شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٣

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار10%

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 597

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 597 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 207188 / تحميل: 7174
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وإصراراً على الاستمرار على النهج ، وعلى الولاء للحق. كانت ( الزيارات ) بيعاً وشراء للأنفس ، والأموال في سبيل الله تعالى. وكانت تظاهرة وتعظيماً لشعائر الله في الأرض. واستهداء بمصابيح الهدى الزاهرة في ليل الانحراف الداجي. والأيام الصعبة السوداء. فليس - على هذا - من عجب أنْ رأينا زيارة سيد الشهداءعليه‌السلام تفضل في النصوص على الكثير من الإعمال والمستحبات الخطيرة

هذا مضافاً إلى ما ورد عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام :

( إنّ لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته ، وإنّ من تمام الوفاء بالتعهد زيارة قبورهم ، فمَن زارهم رغبةً في زيارتهم ، وتصديقاً بما رغبوا فيه كانوا أئمّتهم شفعاءهم يوم القيامة )

(١) - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :

( إنّ زيارة قبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وزيارة قبور الشهداء ، وزيارة قبر الحسين صلوات الله عليه ، تعدل حجّة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )

(٢) - ( عن عمران بن عبد الله بن طلحة الهندي ، عن أبيه قال : دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام

قال : ( يا عبد الله بن طلحة ، ما تزور قبر أبي الحسين ). قلت : بلى إنّا لنأتيه

قال : ( أتأتونه في كل جمعة ؟) قلت لا ، قال : ( أفتأتونه في كل شهر ؟ ) قلت : لا، فقال : ( ما أجفاكم ، إنّ زيارته تعدل حجّة وعمرة )

٣٠١

(٣) - وعن أبي الحسن موسىعليه‌السلام :

( أدنى ما يثاب به زائر أبي عبد اللهعليه‌السلام بشط الفرات إذا عرف حقّه ، وحرمته وولايته ، أنْ يُغفر له ما تقدّم من ذنبه ، وما تأخّر )

(٤) - من وصايا أبي جعفرعليه‌السلام لأصحابه - كما عن محمد بن مسلم :

( مروا شيعتنا بزيارة الحسينعليه‌السلام ؛ فإنّ إتيانه يزيد في الرزق ، ويمدّ في العمر ، ويدفع مدافع السوء ، وإتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ به بالإمامة من الله )

(٥) - علي بن ميمون الصائغ قال : قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام :

( يا علي ، بلغني أنّ أناساً من شيعتنا تمرّ بهم السنة والسنتان ، وأكثر من ذلك لا يزورون الحسين بن علي ) ، قلت : إنّي لأعرف أناساً كثيراً بهذه الصفة. فقال : ( أما والله لحظّهم أخطأوا ، وعن ثواب الله زاغوا ، وعن جوار محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في الجنّة تباعدوا )(١٥)

ونلاحظ من خلال بعض هذه النصوص : أنّ من أهداف الأئمةعليهم‌السلام

٣٠٢

أنْ يخلقوا تيّاراً اجتماعياً لزيارة الإمام الحسينعليه‌السلام . وكان هذا مرتبطاً بأهداف الثورة ونجاحها

ونلاحظ أيضاً أنّ زيارة المشاهد ليست فقط محاولة لخلق جو إيماني. وإنما هي أيضاً استشعار لوجود القدوة. وتمثّل معانيها الخيرة في الفكر ، والروح ، والسلوك ، وفي العطاء والجهاد ؟ تأكيداً للشعور بالائتمام والاقتداء.

الأخ الصالح في الله

وممّا ينبغي على المؤمن - في مجال التربية الروحية - اتخاذ الأخ الصالح في الله. والإخوة الصلحاء. فإنّ للإخوة والقرناء التأثير البالغ على شخصية الإنسان ؛ لأنّهم أكثر ما في البيئة الاجتماعية تأثيراً عليه ، وأثراً في شخصيته. وقد سجّل القرآن الكريم أنّ بعض الناس دخلوا إلى النار بسبب قرناء السوء. وبعضٌ كادوا أنْ يدخلوها. وعن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( المرء على دين خليله وقرينه )(١٦)

والتعاشر بين المؤمنين ، ولقاؤهم ، وعلاقتهم الشخصية له دور كبير في استمرار الروح الإيمانية عندهم ، وتنميتها وتحصينهم من الانحراف ، والتحلل ، والتميع وتركيز القيم الإيمانية في نفوسهم فهي - بأي مستوى كانت من الجدية والهدفية - مثمرة ومنتجة ، وأفضل بكثير من العزلة والانطواء على الذات. إنّ الانطواء ، والعزلة عند أكثر الناس سبب لانحرافهم تماماً مثل معاشرة الأشرار.

٣٠٣

وهكذا ينبغي على المؤمن :

(١) - التخلّص من العلاقة بقرناء السوء إذ :

( لا ينبغي للمسلم أنْ يواخي الفاجر ؛ فإنّه يزيّن له فعله ، ويحب أنْ يكون مثله ، ولا يعينه على أمر دنياه ولا أمر معاده. ومدخله إليه ومخرجه من عنده شين عليه ) كما ورد عن أمير المؤمنين(١٧)

ولكن إذا كان يضمن عدم التأثّر به ويحتمل التأثير عليه فلا بأس بمصاحبته من أجل هدايته ، وإصلاحه ، وفي ذلك ثواب عظيم

( يا علي ، لأنْ يهدينّ الله بك رجلاً خيرٌ لك ممّا طلعت عليه الشمس وما غربت )

(٢) - عدم العزلة والانقباض عن الناس خصوصاً عن المؤمنين لما للعزلة من أخطار كثيرة ، وكبيرة على شخصية الإنسان. وإنْ كانت العزلة الموقتة الدورية أمراً ضرورياً في حياة المؤمن كما سيأتي إنْ شاء الله تعالى

ولذا ورد عنهمعليهم‌السلام : الحث على التزاور والتعاطف

( اتقوا الله كثيراً ، وكونوا إخوة بررة ، متحابين في الله ، متواصلين متراحمين ، تزاوروا ، وتلاقوا ، وتذاكروا أمرنا ، وأحيوه )

٣٠٤

( تواصوا ، وتباروا ، وتراحموا ، وكونوا إخوة بررة ، كما أمركم الله عزّ وجل )

وعن خثيمة قال : دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام أودّعه فقال :

( يا خثيمة ، أبلغ من ترى من موالينا السلام ، وأوصهم بتقوى الله العظيم ، وأنْ يعود غنيّهم على فقيرهم ، وقويّهم على ضعيفهم. وأنْ يشهد حيّهم جنازة ميّتهم ، وأنْ يتلاقوا في بيوتهم ، فإنْ لقيا بعضهم بعضاً حياة لأمرنا ، رحم الله عبداً أحيى أمرنا ، يا خثيمة ، أبلغ موالينا أنّا لا نغني عنهم شيئاً إلاّ بعمل ، وأنّهم لن ينالوا ولايتنا إلاّ بالورع ، وأنّ أشدّ الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثمّ خالفه إلى غيره )

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام :

( لقاء الإخوان مغنم جسيم وإنْ قلّوا )

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام :

( تزاوروا فإنّ في زيارتكم إحياء لقلوبكم ، وذكراً لأحاديثنا ، وأحاديثنا تعطف

٣٠٥

بعضكم على بعض )

وعن ميسر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لي :

( أتخلون ، وتتحدثون ، وتقولون ما شئتم ؟ فقلت : إي والله ، إنّا لنخلو ونتحدث ، ونقول ما شئنا. فقال : أما والله لوددّت أنّي معكم في تلك المواطن ، أما والله إنّي لأحب ريحكم وأرواحكم ، وأنّكم على دين الله ، ودين ملائكته ، فأعينوا بورعٍ واجتهاد )(١٨)

(٣) - وليس يكفي قطع العلاقة مع الأشرار ، وقرناء السوء وتكوين العلاقات الوثيقة بالمؤمنين. وإنّما يلزم كل مؤمن - من أجل تكوين الجو الإيماني - أنْ ينمّي من جدية العلاقة لا بمعنى إخلائها من كل مضمون عاطفي ، وصلات شخصية ، بل بمعنى إثرائها ، والاستفادة الرسالية منها. لأنّ هذا هدف رئيس من أهداف تمتين العلاقة ، وتوثيقها بالمؤمنين.

الأزمنة الخاصّة للعبادة والتربية

وكما أمر الإسلام باتخاذ ( أمكنة ) خاصة للتربية والعبادة كذلك ركّز في الشعور الديني عند المسلمين ( أزمنة معيّنة ) خصّصها للتربية ، والعبادة من قبيل الشهر العظيمر ، شهر رمضان المبارك ، شهر الله الذي يستضيف فيه المؤمنين ويستمطرون بركاته ، وهداه ، وغفرانه ، ورحمته.

هوامش

__________________

(١٠) - الوسائل أبواب الذكر

(١١) - البيان من تفسير القرآن للسيد الخوئي ص ٢٦ - ٢٧

(١٢) - المرجع السابق ص ٢٩ - ٣٠

(١٣) - هذا مع أنّهم ( الأئمة ) يفعلون العكس ويقولون : ( ما خالف كتاب الله فهو زخرف لم نقله ) و( ما جائكم عنّي يُخالف كتاب الله فلم أقله ) ، و( كل شيء لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ) و( وما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه )

(١٤) - الوسائل أحكام المساجد باب ٣

(١٥) - الوسائل أبواب المزار من كتاب الحج باب ٢ و٢٥ و٣٧ و٣٨

(١٦) - أصول الكافي ج ٢ ص ٦٤٢

(١٧) - أصول الكافي ج ٢ ص ٦٤

(١٨) - أصول الكافي ج ٢ ص ١٧٥ - ١٧٩ وص ١٨٦ - ١٨٧

٣٠٦

هذا الشهر الحافل بالعطاء ، والممارسات العبادية التي يعزّ على الإنسان المؤمن أنْ تفوته حتى لو كان يمارس أعمالاً أخرى أهم وألزم

هذا الشهر الذي فيه كثرة ، وتركيزاً في الصلاة ، وكثرة وتركيزاً في الدعاء ، والتوجّه إلى الله تعالى. واحتفالاً عامّاً في مشاعر الناس ، وشعاراتهم. الشهر المليء بالخيرات ، والمليء بالمناسبات الدينية العظيمة

لقد شاء الله تعالى في تربيته لعباده. أنْ يوجد إلى جانب الخط الدائم في التربية. خط الصلاة اليومية والذكر المستمر خطاً آخر دورياً يتمثّل في أوقات معينة يستعد فيها المؤمنون إلى نشاطات عبادية أكبر

دورة أسبوعية تمثّله في يوم الجمعة المباركة من حيث ما فيه من أدعية ، وزيارات ، وتوجيهات ، ودورة سنوية متمثّلة في شهر رمضان المبارك ، الذي يتم الإعداد الروحي له في شهر رجب ، وشعبان ، والشهرين العظيمين في الشهور. ودورة حياتية متمثلة في الحج قابلة للاستزادة في كل حين. ودورة في أيام معدودات متمثلة في الاعتكاف الذي يمكن أداؤه في أي وقت تقريباً وفي هذه الدورات ينتفي مضعف الألفة الذي نجده في الصلاة اليومية ، ويعيش المؤمن العبادة غضّة طريّة في أيامٍ قليلة من العمر.

خامساً : الثقافة الإيمانية

الثقافة هي - في واحد من مداليلها المتعددة ، نقصده هنا بالذات - هي الرؤى الفكرية التي تؤثّر في عواطف الإنسان وسلوكه ، وقيمه ،

٣٠٧

وطريقته في الحياة

والثقافة الإيمانية ، هي بصائر ، وهدى ، وأفكار تقرب من الله وتسهل الطريق على من يريد أنْ يتكامل في هذا الطريق

ليست الأفكار مقطوعة الصلة بالحياة العاطفية والسلوكية للإنسان ، بل لها أكبر الأثر فيها ، وتؤثّر ، وتتأثّر بها ، ويتكاملان ، كما يقتضي ذلك منطق القرآن الكريم

( كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ) (١٩)

( لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ) (٢٠)

وعلى أساس هذا المنطق القرآني ففي الثقافات ما يقرب إلى الله ومنها ما يبعد عنه : الدافع إلى الله الذي يفتح للإنسان عينه ، ويبصره نقاط ضعفه ، وسبيل نموه ، وأساسيات حياته الدينية ، ومنها الحاجز الذي يحول بين الروح الإنسانية ، وبين الانطلاق في طريق التحرّر الذاتي والتكامل الوجداني وعبادة الله

والثقافة الإيمانية التي تقرب إلى الله تعالى. تتألّف من عنصرين :

(١) - المنهج الإسلامي في التفكير الذي ينظر إلى الأشياء بالطريقة القرآنية ، أو المنطق الإسلامي الخاص ، الصدور عن القرآن الكريم ،

٣٠٨

التلقّي من الله تعالى ، والانفتاح على كلماته التعامل الفكري مع الغيب ، لا الغيبية الميتة ، بل التعقّل الذي يأخذ فيه الدين موقعاً مركزياً ، سَواء في الشعور أم في الالتزام. والمعايشة الفكرية الكثيرة ، للفكر الغربي والاتجاهات المادية ، وعدم الاهتمام الثقافي بالقرآن الكريم والسنّة ، والتاريخ الخاص يؤثّر بشكل واضح على طريقة المؤمن في التفكير ، وكيفية تناوله للأمور ، ويبدو له الدين من خلال ذلك اتجاهاً بين الاتجاهات. وطريقة من الطرق يدافع عنها ولكن منهكاً مرهقاً

(٢) - الأفكار والمعلومات الإيمانية في مجال العبادة والأخلاق ، والسيرة والقرآن الكريم ، والنفس البشرية والعلاقات مع الناس ، وغير ذلك ممّا تتشكل المعرفة فيه إعداداً فكري ، للتربية الروحية ، وتكوين الأحاسيس ، والمشاعر الإيمانية ، وبناء السلوك الديني المستقيم ، وقد تعيش مع الكثير من المؤمنين ، يستهينون بالإعمال العبادية ، فلا يرونها مهمة إنّما المهم عندهم الفكر ، والعمل الفكري ، والاهتمام بأمور الناس ، وهؤلاء لا يفتقرون إلى قلبٍ سليم ، أو نيّة حسنة أو روح دينية ، وإنّما يفتقرون إلى رؤية سليمة فقط من الممكن أنْ تتوضّح لهم بسهولة. فيفتح لهم ذلك الطريق إلى الله. والنمو الروحي والوجداني

إنّ الأفكار والثقافة التي تتصل بالقرآن الكريم ، وكلمات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته وسيرته تصحّح الكثير من الأفكار الخاطئة عن التربية الروحية ، وعن الإسلام بشكلٍ عام ، وتصدر بالإنسان المسلم من منبع ثقافي أصيل ، وتخلق له إطاراً ذهني ، وشعوراً يتعامل معه. وداخله ، وهو إطار يفترض المبادئ الدينية ، ويجعل من المؤمن يتعامل مع الأفكار

٣٠٩

من خلاله ، وليس على حسابها. وهي أيضاً معايشة ، ولقاء مستمر مع الله تعالى ، ومع القادة الميامين الأطهارعليه‌السلام

ومن الممكن هنا أنْ نسجّل بعض الكتب في المجال الأخلاقي والتربوي نرى من الضروري للإنسان المؤمن أنْ يتدارسه ، ويتعامل معها باستمرار :

(١) - أصول الكافي لثقة الإسلام الكليني المتوفى في النصف الأول من القرن الرابع الهجري ، والجزء الثاني منه بالخصوص وهو يشتمل على كتاب الإيمان ، والكفر ، كتاب الدعاء ، كتاب فضل القرآن ، كتاب العشرة

(٢) - وسائل الشيعة للحر العاملي ، فإنّ فيه مجموعة كبيرة مفيدة من هذه الناحية. منها : - كتاب جهاد النفس. المذكور في كتاب الجهاد ، وكتاب أبواب العشرة. في كتاب الحج ، كتاب جامع السعادات للنراقي ، وهو كتاب أخلاقي إسلامي. وهو على العموم كتاب نافع جليل ، ومؤثّر أريد به أنْ يكون ردّاً على الانحراف الصوفي والتحلل الديني في آن واحد ، ولا يضر في الاستفادة من هذا الكتاب عدم ضبط رواياته ، أو تأثره بالفلسفة الإغريقية وروحه الفردية أحياناً ؛ لأنّه كما قلنا نافع على العموم. ومأمون الجانب في هذا المجال

ومن الكتب النافعة وفي هذا المجال. مجال الفكر الإيماني كتاب فلسفة الصلاة ،ومكّة في ضمير المسلم للشيخ علي الكوراني ، وتذكرة الدعاء للبهي الخولي ، والكتاب المسيحي ، دائرة المعارف السيكولوجية المترجم في

٣١٠

جزئين من قبل عبد اللطيف شرارة ، وبعض آخر فإنّه كتاب نفسي عملي ومفيد.

سادساً : مخالفة الأهواء - الصوم :

إنّ كل مؤمن له أهواؤه - قلّت أو كثرت وهي قد تتعلّق بالمال ، الأكل والشرب ، الجاه والمركز ، التحكّم والسيطرة على الآخرين ، الخ

والهدف النهائي الذي يطمح إليه المؤمن هو إلغاء هذه الأهواء من نفسه ، وتطهير مشاعره ، ووجدانه ودوافعه منها تطهيراً كاملاً

أمّا المهمّة الآنية والملحة ، فهي إضعاف تأثير هذه الأهواء على السلوك ، والتحكم فيها ، وعدم السماح لها بالسيطرة على النفس ، بل عدم السماح لها بالنفوذ بأي شكل من الإشكال

وبكلمة أخرى : إنّ المهمّة الآنية للإنسان المؤمن هي تأمين سيطرة الإرادة الربانية على النشاط ، والسلوك بحيث تكون مقدمة على الأهواء ، والميول الذاتية في النفس

والتحكّم في الأهواء ، وإلغاؤها نهائياً من صفحة النفس والشعور ينتج من مجموعة عوامل أهمّها أو من أهمّها. مخالفة الهوى

( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى )

وذلك لان كل عاطفة ، أو انفعال أو هوى ، يضعف إذا لم تنفذ مطالبه ، ولم يلبّ ما تقتضيه من تصرفات

٣١١

وبكلمة أخرى : توجد لدينا حقيقتان ثابتتان :

(١) - إنّ لكل عاطفة أو هوى ، أو انفعال تصرّفاً يقتضيه وينتهي إليه ، فحب المال ينتهي إلى الحفاظ عليه ، وعدم التصدّق به وحبّ المركز يقتضي من الإنسان أنْ يحاول الظهور أمام الناس في المجالات الفكرية ، أو الخطابية أو الدينية

(٢) - إنّ الفصل بين الهوى ، وبين نتيجته العملية ، وعدم تلبية مطالبه إضعاف له ، وزعزعة لسيطرته على النفس ، وتحكمه في السلوك ، وتقوية للإرادة الربانية ( الجهاز الحاكم في الشخصية الإسلامية ). والفصل بين الهوى ، ونتيجته العملية أمر ممكن لان العلاقة بينهما علاقة ( الاقتضاء ) لا علاقة ( اللزوم )

إنّ مخالفة الأهواء بالنسبة إلى الإنسان المؤمن العامل في سبيل الله هي من أهم مهامه الآنية ؛ لأنّه أحوج من غيره إلى الإرادة الحازمة ، والقدرة على التحكم في الأهواء ومخالفة النفس. إنّ خوف مقام الله تعالى ، ومخالفة النفس ، والصبر ، واليقين هي دعائم الشخصية الرسالية القيادية ، أو من دعائمها المهمة ، وقد بين الله تعالى ، إنّه قد جعل من بني إسرائيل أئمّة لمّا صبروا ، وكانوا بآياته يوقنون والصبر ، هو الإرادة الحازمة ضد ميول النفس ، واتجاهاتها الذاتية ، ولا يتم تكوين هذه الإرادة إلاّ من خلال مخالفة النفس

وللإسلام طريقته الخاصة في مخالفة الأهواء. إنّ الصوفي لا يهمه أنْ يخالف هواه عن طريق إلقاء ماله في البحر. أو عن طريق سرقة أموال

٣١٢

الناس ليكتشفوه بعد ذلك فيهينوه ، وتسقط هيبته من أعينهم فيعاف الظهور ، والمركز ، أو عن طريق الوقوف على رأسه إلى الصباح كما ينقل الغزالي ذلك في ( إحياء علوم الدين )

إنّ هذه الوسائل محرّمة في نظر الإسلام ، ولم ينزل الله بها من سلطان ، قلنا فيما سبق إنّ من روائع الإسلام ، ومن نعم الله تعالى علينا أنّه كما حدّد لنا الأهداف التربوية كذلك حدّد لنا الوسائل ولم يتركنا للتخبط الصوفي ، وترهات الغزالي ، وأمثاله ، أو إلى طريقة التأمل البوذي. أو غير ذلك من محاولات هذا الكائن الجاهل الضعيف

أمر الإسلام بالتحكّم في النفس. وأكد على ضرورة سيطرة الإرادة الربّانية ومخالفة الأهواء. وحدّد لنا الطريق

لا ترمِ مالك في البحر ، ولا تبسط يدك كل البسط فتقعد ملوماً مدحوراً ، ولا تسرف لأنْ الله لا يحب المسرفين ، ولكن أنفق العفو ، وأدّ الصدقات المستحبّة والواجبة. والإسلام يعي أنّ الهدف من الزكاة ، والصدقة ليس هو إعانة الفقراء فقط ولكن تطهير الوجدان البشري من حب المال ، وتمكّنه من القلب

( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا )

ومن هنا فإنّ الإسلام في باب الصدقة أوجب الزكاة. ولكن من جهة أخرى حث على الصدقة. وكان هذا الحث بدرجة الاستحباب.

٣١٣

وهذا يعني أنّ الإسلام يريد من ذلك أنْ يكون طواعية ، واختياراً ليكون أثر قدرة على التطهير والتزكية. وحثّ إلى جانب ذلك أنْ تكون الصدقة سرّاً ؛ لأنّ صدقة السر أفضل من صدقة العلانية. وأكثر قدرة على تنمية الروح المخلصة والروح المرتبطة بالله. ومن هنا كان على المؤمن أنْ ينفق عفو ماله وفضله ، أنْ يتحسس حاجات إخوانه ، وأنْ يحافظ على الطابع السرّي للإنفاق قدر الإمكان

ولم يرد الإسلام أنْ يعيش على مزابل الكلاب ليواجه بذلك أهواءه كما يقول الصوفي

(لا يكون الصوفي صوفياً حتى يجعل من زوجته أرملة ، ومن أولاده أيتاماً ، ويعيش على مزابل الكلاب )

وإنّما أمره إلى جانب الصدقة ، والإنفاق السري أنْ يصون لسانه من الكذب ، والغيبة ، ومن محاولات الظهور والثرثرة ، وأنْ تكون قاعدته الصمت إلاّ في موارد الحاجة والضرورة ، وأنْ يتعلّم الصوم المستحب. الذي يكف به عن الشهوة ساعات.

شهوة الجنس ، وشهوة الطعام والشراب. والصوم المستحب من أروع العبادات الإسلامية التي تربط الإنسان بالله تعالى ، وتنمّي الإرادة ، وتصعد من ملكة الصبر. ومن أهم مجالات الصوم المستحب ، صوم ثلاثة أيام في الشهر. ( أول خميس من الشهر ، وآخر خميس ، والأربعاء الوسطى ) وقد ورد الحث الشديد على ذلك في النصوص. وهو من القدرات الروحية التي إنْ كانت مستحبّة على

٣١٤

الإنسان المسلم من زاوية شرعية ، فهي إلزامية على الداعية من ناحية المنطق الأخلاقي ، والروحية الإسلامية ؛ لأنّ الداعية يلزمه أنْ يعد نفسه لتحمّل القول الثقيل ، والسير في طريق ذات الشوكة ، وأنْ يعاني مرارة الاستقامة في خضم العمل الاجتماعي ، وكل هذا لا يتم إلا من خلال التربية ، والإعداد الروحي القائم على هذا ، وأمثاله. ومن عناصر الداعية المسلم في هذا الميدان هو أنْ يتأمّل ذاته ، ويحسب نشاطاته ، ويدرسها. سيجد أنّ بعض التصرّفات تقوم على أساس دواعي الهوى ولم يقصد الله فيها ، ولم يذكره أصلاً. هنا يجب عليه ، أو ينبغي له أنْ يتوقف مؤقتاً ، وأنْ يتأمّل قبل الأداء ، فإنْ كان تصرّفه ، وموقفه ضرورياً من الناحية الشرعية أقدم عليه ، وأداه مثاباً مأجوراً ، وأنْ لم يكن موقفه ضرورياً من الناحية الشرعية ، والدعوتية تركه ، وأهمله. خاصة في موارد التقييمات ، والكلام على الناس ، ومواجهتهم

سابعاً المحاسبة والنقد الذاتي

(١) عن أبي الحسن الماضيعليه‌السلام قال :

( ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كل يوم ، فإنْ عمل حسناً استزاد الله ، وإنْ عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه )

(٢) - عن أبي ذر ( ره ) في وصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال :

( يا أبا ذر حاسب نفسك ، قبل أن تحاسب ،

٣١٥

فإنّه أهون لحسابك غداً ، وزن نفسك ، قبل أنْ توزن. وتجهز للعرض الأكبر يوم تعرض ، لا تخفى على الله خافية. يا أبا ذر ، لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه اشد من محاسبة الشريك شريكه فيعلم من أين مطعمه ومن أين مشربه ، ومن أين ملبسه ، امن حلال أو من حرام ، يا أبا ذر ، من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله من أين أدخله النار )

(٣) عن عليعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

( أكيس الكيّسين مَن حاسب نفسه ، وعمل لما بعد الموت ) ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين ، كيف يحاسب نفسه ؟

قال : ( إذا أصبح ثمّ أمسى رجع إلى نفسه وقال : يا نفسي ، إنّ هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبداً. والله يسألك عنه بما أفنيته ، فما الذي عملت فيه أذكرت الله أم حمدته ، أقضيت حوائج مؤمن فيه ، أنفّست عنه كربه ، أحفظته بعد الموت في مخلفيه ، أكففت عن غيبة أخ مؤمن ، أعنت مسلماً ، ما الذي صنعت فيه ؟ فيذكر ما كان منه ،

٣١٦

فإنْ ذكر أنّه جرى منه خير حمد الله ، وكبره على توفيقه وإنْ ذكر معصية ، أو تقصيراً استغفر الله ، وعزم على ترك معاودته)

(٤) علي بن طاوس روينا في الحديث النبوي المشهور :

( حاسبوا أنفسكم قبل أنْ تحاسَبوا ، وزِنوها قبل أنْ توزَنوا ، وتجهّزوا للعرض الأكبر )(٢١)

إنّ البناء الروحي. وهو تمكين الإيمان والإرادة الربانية من النفس في فكرها ، ووجدانها ، ونشاطها. لا يتم إلاّ من خلال تقوية الإيمان ، والوجدان الإسلامية ، والإرادة الربانية من جهة. والوعي الذاتي ، ومعرفة حيَل النفس ، وأساليبها في الدفاع ، ونقاط ضعفها من جهة أُخرى ؛ وذلك لأنّ من الممكن أنْ تعمل الدوافع الذاتية في النفس من دون أنْ يشعر بها الإنسان

والوعي الذاتي الشامل ، ومعرفة النفس يتم من خلال ما يلي :

(١) - دراسة النفس دراسة شاملة. حيث يقوم المؤمن هنا بملاحظة ذاته من خلال تجربتها السابقة ، وخبرته الطويلة بها ، ويدرسها دراسة كاملة. ويحدّد ما فيها من نقاط ضعف ، ونقاط قوة. ويركّز ذلك في ذهنه ، أو يسجله في مذكّراته ، وتشمل هذه الدراسة الحالات كافّة ، الجانب الثقافي ، والجانب الروحي والجانب العلمي. الخ

(٢) - يراقب الإنسان المؤمن ذاته ، ويركّز نظره عليها في نشاطها

٣١٧

اليومي

(٣) - يحاسب ذاته محاسبة دورية يومية ، أو أسبوعية ، ويدرس في ذلك نشاطاته السابقة ما قدمه ، وما خالف فيه ، وما قصر عنه ويحدّد ذلك. فيحمد الله ، إنْ هو أطاع الله وذكره وتورّع عن محارمه ، ويتوب عما خالف. ويعزم على الترك ، ويبني نهجاً جديداً ، وهكذا في كل دورة

وليحذر المؤمن إثناء كل ذلك من خداع النفس ، ومن غرورها ، وعجبها فإنّها أمّارة بالسوء إلاّ ما رحم الله. مهلكة لصاحبها إلاّ ما وفّق

ثامناً : الاعتكاف

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :

( كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان العشر الأواخر ( من رمضان ) اعتكف في المسجد وضُربت له قبّة من شعر ، وشمّر المئزر وطوى فراشه )

وعنهعليه‌السلام عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( اعتكاف عشرة في شهر رمضان تعدل حجّتين ، وعمرتين )(٢٢)

في الاعتكاف عناصر متعدّدة ، وجهات كثيرة تمثّل طابعه التربوي المتميز وفيه :

٣١٨

(١) - التفرّغ للعبادة وذكر الله. فالمؤمن في أيّامه العادية يحكم ضرورات الحياة ، وضرورات العمل لا يمكن أنْ يؤدّي الكثير من المستحبّات العبادية ، ولهذا فهو يقتصر على مقدار قليل معيّن من العبادات أمّا الاعتكاف ، فهو المكث في المساجد للعبادة. فيه يتفرّغ الإنسان المؤمن ، ويتنصّل مؤقّتاً عن الأشغال في الحياة الخاصة ، والأعمال الاجتماعية ليؤدّي لربّه حقه. ولنفسه حقّها. وهو عليه دورة تربوية ضرورية للإنسان المسلم ، يستزيد فيها من ذكر الله ، ومعايشة تصوراته عن الكون ، والحياة ، والوجود ، ويتذكّر فيها أيّام الله الخالية فتعيش روحه ، وقلبه ، بالنشاط العبادي المكثّف الجديد على النفس ، الذي لم يتضرّر بالألفة ، وروتين العادة ، واقتطاع هذه الأيام المعدودة ضرورة تربوية من أجل الإعداد ، والتركيز الروحي. وهو نظام اختطّه الله تعالى في منهجه التربوي لهذا الإنسان

(٢) - مخالفة الأهواء. متمثّلة في الصوم إذ ( لا اعتكاف إلا بصوم ) الذي يمثّل مخالفة هوى النفس في الأكل والشرب والجماع. وفي الامتناع عن المراء ، والجدال

(٣) - العزلة المؤقّتة عن الناس ، وإتاحة الفرصة لمراجعة النفس ، ومحاسبتها واختبارها. فأنت في خضمّ العمل الاجتماعي مملوك لمهمّاتك الاجتماعية. وهذا ما يضعف من أصالة الفعل ، وإيداع النشاط ، ومن مراجعة الذات ، وتقييمها وبالتنصّل مؤقّتاً من العمل الاجتماعي ، وسفاسف الحياة الصغيرة ، وحتى عن العمل الفكري يتيح للإنسان أنْ يراجع ذاته ، وينظر في عيوبها ، ويقيمها تقييماً شاملاً ، ولينطلق بعد ذلك

٣١٩

في مواقفه عن طواعية ، واختيار ، وتلقائية ، وإخلاص وليزيد من تثبّته الديني ، وتركيز علاقته بالله تعالى وانقطاع رجائه ، وانشداه إلى الناس ، والأشياء ، والأهداف المرحلية اليومية

ومن هنا كان الاعتكاف. إحدى الضرورات الدورية المهمّة للداعية يتخلّى فيها عن رداءة التصرّف ، ويمحّص ذاته من شوائب الرياء والسمعة والانشداد إلى الناس ويتجلّى فيها الإخلاص ، والتثبّت ، والتركيز ، الديني. تركيز العلاقة بالله تعالى. ونشير أخيراً. إلى أنّ الإسلام لا يشجع العزلة التامّة المستمرّة عن الناس فإنّ في هذا أخطاراً كبيرة على النفس ، وتتنافى مع ما يعدّه الإسلام للإنسان المسلم من أدوار اجتماعية ، وعطاء اجتماعي متميّز. ولهذا يؤكّد الإسلام في نصوص كثيرة على أنْ لا يكون الاعتكاف إلاّ في مسجد جامع تقام فيه الصلاة جماعة.

تاسعاً : نظرة عامّة في الأساليب التربوية(٢٣)

نلاحظ أنّ أساليب الإسلام في التربية أكثر مما ذكرنا. ونحن هنا لخصّناها بإيجاز

عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

( لا خير في العيش إلاّ لرجلين : رجلٌ يزداد في كل يوم خيراً ، ورجل يتدارك منيته ( سيئته ) بالتوبة )

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

قال : نحن أهل البيت.

فعلى هذا يجيء الأمر شيئا بعد شيء على يد واحد بعد واحد من الائمة من أهل بيت محمد صلوات الله عليهم ولا يكون ذلك دفعة واحدة. وكان سبب ذلك ومفتاحه وأول من جرى على يديه المهدي صلوات الله عليه.

[١٢٢٩] وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال : لا يزال الناس ينقصون حتى لا يقال الله إلا خفية ، فاذا كان ذلك بعث الله من يملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.

[١٢٣٠] وعنهعليه‌السلام ، أنه قال : كان ذلك ينقص الناس حتى لا يقول أحد الله إلا خفية ، فاذا كان ذلك بعث الله يعسوب الدين ، فضرب بذنبه(١) ، فيجتمعون [ إليه يجتمع ] قزع الخريف(٢) ، إني لا أعلم اسم أميرهم ، ومتاخر رجالهم(٣) .

[ ضبط الغريب ]

اليعسوب : أمير النحل الذي يلاذ به ويجتمع إليه ، والقزع واحده قرعة ، وهي قطعة من السحاب دقيقة كذلك يجتمع سحاب الخريف شيئا الى شيء من مثل ذلك حتى يعظم.

فشبه أمير المؤمنين عليعليه‌السلام اجتماع أنصار المهدي بذلك وكذلك كان أمرهم إنما اجتمعت الدعوة التي هاجر إليها ، وأظهر الله عزّ وجلّ أمره بها ، ونصره بأهلها ، الى القائم بدعوتهم ، الواحد بعد الواحد والثلاثة الى أن كثّر الله عددهم ونصرهم وأظهرهم على أهل السلطان والقوة والعدد والعدة

__________________

(١) هكذا صححناه وفي الاصل : بنانيه.

(٢) وفي الاصل : فيجتمعون كقزع الخريف.

(٣) وفي الملاحم والفتن ص ٨١ : ومناخ ركابهم.

٣٦١

الذين كانوا قبل ذلك يملكونهم ويظهرون عليهم ، وكانوا قبل ذلك أذلة فيهم فملكهم الله عزّ وجلّ أمرهم ، وقتل الجبابرة بينهم بأيديهم وورثهم ملكهم وديارهم وأموالهم وكذلك يورث الله الأرض ومن فيها أولياءه كما وعدهم عزّ وجلّ ذكره وهو لا يخلف وعده.

[١٢٣١] وعن عليعليه‌السلام ، أنه قال : بنا يبتر الله الكذب ، وبنا يدرك ثاره المؤمن ، وبنا يتخلع ربق الذلّ من أعناقكم لا بكم ، وبنا يختم لا بكم.

[ ضبط الغريب ]

قوله : يبتر : أي يقطع. والبتر : قطع الذنب ونحوه إذا استوصل ، يقال منه : بتره ، فانبتر.

وكذلك قطع أولياءه الله الكذب الذي كذبه الظالمون على الله عزّ وجلّ وعلى رسوله وأوليائه بما أتوا به من الحق عن الله وعن رسوله فقطعوا بذلك كذب الظالمين ، وانتحال المبطلين. البترة : الظلامة في الدم وغيره ، فباولياء الله يدرك المؤمنون ما ظلموا به من ذلك ، ويدرك أولياء الله ثاراتهم ممن نال ذلك من أسلافهم.

وقوله : بنا يتخلع ربق الذل من أعناقكم.

الربق جمع ربقة ، وهو الخيط الواحد أيضا منه ربقة ، وهو ما يجعل في العنق يربط به الشاة وغيرها. وفي الحديث : من فعل كذا وكذا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، أي في عنقه من عقد الاسلام. وقتل منه شاة مربقة ومربوقة كل ذلك صفات التي يربط في عنقها خيط ، فبأولياء الله يزول ربق الذل من أعناق المؤمنين التي كان أعداء الله أوثقوهم بها في غلبهم عليهم.

[١٢٣٢] وعن أبي سعيد الخدري ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه

٣٦٢

وآله يقول : أبشروا(١) بالمهدي فانه يبعث [ في امتي ] على اختلاف من الناس شديد وزلازل(٢) يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، ويرضى به ساكن السماء ، وساكن الارض ، ويملأ الله به قلوب عباده سرورا وسعهم(٣) عدله.

[١٢٣٣] وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : المهدي من نسل فاطمة سيدة نساء هذه الامة ـ طالت الايام أو قصرت ـ يخرج فيملأ الارض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.

قيل : ومتى يخرج يا رسول الله؟

قال : إذا كان زلازل في أطراف الارض وارتشت القضاة ، وفجرت الامة ، يخرج من المغرب في ساقه شامة وبين كتفيه شامة فردا غريبا.

قيل : وكيف يكون فردا غريبا يا رسول الله؟

قال : لانه ينفرد من أهله ويتغرب عن وطنه.

وكذلك قام فردا غريبا من المغرب.

وكانت قبل قيامه زلازل ، وكانت به العلامة التي وصفها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يقم حتى ارتشت القضاة ، وصار القضاء كذلك يتقبل بالمال ، وفجرت الامة.

[١٢٣٣] وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : لا بدّ من قائم من ولد فاطمة يقوم من المغرب بين الخمسة الى السبعة يكسر شوكة المبتدعين ، ويقتل الضالّين.

__________________

(١) وفي كتاب الفتن لأبي نعيم لوحة ٩٤ : ابشركم بالمهدي.

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : بلابل ، راجع تخريج الأحاديث.

(٣) هكذا صححناه وفي الاصل : سيعمهم.

٣٦٣

وكذلك قام المهديعليه‌السلام من المغرب ، وظهر فيه أمره بعد أن كان مستترا بوصول صاحب دعوته المغرّب بجموع عساكر أوليائه المستجيبين لدعوته إليه في سنة ست وتسعين ومائتين ، وصار الى دار مملكته بالمغرب ـ بإفريقية ـ في سنة سبع تسعين تتلوها.

[١٢٣٤] وعن جعفر بن محمد بن على صلوات الله عليهم ، أنه ذكر المهديعليه‌السلام . فقال : تطلع الرايات السود. وأومى بيده الى المشرق ، وتطلع رايات المهديّ من هاهنا ، وأومى بيده الى المغرب.

وذلك في أيام بني أميّة قبل قيام بني العباس.

وطلعت راياتهم السود من قبل المشرق من جهة خراسان ، فطلعت رايات المهدي بعد ذلك من المغرب كما قال صلوات الله عليه.

[١٢٣٥] عبد الرحمن بن بكار الأقرع القيرواني ، قال : حججت ، فدخلت المدينة ، فأتيت مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فرأيت الناس مجتمعين على مالك بن أنس يسألونه ويفتيهم. فقصدت نحوه ، فاذا أنا برجل وسيم حاضر في المسجد وحوله حفدة يدفعون الناس عنه ، فقلت لبعض من حوله : من هذا؟

قالوا : موسى بن جعفر.

فتركت مالكا ، وتبعته ، ولم أزل أتلطف حتى لصقت به ، فقلت :

يا ابن رسول الله إني رجل من أهل المغرب من شيعتكم وممن يدين الله بولايتكم.

قال لي : إليك عني يا رجل ، فانه قد وكّل بنا حفظة أخافهم عليك.

قلت : باسم الله ، وانما أردت أن أسألك.

فقال : سل عما تريد؟

٣٦٤

قلت : إنا قد روينا أن المهدي منكم ، فمتى يكون قيامه ، وأين يقوم؟

فقال : إن مثل من سألت عنه مثل عمود سقط من السماء رأسه من المغرب وأصله في المشرق ، فمن أين ترى العمود يقوم إذا اقيم؟

قلت : من قبل رأسه.

قال : فحسبك ، من المغرب يقوم وأصله من المشرق وهناك يستوي قيامه ويتم أمره.

وكذلك كان المهديعليه‌السلام ونشأته بالمشرق ثم هاجر الى المغرب ، فقام من جهته. وبالمشرق يتم أمره ، ويقوم من ذريته من يتم الله به ذلك فيما هناك ، ويورثه الأرض كما قال عزّ وجلّ في كتابه المبين :( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ) (١) وكله ينسب الى المهديعليه‌السلام لانه مفتاحه وبدعوته امتدّ أمره ، وكل قائم من ولده من بعده مهدي قد هداهم الله عزّ وجلّ ذكره ، وهدى بهم عباده إليه سبحانه ، فهم الائمة المهديّون والعباد الصالحون الذين ذكرهم الله في كتابه أنه يورثهم الارض وهو لا يخلف الميعاد.

[١٢٣٦] أبو وهاب ، باسناده يرفعه الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : يخرج ناس من المشرق ، فيعطون المهدي سلطانه(٢) يدعونه.

ودعوة المهديعليه‌السلام والائمة من ولدهعليهم‌السلام قد انتشرت بحمد الله في جميع الأرض ، وغرت في غير موضع من أقطارها بالمشرق والمغرب فيوشك أن يكون بعض أوليائهم يقومون من قبل المشرق يدعوهم في تمام أمرهم فيقومون لوليّ الزمان هناك سلطانه والله يقرب ذلك وينجز وعده لاوليائه

__________________

(١) الأنبياء : ١٠٥.

(٢) وفي كنز العمال ج ١٤ / الحديث ٣٨٦٥٧ : فيوطئون للمهدي.

٣٦٥

بفضله ورحمته لعباده وحوله وقوته.

وقد يكون المراد بالذين يخرجون من المشرق من خرج منه من الدعاة إليه كما كان أبو عبد الله صاحب دعوة المغرب ومن كان معه ممن أرسله داعي اليمن ، وقد ذكرت خبرهم في كتاب الدولة.

[١٢٣٧] الحبري ، باسناده ، عن عليعليه‌السلام ، وسلمان ، وحذيفة بن اليمان يرفعونه الى [ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] : تمام أمر آل محمدعليهم‌السلام عند ظهور رايات تخرج من السند(١) .

ودعوة وليّ الزمان قد ظهرت بالسند ، وعن أوليائه بها من غلب داعية هناك على صاحب مملكة السند ، فقتله ، وكان على المجوسية ، وقتل رجاله ، وهدم الصنم الذي كانوا يعبدونه ، وجعل الهيكل كل الذي كان فيه مسجدا جامعا ، وعزّ سلطانه ، وذلك بحول الله وقوته ، يشهد انجاز وعده لأوليائه على ما جاء في هذا الخبر من ظهور رايات السند ، إذ قد ظهرت رايات السند في دعوة أولياء الله هناك ، وعن أهلها وظهر سلطان وليّ الزمان بها.

[ الصادقعليه‌السلام مع قوم من أهل الكوفة ]

[١٢٣٨] عن جعفر بن محمدعليه‌السلام ، أنه قال لقوم من أهل الكوفة : أنصارنا غيركم ما يقوم مع قائمنا من أهل الكوفة إلا خمسون رجلا ، وما من بلدة إلا ومعه منهم طائفة إلا أهل البصرة فانه لا يخرج معه منهم إنسان.

فأهل الكوفة في قدم الزمان هم كانوا اكثر أنصار من قام من أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعي الامامة ممن قدمنا ذكره. وكان في هذا

__________________

(١) بكسر أوله وسكون ثانيه وآخره دال مهملة ، بلاد بين الهند وكرمان وسجستان ( معجم البلدان ٣ / ٢٦٧ ).

٣٦٦

الحديث ما يوجب إبطال ما ادعوه فيما قدمنا ذكره. ودعوة وليّ الزمان اليوم بحمد الله قد ظهرت ، وقامت دعاته في أكثر البلدان ، وأجاب إليها في كل بلدان عالم منه ، وأقل ذلك اليوم بالكوفة كما جاء في الخبر.

وأما البصرة : فالغالب على أهلها اليوم القول بالاعتزال ، ويوشك أنه متى ظهر القائم بالمشرق لا تقوم معه منهم لبعد المعتزلة من قول أهل الحق حتى يغلب عليهم قهرا ، وعلى أمثالهم بحول الله وقوته إن شاء الله تعالى.

[١٢٣٩] ومن رواية محمد بن حميد القيرواني ، وكان شيعيا يرفعه ، الى سالم بن أبي الجعد ، أنه قال : كنت أطوف بالبيت أنا وسعيد بن حمير ، فطفنا ما شاء الله ، ثم أتينا حلقة في هذا المسجد فيها عبد الله بن عمر ، وابن العاص ، وابن صفوان ، وناس من قريش ، فقال عبد الله بن عمر : ولنا من أين أنتم؟

قلنا : من أهل العراق.

قال : ومن أيّ أهل العراق؟

قال له عبد الله بن صفوان الجمعي : سواء أهل الكوفة وأهل البصرة.

فقال عبد الله بن عمر : ولأهل الكوفة خير من أهل البصرة لانهم اكثر تتبعا للمهدي.

وهذا مما لم يقله عبد الله بن عمر برأيه ، ولا من قبل نفسه ، وإنما هو شيء سمعه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو بلغه عنه ، لأن هذا ومثله من علم ما يكون لا يؤخذ إلا عن أنبياء الله. وهذا مما ذكرنا قبله مما يعلو أهل البصرة بالقول بالاعتزال الى اليوم ، وذلك مما يخلفهم من القيام مع وليّ الزمان إذا انتهى إليهم حتى يظهر عليهم وعلى غيرهم من أمثالهم كما ذكرنا بحول الله وقوته.

[١٢٤٠] وروى سليمان بن جعفر حديثا يرفعه الى علي بن أبي طالب عليه

٣٦٧

السلام ، أنه ذكر أمر القائم من آل محمد المهدي ، وما يكون منه على يديه من الأمر ، ثم قال : صاحب هذا الأمر الطريد الشريد الفريد الوحيد.

وكذلك كان المهديعليه‌السلام لما فشت دعوته بالمشرق وكثرت دعاته وبنو أخيه والمستجيبون لهم ، نقم الاعداء [ عليه ] ، فطلبوه ، واتصل الخبر به ، فخرج من بني أهله وأسلم أمواله ، طريدا لخوفهم شريدا لما اتقاه منهم ، فريدا لا صاحب له في هجرته ، ولا أنيس له من وحدته غير وليّ الامر من بعده وهو حينئذ طفل صغير لم ينتصر من أهله إلا عليه(١) ليؤدي أمانة الله عزّ وجلّ إليه ، وكان همّه واشتغاله به اكثر من همّه واشتغاله بنفسه ، وكان سبيله في ذلك سبيل جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ خرج من مكة خوفا من المشركين لما اجتمعوا على قتله ، وأبى الله إلا نجاتهما وظهورهما على من ناواهما ، واظهار دينه بهما وعلى أيديهما ، ولو كره الكافرون.

تمّ الجزء الرابع عشر من كتاب شرح الأخبار في فضائل الائمة الطاهرين الابرار ، والحمد لله وحده ، وصلاته على رسوله سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وسلامه عليهم أجمعين ، من تأليف سيدنا الأجل القاضي النعمان بن محمد بن منصور ، قدّس الله روحه وانسه.

__________________

(١) هكذا في الاصل.

٣٦٨

٣٦٩

٣٧٠

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[ حول ظهور المهديعليه‌السلام ]

[١٢٤١] عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام يقول : إن الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء.

( وهذا حديث معروف يروى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رواه كثير من الخاصّ والعام ، وإنما حكاه جعفر بن محمد الصادق عنه صلوات الله عليه ، وتركت إسناده إليه )(١) .

قال أبو بصير : فقلت له : اشرح لي هذا ، جعلت فداك يا ابن رسول الله.

قالعليه‌السلام : يستأنف الداعي منا دعاء جديدا كما دعا رسول الله.

وكذلك المهدي استأنف دعاء جديدا الى الله لما غيّرت السنن وكثرت البدع ، وتغلّب أئمة الضلال ، واندرس ذكر ائمة الهدى الذين افترض الله طاعتهم على العباد وأقامهم للدعاء إليه ، والدلالة بآياته عليه ، ونسي ذكرهم ، وانقطع خبرهم لغلبة ائمة الجور عليهم.

فلما أنجز الله بالدعاء للائمة ما وعدهم به من ظهور مهديهم احتاج

__________________

(١) ما بين القوسين هو كلام المؤلف.

٣٧١

أن يدعوهم دعاء جديدا كما ابتدأهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالدعاء أولا.

[ خطبة أمير المؤمنين في الكوفة ]

[١٢٤٢] وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه خطب الناس في الكوفة ، وندبهم الى الجهاد ، وحذرهم الفشل ، وما يخشى من سوء عواقبه. فلما فرغ من خطبته قام إليه رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، من ذا يرومنا(١) وأنت فينا أخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وابن عمه ، وصهره ، ومعنا لواء رسول الله ورايته ، ومعنا ابنا رسول الله الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، فلو اجتمعت الجن والإنس علينا ما أطاقونا.

فقال له عليعليه‌السلام : وكيف يكون ذلك ، ولم يشتدّ البلاء وتظهر الحمية وتستبى الذرية ، ويطحنكم طحن الرحى ببقالها حتى لا يبقى إلا نافع لهم ، أو غير ضارّ لهم. فإذا كان ذلك ابتعث الله خير هذه الامة ( أو قال : البرية ) فيقتلهم هرجا هرجا حتى يرضى الله ، وحتى يقول قريش والعرب : والله لو كان هذا من آل محمد لرحمنا. ويتمنون أنهم رأوني ساعة من نهار لأشفع لهم الله.

فقام إليه رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ومتى يبلغ رضا الله؟

قال : يقذف الله في قلبه الرحمة ، فيرفع السيف عنهم.

فقال له : متى يكون ذلك؟

قال : إن شاء الله.

__________________

(١) يرومنا : يريدنا.

٣٧٢

[ ضبط الغريب ]

قوله : طحن الرحى ببقالها. البقال : خرقة أو جلدة تلقى تحت الرحى إذا كانت تطحن.

قوله : هرجا هرجا : القتال ، والاختلاط فيه.

وكذلك لم يقم المهدي حتى اشتد البلاء وظهرت الحمية من بني العباس ومن بني أميّة ، وسبيت الذرية ـ ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ عند مقتل الحسينعليه‌السلام ، وطحنت الفتنة طحن الرحى ببقالها ، وحتى لم يبق من المؤمنين إلا نافع لأعداء الله لما ينالون منهم ، أو غير ضارّ لهم. فعند ذلك قام ابن خير هذه الامة وهو المهدي ابن علي الوصي(١) وابن خير البرية لانه ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقتل من أعداء الله أيام مدته من وصلت إليه يده.

ويقتل كذلك من ولده منهم من بقي حتى يجعل الله في قلبه الرحمة ، فيرفع السيف عنهم كما قال عليعليه‌السلام ، ولم يقلعليه‌السلام من ذلك إلا ما أخبره به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأطلعه على ما يكون من مثل ذلك وغيره ، وذلك من شواهده وبراهينهعليه‌السلام .

[ سيرة المهدي ]

[١٢٤٣] وعن جعفر بن محمدعليه‌السلام ، أنه قال : لو قام قائمنا ما أقام الناس على الطلاق إلا بالسيف ، ولو قد كان ذلك لم يكن إلا بسيرة علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وكذلك كان الأمر لما قام المهدي ، أقام الناس على طلاق العدة(٢)

__________________

(١) أقول كما ذكرت في ج ١٤ : إن هذه كلها تدل وتشير على بقية الله الاعظم المهدي ابن الحسن العسكري عجل الله فرجه وليس كما تصوره المؤلف.

(٢) وهو أن يطلق على الشرائط ثم يرجع في العدة ويطأ.

٣٧٣

والسنّة(١) على ما نصّه الله في كتابه وسنّة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقطع طلاق البدعة(٢) ، وكل ما ابتدعه المبتدعون في الدين والاحكام ، والقول في الحلال والحرام ، وأقام الناس بالسيف على سيرة عليعليه‌السلام التي سار بها في الامة على ما عهد إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومما آثره على ذلك الأئمة من ولده ، فأحيوا ما أماته المبطلون من أحكام الدين ، وقطعوا بدع المبتدعين ، ولا يزال ذلك حتى يعود الدين جديدا غضّا كما ابتدأ في الإسلام صفوا محضا كما نشأ. ويكون الدين لله كما وعد تعالى في كتابه ، ويظهر على كل دين كما أوجب في ايجابه ، ويكون ذلك على أيدي ائمة دينه وأوليائه ، وينسب الى المهدي أو لهم إذا كان سبب ابتدائه ، وعنه تفرع ما تفرع فيه الى غاية انتهائه كما ينسب ذلك وما قبله الى محمد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ هو في شريعته وملّته ولأهل دعوته وامته وعلى يد الائمة من ذريته.

[١٢٤٤] ومما جاء مما يؤكد ذلك مما هو في معناه ما روي عن سلمان الفارسي رحمة الله عليه مما آثره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه ذكر المهديعليه‌السلام وقال : إنه لقاتل الظالمين ويقتل الزنادقة ، ولا يقبل منهم توبة ، ولا يأخذ منهم جزية ، ولا يدع في الأرض أحدا على غير دين الاسلام إلا قتله ، ويهلك الترك والخزر والديلم والحبش ، ويؤتي بملوك الروم مصفدين في الحديد ، ولا يدع يهوديا ولا نصرانيا ، ولا يوجب لهم ذمة ، ويردّ الناس جميعا على ملّة إبراهيم ومحمدعليهما‌السلام .

فهذا مما ذكرنا أنه يجري شيئا بعد شيء على يد المهدي والائمة من ولده ، وينسب إليه إذ هو أول من فتحه وقام به ، والى رسول الله إذ هو صاحب

__________________

(١) وهو الطلاق مع الشقاق بينهما وعدم التلاؤم فيما بينهما وينقسم الى بائن ورجعي.

(٢) وهو الطلاق مع عدم تمامية الشروط مثل طلاق الحائض.

٣٧٤

الشريعة والملّة ووليّ الائمة والامامة وصاحب الرسالة والدعوة كما قيل أنه يكون لبعض الائمة فلم يكن فيه حتى قبض وهو يكون في وليه من بعده وينسب إليه.

[١٢٤٥] وقد جاء هذا أيضا عن أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام فيما رواه حمزة بن حمران عنه ، أنه قال : عددت عليه الائمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واحدا بعد واحد حتى بلغت إليه ، وشهدت أن الله تعالى فرض طاعتهم ، فلما سميته أومى بيده إليّ أن أسكت ، فسكتّ.

فقال : ما كانت الائمة على حال مذ قبض الله نبيّه ، ألا ومن سميت أولى الناس بالناس.

ثم قال : إذا حدثتكم في رجل منا بشيء بأنه يكون فيه فلم يكن فيه فهو كائن في ولده من بعده.

فهذا بيان ما ذكرته ومصداقه ، ويؤيد ذلك ويشده ويؤكده قول الله تعالى في محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (١) هذا وعد من الله لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنجز له بعضه في حياته ، ثم أظهر عليه من الأديان ، وأنجز ذلك وينجز باقيه على أيدي الائمة من ذريته.

[١٢٤٦] ومن مثل ذلك ما رواه الحسن بن محبوب ، باسناده ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام ، أنه قال : إذا قام القائم منا عرض الإيمان على كل ناصب ، فان دخل فيه بحقيقة والاّ ضرب عنقه ، أو يؤديه(٢) الجزية كما يؤديها أهل الذمة اليوم ، ويشدّ(٣) على وسطه

__________________

(١) التوبة : ٣٣.

(٢) وفي بحار الانوار ٥٢ / ٣٧٥ : أو يؤدي.

(٣) هكذا صححناه وفي الاصل : يشتد.

٣٧٥

الهميان ، ويطردهم من الأمصار الى السواد.

وهذا مما لم يكن بعد ممن مضى من الائمة ، وهو كائن لمن يقول منهم اذا دان العالم ، وقوى أمره ، وكان الدين واحدا كما وعد الله تعالى.

[١٢٤٧] ومما رواه زادان ، عن سلمان الفارسي ( رحمة الله عليه ) ، ومن ذلك مما آثره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : لا بدّ من قائم من ولد فاطمة يقوم من المغرب يقتل الزنادقة ، ويملك الترك ، والخزر ، والديلم ، والحبش ، ويؤتى بملوك الروم مصفدين في الحديد ، ولا تقوم راية إلا راية الايمان.

وهذا من معنى ما تقدم ذكره وشرحناه.

[ المهدي هو الفاتح للقسطنطينية ]

[١٢٤٨] ومن رواية الشعبي ، عن حذيفة بن اليمان ، مما آثره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال :

لا يفتح بلنجر ، ولا جبل الديلم ، ولا القسطنطينية إلا رجل من بني هاشم(١) .

يعنى امام ذلك الزمان من ولد المهدي ، ولم يكن ولا يكون إمام من بني هاشم ، إلا عليعليه‌السلام والائمة من ذريته ، نسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذريته من فاطمة الزهراء سيدة نساء العالم ، كما جاء ذلك فيما تقدم ذكره من هذا الكتاب ، ولا يفتح هذا الموضع إلا همعليهم‌السلام (٢) .

[١٢٤٩] ومن ذلك أيضا ما رواه الشعبي ، أنه قال : أخبرني مالك بن

__________________

(١) وفي عقد الدرر ص ٢٢٣ : إلا على يدي رجل من آل محمد.

(٢) وقد زالت الدولة الفاطمية ولم تفتح هذه الاماكن ، وهذه هي علامات للحجة المنتظر عجل الله فرجه.

٣٧٦

صحار الهمداني ، قال : غزونا بلنجر في خلافة عثمان ، فنكثنا ، وجرح أخي فحملته بين يدي جريحا ، وقد انصرفنا ، فاني لأسير يوما إذ أدركني رجل من خلفي ، فضرب ظهري بسوط في يده ، فالتفت فاذا هو حذيفة ( بن اليمان ) فسلّمت عليه.

فقال : من هذا بين يديك؟

فقلت : أخي مجروحا ، ولقد رأيت ما لقينا في غزوتنا ، ولكنا نرجو أن نفتحها من قابل إن شاء الله تعالى.

فقال حذيفة : الذي يفتح الديلم ، وبلنجر ، والقسطنطينية رجل من بني هشام ، بهم فتح الله الأمر وبهم يختم.

فما أنه فتح ، ويفتح من هذه المواضع وغيرها ، فلا بدّ أن يفتحه الفتح الكامل الذي لا يكون بعده دين غير دين الاسلام قائم ذلك الزمان من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي يجمع الله له أمر العباد ويظهر دينه على الدين كله كما وعد سبحانه ذلك في الكتاب.

[١٢٥٠] ومن حديث وكيع بن الجرّاح ، يرفعه الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : ليفتحن القسطنطينية ، ولنعم الأمير أميرهم ، ولنعم الجيش ذلك الجيش.

والقسطنطينية بعد لم تفتح ، والذي يفتحها كما جاء في الخبر قبل هذا ، قائم من الامة من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٣٧٧

[ صفة المهدي ]

[١٢٥١] ومن حديث سفيان الثوري ، يرفعه الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : المهدي رجل من ولدي ، أرى وجهه كالكوكب الدري ، اللون لون عربي ، والجسم جسم إسرائيلي.

فكذلك كان المهديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيما من أجمل الرجال وجها كأن وجهه كوكب دري كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صفته.

[ ضبط الغريب ]

والكوكب الدري : هو المضيء من الكواكب ، وجمعها دراري.

وكذلك كان وجه المهدي مشرقا مضيئا كأنما هو نور يلوح منه لمن نظر إليه.

قوله : اللون لون عربي. وكذلك كان لونه كلون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد العرب ، أبلج الوجه ، يشوبه حمرة ، وهو الذي يقول له أهل المعرفة بالحلي من العرب : الرفق والسمرة ، ولا يقولون : أبيض في ألوان الناس ، وهذا أفضل ألوان الناس عند العرب ، وهو اكثر ألوان أشرافهم.

وقوله : الجسم جسم إسرائيلي : وأجسام بني اسرائيل أجسام جسيمة ، وهم في الاكثر والأغلب أجسم من العرب.

وكذلك كان المهدي وسيما جسيما بساطا لا يكاد أحد يماشيه إلا

٣٧٨

قصر عنه ، وصغر الى جانبه ، وكذلك كان من صارت إليه الامامة من بعده الى اليوم ، قد أتاهم الله تعالى بالفضل والجمال والكمال.

ولقد حاول المهدي بالله في حين استتاره أن يخفي نفسه ويخملها فما قدر على ذلك ، وكان حيثما مرّ ورآه من يحصّل أمره ، يقول : والله ما هذا إلا ملك من الملوك ، وما هذا سوقة ولا تاجر كما يقول.

وكذلك حاول المنصور مرارا أن يخفي نفسه لبعض من أراد أن يسمع كلامه فتزيا بغير زيّه ، ولبس خلاف لباسه ، ودخل بين جماعة تقدم إليهم في اطراح اجلاله وتبجيله ، وأن يحلوه محل أحدهم. ففعلوا ، فما خفي على من رآه.

وفعل ذلك في بعض أسفاره ودخل الى بعض حصون المرابطين في بعض الأطراف ، وبها من لم يره قط ، فما خفي عنهم. وفعل مثل ذلك لما ظفر باللعين مخلد ، وصار في أسره. وبمعتد بن محمد بن جرز لما صار في الأسر إليه أيضا ، فما خفي عن واحد منهما بل عرفاه ، وما كانا قبل ذلك رأياه. والعرب تقول في مثل هذا في بعض امثالها : هيهات لا يخفى القمر.

[١٢٥٢] وروى عبد الله بن عمر ، وذلك مما آثره أو نقله عن رسوله اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال :

يعطى المهدي قوة عشرة.

وكذلك كان المهدي قويا معروفا بذلك من حداثة سنّه.

[١٢٥٣] ومن حديث قتادة ، يرفعه الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال :

المهدي أجلى الجبهة أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.

وكذلك كانت صفة المهدي أقنى وأجلى ، وهاتان الصفتان من أحسن صفات الجباه والانوف ، وملأ عدله ما وصل إليه سلطانه من الأرض ، ويملأ باقيها من يأتي بعده.

وقيل لبعض الائمة الماضين : أنت المهدي؟

٣٧٩

قال : كيف أكون المهدي ، وقد بلغت من السن ما ترون. وأخذ ساعده فمدّ جلده ، وقال : المهدي لا يؤخذ له بالركاب.

[١٢٥٤] وعن أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام ، أنه قال : يقوم المهديعليه‌السلام وليس في رأسه ولا لحيته طاقة بيضاء.

وكذلك كان المهدي لما قام بالامامة ، وسلمها إليه إمام الزمان الذي كان في عصره ونصّ عليه بأنه مهديّ الائمة ، ودعت بذلك إليه دعاته. وهو يومئذ حدث السن مقتبل الشباب من الفتيان وأحسن الشبان.

[١٢٥٥] وروي عن عبد الله بن مسعود مما آثره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : إنكم معشر هذه الامة تصيرون أربع امم.

امة قائمة على الحق لا ينقص الباطل منها شيئا.

قيل : ولا يقاتلون؟

فقال : بلى ، ويزلزلون زلزالا شديدا.

وامة على الباطل ليسوا من الحق على شيء.

قيل : وهم يصلّون؟

قال : نعم ، وتكون صلاتهم عليهم شاهدا.

وامة يذهبون يريدون الحق ، فيخطئونه ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ولا يعودون فيه حتى يعود السهم على فوقه.

وامة برأيهم يقولون هؤلاء أهدى بل هؤلاء أهدى فيلبثون في ذلك ما شاء الله أن يلبثوا. ثم يوشك الإسلام أن يعود الى الباب الذي خرج منه.

قيل : إلى أين يا عبد الرحمن؟

قال : الى بني عبد المطلب.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597