شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٣

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار6%

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 597

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 597 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 207203 / تحميل: 7174
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : هم في النار أهول من ذلك وما شغلهم ما هم فيه أبدا عن أن قالوا لأهل الجنة :( أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ ) (١) . وأكلوا الضريع(٢) والزقوم(٣) وشربوا الصديد(٤) والحميم(٥) .

فرجع الى هشام ، فأخبره ، فأفحم ، فلم يحر جوابا.

[١١٩٠] قيس بن ربيع ، قال : سألت أبا اسحاق [ السبيعي ] عن المسح ( يعني : على الخفين ) ، فقال : أدركت الناس يسحبون حتى لقيت محمد بن على بن الحسين وما رأيت مثله. فسألته عن المسح ، فنهاني عنه ، وقال : لم يكن عليعليه‌السلام يمسح [ عليها ] ، [ وكان يقول ](٦) :

وسبق [ الكتاب ] الكعبان الخفين ( يعني قول الله عزّ وجلّ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (٧) ) قال أبو اسحاق : فما مسحت مذ نهاني.

قال قيس : فما مسحت مذ سمعت هذا من أبي اسحاق.

[١١٩١] الزبير [ بن ] أبي بكر ، قال : كان محمد بن علي بن الحسين يدعى باقر العلم لأهل التقى ، وله يقول القرضي(٨) شعرا :

__________________

(١) الاعراف : ٥٠.

(٢) الغاشية : ٦.

(٣) الواقعة : ٥٢.

(٤) ابراهيم : ١٦.

(٥) يونس : ٤.

(٦) هكذا صححناه وفي الاصل : قال عليعليه‌السلام .

(٧) المائدة : ٦.

(٨) هكذا في الاصل ، وفي نسخة ز : القويطي ، وفي المناقب ٤ / ١٩٧ : القرطي ، وفي الارشاد القرطبي.

٢٨١

يا باقر العلم لأهل التقى

وخير من أبى على الأجبل

قال الزبير : وقال مالك بن أعين [ الجهني ] في محمد بن علي بن الحسين شعرا :

إذا طلب الناس علم القرآن

كانت قريش عليه عيالا

وان قيل هذا(١) ابن بنت النبي

رأيت(٢) لذلك فرغا طوالا

نجوم تهلل للمد لجي

ن جبال تورث علما جبالا(٣)

[ أردت أن أعظه فوعظني ]

[١١٩٢] وكان محمد بن المنكدر ، يقول : ما كنت أظن أني أرى مثل علي بن الحسينعليه‌السلام حتى رأيت ابنه محمد بن عليعليه‌السلام ، ولقد أردت مرة أن أعظه فوعظني.

فقيل له : وكيف ذلك؟

قال : خرجت الى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيني أبو جعفرعليه‌السلام ، وكان رجلا بدينا ثقيل الجسم وهو معتمد على غلامين له أسودين. فقلت في نفسي : شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحالة في طلب الدنيا ، لأعظه. فدنوت منه ، فسلّمت عليه ، ورأيته قد [ تصبب ] عرقا.

فقلت : أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحالة في طلب الدنيا ، أرأيت لو جاءك الموت وأنت على هذه

__________________

(١) وفي الارشاد : قيل قلت أين.

(٢) وفي الارشاد أيضا : ابن لذلك.

(٣) ونقلها ابن المهنا في عمدة الطالب ص ١٩٥ بهذه الصورة :

إذا طلب الناس علم القرآن

كانت قريش عليه عيالا

وان قيل هذا ابن بنت النبي

نال بذاك فروعا طوالا

نجوم تهلل للمد لجي

ن جبالا تورث علما جيالا

٢٨٢

الحال في طلب الدنيا.

قال : فخلا الغلامين من يده ، ثم تساند الى الحائط ، فقال :

لو جاءني [ والله ] الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا على طاعة من طاعة الله عزّ وجلّ ، اكفّ بها نفسي وأهلي عن الناس ، وانما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله.

قلت : رحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني.

[١١٩٣] وقيل : إن أبا جعفر محمد بن علي بن الحسينعليه‌السلام كان يحبو قوما يغشون مجلسه الخمسمائة الى الالف [ درهم ] كل رجل منهم ، وكان يحب مجالستهم ولا يملّهم ، منهم : عمرو بن دينار ، وعبد الله بن عبيدة بن عميرة.

قال سفيان : وكان يحمل الصلة والكسوة ويقول : هنيئا لكم من أول السنة.

[ هكذا الاخوّة ]

[١١٩٤] الحسن بن كثير ، قال : جلست الى جعفر بن محمد بن علي بن الحسينعليهم‌السلام ، فسألني عن حالي ، فشكوت إليه تخلل المال وجفاء الاخوان.

فقال : ليس الأخ أخا يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا. ثم أمر الى غلام كان بين يديه كلام. فأخرج كيسا ، فدفعه إليّ ، وقال : استعن بهذا ، وإذا نفذ فأعلمني. فوجدت فيه سبعمائة درهم.

[١١٩٥] الحسن بن صالح ، قال : سمعت أبا جعفر يقول : ما شيب شيء بشيء أحسن من حلم بعلم(١) .

__________________

(١) يشير الامامعليه‌السلام الى النتيجة الطيبة التي تستحصل من خلط وشيب الحلم بالعلم. وقد نقل

٢٨٣

[ مع أبي هاشم ]

[١١٩٦] عبد الله بن الحسين ، قال : وقف أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية(١) على أبي جعفر محمد بن علي بن الحسينعليه‌السلام ، وهو في المسجد وحوله جماعة من الناس قد اختلفوا يأثرون عنه ويستفتونه ، فحسده أبو هاشم ، فشتمه وشتم أباه ، وقال : تدعون وصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالأباطيل وهي لنا دونكم.

فأقبل عليه أبو جعفر غير مكترث ، فقال : قل ما بدا لك ، أنا ابن فاطمة وأنت ابن الحنفية ، فوثب الناس على أبي هاشم يرمونه بالحصاة ويضربونه بالنعال حتى أخرجوه من المسجد.

[ مع زيد بن علي ]

ولمّا نظر زيد بن علي بن الحسين الى اقبال الناس على أخيه محمد

__________________

والد الشيخ البهائي في كتابه نور الحقيقة ص ٢١٢ : أنه قيل للاسكندر : إن فلانا وفلانا ينتقصانك ويثلبانك فلو عاقبتهما. فقال : هما بعد العقوبة أعذر في نقصي وثلبي.

(١) ذكر اسمه في كتاب منتقلة الطالبيين المخطوط بمكتبة أمير المؤمنين العامة في النجف الاشرف ص ٤٢ ، وقال : حبسه الوليد بن عبد الملك في شيء كان بينه وبين زيد بن الحسن ، وأراد قتله ، فوفد عليه علي بن الحسين ، وسأله في اطلاقه ، فأطلقه ، وقتله سليمان بن عبد الملك سقاه السم ، فمات بالحمية والبلق من أرض الشام.

وقال عبد القاهر البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق ص ٣٠٩ : إنه من شيوخ واصل بن عطاء. وقال السيد الخوئي في رجاله ١٠ / ٣٢١ : قال السيد ابن المهنا في عمدة الطالب ( الفصل الثالث من الاصل الثالث في عقب محمد بن الحنفية ) : فأما أبو هاشم المعروف بعبد الله الاكبر إمام الكيسانية ، وعنه انتقلت البيعة الى بني العباس.

وعن ابن شهرآشوب في المناقب : إن أبا هاشم هذا كان ثقة جليلا من العلماء. روى عنه الزهري وأثنى عليه ، وعمرو بن دينار وغيرهما مات سنة تسع أو ثمان وتسعين.

أقول ( والكلام للامام الخوئي دام ظله ) : لم نجد هذا في المناقب والله العالم.

٢٨٤

بن علي ( وعلو ذكره فيهم حسده ) وقال له : مالك لا تقوم وتدعو الناس الى القيام معك؟ فأعرض عنه وقالعليه‌السلام له : لهذا وقت لا نتعداه. فدعا الى نفسه ، وقال له : انما الامام منا من أظهر سيفه ، وقام يطلب حق آل محمد لا من أرخى عليه سترا وجلس في بيته. وأوهم الشيعة أنه انما قام بأمر أخيه ، فأجابه جماعة منهم ، وأظهر نفسه.

فقال أبو جعفر : يا زيد إن مثل القائم من أهل هذا البيت قبل قيام مهديهم مثل فرخ نهض من عشه من قبل أن يستوي جناحاه ، فاذا فعل ذلك سقط فأخذه الصبيان يتلاعبون به(١) ، فاتق الله في نفسك أن لا تكون غدا المصلوب بالكناسة. فلم يلتفت الى قوله ، فأظهر البراءة منه ، فلما أحسّ الشيعة ، توقف كثير من كان انتدب للقيام معه.

[١١٩٧] وجاء بعضهم(٢) ، فقال له : هذا الذي تدعونا إليه عندك فيه

__________________

(١) وفي اصول الكافي ٨ / ٢٦٤ ، عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن رفعة الخبر ، وذكر قسما من الخبر ابن شهرآشوب في المناقب ١ / ١٨٨ و ٢٦٠.

أقول : إن هذا لا يفيدنا وقفة في زيد بعد انقطاع الخبر عن الاسناد ومن المحتمل أن الامام عليه‌السلام لم يكن بصدد بيان حرمة الخروج وانما هو بصدد تعريف زيد بخفايا الحوادث وما قدره الله تعالى وانقضاء دولة الباطل حيث جعل لها حدا محدودا وأمدا تنتهي إليه أسرار منها امتحان الخلق ، واختبار مقدار دولة الباطل حيث جعل لها حدا محدودا وأمدا تنتهي إليه أسرار منها امتحان الخلق ، واختبار مقدار طاعتهم له ، فما لم يبلغ الكتاب أجله لا تزول تلك الدولة الغاشمة ، ولا ينتصر حزب الله إلا بعد تكامل جميع العوامل المؤثرة في الانتصار. فعليه يكون كلامه عليه‌السلام جاريا مجرى الشفقة على تلك النفس الطاهرة من أن تنالها يد السوء والعدوان. فالمراد من قوله عليه‌السلام « فاتق الله في نفسك أن لا تكون غدا المصلوب بالكناسة » بيان الخوف من القتل ، فيذهب ذلك الدم الزاكي ضياعا. وهذا نظير ما جاء في بعض الأخبار من قول الباقر عليه‌السلام حين استشاره زيد على الخروج ، فقال : لا تفعل أن تكون المقتول والمصلوب على ظهر الكوفة. فان النهي فيه للشفقة. وبعبارة اخرى هو نهي إرشادي لا نهي تحريمي ( بعنوان أنه حكم تكليفي ) وبهذا يتضح أن تهجم المؤلف على زيد رحمة الله عليه في غير مورده.

(٢) قال أبو مالك الأحمسي : إنه صاحب الطاق وهو محمد بن النعمان بن أبي طريقة الملقب بأبي جعفر الاحول.

٢٨٥

عهد من أبيك أو من وصية أوصى بها إليك؟

قال [ زيد ] : لا.

فقال : فإن أخاك أبا جعفر يذكر إن أباه عهد إليه عهده ، وأوصى إليه وعرفنا من أشهده علينا من ثقات أوليائه.

قال [ زيد ] : معاذ الله فلو كان ذلك لأطلعني عليه ، والله لقد كان ربما ينفض المخ من العظام ليطعمني اياه ، فما يضعه في فمي حتى يبرده ، فهو يتوقى عليّ من حرارة المخ ولا يتوقى عليّ من حرارة النار! ويطلع غيري على ذلك ويستره عني!

قال الرجل : نعم قد يكون ذلك ، وهذا كتاب الله يشهد به.

قال : وأين هذا من كتاب الله؟

قال : فيما حكاه الله تعالى عن يعقوب عن قوله ليوسف لما أخبره بما رآه وأعلمه أن الامر يصير إليه. فقال له :( يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) (١) وأمره بكتمانه عنهم ، وأخبره بما يصير إليه من الامر( وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ ) (٢) ولم يطلع اخوته على ذلك.

فافحم ولم يحر جوابا(٣) .

__________________

(١) يوسف : ٥.

(٢) يوسف : ٦.

(٣) ذكر السيد علي بن الحسين بن شد قم ص ٧٤ : قال الحافظ علي بن محمد بن علي الخزاز القمي في كفاية الاثر : كان زيد بن عليعليه‌السلام معروفا بالستر والصلاح مشهورا عند الخاص والعام وهو بالمحل الشريف الجليل ، وكان خروجه على سبيل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا على سبيل المخالفة لابن أخيه ( جعفر بن محمد ) ، وإنما وقع الخلاف من جهة الناس ، وذلك أن زيد بن عليعليه‌السلام لما

٢٨٦

وسمع ذلك من بقي معه ممن كان أجابه ، فافترقوا عنه ، فظفر به هشام بن عبد الملك ، فقتله ، وصلبه على كناسة الكوفة ، وأحرقه بالنار. فكان كما حذره أبو جعفر محمد بن علي بن الحسينعليه‌السلام ، وكما وصف له بالفرخ نهض عن عشه من قبل أن يستوي جناحاه ، فأخذه الصبيان يتلاعبون به.

__________________

خرج ولم يخرج جعفر بن محمد توهم قوم من الشيعة أن امتناع جعفر كان للمخالفة ، وإنما كان ضربا من التدبير.

وقالوا : ليس الامام من جلس في بيته وأغلق بابه وأرخى عليه ستره ، وإنما الامام من خرج بسيفه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فهذا سبب وقوع الخلاف بين الشيعة.

وأما جعفر وزيد فما كان خلاف بينهما. والدليل على صحة قولنا قول زيد بن علي عليه‌السلام : من أراد الجهاد فاليّ ، ومن أراد العلم فالى ابن أخي جعفر بن محمد. فلو ادعى الامامة لنفسه لم ينف كمال العلم عن نفسه إذ الامام أعلم من الرعية. ومن المشهور قول جعفر عليه‌السلام : رحم الله عمي زيدا لو ظفر لوفى إنما دعا الى الرضا من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا الرضا.

أقول : فلو فرضنا صحة الروايتين التي نقلهما المؤلف في شأن زيد عليه‌السلام ، وأغمضنا العين عن الاشكالات السابقة فإنها معارضة مع الروايات الصحيحة المستفيضة التي تدل على صحة سلوكه وعلو مقامه وعظيم قدره ، منها :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسين عليه‌السلام : يخرج رجل من صلبك يقال له زيد يتخطى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرا محجلين يدخلون الجنة بغير حساب.

وعن أنس بن مالك ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقتل رجل من ولدي يقال له زيد : بموضع يعرف الكناسة يدعو الى الحق ويتبعه كل مؤمن.

وقال الكشي في رجاله في ترجمة الحميري : عن فضيل الرسان ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام بعد ما قتل زيد بن علي عليه‌السلام فادخلت بيتا في جوف بيت ، وقال لي : يا فضيل قتل عمي زيد بن علي؟

قلت : نعم ، جعلت فداك.

فقال : رحمه‌الله أما أنه كان مؤمنا وكان عارفا وكان عالما وكان صدوقا. أما أنه لو ظفر لوفى ، أما أنه لو ملك لعرف كيف يصنعها.

قال الامام الصادق عليه‌السلام : لا تقولوا خرج زيد ، فان زيدا كان عالما ( اصول الكافي ٨ / ٢٦٤ ).

٢٨٧

[ وفاته ]

واختلف في سنة وفاته ، فقال الواقدي : توفي أبو جعفر محمد بن علي بالمدينة سنة تسع عشر ومائة ، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة.

وقال سفيان بن عيينة : سمعت جعفر بن محمدعليه‌السلام يقول : سمعت أبيعليه‌السلام يقول لعمتي فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام وقد كلّمته في شيء : لي ثمان وخمسون سنة ، وتوفي [ تلك ] السنة.

وقال مصعب بن عبد الله : توفي أبو جعفر محمد بن علي في المدينة سنة أربع عشر ومائة.

قال الزبير : قال لي محمد بن الحسين بن زوالة : توفي محمد بن علي بن الحسينعليه‌السلام في آخر أيام هشام في سنة أربع وعشرين ومائة. وتوفي هشام سنة خمسة وعشرين ومائة ، وكانت ولايته سنة غير شهر واحد ، والله أعلم.

تمّ الجزء الثالث عشر من كتاب شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار سلام الله عليهم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، من تأليف سيّدنا الأجل القاضي النعمان بن محمد بن منصور قدّس الله روحه بحقّ سيدنا محمّد وآله أجمعين.

٢٨٨

٢٨٩

٢٩٠

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الامام الصادق عليه السلام

أما جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام فهو وصيّ أبيه محمد بن عليعليه‌السلام ، وإليه صار الأمر من بعده ، وبه كان يكنى : أبو جعفر.

وكان جعفر يكنى : أبو عبد الله.

وكان أعلم أهل زمانه ، وعنه تفرع العلم بالحلال والحرام في الخاص والعام. ومن رواه(١) عنه من الكبراء المذكورين بالفقه من العامة : أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي(٢) ، ومالك بن أنس المدني(٣) ، وسفيان الثوري ، وشيبة بن عيينة(٤) ، والحسن بن صالح(٥) ، وأيوب السختياني(٦) ، وعمرو بن

__________________

(١) أي روى العلم عنه.

(٢) التيمي الكوفي ، امام الحنفية أحد الائمة الاربعة عند أهل السنّة أصله من فارس ولد سنة ٨٠ ه‍ ونشأ بالكوفة وتوفي سنة ١٥٠ ه‍ ودفن ببغداد.

(٣) قال مالك : ما رأت عين ولا سمعت اذن ولا خطر على قلب بشر ، أفضل من جعفر الصادق فضلا وعلما وعبادة وورعا.

وهو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الاصبحي الحميري امام دار الهجرة وأحد الائمة الاربعة عند أهل السنّة وإليه تنسب المالكية ولد سنة ٩٣ ه‍ بالمدينة وتوفي بها سنة ١٧٩ ه‍.

(٤) هكذا في الاصل وأظنه سفيان بن عيينة.

(٥) هكذا صححناه وفي الاصل : حي بن صالح. وهو أبو عبد الله الحسن بن صالح بن حي الهمداني الثوري الكوفي المولود سنة ١٠٠ ه‍ من زعماء الفرقة البترية من الزيدية توفي مختفيا في الكوفة سنة ١٦٨ ه‍.

(٦) هكذا صححناه وفي الاصل : أيوب ابن السجستاني. هو أبو بكر أيوب بن أبي تميمة كيسان

٢٩١

دينار(١) ، وكثير من علماء العامة.

وكان موصوفا بالعلم والفضل والورع ، لا ينكر فضله ولا يجهل مقامه عند الخاص والعام.

[١١٩٨] عن حمزة بن حمران(٢) ، والحسين بن زياد(٣) ، قالا : صلّينا في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم توجهنا الى أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام ، فدخلنا عليه في داره(٤) ، فأذّن وأقام [ الصلاة ](٥) وتقدم فصلّى ، فتنحينا ناحية ، فلما ركع قلنا : نحسب تسبيحه ، فعدّ أحدنا ثلاثا وثلاثين تسبيحة ، وعدّ الآخر أربعا وثلاثين تسبيحة.

[١١٩٩] وحجّ جعفر بن محمد ، فأتى جمرة العقبة ، فوجد الناس وقوفا عندها فقال : إنا لله ، تستبدعون بدعة ، ودعا غلاما يقال له : سعيد ، فأتاه.

فقال له : نادعني الناس أن ليس هذا موضع وقوف.

فنادى سعيد : أيها الناس يقول لكم مولاي جعفر بن محمد ، انفضّوا ، فليس هذا موضع وقوف.

فانفضّ الناس.

[ سلوني قبل أن تفقدوني ]

[١٢٠٠] صالح بن أبي الأسود(٦) ، قال : سمعت جعفر بن محمد عليه

__________________

السختياني البصري ولد ٦٦ ه‍ سيد فقهاء عصره ( حلية الاولياء ٣ / ٣ ) تابعي من النساك الزهاد توفي ١٣١ ه‍.

(١) أبو محمد الاثرم عمرو بن دينار الجمحي بالولاء كان مفتي أهل مكة ولد ٤٦ ه‍ وتوفي ١٢٦ ه‍.

(٢) وهو حمزة بن حمران بن أعين الشيباني.

(٣) وفي بحار الانوار ٥٠ / ٤٧ : والحسن بن زياد.

(٤) وفي بحار الانوار أضاف : وعنده قوم.

(٥) وفي الاصل : أقام الصلاة.

(٦) وفي بحار الانوار ٤٧ / ٣٣ : عن صالح بن الأسود.

٢٩٢

السلام يقول : سلوني قبل أن تفقدوني فانه لا يحدّثكم أحد بعدي مثلي حتى يقوم صاحبكم.

وكذلك استترت الائمة من بعد للتقية ، فلم يقم أحد منهم بظاهر علم ، ولا أظهره حتى قام المهدي(١) .

والى أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام نسبت الجعفرية ، وهي قرية من قرى الشيعة(٢) كانوا قبل ذلك يقولون بإمامة محمد بن الحنفية ثم اختلفوا ، فتفرقوا فرقا كثيرة بعد ذلك ، وحسبت هذه القرية على أن الإمام في زمانه محمد بن الحنفية ، ثم جعفر بن محمد من بعده ، وفي ذلك يقول السيد الحميري ـ وكان منهم ـ شعرا :

تجعفرت باسم الله والله اكبر

وأيقنت أن الله يعفو ويغفر

في شعر طويل(٣) .

وقال يعتذر الى جعفر بن محمد صلوات الله عليه :

__________________

(١) ومراده المهدي الفاطمي وهو الذي يعتقد المؤلف أنه المهدي الموعود الذي أشار إليه الامام الصادقعليه‌السلام بقوله : صاحبكم. وأما الصحيح فقد انتقل العلم الى ابنه الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام .

(٢) هكذا في الاصل ولم أعثر على اسم هذه القرية في الكتب.

(٣)

ودنت بدين غير ما كنت دائنا

به ، ونهاني سيد الناس جعفر

فقلت هب إني قد تهودت برهة

وإلا فديني دين من يتنصّر

فإني إلى الرحمن من ذاك تائب

وإني قد أسلمت والله اكبر

فلست بغال ما حييت وراجع

إلى ما عليه كنت أخفي وأضمر

ولا قائلا حي برضوى محمد

وإن عاب جهال مقالي وأكثروا

ولكنه ممن مضى لسبيله

على أفضل الحالات يقفي ويخبر

مع الطيبين الطاهرين الاولى لهم

من المصطفى فرع زكيّ وعنصر

والسيد الحميري هو اسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعه الحميري ـ أبو هاشم ـ ولد ١٠٥ ه‍. ونشأ بالبصرة ومات ببغداد ١٧٣ ه‍.

٢٩٣

أيا راكبا نحو المدينة جسرة

همرجانة نطوي بها كل سبسب(١)

اذا ما هداك الله عاينت جعفرا

فقل لوليّ الله وابن المهذب

ألا يا وليّ الله وابن نبيّه(٢)

أتوب الى الرحمن ثم تأوبي

إليك من الذنب الذي كنت مطنبا

اجاهد فيه دائبا كل معتب(٣)

وما كان قولي في ابن خولة مبطنا

معاندة مني لنسل المطيّب

ولكن روينا عن وصيّ محمد(٤)

ولم يك فيما قال بالمكذب

بأن وليّ الأمر يفقد لا يرى

سنينا كفقد الخائف المترقب

ويقسم أموال الفقيد كأنما

تغيّبه بين الصفيح المنصب(٥)

فان قلت لا فالحقّ قولك والذي

تقف فحتم غير ما متعصب

فانّ وليّ الأمر والقائم الذي

تطلع نفسي نحوه يتطرّب

__________________

(١) وفي اعلام الورى ص ٢٧٩ : عذافرة يطوى بها كل سبسب.

(٢) وفي المناقب ٤ / ٢٤٦ : ألا يا أمين الله وابن وليه.

(٣) وفي اعلام الورى ص ٢٧٩ : احارب فيه جاهدا كل معرب.

(٤) وفي اعلام الورى : وصيّ نبينا.

(٥) وذكر الطبرسي بقية القصيدة في اعلام الورى ص ٢٨١ هكذا :

فيمكث حينا ثم يشرق شخصه

مضيئا بنور العدل إشراق كوكب

يسير بنصر الله من بيت ربه

على سؤدد منه وأمر مسبب

يسير الى أعدائه بلوائه

فيقتلهم قتلا كحران مغضب

فلما روى أن ابن خولة غائب

صرفنا إليه قوله لم نكذب

وقلنا هو المهدي والقائم الذي

يعيش به من عدله كل مجدب

فإن قلت : لا ، فالقول قولك والذي

أمرت فحتم غير ما متعتب

واشهد ربي أن قولك حجة

على الناس طرأ من مطيع ومذنب

بأن ولي الأمر والقائم الذي

تطلع نفسي نحوه بتطرب

له غيبة لا بدّ من أن يغيبها

فصلّى عليه الله من متغيب

فيمكث حينا ثم يظهر حينه

فيملأ عدلا كل شرق ومغرب

بذاك أدين الله سرا وجهرة

ولست وإن عوتبت فيه بمعتب

٢٩٤

له غيبة لا بدّ أن يستغيبها

فصلّى عليه الله من متغيب

[ ضبط الغريب ]

الجسرة : الناقة الطويلة ، ويقال العظيمة.

والهمرجانة : السريعة. والسبسب : المفازة.

والمهذب : الذي هذب نفسه عن عيوبه ، أي خلص منها. قال الشاعر :

ولست بمستبق أخا لا تلمّه

على شعث ، أيّ الرجال المهذّب؟

والتأوب من أوب : أي ترجّع(١) . والتأوب من السير.

والمطنب : البليغ. والمنطق في المدح والذم إذا بالغ في ذلك. قيل : أطنب فيه ، وهو المطنب.

والمعتب : العاتب. والمعاتبة المفاعلة من العتاب يكون بين الاثنين يعاتب كل منهما صاحبه يذكران الموجدة. والاسم من ذلك العتبى. يقول : كان يجاهد في ذلك لعاتبه عليه.

والجهاد : القتال ، اخذ من اجتهدت نفسه في الشيء إذا بلغت فيه المجهود.

وعنى بابن خولة : محمد بن علي ـ ابن الحنفية ـ وهي خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبد الله(٢) بن بلغة بن الدول بن حنيفة بن لجيم(٣) .

وقال قوم : هي خولة بنت أبا بسر بن جعفر.

وقال قوم : كانت أمة من سبي اليمامة صارت الى عليعليه‌السلام .

قالوا : ولم تكن من أنفس بني حنيفة ، فكان خالد بن الوليد صالحهم على

__________________

(١) لسان العرب ١ / ٢١٨.

(٢) وفي بحار الانوار ٤٢ / ٩٩ : ابن عبيد.

(٣) هكذا صححناه وفي الاصل : حتم. وفي بحار الانوار هكذا ذكره : خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنفية بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.

٢٩٥

الرقيق(١) .

والصفح من الصفاح : وهي الحجارة العراض واحدتهما صفاحة ، فكانوا ينصبونها في قبورهم ليتقي الموتى من التراب.

والمنصب والمنصوب في معنى مفعل.

وكان الذين يقولون محمد بن الحنفية من الشيعة يزعمون أنه المهدي الذي جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه يقوم فيملأ الأرض عدلا. فلما مات ولم يكن ذلك كرهوا أن ينقضوا قولهم ويرجعوا عنه.

فقالوا : لم يمت وهو في غار في جبل رضوى(٢) حماقة منهم وجهالة. وفي ذلك يقول السيد الحميري إذ كان يتولاه :

ألا قل للوصيّ فدتك نفسي

أطلت بذلك الغار المقاما(٣)

أضرّ بمعشر وألوك منا(٤)

وسمّوك الخليفة والاماما

__________________

(١) قال المجلسي في بحار الانوار ٤٢ / ٩٩ :

قال قوم : إنها سبية من سبايا الردة ، قوتل أهلها على يد خالد بن الوليد في أيام أبي بكر لما منع كثير من العرب الزكاة ، وارتدت بنو حنيفة وادعت نبوة مسيلمة ، وإن أبا بكر دفعها إلى علي عليه‌السلام من سهمه في المغنم.

وقال قوم منهم أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني : هي سبية في أيام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قالوا : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام إلى اليمن ، فأصاب خولة في بني زبيد ، وقد ارتدوا مع عمرو بن معدي كرب ، وكانت زبيد سبتها من بني حنيفة في غارة لهم عليهم فصارت في سهم علي عليه‌السلام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن ولدت منك غلاما فسمه باسمي وكنه بكنيتي ، فولدت له بعد موت فاطمة عليها‌السلام محمدا فكناه أبا القاسم.

وقال قوم ـ وهم المحققون وقولهم الاظهر ـ : إن بني أسد أغارت على بني حنيفة في خلافة أبي بكر فسبوا خولة. وقدموا بها المدينة فباعوها من علي عليه‌السلام وبلغ قومها خبرها فقدموا المدينة على علي فعرّفوها ، وأخبروه بموضعها منهم. فأعتقها ومهرها وتزوجها فولدت له محمدا فكناه أبا القاسم.

وهذا القول هو اختيار أحمد بن يحيى البلاذري في تاريخ الاشراف.

(٢) بين أسدين ونمرين تؤنسه الملائكة ويحرسه النمران ( المقالات والفرق ص ٢٨ ).

(٣) وفي اعيان الشيعة ٣ / ٤٠٩ : بذلك الجبل المقاما.

(٤) هكذا صححناه وفي الاصل : حيا.

٢٩٦

وعادوا أهل هذا الارض طرا

مقامك عندهم ستين عاما(١)

وما ذاق ابن خولة طعم موت

ولا وارت له أرض عظاما

ولكن حلّ في شعب برضوى(٢)

تراجعه الملائكة السلاما

وأن به له لمحلّ صدق

وأندية تحدّثه كلاما

هدانا الله اوحزداك أمر(٣)

به وعليه نلتمس التماما

قام مردة المرسدي حتى(٤)

نرى راياتنا تترى نظاما

وقال الكثير(٥) فيه ـ وكان ممن يقول بامامة ابن الحنفية ـ :

ألا إن الائمة في قريش

ولاة الأمر أربعة سواء

عليّ والثلاثة من بنيه

هم الاسباط ليس بهم خفاء(٦)

فسبط سبط إيمان وبرّ

وسبط غيبته كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى

يقود الخيل يقدمها اللواء

يغيب لا يرى فيهم زمانا(٧)

برضوى عنده عسل وماء

وانما أخذت هذه المقالة ممن قال بها بعد موته بمدة طويله. وأما موته فلم يكن خفيا ولا مستورا ولا مات في غيبة غابها وانما مات في المدينة.

[١٢٠١] روي عن الواقدي ، أنه قال : حدثني زيد بن سائب ، قال :

سمعت أبا هاشم عبد الله بن محمد بن علي يقول : توفي أبي في المحرم

__________________

(١) وفي اعيان الشيعة :

وعادوا فيك اهل الارض طرا

مقامك عنهم ستين عاما

(٢) وفي اعيان الشيعة : لقد أوفى بمورق شعب رضوى.

(٣) وفي اعيان الشيعة : هدانا الله اذ جرتم لأمر.

(٤) وفي اعيان الشيعة : تمام مودة المهدي حتى.

(٥) وهو الشاعر كثير بن عبد الرحمن.

(٦) وفي اعلام الورى ص ٢٨٠ : هم أسباطنا والاوصياء.

(٧) وفي المقالات والفرق ص ٢٩ : مغيب لا يراعيهم سنينا.

٢٩٧

أول سنة إحدى وثمانين ، فلما وضعناه في البقيع لنصلّي عليه أتانا أبان بن عثمان وهو الوالي يومئذ ليصلّي عليه.

قال : فقلت له : إنك لا تصلّي عليه أبدا إلا أن تطلب إلينا ذلك.

فقال له أبان : أنتم أولى بجنازتكم ، فيصلّي عليها من شئتم.

قلنا له : فتقدم فصلّي عليها.

فزعم من تعلق بالمقالة التي قالها فيه من أنه لم يمت ، وكانوا على ذلك الى أن كلّم بعض رؤسائهم أبا جعفر محمد بن عليعليه‌السلام في مثل ذلك ، فقال له : ويحك ما هذه الحماقة ، أنتم أعلم به منا أم نحن ، قد حدثني أبي علي بن الحسينعليه‌السلام أنه قد شهد موته وغسله وتكفينه والصلاة عليه وأنزله في قبره.

فقال له : شبه على أبيك كما شبه عيسى بن مريم على اليهود.

فقال محمد بن عليعليه‌السلام : أفتجعل هذه الحجة قضاء بينك وبيننا.

قال : نعم.

قال : أرأيت اليهود الذين شبه عيس عليهم كانوا أولياءه أو أعداءه؟

قال : بل كانوا أعداءه.

قال : أفكان أبي عدو محمد بن علي فشبه عليه؟

قال : لا.

وانقطع وترك ما كان عليه ورجع الى قول محمد بن علي ، وتتابعوا على ذلك من الرجوع في أيام جعفر بن محمدعليه‌السلام ، فسمّوا بالجعفرية.

٢٩٨

[ مع أبي حنيفة ]

[١٢٠٢] وجاء أبو حنيفة من أهل العراق يوما إلى أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام ليستمع منه ، وخرج أبو عبد اللهعليه‌السلام يتوكأ على عصا.

فقال له أبو حنيفة(١) : يا ابن رسول الله ما بلغت من السن ما تحتاج منه الى العصا.

قال : هو كذلك ، ولكنها عصا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أردت التبرك بها.

فوثب أبو حنيفة إليه ، وقال : اقبّلها يا ابن رسول الله. فحسر أبو عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام عن ذراعه ، وقال له : والله لقد علمت أن هذا من بشرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن هذا من شعره فما قبّلته وتقبّل عصا.

[١٢٠٣] وكان مالك بن أنس يستمع من جعفر بن محمدعليه‌السلام ، وكثيرا ما يذكر من سماعه عنه. وربما قال : حدثني الثقة ، يعنيه.

[١٢٠٤] دخل سفيان الثوري يوما ، فسمع منه كلاما أعجبه ، فقال : والله يا ابن رسول الله الجوهر.

فقال له جعفر بن محمدعليه‌السلام : بل هذا خير من الجوهر ، وهل الجوهر إلا حجر.

[١٢٠٥] [ وجاء ] إليه يوما الحسن بن صالح بن حي وأصحابه ، فقال له :

يا ابن رسول الله ما تقول في قول الله عزّ وجلّ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

__________________

(١) وهو النعمان بن ثابت المتوفى ١٥٠ ه‍ المولود بالكوفة وأخذ من الامام الصادق كما مر ، ثم أسس مذهب القياس.

٢٩٩

أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) من اولي الأمر الذين أمر الله عزّ وجلّ بطاعتهم؟

قال : العلماء.

فلما خرجوا قال الحسن بن صالح لأصحابه : ما صنعنا شيئا ، ألا سألناه من هؤلاء العلماء؟ فرجعوا إليه فسألوه.

فقال [عليه‌السلام ] : الائمة منّا أهل البيت.

[١٢٠٦] [ إن الصادقعليه‌السلام قال لأبي حنيفة لما دخل عليه : من أنت؟

قال : أبو حنيفة.

قالعليه‌السلام : مفتي أهل العراق؟

قال : نعم ](٢) .

قالعليه‌السلام لأبي حنيفة : الّذي تعتمد عليه في الفتيا؟

قال : كتاب الله وسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال : فلما لم تجد له نصا في ذلك؟

قال : أقيسه على ما وجدته.

قال : ويحك يا نعمان ، إن أول من قاس إبليس ، فأخطأ ، قال :( خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) (٣) فرأى أن النار أشرف من الطين ، وأن من خلق من الفاضل أن لا يسجد للمفضول.

ثم قال : يا نعمان ، أيهما أطهر عندك البول أو المني؟

قال : المني.

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) ما بين المعقوفتين غير موجود في الاصل نقلناه من كتاب الاحتجاج للطبرسي ص ٣٦١.

(٣) سور : ٧٦.

٣٠٠

قال : فكيف جعل الله عزّ وجلّ في البول الوضوء ، وفي المني الغسل وهو الأطهر ، هل يقاس هذه؟

قال : لا.

قال : أيهما أعظم الزنا أم القتل؟

قال : القتل.

قال : فقد جعل الله عزّ وجلّ في قتل النفس شاهدين إذا شهدا بالقتل على إنسان قتل إذا طلب قتله وليّ الدم ، ولا يحلّ من شهد عليه بالزنا إلا أن يشهد عليه أربعة ، ولو كان الدين جاريا على القياس لكان القتل [ بالشاهدين ](١) الذي هو أعظم يكون الشهود فيه اكثر.

وأيهما أعظم الصلاة أم الصوم؟

قال : الصلاة [ أفضل ].

قال : فقد أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحائض أن تقضي الصوم ، ولا تقضي الصلاة. ولو كان على القياس لكان الذي هو أعظم أحقّ أن يقضى.

فسكت أبو حنيفة ولم يحر جوابا.

__________________

(١) الزيادة غير موجودة في الأصل.

٣٠١

[ من دعائهعليه‌السلام ]

[١٢٠٧] لما قتل داود(١) المعلّى بن خنيس(٢) ، فدخل عليه أبو عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام ، وقد قال لابنه إسماعيلعليه‌السلام : اتبعني بالسيف.

فقال لداود : قتلت مولاي ، وأخذت ما لي؟

قال داود : ما أنا قتلته.

قال : من قتله؟

قال : هذا ـ وأومى بيده الى شرطي بين يديه ـ.

قال جعفر بن محمدعليه‌السلام لإسماعيل ابنه : خذ هذا ـ يعني الشرطي ـ فقبض عليه إسماعيل.

فجعل الشرطي يقول لداود : تأمرني بقتل الرجل ، فلما قتلته بأمرك ، قلت : هذا قتله.

قال له أبو عبد اللهعليه‌السلام : قد صدقت فيما قلت ، وما قتله إلا هو. ولأدعون الله عليه.

ثم خرج ، فقال داود : يهددنا بدعائه.

__________________

(١) وهو داود بن علي بن عبد الله بن العباس ـ عم السفاح ـ والي المدينة.

(٢) وهو أبو عبد الله مولى الامام الصادقعليه‌السلام .

٣٠٢

وبات جعفر بن محمد بن عليعليه‌السلام في ليلته قائما يصلّي ويدعو على داود ، وكان مما سمع من دعائهعليه‌السلام عند وجه السحر ، وهو ساجد :

يا ذا القوة والقدرة ، ويا ذا المحال الشديد ، ويا ذا العزة ، التي خضع لك كل خلقك قائما ذليلا ، عجّل أخذك لداود ، وانتقامك منه.

وبات داود هائما قد اغمي عليه.

قالت لبابة بنت عبد الله بن عباس(١) : فقمت ، أفتقده في الليل ، فوجدته مستلقيا على قفاه ، وثعبان قد انطوى على صدره ، وجعل فاه على فيه. فأدخلت يدي في كمي ، فناولته ، فعطف فاه عليّ. فرميت به فانساب في ناحية البيت ، وانبهت [ الى ] داود ، فوجدته حائرا قد احمرتا عيناه ، فكرهت أن اخبره بما كان منه ، وخرجت عنه(٢) فانصرفت إليه ثانية ، فوجدت ذلك الثعبان كذلك ، ففعلت مثل الذي فعلت المرة الاولى ، وحركت داود فأصبته ميتا. فما رفع جعفر بن محمد رأسه من السجود حتى سمع الهاتفة(٣) والناس يقولون : مات داود.

[١٢٠٨] وسعي بجعفر بن محمدعليه‌السلام الى أبي الداوانيق ، فقال للربيع(٤) ـ حاجبه ـ : يا ربيع ، ائتني بجعفر ، قتلني الله إن لم أقتله.

فجاء به الربيع.

__________________

(١) وفي بحار الانوار ٤٧ / ١٧٦ : وفي رواية لبابة بنت عبد الله بن العباس : بات داود تلك الليلة حائرا قد اغمي عليه ، فقمت مع اختلافات يسيرة.

(٢) وفي المناقب ٣ / ٣٥٧ والبحار : وجزعت عليه.

(٣) وفي بحار الانوار : سمع الواعية.

(٤) هو أبو الفضل الربيع بن يونس بن محمد بن أبي فروة ولد ١١١ ه‍ عاش الى خلافة الهادي العباسي وتوفي ١٦٩ ه‍.

٣٠٣

قال الربيع : فلما قرب منه حرك شفتيه. فلما دخل عليه قال له : يا جعفر تحاول الفتنة وتريد سفك دماء المسلمين وتلحد في سلطاني وتبتغي(١) الغوائل.

فقال له جعفر بن محمد : يا أمير المؤمنين ما فعلت ذلك ولا أردته فقد علمت قديما ما أنا عليه ، فلا تقبل عليّ من كاذب إن كذب ، وساع إن سعى بي عندك.

فسكت.

ثم قال : يا أبا عبد الله والله اني لأعلم أنت عليه قديما كما ذكرت ، ولو كنت قد فعلت ما قيل لك فقد ابتلي أيوب(٢) ، فصبر.

وظلم يوسف(٣) ، فغفر. وأعطى سليمان(٤) ، فشكر.

[ فقال : ] وهؤلاء أنبياء الله إليهم يرجع أنسابنا ، ارتفع الى هاهنا.

فرفعه إليه ، وأجلسه على فراشه الى جانبه ، ثم دعا برجل فقال : ألست القائل عن هذا كذا وكذا؟

قال : نعم يا أمير المؤمنين.

قال : فسمعت ذلك منه ، أو بلغك عنه؟

قال : بل سمعت باذني.

قال : أفتحلف على ذلك؟

قال : نعم.

قال : فقل : والله الذي لا إله إلا هو الطالب الغالب.

فقال جعفر بن محمدعليه‌السلام : يا أمير المؤمنين إن رأيت أن

__________________

(١) وفي اعلام الورى ص ٢٧٠ : تبغيني الغوائل.

(٢) النبي الصابر ذكره تعالى في القرآن الكريم.

(٣) يوسف بن يعقوب النبي وقصته مع اخوته كما في القرآن الكريم.

(٤) سليمان بن داود الذي أعطاه الله الملك والنبوة.

٣٠٤

تجعل استحلافه إليّ ، فأستحلفه بما شئت.

[ ثم ] قال : يا أمير المؤمنين ، إن العبد إذا وحّد الله ومجّده وحلف بعد ذلك لم ينتقم الله منه ، وان كذب في الدنيا.

ثم أقبل على الرجل فقال له : تحلف بما أستحلفك به؟

قال : نعم.

قالعليه‌السلام : فاتق الله في نفسك ولا تحلف كاذبا ، واستقبل أمير المؤمنين ، وقل الحق.

قال : ما قلت إلا ما سمعته منك ولا أرجع.

قال جعفر بن محمدعليه‌السلام : اللهمّ أنت الشاهد عليه والعالم بقوله.

ثم أقبل عليه ، وقال له : قل إن كنت حالفا : ( برئت من [ حول ] الله وقوّته ، وأسلمت إلى حولي وقوّتي إن لم يكن جعفر بن محمد قال كذا وكذا )(١) .

فقال الرجل ذلك ، فما برح مكانه حتى صرع ، فمات.

قال أبو الدوانيق : خذوا برجليه لعنه الله(٢) .

فجروه حتى أخرجوه. وعطف أبو الدوانيق على أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام يسترضيه ، ثم قال : انصرف يا أبا عبد الله فاني أخشى أن يسوء ظن أهلك بنا فيك.

فلما انصرف لحقه الربيع فقال : يا ابن رسول الله لقد دخلت عليه ، وما ظننت إلا أنه سيقتلك لما رأيت من حنقه عليك ، ويمينه أنه ليقتلك ، فلما دخلت إليه رأيتك حركت شفتيك ، فنظرت إليه قد

__________________

(١) وفي اعلام الورى ص ٢٧١ أضاف : والتجأت إلى حولي وقوتي لقد فعل كذا وكذا جعفر.

(٢) وفي اعلام الورى : جروا برجليه.

٣٠٥

حال عما كان لك عليه ، وما أراك إلا دعوت الله تعالى ، فعلّمني ما دعوت.

قال : دعوت بدعاء جدي الحسين بن عليعليه‌السلام .

قال : وما هو ، جعلت فداك؟

قال : قلت : يا عدتي عند شدتي ، ويا غوثي عند كربتي ، احرسني بعينك الّتي لا تنام ، واكفني برحمتك(١) الّتي لا ترام(٢) .

[ توضيح وبيان ]

وقول جعفر بن محمد لأبي الدوانيق(٣) : قد علمت قديما ما أنا عليه. وقول أبي الدوانيق : إنه يعلم ذلك.

وانما ذكّره شيئا قد كان شاهده منه ، وذلك أنه يوما في أيام بني أميّة وجعلوا يستحثونه على القيام ، ويذكرون كثرة أوليائه ، وكان أكثرهم قولا أبو الدوانيق ، فضرب أبو عبد اللهعليه‌السلام [ على ] فخذ أبي الودانيق.

ثم قال له : أما بلغك قول أبي لاخيه زيد لما همّ بالقيام : ويحك يا زيد احذر أن تكون غدا المصلوب بالكناسة ، إنّا أهل بيت لا يقوم منا قائم قبل أوان قيام مهدينا إلا كان كمثل فرخ طائر نهض عن عشه قبل أن يستوي جناحاه فما هو أن يستقل مرة أو مرتين بالطيران حتى سقط ، فيأخذه الصبيان يتلاعبون به(٤) .

__________________

(١) وفي اعلام الورى : بركنك.

(٢) قال الربيع : فحفظت هذا الدعاء فما نزلت بي شدة قط فدعوت به إلا فرج الله عني ( اعلام الورى ص ٢٧١ ).

(٣) وهو أبو جعفر المنصور الدوانيقي ثاني خلفاء بني العباس. والدانق وحدة عملة نقدية كانت رائجة في ذلك الزمان سمي بها لبخله الشديد.

(٤) وقد مرّ البحث حول هذه الرواية في الجزء الثالث عشر.

٣٠٦

فقال له : متى يكون قيام مهديكم يا ابن رسول الله فقال : والله لا يكون ذلك حتى يتلاعب أنت وذريتك من بعدك بهذا الأمر دهرا طويلا.

فقال له أبو الدوانيق : أنا يا ابن رسول الله؟

قال : نعم ، أنت.

فكان ذلك مما صرف الله عنه به شره.

فاذا سعى به إليه ، وقيل له فيه ذكر هذا الحديث ، فعلم أنه لا يقوم عليه.

[١٢٠٩] وأرسل إليه يوما ، وقد سعى به إليه ، وأكد عليه أمره ، وعلم كثرة أتباعه ، فلما دخل أبو عبد اللهعليه‌السلام حرّك شفتيه ، فرأى منه أبو الدوانيق فقال : ما تقول يا جعفر ، تسبني ، وتلعنني.

فقال : لا والله يا أمير المؤمنين ما سببتك ، ولا لعنتك.

قال : فما حركت به شفتيك؟

قال : دعوت الله عزّ وجلّ.

قال : بما دعوت؟

قال : قلت : اللهمّ إنك تكفي من كل شيء ، ولا يكفي منك شيء ، فاكفنيه يا كافي كل شيء.

فقال له أبو الدوانيق : لا والله ما مثلك يترك.

فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا أمير المؤمنين إني بلغت من السنين ما لم يبلغه أحد من آبائي في الإسلام ، وما أراني أن أصحبك إلا قليلا ، وما أرى هذه السنة تتم لي ، فلا تعجل عليّ فتبوأ بإثمي(١) .

فرقّ له وخلّى سبيله. وتوفي تلك السنة سلام الله عليه ، وكانت وفاته في المدينة في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة. وهو ابن ثمان

__________________

(١) وفي بحار الانوار ٤٧ / ٢٠٦ أضاف : فقال أبو جعفر : احسبوا له. فحسبوا ، فمات في شوال.

٣٠٧

وستين(١) .

ويقال : تسع وستين وقال مالك بن أعين الجهني يرثيه شعرا :

فيا ليتني ثم يا ليتني(٢)

شهدت الذي كنت لم أشهد

فآسيت في بثه جعفرا

وشاهدت في لطف العود

فان قيل نفسك قلت الفداء

وكفّ المنية بالموصد

عشية يدفن فيك الهدى

وغرة زهرة بني أحمد(٣)

وقال الآخر :

يا عين ابك جعفر بن محمد

زين المشاعر كلها والمسجد(٤)

__________________

(١) توفي في الخامس والعشرين من شهر شوال متأثرا بسم دسه إليه المنصور العباسي علي يد عامله على المدينة محمد بن سليمان.

(٢) وفي المناقب ٤ / ٢٧٧ : وغيبت عنك فيا ليتني.

(٣) وفي المناقب أيضا : وغرة من بني أحمد.

(٤) وقال العوني أيضا :

عج بالمطي على بقيع الغرقد

واقرأ التحية جعفر بن محمد

وقل ابن بنت محمد ووصيه

يا نور كل هداية لم تجحد

يا صادقا شهد الإله بصدقه

فكفى مهابة ذي الجلال الأمجد

يا بن الهدى وابا الهدى وأنت الهدى

يا نور حاضر سرّ كل موحد

يا بن النبي محمد أنت الذي

أوضحت قصد ولاء آل محمد

يا سادس الانوار يا علم الهدى

ضلّ امرؤ بولاتكم لم يهتد

وقال أبو هريرة الأبار :

أقول وقد راحوا به يحملونه

على كاهل من حامليه وعاتق

أتدرون ما ذا تحملون إلى الثرى

ثبيرا ثوى من رأس علياء شاهق

غداة حثا الحاثون فوق ضريحه

ترابا وأولى كان فوق المفارق

أبا صادق ابن الصادقين إليه

بآبائك الاطهار حلفة صادق

لحقا بكم ذو العرش أقسم في الورى

فقال الله تعالى رب المشارق

نجوم هي اثنا عشرة كن سبقا

إلى الله في علم من الله سابق

٣٠٨

[ بعض فرق الشيعة ]

وكان لجعفر من الأولاد الذكور خمسة : عبد الله ، وإسماعيل. امهما فاطمة بنت الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وامها : أم حبيب بنت عمرو بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وامها : أسماء بنت عقيل بن أبي طالب.

ولم يكن جعفر بن محمدعليه‌السلام تزوج عليها ولا اتخذ سرية حتى ماتت.

[ الاسماعيلية ]

وكان إسماعيل أحبهما إليه وأبرّهما به. وولد لإسماعيل [ محمد ] بن إسماعيل ، وبلغ مبلغ الرجال في حياة أبيه ، وتوفي أبوه في حياة أبيه جعفر بن محمدعليه‌السلام بالعريض ، فحمل على رقاب الرجال حتى دفن بالبقيع. وكان أبوه جعفر بن محمدعليه‌السلام يأمر به ، فينزل ، ثم يكشف عن وجهه ، وينظر إليه ، ففعل ذلك ، وهو يسار به الى البقيع مرارا. وكان ذلك سببا(١) . وكان قوم من الشيعة يقولون : توفي إسماعيل في حياة أبيه.

ويقولون : انه عهد إليه ، وانه هو عهد الى ابنه محمد(٢) وهم على ذلك الى

__________________

(١) هكذا في الاصل.

(٢) أقول : كيف يعهد إليه أبوه وهو لم يستلم العهد بعد ، لان أباه كان حيا ومات هو في حياة أبيه.

٣٠٩

اليوم يقولون بامامة ولده واحد بعد واحد.

[ الفطحية ]

وقال فريق من الشيعة بإمامة عبد الله بن جعفر [ الافطح ](١) بعد أبيه جعفر بن محمد. ومات عبد الله بعد أبيه جعفرعليه‌السلام سبعين يوما ، ولم يدع ولدا ولا عقب له. وانقرض الذين كانوا يقولون بامامته ، فليس يقول أحد بذلك.

وولد لجعفر بن محمدعليه‌السلام بعد وفاة فاطمة أمّ عبد الله وإسماعيل ، موسى ومحمد وعلي لام ولد.

فقال قوم : بامامة موسى بعد أبيه جعفر بن محمدعليه‌السلام (٢) .

ثم اختلفوا بعد موته ، فزعم قوم أنه حي لم يمت ولا يموت حتى يقوم ويملأ الارض عدلا.

[ القطيعية ]

وقوم منهم قطعوا على موته ، وقالوا : بامامة علي ابنه من بعده(٣) ، وسموه علي

__________________

(١) سمي بذلك لانه كان أفطح الرأس.

(٢) ومما يدل على امامتهعليه‌السلام :

ما رواه الطبرسى عن محمد بن يعقوب الكليني ، باسناده ، عن أحمد بن ادريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن سليمان بن خالد ، قال : دعا أبو عبد الله أبا الحسين موسى ـ ونحن عنده ـ فقال لنا : عليكم بهذا بعدي فهو والله صاحبكم بعدي.

وروى أيضا عن محمد بن الوليد ، قال : سمعت علي بن جعفر ، قال : سمعت أبي جعفر ابن محمد عليه‌السلام يقول لجماعة من خاصته وأصحابه : استوصوا بابني موسى خيرا فإنه أفضل ولدي ومن أخلف من بعدي وهو القائم مقامي والحجة لله تعالى على كافة خلقه من بعدي.

(٣) ومما يدل على امامتهعليه‌السلام :

ما رواه محمد بن يعقوب ، عن أحمد بن مهران ، عن محمد بن سنان واسماعيل بن عباد القصري ، جميعا عن

٣١٠

الارض ، وهذه الفرقة سميت القطيعية ، لقطعهم بالموت على موسى. [ في حبس هارون الرشيد مسموما ].

ثم اختلفوا بعد الموت على ابن موسى.

[١] فقال قوم منهم : مات علي ، ولم يخلف ولدا بالغا ، وانما خلف ابنه محمدا صغيرا طفلا لا يؤتم به ولا علم عنده.

[٢] وقال قوم منهم بامامته ، وسموه محمد التقي النقي(١) . ثم قالوا : بإمامة ابنه علي وسموه علي الناصح(٢) . ثم قالوا : بامامة ابنه من بعده الحسن ، وسموه

__________________

داود الرقي ، قال : قلت لأبي ابراهيم : جعلت فداك إنه قد كبر سني فخذ بيدي وانقذني من النار من صاحبنا بعدك.

قال : فأشار إلى ابنه أبي الحسن علي الرضا ، فقال : هذا صاحبكم من بعدي.

وعنه ، عن ابن مهران ، عن محمد بن علي ، عن الضحاك بن الاشعث ، عن داود بن زربي ، قال :

جئت إلى أبي ابراهيم عليه‌السلام بمال فأخذ بعضه وترك بعضه.

فقلت : جعلت فداك أصلحك الله لأيّ شيء تركته عندي؟

فقال : إن صاحب هذا الأمر يطلبه منك.

فلما جاء نعيه بعث إليّ أبو الحسن الرضا عليه‌السلام فسألني ذلك المال فدفعته إليه.

(١) ومما يدل على امامتهعليه‌السلام :

ما رواه محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن صفوان بن يحيى قال : قلت للرضا عليه‌السلام : قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول : يهب الله لي غلاما ، فقد وهبه الله لك ، فأقرّ عيوننا فلا أرانا الله يومك فإن كان كون فإلى من؟

فأشار بيده إلى أبي جعفر عليه‌السلام وهو قائم بين يديه ، فقلت له : جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين!؟

قال : وما يضره من ذلك قد قام عيسى بالحجة وهو ابن أقل من ثلاث سنين.

وعنه ، عن علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الوليد ، عن يحيى بن حبيب الزيات ، قال : أخبرني من كان عند الرضا عليه‌السلام جالسا ، فلما نهضوا قال لهم أبو الحسن الرضا عليه‌السلام :

ألقوا أبا جعفر فسلّموا عليه وأحدثوا به عهدا فلما نهض القوم ؛ التفت إليّ ، فقال : رحم الله المفضل إنه كان ليقنع دون هذا.

(٢) ومما يدل على امامة علي بن محمد الهاديعليه‌السلام :

ما رواه الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مهران ، قال : لما خرج أبو جعفر في

٣١١

الحسن الفاضل(١) .

ثم مات الحسن ولم يدع ولدا ذكرا ، واختلف هؤلاء الذين كانوا على ولايته.

فقال قوم منهم بولاية جعفر بن علي ، وأنكروا امامة الحسن في حياته. وقالوا : قد امتحناه فلم نجد عنده علما. ولما أن مات ولم يدع ولدا احتجوا بعد ذلك ، وقالوا : لا يكون الإمام إماما إلا وله خلف وعقب. وحاز جعفر بن علي(٢) على ميراث أخيه بعد دعاو ادعاها من قال بامامته ، من حمل زعم انه ترك في بعض جواريه ، ومنعوا من تسوية ميراثه حتى بطلت دعاواهم وانكشف أمرهم عند الخاصّ والعام والسلطان.

ثم تفرقوا فرقا كثيرة.

وقال قوم منهم كما ذكرنا بامامة جعفر بن علي ، وقالوا : بعده بامامة ابنه علي واخته فاطمة بنت علي.

__________________

الدفعة الاولى من المدينة إلى بغداد فقلت له : إني أخاف عليك في هذا الوجه فإلى من الأمر بعدك؟

قال : فكرّ بوجهه إليّ ضاحكا وقال : ليس حيث ظننت في هذه السنة.

فلما استدعى به المعتصم سرت إليه فقلت : جعلت فداك أنت خارج فإلى من الامر بعدك؟

فبكى حتى اخضلّت لحيته ، ثم التفت إليّ ، فقال : عند هذه يخاف عليّ. الامر من بعدي إلى ابني عليّ.

(١) ومما يدل على إمامة أبي محمد الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام :

ما رواه محمد بن يعقوب ، عن علي بن محمد عن جعفر بن محمد الكوفي ، عن بشار بن أحمد البصري ، عن علي بن عمر النوفلي ، قال : كنت مع أبي الحسن عليه‌السلام في صحن داره فمرّ بنا محمد ابنه ، فقلت : جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك؟

فقال : لا ، صاحبكم بعدي ابني الحسن.

وعنه ، عن علي بن محمد ، عن محمد بن أحمد القلانسي ، عن علي بن الحسين بن عمرو ، عن علي بن مهزيار ، قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام . إن كان كون ـ وأعوذ بالله ـ فإلى من؟

قال : عهدي إلى الاكبر من ولدي ـ يعني الحسن عليه‌السلام ـ.

(٢) وهو المعروف بجعفر الكذاب وبعد توبته سمي بجعفر التائب.

٣١٢

وقال قوم بامامة علي دون فاطمة.

ثم اختلفوا بعد موت علي وفاطمة ، وغلوا في الائمة. وزعم بعضهم : أنهم إلهه ، تعالى عن قولهم علوا كبيرا. وقال بعضهم : هم أنبياء ، هم يعلمون الغيب واكثروا في التخليط ، والدعاوى الباطلة.

وافترق الذين قالوا بامامة الحسن فرقا كثيرة.

[١] فقال قائل منهم : إن الحسن لم يمت ، ولا يجوز أن يموت ، ولم يكن له ولد ، لان الارض لا تخلو من امام. وقد روينا أن القائم له غيبتان ، فهذا احدى الغيبتين ، وسيظهر ويعرف ، ثم يغيب غيبة اخرى.

[٢] وقالت فرقة اخرى : إن الحسن مات ولكنه يحيى وهو القائم. قالوا : ومعنى القائم أن يقوم بعد الموت. قالوا : والحسن قد مات ، ولا شك فيه ولا ولد له وسوف يحيى بعد الموت.

[٣] وقالت فرقة اخرى : إن الحسن قد كان لما أن احتضره الموت ولا ولد له أوصى إلى أخيه جعفر. وقالوا بامامة جعفر بعد الحسن.

[٤] وقالت فرقة اخرى : كان مبطلا في دعواه للإمامة ، وكانوا مخطئين في انتحال إمامته. وجعفر هو الإمام في حياة الحسن وبعد وفاته.

[٥] وقالت فرقة اخرى : الامام محمد أخو الحسن وجعفر ، وهو المتوفى في حياة أبيه(١) ، وقد كنا أخطأنا في القول بامامة الحسن لانه مات ، ولا عقب له. وقالوا : وجعفر لا يستحق الامامة لما وجدنا فيه من الفسق الظاهر والاعلان. وكان الحسن على مثل هذا.

فلما بطلت إمامتهما جميعا علمنا أن الامام محمد إذ له عقب. وكانت من أبيه إليه اشارة ، وهو القائم المهدي.

[٦] وقالت طائفة اخرى منهم : إن الامام الحسن بن علي ، وليس الامر

__________________

(١) وهو المدفون بالقرب من سامراء وعليه بني مشهد بهيّ ، يعرف بالسيد محمد.

٣١٣

على ما ذكر انه مات وانه لا عقب له ، ولكن للحسن ابن يقال له : محمد ، ولد للحسن من قبل وفاته سنتين وهو مستور خائف من جعفر وغيره من أعدائه. وقالوا : هو القائم الامام(١) .

[٧] وقالت فرقة اخرى : بل له ولد ، ولد بعد وفاته بثمانية أشهر ، وان الولد الذي يدعيه من زعم أنه ولد له قبل وفاته بسنتين باطل لانه لم يكن يخفى لو كان.

[٨] وقالت فرقة اخرى : ليس للحسن ولد أصلا لأنا قد امتحنا ذلك ، فطلبناه غاية الطلب فلم نجده(٢) ، ولا يجوز ذلك بدعوى لا برهان لها. ولكنه قد ترك حملا قد صح وعرف في سيرته له وستلد ولدا ذكرا ، وهو الامام القائم.

[٩] وقالت فرقة اخرى : قد صحّ موت الحسن ، وصحّ أن لا ولد له ، ويبطل ما ادعي من أمر الحمل. وثبت أنه لا إمام بعد الحسن. وهذا جائز في العقول أن يرفع الله الحجة من أهل الأرض بمعاصيهم ، وهي فترة وزمان لا امام فيه ، والارض اليوم بغير حجة ، كما كانت الفترة قبل ظهور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) .

[١٠] وقالت فرقة اخرى : إن الحسنعليه‌السلام مات ، وصح موته ، وقد اختلف الناس هذا الاختلاف ، فلا ندري كيف هو؟ لكنا لا نشك له ولدا ، ولا ندري ولد قبل موته أو بعده إلا أن نعلم أن الأرض لا تخلو من حجة ، وان اسمه محمد ، وهو الخلف الغائب المستور ، ونحن متمسكون بهذا حتى يظهر.

__________________

(١) والى هذا القول يذهب اصحابنا الامامية. ومما يدل عليه ما رواه الكلينى ، عن محمد بن علي ، عن جعفر بن محمد الكوفي ، عن جعفر بن محمد المكفوف عن عمرو الأهوازي قال : أراني أبو محمد ابنه ، وقال :هذا صاحبكم بعدي.

(٢) وقديما قيل إن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.

(٣) وهذه الدعوى باطلة لان أوصياء عيسى كانوا موجودين ومنهم آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الموحدين.

٣١٤

[١١] وقالت فرقة اخرى : إن الحسن مات(١) ، ولا بدّ من إمام للناس ، ولا تخلو الأرض من حجة ، ولا ندري من ولده ، أو من ولد غيره.

فهذه جملة فرق القطيعية من الشيعة. وقيل لهم القطيعية ، لانهم قطعوا على وفاة موسى بن جعفر بن محمد. وتولوا بعده عليا ابنه. ولم يقولوا بقول من زعم أن موسى حيّ لم يمت ، وهو القائم الذي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما(٢) .

[ الكيسانية ]

وسموا الكيسانية بكيسان(٣) رئيسهم ، وكان فيما قيل مولى لعليعليه‌السلام ، وكان مع المختار يتتبع قتلة الحسينعليه‌السلام فيقتلهم ويخرب منازلهم ، وزعموا أن ابن الحنفية أمر المختار بذلك. وكان ابن الزبير لما قام بمكة قبض على محمد بن الحنفية في خمسة عشر رجلا من بني هاشم. فبعث المختار قوما يكمنون النهار ويمشون الليل حتى كسروا الحبس ، واستخرجوهم منه ، وأوصلوهم إلى أمانهم ، وكان المختار عاملا لابن الزبير. فلما اتصل به ذلك عزله(٤) عنه ، واشخصه إليه ، فامتنع. وكتب إليه : من المختار بن عبيد الله(٥) [ الثقفي ] خليفة الوصي(٦) محمد بن علي الى عبد الله اسما ، ثم ختم الكتاب بسبه ، وذكر مساويه ، وبعث به إليه ، وأظهر القول بامامة محمد بن الحنفية ، ولهم اختلاف كثير ، وأخبار طويلة. تخرج عن حدّ هذا الكتاب.

__________________

(١) وفي نسخة الاصل : إنه الحسن ، ولا بد ...

(٢) وهم الواقفية.

(٣) وأظنه أبا عمرة ، كيسان بن عمران.

(٤) هكذا صححناه وفي الاصل : عن له.

(٥) هكذا صححناه وفي الاصل : عبد الله.

(٦) وفي نسخة ز : من المختار بن الخليفة الوصي.

٣١٥

وجملة ذلك أن بعضهم زعم أن الإمامة في الحسن والحسينعليهما‌السلام . ثم في محمد بن علي ـ ابن الحنفية ـ وفي ذلك يقول بعضهم شعرا :

ألا إن الائمة من قريش

ولاة الحق أربعة سواء

عليّ والثلاثة من بنيه

هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبط سبط ايمان وبرّ

وسبط غيبته كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى

يقود الخيل يقدمها اللواء

يغيب فلا يرى فيهم زمانا

برضوى عنده عسل وماء

وقال آخرون منهم بابطال إمامة الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وزعموا أن محمد بن الحنفية هو وصيّ أبيه عليعليه‌السلام .

ثم اختلفوا فيه وفيمن بعده.

[١] فزعمت فرقة اخرى ، كما ذكرنا أنه حيّ لم يمت.

[٢] وقالت فرقة اخرى ، بل مات ، وأوصى الى ابنه أبي هاشم ، اسمه عبد الله قد مات ، وانه يرجع ، وانه هو المهدي الذي يخرج فيملأ الأرض عدلا.

[٣] وقال آخرون : بل مات أبو هاشم ، وأوصى الى أخيه علي ، وأوصى علي الى ابنه الحسن ، وأوصى الحسن الى ابنه علي. وزعموا أن الإمامة في ولد محمد بن الحنفية لا يخرج الى غيرهم ، وأن القائم المهدي منهم يكون.

[٤] وزعمت فرقة اخرى منهم أن أبا هاشم مات ، وأوصى الى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب(١) ، وهو غلام صغير. وأنه دفع الى صالح بن مدرك ، وأمره أن يحفظه إلى أن يبلغ عبد الله بن معاوية ، فدفعها إليه ، ففعل. وعبد الله هذا هو صاحب أصبهان(٢) الذي قتله أبو مسلم في حبسه(٣) .

__________________

(١) وأمه أم عون بنت عون بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.

(٢) وهي المدينة التاريخية في ايران وتعرف الآن باصفهان.

(٣) المقالات والفرق : ص ٣٩ وأبو مسلم هو الخراساني.

٣١٦

[٥] وقالت فرقه اخرى منهم : عبد الله بن معاوية حيّ لم يمت ، وانه مقيم في جبال أصبهان ، ولا يموت حتى يقوم ، وأنه هو القائم المهدي الذي يبشر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يموت حتى يلي أمر الناس ، فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.

[٦] وقالت فرقة اخرى منهم : قد مات عبد الله بن معاوية ، ولم يوص الى أحد. وقالوا : بامامة رؤسائهم.

[٧] وقالت فرقة اخرى(١) : إن أبا هشام أوصى الى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس(٢) . ودفع الوصية الى أبيه علي بن عبد الله بن العباس ، لانه مات عنده بأرض السراة من الشام ، وكان محمد الوصي. قالوا : إليه يومئذ [ دفع الوصية وكان ] صبيا صغيرا.

[٨] وقالت فرقه اخرى منهم : إن محمد بن علي ، أوصى الى ابنه ابراهيم صاحب أبي مسلم الذي كان دعا إليه ، وادعوا أن الامامة صارت الى أبيه محمد بن علي ، من جهة أبي هاشم ، وأنها إنما صارت الى محمد في ولد العباس من جهة محمد بن الحنفية. وزعموا أن محمد بن الحنفية كان الامام بعد أبيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام . وبهذا القول تعلق بنو العباس.

[ الزيدية ]

الزيدية من الشيعة ، فزعموا أن من دعا الى طاعة الله عزّ وجلّ من آل محمد فهو إمام مفترض الطاعة. قالوا : وكان علي إماما حين دعا الناس الى نفسه ، ثم الحسن والحسين ، ثم زين العابدين ، ثم زيد بن علي ، ثم يحيى بن زيد ، ثم عيسى بن زيد ، ثم محمد بن عبد الله بن الحسن [ بن الحسن بن علي ] بن أبي

__________________

(١) وهم : الرياحية.

(٢) وأمه العالية بنت عبد الله بن العباس بن عبد المطلب.

٣١٧

طالب(١) .

فهؤلاء عندهم أئمة قاموا ، ودعوا الناس الى أنفسهم. قالوا : وكل من قام من ولد الحسن أو ولد الحسين دون سائر الناس فهو إمام حق وجائز له أن يخرج ويقوم ويدعو الى نفسه ، ويدعي الإمامة. وهم كلهم عندهم شرعا سواء من قام منهم ، فهو امام مفترض الطاعة ، ومن تخلف عنه ـ قالوا : وهو يستطيع القيام معه ـ فهو كافر.

فأول من قام بهذا القول زيد بن علي بن الحسين بن علي ، وبه سميت هذه الفرقة الزيدية. ولكل من ذكرنا من هذه الفرقة احتجاج فيما ذهبوا إليه وذكروه ، والحجة عليهم تخرج عن حدّ هذا الكتاب ، ونحتاج الى كتاب مثله. وقد ذكرنا ما يكتفى به من ذلك في كتاب « اختلاف اصول المذاهب ». وكتاب « الامامة » وغيرهما مما جمعته. والله الموفق للصواب بفضل رحمته. فتاهت هذه الفرق في مهاوي الضلالة ، وتعكست في العمى والجهالة ، وأولياء الله ائمة دينه كاد لا يعرفهم إلا خواصّ أوليائهم ، ومن منّ الله عليهم بمعرفتهم إلى أن يتم الله جلّ ذكره ، وبلغ الكتاب أجله ، فأنجز تبارك وتعالى وعده ، وأظهر

__________________

(١) قال المؤلف في ارجوزته ص ٢١٤ :

وقالت الطائفة الزيدية

مقالة لم تك بالمرضية

بأن كل قائم يقوم من

نسل الحسين بن علي الحسن

بسيفه يدعو إلى التقدم

فهو الإمام دون من لم يقم

منهم ومن كل امرئ في وقته

مستترا قد انزوى في بيته

واتبعوا زيدا على ما رتبوا

من الدعاوى وإليه نسبوا

حتى إذا قتل قاموا بعده

مع الحسين حين قام وحده

واتبعوا يحيى بن زيد إذ بدا

ثم تولّوا بعده محمدا

أعني ابن عبد الله من نسل حسن

وكلهم ظل قتيلا مرتهن

فهؤلاء عندهم أئمة

ومن يقوم بعدهم للامة

وكل من سواهم الرعية

كسائر الامة بالسوية

٣١٨

حجة وليه المهدي الذي يبشر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العنصر الزكي ، والركن الرضي ، من ولد الصادق جعفر بن محمد بن علي [ بن الحسين ] بن عليعليهم‌السلام . والذي ادعى من ذكرناه من الفرق أنه لمن ذكره ، وأكذب الله عزّ وجلّ دعاواهم ، بذهاب من ادعوا ذلك له ، ولم يظهر لأحد منهم شيء مما رووه حتى ادعوا لهم الحياة بعد الممات إغراقا في الجهالة ، ونهوكا في الضلالة ، ولئلاّ يكذبوا أنفسهم فيما ادعوه لهم من ذلك ، وكثير ممن ادعوه ذلك له لم يدعه لنفسه ، وكثير منهم من ادعاه فاهلك بنفسه ، إذ قام بما ليس له. وقد ذكرنا قصة زيد بن علي بن الحسينعليهم‌السلام ، وهو أول من قام بذلك وادعى الإمامة ، فكان من قتله وصلبه ما تقدم ذكره(١) .

[ يحيى بن زيد ]

ثم قام من بعده ابنه يحيى بن زيد بن علي بن الحسين.

وأمه : ريطة بنت أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية.

وخرج يريد خراسان في أيام الوليد بن عبد الملك ، فلحقه نصر بن بشار قبل أن يعبر النهر بالجوزجان(٢) . فقاتل حتى قتل وصلب ، وأرسل نصر بن بشار(٣) برأسه الى يوسف بن عمرو مع قيس بن زيد الحنظلي.

وأنفذ يوسف بن عمرو الرأس [ أي رأس زيدعليه‌السلام ](٤) الى الوليد

__________________

(١) في الجزء الثالث عشر.

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : بالخورخان.

قال الشاعر :

ألا يا عين ويحك اسعديني

لمقتل ماجد بالجوزجان

(٣) وفي أنساب الاشراف ٣ / ٢٦٠ : نصر بن سيار.

(٤) وأظن هنا جملة أو كلمة سقطت من الاصل أو خطأ من الناسخ.

قال البلاذري في أنساب الاشراف ٣ / ٢٦٣ : وصلبت جثته على باب الجوزجان سنة خمس وعشرين

٣١٩

بن عبد الملك ، فأخبره أنه صلبه. فكتب إليه بأن يحرق جثته بالنار. فكان في كتابه : احرق العجل ، ثم انسفه في اليمّ نسفا. وكان الذي تولى ذلك منه خراش بن حوشب بن زيد بن وريم(١) .

وقال يحيى في أبيه زيد هذا البيت شعرا :

لكن قتيل معشر يطلبونه

وليس لزيد في العراقين طالب(٢)

[ أبو هاشم ]

وقام أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية(٣) ، فادعى الامامة ، فسمه سليمان بن عبد الملك ، فمات. وكان ذلك أنه انتهى الى سليمان خبره ، فأرسل إليه ، فوقف عليه وأظهر بره وإكرامه ، فلما أراد الانصراف دخل الى سليمان ليودعه في يوم شديد الحر ، وقد تقدم ثقله ، فحبسه يتغدى عنه. ثم خرج ليلحق ثقله ، فمرّ [ بالحميمة ](٤) وقد عطش ، فاستسقى ، وقد أعدّ له سم ، فسقي. وأرسل

__________________

ومائة ، فلم تزل جثة يحيى مصلوبة إلى أن ظهرت المسودة بخراسان ، فأنزلوه وغسلوه وكفنوه وصلّوا عليه ودفنوه ...

وما ذكره المؤلف من أمر الوليد ليوسف فهذا كان بالنسبة الى جسد زيد رحمة الله عليه ، كما ورد ذلك في أنساب الاشراف ٣ / ٢٥٧ وعمدة الطالب ص ٢٥٨ ، والله اعلم.

(١) وبهذا الصدد بقول الشاعر :

لعن الله حوشبا

وخراشا ومزيدا

إنهم حاربوا الإله

وآذوا محمدا

يا خراش بن حوشب

أنت أشقى الورى غدا

(٢) وهذا الشطر الاخير من ثلاثة اشطر ذكرها لبني هاشم حيث قال :

خليلي عني بالمدينة بلغا

بني هاشم أهل النهى والتجارب

فحتى متى لا تطلبون بثاركم

أميّة إن الدهر جمّ العجائب

لكل قتيل معشر يطلبونه

وليس لزيد بالعراقيين طالب

(٣) وأمه أمّ ولد تدعى نائلة.

(٤) هكذا صححناه وفي الاصل : فمرّ بأمسه. والحميمة من أرض الشام.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597