مرآة العقول الجزء ٢

مرآة العقول8%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 462

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 462 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 72147 / تحميل: 6138
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

٤

بِسمِ اللهِ الرَّحَمنِ الرَّحيِم

و به نستعين

كلمة المصحح

الحمد لله ربّ العالمين و صلي الله على رسوله محمّد و آله الطاهرين و لعنة الله على اعدائهم اجمعين.

و بعد : فممّا منّ الله علىّ – بلطفه – أن وفّقني لتصحيح هذا الاثر القسّيم الذي هو من أحسن الشروح علي كتاب الكافي تأليف ثقة الاسلام محمّد بن يعقوب الكليني رضوان الله تعالى عليه.

و قد طبع الكتاب للمرة الاولى في سنه ١٣٢١ على الطبع الحجرى بايران في أربع مجلّدات و هذه هي الطبعة الثانية الّتي نهضت بمشروعه مكتب وليّ العصرعليه‌السلام و قام بطبعه و نشره مدير دار الكتب الاسلامية الشيخ محمّد الاخوندي و قد راجعت في تصحيحه و مقابلته و تحقيقه – مضافاً إلي كتب كثيرة من التفسير و الحديث و التاريخ واللغة و غيرها – إلى عدّة نسخ من الكتاب -.

منها – نسخة مخطوطة مصحّحة نفيسة – من أوّل الكتاب إلى آخر كتاب التوحيد – و أكثرها بخطّ الشارح (ره) و هي نسخة التي أهداها الخطيب البارع الشيخ محمّد رضا الملقّب بحسام الواعظين إلى مكتبة مولانا الامام عليّ بن موسى الرّضا عليه آلاف التّحيّه و الثنا في سنة ١٣٦٩ ق ، و هي نسخة ثمنية جدّاً و ترى أنموذجاً من صورتها الفتو غرافية في الصفات الآتية.

٥

و منها – نسخة مخطوطة – مصححّة من هذه المكتبة الشريفة أيضاً – من أول الكتاب إلي آخر كتاب التوحيد – كلّها بخط العالم الجليل السيد بهاء الدين محمّد الحسيني النائيني رحمه الله تعالى ، من معاصرى الشارح قدس سره الشريف ، وممن كتب له إجازة الحديث و الرواية بخطّه، و صورة الاجازة موجودة في ظهر النسخة

و منها – نسخة مخطوطة جيّدة لمكتبة العلامة النسابة آية الله السيد شهاب الدين المرعشي النجفي دام ظله ، من ابتداء الكتاب إلى آخر كتاب الحجة.

و الحمدلله اولا و آخراً – و انا العبد : السيد هاشم الرسولى المحلاتى

٦

٧

٨

حمداً خالداً لوليّ النعم حيث أسعدنى بالقيام بنشر

هذا السفر القيم في الملأ الثقافي الدينى بهذه الصورة الرائعة.

و لروّاد الفضيلة الذين و ازرونافي انجاز هذا المشروع المقدّس

شكر متواصل.

الشيخ محمد الاخوندى

٩

بسم الله الرحمن الرحيم

( باب النهي عن الجسم والصورة )

١ ـ أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن عليّ بن أبي حمزة قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم أنّ الله جسم صمدي نوريٌّ معرفته ضرورة يمنّ بها على من يشاء من خلقه فقالعليه‌السلام سبحان من لا يعلم أحدٌ كيف هو إلّا هو ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، لا يحدُّ

________________________________________________________

باب النهي عن الجسم والصورة

الحديث الأول: موثقّ.

قوله: معرفته ضرورة: أي تقذف في القلب من غير اكتساب أو تحصْل بالرؤية تعالى الله عن ذلك، وقد يؤول كلامه بأنّ مراده بالجسم الحقيقة العينية القائمة بذاتها لا بغيرها وبالصمديّ ما لا يكون خالياً في ذاته عن شيء فيستعدّ أن يدخل هو فيه، أو مشتملاً على شيء يصحّ عليه خروجه عنه، وبالنْوريّ ما يكون صافياً عن ظلم الموادّ وقابلياتها، بل عن المهيّة المغايرة للوجود وقابليْتها.

قيل: ولـمّا كان السائل فهم من هذا الكلام ما هو الظّاهر ولم يحمله على ما ذكر، أجابعليه‌السلام لا بتخطئة إطلاق الجسم بل بنفي ما فهّمه عنه سبحانه، فقال: سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلّا هو، أي ليس لأحد أن يصفه بصفة يعرفها من صفات ذاته الفانية وصفات أشباهه من الممكنات، فإنّه لا يكون معرفة شيء منها معرفة « ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير » أي لا بآلة وقوة وهو « لا يحدّ » وكلّ جسم محدود متناه « ولا يجسّ » أي لا يمسّ وكلّ جسم يصحّ عليه أن يمسّ و « لا تدركه الأبصار » أي الأوهام، ولا الحواسّ الظّاهرة والجسم يدرك بالحواس الباطنة والظّاهرة ولا

١٠

ولا يحسُّ ولا يجسُّو لا تدركه [ الأبصار ولا ] الحواسّ ولا يحيط به شيء ولا جسم ولا صورة ولا تخطيط ولا تحديد.

٢ ـ محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن حمزة بن محمّد قال كتبت إلى أبي الحسنعليه‌السلام أسأله عن الجسم والصورة فكتب سبحان من ليس كمثله شيء لا جسم ولا صورة ورواه محمّد بن أبي عبد الله إلّا أنّه لم يسمّ الرَّجل.

٣ ـ محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمّد بن زيد قال جئت إلى الرّضاعليه‌السلام أسأله عن التوحيد فأملى عليَّ الحمد لله فاطر الأشياء إنشاء ومبتدعها ابتداعاً بقدرته وحكمته لا من شيء فيبطل الاختراع ولا لعلّة فلا يصحُّ الابتداع خلق ما شاء كيف شاء متوحّداً بذلك لإظهار حكمته وحقيقة ربوبيّته لا تضبطه العقول ولا تبلغه الأوهام و لا تدركه الأبصار ولا يحيط به مقدار عجزت دونه العبارة وكلّت دونه الأبصار وضلّ فيه تصاريف الصفات احتجب بغير حجاب محجوب واستتر بغير ستر مستور عرف بغير رؤية ووصف بغير صورة ونعت بغير جسم ؛ لا إله إلّا الله الكبير المتعال.

________________________________________________________

يحيط به شيء إحاطة عقلية أووهميّة أو حسيّة « ولا جسم » لأنّ معناه حقيقة مقتدّر محدود « ولا صورة ولا تخطيط » أي تشكّل كيف، والصّورة والتشكّل لا ينفكّ عن التحديد ولا تحديد.

الحديث الثاني: ضعيف وآخره مرسل ومحمّد بن أبي عبد الله هو محمّد بن جعفر ابن عون.

قوله: لم يسمّ الرّجل أي الرّاوي.

الحديث الثالث: ضعيف.

قوله: بقدرته وحكمته، متعلّق بالابتداع أو به وبالفطر والإنشاء وقد مرّ شرح تلك الفقرات في شرح خطبة الكتاب.

١١

٤ - محمّد بن أبي عبد الله عمّن ذكره، عن عليّ بن العبّاس، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن محمّد بن حكيم قال وصفت لأبي إبراهيمعليه‌السلام قول هشام بن سالم الجواليقيّ وحكيت له قول هشام بن الحكم إنّه جسم فقال إنْ الله تعالى لا يشبهه شيء أيُّ فحش أو خنا أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد وأعضاء تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

٥ - عليُّ بن محمّد رفعه، عن محمّد بن الفرج الرُّخجيّ قال كتبت إلى أبي الحسنعليه‌السلام أسأله عمّا قال هشام بن الحكم في الجسم وهشام بن سالم في الصورة فكتب دع عنك حيرة الحيران واستعذ بالله من الشيطان ليس القول ما قال الهشامان.

________________________________________________________

الحديث الرابع: مرسل والجواليقي بائع الجواليق وهو جمع جولق معرّب جوال، والخنى: الفحش والفساد.

قوله: أو بخلقة، أي مخلوقية أو بأعضاءِ كأعضاء المخلوقين.

الحديث الخامس: مرفوع ولا ريب في جلالة قدر الهشامين وبراءتهما عن هذين القولين، وقد بالغ السيّد المرتضى قدّس الله روحه في براءة ساحتهما عمّا نسب إليهما في كتاب الشافّي مستدلاً عليها بدلائل شافية، ولعلّ المخالفين نسبوا إليهما هذين القولين معاندة كما نسبوا المذاهب الشنيعة إلى زرارة وغيره من أكابر المحدّثين، أو لعدم فهم كلامهما، فقد قيل أهما قالا بجسم لا كالأجسام، وبصورة لا كالصّور فلعلّ مرادهم بالجسم الحقيقة القائمة بالذّات، وبالصورة المهيّة وإن أخطئا في إطلاق هذين اللّفظين عليه تعالى.

قال المحقّق الدّواني: المشبّهة منهم من قال: أنّه جسم حقيقة ثمّ افترقوا فقال بعضهم: انّه مركّب من لحم ودم، وقال بعضهم: هو نور متلألؤ كالسبيكة البيضاء، طوله سبعة أشبار بشبر نفسه، ومنهم من قال: أنه على صورة إنسان، فمنهم من يقول: أنّه شابّ إمرد جعد قطط، ومنهم من قال: إنه شيخ أشمط الرّأس واللّحية، ومنهم من قال: هو من جهة الفوق مماسّ للصفحة العليا من العرش، ويجوز عليه الحركة

١٢

________________________________________________________

والإنتقال، وتبدّل الجهات، وتأطّ العرش تحته أطيط الرّحل الجديد تحت الراكب الثقيل، وهو يفصل عن العرش بقدر أربع أصابع، ومنهم من قال: هو محاذ للعرش غير مماسّ له وبعده عنه بمسافة متناهية، وقيل: بمسافة غير متناهية، ولم يستنكف هذا القائل عن جعل غير المتناهي محصوراً بين حاصرين، ومنهم من تستّر بالبلكفة(١) فقال: هو جسم لا كالأجسام وله حيّز لا كالأحياز، ونسبته إلى حيّزه ليس كنسبة الأجسام إلى أحيازها، وهكذا ينفي جميع خواصّ الجسم عنه حتّى لا يبقى إلا إسم الجسم وهؤلاء لا يكفرون بخلاف المصرّحين بالجسميّة « انتهى ».

قال الشهرستاني: حكى الكعبي عن هشام بن الحكم انّه قال: هو جسم ذو أبعاض له قدر من الأقدار، ولكن لا يشبه شيئاً من المخلوقات ولا تشبهه، ونقل عنه أنّه قال: هو سبعة أشبار بشبر نفسه، وأنّه في مكان مخصوص، وجهة مخصوصة وأنه يتحرّك وحركته فعله، وليست من مكان إلى مكان، وقال: هو متناه بالذّات غير متناه بالقدر، وحكي عنه أبو عيسى الورّاق انّه قال: أنّ الله تعالى مماسّ لعرشه لا يفضل عنه شيء من العرش، ولا يفصل عنه شيء، وقال هشام بن سالم: أنّه تعالى على صورة إنسان أعلاه مجوّف وأسفله مصمت، وهو نور ساطع يتلألأ، وله حواس خمس ويد ورجل وأنف وإذن، وعين، وفمّ، وله وفرة سوداء، هو نور أسود لكنّه ليس بلحم ولا دم، ثمّ قال: وغلا هشام بن الحكم في حق عليّعليه‌السلام ، حتّى قال: أنّه إله واجب الطّاعة، وهذا هشام بن الحكم صاحب غور في الأصول لا يجوز أن يغفل عن إلزاماته على المعتزلة، فإن الرّجل وراء ما يلزمه على الخصم، ودون ما يظهره من التشبيه وذلك أنه ألزم العلّاف، فقال: إنّك تقول إنّ الباري تعالى عالم بعلم، وعلمه ذاته فيشارك المحدثات في أنّه عالم بعلم ويباينها في أنّ علمه ذاته فيكون عالماً لا كالعالمين، فلم لا تقول هو جسم لا كالأجسام، وصورة لا كالصّور، وأنّه قدرة لا كالأقدار إلى غير ذلك.

__________________

(١) نسخة « بالبفكة » ولم أقف على معنى لها - على اختلاف النسخ - في كتب اللّغة.

١٣

٦ - محمّد بن أبي عبد الله، عن محمّد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن سعيد، عن عبد الله بن المغيرة، عن محمّد بن زياد قال سمعت يونس بن ظبيان يقول دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقلت له إن هشام بن الحكم يقول قولاً عظيماً إلّا أنّي أختصر لك منه أحرفاً فزعم أنّ الله جسم لأنّ

________________________________________________________

أقول: فظهر أنّ نسبة هذين القولين إليهما إمّا لتخطئة رواة الشيعة وعلمائهم لبيان سفاهة آرائهم، أو أنّهم لـمّا ألزموهم في الإحتجاج أشياء إسكاتاً لهم، نسبوها إليهم، والأئمةعليهم‌السلام لم ينفوها عنهم إبقاءاً عليهم، أو لمصالح أخر، ويمكن أن يحمل هذا الخبر على أنّ المراد: ليس القول الحقّ ما قال الهشامان بزعمك أو ليس هذا القول الذي تقول، ما قال الهشامان بل قولهما مباين لذلك، ويحتمل أن يكون هذان مذهبهما قبل الرّجوع إلى الأئمةعليهم‌السلام ، والأخذ بقولهم، فقد قيل: انّ هشام بن الحكم قبل أن يلقي الصادقعليه‌السلام كان على رأي جهم بن صفوان، فلـمّا تبعهعليه‌السلام تاب ورجع إلى الحق، ويؤيده ما ذكره الكراجكي في كنز الفوائد من الردّ على القائلين بالجسم بمعنييه، حيث قال: وأمّا موالاتنا هشاماً (ره) فهي لـمّا شاع عنه واستفاض من تركه للقول بالجسم الذي كان ينصره، ورجوعه عنه وإقراره بخطائه فيه وتوبته منه، وذلك حين قصد الإمام جعفر بن محمّدعليهما‌السلام إلى المدينة فحجبه وقيل له:انّه أمرنا أن لا نوصلك إليه ما دمت قائلاً بالجسم، فقال: والله ما قلت به إلّا لأنّي ظننت أنّه وفاق لقول إماميعليه‌السلام ، فأمّا إذا أنكره عليّ فإنّني تائب إلى الله منه فأوصله الإمامعليه‌السلام إليه، ودعا له بخير، وحفظ عن الصّادقعليه‌السلام أنّه قال لهشام: انّ الله تعالى لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء، وكل ما وقع في الوهم فهو بخلافه، وروي عنه أيضا أنه قال: سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلّا هو، ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير لا يحدّ ولا يحسّ ولا تدركه الأبصار، ولا يحيط به شيء، ولا هو جسم ولا صورة ولا بذي تخطيط ولا تحديد.

الحديث السادس: ضعيف.

١٤

الأشياء شيئان جسم وفعل الجسم فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل ويجوز

________________________________________________________

قوله: جسم وفعل الجسم، هذا الكلام يحتمل وجهين « الأول » أن يكون مبنيّاً على ما يذهب إليه وهم أكثر الناس من أنّ الموجود منحصر في المحسوس وما في حكمه وكل ما لا وضع له ولا إشارة حسيّة إليه، فعندهم فرض وجوده مستحيل، فالشيء عندهم إما جسم وإمّا عرض قائم بالجسم وهو المراد بفعل الجسم لأنّه تابع له في الوجود.

الثاني: أن يكون أراد بالجسم الحقيقة القائمة بذاتها المغايرة للأفعال من غير اعتبار التقدّر والتحدّد كما مرّت الإشارة إليه، فالمراد بقولهعليه‌السلام : أما علم انّ الجسم محدود، أنّه مخطئ في إطلاق الجسم على كلّ حقيقة قائمة بالذّات، وعلى التقديرين قوله: فإذا احتمل، استدلال على نفي جسميّته سبحانه بأنّه لو كان جسماً لكان محدوداً بحدود متناهياً إليها لاستحالة لا تناهي الأبعاد وكلُّ محتمل للحدّ قابل للانقسام بأجزاءِ متشاركة في الاسم والحدّ، فله حقيقة كليّة غير متشخّصة بذاتها ولا موجودة بذاتها أو هو مركّب من أجزاء، حال كلّ واحد منها ما ذكر فيكون مخلوقاً أو بأنّ كلّ جسم متناه، وإذا كان متناهياً كان محدوداً بحدّ واحد معيّن أو حدود معيّنة فيكون مشكلاً، فذلك الحد المعيّن والشكل المخصوص إمّا أن يكون من جهة طبيعة الجسمية بما هي جسمية، أو لأجل شيء آخر، والأوّل باطل، وإلّا لزم كون جميع الأقسام محدودة بحدّ واحد وشكل واحد، لاشتراكها في معنى الجسميّة بل يلزم أن يكون مقدار الجزءِ والكلّ وشكلهما واحد، فيلزم أن لا جزء ولا كلّ ولا تعدّد في الأجسام وهو محال، والثاني أيضاً باطل، لأنّ ذلك الشيء إمّا جسم أو جسماني أو مفارق عنهما، والكلّ محال، لأنّه إن كان جسماً آخر فيعود المحذور ويلزم التسلسل وإن كان جسمانيا فيلزم الدور إذ وجوده لكونه جسمانياً يتوقف على تحدد ذلك الجسم، لأنّ الجسم ما لم يتحدّد لم يوجد، وإذا كان وجود ذلك الجسم وتحدده متوقفين عليه كان وجوده متوقّفاً على ما يتوقف عليه وجوده، فيتوقّف وجود ذلك الشيء على وجوده، وكان تحدد الجسم متوقّفاً على ما يتوقف على تحدّد، فيتوقّف

١٥

أن يكون بمعنى الفاعل ؟ فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام ويحه أما علم أنّ الجسم محدودٌ متناه والصورة محدودة متناهية فإذا احتمل الحدّ احتمل الزّيادة والنقصان وإذا احتمل الزيّادة والنقصان كان مخلوقاً قال قلت فما أقول قال لا جسم ولا صورة وهو مجسّم الأجسام ومصوّر الصور لم يتجزّء ولم يتناه ولم يتزايد ولم يتناقص لو كان كما يقولون لم يكن بين الخالق والمخلوق فرّق ولا بين المنشئ والمنشإ لكن هو المنشئ فرّق بين من جسّمه وصورّه وأنشأه إذ كان لا يشبهه شيء ولا يشبه هو شيئاً.

٧ - محمّد بن أبي عبد الله، عن محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن العبّاس، عن الحسن بن عبد الرحمن الحمّانيّ قال قلت لأبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام إنّ هشام

________________________________________________________

تحدّد ذلك الجسم على تحدّده، فيلزم تقدّم الشيء على نفسه وهذا محال، وإن كان أمراً خارجاً عن الأجسام والجسمانيّات فيلزم كون الجسم المفروض إلهاً مفتقراً في وجوده إلى أمرّ مفارق لعالم الأجسام، فيكون هو إلّا له لا الجسم، وقد فرض الجسم إلهاً وهذا خلف، على أنّه عين المطلوب، وهو نفي كونه جسماً ولا صورة في جسم.

ثم استدلّعليه‌السلام بوجه آخر وهو ما يحكم به الوجدان: من كون الموجد أعلى شأناً وأرفع قدراً من الموجد، وعدم المشابهة والمشاركة بينهما، وإلّا فكيف يحتاج أحدهما إلى العلّة دون الآخر، وكيف صار هذا موجداً لهذا بدون العكس، ويحتمل أن يكون المراد عدم المشاركة والمشابهة فيما يوجب الاحتياج إلى العلّة فيحتاج إلى علة أخرى.

قوله: فرق، بصيغة المصدر أي الفرق حاصل بينه وبين من صورّه، ويمكن أن يقرأ على الماضي المعلوم، أي فرق بين من جسّمه وصوّره، وبين من لم يجسمه ولم يصوره، أو بين كل ممن جسّمه وغيره من المجسّمات، وقوله: إذ كان لا يشبهه شيء أي من غير مشابهة شيء له، أو مشابهته لشيء أو المراد أنّه لـمّا لم يكن بينه وبين الأشياء المفرقة مشابهة صحّ كونه فارقاً بينها.

الحديث السابع: ضعيف.

١٦

ابن الحكم زعم أنّ اللهجسم ليس كمثله شيء عالم سميع بصير قادر متكلّم ناطق والكلام والقدرة والعلم يجري مجرى واحد ليس شيء منها مخلوقاً فقال قاتله الله أما علم أن الجسم محدود والكلام غير المتكلّم معاذ الله وأبرأ إلى الله من هذا القول لا جسم ولا صورة ولا تحديد وكل شيء سواه مخلوقٌ إنّما تكون الأشياء بإرادته ومشيئته من غير كلام ولا تردد في نفس ولا نطق بلسان.

٨ - عليُّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن محمّد بن حكيم قال:

________________________________________________________

قوله: ليس كمثله شيء، يومئ إلى أنّه لم يقل بالجسميّة الحقيقيّة، بل أخطأ في إطلاق لفظ الجسم عليه تعالى، ونفي عنه صفات الأجسام كلّها، ويحتمل أن يكون مراده أنه لا يشبهه شيء من الأجسام، بل هو نوع مباين لسائر أنواع الأجسام فعلى الأوّل نفيعليه‌السلام إطلاق هذا اللفظ عليه تعالى، بأنّ الجسم إنّما يطلق على الحقيقة الّتي يلزمهما التقدّر والتحدّد فكيف يطلق عليه تعالى.

وقوله: يجري مجرى واحد، إشارة إلى عينيّة الصفّات وكون الذّات قائمة مقامها، فنفىعليه‌السلام كون الكلام كذلك ولم ينفه من سائر الصفات، ثمّ نبّه على بطلان ما يوهم كلامه من كون الكلام من أسباب وجود الأشياء، فلفظة « كُنْ » في الآية الكريمة كناية عن تسخيره للأشياء، وانقيادها له من غير توقف على التكلّم بها، كما قال سيّد السّاجدينعليه‌السلام : « فهي بمشّيتك دون قولك مؤتمرة، وبإرادتك دون نهيك منزجرة » على أقرب الاحتمالين، ثمّ نفيعليه‌السلام كون الإرادة على نحو إرادة المخلوقين من خطور بال أو تردّد في نفس، ويحتمل أن يكون المقصود بما نسب إلى هشام: كون الصّفات كلّها مع زيادتها مشتركة في عدم الحدوث والمخلوقيّة فنفاهعليه‌السلام بإثبات المغايرة أوّلا، ثمّ بيان انّ كل ما سواه مخلوق، والأوّل أظهر، وقوله: تكون يمكن أن يقرأ على المعلوم من المجرّد أو المجهول من بناء التفعيل.

الحديث الثامن: مجهول.

١٧

وصفت لأبي الحسنعليه‌السلام قول هشام الجواليقيّ وما يقول في الشابّ الموفّق ووصفت له قول هشام بن الحكم فقال إنّ الله لا يشبهه شيء.

باب صفات الذات

١ - عليُّ بن إبراهيم، عن محمّد بن خالد الطيالسي، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لم يزل الله عزّ وجلّ ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور فلـمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على

________________________________________________________

باب صفات الذات

الحديث الأول: مجهول.

قوله: وقع العلم منه على المعلوم، أي وقع على ما كان معلوماً في الأزل وانطبق عليه، وتحقّق مصداقه، وليس المقصود تعلّقه به تعلقاً لم يكن قبل الإيجاد أو المراد بوقوع العلم على المعلوم العلم به على أنّه حاضر موجود، وكان قد تعلق العلم به قبل ذلك على وجه الغيبة، وأنّه سيوجد والتغيّر يرجع إلى المعلوم لا إلى العلم وتحقيق المقام: أن علمه تعالى بأن شيئاً وجد هو عين العلم الذي كان له تعالى بأنه سيوجد، فإنّ العلم بالقضيّة إنّما يتغيّر بتغيرها، وهو إما بتغير موضوعها أو محمولها، والمعلوم هيهنا هي القضيّة القائلة بأن زيداً موجود في الوقت الفلاني، ولا يخفى أن زيداً لا لا يتغيّر معناه بحضوره وغيبته، نعم يمكن أن يشار إليه إشارة خاصة بالموجود حين وجوده ولا يمكن في غيره، وتفاوت الإشارة إلى الموضوع لا يؤثر في تفاوت العلم بالقضية، ونفس تفاوت الإشارة راجع إلى تغير المعلوم لا العلم.

وأمّا الحكماء فذهب محققوهم إلى أنّ الزمان والزمّانيات كلّها حاضرة عنده تعالى، لخروجه عن الزّمان كالخيط الممتدّ من غير غيبة لبعضها دون بعض، وعلى هذا فلا إشكال لكن فيه إشكالات لا يسع المقام إيرادها.

١٨

المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور قال قلت فلم يزل الله متحرّكاً قال فقال تعالى الله عن ذلك إنّ الحركة صفة محدثة بالفعل قال قلت فلم يزل الله متكلـمّاً قال فقال إنّ الكلام صفة محدثة ليست بأزليّة كان الله عزّ وجل ولا متكلّم.

٢ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سمعته يقول كان الله عزّ وجلّ ولا شيء غيره ولم يزل عالـماً بما يكون فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه.

٣ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن الكاهليّ

________________________________________________________

ثمّ اعلم أن صفاته سبحانه على ثلاثة أقسام منها سلبيّة محضة كالقدوسيّة والفرديّة ومنها إضافيّة محضة كالمبدئيّة والخالقيّة والرازقيّة، ومنها حقيقيّة سواء كانت ذات إضافة كالعالميّة والقادريّة أو لا، كالحياة والبقاء، ولا شكّ أنّ السّلوب والإضافات زايدة على الذات، وزيادتها لا توجب انفعالاً ولا تكثّراً، وقيل: انّ السّلوب كلّها راجعة إلى سلب الإمكان، والإضافات راجعة إلى الـموجديّة، وأمّا الصفات الحقيقيّة فالحكماء والإماميّة على أنها غير زايدة على ذاته تعالى، وليس عينيتها وعدم زيادتها بمعنى نفي أضدادها عنه تعالى، حتّى يكون علمه سبحانه عبارة عن نفي الجهل ليلزم التّعطيل، فقيل: معنى كونه عالـماً وقادراً أنّه يترتّب على مجرّد ذاته ما يترتّب على الذّات والصفة، بأن ينوب ذاته مناب تلك الصّفات، والأكثر على أنّه تصدق تلك الصّفات على الذّات الأقدس، فذاته وجود وعلم وقدرة وحياة وسمع وبصر، وهو أيضاً موجود عالم قادر حيّ سميع بصير، ولا يلزم في صدق المشتقّ قيام المبدء به، فلو فرضنا بياضاً قائماً بنفسه لصدق عليه أنّه أبيض.

الحديث الثاني: صحيح.

الحديث الثالث: حسن.

١٩

قال كتبت إلى أبي الحسنعليه‌السلام في دعاء الحمد لله منتهى علمه فكتب إليّ لا تقولنّ منتهى علمه فليس لعلمه منتهى ولكن قل منتهى رضاه.

٤ - محمّد بن يحيى، عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن عيسى، عن أيّوب بن نوح أنّه كتب إلى أبي الحسنعليه‌السلام يسأله عن الله عزّ وجلّ أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكوَّنها أو لم يعلم ذلك حتّى خلقها وأراد خلقها وتكوينها فعلم ما خلق عند ما خلق وما كوّن عند ما كوّن فوقّع بخطّه لم يزل الله عالـماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء.

٥ - عليُّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد بن حمزة قال كتبت إلى الرَّجلعليه‌السلام أسأله أنَّ مواليك اختلفوا في العلم فقال بعضهم لم يزل الله عالـماً قبل فعل الأشياء وقال بعضهم لا نقول لم يزل الله عالـماً لأن معنى يعلم يفعل

________________________________________________________

قوله فليس لعلمه: أي لمعلوماته عدد متناه، فلا يكون لعلمه عدد ينتهي إلى حدّ أو ليس لعلمه بحمده نهاية بانتهاء حمده إلى حدّ لا يتصور فوقه حمد، ولكن للرضاء نهاية بالمعنيين، فانّ لرضاه بحمد العبد منتهى عدداً أو لرضاه بحمد العبد حدّاً لا يتجاوزه.

الحديث الرابع : صحيح.

الحديث الخامس: ضعيف.

قوله: لأنّ معنى يعلم يفعل، أي يفعل العلم ويوجده، على أنّ العلم إدراك والإدراك فعل، وقال بعض المحققّين: هذا الكلام يحتمل وجهين:

أحدهما أنّ تعلّق علمه بشيء يوجب وجود ذلك الشيء وتحقّقه، فلو كان لم يزل عالـماً كان لم يزل فاعلاً فكان معه شيء في الأزل في مرتبة علمه أعني ذاته، أو غير مسبوق بعدم زمانيّ، وهذا على تقدير كون علمه فعليّاً.

وثانيهما أنّ تعلق العلم بشىء يستدعي انكشاف ذلك الشىء واكشاف الشىء يستدعي نحو حصول له، وكلّ حصول ووجود لغيره سبحانه مستند إليه سبحانه فيكون

٢٠

فإن أثبتنا العلم فقد أثبتنا في الأزل معه شيئاً فإن رأيت جعلني الله فداك أن تعلّمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فكتبعليه‌السلام بخطّه لم يزل الله عالـماً تبارك وتعالى ذكره.

٦ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عبد الصمد بن بشير، عن فضيل بن سكرة قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام جعلت فداك إن رأيت أن تعلّمني هل كان الله جلَّ وجهه يعلم قبل أن يخلق الخلق أنّه وحده فقد اختلف مواليك فقال بعضهم قد كان يعلم قبل أن يخلق شيئاً من خلقه وقال بعضهم إنّما معنى يعلم يفعل فهو اليوم يعلم أنّه لا غيره قبل فعل الأشياء فقالوا إن أثبتنا أنّه لم يزل عالـماً بأنّه لا غيره فقد أثبتنا معه غيره في أزليّته فإن رأيت يا سيّدي أن تعلّمني ما لا أعدوه إلى غيره ؟ فكتبعليه‌السلام ما زال الله عالـماً تبارك وتعالى ذكره.

________________________________________________________

من فعله، فيكون معه في الأزل شيء من فعله فأجابعليه‌السلام بأنه لم يزل عالـماً ولم يلتفت إلى بيان فساد متمسّك نافيه، لأنّه أظهر من أن يحتاج إلى البيان، فإنّه على الأول مبنيّ على كون العلم فعليّاً وهو ممنوع، ولو سلّم فلا يستلزم فعليّة العلم عدم انفكاك المعلوم عنه عيناً بمعنى عدم مسبوقيّته بعدم زماني، أو كون المعلوم في مرتبة العالم وعلى الثاني مبني على كون الصور العلمية صادرة عنه صدور الأمور العينية، فيكون من أقسام الموجودات العينية ومن أفعاله سبحانه وهو ممنوع، فإن الصوّر العلميّة توابع غير عينيّة لذات العالم ولا تحصل لها عدا الانكشاف لدى العالم، ولا حظّ لها من الوجود والحصول العينيّ أصلا، ولا مسبوقيّة لها إلّا بذات العالم، لكنّها ليست في مرتبة ذاته، ولا يجب فيها نحو التأخّر الذي للأفعال الصادرة عن المبدأ بالإيجاد.

الحديث السادس: ضعيف.

٢١

باب آخر وهو من الباب الأول

١ - عليُّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن حمّاد، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال في صفة القديم إنّه واحدٌ صمدٌ أحديُّ المعنى ليس بمعاني كثيرة مختلفة قال قلت جعلت فداك يزعم قومٌ من أهل العراق أنّه يسمع بغير الذي يبصر ويبصر بغير الذي يسمع قال فقال كذبوا وألحدوا وشبهّوا تعالى الله عن ذلك إنه سميع بصير يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع قال قلت يزعمون أنّه بصير على ما يعقلونه قال فقال تعالى الله إنّما يُعقل ما كان بصفة المخلوق وليس الله كذلك.

٢ - عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن العبّاس بن عمرو، عن هشام بن الحكم قال

________________________________________________________

باب آخر وهو من الباب الأول

الحديث الأول: صحيح، ولعلّ المراد بوحدته أنّه لا يشاركه غيره في حقيقته لتشخّصه بذاته، وبصمديّته كونه غير محتمل لأن يحلّه غيره، ولا يصحّ عليه الخلوّ عمّا يمكن أن يدخل فيه، وبأحديّته أن لا يصحّ عليه الائتلاف من معان متعددة، أو الانحلال إليها، وقوله: ليس بمعان كثيرة، تفسير لأحدىّ المعنى، ويحتمل أن يكون تفسيراً لكلّ واحد من الثلاثة.

قوله: على ما يعقلونه، أي من الإبصار بآلة البصر فيكون نقلاً لكلام المجسّمة أو باعتبار صفة زائدة قائمة بالذات، فيكون نقلاً لمذهب الأشاعرة، والجواب أنّه إنّما يعقل بهذا الوجه من كان بصفة المخلوق، أو المراد: تعالى الله أن يتّصف بما يحصل ويرتسم في العقول والأذهان، والحاصل أنّهم يثبتون لله تعالى ما يعقلون من صفاتهم والله منزّه عن مشابهتهم ومشاركتهم في تلك الصّفات الإمكانيّة.

الحديث الثاني: مجهول، وقد مرّ الكلام فيه، ويدلّ على نفي زيادة الصّفات

٢٢

في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال له أتقول إنّه سميع بصير فقال أبو عبد الله هو سميع بصير سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه وليس قولي إنّه سميع بنفسه أنه شيء والنفس شيء آخر ولكنّي أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً فأقول يسمع بكلّه لا أنّ كلّه له بعض لأنّ الكل لنا له بعض ولكن أردت إفهامك والتعبير عن نفسي وليس مرجعي في ذلك كلّه إلّا أنّه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذّات ولا اختلاف معنى.

________________________________________________________

أي نفي صفات موجودة زائدة على ذاته سبحانه، وأمّا كونها عين ذاته تعالى بمعنى أنّها تصدق عليها أو أنّها قائمة مقام الصفات الحاصلة في غيره تعالى أو أنّها أمور اعتبارية غير موجودة في الخارج، واجبة الثبوت لذاته تعالى فلا نصّ فيه وفي أمثاله على شيء منها، وإن كان ظاهر أكثرها أحد الاوّلين.

قال المحقّق الدّواني: لا خلاف بين المتكلّمين كلّهم، والحكماء، في كونه تعالى عالـماً قديراً مريداً متكلّماً، وهكذا في سائر الصّفات، ولكنّهم تخالفوا في أن الصّفات عين ذاته أو غير ذاته أو لا هو ولا غيره، فذهبت المعتزلة والفلاسفة إلى الأوّل وجمهور المتكلّمين إلى الثاني، والأشعري إلى الثالث، والفلاسفة حقّقوا عينيّة الصفات بأنّ ذاته تعالى من حيث أنّه مبدء لانكشاف الأشياء عليه علم، ولـمّا كان مبدء الانكشاف عين ذاته كان عالـماً بذاته، وكذا الحال في القدرة والإرادة وغيرهما من الصّفات قالوا: وهذه المرتبة أعلى من أن تكون تلك الصّفات زائدة عليه، فإناّ نحتاج في انكشاف الأشياء علينا إلى صفة مغايرة عنّا قائمة بنا، والله تعالى لا يحتاج إليه بل بذاته ينكشف الأشياء عليه، ولذلك قيل محصول كلامهم نفي الصّفات وإثبات نتائجها وغاياتها، وامّا المعتزلة فظاهر كلامهم أنّها عندهم من الاعتبارات العقليّة التي لا وجود لها في الخارج « انتهى ».

٢٣

(باب )

( الإرادة أنها من صفات الفعل وسائر صفات الفعل )

١ - محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعريّ، عن الحسين بن سعيد الأهوازيّ، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت لم يزل الله مريداً قال إنّ المريد لا يكون إلّا لمراد معه - لم يزل الله عالـماً قادراً ثمّ أراد.

________________________________________________________

باب الإرادة أنها من صفات الفعل وسائر صفات الفعل

الحديث الأول: صحيح، واعلم أنّ إرادة الله سبحانه عند متكلّمي الإماميّة هي العلم بالخير والنفع وما هو الأصلح ولا يثبتون فيه تعالى وراء العلم شيئاً، ولعلّ المراد بتلك الأخبار الدّالّة على حدوث الإرادة هو أنّه يكون في الإنسان قبل حدوث الفعل اعتقاد النفع فيه، ثمّ الرّؤية، ثمّ الهمّة، ثمّ انبعاث الشوق منه، ثمّ تأكّده حتّى يصير إجماعاً باعثاً على الفعل، وذلك كله فينا إرادة متوسطة بين ذاتنا وبين الفعل وليس فيه سبحانه بعد العلم القديم بالمصلحة من الأمور المقارنة سوى الأحداث والإيجاد فالإحداث في الوقت الذي تقتضي المصلحة صدور الفعل فيه قائم مقام ما يحدث من الأمور في غيره تعالى، فالمعنى أنّ ذاته تعالى بصفاته الكماليّة الذّاتيّة كافية في حدوث الحادث من غير حاجة إلى حدوث أمرّ في ذاته عند حدوث الفعل.

قولهعليه‌السلام : إلّا لمراد معه: قال بعض المحققّين أي لا يكون المريد بحال إلّا حال كون المراد معه، ولا يكون مفارقاً من المراد، وحاصله أنّ ذاته تعالى مناط لعلمه وقدرته، أي صحّة الصّدور واللأصدور بأن يريد فيفعل، وأن يريد فيترك، فهو بذاته مناط لصحة الإرادة وصحة عدمها، فلا يكون بذاته مناطاً للإرادة وعدمها، بل المناط فيها الذّات مع حال المراد، فالإرادة أي المخصّصة لأحد الطرّفين لم يكن من صفات الذّات فهو بذاته عالم قادر مناط لهما، وليس بذاته مريداً مناطاً لها، بل بمدخليّة مغاير متأخّر عن الذّات، وهذا معنى قوله: لم يزل عالـماً قادراً ثم أراد.

٢٤

٢ - محمّد بن أبي عبد الله، عن محمّد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن عليّ بن أسباط، عن الحسن بن الجهم، عن بكير بن أعين قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام علم الله ومشيئته هما مختلفان أو متّفقان فقال العلم ليس هو المشيئة إلّا ترى أنك تقول سأفعل كذا إن شاء الله ولا تقول سأفعل كذا إن علم الله فقولك إن شاء الله دليل على أنّه لم يشأ فإذا شاء كان الّذي شاء كما شاء وعلم الله السابق للمشيئة.

٣ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى قال قلت لأبي الحسنعليه‌السلام أخبرني عن الإرادة من الله ومن الخلق قال فقال الإرادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل وأمّا من الله تعالى فإرادته إحداثه

________________________________________________________

الحديث الثاني: ضعيف ولعلّ المراد المشيّة المتأخّرة عن العلم، الحادثة عند حدوث المعلوم، وقد عرفت أنه في الله تعالى ليس سوى الإيجاد، ومغايرته للعلم ظاهر، ويحتمل أن يكون المقصود بيان عدم اتّحاد مفهوميهما، إذ ليست الإرادة مطلق العلم، إذ العلم يتعلّق بكلّ شيء، بل هي العلم بكونه خيراً وصلاحاً ونافعاً ولا يتعلّق إلّا بما هو كذلك، وفرق آخر بينهما، وهو أنّ علمه تعالى بشيء لا يستدعي حصوله بخلاف علمه به على النحو الخاصّ، فالسّبق على هذا يكون محمولاً على السبق الذّاتي الذي يكون للعام على الخاص، والأوّل أظهر كما عرفت.

قولهعليه‌السلام وعلم الله السابق المشيّة(١) : بنصب المشية ليكون معمولا للسابق، أو بجرّها بإضافة السابق إليه، وربما يقرأ بالرفع ليكون خبراً، ويكون السابق صفة للعلم، ولا يخفى بعده، وفي التوحيد سابق للمشيّة.

الحديث الثالث: صحيح، قال بعض المحققّين في شرح هذا الخبر: الظّاهر أن المراد بالإرادة مخصّص أحد الطّرفين وما به يرجْح القادر أحد مقدورية على الآخر لا ما يطلق في مقابل الكراهة، كما يقال يريد الصّلاح والطّاعة، ويكره الفساد والمعصية.

وحاصل الجواب: أنّ الإرادة من الخلق الضمير، أي أمرّ يدخل في خواطرهم

__________________

(١) كذا في النسخ، ويظهر منها أنها موافقة لنسخة الشارح (ره) من كتاب الكافي ولكن في ما عندنا من النسخ « سابق للمشيئة » وكأنها غير محتاجة إلى الاحتمالات المذكورة في كلام الشارح (ره).

٢٥

لا غير ذلك لأنّه لا يروّي ولا يهمُّ ولا يتفكّر وهذه الصّفات منفيّة عنه وهي صفات الخلق فإرادة الله الفعل لا غير ذلك يقول له كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همّة ولا تفكّر ولا كيف لذلك كما أنّه لا كيف له.

________________________________________________________

وأذهانهم، ويوجد في نفوسهم ويحلّ فيها، بعد ما لم يكن فيها، وكانت هي خالية عنه، وقوله: وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل، يحتمل أن يكون جملة معطوفة على الجملة السابقة والظرف خبراً للموصول، ويحتمل أن يكون الموصول معطوفاً على قوله الضمير، ويكون قوله من الفعل بياناً للموصول، والمعنى على الأوّل أنّ الإرادة من الخلق الضمير والذي يكون لهم بعد ذلك من الفعل، لا من إرادتهم، وعلى الثاني أنّ إرادتهم مجموع ضمير يحصل في قلبهم وما يكون لهم من الفعل المترتّب عليه، فالمقصود هنا من الفعل ما يشمل الشوّق إلى المراد وما يتبعه من التحريك إليه والحركة، وأمّا الإرادة من الله فيستحيل أن يكون كذلك فإنّه يتعالى أن يقبل شيئاً زائدا على ذاته، بل إرادته المرجّحة للمراد من مراتب الأحداث لا غير ذلك، إذ ليس في الغائب إلّا ذاته الأحديّة، ولا يتصوّر هناك كثرة المعاني ولا له بعد ذاته وما لذاته بذاته إلّا ما ينسب إلى الفعل، فإرادة الله سبحانه من مراتب الفعل المنسوب إليه لا غير ذلك.

أقول: ويحتمل على الإحتمال الأوّل أن يكون المراد بالضمير تصوّراً لفعل وبما يبدو بعد ذلك اعتقاد النفع والشوق وغير ذلك، فقوله: من الفعل، أي من أسباب الفعل أو من جهة الفعل، وقولهعليه‌السلام : ولا كيف لذلك، أي لا صفة حقيقية لقوله ذلك وإرادته كما أنّه لا كيف لذاته، أو لا يعرف كيفية إرادته على الحقيقة، كما لا يعرف كيفية ذاته وصفاته بالكنه.

وقال الشيخ المفيد قدس الله روحه: إنّ الإرادة من الله جل اسمه نفس الفعل ومن الخلق الضّمير وأشباهه ممّا لا يجوز إلّا على ذوي الحاجة والنّقص، وذلك لأنّ العقول شاهدة بأنّ القصد لا يكون إلّا بقلب، كما لا تكون الشهوة والمحبة إلّا لذي

٢٦

٤ - عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمرّ بن أذينة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال خلق الله المشيئة بنفسها ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة.

________________________________________________________

قلب، ولا تصحّ النّية والضمير والعزم إلّا على ذي خاطر يضطرّ معها في الفعل الذي يغلب عليه إلى الإرادة له، والنيّة فيه والعزم، ولـمّا كان الله تعالى يجلّ عن الحاجات ويستحيل عليه الوصف بالجوارح والأدوات، ولا يجوز عليه الدّواعي والخطرات بطل أن يكون محتاجاً في الأفعال إلى القصود والعزمات، وثبت أنّ وصفه بالإرادة مخالف في معناه لوصف العباد، وأنها نفس فعله الأشياء، وبذلك جاء الخبر عن أئمّة الهدى ثمّ أورد هذه الرّواية، ثمّ قال: نصّ على اختياري في الإرادة، وفيه نصّ على مذهب لي آخر، وهو أن إرادة العبد تكون قبل فعله، وإلى هذا ذهب البلخي، والقول في تقدّم الإرادة للمراد كالقول في تقدّم القدرة للفعل، وقولهعليه‌السلام : إن الإرادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد الفعل، صريح في وجوب تقدّمها للفعل، إذا كان الفعل يبدو من العبد بعدها، ولو كان الأمرّ فيها على مذهب الجبائي لكان الفعل بادياً في حالها ولم يتأخر بدوّه إلى الحال التي هي بعد حالها.

الحديث الرابع: حسن ويحتمل وجوهاً من التأويل:

الأوّل: أن لا يكون المراد بالمشية الإرادة بل إحدى مراتب التقديرات التي اقتضت الحكمة جعلها من أسباب وجود الشيء كالتقدير في اللوح، مثلاً والإثبات فيه، فإنّ اللوح وما أثبت فيه لم يحصل بتقدير آخر في لوح سوى ذلك اللوح، وإنّما وجد سائر الأشياء بما قدّر في ذلك اللوح، وربما يلوح هذا المعنى من بعض الأخبار كما سيأتي في كتاب العدل، وعلى هذا المعنى يحتمل أن يكون الخلق بمعنى التقدير.

الثاني: أن يكون خلق المشية بنفسها كناية عن كونها لازمة لذاته تعالى غير متوقّفة على تعلّق إرادة أخرى بها، فيكون نسبة الخلق إليها مجازاً عن تحقّقها بنفسها منتزعة عن ذاته تعالى بلا توقّف على مشيّة أخرى أو أنّه كناية عن أنّه اقتضى علمه الكامل، وحكمته الشاملة كون جميع الأشياء حاصلة بالعلم بالأصلح، فالمعنى أنّه

٢٧

________________________________________________________

لـمّا اقتضى كمال ذاته أن لا يصدر عنه شيء إلّا على الوجه الأصلح والأكمل، فلذا لا يصدر شيء عنه تعالى إلّا بإرادته المقتضية لذلك.

الثالث: ما ذكره السيّد الدّاماد قدّس الله روحه: أنّ المراد بالمشيّة هنا مشيّة العباد لأفعالهم الاختياريّة لتقدّسه سبحانه عن مشيّة مخلوقة زائدة على ذاته عزّ وجلّ وبالأشياء أفاعيلهم المترتب وجودها على تلك المشيّة، وبذلك تنحلّ شبهة ربّما أوردت هاهنا وهي أنّه لو كانت أفعال العباد مسبوقة بإرادتهم لكانت الإرادة مسبوقة بإرادة أخرى، وتسلسلت الإرادات لا إلى نهاية.

الرابع: ما ذكره بعض الأفاضل وهو أنّ للمشية معنيين « أحدهما » متعلّق بالشّائي وهي صفة كماليّة قديمة هي نفس ذاته سبحانه وهي كون ذاته سبحانه بحيث يختار ما هو الخير والصّلاح.

« والآخر » يتعلّق بالمشيء وهو حادث بحدوث المخلوقات لا يتخلّف المخلوقات عنه وهو إيجاده سبحانه إيّاها بحسب اختياره، وليست صفة زائدة على ذاته عزّ وجل وعلى المخلوقات، بل هي نسبة بينهما تحدث بحدوث المخلوقات لفرعيّتها المنتسبين معاً فنقول: إنّه لـمّا كان هيهنا مظنّة شبهة هي أنّه إن كان الله عزّ وجلّ خلق الأشياء بالمشيّة فبم خلق المشيّة؟ أبمشيّة أخرى فيلزم أن تكون قبل كلّ مشيّة مشيّة إلى ما لا نهاية له، فأفاد الإمامعليه‌السلام أن الأشياء مخلوقة بالمشيّة، وأما المشيّة نفسها فلا يحتاج خلقها إلى مشيّة أخرى، بل هي مخلوقة بنفسها لأنّها نسبة وإضافة بين الشائي والمشي تتحصّل بوجوديهما العينيّ والعلميّ، ولذا أضاف خلقها إلى الله سبحانه لأن ّكلا الوجودين له وفيه ومنه، وفي قولهعليه‌السلام بنفسها دون أن يقول بنفسه إشارة لطيفة إلى ذلك، نظير ذلك ما يقال: إنّ الأشياء إنّما توجد بالوجود، فأماّ الوجود نفسه فلا يفتقر إلى وجود آخر، بل إّنما يوجد بنفسه.

الخامس: ما ذكره بعض المحققّين بعد ما حقق أنّ إرادة الله [ المتحقّقة ]

٢٨

٥ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقيّ، عن محمّد بن عيسى، عن المشرقي حمزة بن المرتفع، عن بعض أصحابنا قال كنت في مجلس أبي جعفرعليه‌السلام إذ دخل عليه عمرو بن عبيد فقال له جعلت فداك قول الله تبارك وتعالى «وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى »(١) ما ذلك الغضب فقال أبو جعفرعليه‌السلام هو العقاب يا عمرو إنّه من زعم أنّ الله قد زال من شيء إلى شيء فقد وصفه صفة مخلوق وإنّ الله تعالى لا يستفزّه شيء فيغيّره.

________________________________________________________

المتجدّدة هي نفس أفعاله المتجدّدة الكائنة الفاسدة، فإرادته لكلّ حادث بالمعنى الإضافي يرجع إلى إيجاده، وبمعنى المراديّة ترجع إلى وجوده، قال: نحن إذا فعلنا شيئاً بقدرتنا واختيارنا فأردناه أوّلاً ثمّ فعلناه بسبب الإرادة، فالإرادة نشأت من أنفسنا بذاتها لا بإرادة أخرى، وإلّا لتسلسل الأمرّ لا إلى نهاية، فالإرادة مرادة لذاتها، والفعل مراد بالإرادة، وكذا الشهوة في الحيوان مشتهاة لذاتها، لذيذة بنفسها، وسائر الأشياء مرغوبة بالشهوة، فعلى هذا المثال حال مشيّة الله المخلوقة، وهي نفس وجودات الأشياء، فإنّ الوجود خير ومؤثّر لذاته، ومجعول بنفسه، والأشياء بالوجود موجودة، والوجود مشئيىّ بالذات والأشياء مشيّئة بالوجود وكما أنّ الوجود حقيقة واحدة متفاوتة بالشدّة والضعف والكمال والنّقص، فكذا الخيريّة والمشيئيّة، وليس الخير المحض الذي لا يشوبه شرّ إلّا الوجود البحث الذي لا يمازجه عدم ونقص، وهو ذات الباري جلّ مجده، فهو المراد الحقيقي. إلى آخر ما حقّقه، والأوفق بأصولنا هو الوجه الأول، والله يعلم.

الحديث الخامس: ضعيف.

قولهعليه‌السلام : هو العقاب، أي ليس فيه سبحانه قوة تغيّر عن حالة إلى حالة تكون إحداهما رضاه والأخرى غضبه، إنّما أطلق عليه الغضب باعتبار صدور العقاب عنه، فليس التغيّر إلّا في فعله صفة مخلوق من إضافة المصدر إلى المفعول « لا يستفزّه » أي لا يستخفه ولا يزعجه، وقيل: أي لا يجده خالياً عمّا يكون قابلا له فيغيّره للحصول له تغيّر الصفة لموصوفها.

__________________

(١) سورة طه: ٨٤.

٢٩

٦ - عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن العبّاس بن عمرو، عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الّذي سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام فكان من سؤاله أن قال له فله رضا وسخط فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام نعم ولكن ليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين وذلك أنّ الرضا حال تدخل عليه فتنقله من حال إلى حال لأنّ المخلوق أجوفٌ معتمل مركّب للأشياء فيه مدخلُ وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه لأنّه واحدّ واحديُّ الذّات واحديُّ المعنى فرضاه ثوابه وسخطه عقابه من غير شيء يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال لأنّ ذلك من صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين.

________________________________________________________

الحديث السادس: مجهول.

قوله: وذلك أنّ الرّضا حال في التّوحيد وذلك لأن الرّضا والغضب دخال، والحاصل أنّ عروض تلك الأحوال والتغيّرات إنّما يكون لمخلوق أجوف له قابليّة ما يحصل فيه ويدخله « معتمل » بالكسر أي يعمل بأعمال صفاته وآلاته، أو بالفتح أي مصنوع ركّب فيه الأجزاء والقوي، والأوّل أولى، ليكون تأسيساً مركّب من أمور مختلفة للأشياء من الصّفات والجهات والآلات فيه مدخل، وخالقنا تبارك اسمه لا مدخل للأشياء فيه لاستحالة التركّب في ذاته فإنه واحدي الذّات واحدي المعنى فأذن لا كثرة فيه لا في ذاته ولا في صفاته الحقيقية، وإنّما الاختلاف في الفعل فيثيب عند الرّضا ويعاقب عند السّخط من غير مداخلة شيء فيه، يهيجّه وينقله من حال إلى حال، لأن ذلك ينافي وجوب الوجود، فلا يكون من صفاته سبحانه، بل من صفات المخلوقين العاجزين، قال السيّد الدّامادقدس‌سره : المخلوق أجوف لـمّا قد برهن واستبان في حكمة ما فوق الطبيّعة أنّ كلّ ممكن زوج تركيبيّ، وكلّ مركّب مزوّج الحقيقيّة فإنه أجوف الذّات لا محالة، فما لا جوف لذاته على الحقيقة هو الأحدّ الحقّ سبحانه لا غير، فإذا الصمّد الحقّ ليس هو إلّا الذّات الأحديّة الحقة من كلّ جهة، فقد تصحّح من هذا الحديث الشريف تأويل الصمّد بما لا جوف له، ولا مدخل لمفهوم من المفهومات وشيء من الأشياءِ في ذاته أصلاً.

٣٠

٧ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينة، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال المشيئة محدثة.

( جملة القول في صفات الذات وصفات الفعل )

إنّ كلّ شيئين وصفت الله بهما وكانا جميعاً في الوجود فذلك صفة فعل وتفسير هذه الجملة أنّك تثبت في الوجود ما يريد وما لا يريد وما يرضاه وما يسخطه وما يحبُّ وما يبغض فلو كانت الإرادة من صفات الذّات مثل العلم والقدرة كان ما لا يريد ناقضا لتلك الصفة ولو كان ما يحبُّ من صفات الذّات كان ما يبغض ناقضاً لتلك الصفة إلّا ترى أنّا لا نجد في الوجود ما لا يعلم وما لا يقدر عليه وكذلك صفات ذاته الأزليّ لسنا نصفه بقدرة وعجز [ وعلم وجهل وسفه وحكمة وخطاء وعزّ] وذلّة ويجوز أن يقال يحبُّ من أطاعه ويبغض من عصاه ويوالي من أطاعه ويعادي من عصاه وإنّه

________________________________________________________

الحديث السابع: صحيح.

قوله: جملة القول هذا التحقيق للمصنّف (ره) وليس من تتمة الخبر وغرضه الفرق بين صفات الذّات وصفات الفعل، وأبان ذلك بوجوه:

الأوّل: أنّ كلّ صفة وجوديّة لها مقابل وجوديّ فهي من صفات الأفعال لا من صفات الذّات، لأنّ صفاته الذاتيّة كلّها عين ذاته، وذاته ممّا لا ضدّ له، ثمّ بيّن ذلك في ضمن الأمثلة وأنّ اتّصافه سبحانه بصفتين متقابلتين ذاتيّتين محال.

والثاني: ما أشار إليه بقوله: ولا يجوز أن يقال يقدر أن يعلم.

والحاصل: أنّ القدرة صفة ذاتيّة تتعلق بالممكنات لا غير، فلا تتعلق بالواجب ولا بالممتنع، فكلّ ما هو صفة الذّات فهو أزليّ غير مقدور، وكلّما هو صفة الفعل فهو ممكن مقدور، وبهذا يعرف الفرق بين الصّفتين، وقوله: ولا يقدر أنّ لا يعلم، الظاهر أنّ لا لتأكيد النفي السابق، أي لا يجوز أنّ يقال يقدر أنّ لا يعلم، ويمكن أنّ يكون من مقول القول الّذي لا يجوز، وتوجيهه: أنّ القدرة لا ينسب إلّا إلى الفعل نفياً أو إثباتاً، فيقال: يقدر أنّ يفعل أو يقدر أنّ لا يفعل، ولا ينسب إلى ما لا

٣١

يرضى ويسخط ويقال في الدُّعاء الّلهمَّ ارض عنّي ولا تسخط عليّ وتولني ولا تعادني ولا يجوز أنّ يقال يقدر أنّ يعلم ولا يقدر أنّ لا يعلم ويقدر أنّ يملك ولا يقدر أنّ لا يملك ويقدر أنّ يكون عزيزا حكيما ولا يقدر أنّ لا يكون عزيزاً حكيماً ويقدر أنّ يكون جواداً ولا يقدر أنّ لا يكون جواداً ويقدر أنّ يكون غفوراً ولا يقدر أنّ لا يكون غفوراً ولا يجوز أيضاً أنّ يقال أراد أنّ يكون ربّاً وقديما وعزيزاً وحكيماً

________________________________________________________

يعتبر الفعل فيه لا إثباتاً ولا نفياً، فما يكون من صفات الذّات التي لا شائبة للفعل فيها كالعلم والقدرة وغيرهما، لا يجوز أنّ ينسب إليها القدرة، فأنّ القدرة إنمّا يصحّ استعمالها مع الفعل والترّك، فلا يقال يقدر أنّ يعلم ولا يقال ولا يقدر أنّ لا يعلم، لأنّ العلم لا شائبة فيه من الفعل.

أقول: ويحتمل أنّ يكون الواو للحال، والحاصل: أنّ من لا يقدر أنّ لا يعلم كيف يصحّ أنّ يقال له يقدر أنّ يعلم، إذ نسبة القدرة إلى طرفي الممكن على السواء وأما الجود والغفران فيحتمل أنّ يكونا على سياق ما تقدّم بأنّ يكون المراد بالجواد ذات يليق به الجود، وبالغفور من هو في ذاته بحيث يتجاوز عن المؤاخذة لمن يشاء، فمرجعه إلى خيريّته وكماله وقدرته، لا فعل الجود والمغفرة حتّى يكونا من صفات الفعل، ويحتمل أنّ يكونا مقطوعين عن السابّق، لبيان كون الجود وفعل المغفرة مقدورين.

الثالث: ما أشار إليه بقوله: ولا يجوز أنّ يقال أراد أن يكون ربّاً.

والحاصل: أنّ الإرادة لـمّا كانت فرع القدرة فما لا يكون مقدوراً لا يكون مرادا، وقد علمت أنّ الصّفات الذاتيّة غير مقدورة فهي غير مرادة أيضا، ولكونها غير مرادة وجه آخر وهو قوله: لأنّ هذه من صفات الذّات « إلخ » ومعناه أنّ الإرادة لكونها من صفات الفعل فهي حادثة، وهذه الصّفات يعنّي الربوبية والقدم وأمثالهما لكونها من صفات الذّات فهي قديمة، ولا يؤثر الحادث في القديم فلا تعلق للإرادة بشيء منها، وقوله: إلّا ترى توضيح لكون الإرادة لا تتعلق بالقديم بأنّ إرادة شيء

٣٢

ومالكاً وعالـماً وقادراً لأنّ هذه من صفات الذّات والإرادة من صفات الفعل إلّا ترى أنه يقال أراد هذا ولم يرد هذا وصفات الذّات تنفي عنه بكلّ صفة منها ضدّها يقال حيٌّ وعالمٌ وسميعٌ وبصيرٌ وعزيزٌ وحكيمٌ غنيُّ ملكٌ حليم عدل كريم فالعلم ضدُّه الجهل والقدرة ضدُّها العجز والحياة ضدّها الموت والعزَّة ضدُّها الذلّة والحكمة ضدُّها الخطأ وضدُّ الحلم العجلة والجهل وضدّ العدل الجور والظلم.

باب حدوث الأسماء

١ - عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حماد، عن الحسين بن يزيد، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ الله تبارك

________________________________________________________

مع كراهة ضده والقديم لا ضدّ له كما قيل، أو المعنى أنّ القديم واجب الوجود والإرادة متعلقة الحادث الممكن، ثمّ رجع إلى أول الكلام لمزيد الإيضاح فقال: وصفات الذّات إلى آخره.

باب حدوث الأسماء

الحديث الأوّل: مجهول وهو من متشابهات الأخبار وغوامض الأسرار التي لا يعلم تأويلها إلّا الله والراسخون في العلم، والسكوت عن تفسيره والإقرار بالعجز عن فهمه أصوب وأولى وأحوط وأحرى، ولنذكر وجهاً تبعاً لمن تكلم فيه على سبيل الاحتمال.

فنقول: « أسماء » في بعض النسخ بصيغة الجمع، وفي بعضها بصيغة المفرد والأخير أظهر، والأوّل لعله مبني على أّنه مجزّى بأربعة أجزاء، كلّ منها اسم، فلذا أطلق عليه صيغة الجمع.

وقوله « بالحروف غير متصوّت » وفي أكثر نسخ التّوحيد غير منعوت وكذا ما بعده من الفقرات تحتمل كونها حالا عن فاعل خلق، وعن قوله أسماء، ويؤيد الأوّل ما في أكثر نسخ التّوحيد خلق أسماء بالحروف، وهو عزّ وجلّ بالحروف غير منعوت

٣٣

وتعالى خلق اسماً بالحروف غير متصوّت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسَّد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ منفيُّ عنه الأقطار مبعّد عنه الحدود محجوب عنه حسُّ كلّ متوهّم مستتر غير مستور فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معاً ليس منها واحدّ قبل الآخر فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها وحجب منها واحداً وهو الاسم المكنون المخزون فهذه الأسماء التي ظهرت فالظاهر هو

________________________________________________________

فيكون المقصود بيأنّ المغايرة بين الاسم والمسمّى بعدم جريان صفات الاسم بحسب ظهوراته النّطقيّة والكتبيّة فيه تعالى، وأمّا على الثاني فلعله إشارة إلى حصوله في علمه تعالى فيكون الخلق بمعنى التقدير والعلم، وهذا الاسم عند حصوله في العلم الأقدس، لم يكن ذات صوت ولا ذات صورة ولا ذا شكلّ ولا ذا صبغ، ويحتمل أنّ يكون إشارة إلى أنّ أول خلقه كأنّ بالإضافة على روح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأرواح الأئمةعليهم‌السلام بغير نطق وصبغ ولون وخط بقلم، ولنرجع إلى تفصيل كلّ من الفقرات وتوضيحها، فعلى الأوّل قوله غير متصوّت إما على البناء للفاعل، أي لم يكن خلقها بإيجاد حرف وصوت، أو على البناء للمفعول أي هو تعالى ليس من قبيل الأصوات والحروف، حتّى يصلح كون الاسم عينه تعالى.

وقولهعليه‌السلام : وباللفظ غير منطق بفتح الطاء أي ناطق، أو أنه غير منطوق باللفظ كالحروف ليكون من جنسها، أو بالكسر أي لم يجعل الحروف ناطقة على الإسناد المجازي كقوله تعالى «هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالحقّ »(١) وهذا التوجيه يجري في الثاني من احتمالي الفتح وتطبيق تلك الفقرات على الاحتمال الثاني، وهو كونها حإلّا عن الاسم بعد ما ذكرنا ظاهر، وكذا تطبيق الفقرات الآتية على الاحتمالين.

قولهعليه‌السلام : مستتر غير مستور، أي كنه حقيقته مستور عن الخلق مع أنه من حيث الآثار أظهر من كلّ شيء، أو مستتر بكمال ذاته من غير ستر وحاجب أو أنه غير مستور [ عن الخلق ] بل هو في غاية الظهور، والنّقص إنما هو من قبلنا، ويجري

__________________

(١) سورة المجادلة: ٢٩.

٣٤

الله تبارك وتعالى وسخّر سبحانه لكلّ اسم من هذه الأسماء أربعة أركأنّ فذلك اثنا عشر ركنا ثمّ خلق لكلّ ركن منها ثلاثين اسماً فعلاً منسوباً إليهافهو الرَّحمن

________________________________________________________

نظير الاحتمالات في الثاني، ويحتمل على الثاني أنّ يكون المراد أنّه مستور عن الخلق غير مستور عنه تعالى، وأمّا تفصيل الأجزاء وتشعّب الأسماء فيمكن أنّ يقال إنّه لـمّا كان كنه ذاته تعالى مستوراً عن عقول جميع الخلق فالاسم الدالّ عليه ينبغي أنّ يكون مستوراً عنهم، فالاسم الجامع هو الاسم الّذي يدل على كنه الذّات مع جميع الصّفات الكمالية، ولـمّا كانت أسماؤه تعالى ترجع إلى أربعة لأنها إما أنّ تدل على الذّات أو الصّفات الثبوتية الكماليّة أو السلبيّة التنزيهيّة أو صفات الأفعال، فجرى ذلك الاسم الجامع إلى أربعة أسماء جامعة، واحدّ منها للذات فقط، فلـمّا ذكرنا سابقاً استبدّ تعالى به ولم يعطه خلقه وثلاثة منها تتعلق بالأنواع الثلاثة من الصّفات فأعطاها خلقه ليعرفوه بها بوجه من الوجوه، فهذه الثلاثة حجب ووسائط بين الخلق وبين هذا الاسم المكنون، إذ بها يتوسّلون إلى الذّات وإلى الاسم المختصّ بها إذ في التّوحيد « بهذه الأسماء » وهو أظهر، ولـمّا كانت تلك الأسماء الأربعة مطوية في الاسم الجامع على الإجمال لم يكن بينها تقدّم وتأخر، ولذا قال: ليس منها واحدّ قبل الآخر، ويمكن أنّ يقال على بعض المحتملات السابقة: أنه لـمّا كان تحققها في العلم الأقدس، لم يكن بينها تقدّم وتأخّر، أو يقال أنّ إيجادها لـمّا كان بالإفاضة على الأرواح المقدّسة ولم يكن بالتكلم لم يكن بينها وبين أجزائها تقدّم وتأخّر في الوجود، كما يكون في تكلّم الخلق، والأوّل أظهر ثمّ بيّن الأسماء الثلاثة.

وهنا اختلاف بين نسخ الكافي والتوحيد، ففي أكثر نسخ الكافي فالظاهر هو الله تبارك وتعالى، وسخّر لكلّ اسم، فعلى ما في الكافي يحتمل أنّ يكون فالظاهر هو الله وتبارك وسبحانه لكلّ اسم، فعليما في الكافي يحتمل أنّ يكون المعنى أنّ الظّاهر بهذه الأسماء هو الله تعالى وهذه الأسماء إنّما جعلها ليظهر بها على

٣٥

الرحيم الملك القدُّوس الخالق البارئ المصوّر الحيٌّ القيُّوم لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ العليم الخبير السميع البصير الحكيم العزيز الجبّار المتكبّر العليّ العظيم المقتدر القادر «السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ » البارئ المنشئ

________________________________________________________

الخلق، فالمظهر هو الاسم، والظّاهر به هو الربّ سبحانه.

ويحتمل أن يكون بياناً للأسماء الثّلاثة، ويؤيّده نسخة الواو، وما في التوحيد فأوّلها « الله » وهو الدالّ على النّوع الأوّل لكونه موضوعاً للذّات مستجمعاً للصّفات الذاتيّة الكمالية، والثاني « تبارك » لأنّه من البركة والنموّ وهو إشارة إلى أنّه معدن الفيوض ومنبع الخيرات التي لا تتناهى، وهو رئيس جميع الصّفات الفعلية من الخالقية والرازقية والمنعمية وسائر ما هو منسوب إلى الفعل، كما أنّ الأوّل رئيس الصّفات الوجوديّة من العلم والقدرة وغيرهما، ولـمّا كان المراد بالاسم كلّ ما يدلّ على ذاته وصفاته تعالى أعم من أنّ يكون اسماً أو فعلاً أو جملة لا محذور في عدّ « تبارك » من الأسماء.

والثالث هو « سبحان » الدال على تنزيهه تعالى عن جميع النقائص، فيندرج فيه ويتبعه جميع الصّفات السلبيّة والتنزيهيّة، هدا على نسخة التوحيد، وعلى ما في الكافي الاسم الثالث « تعالى » لدلالته على تعاليه سبحانه عن مشابهة الممكنات وما يوجب نقصا أو عجزا، فيدخل فيه جميع صفات التنزيهية، ثمّ لـمّا كان لكلّ من تلك الأسماء الثلاثة الجامعة شعب أربع ترجع إليها، جعل لكلّ منها أربعة أركان، هي بمنزلة دعائمه، فأما « الله » فلدلالته على الصّفات الكماليّة الوجوديّة له أربع دعائم هي وجوب الوجود المعّبر عنه بالصمديّة والقيوميّة، والعلم والقدرة والحياة، أو مكان الحياة اللطف، أو الرحمة أو العزة، وإنّما جعلت هذه الأربعة أركاناً لأنّ سائر الصّفات الكماليّة إنما يرجع إليها كالسميع والبصير والخبير مثلا، فإنها راجعة إلى العلم، والعلم يشملها وهكذا، وأمّا « تبارك » فله أركان أربعة: هي الإيجاد، والتربية في الدّارين، والهداية في الدنيا، والمجازاة في الآخرة، أي الموجد أو الخالق

٣٦

البديع الرَّفيع الجليل الكريم الرازق المحيي المميت الباعث الوارث فهذه الأسماء وما كان من الأسماء الحسنى حتّى تتم ثلاث مائة وستين اسماً فهي

________________________________________________________

والربّ والهادي والديّان، ويمكن إدخال الهداية في التربية وجعل المجازاة ركنين الإثابة والانتقام، ولكلّ منها شعب من أسماء الله الحسنى كما لا يخفى بعد التأمّل والتتبع.

وأمّا « سبحان » أو « تعالى » فلكلّ منهما أربعة أركان لأنّه إمّا تنزيه الذات عن مشابهة الممكنات، أو تنزيهه عن إدراك الحواسّ والأوهام والعقول، أو تنزيه صفاته عمّا يوجب النقص، أو تنزيه أفعاله عمّا يوجب الظلم والعجز والنّقص، ويحتمل وجهاً آخر وهو تنزيهه عن الشّريك والأضداد والأنداد، وتنزيهه عن المشاكلة والمشابهة، وتنزيهه عن إدراك العقول والأوهام، وتنزيهه عمّا يوجب النقص والعجز من التركّب والصاحبة والولد، والتغيّرات والعوارض والظلم والجور والجهل وغير ذلك، وظاهر أنّ لكلّ منها شعبا كثيرة، فجعلعليه‌السلام شعب كلّ منها ثلاثين وذكر بعض أسمائه الحسنى على التّمثيل وأجمل الباقي.

ويحتمل على ما في الكافي على الاحتمال الأوّل أنّ تكون الأسماء الثلاثة ما يدل على وجوب الوجود والعلم والقدرة، والاثنا عشر ما يدل على الصّفات الكماليّة والتنزيهيّة التي تتبع تلك الصّفات، والمراد بالثلاثين صفات الأفعال التي هي آثار تلك الصّفات الكماليّة، ويؤيّده قوله: فعلاً منسوباً إليها، وعلى الأوّل يكون المعنى أنها من توابع تلك الصّفات، فكأنّها من فعلها.

هذا ما خطر ببالي في حلّ هذا الخبر، وإنّما أوردته على سبيل الاحتمال من غير تعيين لمراد المعصومعليه‌السلام ، ولعله أظهر الاحتمالات التي أوردها أقوام على وفق مذاهبهم المختلفة، وطرائقهم المتشتّتة.

وإنّما هداني إلى ذلك ما أورده ذريعتي إلى الدرجات العلى، ووسيلتي إلى مسالك الهدى بعد أئمة الورىعليهم‌السلام أعنّي والدي العلامة قدّس الله روحه في

٣٧

نسبة لهذه الأسماء الثلاثة وهذه الأسماء الثلاثة أركان وحجب الاسم الواحدّ المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة.

________________________________________________________

شرح هذا الخبر على ما في الكافي حيث قال:

الّذي يخطر بالبال في تفسير هذا الخبر على الإجمال، هو أنّ الاسم الأوّل كان اسما جامعاً للدلالة على الذّات والصّفات، ولـمّا كان معرفة الذات محجوبة عن غيره تعالى، جزء ذلك الاسم على أربعة أجزاء، وجعل الاسم الدّال على الذّات محجوبا عن الخلق، وهو الاسم الأعظم باعتبار، والدّال على المجموع اسم أعظم باعتبار آخر، ويشبه أنّ يكون الجامع هو الله والدّال على الذّات فقط هو، وتكون المحجوبية باعتبار عدم التعيين كما قيل: أنّ الاسم الأعظم داخل في جملة الأسماء المعروفة ولكنها غير معينة لنا، ويمكن أنّ يكونا غيرهما والأسماء التي أظهرها الله للخلق على ثلاثة أقسام، منها ما يدّل على التقديس مثل العليّ العظيم العزيز الجبّار المتكبر، ومنها ما يدّل على علمه تعالى، ومنها ما يدّل على قدرته تعالى، وانقسام كلّ واحدّ منها إلى أربعة أقسام بأنّ يكون التنزيه إما مطلقاً أو للذّات أو للصّفات أو الأفعال، ويكون ما يدّل على العلم إما لمطلق العلم أو للعلم بالجزئيات كالسميع والبصير أو الظاهر أو الباطن، وما يدّل على القدرة إما للرحمة الظاهرة أو الباطنة أو الغضب ظاهراً أو باطناً، أو ما يقرب من ذلك التقسيم، والأسماء المفردة على ما ورد في القران والأخبار يقرب من ثلاثمائة وستّين اسماً ذكرها الكفعمي في مصباحه، فعليك بجمعها والتدبر في ربط كلّ منها بركن من تلك الأركان. « انتهى كلامه رفع الله مقامه ».

أقول: وبعض الناظرين في هذا الخبر جعل الاثني عشر كناية عن البروج الفلكية والثلاثمائة وستين عن درجاتها، ولعمري لقد تكلف بأبعد ممّا بين السماء والأرض، ومنهم من جعل الاسم كناية عن مخلوقاته تعالى، والاسم الأوّل الجامع عن أول مخلوقاته، وبزعم القائل هو العقل، وجعل ما بعد ذلك كناية عن كيفيّة تشعْب

٣٨

وذلك قوله تعالى: «قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى »(١)

٢ - أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبد الله، عن محمّد بن عبد الله وموسى بن عمرّ والحسن بن عليّ بن عثمان، عن ابن سنان قال سألت أبا الحسن الرّضاعليه‌السلام هل كان الله عزّ وجلّ عارفا بنفسه قبل أنّ يخلق الخلق قال نعم قلت يراها ويسمعها قال ما كان محتاجاً إلى ذلك لأنه لم يكن يسألها ولا يطلب منها هو نفسه ونفسه هو قدرته نافذة فليس يحتاج أنّ يسمّي نفسه ولكنه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها لأنه إذا لم يدع باسمه لم يعرف فأوّل ما اختار لنفسه:

________________________________________________________

المخلوقات، وتعدّد العوالم، وكفى ما أومأنا إليه للاستغراب، وذكرها بطولها يوجب الإطناب.

قوله: وذلك قوله عزّ وجل، استشهاد لأنّ له تعالى أسماء حسنى، وأنه إنما وضعها ليدعوه الخلق بها، فقال تعالى: قل ادعوه تعالى بالله أو بالرحمن أو بغيرهما فالمقصود واحد، وهو الرب، وله أسماء حسنى كلّ منها يدّل على صفة من صفاته المقدّسة فأيّاً ما تدعو فهو حسن، قيل: نزلت الآية حين سمع المشركون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يا الله، يا رحمن، فقالوا: إنّه ينهانا أنّ نعبد إلهين وهو يدعو إلهاً آخر؟ وقالت اليهود: إنّك لتقلّ ذكر الرحمن وقد أكثره الله في التوراة، فنزلت الآية ردا لـمّا توهموا من التعدد، أو عدم الإتيأنّ بذكر الرحمن.

الحديث الثاني: ضعيف على المشهور.

قوله: ويسمعها، على بناء المجرد أي بأنّ يذكر اسم نفسه ويسمعه، أو على بناء الأفعال لأنّ المخلوق يعرفه تعالى بأسمائه ويدعوه بها، فزعم أنّ الخالق أيضاً كذلك لأنه أعلى الأشياء، أي إنما سمي بالعليّ لأنه أعلى الأشياء ذاتا، وبالعظيم لأنه أعظمها صفاتاً، فهذان اسمان جامعان يدلان على تنزهه تعالى عن مناسبة المخلوقات ومشابهتها بالذّات والصّفات، فمعناه « الله » أي مدلول هذا اللفظ، ويدّل على أنه أخصّ الأسماء بالذّات المقدّس، بل على أنّه اسم بإزاء الذّات لا باعتبار صفة من

__________________

(١) سورة الإسراء: ١١٠.

٣٩

الْعليّ العظيم لأنّه أعلى الأشياء كلّها فمعناه الله واسمه العليُّ العظيم هو أوّل أسمائه علا على كلّ شيء

٣ - وبهذا الإسناد، عن محمّد بن سنان قال سألته عن الاسم ما هو قال صفة لموصوف.

٤ - محمّد بن أبي عبد الله، عن محمّد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن بكر بن صالح، عن عليّ بن صالح، عن الحسن بن محمّد بن خالد بن يزيد، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال اسم الله غيره وكلّ شيء وقع عليه اسم شيء فهو مخلوق ما خلا الله فأمّا ما عبّرته الألسن أو عملت الأيدي فهو مخلوق والله غاية من غاياته

________________________________________________________

الصّفات « علا على كلّ شيء » أي علا الاسم على كلّ الأسماء الدّالة على الصّفات، أو هو تفسير للاسم تأكيداً لـمّا سبق.

الحديث الثالث: ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : صفة لموصوف، أي سمة وعلامة تدل على ذات فهو غير الذّات، أو المعنى أنّ أسماء الله تعالى تدل على صفات تصدق عليه، أو المراد بالاسم هنا ما أشرنا إليه سابقاً، أي المفهوم الكليّ الّذي هو موضوع اللّفظ.

الحديث الرابع: ضعيف.

قولهعليه‌السلام : اسم شيء، أي لفظ الشيء أو هذا المفهوم المركّب والأوّل أظهر، ثمّ بين المغايرة بأنّ اللفظ الّذي يعبّر به الألسن والخطّ الّذي تعمله الأيدي فظاهر أنه مخلوق.

قوله: والله غاية من غاياه(١) ، اعلم أنّ الغاية تطلق على المدى والنهاية، وعلى امتداد المسافة وعلى الغرض والمقصود من الشيء، وعلى الرّاية والعلامة، وهذه العبارة تحتمل وجوهاً:

__________________

(١) وفي الأصل كما ترى « من غاياته » وتوافقت النسخ التي عندنا عليه، وأشار إليه الشارح (ره) أيضاً في الاحتمال الثالث.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462