الفضائل

الفضائل0%

الفضائل مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 206

الفضائل

مؤلف: لأبى الفضل سديد الدين شاذان بن جبرائيل بن إسماعيل ابن أبي طالب القمّي
تصنيف:

الصفحات: 206
المشاهدات: 62455
تحميل: 6538

توضيحات:

الفضائل
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 62455 / تحميل: 6538
الحجم الحجم الحجم
الفضائل

الفضائل

مؤلف:
العربية

فقلت: يا رسول الله، فداك أبي وأُمّي ممّ تتنفّس؟ قال: (يا ابن مسعود، نُعيت إلى نفسي)، فقلت: ألا توصي يا رسول الله؟ فقال: (إلى مَن يا ابن مسعود؟)، فقلت: إلى عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام) قال: (والذي نفسي بيده لو اتبعوا آثار قدَمَيه لدخلوا الجنّة أجمعين).

(خبر آخر): قيل لمّا آخى الله سبحانه وتعالى بين الملائكة، آخى بين جبرئيل وميكائيل، فقال سُبحانه وتعالى: (إنّي آخيت بينكما وجعلت عمر أحد كما أطول من عمر الآخر فأيّكما يؤثر أخاه بالحياة دون نفسه؟ فاختار كلّ منهما الحياة، فقال: عزّ وجل أفلا تكونان مثل عليّ بن أبي طالب حيث آخيت بينه وبين حبيبي محمّد وقد آثره بالحياة على نفسه في هذه الليلة، وقد بات على فراشه يفديه بنفسه اهبطا فاحفظاه من عدوّه فهبطا إلى الأرض، فجلَس جبرئيل (عليه السلام) عند رأسه وميكائيل (عليه السلام) عند رجليه وهما يقولان: بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب مَن مثلك وقد باهى الله تعالى بك ملائكة السموات وفاخر بك).

(خبرٌ آخر): عن عمّار بن ياسر (رضي الله عنه) قال كنت عند أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في بعض غزواته، فمررنا بوادٍ مملوء نملاً فقلت: يا أمير المؤمنين: ترى يكون أحد من خلق الله تعالى يعلَم كم عدد هذا قال: (نعم يا عمّار، أنا أعرف رجلاً يعلم عدده وكم فيه ذكَر وكم فيه أُنثى)، فقلت: من ذلك الرجل يا مولاي؟ فقال: (يا عمّار أما قرأ‌ت في سورة يس: ( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) ؟)، فقلت: بلى يا مولاي، فقال: (أنا ذلك الإمام المبين).

(خبرٌ آخر): قيل جاء‌ت فاطمة إلى أبيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهي باكية فقال: (يا يبكيك يا قرّة عيني لا أبكى لك الله عيناً)، قالت: يا أبتي إنّ نساء قريش يعرنني ويقلن إنّ أباك زوّجك بفقيرٍ لا مال له، فقال (صلّى الله عليه وآله): (يا فاطمة، اعلمي أنّ الله اطلع على الأرض اطّلاعةً فاختار منها أباك، ثمّ اطلع اطّلاعةً ثانية فاختار منها بعلك ابن عمّك ثمّ أمرني أنْ أُزوّجك به، أفلا ترضين أنْ تكوني

١٠١

زوجة من اختاره الله وجعله لك بعلاً)، فقالت (عليها السلام): (رضيت وفوق الرضا يا رسول الله صلّى الله عليك).

(خبر آخر) وعن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى: ّ ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، قال: نزلت في محمّد وأهل بيته، حين جمع عليّاً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ثمّ أدار عليهم الكساء وقال: (اللهمّ إنّ هؤلاء أهل بيتي، أذهب عنهم الرجس وطهّرهم)، وكانت أمّ سلمة قائمة في الباب فقالت: يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأنا منهم؟ فقال لها: (يا أُمّ سلمة أنت على خير، أنت على خير).

(وعن إبراهيم بن مهران) أنّه قال: كان في الكوفة رجلٌ تاجر يكنّى بأبي جعفر، وكان حسَن المعاملة مع الله تعالى ومَن أتاه من العلويّين يطلب منه شيئاً أعطاه ويقول لغلامه: اكتب هذا ما أخذ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وبقي على ذلك زماناً، ثمّ قعد به الوقت وافتقر فنظر يوماً في حسابه فجعل كلّ ما هو عليه اسم حيّ من غرمائه بعث إليه يطالبه، ومَن مات ضرب على اسمه فبينا هو جالس على باب داره إذ مرّ به رجل فقال: ما فعل بمالك عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)؟!

فاغتمّ لذلك غمّاً شديداً ودخَل منزله، فلمّا جنّه الليل رأى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وكان الحسن والحسين عليهما السلام يمشيان أمامه، فقال لهما النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (ما فعل أبوكما؟) فأجابه عليّ (عليه السلام) مِن ورائهما: (ها أنا يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، فقال له:

(لم لا تدفع إلى هذا الرجل حقّه؟)، فقال عليّ (عليه السلام): (يا رسول الله، هذا حقّه قد جئت به)، فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (ادفعه إليه) فأعطاه كيساً من صوفٍ أبيض فقال:

(إنّ هذا حقّك فخذه فلا تمنع مَن جاء إليك مِن ولدي يطلب شيئاً؛ فإنّه لا فقر عليك بعد هذا)، قال الرجل: فانتبهت والكيس في يدي فناديت زوجتي وقلت لها: هاكِ فناولتها الكيس وإذا فيه ألف دينار فقالت لي: يا ذا الرجل اتقّ الله تعالى، ولا يحملك الفقر على أخذ مالا تستحقّه، وإنْ كنت خدعت بعض التجّار على ما به فاردده إليه فحدّثتها بالحديث فقالت: إنْ كنت

١٠٢

صادقاً فارني حساب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فأحضَر الدستور وفتحه فلَم يجد فيه شيئاً من الكتابة بقدرة الله تعالى.

(خبر آخر) عن عبد الله بن عبّاس أنّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (حبّ عليّ (عليه السلام) حسنة لا تضرّ معها سيّئة، وبغضه سيّئة لا تنفع معها حسنة)، وعنه (صلّى الله عليه وآله) قال: (خُلقت أنا وعليّ من نورٍ واحد فمحبّي محبّ عليّ ومبغضي مبغض عليّ).

(وعن ابن عبّاس (رضي الله عنه)) برواية عكرمة مولاه قال: مررنا بجماعة وقد أخذوا في سبّ عليّ (عليه السلام) فقال لي مولاي عبد الله بن عبّاس: أدنني من القوم، فأدنيته منهم فقال (رضي الله عنه): يا قوم، من الساب لله تعالى؟ فقالوا: معاذ الله يا ابن عمّ رسول الله، فقال: مَن الساب لرسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟ فقالوا: ما كان ذلك، قال فمن الساب لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام)؟ قالوا: كان ذلك.

فقال: والله لقد سمِعت رسول الله بأُذني هاتين وإلاّ صُمّتا أنّه قال: (مَن سبّ عليّاً فقد سبّني، ومَن سبّني فقد سبّ الله تعالى، ومَن سبّ الله تعالى ألقاه على منخريه في النار)،وقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها فمَن أراد المدينة فليأت الباب)، قيل دخل أمير المؤمنين عليّ بن أبى طالب (عليه السلام) على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو في منزل أُمّ سلمة، ورأسه في حِجر جبرئيل وهو في صورة دحية الكلبي، فسلّم وجلَس فقال له جبرئيل: (وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين خذ رأس ابن عمّك وضعه في حِجرك فأنت أولى به منّي) فأخذ رأس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ووضعه في حِجره فاستيقظ رسول الله فرأى رأسه في حِجر ابن عمّه عليّ (عليه السلام) فقال له: (يا عليّ وأين الرجل الذي كان رأسي في حِجره؟)، فقال له: (يا رسول الله، ما رأيت إلاّ دحية الكلبي)، قال له: (ما قال لك عند دخولك؟)، فقال: (لمّا دخلت سلّمت عليه فقال: وعليك السلام يا أمير المؤمنين) قال: (هنيئا لك يا عليّ فإنّه الروح الأمين، أخي جبرئيل وهو أوّل من سلّم عليك بإمرة المؤمنين).

١٠٣

وعنه (عليه السلام) قال: (دعاني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات ليلة من الليالي وهي ليلة مدلهمّة سوداء، فقال لي: خذ سيفك ومرّ في جبل أبي قُبيس فكلّ مَن رأيته فاضربه على رأسه بهذا السيف ققصدت الجبل فلمّا علوته وجدت عليه رجلاً أسود هائل المنظر كأنّ عينيه جمرتان فألهاني منظرة فقال: إليّ يا علي، إليّ يا عليّ فدنوت إليه وضربته بالسيف فقطعته نصفين فسمِعت الضجيج من بيوت مكّة بأجمعها، ثم أتيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو بمنزل خديجة فأخبرته بالخبَر فقال: أتدرى من قتلت يا علي؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال قتلت اللاّت والعزّى والله لا عادت تُعبد بعدها).

وعنه (عليه السلام) قال: (دعاني رسول الله وهو بمنزل خديجة (رضي الله عنها) ذات ليلة، فلمّا صرت إليه قال: اتبعني يا عليّ، فما زال يمشي وأنا خلفه ونحن نخرق دروب مكّة حتى أتينا الكعبة وقد أنام الله تعالى كل عين، فقال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا عليّ، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: اصعد على كتفي، ثمّ انحنى النبيّ فصعدت على كتفه فقلبت الأصنام على رؤوسها ونزلت وخرجنا من الكعبة حتى أتينا منزل خديجة (رضي الله عنها)، فقال لي: أوّل من كسر الأصنام جدّك إبراهيم (عليه السلام) ثمّ أنت يا علي، آخر من كسر الأصنام).

فلمّا أصبح أهل مكّة وجدوا الأصنام منكوسة مكبوتة على رؤوسها، فقالوا: ما فعل هذا بآلهتنا إلاّ محمد وابن عمّه، ثمّ لم يقم في الكعبة صنم).

(وقيل): دخل ضرار صاحب أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) على معاوية ابن أبي سفيان بعد وفاته (عليه السلام) فقال معاوية لضرار صف لي عليّاً وأخلاقه الرضية، فقال: والله كان شديد القوى بعيد المدى يتفجّر الإيمان من جوانبه وتنطق الحمكة من نواحي لسانه، فيقول فصلاّ ويحكم عدلاً، فأُقسم بالله فقد شاهدته في محرابه وقد أرخى الليل سدوله وهو قائمٌ قابض على لحيته يتمَلْمَل تململ السليم، ويئنّ أنين الحزين ويقول: (يا دنيا إليّ تعرّضت أم إليّ تشوّقت فغرّي غيري لا حان حينك، أجلك قصير وعيشك حقير، في قليلك حساب وفي كثيرك عقاب، قد طلقتك

١٠٤

ثلاثاً لا رجعة لي فيك، آه من بُعد الطريق وقلّة الزاد)، فقال معاوية: كان عليّ والله لكذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن المرأة إذا ذُبِح ولدها في حِجرها، قال: فلمّا سمع معاوية بكى وبكى الحاضرون.

(وقيل): إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبى طالب (عليه السلام) صعد المنبر يوماً في البصرة بعد الظفَر بأهلها وقال: (أقول قولاً لا يقوله أحدٌ غيري إلاّ كان كافراً، أنا اخو نبيّ الرحمة وابن عمّه وزوج ابنته وأبو سبطيه)، فقام إليه رجل من أهل البصرة وقال: أنا أقول مثل قولك هذا، أنا أخو الرسول وابن عمّه ثمّ لم يتمّ كلامه حتى أخذته الرجفة فما زال يرجف حتى سقط ميّتاً لعنه الله.

وعنه (عليه السلام) أنّه كان ذات يوم على منبر البصرة، إذ قال: (أيّها الناس، سلوني قبل أنْ تفقدوني، سلوني عن طُرق السموات فإنّي أعرف بها من طُرق الأرض)، فقام إليه رجل مِن وسَط القوم وقال: أين جبرئيل في هذه الساعة فرمَق بطرفه إلى السماء ثمّ رمق بطرفه إلى المشرق ثمّ رمَق بطرفه إلى المغرب فلَم يجد موطناً فالتفت إليه وقال: (يا ذا الشيخ، أنتَ جبرئيل)، قال فصفَق طائراً من بين الناس فضجّ عند ذلك الحاضرون وقالوا: نشهد أنّك خليفة رسول الله حقّاً.

(وعن مقاتل بن سليمان) قال: قال جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام): (كان وصيّ آدم (عليه السلام) شيت بن آدم هِبة الله، وكان وصيّ نوح سام وكان وصيّ إبراهيم إسماعيل، وكان وصيّ موسى يوشع بن نون، وكان وصيّ داود سليمان، وكان وصيّ عيسى شمعون وكان وصيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وهو خير الأوصياء).

حدثنا محمّد بن عبد الجبّار العطّار مرفوعاً عن زيد بن الحارث، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم التميمي، عن أبيه عن أبي ذر الغفاري قال: بينما أنا بين يدي رسول الله إذ قام ثمّ ركَع وسجَد شكراً لله تعالى، ثمّ قال: (يا جندب، مَن أراد أنْ ينظر إلى آدم في عِلمة وإلى نوح في فهمه وإبراهيم في خلّته وموسى

١٠٥

في مناجاته وعيسى في سياحته وأيّوب في صبره ببلائه، فلينظر إلى هذا الرجل المُقبل الذي هو الشمس والقمر الساري والكوكب الدرّي، أشجع الناس قلباً وأسخاهم كفّاً، فعلى مبغضه لعنة الله تعالى)، قال: فالتفت الناس لينظروا مَن هو المقبل وإذا بعليّ بن أبى طالب (عليه السلام).

خبر خولة الحنفية

قال: حدّثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد المدايني قال: حدّثني عبد الله ابن هاشم، عن الكلبي قال: أخبرني ميمون بن صعب المكّي بمكّة قال: كنّا عند أبي العبّاس بن سابور المكّي فأجرينا حديث أهل الردّة بذكرنا خولة الحنفية، ونكاح أمير المؤمنين (عليه السلام) لها، فقال: أخبرني أبو الحسن عبد الله بن أبى الخير الحسيني قال: بلغني أنّ الباقر محمّد بن عليّ كان جالساً ذات يوم إذ جاء‌ه رجلان فقالا: يا أبا جعفر ألستَ القائل إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب لم يرضَ بإمامة من تقدّم؟

قال: بلى، فقالا له: هذه خولة الحنفيّة نكحها مِن سبيهم وقبل هديّتهم ولَم يُخالفهم عن أمرهم مدّة حياتهم، فقال الباقر: (مّن فيكم يأتيني بجابر بن عبد الله بن حزام؟)، (وكان محجوباً قد كُفّ بصره) فحضر فسلّم على الباقر وأجلسه إلى جانبه وقال: (يا جابر، عندي رجلان ذكرا أنّ أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب رضي بإمامة مَن تقدّم عليه)، فسألهما الحجّة في ذلك فذكروا له خولة فبكى جابر حتى أخضلّت لحيته بالدموع ثمّ قال: والله يا مولاي لقد خشيت أخرج من الدنيا ولا أُسأل عن هذه المسألة، وأنّي والله كنت جالساً إلى جانب أبي بكر وقد سبّوا بني حنيفة بعد قتل مالك بن نويرة من قِبل خالد بن الوليد، وبينهم جارية مراهقة، فلمّا دخَلَت المسجد قالت: أيّها الناس ما فعل محّمد (صلّى الله عليه وآله)؟ قالوا: قُبِض، فقالت: هل له بنية تُقصَد؟ فقالوا: نعم هذه تربته (صلّى الله عليه وآله) فنادت السلام عليك يا رسول الله، اشهد أنّ لا إله إلاّ الله وأشهد أنّك عبده ورسوله، وأنّك تسمع كلامي وتقدر على ردّ جوابي وأنّنا سُبينا مِن بعدك ونحن نشهد أنْ لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله، ثمّ جلست فوثب رجلان من المهاجرين والأنصار أحدهما طلحة والآخر الزبير فطرحا ثوبيهما عليها، فقالت:

١٠٦

ما بالكم يا معاشر العرب تصونون حلائلكم وتهتكون حلائل غيركم؟! فقالا لها: لمخالفتكم الله ورسوله حتى قلتم: إنّنا نزكّي ولا نصلّي أو نصلّي فلا نزكّي، فقالت لهما: والله ما قالها أحد من بني حنيفة، وإنّا نضرب صبياننا على الصلاة من التسع وعلى الصيام من السبع، وأنّا لنخرج الزكاة من حيث يبقى في جمادى الآخرة عشرة أيّام ويوصي مريضنا بها لوصيّة والله، يا قوم ما نكثنا ولا غيّرنا ولا بدّلنا حتى تقتلوا رجالنا وتسبوا حريمنا، فإنْ كنت يا أبا بكر بحق فما بال عليّ لم يكن سبقك علينا وإنْ كان راضياً بولايتك فلِم لا تُرسله إلينا يقبض الزكاة منّا ويسلّمها إليك، والله ما رضي ولا يرضى، قتلت الرجال ونهَبت الأموال وقطعت الأرحام فلا نجتمع معك في الدنيا ولا في الآخرة افعل ما أنت فاعله، فضجّ الناس وقال الرجلان اللذان طرحا ثوبيهما إنّا لمغالون في ثمنك فقالت: أقسمت بالله وبمحمّد رسول الله أنّه لا يملكني ويأخذني إلاّ مَن يخبرني بما رأت أُمّي وهي حامل بي، وأيّ شيء قالت لي عند ولادتي؟ وما العلامة التي بيني وبينها؟

وإلاّ فإنْ ملكني أحد ولم يخبرني بذلك بقرت بطني بيدي فيذهب ثمني ويكون مطالباً بدمي، فقالوا لها: أبدي رؤياك التي رأت أُمّك وهي حامل بك حتى نُبدي لك العبارة بالرؤيا، فقالت الذي يملكني هو اعلم بالرؤيا منّي وبالعبارة من الرؤيا فأخذ طلحة والزبير ثوبيهما وجلَسا، فدخل أمير المؤمنين وقال: (ما هذا الرجف في مسجد رسول الله؟) قالوا: يا عليّ، امرأة من بني حنيفة حرّمت نفسها على المؤمنين، وقالت: مَن أخبرني بالرؤيا التي رأت أُمّي وهي حامل بي ووعدها لي فهو يملكني فقال أمير المؤمنين: (ما ادعت باطلاً اخبروها تملكوها)، فقالوا: يا أبا الحسن ما فينا مَن يعلم الغيب أما علِمت أنّ ابن عمّك رسول الله قُبِض وأنّ أخبار السماء انقطعت من بعده؟!

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما ادعت باطلاً أُخبرها أملكها بغير اعتراض)، قالوا: نعم، فقال (عليه السلام): (يا حنيفة، أُخبرك أملكك)، فقالت: من أنت أيّها المجتري دون أصحابه؟ فقال: (أنا عليّ بن أبي طالب)، فقالت: لعلّك الرجل الذي نصّبه لنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)

١٠٧

صبيحة يوم الجمعة، بغدير خم علَماً للناس؟ فقال: (أنا ذلك الرجل)، قالت: من أجلك أُصبنا ومِن نحوك أُوتينا؛ لأنّ رجالنا قالوا: لا نسلّم صدقات أموالنا ولا طاعة نفوسنا إلاّ إلى مَن نصّبه محمّد (صلّى الله عليه وآله) فينا وفيكم علماً، فقال أمير المؤمنين: (إنّ أجركم غير ضائع، وأنّ الله تعالى يُؤتي كلّ نفس ما أتَت من خير، ثمّ قال: يا حنفية، ألم تحمل بك أُمّك في زمان قحط مَنعت السماء قطرها والأرض نباتها وغارت العيون حتى أنّ البهائم كانت تريد المرعى فلا تجد، وكانت أُمّك تقول: إنّك حملٌ ميشوم في زمانٍ غير مبارك، فلمّا كان بعد تسعة أشهر رأت في منامها كأنْ وضعتك وأنّها تقول: إنّك حمل ميشوم وفي زمان غير مبارك، وكأنك تقولين: يا أُمّي لا تطّيرين بي فأنا حملٌ مبارك نشوت نشواً صالحاً ويملكني سيّد وأُرزق منه ولداً يكون لبني حنيفة عزّاً)، فقالت: صدقت يا أمير المؤمنين، فإنّه كذلك، فقال: (وبه أخبرني ابن عمّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)).

فقالت: ما العلامة بيني وبين أُمّي؟ فقال: (إنّها لمّا وضعتك كتَبَت كلامك والرؤيا في لوحٍ من نحاس وأودعته عتبة الباب فلمّا كان بعد حولين عرضته عليك فأقررت به فلمّا كانت ثمان سنين عرضَت عليك فأقررت به ثمّ جمعت بينك وبين اللوح فقالت لك: يا بنية، إذا نزل بساحتكم سافكٌ لدمائكم ناهبٌ لأموالكم سابٍ لذراريكم وسُبيت فيمن سُبى فخذي اللوح معك واجتهدي أنْ لا يملكك من الجماعة إلاّ مَن يخبرك بالرؤيا بما في هذا اللوح)، قالت: صدقت يا أمير المؤمنين فأين اللوح قال (في عقيصتك)، فعند ذلك دفَعت اللوح إلى أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام) ثمّ قالت: يا معاشر الناس، اشهدوا أنّي قد جعلت نفسي له عبدة، فقال (عليه السلام): (بل قولي زوجة)، فقالت: اشهدوا أنّي قد زوجت نفسي كما أمرني بعليّ (عليه السلام)، فقال (عليه السلام): (قد قبلتك زوجةً) فماج الناس فقال جابر: والله يا أبا جعفر ملَكها بما ظهر من حجّة و تبيّن مِن بيّنته فلَعَن الله تعالى مَن اتضح له الحق وجعل بينه وبين الحق ستراً.

١٠٨

وعن عبد الله بن عبّاس (رضي الله عنه) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (علّمني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ألف باب من العِلم، ففتح لي من كل باب ألف باب)، قال فبينما أنا معه (عليه السلام) بذي قار وقد أرسل ولده الحسن (عليه السلام) إلى الكوفة ليستنفر أهلها فيستعين بهم على حرب الناكثين من أهل البصرة، إذ قال لي: (يا بن عبّاس)، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: (فسوف يأتي ولدي الحسن من هذه الكور ومعه عشرة آلاف فارس وراجل لا يزيد فارس ولا ينقص فارس)، قال ابن عبّاس (رضي الله عنه): فلمّا طالعنا الحسَن بالجند لم يكن لي هَم إلاّ مسائلة الكاتب عن كمّية الجند فقال لي: عشرة آلاف فارس وراجل، قال: فعلمت أنّ ذلك من تلك الأبواب التي علّمه بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

(وقيل) لمّا ماتت فاطمة بنت أسد والدة أمير المؤمنين (عليه السلام) أقبل عليّ (عليه السلام) وهو باك فقال له النبيّ: (ما يبكيك لا أبكى الله لك عينا؟)، قال: (توفيت أُمّي يا رسول الله)، فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (بل وأُمّي يا عليّ فلقد كانت تجوّع أولادها وتشبعني وتشعث أولادها وتدهنني، والله لقد كانت في دار أبي طالب نخلة وكنّا نتسابق إليها من الغداة لنلتقط ما يقَع منها في الليل وكانت (رضي الله عنها) تأمر جاريتها وتلتقط ما تحتها من الغلس ثمّ تجنيه فيخرج بنو عمّي فتناولني ذلك).

ثمّ نهض (صلّى الله عليه وآله) وأخذ في جهازها وكفَنها بقميصه (صلّى الله عليه وآله) وكان في حال تشييع جنازتها يرفع قدماً ويتأنّى بين الآخر وهو حافي القدَم فلمّا صلّى عليها كبّر سبعين تكبيرة، ثمّ وسّدها في اللحد بيده الكريمة بعد أنْ نام في قبرها ولقّنها الشهادتين فلمّا أُهيل عليها التراب وأراد الناس الانصراف جعل يقول (صلّى الله عليه وآله): (ابنك ابنك لا جعفر ولا عقيل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام))، فقالوا له: يا رسول الله، فعلت فعلاً ما رأينا قط مثله مشيت متأنّيا حافي القدّم وكبّرت سبعين تكبيرة، ونمت في لحدها وجعلت قميصك عليها، وقلت لها: ابنك ابنك لا جعفر ولا عقيل فقال (صلّى الله عليه وآله): (أمّا التأنّي في وضع أقدامي في حال تشييع الجنازة فلكثرة ازدحام الملائكة، وأمّا نومي في لحدها

١٠٩

فإنّي ذكرت لها في حال حياتها ضغطة القبر فقالت: واضعفاه فنمت في لحدها لأجل ذلك حتى كفيتها ذلك، وأمّا تكفينها بقميصي فإنّي ذكرت لها القيامة وحشر الناس عراة، فقالت، وافضيحتاه فكفنّتها به لتقوم يوم القيامة، وأمّا قولي لها ابنك فإنّه نزل الملكان وسألاها عن ربّها فقالت: الله ربّي وقالا لها: من نبيك؟ فقالت: محمّد وقالا لها: مَن وليّك وإمامك فاستحيت أنْ تقول ولدي فقلت: لها قولي ولدك عليّ بن أبى طالب ابنك ابنك فأقرّ الله تعالى بذلك عينها).

وقيل كان مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) يخرج من الجامع بالكوفة فيجلس معه ميثم التمّار (رضي الله عنه) يحادثه فقال له ذات يوم: (ألا أُبشّرك يا ميثم، أنْ أُريك الموضع الذي تُصلَب فيه والنخلة التي تعلّق على جذعها؟)، فقال: نعم يا أمير المؤمنين، فجاء به إلى رحبة الصيارفة وقال له ههنا ثمّ أراه نخلة وقال له: (يا ميثم على جذع هذه) فما زال ميثم (رضي الله عنه) يتعاهد النخلة حتى قُطِعت وشُقّت نصفين فسُقِف بنصف منها وبقي النصف الآخر، فما زال يتعاهد النصف في الموضع ويقول لبعض جوار الموضع: يا فلان إنّي مجاورك عن قريب فأحسن جواري، فيقول ذلك في نفسه: يريد أنْ يشترى داراً في جواري، ولا يعلم ما يُريد بقوله حتى قُبِض أمير المؤمنين (عليه السلام) وظفَر معاوية بأصحابه فأخذ ميثم التمّار فيمن أخذ فأمر معاوية بصلبه فصُلِب على تلك الخشبة في ذلك المكان، فلمّا رأى ذلك الرجل أنّ ميثم قد صُلِب في جواره قال: إنّا الله وإنّا إليه راجعون، ثمّ أخبر الناس بقصّة ميثم وبما قال له في حال حياته، وما زال ذلك الرجل يكنس تحت تلك الخشبة ويبخّرها ويصلّي عندها ويكرّر الرحمة عليه.

(وممّا رواه ابن عبّاس) أنّه قال: كنت في مسجد رسول الله وقد قرأ القارئ: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ

١١٠

وَالآصَالِ ) فقلت: يا رسول الله، ما البيوت فقال (صلّى الله عليه وآله): (بيوت الأنبياء (عليهم السلام))، وأومأ بيده إلى بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام).

(وعنه (رضي الله عنه)) قال: أقبل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فقالوا له: يا رسول الله، جاء أمير المؤمنين، فقال (صلّى الله عليه وآله): (إنّ عليّاً سمّي بإمرة المؤمنين قبلي)، فقيل قبلك يا رسول الله؟ فقال: (وقبل موسى وعيسى)، قالوا: وقبل موسى وعيسى يا رسول الله؟ قال (وقبل سليمان بن داود) ولم يزل يعد الأنبياء كلّهم إلى آدم ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله): (إنه لما خلق الله آدم طينا خلَق بين عينيه ذرّة تسبّح الله وتقدّسه.

فقال: عزّ وجل لأسكنك رجلاً أجعله أمير الخلق أجمعين، فلمّا خلق الله تعالى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أسكن الذرّة فيه فسمّي أمير المؤمنين قبل خلق آدم).

(وقال أمير المؤمنين) لمّا بايعه الملعون عبد الرحمان بن ملجم قال له: (إنّك غيور في بيعتي ولتخضبنّ هذه من هذا) وأشار إلى كريمته ورأسه، فلمّا هلّ شهر رمضان جعل يفطر ليلة عند الحسَن وليلة عند الحسين، فقال في بعض الليالي: كم مضى من الشهر؟ فقالا له: كذا وكذا يوماً، فقال لهما: (في العشرة الآخرة تفقدان أباكما فكان كما قال (ع)).

١١١

خبر قلع الصخرة

ومن فضائله (عليه السلام) أنّه لمّا سار إلى صفّين أعوز أصحابه الماء فشكَوا إليه الماء، فقال: (سيروا في هذه البرّية واطلبوا الماء)، فساروا يميناً وشمالاً وطولاً وعرضاً فلَم يجدوا ماء‌ً فوجدوا صومعة وبها راهب فنادوه وسألوه عن الماء فذكر أنّه يُجلب إليه في كلّ أُسبوع مرّة واحدة فرجعوا إلى أمير المؤمنين فأخبروه بما قال الراهب، فقال (عليه السلام): (الحقوا بي)، ثمّ سار غير بعيد، فقال: (احفروا هاهنا)، فحفروا فوجدوا صخرةً عظيمةً، فقال: (اقلبوها تجدوا تحتها الماء)، فتقدّم إليها أربعون رجلاً فلَم يُحرّكوها، فقال (عليه السلام): (إليكم عنها)، فتقدّم وحرّك شفتيه بكلامٍ لم يُعلَم ما هو ثمّ دحاها بالهواء ككرةٍ في الميدان، فقال الراهب وهو ينظر إليه، (وقد أشرف عليه): من أين أنت يا فتى؟ فنحن

١١٢

أُنزِل في كتابنا إنّ هذا الدير بنيَ على البئر والعين وأنّها لا يظهر إلاّ نبيّ أو وصيَّ نبيّ فأيّهما أنت، فقال: (أنا وصيّ خير الأنبياء، أنا وصيّ سيّد الأنبياء، أنا وصيّ خاتم الأنبياء، ابن عمّ قائد الغرّ المُحجّلين أنا عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين).

قال: فلمّا سمع الراهب نزَل من الصومعة وخرَج ومشى وهو يقول: مدّ يدك فأنا أشهد أنّ لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله، وأنّ عليّ بن أبي طالب وصيّه وخليفته من بعده، قال: ثمّ شرب المسلمون من العين وماؤها أبيض من الثلج وأحلا من العسَل فرووا منه وسقوا خيولهم وملؤوا رواياهم ثمّ أعاد صلوات الله عليه وآله الصخرة إلى موضعها، ثمّ ارتحل من نحوها إلى ديارهم.

قال: أخبرنا الواقدي عن جابر عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) قيل: جاء إلى عمر بن الخطّاب غلام يافع فقال له: إنّ أُمّي جحدَت حقّي من ميراث أبي وأنكرتني وقالت: لست بولدي فأحضرها وقال لها: لم جحدت ولدَك هذا وأنكرتي وقالت: إنّه كاذب في زعمه، وليَ شهود بأنّي بكرٌ عاتق ما عرفت بعلاً وكانت قد رشَت سبعة نفَر كلّ واحد بعشرة دنانير وقالت لهم: اشهدوا بأنّي بكرٌ لم أتزوّج ولا أعرف بعلاً، فقال لها عمر بن الخطّاب: أين شهودك فأحضرتهم بين يديه فقال بمَ تشهدون؟ فقالوا له: نشهد أنّها بكرٌ لم يمسّها ذكَر ولا بعل.

فقال الغلام: بيني وبينها علامة أذكرها لها عسى تعرف ذلك، فقال: قل ما بدا لك، فقال الغلام: فإنّه كان والدي في سعد بن مالك، فقال له الحارث المزني وأنّي رُزقت في عامٍ شديد المحل وبقيت عامين كاملين أرضع شاة، ثمّ أنّني كبرت وسافر والدي مع جماعة في تجارة فعادوا ولم يعد والدي معهم، فسألتهم عنه فقالوا: إنّه درج فلمّا عرفَت والداتي الخبَر أنكرتني وقد أخرتني الحاجة، فقال عمر: هذا مشكل لا يحلّه إلاّ نبي أو وصيّ نبيّ فقوموا بنا إلى أبي الحسن عليّ (عليه السلام) فمضى الغلام وهو يقول: أين منزل كاشف الكروب أين خليفة هذه الأُمّة؟ فجاؤوا به إلى منزل عليّ بن أبي طالب كاشف

١١٣

الكروب، ومحلّ المشكلات، فوقف هناك يقول: يا كاشف الكروب عن هذه الأُمّة، فقال له الإمام: (ومالك يا غلام؟)، فقال: يا مولاي أُمّي جحدتني حقّي وأنكرتني وزعمَت أنّي لم أكن ولدها، فقال الإمام (عليه السلام): (أين قنبر؟) فأجابه:لبّيك يا مولاي، فقال له: (امض واحضر المرأة إلى مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، فمضى قنبر وأحضرها بين يدَي الإمام فقال لها: (ويلك لِم جحدت ولدك؟)، فقالت: يا أمير المؤمنين، أنا بِكر ليس لي ولَد ولم يمسّني بشَر.

فقال لها: (لا تعدلي الكلام بابن عمّ بدر التمام، ومصباح الظلام)، قالت: يا مولاي، احضر قابلة تنظرني أنا بكرٌ عاتق أم لا فأُحضرَت فلمّا خلَت بها أعطتها سواراً كان في عضدها وقالت لها: اشهدي بأنّي بكر فلمّا خرجَت مِن عندها قالت له: يا مولاي إنّها بكر، فقال (عليه السلام): (كذبَت العجوز يا قنبر، عرّ العجوز وخُذ منها السوار)، قال قنبر: فأخرجته مِن كتفها فعند ذلك ضجّ الخلايق فقال الإمام (عليه السلام): (اسكتوا فأنا عيبة علم النبوّة)، ثمّ أحضر الجارية وقال لها: (يا جارية، أنا زين الدين أنا قاضي الدين، أنا أبو الحسن والحسين (عليه السلام) إنّّي أُريد أنْ أُزوّجك من هذا الغلام المدّعي عليك أفتقبلينه منّي زوجاً؟) فقالت: لا يا مولاي، أتبطل شرع محمّد (صلّى الله عليه وآله)؟

فقال لها: بماذا؟ فقالت: تزوّجني بولدي كيف يكون ذلك؟ فقال الإمام: (جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً لِم لا يكون هذا منك قبل هذه الفضيحة؟)، فقالت: يا مولاي خشيت على الميراث، فقال لها (عليه السلام): (استغفري الله تعالى وتوبي إليه) ثمّ أنّه (عليه السلام) أصلح بينهما وألحق الولد بوالدته وبإرث أبيه وصلّى الله على محمّد وآله.

١١٤

خبر ضرب الماء

وممّا روي عنه (عليه السلام) أنّه كان جالساً في جامع الكوفة إذ أتوه جماعة من أهل الكوفة، فشكوا إليه زيادة الفرات وطغيان الماء فنهض (عليه السلام) وقصد الفرات حتى وقَف بموضع يُقال باب المروحة وأخذ القضيب بيده اليمنى وحرّك شفتيه بكلامٍ لا يفهمه أحد، وضرب بالقضيب الماء ضربة فهبط نصف ذراع فقال لهم: (يكفى هذا؟)، فقالوا: لا يا أمير المؤمنين، ثمّ ضرب ثانية

١١٥

فهبط نصف ذراع آخر فقال لهم: (يكفي هذا؟)، فقالوا: لا يا أمير المؤمنين، فقال بكلامٍ لا نعرفه وضربه ثالثة فنقص ذراعاً آخر، فقال: (يكفي هذا؟)، فقالوا: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: (والذي فلق الحبّة وبرئ النسمة لو شئت لأبنت لكم الحيتان في قراره)، وهذه فضيلة لا يقدر عليها أحد ونقل مثلها عن غيره (عليه السلام).

وممّا رويَ أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يقول: (تفوح روائح الجنّة من قبل قَرن الشمس وا شوقاه إليك يا أويس القرني، ألا مَن لقيه فليقرأه عنّي السلام)، فقيل: يا رسول الله ومَن أُويس القرني؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): (إنْ غاب لم يتفقّدوه وإنْ ظهر لم يكترثوا له، يدخل في شفاعته إلى الجنّة مثل ربيعة ومضر آمن بي وما رآني ويُقتل بين يدي خليفتي أمير المؤمنين في صفّين).

(قال ابن شاذان) تأمّل أيّها الطاعن بقلبك وانظر بعينك هذه الآيات التي خصّه الله بها والمعجزات التي شرّف الله بها هذا الإمام وجعلها دالّة عليه وهدايته إليه (ليهلك مَن هلَك عن بيّنة ويَحيي مَن حيى عن بيّنة).

خبر المقدسي

ومّما روي من فضائله (عليه السلام) : من حديث المقدسي ما يغني سامعه عمّا سِواه، وهو ما حُكي لنا أنّه كان رجل من أهل بيت المقدس ورَد إلى مدينة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهو حسَن الثياب مليح الصورة، فزار حجرة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقصد المسجد ولم يزَل ملازماً له مشتغلاً بالعبادة صائم النهار قائم الليل وذلك في زمان عمر بن الخطّاب حتى رؤي أعبد الخلق، والخلق يتمنّون أنْ يكونوا مثله، وكان يأتي إليه ويسأله حاجة فيقول المقدسي: الحاجة إلى الله تعالى ولم يزَل على ذلك حتى عزَم الناس على الحج فجاء المقدسي إلى عمر وقال له: يا أبا حفص قد عزَمت على الحج ومعي وديعة أحب أنْ تستودعها منّي إلى حين عودي من الحج، فقال له عمر: هات الوديعة فأحضَر حقّة مِن عاج عليها قفل مِن حديد مختوم بخاتم الشاب فتسلمه عمر وخرج الشاب مع الوفد، وخرج عمر معه إلى الوفد وقال للمتقدّم على الوفد أوصيك

١١٦

بهذا الشاب وعليك به خيراً فرجع عمر، وكان في الوفد امرأة من الأنصار مازالت تلاحظ المقدسي وتنزل بقربه حيث نزل، فلمّا كان في بعض الأيّام دنت منه وقالت: يا شاب إنّي أرقّ لهذا الجسم الناعم المترف كيف بلبس الصوف؟ فقال لها: هذا جسم يأكله الدود ومصيره التراب هذا له كثير، فقالت: إنّي أغار على هذا الوجه المضيء كيف تشعثه الشمس؟ فقال لها: يا هذه اتقي الله وكفى فقد اشغلني كلامك عن عبادة ربّي، فقالت له: لي إليك حاجة فإنْ قضيتها فلا كلام، وإنْ لم تقضها لي فما أنا بتاركتك حتى تقضيها لي، فقال لها: ما حاجتك؟ قالت: حاجتي أنْ تواقعني فزجرها وخوّفها من الله تعالى فلَم يردّها ذلك وقالت: والله لئن لم تفعل ما أمرتك به لأرمينّك بداهية من دواهي النساء ومكرهنّ لا تنجوا منها.

فلم يلتفت ولم يعبأ بكلامهما، فلمّا كان في بعض الليالي وقد سهر أكثر ليلته من عبادة ربّه ثمّ رقد في آخر الليل وغلب عليه النوم، فاتته وتحت رأسه مزادة فيها زاده فنزعتها من تحت رأسه وطرحت فيها كيساً فيه خمسمِئة دينار، ثمّ عادت بها إلى تحت رأسه فلمّا ثور الوفد قامت الملعونة وقالت: يا لله ويا للوافد ويا وفد الله امرأة مسكينة وقد سُرِقت نفقتها ومالي إلاّ الله وأنتم فجلس المتقدّم على الوفد وأمر رجالاً من الأنصار والمهاجرين أنْ يفتّشوا رجال الأنصار والمهاجرين، ففتّشوا الفريقين فلَم يجدوا شيئاً، ولم يبقَ من الوفد أحد إلاّ وفتّش رحله ولم يبقَ إلاّ المقدسي فأخبروا متقدّم الوفد بذلك.

فقال: يا مقدّم ما ضرّكم لو فتشتموه فله أُسوة بالمهاجرين والأنصار وما يُدريكم أنْ يكون ظاهره مليحاً وباطنة قبيحاً، ولم تزل المرأة حتى حملتهم على تفتيش رحله فقصده جماعة من الوفد وهو قائم يُصلّي، فلمّا رآهم أقبل عليهم وقال لهم: ما بالكم وما خبركم؟ قالوا: هذه المرأة الأنصارية ذكرت أنّها قد سُرق لها نفقة كانت معها، وقد فتّشنا رجال الوفد بأسرها ونحن لا نتقدّم إلى رحلك إلاّ بإذنك؛ لِما سبق من وصيّة عمر بن الخطّاب فيما يعود إليك، فقال: يا قوم، ما يضرّني ذاك فتّشوا ما أحببتم وهو واثق من نفسه، فأوّل ما نفضوا المزادة

١١٧

التي فيها زاده وقَع منها الهميان فصاحت الملعونة الله أكبر هذا والله كيسي ومالي وهو كذا دينار، وفيه عقدٌ لؤلؤ ووزنه كذا وكذا مثقالاً، فاختبروه فوجدوه كما قالت الملعونة، فمالوا عليه بالضرب المُوجِع والسبِّ والشتم وهو لا يُجيب جواباً فسلسلوه وقادوه راجلاً إلى مكّة، فقال لهم: يا وفد الله بحق هذا البيت إلاّ ما تصدّقتم عليّ وتركتموني أقضي الحج وأشهد الله تعالى ورسوله بأنّي إذا قضيت الحج عدت إليكم وتركت يدَي في أيديكم فأوقَع الله الرحمة في قلوبهم فأطلقوه، فلمّا قضى مناسك الحجّ وما وجَب عليه من الفرائض عاد إلى القوم وقال لهم: ها أنا عدت إليكم فافعلوا بي ما تريدون.

فقال بعضهم لبعض: لو أراد المفارقة لما عاد إليكم اتركوه فتركوه فرجَع الوفد طالباً مدينة الرسول (صلّى الله عليه وآله) فأعوز تلك الملعونة زادها في بعض الطريق، فوجدت في بعض الطريق راعياً فسألته الزاد فقال لها عندي ما تَريدين غير أنّي لا أبيعه فإنْ آثرت أنْ تمكنيني مِن نفسك أعطيتك، ففعلت وأخذت منه زاداً فلمّا انحرفت عنه عرض لها إبليس فقال لها: فلانة أنت حامل، قالت: ممّن؟ فقال لها من الراعي، فقالت: وا فضيحتاه، فقال لها: لا تخافي مع رجوعك إلى الوفد قولي لهم: إنّي سمعت قراء‌ة المقدسي فقربت منه فلمّا غلبني النوم دنا منّي وواقعني، ولم أتمكّن من الدفع عن نفسي بعد الفوات، وقد حملت منه وأنا امرأة من الأنصار وما معي جماعة من أهلي.

ففعلت الملعونة ما أشار عليها اللعين إبليس، فلم يشكّوا في قولها لِما عاينوه أوّلاً من وجود المال في رحله، فعكفوا على الشاب وقالوا له: يا هذا ما كفاك السرقة حتى فسقت فأوجعوه ضرباً وأوسعوه شتماً وسبّاً وأعادوه إلى السلسلة وهو لا يردّ جواباً، فلمّا قربوا من المدينة على ساكنها السلام خرَج عمر ومعه جماعة من المسلمين للقاء الوفد، فلمّا قربوا منه لم يكن لهم إلاّ السؤال من الوفد عن المقدسي، فقالوا له: يا أبا حفص، ما أغفلك عنه وقد سرَق وفسَق وقصّوا عليه القصّة، فأمر بإحضاره بين يديه وهو مسلسل، فقال: ويلك يا مقدسي، أتُظهر خلاف ما يظنّ فيك حتى فضحك الله تعالى، والله

١١٨

لأنكّلنّ بك أشدّ نكال، وهو لا يردّ جواباً، فاجتمع الخلق عليه وازدحم الناس إليه لينظروا ما يُفعل به، وإذا بنورٍ قد سطع وشعاعٍ قد لمَع، فتأمّله الحاضرون وإذا به عَيبة علم النبوّة عليّ بن أبى طالب فقال: (ما هذا الرهج في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، فقالوا له: يا عليّ الشاب المقدسي قد سرَق وفسَق، فقال (عليه السلام): (والله ما سرَق ولا فسَق ولا حجّ أحدٌ غيره)، قال: فلمّا أخبروا عمر قام قائماً فأجلسه مكانه فنظر إلى الشاب المقدسي مسلسلاً مطرقاً إلى الأرض، والمرأة قائمة فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): (أنا محلّ المشكلات، وكاشف الكربات، ويلك قصّي عليّ قصّتك فأنا باب مدينة عِلم الرسول (صلّى الله عليه وآله))، فقالت: يا عليّ إنّ هذا الشاب سَرق مالي وقد شاهده الوفد في مزادته، وما كفاه ذلك حتى كنت ليلة من الليالي قربت منه فاسترقني بقراء‌ته واستنامني، ووثَب إليّ فواقَعني وما تمكّنت من المدافعة عن نفسي خوفاً من الفضيحة وقد حملتُ منه، فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): (كذبت يا ملعونة، فيما ادعيت عليه.

يا أبا حفص، اعلم أنّ هذا الشاب مجبوب ليس له إحليل وإحليله في حقّةٍ من عاج، ثمّ قال: يا مقدسي، أين الحقّة)، فعند ذلك رفَع طرفه إلى السماء وقال: يا مولاي مَن أعلمك عن الحقّة فالتفت (عليه السلام) إلى عمر وقال: (يا أبا حفص، قم هات وديعة هذا الرجل)، فأرسل عمر وأحضروا الحقّة ففتحوها فإذا فيها خرقة من حرير، وبها إحليله فعند ذلك قال الإمام: (قم يا مقدسي)، فقام فقال: (جرّدوه من ثيابه لينظر ويتحقّق حاله ممّن اتهمه بالفِسق)، فجرّدوه من ثيابه وإذا هو مجبوب فضجّ العالم، فقال لهم: (اسكتوا واسمعوا منّي حكومةً أخبرني بها ابن عمّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ قال: (يا ملعونة، لقد تجريت على الله، ويلك الم تأتي إليه وقلت له: كيت وكيت فلَم يجبك إلى ذلك، فقلت له: والله لأرمينّك بحيلة من حيل النساء لا تنجو منها)، فقالت: بلى يا عليّ، كان ذلك، فقال (عليه السلام): (ثمّ إنّك استنومتيه فجئت بالكيس فتركتيه في مزادته، أقرّي! فقالت: نعم يا عليّ، فقال (عليه السلام): (اشهدوا عليها) ثمّ قال لها: (وهذا حملك من الراعي الذي طلبت منه الزاد قال لك: إنّي لا أبيعك الزاد

١١٩

ولكن مكنيني من نفسك وخذي حاجتك، ففعلت ذلك وأخذت الزاد وهو كذا وكذا)، قالت: صدقت يا عليّ، وضجّ العالم فسكّتهم عليّ (عليه السلام)، فقال لها: (فلمّا خرجت من الراعي عرَض لك شيخ صفته كذا وكذا فناداك وقال لك: يا فلانة لا بأس عليك أنت حامل من الراعي فصرخت وقلت: وا سوأتاه، فقال لا تخافي وقولي للوفد: استنامني وواقعني المقدسي وقد حملت منه فيصدّقوك لما ظهر لهم من سرقته، ففعلت ذلك كما قال لك الشيخ)، فقالت: كان ذلك يا عليّ، فقال: (هو إبليس اللعين)، فعجب الناس من ذلك، فقال عمر: يا أبا الحسن ما تريد أنْ تصنع بها؟ فقال: (يُحفر لها في مقابر اليهود إلى نصفها وتُرجَم بالحجارة)، ففعل بها ذلك كما أمر مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) وأمّا المقدسي فلم يزل ملازم مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى أنْ قُبِض (رضي الله عنه) فعند ذلك قام عمر وهو يقول: لولا عليّ لهلَك عمر ولم يصدّق إلاّ في ذلك ثمّ انصرف الناس وقد عجبوا من حكومة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ومن فضائله (عليه السلام).

قيل: إنّه كان في بعض غزواته وقد دنَت الفريضة ولم يجد ماء يُسبغ به الوضوء فرمَق بطرفه إلى السماء والناس قيام ينظرون فنزل جبرئيل وميكائيل (عليهما السلام) ومع جبرئيل سطل فيه ماء ومع ميكائيل منديل ووضعا السطل والمنديل بين يدي أمير المؤمنين فأسبغ الوضوء من ذلك الماء ومسَح وجهه الكريم بالمنديل فعند ذلك عرجا إلى السماء والخلق ينظر إليهما.

ومن فضائله (عليه السلام) ما ورَد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال (أُعطيت ثلاثاً وعليّ مشاركي فيها وأُعطيَ عليّ ثلاثة ولم أُشاركه فيها)، فقيل: يا رسول الله، وما الثلاث التي شاركك فيها عليّ (عليه السلام)؟ فقال: (لواء الحمد لي وعليّ حامله، والكوثر لي وعليّ ساقيه، والجنّة لي وعليّ قاسمها، وأمّا الثلاث التي أُعطيَت عليّاً ولَم أُشاركه فيها فإنّه أُعطي رسول الله صهراً ولم أُعطَ مثله، وأُعطي زوجته

١٢٠