تاريخه ٣ / ٢٧ : قالعليه‌السلام : كان لي أخ يسمى عليا قتلتموه ، وان له منكم مطالبا يوم القيامة ( الحدائق الوردية ١ / ١٢٨ ).

(٤) الزمر : ٤٢.

٢٥١

وقال له بعض من حضره : هو على ما ترى من العلة ، وما أراه إلا ميتا عن قريب.

فتركه ، وصار مع جملة الحرم الى يزيد اللعين(١) فلما أن صاروا بين يديه قام رجل من الشام ، فقال : يا أمير المؤمنين نساؤهم لنا حلال.

فقال عليعليه‌السلام : كذبت إلا أن تخرج من ملة الاسلام ، فتستحل ذلك بغيرها.

فأطرق يزيد ، ولم يقل في ذلك شيئا.

ولما بلغ من النداء على رأس الحسينعليه‌السلام (٢) والاستهانة [ بحرمه ]

__________________

(١) وهو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، ولد بالماطرون سنة ٢٥ ه‍ ثاني ملوك الدولة الاموية ، تولى الخلافة بعد وفاة أبيه سنة ٦٠ ه‍ وكان نزوعا الى اللهو ، ويروى له شعر رقيق ، وهو من أشقى الخلفاء توفي بحوارين من أرض حمص سنة ٦٤ ه‍ ( تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢١٥ ، تاريخ ابن الاثير ٤ / ٤٩ ).

(٢) وهو يترنم بهذه الأبيات :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل

لأهلّوا واستهلّوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم

و عدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

( اعلام النساء ١ / ٥٠٤ ، البداية والنهاية ٨ / ١٩٢ ) وذلك في محضر العقيلة ، والتي ردت عليه بخطبتها المشهورة منها : وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنان ، والاحن والاضغان. ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم :

لأهلّوا واستهلّوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

منحنيا على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكثها بمخصرتك ، وكيف لا تقول ذلك؟ وقد نكأت القرحة واستأصلت الشأفة باراقتك دماء ذرية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونجوم الأرض من آل عبد المطلب ، وتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم ، فلتردن وشيكا موردهم ، ولتودن إنك شللت وبكمت ، ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت.

اللهمّ خذ لنا بحقنا وانتقم ممن ظلمنا ، وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا ( بلاغات النساء لاحمد بن أبي طاهر ص ٢١ ، الخوارزمي في مقتله ٢ / ٦٤ ، السيدة زينب وأخبار الزينبيات للعبيدي

٢٥٢

ونساء من قتل معه من أهل بيته ما أراده ، وعليعليه‌السلام على حاله من العلة. وما أراده الله تعالى من سلامته ، وأن لا تنقطع الامامة بانقطاعه. فسرحهم يزيد اللعين ، وانصرف الى المدينة.

[ عبادته ]

وهو امام الائمة ، وأبو الائمة ومنه تناسل ولد الحسينعليه‌السلام كلهم.

__________________

ص ٨٦ ، اللهوف ص ٧٩ ط ١٣٦٩ ه‍ ).

قال ابن تيمية المتوفى سنة ٧٢٨ ه‍ في رسالته ( سؤال في يزيد بن معاوية ) التي كتبها بعد قرون من واقعة الطف الرهيبة منتصرا ليزيد منكرا كونه المردد لشعر ابن الزبعري : ليت اشياخي ببدر شهدوا ص ١٤. وقال في ص ١٥ : إنه [ يزيد ] قتل الحسين تشفيا ، وأخذ بثار أقاربه من الكفار فهو أيضا كاذب مفتر. وقال أيضا في ص ١٧ : ومع هذا فيزيد لم يأمر بقتل الحسين ولا حمل رأسه الى بين يديه ، ولا نكث بالقضيب على ثناياه.

قال الغزالى : وقد زعمت طائفة أن يزيد بن معاوية لم يرض بقتل الحسين وادعوا أن قتله وقع خطأ.

وكيف يكون هذا وحال الحسين لا يحتمل الغلط لما جرى من قتاله ومكاتبة يزيد الى ابن زياد به ، وحثه على قتله ومنعه من الماء. وقتله عطشانا ، وحمل رأسه وأهله سبايا عرايا على اقتاب الجمال إليه ، وقرع ثناياه بالقضيب ، ولما دخل علي بن الحسين عليه‌السلام على يزيد قال : أنت ابن الذي قتله الله. فقال :

أنا علي ابن من قتلته. ثم قرأ ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) ( تذكرة الخواص ص ٦٢ ).

ولما وفد مسلم بن زياد على يزيد بجله وكرمه تقديرا لأخيه عبيد الله بن زياد ، وقال له : لقد وجبت مودتكم ومحبتكم على آل أبي سفيان وولاه خراسان ( ينابيع المودة ١ / ١٤٩ ، الصراط السوي في مناقب آل النبي ص ٨٥ ، الفتوح ٥ / ٢٥٤ ).

وكتب إليه يزيد بعد مقتل الحسين عليه‌السلام : أفد عليّ لاجازيك على ما فعلت. ولما جاء استقبله يزيد ، وقبّل ما بين عينيه وأجلسه على سرير ملكه ، وقال للمغني : غن ، وللساقي : اسق. ثم قال :

اسقني شربة أروي فؤادي

ثم صل فاسق مثلها ابن زياد

موضع السرّ والامانة عندي

وعلى ثغر مغنمي وجهادي

وأوصله ألف ألف درهم ، ومثلها لعمر بن سعد ، وأطلق له خراج العراق سنة ( مرآة الزمان في تواريخ الاعيان ص ١٠٦ ).

٢٥٣

وليس للحسينعليه‌السلام عقب إلا منه. ولزم الخمول(١) للتقية والعبادة.

[١١٥١] وكان يقال له : ذو الثفنات لأنه كان بموضع السجود منه ( ثفنات كثفنات البعير ) ، وهي مباركه التي يبرك عليها من يديه ورجليه ـ لانه كان من علي بن الحسين في مواضع السجود مثل ذلك لادمانه اياه. ولانه كان يصلّي في كل يوم وليلة ألف ركعة(٢) ، وكان ربما سقط من ذلك شيء فجمع ، فلما أن مات وغسّل جعل معه في اكفانه.

[١١٥٢] ولمّا أن جرد ليغسّل وجدوا على عاتقه حبلا قد أثر مثل ذلك فسألوا عنه ابنه محمدعليه‌السلام ، فقال : والله ما علم بهذا غيري ، وما كان أطلعني عليه ، ولكني علمته من حيث لم يكن يعلم أني علمت به ، كان إذا جنّ الليل وهدأت العيون قام الى منزله ، فجمع كلما يبقى فيه من قوت أهله ، وجعله في جراب ، ورمى به على عاتقه ، وخرج ، فكنت أخرج في أثره مخافة عليه ، فأراه يقصد قوما في دورهم من أهل الفقر يفرق ذلك ، وهو متلثم لا يعرفونه ، وكنت كثيرا ما أجدهم قياما لا يعرفونه ، وكنت كثيرا ما أجدهم قياما على أبوابهم ينتظرون ، فاذا أقبل وأنا وراءه مستتر منه تباشروا. وقالوا : قد جاء صاحب الجراب ، فلا يزال كذلك يختلف حتى لا يكون في منزله

__________________

ولا أدري كيف يقول ابن تيمية ذلك الكلام رغم سعة اطلاعه كما يدعون إن لم يك متعمدا على التناسي وقلب الحقائق ، والله خير الحاكمين.

(١) من الصعب تسمية هذا الشكل من النضال بالخمول بل الاولى التعبير عنه بتغير اسلوب المواجهة مع الظالمين.

(٢) ولهذا يشير المؤلف في ارجوزته :

كانت له لغير معنى السمعة

في اليوم والليلة ألف ركعة

وأثر السجود في مساجده

فكان من ذلك في مشاهده

يدعوه من عمر البلادا

ذا الثفنات العابد السجّادا

( الارجوزة المختارة ص ١٨٦ )

٢٥٤

شيء ما يفضل من قوت أهله ، فهذا هو أثر ذلك الجراب.

[١١٥٣] وقيل : إنه كان في المدينة عدة بيوت يأتيهم قوتهم من علي بن الحسينعليه‌السلام ، ولا يدرون من حيث يأتيهم ذلك ، فما عرفوا ذلك حتى مات. فانقطع ذلك عنهم وعلموا أن ذلك كان من عنده.

وانما فعل ذلك لما جاء في الصدقة بالسرّ من الفضل(١) . وقيل : إن تلك البيوت [ حصيت ] فوجدت مائة بيت ، في كل بيت جماعة من الناس.

[ من دعائهعليه‌السلام ]

[١١٥٤] وكان علي بن الحسينعليه‌السلام يصوم النهار ويقوم الليل ، فاذا أرقدت كل عين دعا بدعاء(٢) وكان يدعو به كل ليلة يقول فيه :

إلهي غارت نجوم سماواتك ، ونامت عيون خلقك ، وهدأت أصوات عبادك ، وغلقت ملوك بني اميّة عليها أبوابها ، وطاف عليها حرّاسها ، واحتجبوا عمّن يسألهم حاجة أو يبتغي منهم فائدة ، وأنت إلهي حيّ قيّوم لا تأخذك سنة ولا نوم ، ولا يشغلك شيء عن شيء.

أبواب سماواتك لمن دعاك مفتّحات ، وخزائنك غير مغلّقات ورحمتك غير محجوبة ، وفوائدك لمن سلكها غير محظورات. أنت إلهي الكريم الّذي لا تردّ سائلا من المؤمنين سألك ، ولا تحتجب عن طالب منهم أرادك ، لا وعزّتك ما تختزل حوائجهم

__________________

(١) راجع الكافي ٤ / ٨ وبحار الانوار ٤٦ / ٨٩ و ١٠٠.

(٢) قال طاوس الفقيه : رأيته يطوف من العشاء الى السحر ويتعبد ، فلما لم ير أحدا رمق الى السماء بطرفه وقال : الهي غارت ( بحار الانوار ٤٦ / ٨١ ).

٢٥٥

دونك ، ولا يقضيها أحد غيرك.

اللهمّ وقد ترى وقوفي ، وذلّ مقامي [ و ] موقفي بين يديك ، وتعلم سريرتي ، وتطلع على ما في قلبي ، وما يصلحني لآخرتي ودنياي.

إلهي وترقب الموت ، وهول المطّلع ، والوقوف بين يديك نقصني مطعمي ومشربي ، وغصني بريقي ، وأقلقني عن وسادي ، وهجعني ومنعني من رقادي.

إلهي كيف ينام من يخاف وثبات ملك الموت في طوارق الليل وطوارق النهار.

ثم يبكي حتى ربما أيقظ أهله بكاؤه ، فيفزعون إليه ، فيجدونه قد ألصق خدّيه بالتراب وهو يقول : ربّ أسألك الراحة والروح والأمن والأمان.

[١١٥٥] وروي عن طاوس اليماني(١) ، أنه قال : حججت فدخلت الحجر ليلا ، فرأيت علي بن الحسينعليه‌السلام فيه قائما يصلّي ، فدنوت منه ، وقلت : رجل من الصالحين ، لعلّي أسمع منه نداء(٢) ، فأنتفع به ، فسمعته يقول في دعائه وهو ساجد : عبدك بفنائك ، مسكينك بفنائك ، فقيرك بفنائك ، سائلك بفنائك.

ثم يدعو بما يريد.

__________________

(١) وهو أبو عبد الرحمن ، طاوس بن كيسان اليماني الخولاني وأمه قادسية ، وأبوه من النمر بن قاسط ، ولد سنة ٣٣ ه‍ ، وقيل إن اسمه ذكوان ولقبه طاوس.

وهو من فقهاء العامة ، وقال العلاّمة النوري في المستدرك ٣ / ٣١٩ : لم يشك أحد في كونه عامي المذهب ، وقال المامقاني في تنقيح المقال ٢ / ١٠٧ : هو من زهاد العامة ، وعدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الامام السجاد عليه‌السلام ولعله لما روى ابن شهرآشوب عنه.

توفي حاجا بمكة قبل التروية سنة ١٠٦ وصلّى عليه هشام بن عبد الملك. ( تهذيب التهذيب ٥ / ٨ ).

(٢) وفي نسخة ز : دعاء.

٢٥٦

قال طاوس : فأخذتهنّ عنه ، فما دعوت بعد ذلك بهنّ في كرب إلا فرّج الله عليّ.

[١١٥٦] وقيل : إن سائلا يسأل في بعض سكك المدينة في جوف الليل.

فقال : أين الزاهدون في الدنيا ، الراغبون في الآخرة؟

فنودي من ناحية البقيع لا يعرف من ناداه ، ذلك علي بن الحسين.

[ حلمهعليه‌السلام ]

[١١٥٧] وقيل : إن [ الحسن بن الحسن ] بن علي وقف على [ علي ] بن الحسين ، فأسمعه ، [ وشتمه ] وعنده جماعة ، فسكتعليه‌السلام فلم يجبه ، فلما مضى قال لمن معه : قد سمعتم ما قال هذا الرجل؟

قالوا : سمعنا وساءنا ما سمعناه ولقد كنا نحبّ أن تقول.

فتلاعليه‌السلام :( وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (١) .

ثم قال : احبّ أن تقوموا معي الى [ منزله ] حتى تسمعوا ردّي عليه ، فانه لم ينبغ لي أن أردّ عليه في مجلسي.

فقام القوم معه ، [ وهم ] يرون أنه يستنصف منه. فلما أتى الى منزله استأذن عليه ، فخرج إليه ، وظنّ أنه إنما جاء ليتنصف منه ، فبدأه ، فواثبه بالكلام.

فقال : على رسلك يا أخي ، قد سمعت ما قلت في مجلسي ونحن في مجلسك ، فاسمع ما أقول لك : إن كان الذي قلت لي كما قلت فإنّي أسأل الله أن يغفر لي ، وإن لم يكن ذلك كما قلت فإنّي أسأل الله أن يغفر لك.

__________________

(١) آل عمران : ١٣٤.

٢٥٧

فاستحى الحسن ، وقام إليه وقبّل رأسه وما بين عينيه ، وقال : بل قلت لك والله ما ليس فيك ، واستغفره واعتذر إليه.

[١١٥٨] وروي عنهعليه‌السلام ، أنه كان إذا قام الى الصلاة تغير لونه ، وأصابته رعدة ، وحال أمره. وربما يسأله عن حاله من لا يعرف أمره في ذلك فيقول : إني اريد الوقوف بين يدي ملك عظيم.

[ السجاد والزهري ]

[١١٥٩] وقيل : إن الزهري(١) غارف ذنبا فخاف منه على نفسه ، فاستوحش من الناس ، وهام على وجهه ، فلقيه علي بن الحسينعليه‌السلام فقال له : يا زهري ، لقنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيء أعظم من الذنب الذي خشيت منه على نفسك.

فسكن الزهري الى قوله ، وقال : الله أعلم حيث يجعل رسالته. ثم وعظه علي بن الحسينعليه‌السلام بمواعظ ، وتلا عليه آيات [ من القرآن ] فيما قار به في التوبة(٢) والاستغفار. فتاب واستغفر ورجع الى أهله ، ولزم علي بن الحسينعليه‌السلام ، وكان يعدّ من أصحابه ، وكان يروي عنه ويحدث بفضله. وكذلك قال له بعض بني مروان : يا زهري ما فعل نبيك؟ ـ يعني علي بن الحسينعليه‌السلام ـ لما كان يرفع

__________________

(١) الزهري بالضم وسكون الهاء ، وهو محمد بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ولد سنة ٥٨ ه‍ ، وهو من فقهاء المدينة ومن التابعين وكان مع عبد الملك بن مروان ومع ابنه هشام ، واستقصاه يزيد بن عبد الملك ، وكان يبغض عليا وينال منه ، قال السيد ابن طاوس : إنه عدوّ منهم.

روى الزهري عن عائشة ، قالت : كنت عند النبي إذ أقبل العباس وعلي ، فقال : يا عائشة : إن سرك أن تنظري الى رجلين من أهل النار فانظري الى هذين قد طلعا ، فنظرت فاذا هما العباس وعلي بن أبي طالب ( شرح النهج ١ / ٣٥٥ ) وتوفي سنة ١٣٥ ه‍ ودفن في ضيعة خلف وادي القرى تسمى سغب. ( معجم البلدان ٥ / ٢٧٧ ).

(٢) وفي نسخة ز : التورية.

٢٥٨

به الزهري ويذكر من فضله.

[١١٦٠] وكان علي بن الحسينعليه‌السلام يقول : الحلم هو الذل(١) .

[١١٦١] وقيل : إن جارية له كانت قائمة عليه توضئه ، فسقط الإبريق من يدها على وجهه ؛ فشجه ؛ فنظر إليها ، فقالت : يا مولاي إن الله عزّ وجلّ يقول :( وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ ) .

قالعليه‌السلام : كظمت غيظي.

قالت : ويقول :( وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ ) .

قالعليه‌السلام : قد عفوت عنك.

__________________

(١) إن الحلم من الصفات الحميدة التي تزين الانسان وترفعه من التسرع في مواجهته للمشاكل بما لا يحسن عواقبه ، وتزيده رفعة وعلوا. وقد عدّ علماء الاخلاق أسبابا للحلم :

١ ـ الرحمة للجاهل : وهو من أكد أسباب الحلم.

٢ ـ الترفع عن السباب : وذلك من شرف النفس وعلو الهمة.

٣ ـ القدرة على الانتصار : وذلك من سعة الصدر ، وحسن الثقة.

٤ ـ الاستهانة بالمحلوم عنه ، وفيه قال عمر بن علي :

سكتّ عن السفيه فظن أني

عييت عن الجواب وما عييت

إذا نطق السفيه فلا تجبه

فأحسن من اجابته السكوت

٥ ـ الاستحياء من الجواب : وهذا من صيانة النفس وكمال المروءة.

٦ ـ التفضل على السباب : وهو في نهاية الكرم وعلو الهمة وحب التفضل والتألف.

٧ ـ استكفاف السباب وقطع الجواب : وهذا يكون من الحزم.

٨ ـ الوفاء ليد سالفه وحرمة لازمه : وهذا يكون من الوفاء وحسن العهد.

٩ ـ الخوف من العقوبة على الجواب : وهذا من ضعف النفس وربما اقتضاء الحزم.

١٠ ـ المكر وتوقع الفرص الخفية : وهذا من الدهاء.

١١ ـ قصد ايلامه وتزايد غضبه بالسكوت عنه.

فاذا عدم أحد هذه الاسباب كان ذلا لا حلما. والى هذا المعنى يشير الامام زين العابدين عليه‌السلام بقوله : الحلم هو الذل. فالحلم : هو ضبط النفس عن هيجان الغضب. فاذا فقد الغضب بعد سماع ما يغضب كان ذلك من ذل النفس ومهانتها وقلة الحمية وفقد الشجاعة والغيرة. قال الشاعر :

 ... أرى الحلم في بعض المواضع ذلة

وفي بعضها عزّا يسود فاعله

٢٥٩

قالت : يقول :( وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (١) .

قالعليه‌السلام : فأنت حرة لوجه الله.

[ الله أعلم حيث يجعل رسالته ]

[١١٦٢] وولّي هشام بن اسماعيل المخزومي(٢) المدينة ، فنال علي بن الحسينعليه‌السلام من الاذى والمكروه عظيما ، ثم عزله الوليد(٣) بعد ذلك وأمر أن يوقف للناس ، فلم يكن أخوف من أحد [ كخوفه ] من علي بن الحسينعليه‌السلام لما ناله منه أن يرفع ذلك عليه ويقول فيه ويشكره ، فلم يقل فيه شيئا ونهى خاصته وأهل بيته ، وكل من سمع له من القول فيه بسوء.

ثم أرسل إليه وهو واقف عند دار مروان : انظر ما أعجزك من مال تؤخذ به فعندنا ما يسعك ، وطب نفسا منا ، ومن كل من يطيعنا.

فنادى هشام ـ وهو قائم ـ بأعلى صوته : الله أعلم حيث يجعل رسالته.

[١١٦٣] ونادى علي بن الحسينعليه‌السلام يوما مملوكا له ، فلم يجبه وهو يسمعه ، فقال : يا بني اناديك فلا تجيبني أما تخاف أن اعاقبك؟

قال : لا والله ما أخافك وذلك الذي حملني على أن لم اجبك.

فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : الحمد الله الذي جعل مملوكي آمنا مني(٤) .

__________________

(١) آل عمران : ١٣٤.

(٢) وكان يؤذي علي بن الحسين ويشتم عليا على المنبر وينال منه. ( تذكرة الخواص ص ٣٢٨ ).

(٣) وهو الوليد بن عبد الملك.

(٤) وفي الارشاد ص ١٤٧ الحديث ١٧ : يأمنني.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597