شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٣

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار6%

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 597

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 597 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 207448 / تحميل: 7193
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ومال عقيل بعد ذلك الى حبّ المال والكسب لما رأى الناس قد مالوا الى ذلك.

وأتى علياعليه‌السلام وهو في الكوفة. فقال له : اعطني من المال ما اتسع فيه كما اتسع الناس(١) .

فعرض عليه ما عنده ، فلم يقبضه.

وقال : اعطني ما في يديك من مال المسلمين.

فقال له : أما هذا فما إليه من سبيل ، ولكني أكتب لك الى مالي [ بينبع ] فنأخذ منه.

قال : ما يرضيني من ذلك شيئا وسأذهب الى رجل يعطيني(٢) .

[١١٤٩] فأتى معاوية ، فسرّ معاوية بقدومه عليه ، وجمع وجوه أهل الشام ، وأحضره. وقال لهم : هذا أبو يزيد عقيل بن أبي طالب قد اختارنا على أخيه علي ورآنا خيرا له منه.

فقال له عقيل : هو كذلك يا معاوية إن فينا اللين في غير ضعف ، وعزة في غير صلف ، وأنتم بني أميّة فلينكم غدر ، وعزكم كبر.

__________________

(١) والى هذا المعنى يشيرعليه‌السلام في كلامه : ( والله لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعا ، ورأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم ، وعاودني مؤكدا. وكرر عليّ القول مرددا ، فأصغيت إليه سمعي ، فظن أني ابيعه ديني ، وأتبع قياده مفارقا طريقتي ، فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها ، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها ، وكاد أن يحترق من ميسمها. فقلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل ، أتئن من حديدة أحماها انسانها للعبه وتجرّني الى نار سجّرها جبارها لغضبه ، أتئن من الاذى ولا أإن من لظى ( شرح ابن أبي الحديد ١١ / ٢٤٥ ).

(٢) أخرجه البغوي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن عقيلا جاء الى عليعليه‌السلام بالعراق ، فسأله ، فقالعليه‌السلام : أحببت أن أكتب لك الى مالي بينبع ، فاعطينك منه. فقال عقيل : لأذهبن الى رجل هو أوصل لي منك. فذهب الى معاوية ( ذخائر العقبى ص ٢٢٢ ).

قال ابن أبي الحديد : أن عقيل ذكر قصة الحديدة لمعاوية ، فجعل معاوية يتعجب ويقول : هيهات هيهات عقمت النساء أن يلدن مثله [ أي مثل علي عليه‌السلام ].

٢٤١

ثم نظر الى معاوية وتصفح وجوه من حوله ، وضحك.

فقال معاوية : ما أضحكك يا أبا يزيد ، أمنا ضحكت أم من علي؟

فقال : ضحكت والله بما قسم الله لعلي. اني كنت في مجلسه ، فنظرت الى من فيه ، فلم أر غير المهاجرين والانصار ونظرت الى من في مجلسك ، فلم أر غير الطلقاء وبقايا الاحزاب.

فقال معاوية لأهل الشام : ألا تعجبون من رجل يقول هذا القول وأنتم تقرءون قول الله عزّ وجلّ :( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ. ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ. سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ ) (١) وهو عمّ علي(٢) .

وأقبل على عقيل ، فقال له : يا أبا يزيد أين ترى عمك أبا لهب الآن من النار ، وما هو الآن صانع فيها؟

فأقبل [ عقيل ] على أهل الشام ، فقال : ألا تعجبون من معاوية يقول مثل هذا القول ، وأنتم تقرءون :( وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) (٣) وهي عمة معاوية.

ثم أقبل على معاوية ، فقال : إذا شئت أن تعلم أين أبو لهب من النار ، فأنت تراه فيها إذا دخلتها مفترشا عمتك حمالة الحطب ، فتعلم

__________________

(١) المسد : ١ ـ ٣.

(٢) والى هذا يشير أمير المؤمنينعليه‌السلام في قوله :

أبا لهب تبّت يدا أبا لهب

وصخرة بنت الحرب حمالة الحطب

خذلت نبي الله قاطع رحمه

فكنت كمن باع السلامة بالعطب

لخوف أبي جهل فأصبحت تابعا

له كذلك الرأس يتبعه الذنب

( الكنى والألقاب ١ / ١٤٣ ط صيدا ١٣٣٧ ه‍ )

(٣) المسد : ٤ و ٥.

٢٤٢

حينئذ أن الراكب أفضل من المركوب.

فندم معاوية على اعتراضه ، قال : ما كل هذا أردنا يا أبا يزيد ، وإنما أردنا أن نمازحك ونبسطك.

قال عقيل : وكذلك أيضا أردت أن نبسطك ونمازحك.

قال معاوية : ونحن يا أبا يزيد بعد هذه نفعل بك ما لم يفعله علي بك. فقد انتهى إليّ أنك سألته فمنعك ، ونحن نعطيك دون أن تسألنا. ـ أراد بذلك أن يرضيه ليلين في القول معه ـ

فقال : نعم ، فقد سألت عليا فبذل لي ماله ، فلم يرضني ، وسألته دينه ، فمنعني. وأنت تسمح بما يمنعه عليّ وتبخل بما بذله.

فسكت معاوية. فلما انصرف أهل الشام عنه ، فدعا بمال كثير فأعطاه عقيلا. وقال : يا أبا يزيد قد كنا نحبّ مقامك عندنا ، فأما بعد ما لقيناه منك ، فانصرف الى مكانك.

فقال عقيل : والله اني لأرغب في ذلك منك ، وما كثرة عطائك إياي وقلّته عندي سواء ، وان فضل ما بيننا عندي ليسير ، وما كنت من يسمح لك بعرضه ونقصه طمعا فيما يناله منك.

وانصرف.

[ عقيل يسقي الحجيج ]

[١١٥٠] وروى عطاء بن أبي رياح ، أنه قال : رأيت عقيل بن أبي طالب ينزع بغرب(١) على بئر زمزم ، وعليها غروب كثيرة يسقي الحجيج ومعه رجال من قومه وما معهم أحد من مواليهم ، وأن أسافل قميصهم لمبتلة بالماء ينزعون من قبل الحج في أيام منى ، وبعد الحج يبتغون بذلك

__________________

(١) كذا في الأصل.

٢٤٣

الأجر لا يكلونه الى عبد لهم ولا مولى.

وفي علي وعقيل يقول [ جعدة ] بن هبيرة المخزومي(١) هذا البيت :

أنا من بني مخزوم(٢) ان كنت سائلا

ومن هاشم أمي لخير قبيل

فمن ذا الذي ينوء عليّ بخاله

وخالي علي ذو الندا وعقيل

[ ضبط الغريب ]

ينوء : يقوم. أي يقوم بفخر خاله. يقال ناء : إذا نهض فتثاقل ، وناء اذا مال للسقوط.

قال أبو إسحاق : كان عقيل بن أبي طالب من أنسب الناس ، وكان يقول معد : يكنى : ابا فضاعة.

[ عبد الله بن عباس ]

وأما عبد الله بن عباس ، فكان من خاصة أولياء أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وأهل محبته ، وكان خصيصا به ، مائلا إليه يتولاه ، ويبرأ من أعدائه ، ويشهد [ معه ] حروبه ، وكان على ولايته الى أن مات بالطائف ، وقد كفّ بصره سنة ثمان وستين ، وهو ابن اثنين وسبعين سنة.

وقد تقدم من ذكر ولايته لعليعليه‌السلام ، وقوله فيه كثير من ذكر فضائل عليعليه‌السلام ، وعلى ذلك كان العباس وولده كلهم من الولاية لعلي عليه

__________________

(١) وجعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عابد بن عمران بن مخزوم ، وأمه : أم هاني بنت أبي طالب. شهد مع عليعليه‌السلام صفين وأبلى بها بلاء حسنا. ولاه خاله أمير المؤمنينعليه‌السلام على خراسان قالوا : وكان فقيها. توفي في حكومة معاوية ( الدرجات الرفيعة ص ٤١٢ ، الاستيعاب ١ / ٢٤٠ ) ومن الملاحظ أنه كان في الاصل ونسخة ز : جعفر بدل جعدة وهو خطأ وقد صححناه.

(٢) ونقل في الاستيعاب لعبد ربه المتوفى ٤٦٣ ه‍ ١ / ٢٠٤ : أبي من مخزوم. وفي شرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ٧٩ : فمن ذا الذي ينائي.

٢٤٤

السلام ولولده من بعده ويعتقدون امامتهم بذلك يعرفون.

واذ قام من قام منهم ، وأظهروا السواد أو لباسه حزنا بزعمهم على الحسينعليه‌السلام ، وأظهروا القيام بثاره والدعوة الى الائمة من ولده ، فلما تمكنوا عادوا عليهم من العداوة والطلب والتوثب باضعاف ما كان من بني [ أميّة ] مثل ذلك إليهم ، فعادت ولايتهم اياه عداوة ، ومودتهم بغضا ، مما استأثروا بحقهم وتباعدوا مما توسلوا إليه بهم بعد الولاية والمودة وقرب القرابة(١) .

__________________

(١) أقول : لم يتعرض المؤلف الى من استشهد في ركب الحسينعليه‌السلام من أصحابه ، ولذا نذكر أسماءهم نقلا عن كتاب تسمية من قتل مع الحسينعليه‌السلام تأليف الفضل بن الزبير بن عمرو بن درهم الاسدي الكوفي من أصحاب الامامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

الشهداء من أصحاب الحسين :

١ ـ سليمان مولى الحسين بن علي عليه‌السلام قتله سليمان بن عوف الحضرمي.

٢ ـ منجح مولى الحسين بن علي عليه‌السلام قتله حسان بن بكر الحنظلي.

٣ ـ قارب الديلمي مولى الحسين بن علي عليه‌السلام .

٤ ـ الحارث بن نبهان مولى حمزة بن عبد المطلب.

٥ ـ عبد الله بن يقطر رضيع الحسين بن علي. بالكوفة رمي به من فوق القصر فتكسر ، فقام إليه عبد الملك بن عمير اللخمي ، فقتله واحتز رأسه.

وقتل من بني أسد بن خزيمة :

٦ ـ حبيب بن مظاهر ، قتله بديل بن صريم الغفقاني ، وكان يأخذ البيعة للحسين عليه‌السلام .

٧ ـ أنس بن الحارث ، وكانت له صحبة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨ ـ قيس بن مسهر الصيداوي.

٩ ـ سليمان بن ربيعة.

١٠ ـ مسلم بن عوسجة السعدي من بني سعد بن ثعلبة ، قتله مسلم بن عبد الله وعبيد الله بن أبي خشكارة.

وقتل من بني غفار بن مليل بن صمرة :

١١ و ١٢ ـ عبد الله وعبيد الله ابنا قيس بن أبي عروة.

١٣ ـ جون بن أحوى مولى لأبي ذر الغفاري.

٢٤٥

__________________

وقتل من بني تميم :

١٤ ـ الحر بن يزيد ، وكان قد لحق بالحسين بن علي بعد.

١٥ ـ شبيب بن عبد الله من بني نفيل بن دارم.

وقتل من بني تغلب :

١٦ و ١٧ ـ قاسط وكردوس ابنا زهير بن الحارث.

١٨ ـ كنانة بن عتيق.

١٩ ـ الضرغامة بن مالك.

وقتل من قيس بن ثعلبة :

٢٠ ـ جوين بن مالك.

٢١ ـ عمرو بن ضبيعة.

وقتل من عبد القيس من أهل البصرة :

٢٢ ـ يزيد بن قاسط.

٢٣ ـ عبد الله بن يزيد.

٢٤ ـ عبيد الله بن يزيد.

٢٥ ـ عامر بن مسلم.

٢٦ ـ سالم مولى عامر بن مسلم.

٢٧ ـ سيف بن مالك.

٢٨ ـ الأدهم بن أميّة.

وقتل من الأنصار :

٢٩ ـ عمرو بن قرظة.

٣٠ ـ عبد الرحمن بن عبد رب ، من بني سالم بن الخزرج ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام رباه وعلّمه القرآن.

٣١ ـ نعيم بن العجلان الأنصاري.

٣٢ ـ عمران بن كعب الانصاري.

٣٣ ـ سعد بن الحارث.

٣٤ ـ أبو الحتوف ابن الحارث.

وقتل من بني الحارث بن كعب :

٣٥ ـ الضباب بن عامر.

٢٤٦

__________________

وقتل من بني خثعم.

٣٦ ـ عبد الله بن بشر الاكلة.

٣٧ ـ سويد بن عمرو بن المطاع ، قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي.

٣٨ ـ بكر بن حي التيملي من بني تيم الله بن ثعلبة.

٣٩ ـ جابر بن الحجاج مولى عامر بن نهشل من بني تيم الله.

٤٠ ـ مسعود بن الحجاج.

٤١ ـ عبد الرحمن بن مسعود بن الحجاج.

وقتل من عبد الله :

٤٢ ـ مجمع بن عبد الله.

٤٣ ـ عائذ بن مجمع.

وقتل من طي :

٤٤ ـ عامر بن حسان بن شريح بن سعد بن حارثة بن لام.

٤٥ ـ أميّة بن سعد.

وقتل من مراد :

٤٦ ـ نافع بن هلال الجملي ، وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام .

٤٧ ـ جنادة بن الحارث السلماني.

٤٨ ـ واضح الرومي غلام جنادة بن الحارث.

وقتل من بني شيبان بن ثعلبة :

٤٩ ـ جبلة بن علي.

وقتل من بني حنيفة :

٥٠ ـ سعيد بن عبد الله.

وقتل من خولان :

٥١ ـ جندب بن حجير.

٥٢ ـ حجير بن جندب بن حجير.

وقتل من صيدا :

٥٣ ـ عمرو بن خالد الصيداوي.

٥٤ ـ سعد مولاه.

٢٤٧

__________________

وقتل من كلب :

٥٥ ـ عبد الله بن عمرو بن عياش بن عبد قيس.

٥٦ ـ أسلم مولى لهم.

وقتل من كندة :

٥٧ ـ الحارث بن امرؤ القيس.

٥٨ ـ يزيد بن زيد بن المهاصر.

٥٩ ـ زاهر صاحب عمرو بن الحمق ، وكان صاحبه حين طلبه معاوية.

وقتل من بجيلة :

٦٠ ـ كثير بن عبد الله الشعبي.

٦١ ـ مهاجر بن أوس.

٦٢ ـ سلمان بن مضارب ، ابن عمه.

٦٣ ـ النعمان بن عمرو.

٦٤ ـ الحلاس بن عمرو الراسبيان.

وقتل من خرقة جهينة :

٦٥ ـ مجمع بن زياد.

٦٦ ـ عباد بن أبي المهاجر الجهني.

٦٧ ـ عقبة بن الصلت.

وقتل من الازد :

٦٨ ـ مسلم بن كثير.

٦٩ ـ القاسم بن بشر.

٧٠ ـ زهير بن سليم.

٧١ ـ مولى لأهل شدة يدعى رافعا.

وقتل من همدان :

٧٢ ـ أبو ثمامة عمرو بن عبد الله الصائدي ، وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قتله قيس بن عبد الله.

٧٣ ـ يزيد بن عبد الله المشرقي.

٧٤ ـ حنظلة بن أسعد الشبامي.

٢٤٨

__________________

٧٥ ـ عبد الرحمن بن عبد الله الارحبي.

٧٦ ـ عمار بن سلامة الدالاني.

٧٧ ـ عابس بن أبي شبيب الشاكري.

٧٨ ـ شوذب مولى شاكر.

٧٩ ـ سيف بن الحارث بن سريح.

٨٠ ـ مالك بن عبد الله بن سريح.

٨١ ـ همام بن سلمة القانصي.

٨٢ ـ سوار بن حمير الجابري ، مات لستة أشهر عن جراحته.

٨٣ ـ عمرو بن عبد الله الجندعي ، مات من جراحة كانت به على رأس سنة.

٨٤ ـ هانئ بن عروة المرادي بالكوفة ، قتله عبيد الله بن زياد.

٨٥ ـ بشير بن عمر.

٨٦ ـ الهفهاف بن المهند الراسبي من البصرة ، حين سمع بخروج الحسين عليه‌السلام ، فسار حتى انتهى الى العسكر بعد قتله فدخل عسكر عمرو بن سعد ثم انتضى سيفه وشد فيهم. [ وكان آخر من استشهد مع الحسين عليه‌السلام في أرض الطف ].

٢٤٩

( ذكر فضائل الائمة من ولد الحسين بن علي عليه السلام )

( ذكر فضل علي بن الحسين عليهما السلام )

وكان علي بن الحسينعليه‌السلام أعبد أهل زمانه وأفضلهم ، يشهد له بذلك الخاص والعام وكان يدعى سيد العابدين.

[ السجاد وواقعة الطف ]

وكان مع أبيه الحسينعليه‌السلام يوم الطف ، وهو وصيه. وقد ولد له : محمد بن علي وهو يومئذ في جملة العيال ، وكان علي بن الحسينعليه‌السلام يومئذ عليلا دنفا ( ثقيل العلة ، شديدها )(١) ، فلم يستطع القتال ، وكان مع النساء يمرضنه.

وقتل علي الاصغر أخوه ، فلما أن قتلوا عن آخرهم حملوه مع جملة النساء والصبيان فرآه رجل من أهل الشام على ما هو عليه من العلة ، فرقّ له ، فأخذه إليه ، وقال علي بن الحسينعليه‌السلام : فكان يمرضني ويرفق بي ويبكي إذا رأى ما بي من الضعف والعلة ، وأسلمني النساء خوفا عليّ وظنوا به خيرا ، وأنه يسترني ، فلما أن صرنا الى الكوفة ذكر خبري لعبيد الله(٢) بن زياد ، فطلبني ،

__________________

(١) لسان العرب ٩ / ١٠٧.

(٢) وفي الاصل : عبد الله.

٢٥٠

فلم يجدني ، فسمعت النداء على أنه من وجد علي بن الحسين وجاء به فله ثلاثمائة درهم ، فدخل الرجل إليّ وأنا في منزله ، فقال : يا ابن بنت رسول الله قد تسمع النداء ، وأنا أخاف على نفسي إن كتمت أمرك ، وأخذ بيدي فشدها الى عنقي ، وأخرجني الى عبيد الله بن زياد ، وأخذ منه ثلاثمائة درهم [ وأنا انظر إليها ](١) .

ولما أن رآه اللعين عبيد الله بن زياد(٢) ، قال : أنت علي بن الحسين.

قال لهعليه‌السلام : نعم.

قال : أولم يقتل الله علي بن الحسين؟

قال علي بن الحسينعليه‌السلام : كان لي [ أخ ] يسمى عليا ، فقتله الناس(٣) .

قال عبيد الله : إن الله قتله.

قال عليعليه‌السلام :( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) (٤) .

فأمر عبيد الله اللعين ليقتل. فصاحت زينب بنت علي : حسبك من دمائنا ، أناشدك الله إن عزمت على قتله إلا قتلتني قبله.

__________________

(١) طبقات ابن سعد : مخطوط.

(٢) ولد سنة ٣٩ ه‍ وأبوه زياد بن سمية ، وهو ابن لعبيد الرومي لكن معاوية ألحقه بأبيه وكان يعرف بزياد ابن أبيه. وأم زياد : مرجانة ، وكانت مجوسية ، وقد اشتهرت بالبغي وقد فارقها زياد فتزوج بها شيرويه ، وكان كافرا ، ونشأ منذ طفولته عند زوج أمه ، ولما ترعرع اخذه أبوه ، وقد قال عبيد الله في احدى خطبه : أنا ابن زياد اشبهته من بين وطء الحصى ولم ينزعن فيه خال ولا ابن عم. قتله إبراهيم بن الاشتر قائد جيش المختار سنة ٦٧ ه‍ في خازر من أرض الموصل ( البداية والنهاية ٨ / ٢٨٤ ، عيون الاخبار ١ / ٢٩٩ ).

(٣) قال ابن الاثير في تاريخه ٣ / ٢٧ : قالعليه‌السلام : كان لي أخ يسمى عليا قتلتموه ، وان له منكم مطالبا يوم القيامة ( الحدائق الوردية ١ / ١٢٨ ).

(٤) الزمر : ٤٢.

٢٥١

وقال له بعض من حضره : هو على ما ترى من العلة ، وما أراه إلا ميتا عن قريب.

فتركه ، وصار مع جملة الحرم الى يزيد اللعين(١) فلما أن صاروا بين يديه قام رجل من الشام ، فقال : يا أمير المؤمنين نساؤهم لنا حلال.

فقال عليعليه‌السلام : كذبت إلا أن تخرج من ملة الاسلام ، فتستحل ذلك بغيرها.

فأطرق يزيد ، ولم يقل في ذلك شيئا.

ولما بلغ من النداء على رأس الحسينعليه‌السلام (٢) والاستهانة [ بحرمه ]

__________________

(١) وهو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، ولد بالماطرون سنة ٢٥ ه‍ ثاني ملوك الدولة الاموية ، تولى الخلافة بعد وفاة أبيه سنة ٦٠ ه‍ وكان نزوعا الى اللهو ، ويروى له شعر رقيق ، وهو من أشقى الخلفاء توفي بحوارين من أرض حمص سنة ٦٤ ه‍ ( تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢١٥ ، تاريخ ابن الاثير ٤ / ٤٩ ).

(٢) وهو يترنم بهذه الأبيات :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل

لأهلّوا واستهلّوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم

و عدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

( اعلام النساء ١ / ٥٠٤ ، البداية والنهاية ٨ / ١٩٢ ) وذلك في محضر العقيلة ، والتي ردت عليه بخطبتها المشهورة منها : وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنان ، والاحن والاضغان. ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم :

لأهلّوا واستهلّوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

منحنيا على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكثها بمخصرتك ، وكيف لا تقول ذلك؟ وقد نكأت القرحة واستأصلت الشأفة باراقتك دماء ذرية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونجوم الأرض من آل عبد المطلب ، وتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم ، فلتردن وشيكا موردهم ، ولتودن إنك شللت وبكمت ، ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت.

اللهمّ خذ لنا بحقنا وانتقم ممن ظلمنا ، وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا ( بلاغات النساء لاحمد بن أبي طاهر ص ٢١ ، الخوارزمي في مقتله ٢ / ٦٤ ، السيدة زينب وأخبار الزينبيات للعبيدي

٢٥٢

ونساء من قتل معه من أهل بيته ما أراده ، وعليعليه‌السلام على حاله من العلة. وما أراده الله تعالى من سلامته ، وأن لا تنقطع الامامة بانقطاعه. فسرحهم يزيد اللعين ، وانصرف الى المدينة.

[ عبادته ]

وهو امام الائمة ، وأبو الائمة ومنه تناسل ولد الحسينعليه‌السلام كلهم.

__________________

ص ٨٦ ، اللهوف ص ٧٩ ط ١٣٦٩ ه‍ ).

قال ابن تيمية المتوفى سنة ٧٢٨ ه‍ في رسالته ( سؤال في يزيد بن معاوية ) التي كتبها بعد قرون من واقعة الطف الرهيبة منتصرا ليزيد منكرا كونه المردد لشعر ابن الزبعري : ليت اشياخي ببدر شهدوا ص ١٤. وقال في ص ١٥ : إنه [ يزيد ] قتل الحسين تشفيا ، وأخذ بثار أقاربه من الكفار فهو أيضا كاذب مفتر. وقال أيضا في ص ١٧ : ومع هذا فيزيد لم يأمر بقتل الحسين ولا حمل رأسه الى بين يديه ، ولا نكث بالقضيب على ثناياه.

قال الغزالى : وقد زعمت طائفة أن يزيد بن معاوية لم يرض بقتل الحسين وادعوا أن قتله وقع خطأ.

وكيف يكون هذا وحال الحسين لا يحتمل الغلط لما جرى من قتاله ومكاتبة يزيد الى ابن زياد به ، وحثه على قتله ومنعه من الماء. وقتله عطشانا ، وحمل رأسه وأهله سبايا عرايا على اقتاب الجمال إليه ، وقرع ثناياه بالقضيب ، ولما دخل علي بن الحسين عليه‌السلام على يزيد قال : أنت ابن الذي قتله الله. فقال :

أنا علي ابن من قتلته. ثم قرأ ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) ( تذكرة الخواص ص ٦٢ ).

ولما وفد مسلم بن زياد على يزيد بجله وكرمه تقديرا لأخيه عبيد الله بن زياد ، وقال له : لقد وجبت مودتكم ومحبتكم على آل أبي سفيان وولاه خراسان ( ينابيع المودة ١ / ١٤٩ ، الصراط السوي في مناقب آل النبي ص ٨٥ ، الفتوح ٥ / ٢٥٤ ).

وكتب إليه يزيد بعد مقتل الحسين عليه‌السلام : أفد عليّ لاجازيك على ما فعلت. ولما جاء استقبله يزيد ، وقبّل ما بين عينيه وأجلسه على سرير ملكه ، وقال للمغني : غن ، وللساقي : اسق. ثم قال :

اسقني شربة أروي فؤادي

ثم صل فاسق مثلها ابن زياد

موضع السرّ والامانة عندي

وعلى ثغر مغنمي وجهادي

وأوصله ألف ألف درهم ، ومثلها لعمر بن سعد ، وأطلق له خراج العراق سنة ( مرآة الزمان في تواريخ الاعيان ص ١٠٦ ).

٢٥٣

وليس للحسينعليه‌السلام عقب إلا منه. ولزم الخمول(١) للتقية والعبادة.

[١١٥١] وكان يقال له : ذو الثفنات لأنه كان بموضع السجود منه ( ثفنات كثفنات البعير ) ، وهي مباركه التي يبرك عليها من يديه ورجليه ـ لانه كان من علي بن الحسين في مواضع السجود مثل ذلك لادمانه اياه. ولانه كان يصلّي في كل يوم وليلة ألف ركعة(٢) ، وكان ربما سقط من ذلك شيء فجمع ، فلما أن مات وغسّل جعل معه في اكفانه.

[١١٥٢] ولمّا أن جرد ليغسّل وجدوا على عاتقه حبلا قد أثر مثل ذلك فسألوا عنه ابنه محمدعليه‌السلام ، فقال : والله ما علم بهذا غيري ، وما كان أطلعني عليه ، ولكني علمته من حيث لم يكن يعلم أني علمت به ، كان إذا جنّ الليل وهدأت العيون قام الى منزله ، فجمع كلما يبقى فيه من قوت أهله ، وجعله في جراب ، ورمى به على عاتقه ، وخرج ، فكنت أخرج في أثره مخافة عليه ، فأراه يقصد قوما في دورهم من أهل الفقر يفرق ذلك ، وهو متلثم لا يعرفونه ، وكنت كثيرا ما أجدهم قياما لا يعرفونه ، وكنت كثيرا ما أجدهم قياما على أبوابهم ينتظرون ، فاذا أقبل وأنا وراءه مستتر منه تباشروا. وقالوا : قد جاء صاحب الجراب ، فلا يزال كذلك يختلف حتى لا يكون في منزله

__________________

ولا أدري كيف يقول ابن تيمية ذلك الكلام رغم سعة اطلاعه كما يدعون إن لم يك متعمدا على التناسي وقلب الحقائق ، والله خير الحاكمين.

(١) من الصعب تسمية هذا الشكل من النضال بالخمول بل الاولى التعبير عنه بتغير اسلوب المواجهة مع الظالمين.

(٢) ولهذا يشير المؤلف في ارجوزته :

كانت له لغير معنى السمعة

في اليوم والليلة ألف ركعة

وأثر السجود في مساجده

فكان من ذلك في مشاهده

يدعوه من عمر البلادا

ذا الثفنات العابد السجّادا

( الارجوزة المختارة ص ١٨٦ )

٢٥٤

شيء ما يفضل من قوت أهله ، فهذا هو أثر ذلك الجراب.

[١١٥٣] وقيل : إنه كان في المدينة عدة بيوت يأتيهم قوتهم من علي بن الحسينعليه‌السلام ، ولا يدرون من حيث يأتيهم ذلك ، فما عرفوا ذلك حتى مات. فانقطع ذلك عنهم وعلموا أن ذلك كان من عنده.

وانما فعل ذلك لما جاء في الصدقة بالسرّ من الفضل(١) . وقيل : إن تلك البيوت [ حصيت ] فوجدت مائة بيت ، في كل بيت جماعة من الناس.

[ من دعائهعليه‌السلام ]

[١١٥٤] وكان علي بن الحسينعليه‌السلام يصوم النهار ويقوم الليل ، فاذا أرقدت كل عين دعا بدعاء(٢) وكان يدعو به كل ليلة يقول فيه :

إلهي غارت نجوم سماواتك ، ونامت عيون خلقك ، وهدأت أصوات عبادك ، وغلقت ملوك بني اميّة عليها أبوابها ، وطاف عليها حرّاسها ، واحتجبوا عمّن يسألهم حاجة أو يبتغي منهم فائدة ، وأنت إلهي حيّ قيّوم لا تأخذك سنة ولا نوم ، ولا يشغلك شيء عن شيء.

أبواب سماواتك لمن دعاك مفتّحات ، وخزائنك غير مغلّقات ورحمتك غير محجوبة ، وفوائدك لمن سلكها غير محظورات. أنت إلهي الكريم الّذي لا تردّ سائلا من المؤمنين سألك ، ولا تحتجب عن طالب منهم أرادك ، لا وعزّتك ما تختزل حوائجهم

__________________

(١) راجع الكافي ٤ / ٨ وبحار الانوار ٤٦ / ٨٩ و ١٠٠.

(٢) قال طاوس الفقيه : رأيته يطوف من العشاء الى السحر ويتعبد ، فلما لم ير أحدا رمق الى السماء بطرفه وقال : الهي غارت ( بحار الانوار ٤٦ / ٨١ ).

٢٥٥

دونك ، ولا يقضيها أحد غيرك.

اللهمّ وقد ترى وقوفي ، وذلّ مقامي [ و ] موقفي بين يديك ، وتعلم سريرتي ، وتطلع على ما في قلبي ، وما يصلحني لآخرتي ودنياي.

إلهي وترقب الموت ، وهول المطّلع ، والوقوف بين يديك نقصني مطعمي ومشربي ، وغصني بريقي ، وأقلقني عن وسادي ، وهجعني ومنعني من رقادي.

إلهي كيف ينام من يخاف وثبات ملك الموت في طوارق الليل وطوارق النهار.

ثم يبكي حتى ربما أيقظ أهله بكاؤه ، فيفزعون إليه ، فيجدونه قد ألصق خدّيه بالتراب وهو يقول : ربّ أسألك الراحة والروح والأمن والأمان.

[١١٥٥] وروي عن طاوس اليماني(١) ، أنه قال : حججت فدخلت الحجر ليلا ، فرأيت علي بن الحسينعليه‌السلام فيه قائما يصلّي ، فدنوت منه ، وقلت : رجل من الصالحين ، لعلّي أسمع منه نداء(٢) ، فأنتفع به ، فسمعته يقول في دعائه وهو ساجد : عبدك بفنائك ، مسكينك بفنائك ، فقيرك بفنائك ، سائلك بفنائك.

ثم يدعو بما يريد.

__________________

(١) وهو أبو عبد الرحمن ، طاوس بن كيسان اليماني الخولاني وأمه قادسية ، وأبوه من النمر بن قاسط ، ولد سنة ٣٣ ه‍ ، وقيل إن اسمه ذكوان ولقبه طاوس.

وهو من فقهاء العامة ، وقال العلاّمة النوري في المستدرك ٣ / ٣١٩ : لم يشك أحد في كونه عامي المذهب ، وقال المامقاني في تنقيح المقال ٢ / ١٠٧ : هو من زهاد العامة ، وعدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الامام السجاد عليه‌السلام ولعله لما روى ابن شهرآشوب عنه.

توفي حاجا بمكة قبل التروية سنة ١٠٦ وصلّى عليه هشام بن عبد الملك. ( تهذيب التهذيب ٥ / ٨ ).

(٢) وفي نسخة ز : دعاء.

٢٥٦

قال طاوس : فأخذتهنّ عنه ، فما دعوت بعد ذلك بهنّ في كرب إلا فرّج الله عليّ.

[١١٥٦] وقيل : إن سائلا يسأل في بعض سكك المدينة في جوف الليل.

فقال : أين الزاهدون في الدنيا ، الراغبون في الآخرة؟

فنودي من ناحية البقيع لا يعرف من ناداه ، ذلك علي بن الحسين.

[ حلمهعليه‌السلام ]

[١١٥٧] وقيل : إن [ الحسن بن الحسن ] بن علي وقف على [ علي ] بن الحسين ، فأسمعه ، [ وشتمه ] وعنده جماعة ، فسكتعليه‌السلام فلم يجبه ، فلما مضى قال لمن معه : قد سمعتم ما قال هذا الرجل؟

قالوا : سمعنا وساءنا ما سمعناه ولقد كنا نحبّ أن تقول.

فتلاعليه‌السلام :( وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (١) .

ثم قال : احبّ أن تقوموا معي الى [ منزله ] حتى تسمعوا ردّي عليه ، فانه لم ينبغ لي أن أردّ عليه في مجلسي.

فقام القوم معه ، [ وهم ] يرون أنه يستنصف منه. فلما أتى الى منزله استأذن عليه ، فخرج إليه ، وظنّ أنه إنما جاء ليتنصف منه ، فبدأه ، فواثبه بالكلام.

فقال : على رسلك يا أخي ، قد سمعت ما قلت في مجلسي ونحن في مجلسك ، فاسمع ما أقول لك : إن كان الذي قلت لي كما قلت فإنّي أسأل الله أن يغفر لي ، وإن لم يكن ذلك كما قلت فإنّي أسأل الله أن يغفر لك.

__________________

(١) آل عمران : ١٣٤.

٢٥٧

فاستحى الحسن ، وقام إليه وقبّل رأسه وما بين عينيه ، وقال : بل قلت لك والله ما ليس فيك ، واستغفره واعتذر إليه.

[١١٥٨] وروي عنهعليه‌السلام ، أنه كان إذا قام الى الصلاة تغير لونه ، وأصابته رعدة ، وحال أمره. وربما يسأله عن حاله من لا يعرف أمره في ذلك فيقول : إني اريد الوقوف بين يدي ملك عظيم.

[ السجاد والزهري ]

[١١٥٩] وقيل : إن الزهري(١) غارف ذنبا فخاف منه على نفسه ، فاستوحش من الناس ، وهام على وجهه ، فلقيه علي بن الحسينعليه‌السلام فقال له : يا زهري ، لقنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيء أعظم من الذنب الذي خشيت منه على نفسك.

فسكن الزهري الى قوله ، وقال : الله أعلم حيث يجعل رسالته. ثم وعظه علي بن الحسينعليه‌السلام بمواعظ ، وتلا عليه آيات [ من القرآن ] فيما قار به في التوبة(٢) والاستغفار. فتاب واستغفر ورجع الى أهله ، ولزم علي بن الحسينعليه‌السلام ، وكان يعدّ من أصحابه ، وكان يروي عنه ويحدث بفضله. وكذلك قال له بعض بني مروان : يا زهري ما فعل نبيك؟ ـ يعني علي بن الحسينعليه‌السلام ـ لما كان يرفع

__________________

(١) الزهري بالضم وسكون الهاء ، وهو محمد بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ولد سنة ٥٨ ه‍ ، وهو من فقهاء المدينة ومن التابعين وكان مع عبد الملك بن مروان ومع ابنه هشام ، واستقصاه يزيد بن عبد الملك ، وكان يبغض عليا وينال منه ، قال السيد ابن طاوس : إنه عدوّ منهم.

روى الزهري عن عائشة ، قالت : كنت عند النبي إذ أقبل العباس وعلي ، فقال : يا عائشة : إن سرك أن تنظري الى رجلين من أهل النار فانظري الى هذين قد طلعا ، فنظرت فاذا هما العباس وعلي بن أبي طالب ( شرح النهج ١ / ٣٥٥ ) وتوفي سنة ١٣٥ ه‍ ودفن في ضيعة خلف وادي القرى تسمى سغب. ( معجم البلدان ٥ / ٢٧٧ ).

(٢) وفي نسخة ز : التورية.

٢٥٨

به الزهري ويذكر من فضله.

[١١٦٠] وكان علي بن الحسينعليه‌السلام يقول : الحلم هو الذل(١) .

[١١٦١] وقيل : إن جارية له كانت قائمة عليه توضئه ، فسقط الإبريق من يدها على وجهه ؛ فشجه ؛ فنظر إليها ، فقالت : يا مولاي إن الله عزّ وجلّ يقول :( وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ ) .

قالعليه‌السلام : كظمت غيظي.

قالت : ويقول :( وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ ) .

قالعليه‌السلام : قد عفوت عنك.

__________________

(١) إن الحلم من الصفات الحميدة التي تزين الانسان وترفعه من التسرع في مواجهته للمشاكل بما لا يحسن عواقبه ، وتزيده رفعة وعلوا. وقد عدّ علماء الاخلاق أسبابا للحلم :

١ ـ الرحمة للجاهل : وهو من أكد أسباب الحلم.

٢ ـ الترفع عن السباب : وذلك من شرف النفس وعلو الهمة.

٣ ـ القدرة على الانتصار : وذلك من سعة الصدر ، وحسن الثقة.

٤ ـ الاستهانة بالمحلوم عنه ، وفيه قال عمر بن علي :

سكتّ عن السفيه فظن أني

عييت عن الجواب وما عييت

إذا نطق السفيه فلا تجبه

فأحسن من اجابته السكوت

٥ ـ الاستحياء من الجواب : وهذا من صيانة النفس وكمال المروءة.

٦ ـ التفضل على السباب : وهو في نهاية الكرم وعلو الهمة وحب التفضل والتألف.

٧ ـ استكفاف السباب وقطع الجواب : وهذا يكون من الحزم.

٨ ـ الوفاء ليد سالفه وحرمة لازمه : وهذا يكون من الوفاء وحسن العهد.

٩ ـ الخوف من العقوبة على الجواب : وهذا من ضعف النفس وربما اقتضاء الحزم.

١٠ ـ المكر وتوقع الفرص الخفية : وهذا من الدهاء.

١١ ـ قصد ايلامه وتزايد غضبه بالسكوت عنه.

فاذا عدم أحد هذه الاسباب كان ذلا لا حلما. والى هذا المعنى يشير الامام زين العابدين عليه‌السلام بقوله : الحلم هو الذل. فالحلم : هو ضبط النفس عن هيجان الغضب. فاذا فقد الغضب بعد سماع ما يغضب كان ذلك من ذل النفس ومهانتها وقلة الحمية وفقد الشجاعة والغيرة. قال الشاعر :

 ... أرى الحلم في بعض المواضع ذلة

وفي بعضها عزّا يسود فاعله

٢٥٩

قالت : يقول :( وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (١) .

قالعليه‌السلام : فأنت حرة لوجه الله.

[ الله أعلم حيث يجعل رسالته ]

[١١٦٢] وولّي هشام بن اسماعيل المخزومي(٢) المدينة ، فنال علي بن الحسينعليه‌السلام من الاذى والمكروه عظيما ، ثم عزله الوليد(٣) بعد ذلك وأمر أن يوقف للناس ، فلم يكن أخوف من أحد [ كخوفه ] من علي بن الحسينعليه‌السلام لما ناله منه أن يرفع ذلك عليه ويقول فيه ويشكره ، فلم يقل فيه شيئا ونهى خاصته وأهل بيته ، وكل من سمع له من القول فيه بسوء.

ثم أرسل إليه وهو واقف عند دار مروان : انظر ما أعجزك من مال تؤخذ به فعندنا ما يسعك ، وطب نفسا منا ، ومن كل من يطيعنا.

فنادى هشام ـ وهو قائم ـ بأعلى صوته : الله أعلم حيث يجعل رسالته.

[١١٦٣] ونادى علي بن الحسينعليه‌السلام يوما مملوكا له ، فلم يجبه وهو يسمعه ، فقال : يا بني اناديك فلا تجيبني أما تخاف أن اعاقبك؟

قال : لا والله ما أخافك وذلك الذي حملني على أن لم اجبك.

فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : الحمد الله الذي جعل مملوكي آمنا مني(٤) .

__________________

(١) آل عمران : ١٣٤.

(٢) وكان يؤذي علي بن الحسين ويشتم عليا على المنبر وينال منه. ( تذكرة الخواص ص ٣٢٨ ).

(٣) وهو الوليد بن عبد الملك.

(٤) وفي الارشاد ص ١٤٧ الحديث ١٧ : يأمنني.

٢٦٠

[ أيام فتنة ابن الزبير ]

[١١٦٤] وروي عنهعليه‌السلام ، أنه قال : خرجت يوما من منزلي أيام فتنة ابن الزبير ، وقد ضاق صدري بما ينتهي إليّ منها ، فانتهيت الى حائط [ لي ](١) فاتكيت عليه ، ووقفت كذلك مقاربا ، فاني لعلى ذلك إذ وقف عليّ رجل عليه ثياب بيض ما أعرفه فنظر الى وجهي ، فقال لي : يا علي بن الحسين ، مالي أراك كئيبا محزونا ؛ أعلى الدنيا حزنك؟ فرزق [ الله ] حاضر يأكل منه البرّ والفاجر. أم على الآخرة [ فهو ] وعد صادق ويحكم به ملك قادر.

قلت : اللهمّ ما آسي على الدنيا ، ولا من أجل الآخرة كان مني ما ترى.

قال : ففيم حزنك؟

قلت : تخوفت فتنة ابن الزبير.

فضحك ، وقال : يا علي بن الحسين ، هل رأيت أحدا قط توكل على الله فلم يكفه؟

قلت : لا. وبقيت مفكرا في قوله ، ثم رفعت رأسي ، فلم أجد أحدا(٢) .

[ دين زيد بن اسامة ]

[١١٦٥] واعتل زيد بن اسامة بن زيد علته التي مات فيها ، فلما احتضر ،

__________________

(١) كلمة ( لي ) نقلناها من الارشاد.

(٢) وأضاف في الفصول لابن الصباغ ص ٢٠٣ : فاذا قائل أسمع صوته ولا أرى شخصه يقول : يا علي بن الحسين هذا الخضر ناجاك.

٢٦١

حضره علي بن الحسينعليه‌السلام ، فجعل يبكي ، فقال له علي بن الحسينعليه‌السلام : ما يبكيك؟

قال : [ يبكيني ] خلفت عليّ خمسة عشر ألف دينار دينا ، وليس فيما أخلفه وفاء ذلك.

فقال له علي بن الحسينعليه‌السلام : فطب نفسا فعليّ وفاء ذلك عنك.

فوفّاه عنه.

[ السجاد لعبده : اقتصّ منّي ]

[١١٤٦] وقيل : إن مولى لعلي بن الحسينعليه‌السلام [ كان ] يتولى له عمارة ضيعة ، فجاء ليطلعها ، فأصاب منها فسادا وتضيّعا كثيرا أغاضه من ذلك ما رآه ، فغمه ، فقرع المولى بسوط كان في يده وكان ذلك ما لم يكن منه الى أحد قبله مثله.

وندم على ما كان منه ندامة شديدة ، فلما انصرف الى منزله أرسل يطلب المولى ، فأتاه فوجده مقاربا والسوط بين يديه ، فظنّ يريد عقوبته ، فاشتدّ خوفه. فأخذ علي بن الحسينعليه‌السلام السوط ، ومدّ يده إليه ، وقال : يا هذا قد كان مني إليك ما لم يتقدم لي مثله ، وكانت هفوة وزلة. فدونك السوط اقتصّ مني.

فقال المولى : يا مولاي والله إن ظننت إلا أنك تريد عقوبتي ، وأنا مستحق العقوبة فكيف أقتصّ منك.

قالعليه‌السلام : ويحك اقتص.

قال : معاذ الله أنت في حلّ وسعة.

فكرر عليه مرارا والمولى في ذلك يتعاظم قوله ويجلله ، فلما لم يره يقتصّ قال لهعليه‌السلام : أما إذا أبيت ، فالضيعة صدقة عليك.

٢٦٢

فأعطاه إياه.

[١١٦٧] وكان إذا انقضى الشتاء تصدق بكسوته في الشتاء ، وإذا انقضى الصيف تصدق بكسوته في الصيف. وكان يلبس من خير الثياب.

فقيل له : تعطيها من لا يعرف بقيمتها ولا يليق به لباسها ، فلو بعتها وتصدقت بثمنها.

فقالعليه‌السلام : اني لأكره أن أبيع ثوبا صلّيت فيه.

[ انقطاعه الى الله ]

[١١٦٨] وكان إذا وقف في الصلاة لم يشتغل بغيرها ولم يسمع شيئا لشغله بالصلاة. وسقط بعض ولده في بعض الليالي ، فانكسرت يده ، فصاح أهل الدار ، وأتاهم الجيران ، وجيء بالمجبّر [ فجبّر الصبي ] وهو يصيح من الألم ، وكل ذلك لا يسمعه.

فلما أصبح رأى يد الصبي مربوطة الى عنقه ، فقال : ما هذا؟ فأخبروه.

[ فرزدق وقصيدته ]

[١١٦٩] وكانعليه‌السلام ورعا حليما وقورا جميلا ، وحجّ في بعض السنين فجعل الناس ينظرون الى جماله وكماله. ويقول من لم يعرفه لمن عسى أن يعرفه ؛ من هذا؟! ليخبروه. قال قائل من الناس لفرزدق(١) من هذا؟

__________________

(١) وهو همام بن غالب بن صعصعة ، وأمه : ليلى بنت عابس ، قيل إنه ولد سنة ١٠ ه‍. دخل أبوه على أمير المؤمنين في البصرة ومعه ابنه فرزدق ، فأخبره أنه يقول الشعر. وكان له أخ وهو هميم بن غالب واخت جعثن وكانت امرأة صدق ، وكان جرير يذكرها في مهاجاته لفرزدق ، وكان يقول : أستغفر الله فيما قلت لجعثن. تزوج ابنة عمه ، النوار بنت أعين بن صعصعة. توفي سنة ١١٠ ه‍ عن عمر يناهز المائة سنة.

٢٦٣

فأنشأ يقول :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحلّ والحرم

هذا ابن خير عباد لله كلّهم

هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم

يكاد يمسكه عرفان راحته

ركن الحطيم إذا [ ما جاء ] يستلم

يغضي حياء ويغضي من مهابته

فلا يكلم إلاّ حين يبتسم

إذا رأته قريش قال قائلها

الى مكارم هذا ينتهي الكرم

__________________

ودفن في مقابر البصرة.

وأما القصيدة فمؤلفة من ٢٨ بيتا ذكرها عبد الوهاب المكي في طبقات الشافعية الكبرى ١ / ١٥٣.

وقال ابن شهرآشوب في المناقب ٤ / ١٦٩ : إنها مؤلفة من ٤١ بيتا وذكر تمام القصيدة. وكذا في حلية الابرار ٢ / ٥٠ ، وفي مجمع فنون الشعر ص ٧٠ ط حجر ١٣٣٥ : عدها ٤٠ بيتا.

المناسبة : لما حجّ هشام بن عبد الملك ، فلم يقدر على استلام الحجر من الزحام ، فنصب له منبر ، وجلس عليه ، وأطاف به أهل الشام. فبينما هو كذلك ، اذ أقبل علي بن الحسين عليه‌السلام وعليه ازار ورداء من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة ، بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز ، فجعل يطوف ، فاذا بلغ موضع الحجر تنحى الناس حتى يستلمه هيبة. فقال له شامي : من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال : لا أعرفه!! لئلا يرغب فيه أهل الشام. فقال الفرزدق : أنا أعرفه ( وكان حاضرا ). فقال الشامي : من هو ، يا أبا الفراس؟ فأنشأ القصيدة التي مطلعها :

يا سائلي أين حلّ الجود والكرم

عندى بيان إذا طلاّبه قدموا

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحلّ والحرم

الى آخر الأبيات.

فغضب هشام ومنع جائزته ، وقال : ألا قلت فينا مثلها ، فحبسه بعسفان ( بين مكة والمدينة ) فبلغ ذلك علي بن الحسين فبعث إليه باثني عشر ألف درهم ، وقال : اعذرنا يا أبا فراس. فلو كان عندنا أكثر من هذه لوصلناك به ، فردها ، وقال : يا بن رسول الله ما قلت هذا الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله ، وما كنت لأرزأ عليه شيئا ، فردها عليه. فقال له علي بن الحسين عليه‌السلام : بحقي عليك لما قبلتها ، فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك ، فقبلها. فجعل فرزدق يهجو هشاما ، وهو في الحبس ، فكان مما جاء به قوله :

أيحبسني بين المدينة والتي

إليها قلوب الناس يهوى منيبها

يقلب رأسا لم يكن رأس سيد

وعينا له حولاء تبدو عيوبها

فاخبر هشام بذلك فأطلقه. وفي رواية أبي بكر العلاف : أنه أخرجه الى البصرة.

٢٦٤

أيّ القبائل(١) ليست في رقابهم

لأولية هذا أوله نعم

[ عليّ الأكبر ]

وكان للحسينعليه‌السلام ابنان ، يدعى كل واحد منهما عليا.

فالعامة تزعم أن المقتول منهما معه هو الاكبر(٢) .

وأهل العلم من [ أوليائهم ] وشيعتهم وغيرهم من علماء العامة [ العارفين ] بالأنساب والتواريخ يقولون : إن المقتول مع الحسينعليه‌السلام هو الاصغر وان الباقي منهما هو الأكبر ، وانه كان يوم قتل الحسينعليه‌السلام دنفا شديد العلة فذلك كان سبب بقائه. وقد تقدم ذكر ذلك.

ذكر محمد بن عمر الواقدي : أن علي بن الحسين ولد سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة ، وقتل الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء سنة إحدى وستين ، وكان على هذا يوم قتل أبوهعليه‌السلام ابن ثمان وعشرون سنة.

وذكر غير الواقدي : أنه ولد في أيام عثمان ، فيما ذكر الواقدي وغيره ، قتل في ذي الحجة من سنة خمس وثلاثين ، وهذا قريب المعنى فيما تقدم ذكره.

وزعم عوام الناس : أنه كان يوم قتل أبوه طفلا ، وأن أباه أوصى به الى غيره ليعدلوا بالامامة عنه(٣) .

أما أهل العلم بالأخبار والأنساب والتواريخ منهم فقد قالوا مثل ما ذكرنا أنه كان رجلا ، وان زعموا أنه الأصغر.

__________________

(١) وفي رواية اخرى : أيّ الخلائق ليست.

(٢) الاصابة لابن الحجر ٣ / ٤١٢ ، البداية والنهاية لابن كثير ٩ / ١٠٣ ، الاخبار الطوال للدينورى ص ٢٥٤ ، لوائح الانوار للشعراني ١ / ٢٣ ، المعارف لابن قتيبة ص ٩٣ ، حياة الحيوان ١ / ١٦٩ ، الكامل لابن الأثير ٤ / ٣٠ ، الروض الانف ٢ / ٣٢٦ ، تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٠ ، الفصول المهمة لابن الصباغ ص ٤٦٩.

(٣) كتاب عبيد الله المهدي ص ٨٠ وذكر الطبري في الذخائر : أنه كان صغيرا.

٢٦٥

[١١٧٠] وروى الزبير البكاري(١) عن مصعب بن عبد الله ، أنه شهد علي بن الحسين الأصغر مع أبيه [ في ] كربلاء ، وهو ابن ثلاث وعشرين سنة(٢) ، وكان مريضا ، وكان ابن أمّ ولد.

[ أمه ]

واختلفوا في أمه ، فقال بعضهم : كانت سندية.

وقال آخرون : تسمى جيدة.

وقال بعضهم : كانت تسمى سلامة(٣) .

وقال ابن الكلبي : ولّى علي بن أبي طالبعليه‌السلام الحريث بن جابر الحنفي جانبا من المشرق ، فبعث إليه ببنت يزدجرد شهرياران بن كسرى ، فأعطاها عليعليه‌السلام ابنه الحسينعليه‌السلام (٤) فولدت منه عليا(٥) .

__________________

(١) وهو الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام. كنيته : أبو عبد الله المدني ، ولد بالمدينة سنة ١٧٢ ه‍ وهو أحد النسابين المعروفين ، وكان شاعرا صدوقا راوية نبيل القدر ، ولي قضاء مكة ، توفي في مكة ٢٥٦ ه‍ ( رجال المامقاني ١ / ٤٣٧ ، الاعلام ١ / ٣٣٢ ).

(٢) غاية الاختصار لتاج الدين ابن زهرة المتوفى ٧٥٣ ه‍ ص ١٥٦.

(٣) قال ابن قتيبة في المعارف ص ٩٤ : إن اسمها سندية ، ويقال لها : سلافة ، ويقال : غزالة. وفي مرآة الجنات لليافعي ١ / ١٩٠ هكذا. وفي النجوم الزاهرة لابن التغربردي ١ / ٢٢٩ : أن اسمها سندية.

(٤) وفي الارشاد ص ١٣٩ : وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام ولّى حريت بن جابر الحنفي جانبا من المشرق ، فبعث إليه بابنتي يزدجرد بن شهرياران بن كسرى ، فنحل ابنه الحسين شاه زنان منهما ، فأولدها الامام زين العابدين. وفي اصول الكافي ١ / ٤٦٦ : إن اسمها شهربانويه بنت يزدجرد بن شهريار. وفي المناقب ٤ / ١٧٦ : إن اسمها شهربانويه ، ويسمونها أيضا شاه زنان. وفي الفصول المهمة لابن الصباغ ص ١٩٩ : اسمها شاه زنان بنت كسرى. ولم يتعرض المؤلف الى اسمها في هذا النقل. ومعنى شاه زنان أي ملكة النساء وشهربانويه أي ملكة المدينة. وربما يعود اختلاف الروايات في تسميتها الى ما قيل إن أمير المؤمنينعليه‌السلام سألها يوما عن اسمها ، فقالت : شاه زنان. فقالعليه‌السلام : أنت شهربانويه. وأظن هذا التغير لاجل اختصاص الزهراء بذلك كما مرّ في ج ١١ أن فاطمة هي سيدة نساء العالمين.

(٥) والى هذا يشير أبو الاسود الدؤلي :

٢٦٦

وقال غيره : إن حريث بن جابر بعث الى أمير المؤمنين ببنتي يزدجرد بن شهرياران بن كسرى ، وأعطى واحدة منهما ابنه الحسينعليه‌السلام فأولدها علي بن الحسين ، وأعطى الاخرى محمد بن أبي بكر فأولدها قاسم بن محمد بن أبي بكر فهما ابنا خاله.

فهذا نقض الخبر الأول الذي فيه أن علي بن الحسينعليه‌السلام ولد في سنه ثلاث وثلاثين من الهجرة(١) في أيام عثمان ، وذلك قبل أن يصير ظاهر الامر الى عليعليه‌السلام .

والأول أثبت ، ويؤيد ذلك أن علي بن الحسينعليه‌السلام قد روى عن علي بن أبي طالب أخبارا حملت عنه منها :

[ ما يتبع الرجل بعد موته ]

[١١٧١] ما رواه عن سعيد بن طريف ، أنه قال : حدثني علي بن الحسينعليه‌السلام ، أنه قال : سمعت علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقول :

أيها الناس أتدرون ما يتبع الرجل بعد موته؟

فسكتوا.

فقالعليه‌السلام : يتبعه الولد ، يتركه فيدعو له بعد موته ويستغفره. ويتبعه الصدقة أوقفها في حياته ، فيتبعه أجرها بعد موته.

ويتبعه السنّة الصالحة يعمل بها ، فيعمل بها بعد موته فيتبعه أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقض من أجرهم شيئا.

[ موقفه الصمودي ]

[١١٧٢] وروي عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أنه

__________________

وان غلاما بين كسرى وهاشم

لأكرم من نيطت عليه التمائم

(١) دلائل الامامة للطبري ص ٨١ ، وبحار الانوار ١١ / ٤.

٢٦٧

قال : قدم بنا على يزيد بن معاوية لعنه الله بعد ما قتل الحسينعليه‌السلام ونحن اثنا عشر غلاما ليس منا أحد إلا مجموعة يداه الى عنقه وفينا علي بن الحسين. فقال لنا يزيد : صيرتم أنفسكم عبيدا لأهل العراق ، ما علمت بمخرج أبي عبد الله حتى بلغني قتله.

( كذب عدوّ الله بل هو الذي جهز إليه الجيوش وقد ذكرت خبره فيما مضى ).

فتلا علي بن الحسين :( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ. لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) (١) .

فأطرق مليا وجعل يعبث بلحيته وهو مغضب ثم قرأ( ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) (٢) . ثم قال : يا أهل الشام ما ترون في هؤلاء؟

فقال قائلهم : قد قتل(٣) ولا تتخذ جروا من كلب سوء.

فقال النعمان بن بشير : انظر ما كنت ترى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفعله فيهم لو كان حيا ، فافعله.

فبكى يزيد ، فقالت فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام : يا يزيد ما تقول في بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا عندك.

فاشتدّ بكاؤه حتى سمع ذلك نساؤه ، فبكين حتى سمع بكاؤهن من كان في مجلسه.

__________________

(١) الحديد : ٢٢ و ٣٣.

(٢) الشورى : ٣٠.

(٣) هكذا في الاصل.

٢٦٨

وقيل : إن ذلك بعد أن أجلسهنّ في منزل لا يكنهنّ من برد ولا حر. فأقاموا فيه شهرا ونصف حتى اقشرت وجوههنّ من حرّ الشمس ، ثم أطلقهم.

[ دين الحسينعليه‌السلام ]

[١١٧٣] وروي عن جعفر بن محمد ، أنه قال : اصيب الحسينعليه‌السلام وعليه دين بضع وسبعون ألف دينار. قال : وكفّ يزيد عن أموال الحسينعليه‌السلام ، غير أن سعيد بن العاص هدم دار علي بن أبي طالب ودار عقيل ودار الرباب بنت امرئ القيس ، وكانت تحت الحسين ، وهي أم سكينة.

قال : واهتمّ أبي ـ علي بن الحسينعليه‌السلام ـ بدين أبيه هما شديدا حتى امتنع من الطعام والشراب والنوم في اكثر أيامه ولياليه.

فأتاه آت في المنام ، فقال له : لا تهتمّ بدين أبيك فقد قضاه الله بمال بجيش.

( فقال علي له : والله ما أعرف في أموال أبي مالا يقال له : بجيش )(١) .

فلما كان في الليلة الثانية رأى مثل ذلك ، فسأل عنه أهله.

فقالت له امرأة من أهله : كان لأبيك عبد رومي يقال له بجيش ، استنبط له عينا بذى خشب ، فسأل عن ذلك ، فأخبر به. وأن الحسين كان [ قد ] أعطى الرباب بنت امرئ القيس منها سقي يوم السبت وليلة السبت نحلة فورثت ذلك سكينه بنتها.

فما مضت بعد ذلك قلائل حتى أرسل الوليد بن عتبه بن أبي

__________________

(١) قال ابن شهرآشوب في المناقب ٤ / ١٤٤ : بجنس. وفي سفينة البحار ١ / ٤٧٧ : نحيس بالحاء المهملة.

٢٦٩

سفيان الى علي بن الحسينعليه‌السلام يقول له : انه ذكرت لي عين أبيك بذي خشب تعرف بجيش ، فان أحببت بيعها ابتعتها منك.

قال له علي بن الحسينعليه‌السلام : خذها بدين الحسينعليه‌السلام ، وذكر له. قال : أخذتها.

واستثنى منها ما كان لسكينة. وأوفى دين الحسينعليه‌السلام .

[ دعاؤه على قاتل أبيه ]

وكان علي بن الحسينعليه‌السلام يدعو في كل يوم وليلة أن يريه الله قاتل أبيه مقتولا. فلما قتل المختار(١) قتلة الحسينعليه‌السلام بعث برأس عبيد الله بن زياد ورأس عمر بن سعد(٢) مع رسول من قبله الى علي بن الحسينعليه‌السلام . وقال لرسوله : إنه يصلّي من الليل فإذا أصبح وصلّى الغداة هجع(٣) ثم يقوم [ فيستاك ] ، يؤتى بغذائه ، فاذا أتيت بابه ، فاسأل عنه ، فاذا قيل لك إن المائدة وضعت بين يديه فاستأذن عليه وضع الرأسين على [ مائدته ] ، وقل له :

__________________

(١) وهو المختار بن أبي عبيدة مسعود الثقفي ، كنيته : أبو إسحاق ، ولد في السنة الاولى للهجرة ، وهو من أهل الطائف. انتقل منها الى المدينة مع أبيه في زمن عمر ، وتوجه أبوه الى العراق ، فاستشهد بوم الجسر ، وبقى المختار في المدينة منقطعا الى بني هاشم وعمه سعد بن مسعود الثقفي أمير المدائن ، وسكن البصرة. ولما قتل الحسينعليه‌السلام قبض عليه ابن زياد أمير البصرة ونفاه بشفاعة عبد الله بن عمر ( زوج اخت المختار ) الى الطائف ، ولما مات يزيد بن معاوية رجع الى العراق ودخل الكوفة وقتل قتلة الحسينعليه‌السلام ، قاتله مصعب بن الزبير ، فقتله ( تاريخ الطبري ٧ / ١٤٦ ، الحور العين ص ١٨٢ ، الكامل ٣ / ٤٠٤ ).

(٢) وهو عمر بن سعد بن أبي وقاص ، أرسله عبيد الله بن زياد على أربعة آلاف لقتال الديلم ، وكتب له عهده على الري. ثم لما علم ابن زياد بمسير الحسينعليه‌السلام من مكة الى الكوفة ، كتب الى عمر بن سعد أن يعود بمن معه فولاه قتال الحسينعليه‌السلام ، فاستعفاه أولا ، ثم أطاع فكانت الفاجعة بمقتل الحسينعليه‌السلام ، وعاش الى أن خرج المختار فقتل بيده ( طبقات ابن سعد ٥ / ٩٣٥ ، الكامل ٤ / ٣١ ).

(٣) وفي المناقب ٤ / ١٤٤ : نام.

٢٧٠

المختار يقرئ عليك السلام ويقول لك : يا ابن رسول الله قد بلغك الله ثارك.

ففعل الرسول ذلك. فلما رأى علي بن الحسين رأسين على [ مائدته ] خرّ لله ساجدا ، وقال : الحمد لله الذي أجاب دعائي(١) وبلغني ثاري من قتلة أبي.

ودعا للمختار وجزاه خيرا(٢) .

[١١٧٤] وروي عن عبد الله بن موسى ، عن أبيه ، عن جده ، أنه قال : كانت أمي فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام تأمرني أن أجلس الى خالي علي بن الحسينعليه‌السلام ، فما جلست إليه مجلسا قط إلا أفدت منه علما(٣) .

[ زهدهعليه‌السلام ]

[١١٧٥] سعيد بن كلثوم ، قال : كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام فذكر علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال : والله ما أكل من الدنيا حراما قط حتى مضى لسبيله ، وما عرض عليه أمران هما رضاء الله إلا أخذ بأشدها عليه في دينه ، [ وما نزلت ] برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نازلة [ قط ] إلا ودعاه يقدمه أمامه لها ثقة به ، وما أطاق عمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه الامة غيره ، وأنه كان ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنة والنار يرجو ثواب هذه ويخاف عقاب هذه.

__________________

(١) وفي المناقب أيضا : دعوتي.

(٢) وعن الامام الباقرعليه‌السلام : لا تسبوا المختار ، فانه قتل قتلتنا وطلب ثارنا وزوّج أراملنا وقسّم فيئنا ( بحار الانوار ١٠ / ٢٨٣ ). قالت فاطمة بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام : ما تحنأت امرأة منا ولا أجالت في عينها مرودا ، ولا امتشطت حتى بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد. قال الكشي في رجاله ص ١١٥ : وصفوة القول في شأن المختار : كان رجلا صادقا في أخذه لثار الحسينعليه‌السلام .

(٣) وفي بحار الانوار ٤٦ / ٧٣ : فما جلست إليه قط إلا قمت بخير قد أفدته إما خشية لله تحدث لله في قلبي لما أرى من خشيته لله ، أو علم استفدته منه.

٢٧١

ولقد أعتق من ماله ألف مملوك ابتغاء وجه الله ، والنجاة من النار مما كدّ فيه بيده ورشح فيه جبينه ، وأنه كان ليقوت بالخل والزبيب والعجوة ، وما كان لباسه إلا الكرابيس ، إذا فصل شيء من يده من كمه قطعه بالجلم ، وما أشبهه من أهل بيته أحد ، وان كان أقرب القوم شبها في أحواله وأفعاله علي بن الحسينعليه‌السلام .

[ عبادتهعليه‌السلام ]

[١١٧٦] وجاء عن أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام ، أنه دخل على أبيه علي بن الحسينعليه‌السلام فرآه في حال رق له بها ، لما بلغت به العبادة ، وقد اصفرّ لونه من السهر والصيام ورمضت عيناه من البكاء ودثرت [ جبهته ] وانخرم [ أنفه ] من السجود ، وورم كفاه وقدماه من القيام فلم يملك أن بكى رحمة له.

قال : فعلم أني بكيت لما رأيت منه. فقال : يا بني أعطني بعض الصحف التي فيها ذكر عبادة عليعليه‌السلام . فأعطيته منها صحيفة ، فنظر في شيء منها ، ثم وضعها بين يديه ، وقال : ومن يقوى على عبادة علي. ثم لم يمت حتى عمل بعمل عليعليه‌السلام .

[١١٧٧] وعن أبي جعفرعليه‌السلام ، أنه قال : كان علي بن الحسينعليه‌السلام يصلّي في كل يوم وليلة ألف ركعة وان كانت الريح لتميله اذا هو قائم في الصلاة كما تميل السنبلة.

[١١٧٨] وعن سفيان بن عيينة ، أنه قال : ما رؤي علي بن الحسينعليه‌السلام جائرا بيده فحدثه فهو يمشى زاره(١) .

[١١٧٩] وروي عن زرارة بن أعين ، أنه قال : كانت لعلي بن الحسين

__________________

(١) وفي بحار الانوار ٤٦ / ٩٣ : جائزا بيديه فخذيه وهو يمشي.

٢٧٢

عليه‌السلام ناقة ، حج عليها أربعا وعشرين حجة ما أقرعها قرعة قط.

[١١٨٠] إبراهيم بن علي الواقفي(١) ، عن أبيه ، قال : حججت مع علي بن الحسينعليه‌السلام يوما وهو على ناقة له ، فالتاثت عليه ، فرفع القضيب ، فأشار عليها به ، وقال : لو لا خوف القصاص لفعلت.

[١١٨١] ومرّ علي بن الحسينعليه‌السلام يوما على سعيد بن المسيب وعنده رجل [ قرشي ] فقال له : من هذا؟

فقال ابن المسيب. هذا سيد العابدين علي بن الحسين.

[١١٨٢] أبو حمزة اليماني ، قال : سمعت علي بن الحسين يقول : ما احب أن لي بنصيبي من الدنيا حمر النعم. وما تجرعت جرعة هي أحب إليّ من جرعة غيظ لا اكاف عليها صاحبها.

[ الإنفاق في سبيل الله ]

[١١٨٣] وروي عن جعفر بن محمد ، أنه قال : كان علي بن الحسينعليه‌السلام يعجبه العنب ، فدخل منه الى المدينة شيء حسن ، فاشترت منه أمّ ولده شيئا ، وأتت به عند افطاره ، فأعجبه ، فمن قبل أن يمدّ يده إليه وقف بالباب سائل ، فقال لها : احمليه إليه ، فقالت : يا مولاي بعضه يكفيه ، قال : لا. وأرسله إليه كله. واشترت له من غد ، وأتت به إليه فوقف السائل ، ففعل مثل ذلك [ فأرسله إليه ]. واشترت له في الليلة الثالثة ، ولم يأت السائل ، فأكل ، وقال : ما فاتنا عنه شيء والحمد الله.

[ مسرف يهدّد السجاد ]

[١١٨٤] وانتهى الى علي بن الحسينعليه‌السلام : أن مسرفا استعمل على

__________________

(١) هكذا في الاصل ، وقد أورد المفيد في الارشاد : الرافعي. وفي نسخة ز : الواثقي.

٢٧٣

المدينة وأنه يتواعده بسوء وكان يقولعليه‌السلام : لم أر مثل التقدم في الدعاء له لأن العبد [ ليس يحضره ] الاجابة في كل [ وقت ] فجعل يكثر من الدعاء لما اتصل به عن مسرف.

وكان من دعائه : ربّ كم من نعمة أنعمت بها عليّ قلّ لك عندها شكري ، وكم من بلية ابتليتني بها قلّ لك عندها صبري ، فكم من معصية أتيتها فسترتها عليّ ولم تفضحني. يا من قلّ له عند نعمته شكري ، فلم يحرمني ، [ و ] يا من قلّ له عند بليته صبري فلم يخذلني ، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني. يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا ، [ و ] يا ذا النعم التي لا تحصى عددا ، صلّ على محمد وعلى آل محمد وبك أدفع نحره وبك أستعيذ من شره.

فلما قدم مسرف الى المدينة أرسل الى علي بن الحسين وعنده مروان بن الحكم ، وقد علم ما ذكره من وعيده ، فجعل يغريه به ، فلما دخل عليه ، قام إليه ، فاعتنقه وقبّل رأسه ، وأجلسه الى جانبه ، وأقبل عليه بوجهه ليسأله عن حاله وأحوال أهله ، فلما رأى ذلك مروان جعل يثني على علي بن الحسينعليه‌السلام ويذكر فضله.

فقال مسرف : دعني عن كلامك ، فاني إنما فعلت ما فعلت من بره واكرامه وقضاء حوائجه ما قد أمرني به أمير المؤمنين.

ثم قال لعلي بن الحسينعليه‌السلام : إنما جعلت الاجتماع معك لما سبق إليك عني لأن لا تستوحش مني ، وأنا احب الاجتماع معك والانس بك ، والتبرك بقربك ، والنظر فيما تحب من صلتك وبرك وأنا على ذلك ، لكني أخاف أن يستوحش أهلك إن طال عندي مقامك ، فانصرف إليهم ليسكنوا ويعلموا ويعلم الناس مالك عند أمير المؤمنين وعندي من الجميل.

ثم قال : قدّموا دابته.

٢٧٤

قالوا : ماله دابة.

قال مسرف : قدّموا له دابتي.

فقدّموها له بين يديه ، وعزم عليه أن يركبها ، فركب ، وانصرف الى أهله ، وهم والناس ينظرون ما يكون منه فيه.

[ وفاته ]

توفي علي بن الحسينعليه‌السلام بالمدينة أول سنة أربع وتسعين(١) ، وكان يكنى : أبا الحسين(٢) .

[١١٨٥] وغسله أبو جعفر ابنه محمد بن علي ، فلما أراد أن يغسل فرجه ، قال : لقد كنت أجلّك عن أمسّ فرجك حيا ، وأنت ميتا كما كنت حيا فما كنت لأمس عورتك. ودعا بام ولد له فتولت غسل عورته.

ودفن في البقيع.

وضربت امرأته على قبره فسطاط ( فلما كان العشي جاءت ناقة له فوضعت جرانها على الفسطاط ) وجعلت تحن.

فقال أبو جعفرعليه‌السلام لبعض مواليه : نحّها لأن لا يرى الناس. فأخذ بمشفرها ونحاها عن الفسطاط.

وتوفي علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة.

[ ضبط الغريب ]

الجران : مقدم العنق من مذبح البعير الى منحره ، فاذا برك البعير ومدّ عنقه على الارض قيل ألقى بجرانه على الارض.

مشفر البعير : شفته السفلى المتدلية.

__________________

(١) وفي الارشاد واصول الكافي ١ / ٤٦٩ : قبض في سنة خمس وتسعين وله سبع وخمسون سنة.

(٢) وفي نسخة ز : أبا الحسن.

٢٧٥

الامام محمد الباقر عليه السلام

وأما أبو جعفر محمد بن علي بن الحسينعليه‌السلام كانت أمه أمّ عبد الله [ فاطمة ] بنت [ الحسن ] بن علي بن أبي طالب. وقيل إنه أول من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين.

[١١٨٦] وروى يحيى بن الحسن ، عن أبي برة قال : حدثنا عبد الله بن ميمون القداح ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن عليعليه‌السلام قال : دخلت على جابر بن عبد الله الانصاري ، وقد كفّ بصره ، فسلّمت عليه ، فردّ عليّ السلام ، وقال : من أنت؟ قلت : محمد بن علي بن الحسينعليه‌السلام ، فقال لي : بأبي وامّي ادن مني. فقبّل يدي ثم أهوى الى رجلي ليقبّلهما ، فاجتذبتهما. ثم قال : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرئك السلام. فقلت : على رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته ، وقلت له : وكيف ذلك يا جابر؟ قال : كنت ذات يوم ، فقال لي : يا جابر ستلقى بعدي محمد بن علي بن الحسين من ولدي ، وهو رجل يهب الله له النور والحكمة ، فأقرته مني السلام.

وحديث جابر هذا مع محمد بن عليعليه‌السلام حديث مشهور معروف يرويه عند الخاص والعام ، رواه فقهاء أهل المدينة وأهل العراق من العامة ،

٢٧٦

ويؤثر عن كبرائهم ، يرويه أبو حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم.

ومنه أخذوا ذكر حجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لان أبا جعفر محمد بن عليعليه‌السلام سأل عنها جابر بن عبد الله الانصاري في هذا المجلس لانه شهدها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأخبره بها شيئا فشيئا مذ خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة الى قضاء الحج ، وهو أتم حديث جاء في ذلك يروي عن أبي جعفر [ محمد ] بن عليعليه‌السلام .

وكان أفقه أهل زمانه ، وأخذ عنه ظاهر علم الحلال والحرام أهل الفقه من الخواص والعوام(١) . وسمي باقر العلوم لانه أول من يقرأ عنه من الائمة من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأظهره ، وذلك لانه وجد من الزمان لينا من بني أميّة لقرب انقطاع أيامهم ولشغل من بقي منهم بلهوهم وآثامهم(٢) .

[١١٨٧] وروي عن عبد الرحمن بن صالح الازدي ، عن ابي مالك الحسني ، عن عبد الله بن العطاء المكي ، قال : ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين لتواضعهم

__________________

(١) قال محمد بن مسلم : سألت الباقرعليه‌السلام عن ثلاثين الف حديث ( المناقب ٤ / ١٩٥ ).

(٢) وقد أشار المؤلف الى هذا في ارجوزته :

أظهر ما رواه عن آبائه

من جملة الفقه على استوائه

وحدّث الناس بما كان سمع

من ظاهر الحديث عنهم فاتبع

واحتاج للذي روى كل أحد

فأقبلوا إليه من كل بلد

وضرب الناس من الآفاق

إليه في الركب وفي الرفاق

ودخلوا في جملة الوفود

وعدد الجماعة العديد

الى أن يقول :

ووجدت شيعته بعض الفرج

وزال عنها كل أسباب الحرج

وكان ذاك من ولي النعمة

حياطة لدينه ورحمة

ولو تمادت شدة البلية

لا نقطع الدين على الكلية

والله ذو النعمة والآلاء

يمتحن العباد بالبلاء

( الارجوزة المختارة ص ١٨٨ )

٢٧٧

له ولمعرفتهم لحقّه ولعلمه واقتباسهم منه. ولقد رأيت الحكم بن عيينة على حالته في الناس وسنّه وهو بين يديه يتعلم منه ، ويأخذ منه كالصبي بين يدي المعلم.

[ الخضر مع الامام الباقر ]

[١١٨٨] وروي عن جعفر بن محمد بن علي ، أنه قال : حججت مع أبي محمد بن علي ، فبينا هو يصلّي من الليل في الحجر في ليالي العشر ، وأنا خلفه إذ جاء رجل أبيض الرأس واللحية جليل العظام بعيد ما بين المنكبين عريض الصدر عليه ثوبان غليظان أبيضان في هيئة المحرم ، فجلس الى جانبه فكأنه ظن أنه يريد حاجة ، فخفف الصلاة ، فلما سلّم أقبل إليه بوجهه ، فقال له الرجل : يا أبا جعفر أخبرني عن بدء خلق هذا البيت كيف كان؟

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : ممن أنت؟

فقال له الرجل : من أهل الشام.

فقال لهعليه‌السلام : إن أحاديثنا إذا اسقطت الى الشام جاءتنا صحاحا ، واذا اسقطت الى العراق جاءتنا وقد زيد فيها ونقص. ( يعني أن شيعتهم بالعراق كثيرا بأخذ ذلك بعضهم من بعض ، فيقع من ذلك الزيادة والنقصان بين النقلة ، وهم بالشام قليل ، فاذا سقط الحديث الى من يسقط إليه بقي على حاله ).

قال : ثم أقبل عليه فقال : بدء خلق هذا البيت ، إن الله تعالى لما قال للملائكة( إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) (١) .

فردّوا عليه بقولهم :( أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ

__________________

(١) البقرة : ٣٠.

٢٧٨

الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ) .

وقالوا بأنفسهم : نحن الحافّون بعرشه والمسبّحون بحمده ، فيستخلف غيرنا ، ونحن أقرب إليه.

قال الله عزّ وجلّ :( إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ ) . ( وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ». ) فعلموا أنهم قد وقعوا في الخطيئة ، فعاذوا بالعرش ، فطافوا سبعة أشواط ليسترضوا ربهم عزّ وجلّ ، فرضي عنهم.

وقال لهم : اهبطوا الى الارض فابنوا لي بيتا يلوذ به من أذنب من عبادي ، ويطوف حوله كما طفتم أنتم حول عرشي ، فأرضى عنهم كما رضيت عنكم.

فبنوا هذا البيت ، فهذا يا عبد الله بدء هذا البيت.

قال له الرجل : صدقت يا أبا جعفر ، فما بدء هذا الحجر؟

قالعليه‌السلام : إن الله عزّ وجلّ لما أخذ ميثاق بني آدم أجرى نهرا أحلى من العسل ، وألين من الزبد ، ثم أمر القلم [ فاستمدّ ] من ذلك النهر وكتب اقرارهم ، وما هو كائن الى يوم القيامة ثم ألقم الكتاب هذا الحجر. فهذا الاستلام الذي ترى إنما هو بيعة على إقرارهم.

قال جعفر بن محمدعليه‌السلام : وكان أبي إذا استلم الركن قال : « اللهمّ أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته ليشهد لي عندك بالوفاء ».

فقال له الرجل : صدقت يا أبا جعفر. ثم قام ، فلما ولى [ قال لي ] أبي : اردده عليّ. فخرجت وراءه وأنا وراءه الى أن حال الزحام بيني وبينه حتى الى الصفا ، فعدت الى الصفا ، فلم أره.

( فذهبت الى المروة فلم أره ، فجئت الى أبي ، فأخبرته. قال [ أبي ] : إني أراه الخضرعليه‌السلام ).

٢٧٩

فهذا يؤثر عن أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام على ظاهر القول فيه وتحته من سرّ الحكمة في الباطن ما هو جوهره ولبابه وسرّ الحكمة فيه.

[ مع هشام بن عبد الملك ]

[١١٨٩] ويروى عن الزهري ، أنه قال : حج هشام بن عبد الملك ، فدخل المسجد الحرام معتمدا على يد سالم مولاه ، ورأى محمد بن علي جالسا في المسجد والناس حوله يسألونه.

فقال له سالم : يا أمير المؤمنين هذا محمد بن علي بن الحسينعليه‌السلام .

قال له هشام : المفتون به أهل العراق؟

قال : نعم.

قال [ هشام ] : اذهب إليه ، وقل له يقول لك أمير المؤمنين : ما الذي يأكل الناس يوم القيامة ويشربون الى أن يفصل بينهم.

فجاء إليه فذكر له ذلك.

فقال له أبو جعفر : إن الله عزّ وجلّ يقول :( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ) (١) . فيحشر الناس يوم القيامة على الارض. وتكون لهم الخبزة النقية يأكلون منها [ وأنهار متفجرة يشربون منها ] الى أن يفرغ من حسابهم.

فانصرف سالم الى هشام ، فأخبره بجوابه ، فرأى هشام أنه ظفر به.

فقال : الله اكبر ، ارجع إليه ، فقل له : ما شغلهم عن الأكل والشراب يومئذ ما هم فيه من هول يوم القيامة.

فرجع إليه فقال له ذلك.

__________________

(١) ابراهيم : ٤٨.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597