• البداية
  • السابق
  • 342 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 12177 / تحميل: 5862
الحجم الحجم الحجم
ايضاح ترددات الشرائع

ايضاح ترددات الشرائع الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الثالث : عبادة قابلة للنيابة في الدفع اجماعا ، فأجزأه نيابة الامام في النية ، كاجزائه في الدفع ، كما في الحج.

فرع :

لو أخذ الزكاة الجائز ، ففي الاجزاء قولان.

قالرحمه‌الله : لا تجب الفطرة على الفقير ، وهو من لا يملك أحد النصب الزكاتية. وقيل : من تحل له الزكاة. وضابطه : أن لا يملك قوت سنته له ولعياله ، وهو الاشبه.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية(١) والمبسوط(٢) الى الاول ، وهو قول السيد المرتضى ، واختاره ابن البراج. وقال في الخلاف : تجب زكاة الفطرة على من ملك نصابا زكاتيا أو قيمته(٣) .

وقال شيخنا المفيد قدس الله روحه : يشترط في وجوبها وجود الطول لها. ثم قال بعد : تجب على من عنده قوت السنة. وهو الحق ، واختاره في المعتبر(٤) .

لنا ـ ان وجود الكفاية يمنع من أخذها ، فتجب عليه. أما المقدمة الاولى ، فقد تقدم بيانها. وأما الثانية ، فلقول الصادقعليه‌السلام : من حلت له لا تحل عليه ، ومن حلت عليه لا تحل له(٥) .

احتجوا بأصالة البراءة. وهو ضعيف ، لما مر من الادلة.

قالرحمه‌الله : الزوجة والمملوك تجب الزكاة عنهما ، وان لم يكونا في

__________________

(١) النهاية ص ١٨٩.

(٢) المبسوط ١ / ٢٣٩.

(٣) الخلاف ١ / ٣٦٨ مسألة ٢٨.

(٤) المعتبر ٢ / ٥٩٣.

(٥) تهذيب الاحكام ٤ / ٧٣ ، ح ١١.

٨١

عياله ، اذا لم يعلهما غيره. وقيل : لا تجب الا مع العيلولة ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : هل الفطرة تابعة للعيلولة أو الملك والتزوج؟ فيه احتمال فان جعلناها تابعة للعيلولة ، لم تجب الاخراج هنا ، لاستحالة وجود التابع من حيث أنه تابع بدون المتبوع وان جعلناها تابعة للملك ، أو العقد الدائم مع الدخول ، وجبت.

ولعل الثاني أقرب ، لان السيد والزوج وان لم يعلهما حقيقة ، فهو عائل لهما حكما ، لان ما بيد العبد للمولى ، ونفقة الزوجة لازمة للزوج اجماعا ، فتجب عليه قضاؤها.

قالرحمه‌الله : اذا أوصى له بعبد ، ثم مات الموصي ، فان قبل الوصية قبل الهلال ، وجبت عليه. وان قبل بعده سقطت. وقيل : تجب على الورثة. وفيه تردد.

أقول : ذهب الشيخ في المبسوط(١) والخلاف(٢) الى أنه لا زكاة على الموصى له اذا قبل بعد الهلال ، ولا على الوارث ، أعني : وارث الموصي. وذهب بعض علمائنا الى وجوبها على الوارث هنا.

وهذه المسألة تبنى على أن قبول الموصى له هل هو كاشف أو ناقل ، فان قلنا بالاولى وجبت عليه. وان قلنا بالثاني ، وجبت على الوارث ، وسيأتي تحقيقه.

فرع :

وكذا البحث لو مات الموصى له أيضا قبل الهلال ، ثم قبل ورثته الوصية بعد الهلال ، سواء كان موته قبل موت الموصي على الاصح ، أو بعده.

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٤٠.

(٢) الخلاف ١ / ٣٦٧ مسألة ٢٥.

٨٢

قالرحمه‌الله : ولو وهب له ولم يقبض ، لم تجب الزكاة على الموهوب. ولو مات الواهب ، كانت على الورثة. وقيل : لو قبل ومات ، ثم قبض الورثة قبل الهلال ، وجبت عليهم ، وفيه تردد.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : ولو وهب له عند قبل الهلال ، فقبله ولم يقبض حتى استهل شوال ، فالفطرة على الموهوب له ، لانه ملكه بالايجاب والقبول وليس القبض شرطا في انعقاده ، ومن جعله شرطا أوجبها على الواهب ، لبقاء ملكه. قال : وهو الصحيح عندنا(١) .

فان قبل ومات قبل القبض وقبل الهلال وقبضه الورثة بعد دخول شوال ، الزم الورثة فطرته ، وفيما ذكره في الورثة خلل من وجهين :

الاول : في ايجاب الفطرة على الورثة. والحق بطلان الهبة ، لان القبض شرط ولم يحصل ، وقد سلم هو ذلك في المسألة السابقة.

الثاني : سلمنا أن القبض ليس شرطا ، كما اختاره في مسائل الخلاف ، لكن تقييد الايجاب بالقبض ليس بجيد ، لتحقق الملك الموجب للفطرة بالقبول ، فلا معنى لاشتراط القبض حينئذ.

والظاهر أن مقصوده ايجاب الزكاة على الورثة من غير تعليق له على القبض فتسقط الاعتراض الثاني اذن.

قالرحمه‌الله : ولا تقدير في عوض الواجب ، بل يرجع الى قيمة السوق وقدره قوم بدرهم ، وآخرون بأربعة دوانيق فضة ، وليس بمعتمد ، وربما نزل على اختلاف الاسعار.

أقول : ظاهر قول بعض علمائنا يؤذن بهذا التقدير ، وربما كان تعويلا على

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٤٠.

٨٣

رواية(١) شاذة.

والحق أن الحوالة في التقدير على القيمة السوقية ، وهو مذهب أكثر الاصحاب لرواية اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له : جعلت فداك ما تقول في الفطرة؟ يجوز أن يؤديها فضة بقيمة هذه الاشياء التي سميتها ، قال : نعم ان ذلك أنفع له يشتري ما يريد(٢) .

قالرحمه‌الله : تجب الفطرة بهلال شوال ، ولا يجوز تقديمها قبله ، الاعلى سبيل القرض ، على الاظهر.

أقول : ذهب الشيخرحمه‌الله الى جواز تقديم الفطرة في شهر رمضان من أوله ، واختيار ابني بابويهرحمهما‌الله .

وذهب شيخنا المفيد الى أنه لا يجوز الا على سبيل الاقتراض ، وهو ظاهر كلام سلار وابن البراج ، واختاره أبو الصلاح ، وهو فتوى ابن ادريس ، وظاهر كلام الشيخ في الاقتصاد(٣) .

احتج المجوزون بوجوه :

الاول : أن في تقديمها خيرا لحال الفقير ، فكان مشروعا. أما الاولى فظاهرة وأما الثانية ، فلان الاحكام منوطة بالمصالح عندنا ، ولا مصلحة أهم من هذه المصلحة.

الثاني : الاستناد الى ظاهر الرواية عن الباقر والصادقعليهما‌السلام (٤) من طرق عدة.

الثالث : الاصل الجواز ، ترك العمل به فيما قبل شهر رمضان للاجماع ، فيبقى معمولا به فيما عداه.

__________________

(١) المقنعة ص ٤١.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٨٦ ، ح ٧.

(٣) الاقتصاد ص ٢٨٥.

(٤) تهذيب الاحكام ٤ / ٧٦ ، ح ٤.

٨٤

واحتج المانعون بوجوه :

الاول : عبادة موقتة ، فلا يجوز فعلها قبل وقتها. والمقدمتان ظاهرتان.

الثاني : لو جاز التقديم في شهر رمضان لجاز قبله ، والتالي باطل اجماعا فكذا المقدم. بيان الشرطية : ان المقتضي للجواز جبر حال الفقير ، وهذا المعنى موجود هنا ، فيثبت(١) الحكم عملا بالمقتضي.

الثالث : الاستناد الى ظاهر رواية العيص عن الصادقعليه‌السلام (٢) .

قالرحمه‌الله : ويجوز اخراجها بعده ، وتأخيرها الى قبل صلاة العيد أفضل فان خرج وقت صلاة العيد وقد عزلها ، أخرجها واجبا بنية الاداء ، وان لم يكن عزلها سقطت. وقيل : يأتي بها قضاء. وقيل : أداء. والاول أشبه.

أقول : البحث في هذه المسألة تتضح بتقديم تقدم مقدمة ، لو أخر دفعها عن الزوال لغير عذر أثم اتفاقا منا ، ولانه تارك للمأمور به ، فيكون عاصيا ، والعاصي مستحق للعقاب.

أما الاولى فظاهرة ، اذ لا خلاف أنه مأمور بدفعها قبل الزوال.

وأما الثانية ، فلقوله تعالى «لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ »(٣) «أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي »(٤) .

وأما الثالثة ، فلقوله تعالى «وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً »(٥) أما لو كان لعذر ، فانه لا يأثم اجماعا منا.

اذا ثبت هذا فتقول : اذا أخر دفعها ، فاما أن يعزلها ـ أي : يفردها ـ عن

__________________

(١) فى « س » : فثبت.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٧٥ ـ ٧٦ ، ح ١.

(٣) سورة التحريم : ٦.

(٤) سورة طه : ٩٣.

(٥) سورة الجن : ٢٣.

٨٥

ماله أو لا ، فان عزلها أخرجها مع الامكان ، وهذا لا خلاف فيه أيضا. وان لم يعزلها قال المفيدرحمه‌الله : سقط وجوبها ، ومثله قال في الخلاف(١) . وهو ظاهر كلام أبي الصلاح وابن البراج ، وذهب الشيخ الى وجوب الاتيان بها أداء.

واحتج الاولون بوجوه :

الاول : أصالة براءة الذمة ، ترك العمل بها في وجوب الاخراج قبل الزوال للامر الدال عليه ، فيبقى معمولا به فيما عداه.

الثاني : الفطرة عبادة موقتة اجماعا ، وكل عبادة موقتة تفوت بفوات وقتها والقضاء انما يجب بأمر جديد ولم يوجد. أما الصغرى ، فاجماعية [ اذ لا خلاف في ذلك ، وان اختلفوا في أوله أو آخره. وأما الثانية فاجماعية ](٢) أيضا.

الثالث : ما رواه الاصحاب عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : الفطرة ان أعطيت قبل الخروج الى صلاة العيد فهي فطرة ، وان أعطيت بعد ما يخرج فهي صدقة(٣) .

واحتج الآخرون بالاحتياط ، اذ مع الاخراج تحصل براءة الذمة قطعا ، بخلاف الثاني ، وسلوك الطريق المأمون أولى من سلوك المخوف عقلا ، فيكون كذلك شرعا ، لقولهعليه‌السلام : ما رآه المسلمون حسنا ، فهو عند الله حسن(٤) . وتعارض بمثله اذ اعتقاد ما ليس بواجب واجب(٥) خطأ.

احتج ابن ادريس بأن الزكاة المالية والبدنية انما تجب بدخول وقتها ، فاذا دخل صار المكلف مخاطبا بأدائها الى أن يفعله ، وهو ضعيف ، لان وجوبها موقت أولا

__________________

(١) الخلاف ١ / ٣٧٢.

(٢) ما بين المعقوفتين من « س ».

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ٧٦ ، ح ٣.

(٤) مسند أحمد بن حنبل ١ / ٣٧٩.

(٥) فى « م » : واجبا.

٨٦

وآخرا ، والا لما تضيقت عند الصلاة.

قالرحمه‌الله : لو وجد كنزا في أرض موات من دار الاسلام ، فان لم يكن عليه سكة ، أو كان عليه سكة الاسلام ، قيل : يعرف كاللقطة. وقيل : يملكه الواجد وعليه الخمس. والاول أشبه.

اقول : قال الشيخ في المبسوط : وأما الكنوز التي توجد في بلاد الاسلام فان وجدت في ملك الانسان ، وجب أن يعرف أهله ، فان عرفه كان له. وان لم يعرفه ، أو وجدت في أرض لا مالك لها ، فهي على ضربين : فان كان عليها أثر الاسلام ، مثل أن يكون عليها سكة الاسلام ، فهي بمنزلة اللقطة سواء ، وسنذكر حكمها في بابها.

وان لم يكن عليها أثر الاسلام ، أو كان عليها أثر الجاهلية من الصور المجسمة أو غير ذلك ، فانه يخرج منها الخمس ، ويكون الباقي لمن وجدها(١) .

وقال في الخلاف(٢) بالقول الثاني ، اذا لم يكن عليه أثر ملك ، واختاره ابن ادريس. والحق الاول.

لنا ـ أنه مال ضائع ، لا بدّ لاحد عليه ، فتكون لقطة. أما الصغرى ، فلانه التقدير ، وأما الكبرى فاجماعية.

احتج في الخلاف بالعموم الدال على وجوب اخراج الخمس من الكنوز من غير فرق.

والجواب : العام يخص للدليل ، وقد بيناه.

قالرحمه‌الله : الذمي اذا اشترى أرضا من مسلم ، وجب فيها الخمس ، سواء كانت مما فيه الخمس ، كالارض المفتوحة عنوة ، أو ليس فيه ، كالارض

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٣٦.

(٢) الخلاف ١ / ٣٥٨ مسألة ١٤٨.

٨٧

التي أسلم عليها أهلها.

اقول : قال المصنف قدس الله روحه : الظاهر أن مراد الاصحاب أرض الزراعة لا المساكن ، وعندي في هذا التخصيص نظر.

وقوله « الارض المفتوحة عنوة » فيه نظر ، سيأتي تحقيقه أيضا.

قالرحمه‌الله : الخمس يقسم ستة أقسام. وقيل : بل خمسة. والاول أشهر.

اقول : القول الاول مذهب أكثر الاصحاب ، والثاني منقول عن بعض الاصحاب ، تعويلا على رواية(١) شاذة ، ومع هذا فهي غير دالة على المطلوب صريحا ، وهي مخالفة للمذهب ، فانه يتضمن قسمة الاخماس الذي بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل على الاول ، وعليه دلت ظاهر الآية(٢) والرواية(٣) .

قالرحمه‌الله : ويعتبر في الطوائف الثلاث انتسابهم الى عبد المطلب بالابوة فلو انتسبوا بالام خاصة ، لم يعطوا من الخمس شيئا ، على الاظهر.

اقول : للاصحاب في هذه قولان ، فذهب الشيخ الى اعتبار الانتساب بالاب في استحقاق الخمس ، واختاره ابن حمزة وابن ادريس ، ولم يعتبر السيد المرتضى ذلك ، بل جوز أن يكون منتسبا بالام أيضا. والحق الاول.

لنا ـ ان اطلاق النسب يقتضي الانتساب بالاب ، اذ لا يقال : تميمي الا لمن ينتسب الى تميم بالاب دون الام. ويؤيده قول الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

وما روي عن العبد الصالح أبي الحسن الاولعليه‌السلام قال : من كانت أمه من

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ١٢٨ ، ح ١.

(٢) سورة الانفال : ٤١.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ١٢٦.

٨٨

بني هاشم وأبوه من سائر قريش ، فان الصدقة تحل له ، وليس له من الخمس شي‌ء ، لان الله يقول «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ »(١) .

احتج المرتضى قدس الله روحه بقولهعليه‌السلام عن الحسن والحسينعليهما‌السلام : هذان إمامان قاما أو قعدا(٢) . والاصل في الاطلاق الحقيقة ، وهو ضعيف ، فان الاطلاق انما يدل على الحقيقة مع عدم المعارض ، والمعارض هنا موجود.

قالرحمه‌الله : مستحق الخمس ـ الى آخره.

أقول : هذه المسألة قد تقدم البحث فيها مستوفى.

قالرحمه‌الله : هل يجوز أن يخص بالخمس طائفة؟ قيل : نعم. وقيل : لا وهو الاحوط.

أقول : المراد بالخمس هنا ما عدا حصة الامامعليه‌السلام . وقد اختلف الاصحاب في قسمته ، فظاهر كلام الشيخرحمه‌الله يشعر بوجوب التشريك ، ونص أبو الصلاح على ذلك ، حيث قال : والشطر الاخر للمساكين واليتامى وأبناء السبيل لكل صنف ثلاثة(٣) .

ونقل صاحب كشف الرموز(٤) عن ابن ادريس تفصيلا عجيبا ، ومضمونه بسط شطر الخمس على الاصناف الثلاثة بالسوية مع حضورهم ، وجواز التخصيص مع عدم حضور الجميع.

ومنشأ الاختلاف النظر الى الآية ، فانها يحتمل أن يكون اللام فيها للتخصيص فيكون لبيان المصرف كما في آية الزكاة. ويحتمل أن يكون للتمليك ، فتجب

__________________

(١) تهذيب ٤ / ١٢٨ ـ ١٢٩ والآية فى سورة الاحزاب : ٥.

(٢) حديث متواتر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رواه جمع من الفريقين ، ورواه العلامة المجلسى فى البحار ٤٣ / ٢٧٨.

(٣) الكافى للحلبى ص ١٧٣ ـ ١٧٤.

(٤) كشف الرموز للآبي ـ مخطوط.

٨٩

قسمة الشطر على الاصناف الثلاثة حينئذ. ولعل الاول أقرب لوجهين :

الاول : أن التخصيص أعم من التمليك من غير عكس كلي ، واذا ثبت أن الاول أعم كان جعل اللام حقيقة فيه أولى ، لان الاحتياج الى الخاص يستلزم الاحتياج الى العام ، ولا ينعكس ، لان الاحتياج الى العام لا يستلزم الاحتياج الى الخاص ، وهو ظاهر ، وجعل اللفظ لما يكبر الحاجة الى التعبير عنه أولى من جعله لما ليس كذلك.

الثانى : الرواية المشهورة المأثورة عن أبي الحسنعليه‌السلام (١) .

قالرحمه‌الله : هل يعتبر الفقر في اليتيم؟ قيل : نعم. وقيل : لا. والاول أحوط.

أقول : ذهب الشيخ في المبسوط(٢) الى عدم اعتباره ، واختاره ابن ادريس ، نظرا الى عموم الآية ، ولان اعتبار الفقر فيه يستلزم تداخل الاقسام ، فيكون اليتيم داخلا تحت المساكين.

والوجه اعتباره ، لان الخمس خير ومساعدة ، فيخص به ذوو الخصاصة والمسكنة دون غيرهم. أما الصغرى ، فلرواية زرارة السابقة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (٣) .

وأما الكبرى فظاهرة ، وإلا لزم تحصيل الحاصل ، وهو محال.

قالرحمه‌الله : الايمان معتبر في المستحق على تردد.

أقول : وجه الجواز النظر الى عموم الآية.

ووجه الاعتبار الالتفات الى فتوى الاصحاب ، ولانه أحوط للبراءة ، ولان غير المؤمن محاد لله ولرسوله ، فلا يفعل معه ما يؤذن بالمودة.

قالرحمه‌الله : والعدالة لا تعتبر على الاظهر.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ١٢٨ ، ح ٢.

(٢) المبسوط ١ / ٢٥٧.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ٥٩ ، ح ٦.

٩٠

أقول : ذهب الشيخ في بعض كتبه الى اعتبار العدالة. والحق العدم ، عملا بعموم الآية وعليه الاكثر.

واعلم أن الشيخرحمه‌الله رجع عما قاله بعد ذلك بلا فصل.

قالرحمه‌الله : ما يجب من الخمس يجب صرفه إليه مع وجوده ، ومع عدمه قيل : يكون مباحا. وقيل : يجب حفظه ، ثم يوصي به عند ظهور أمارة الموت. وقيل : يدفن. وقيل : يصرف النصف الى مستحقه ، ويحفظ ما يختص به بالوصاة أو الدفن.

وقيل : بل تصرف حصته الى الاصناف الموجودين أيضا ، لان عليه الاتمام عند عدم الكفاية ، فكما يجب ذلك مع وجوده ، فهو واجب عليه عند عدمه ، وهو أشبه.

أقول : ليس للاصحاب في هذه المسألة نص صريح ، وقد طال التشاجر بينهم بسبب ذلك ، لكن الحق ما رجحه المصنف ، لموافقته العقل ، ولدلالة ظواهر(١) النقل عليه.

__________________

(١) فى « س » : ظاهر.

٩١

الفصل الرابع

( فى إيضاح الترددات المذكورة فى كتاب الصوم )

قالرحمه‌الله : يكفي في رمضان أن ينوي أنه يصوم متقربا الى الله ، وهل يكفي ذلك في النذر المعين؟ قيل : نعم. وقيل : لا. وهو الاشبه.

اقول : البحث في هذه المسألة يقع في مقامين :

الاول : في كيفية نية القربة ، والفرق بينها وبين نية التعيين. أما كيفية نية القربة ، فقد فسرها الشيخ في المبسوط ، فقال : معنى نية القربة : أن ينوي أنه صائم فقط متقربا الى الله تعالى. ونية التعيين أن ينوي أنه صائم شهر رمضان. ثم قال : فان جمع بينهما في رمضان كان أفضل ، وان اقتصر على نية القربة أجزأه(١) . ونحوه قال في الخلاف(٢) . وزاد ابن ادريس نية الوجوب فيهما ، وهو حسن.

اذا عرفت هذا فنقول : القدر الواجب في نية القربة شيئان : قصد التقرب ، والوجوب ، وفي نية التعيين ثلاثة أشياء : التقرب ، والوجوب أو الندب ، والقصد الى الصوم المخصوص.

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٧٦.

(٢) الخلاف ١ / ٣٧٤.

٩٢

المقام الثاني : قد وقع الاتفاق على أن نية القربة كافية في شهر رمضان ، ووقع أيضا على أنها غير كافية فيما عدا شهر رمضان والنذر المعين.

وحصل الاختلاف في الاكتفاء بها في النذر المعين ، فذهب الشيخ الى أنها غير كافية ، بل لا بدّ من نية التعيين ، لانه زمان لم يعينه الشارع في الاصل للصوم فافتقر الى التعيين ، ولانه أحوط.

وذهب المرتضى قدس الله روحه الى الاكتفاء بها ، ومنعه ابن ادريس ، لان الشرع وان لم يعين زمانه في الاصل ، فقد يعين بالنذر ، وكما لا يفتقر رمضان الى نية التعيين لتعين زمانه ، فكذا هنا ، ونمنع المساواة بين المعنيين.

سلمنا لكن التعيين ليس أمرا وجوديا ، فلا يصلح للعلية ، واذا كان كذلك لم يكن الاكتفاء بنية القربة في شهر رمضان معللا بالتعيين ، بل بعلة غير معلومة لنا.

سلمنا لكن التعدي قياس ، وهو باطل عند كثير ، وبالجملة فأنا في هذه المسألة من المتوقفين.

قالرحمه‌الله : ولو زالت الشمس فات محل النية ، واجبا كان الصوم أو ندبا. وقيل : يمتد وقتها الى الغروب لصوم النافلة. والاول أشهر.

أقول : قد ذهب الى هذا القول بعض أصحابنا ، وهو اختيار السيد المرتضى وابن حمزة ، وتبعه ابن ادريس ، وبه روايات ، لكن الاول أنسب بالاصل وأظهر في النقل ، وعليه عمل أكثر الاصحاب.

وذهب أبو علي ابن الجنيد منا الى جواز ايقاع النية بعد الزوال لصوم الفرض أيضا ، ذاكرا كان أو ناسيا ، وهو قول شاذ وبه روايات أيضا.

قالرحمه‌الله : وقيل : يختص رمضان بجواز تقديم نيته عليه ، ولو سها عند دخوله فصام ، كانت النية الاولى كافية.

أقول : هذه المسألة ذكرها الشيخرحمه‌الله في كتب الفتاوى خاصة ومنعها

٩٣

ابن ادريس ، وهو الحق ، عملا بقوله تعالى «وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ »(١) وتقرير الاستدلال بها قد تقدم.

واحتجاجه بجواز تقديم النية من أول الليل وان تقدم الاكل أو غيره ضعيف أما أولا ، فلانه قياس ، وهو باطل عندنا. وأما ثانيا ، فلوجود الفارق ، وهو قولهعليه‌السلام : لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل(٢) .

قالرحمه‌الله : وكذا قيل : يجزي نية واحدة لصيام الشهر كله.

أقول : هذه المسألة ذكرها الثلاثة قدس الله أرواحهم وأتباعهم ، ومنعها شيخنا دام ظله ، ورجحه المصنف في المعتبر(٣) .

احتج الاولون بالاجماع. واحتج السيد المرتضى قدس الله روحه بأنه عبادة واحدة ، فتكفي نية واحدة. أما الصغرى ، فلان حرمته واحدة ، وهو ظاهر ، ولانه يخرج منه بمعنى واحد ، وهو الافطار. وأما الكبرى فاجماعية ، والاجماع ممنوع والصغرى ممنوعة ، ونمنع اتحاد الحرمة. سلمنا ولكنه غير دال على المطلوب وكذا الوجه الثاني ، وهو ظاهر.

قالرحمه‌الله : ولا يقع في رمضان صوم غيره. ولو نوى غيره ـ ولو نوى غيره ـ واجبا كان أو ندبا ـ أجزأ عن رمضان دون ما نواه.

أقول : هذه المسألة لها صورتان :

الاولى : أن يكون عالما بشهر رمضان ، ثم ينوي غيره.

الثانية : أن يكون جاهلا.

أما الاولى ، فقد حكم جماعة من أكابر علمائنا ، كالشيخ والسيد وأتباعهما

__________________

(١) سورة البينة : ٥.

(٢) سنن البيهقى ٤ / ٢١٣.

(٣) المعتبر ٢ / ٦٤٩.

٩٤

بوقوعها عن شهر رمضان ، ومنع ابن ادريس ذلك وقال : لا يجزي عن رمضان ولا غيره يعني : الذي نواه. ولعله أقرب.

احتجا بأن النية المعتبرة ـ وهي نية القربة ـ حاصلة ، وانما قلنا انها حاصلة لدخولها تحت نية التعيين تضمنا ، فيكون الزائد لغوا. واذا كانت النية المعتبرة حاصلة ، كان الصوم واقعا بشرطه ، فيكون مجزيا ، لان الامر للاجزاء على ما بين في أماكنه.

وهو ضعيف جدا ، فانا لا نسلم الغاء الزيادة ، اذ جزئيات الكلي متضادة ، وإرادة أحد الضدين تنافي الضد الاخر.

احتج ابن ادريس بقولهعليه‌السلام « الاعمال بالنيات ، وانما لامرئ ما نوى »(١) فحكمعليه‌السلام بأن الاعمال تابعة للقصود ، والتقدير : انه لم يوقع النية عن شهر رمضان ، فلا ينصرف إليه ، وصرف الصوم الى غيره لا يصح اتفاقا ، فلا يجزي عن أحدهما.

وأما الثانية(٢) ، فقد حكم الشيخرحمه‌الله والسيد المرتضى قدس الله روحهما فيها بما حكما في الصورة الاولى ، ووافقهما ابن ادريس على ذلك ، وهو الظاهر من كلام الشيخ علي بن بابويه ، محتجين بما تقدم.

وعندي فيه اشكال ، منشؤه ما سلف من الجواب ، وانما خرجنا عن سبيلنا المألوف في هذا الكتاب ، ليكون هذه المسألة من امهات هذا الكتاب(٣) .

قالرحمه‌الله : ولو صام آخر يوم من شعبان على أنه ان كان من رمضان كان واجبا ، والا كان مندوبا قيل : يجزي. وقيل : لا يجزي ، وعليه الاعادة ، وهو الاشبه.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ١٨٦.

(٢) فى هامش « س » عن نسخة : وأما النية.

(٣) فى « م » : الباب.

٩٥

أقول : القولان للشيخ قدس الله روحه ، لكن الثاني أقرب ، وهو اختيار ابن ادريس ، واختار ابن حمزة الاول.

لنا ـ أن الجزم شرط في النية ولم يحصل.

واحتج على الاول بأن نية القربة كافية في رمضان وقد حصلت.

والجواب : هذه قاعدة قد بينا ضعفها في المسألة السابقة ، سلمنا لكن نية التعيين انما تسقط فيما علم أنه من شهر رمضان لا فيما لا علم.

قالرحمه‌الله : ولو نوى الافطار في يوم من رمضان ، ثم جدد قبل الزوال قيل : لا ينعقد وعليه القضاء ، ولو قيل بانعقاده كان أشبه.

أقول : هذه المسألة ذكرها الشيخرحمه‌الله في المبسوط(١) ، والانسب بمذهبه عدم ايجاب القضاء ، وذاك أنه قال : لو عزم على فعل ما ينافي الصوم ، أو نوى الافطار ، لم يبطل صومه.

وأما على قاعدتنا ، فلا وجه للصحة ، وذاك انما يوجب استمرار النية حكما ، وكذلك الفرع الاخر انما يتمشى على قاعدة الشيخ لا على قاعدتنا ، وان كان لا يفهم من كلامهرحمه‌الله ذلك.

قالرحمه‌الله : يجب الامساك عن الجماع في القبل اجماعا ، وفي دبر المرأة على الاظهر ، ويفسد صوم المرأة ، وفي فساد الصوم بوطي الغلام والدابة تردد وان حرم. وكذا القول في فساد صوم الموطوء ، والاشبه أنه يتبع وجوب الغسل.

أقول : الحق أن وجوب الامساك وفساد الصوم ولزوم القضاء والكفارة أحكام تابعة لوجوب الغسل ، فان قلنا بوجوبه ، لانهما معلولان علة واحدة ، يثبت هذه الاحكام ، والا فلا ، وقد استقصينا البحث عن ذلك في كتاب الجنابة.

واعلم أنه لا خلاف في فساد صوم الواطئ في جميع هذه الصور مع الانزال.

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٧٧.

٩٦

قالرحمه‌الله : وعن الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الائمةعليهم‌السلام وهل يفسد الصوم بذلك؟ قيل : نعم. وقيل : لا ، وهو الاشبه.

أقول : لا خلاف في وجوب الامساك عن ذلك مطلقا ، ويتأكد في شهر رمضان كسرقة. وانما الخلاف في افساد الصوم وايجاب الكفارة ، فذهب الشيخانرحمهما‌الله الى أنه يفسد ، ويوجب القضاء والكفارة ، واختاره المرتضى في الانتصار(١) ، واختاره أبو الصلاح وابن البراج ، وعده ابن بابويه من المفطرات. وقال علم الهدى : انه لا يفسد ، نقله الشيخ عنه في الخلاف(٢) ، وهو أقرب.

لنا ـ أصالة صحة الصوم ، ورواية محمد بن مسلم الصحيحة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : لا يضر الصائم ما صنع اذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب والارتماس(٣) .

واحتجاجهم بالروايات ضعيف ، لضعف سندها ، ولاشتمال بعضها على ما لا يقول به ، وهو نقض الوضوء أيضا ، ودعوى الاجماع مكابرة.

قالرحمه‌الله : وعن الارتماس. وقيل : لا يحرم بل يكره ، والاول أشبه. وهل يفسد لفعله؟ الاشبه لا.

أقول : البحث في هذه تقع في مقامين :

الاول : ذهب الشيخان وأكثر الاصحاب الى أن الارتماس محرم ، عملا بالروايات الدالة عليه. وذهب السيد المرتضى الى أنه مكروه في أحد قوليه ، واختاره ابن أبي عقيل ، عملا بالاصل ، ويؤيده رواية عبد الله بن سنان عن أبي

__________________

(١) الانتصار ص ٦٢.

(٢) الخلاف ١ / ٤٠١ مسألة ٨٥.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ١٨٩ ، ح ٢.

٩٧

عبد اللهعليه‌السلام قال : أكره للصائم أن يرتمس في الماء(١) .

والاصل يخالف لقيام الدليل ، وهو الروايات المشهورة الدالة على المنع ، والرواية ضعيفة السند ، مع أنها قابلة للتأويل ، فان المكروه يطلق على المحظور وعلى ترك الاولى ، وعلى المرجوح فعله بالاشتراك ، فيحمل على المحظور ، جمعا بين الادلة.

وأما المقام الثاني ، فذهب الشيخان الى أنه يوجب القضاء والكفارة أيضا ، عملا بالاحتياط ، وهو معارض بالاصل ، وقال أبو الصلاح بأنه يوجب القضاء فحسب.

وأطبق باقي الاصحاب القائلين بالتحريم على نفيهما ، وهو اختياره في الاستبصار(٢) ، وهو الحق ، عملا بأصالة براءة الذمة ، وأصالة العبادة ، ويؤيده رواية اسحاق بن عمار قال : قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : رجل صائم ارتمس في الماء متعمدا أعليه قضاء ذلك اليوم؟ قال : ليس عليه قضاء ولا يعودن(٣) .

قال في المعتبر : ويمكن أن يكون الوجه في التحريم الاحتياط للصوم ، فان المرتمس في الاغلب لا ينفك أن يصل الماء الى جوفه فيحرم ، وان لم تجب عليه قضاء ولا كفارة إلا مع اليقين بابتلاعه ما يوجب الافطار(٤) .

قالرحمه‌الله : وفي ايصال الغبار الغليظ الى الحلق خلاف ، والاظهر التحريم وفساد الصوم.

أقول : اضطرب قول الاصحاب في هذه المسألة ، لاضطراب الاحاديث ، فذهب الشيخرحمه‌الله الى أن ايصال الغبار الغليظ الى الحلق محرم ، يوجب

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٠٩ ، ح ١٣.

(٢) الاستبصار ٢ / ٨٥.

(٣) الاستبصار ٢ / ٨٤ ـ ٨٥ ، ح ٦.

(٤) المعتبر ٢ / ٦٥٧.

٩٨

القضاء والكفارة.

وحكى في المبسوط(١) عن بعض الاصحاب ايجاب القضاء فحسب ، وهو فتوى الشيخ المفيد قدس الله روحه ، عملا بأصالة البراءة ، وظاهر كلام أبي الصلاح واختاره ابن ادريس مع تعمد الكون من غير ضرورة ، وفي أخبارنا ما يدل على الجواز. والاقرب عند المصنف قول الشيخ.

لنا ـ أنه أوصل الى جوفه بفمه ما ينافي الصوم ، فكان مفسدا له. أما الصغرى فظاهرة ، اذ ايصال الغبار الى الحلق مناف للامساك ضرورة. وأما الكبرى فاجماعية ، وخلاف المرتضى غير معتبر لرجوعه عنه.

ويؤيده رواية سليمان بن حفص المروزي قال : سمعته يقول : اذا شم الصائم رائحة غليظة أو كنس بينا فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين ، فان ذلك له فطر ، مثل الاكل والشرب والنكاح(٢) .

وفيه ضعف ، والرواية مقطوعة ، والاجماع انما انعقد على فساد ما يسمى مأكولا معتادا كان أو غيره ، كالحصى والبرد ، أو مشروبا كذلك لا مطلقا.

قالرحمه‌الله : وعن البقاء على الجنابة عامدا حتى يطلع الفجر من غير ضرورة ، على الاشهر.

اقول : لا خلاف بين الاصحاب أن البقاء على ذلك محرم ، وانما الخلاف في أنه هل يوجب القضاء فحسب ، أم القضاء والكفارة؟ فذهب أكثر الاصحاب الى الثاني ، وذهب ابن أبي عقيل الى الاول ، عملا بأصالة براءة الذمة من الكفارة.

واختار ابن بابويه في المقنع(٣) ، ان لا قضاء ولا كفارة ، عملا بأصالة البراءة

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٧١.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٢١٤ ، ح ٢٨.

(٣) المقنع ص ٦٠.

٩٩

ورواية حبيب الخثعمي عن الصادقعليه‌السلام قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي صلاة الليل في شهر رمضان ، ثم يؤخر الغسل متعمدا حتى يطلع الفجر(١) .

لنا ـ أن الا نزال نهارا موجب للقضاء والكفارة ، فكذا استصحابه ، بل هذا آكد ، لان الاول قد انعقد صومه ابتداءً بخلاف الثاني.

ويؤيده رواية أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ، ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح ، قال : يعتق رقبة ، أو يصوم شهر بن متتابعين ، أو يطعم ستين مسكينا قال : ولادائه لا أراه يدركه أبدا(٢) . وفي معناها رواية سليمان الجعفري(٣) ، والاصالة تخالف للدلالة بالروايتين ، ويحتمل وجوها :

الاول : أن يكون التأخير مقرونا بعذر.

الثاني : أن يكون المراد بالفجر الفجر الاول.

الثالث : أن يكون المقصود به التأخير الى قبل الطلوع بقليل ، بحيث يكون آخر جزء من الغسل مقارنا لاول جزء منه.

فرع :

لو طهرت الحائض أو النفساء ، فأخرتا الغسل الى طلوع الفجر ، وجب عليها القضاء والكفارة ، وأوجب ابن أبى عقيل القضاء فحسب ، بناء على قاعدته وقد عرفت ضعفها.

قالرحمه‌الله : لو نظر الى امرأة فأمنى ، لم يفسد صومه على الاظهر ، وكذا لو استمع.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٢١٣ ، ح ٢٧.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٢١٢ ، ح ٢٣.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ٢١٢ ، ح ٢٤.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

٣٠١

الطائفةُ الخامسة

اقترانُ الشهادات الثلاث في الزيارات

ما ورد في جملة الزيارات في اقتران الشهادات.

الأولى: ما رواه في كامل الزيارات من زيارة الرضا (عليه السلام) المعروفة وفيها: (وقل حين تدخل: بسم الله وبالله، وعلى ملّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ عليّاً وليّ الله).

الثانية: ما رواه ابن طاووس في الزيارة المعروفة بزيارة آل ياسين قال: وهي المعروفة بالندبة، خَرَجت من الناحية المحفوفة بالقدس إلى أبي جعفر محمد بن عبد الله الحِميري ومنها: (أشهد يا مولاي أنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله لا حبيب إلاّ هو وأهله، وأنّ أمير المؤمنين حجّته...) (1) .

ورواها الطبرسي في الاحتجاج وغيرها من الزيارات العديدة المتضمّنة للشهادات الثلاث فلاحظ.

____________________

(1) مصباح الزائر: الفصل 17 الزيارة الثانية لمولانا صاحب الزمان.

٣٠٢

٣٠٣

الطائفةُ السادسة

إقرارُ الأئمّة عند الولادة بالشهادات الثلاث وكذا بقيّة أهل البيت (عليهم السلام)

الأولى: ما رواه الصدوق (1)، قال: حدّثنا أبو الحسن محمد بن عمرو بن علي البصري قال: حدّثنا أبو عبد الله عبد السلام بن محمد بن هارون الهاشمي قال: حدّثنا [ محمد بن ] عقبة الشيباني، قال: حدّثنا أبو القاسم الخضر بن أبان عن أبي هدية إبراهيم بن هدية البصري عن أنس بن مالك قال: أتى أبو ذر يوماً إلى مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: ما رأيت كما رأيت البارحة؟ قال: رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ببابه، فخرج ليلاً فأخذَ بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) وخرجا إلى البقيع، فما زلتُ أقفو أثرهما إلى أن أتيا مقابر مكّة، فعدلَ إلى قبر أبيه فصلّى عنده ركعتين، فإذا بالقبر قد انشقّ وإذا بعبد الله جالس وهو يقول: (أنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله) فقال له: مَن وليّك يا أبه؟ فقال: وما الولي يا بني؟ فقال: هو هذا علي فقال: وأنّ عليّاً وليي.

قال: فارجع إلى روضتك، ثُمّ عدلَ إلى قبر أمّه آمنة فصنعَ كما صنع عند قبر أبيه، فإذا بالقبر قد انشقّ وإذا هي تقول: (أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّك نبي الله ورسوله) فقال لها: مَن وليّك يا أماه؟ فقالت: وما الولاية يا بني؟ قال: هو هذا علي بن أبي طالب فقالت: وأنّ عليّاً وليّي، فقال: ارجعي إلى حفرتك وروضتك،

____________________

(1) معاني الأخبار: باب معنى قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ما أظلّت الخضراء، ولا...)، ص 178.

٣٠٤

فكذّبوه ولبّبوه وقالوا: يا رسول الله كذبَ عليك اليوم. فقال: (وما كان ذلك؟ قالوا: إنّ جُندب حكى عنك كيت وكيت، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر...) الحديث.

أقول: وهذه الرواية تؤيّد ما يُحكى عن بعض الكتب، من تأذين أبو ذر بالشهادات الثلاث بعد حادثة بيعة الغدير، وأنّ جملة من الصحابة اعترضوا عليه وشكوه إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأجابهم: (وعلامَ بايعتموني في الغدير).

وهاهنا أيضاً في ما رواه الصدوق في معاني الأخبار، كذّبوا أبا ذر وتناوشوه بأيديهم (لببوه)، لمَا حكاه لهم من أنّ حقيقة الشهادة والإقرار، هي باقتران الشهادات الثلاث إلاّ ما خرج بالدليل عن عموم هذا المعنى، كما في الحُكم بظاهر الإسلام، وبعبارة أخرى: إنّ الأصل في كلّ معنى إذ يُحمل على معناه الحقيقي لا التنزيلي الظاهري، وههنا تؤكّد هذه الرواية الحقيقة الشرعيّة في معنى الإقرار بالشهادة، وهذا يُعزِّز تقادم السيرة في الشهادة الثالثة على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فتعضد ما حكاه العامّة عن كدير الضبّي، وما رويناه عن عبد الله بن عبّاس وغيره من الصحابة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أمره بالشهادات الثلاث مقترنة.

الثانية: ما رواه الحافظ البرسي في كتاب مشارق أنوار اليقين قال: ومن أسراره (عليه السلام) أنّه لمّا ولِدَ في البيت الحرام خرّ ساجداً، ثُمّ رفع رأسه فأذّن وأقام وشهد لله بالوحدانيّة، ولمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالرسالة، ولنفسه بالخلافة والولاية...) (1) .

____________________

(1) إثبات الهداة: ج2، ص 465 فصل 22.

٣٠٥

الجهةُ الرابعة

في بيان السيرة الشرعيّة للشهادة الثالثة

وهذه السيرة يمكن الوقوف على حصولها في زمن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، عند جملة من الصحابة: كعبد الله بن عبّاس، وعبد الله بن مسعود، وأنس بن مالك، وأبي الحمراء، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو الطفيل عامر بن واثلة، وكدير الضبّي، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي.

وقد مرّ في الطوائف العامّة والخاصّة ذِكر جملة الطرق والمصادر عن أولئك الصحابة، وهذا ممّا يُنبأ أنّ البناء على ندبيّة اقتران الشهادات الثلاث، كان متقارب العهد منذ عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، حيث قد حرّض عليه في عدّة مواطن، وما رواية الصحابة لهذه الروايات إلاّ عمل وبناء منهم على الاقتران بينها، كما هو المعروف في علم الرجال والدراية أنّ مذهب الراوي يُعرف ممّا يرويه، هذا فضلاً عمّا روتهُ العامّة نفسها من ضمّ كدير الضبّي (1) الشهادة للوصي بالشهادتين، وهو يُنبئ عن سيرة وديدن عملي ممّن كان يشايع أمير المؤمنين، كما تقدّم في المدخل الإشارة إلى أنّ سيرة الطالبيين في حلب، والشام، ومصر هو التأذين بالشهادة الثالثة، عندما حكموا تلك البلاد في أواخر القرن الثالث الهجري وأوائل القرن الرابع حتى أواخره،

____________________

(1) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: مادّة كدير.

٣٠٦

وقد تقدّم ذلك مفصّلاً وذكرنا المصادر التاريخيّة في ذلك، وكذلك في العَلَويين الذين حكموا اليمامة في القرن الخامس.

وعموماً فهذه السيرة في الأذان في تلك البلدان، قد كانت جارية قبل ولادة الشيخ الصدوق، سواء من الدولة العبيديّة والفاطميّة في الشام ومصر، وكذلك دولة الحمدانيين في شمال العراق والشام، وكذا الدولة البويهيّة في جنوب إيران والعراق وبغداد، فهي سيرة جارية في الغيبة الصغرى وطوال القرن الرابع والخامس، وكانت تلك السيرة متجذّرة بتشدّد كتقيّدهم بالتأذين بفصل حيّ على خير العمل، وقد وقعت مصادمات عديدة بين طائفة الشيعة وأهل سنّة جماعة الخلافة والسلطان على كلّ من الفَصلين في الأذان.

ومن ثُمّ احتملنا فيما تقدّم أنّ موقف الصدوق من طوائف الروايات الواردة في الأذان، يُحتمل فيه تهدئة الموقف تجاه تلك الصدامات الدامية، وأنّه محمول على التقيّة بحكم علاقته بآل بويه (1) ، حيث إنّ عبارة الصدوق في الفقيه هي الأخرى تُنبئ عن وجود سيرة لدى جملة من الشيعة في زمانه كانوا يؤذّنون بها، عاملين بتلك الطوائف من الروايات، وكذلك الحال في الاستفتاء الموجّه للسيّد المرتضى من شيعة جزيرة المبافارقيات؛ فإنّ مؤدّى السؤال لدى السائل أنّ المشروعيّة مفروغ منها عندهم، وإنّما تردّدهم في اللزوم على حذو بقيّة الفصول، هذا مضافاً إلى أنّ عبارة الصدوق في الفقيه، والشيخ الطوسي في التهذيب والمبسوط،

____________________

(1) وقد ذكرنا جملة من الشواهد على هذا الاحتمال من عبارة الصدوق، في الفصل الأوّل عند التعرّض للطوائف الثلاث، مضافاً إلى فتوى الصدوق بالشهادة الثالثة في دعاء التوجّه بعد تكبيرة الإحرام وفي القنوت وفي التسليم.

٣٠٧

ظاهرة في أنّ هذا الطوائف من الروايات متلقّاة من أصول الأصحاب، وذكرنا الشواهد على ذلك في الفصل الأوّل، بل كانت متداولة رواية وعملاً لدى الرواة في الطبقات السابقة زمناً على الشيخ الصدوق، ومن ثُمّ وصَفَ الصدوق سلسلة رواتها بأنّهم متّهمون بالتفويض، بينما لم يطعن عليها بأنّها مقطوعة أو مرسلة أو مرفوعة، ممّا يؤكّد ويدلِّل على اتصال أسانيدها، إلاّ أنّه (قدِّس سرّه) حذفَ الأسانيد في عبارته في الفقيه فصيّر الروايات بالإضافة إلينا مرسلة، لكنّ شهادة الشيخ الطوسي بتعدّدها وكثرتها ووصفه لها بالشذوذ، يؤكّد اتّصال أسانيدها وكونهم من الثقاة، وأنّها غير مقطوعة ولا مرسلة ولا مرفوعة، ويؤكّد هذه الحقيقة إفتاء السيّد المرتضى، وابن برّاج، والشهيد بمضمون هذه الروايات، وكذا ما يقرب من مضمونها المحقّق الحلّي في المعتبر، والعلاّمة في التذكرة والمنتهى كما مرّ.

٣٠٨

٣٠٩

الجهةُ الخامسة

في إثبات الجزئيّة (الندبيّة الخاصّة) بحسب قاعدة التسامح في أدلّة السُنن

وهذه القاعدة وإن اشتهرَ عند متأخّري العصر عدم دلالتها على الاستحباب، بل هي عندهم إرشاد إلى رجاء الاحتياط، إلاّ أنّ الأقوى والأظهر في مفاد روايات القاعدة، هو ما ذهب إليه مشهور الفقهاء من الطبقات المتقدّمة وذلك:

أولاً: لأنّ تحديد الثواب الخاص كما بلغ، يعني الجعل الخاص ولو بسبب الانقياد الخاص في مورد البلوغ، وإلاّ لو كان لا خصوصيّة للقاعدة ولا جَعل خاص في البين، لكان اللازم هو كون الثواب في الانقياد على نمط واحد ووتيرة متّفقة، مع أنّ صريح الصحاح الواردة في القاعدة هو ثبوت الثواب الخاص نفسه الذي بلغهُ كلّ مورد بحسبه.

ثانياً: لو كان الثواب من باب الاحتياط، لكان ثبوت الثواب ليس على الإطلاق، بل فيما لو أصاب الخبر الوارد الواقع، كما هو الشأن دائماً في الاحتياط والوظائف الظاهريّة، مع أنّ صريح الصحاح الواردة في القاعدة هو ثبوت الثواب الخاص، ولو لم يكن كما بلغه أي ولو لم يكن في الواقع مطابقاً لمَا بلغهُ.

ثالثاً: أنّ هذه الروايات حيث إنّها في صدد الوعد في ثبوت الثواب على كلّ تقدير، فهي في صدد الحثّ والتحضيض والبعث والتحريك، وهو معنى الأمر الشرعي والطلب الندبي.

٣١٠

رابعاً: أنّ الانقياد بنفسه طاعة عندما يكون مضافاً إلى الرسول والأئمّة (عليهم السلام)؛ لأنّ حُسنه العقلي ذاتي وإن لم يكن هناك في البين حسن ذاتي في الفعل، وحسن الانقياد بدرجاته عن النيّة والعزم والشوق، وحركة الجوانح والجوارح كلّها تنصبغ وتتلوّن بحسن الانقياد، فالفعل في نفسه وإن لم يكن راجحاً في نفسه، إلاّ أنّه يطرأ عليه عنوان الانقياد فيجعلهُ راجحاً بسبب هذا الطرو، نظير ما ذُكر في قبح التجرّي، وامتداد هذا العنوان من الجوانح إلى الجوارح وتلوّن الفعل به، وملخّص هذا الوجه: أنّه مدرك عقلي لقاعدة التسامح في أدلّة السُنن، مستقل ومُعاضد لاستظهار المشهور من الروايات، هذا ملخّص كبرى إفادة قاعدة التسامح في أدلّة السُنن الندب الشرعي الخاص.

أمّا انطباقها على المقام، فبلحاظ الطوائف الروائيّة الثلاث التي رواها الصدوق في الفقيه، هذا إن لم تتم سنداً بعدما مرّ من إفتاء جملة من المتقدّمين بمضمونها، ونفى الشيخ الإثم عن العامل بها وإن خطّئه اجتهاداً، وقد تقدّم ما فيه الكفاية في المدخل، وفي الفصل الأوّل من الشواهد للوثوق بصدورها.

أمّا الخدشة في ذلك - لدعوى الوضع في الخبر أو الشذوذ ممّن نقلَ منه الخبر، وأنّه على ذلك لا مجرى لقاعدة التسامح - فمدفوعة لوجوه:

أولاً: أنّ الناقل وهو الصدوق قد تقدّم عدم جزمه بالوضع؛ وإنّما جَعَل مَن يروي مثل هذه الأحاديث متّهم بالغلو لا متيقّن الغلو، وأنّ الغلو عند الصدوق (قدِّس سرّه) والقمّيَين حدّه معروف الخدشة، وأنّ الشهادة الثالثة ليس فيها ما يدلّ على الغلو،

٣١١

بل قد استفاضت الروايات لرجحان إتيانها مطلقاً في كلّ مورد يتشهّد بالأولتين، وإنّ الشيخ الطوسي نفى الإثم عن العامل به ممّا يظهر منه اعتبار سندها، بل يظهر منه الإفتاء بجواز العمل بها، كما مرّ قرائن وشواهد من كلامه دالّة على ذلك، وإن أَشكلَ في حجيّتها باعتبار الشذوذ في المضمون بسبب خلو بقيّة روايات الأذان عنها، وكذا العلاّمة والشهيد في البيان، وأنّ القاضي ابن برّاج قد أفتى ببعض مضمونها، وأنّ الشذوذ في المصطلح الأشهر هو الخبر المعتبر غير المعمول به لانفراد متنه عن بقيّة متون الروايات، وأنّ الشذوذ - على ماله من معنى مصطلح - لا يتنافى مع جريان قاعدة التسامح بعدما كان غاية ما يصنعه الشذوذ إسقاط الخبر عن الحجيّة لا الجزم بالوضع، وبعدما كان مقتضى العمل به بتوسط القاعدة بعد جريانها لا يحافظ على مضمون الخبر الشاذ، الدالّ على الجزئيّة في الماهيّة الأوليّة بل بعنوان الجزئيّة الندبيّة، سواء فسّرنا الجزء المندوب بمعنى العوارض الفرديّة على الطبيعة، أو صوّرنا الجزء المندوب بمعنى المطلوب الندبي في ظرف المطلوب والمتعلّق الأصلي وهو الطبيعة.

هذا، وقد جمعَ الفاضل المحقّق السيّد عبد الرزاق المقرّم (قدِّس سرّه)، في رسالته التي ألّفها في الشهادة الثالثة وغيره ممّن تطرّق إلى المسألة، ما يربو على المائة من فتاوى الفقهاء من عهد المجلسين (قدِّس سرّهما) إلى يومنا الحاضر باستحبابها في الأذان والإقامة من دون قصد الجزئيّة، بل ذهب صاحب المستمسك إلى احتمال الوجوب من جهة صيرورته شعيرة إيمانيّة من دون قصد الجزئيّة قال: (لا بأس بالإتيان بالشهادة بالولاية بقصد الاستحباب المطلق؛ لمَا في خبر الاحتجاج... بل ذلك في هذه الأعصار معدود من شعائر الإيمان ورمز إلى التشيّع، فيكون من هذه الجهة راجحاً شرعاً، بل قد يكون واجباً لكن لا بعنوان الجزئيّة من الأذان) (1) .

____________________

(1) مستمسك العروة الوثقى: ج5، ص545.

٣١٢

ثانياً: ضعف منشأ تضعيف الصدوق لروايات الشهادة الثالثة، كما تقدّم مفصّلاً في الفصل الأوّل.

ثالثاً: أنّ الروايات المزبورة حيث قد وصِفت بالشذوذ وعدم العمل، وهما وصفان يتعارف ويصطلح إطلاقهما على الروايات المعتبرة من حيث السند، كما تقدّم ذلك مفصّلاً في التذييلين المُلحقين بالفصل الأوّل، ومرّ فيهما عمل وفتوى جملة من الأكابر بأخبار شاذّة في أبواب فقهيّة عديدة فلاحظ، فكيف بالعمل بالشاذ من باب قاعدة التسامح، وتقدّم أنّ ابن برّاج وغيره قد عمل وأفتى ببعض مضمونها، فالوسوسة في العمل بقاعدة التسامح في ما وصف بالشذوذ غفلة صناعيّة واضحة.

الرابع: إنّ بعض الشيعة في زمان الصدوق (قدِّس سرّه) كان يؤذِّن ويقيم بالشهادة الثالثة، كما تقدّم ذِكر ذلك، وهذا يظهر أيضاً من كلام الشيخ في المبسوط والنهاية، كما لا يخفى لمَن أمعنَ التدبّر، وكذا من فتوى الشريف المرتضى في مسائل المباقارقيات، وكذا الظاهر من كلام ابن برّاج في المهذّب والشهيدين، وصرّح المجلسي الأوّل بأنّ ذلك عمل الشيعة في قديم الزمان وحديثه، وقد ذكرَ ذلك في السيرة بشكل مفصّل.

الخامس: ذهاب جماعة من القدماء إلى عدم الحرمة والإثم بذكرها في الأذان والإقامة، كالشيخ في المبسوط، بل إنّ نظرَ الشيخ في ذلك إلى مَن ذكرها بقصد الجزئيّة كما لا يخفى،

٣١٣

والظاهر أنّ حكمهُ بعدم الحرمة لإمكان استناد الفاعل إلى تلك الروايات، وإن لم يجزم هو (قدِّس سرّه) بها، لكن قد مرّ استظهار فتواه بجواز العمل بمضمونها بقرائن من كلامه في المبسوط، فلاحظ ما مرّ في الفصل الأوّل، كما يظهر ذلك من الشهيد في البيان، وكذا العلاّمة في المنتهى.

وذهب الشهيد الثاني في الروضة إلى ذلك مع عدم قصد الجزئيّة، ويَستظهر ذلك مع عدم قصد الجزئيّة من كلّ مَن عبّر عنها أنّها من أحكام الإيمان لا من أجزاء الأذان، كما تقدّم حيث إنّه دالّ على رجحانها في نفسها تلو الشهادتين، إذ المجموع يتمّ به الإيمان، فمقتضى تلك العبائر استحباب الإتيان بها لا بقصد الجزئيّة، كما في الصلوات على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد الشهادة الثانية.

السادس: أنّ منشأ الإعراض الحاصل من أكثر القدماء عن الفتوى بها، هو العمل بصحيحة زرارة، وأبي بكر الحضرمي، وكليب الاسدي، المشار إليها في كلام الصدوق (قدِّس سرّه)، حيث لم يذكر فيها ذلك بل الحصر في عدد مخصوص، مع أنّ روايات فصول الأذان والإقامة مختلفة جدّاً وبكثرة في عدد الفصول، بل حتّى الصحيح المزبور قد جُعل فيه عدد فصولهما متّحد، فلا يصلح الصحيح ليكون منشأ للإعراض وإن كان متيناً بالإضافة إلى غيره، ولعلّه بلحاظ الفصول الواجبة في الصحّة لا المستحبّة.

السابع: أنّه من المطمئنّ به أو المقطوع كما تقدّم، أنّ تلك الروايات مرويّة في أصول أصحابنا، وإلاّ لمّا تعرّض له الصدوق، لعدم وضع كتاب مَن لا يحضره الفقيه للمقابلة مع روايات وكتب الفِرق المنحرفة الغالية المفوّضة،

٣١٤

ولا ذلك دأبه، وإلاّ لمَا اقتصر على ذلك الموضع، بل لشوهدَ منه في أبواب أخر.

الثامن: أنّه لو سلِّم الطعن بكذب الراوي، فهو لا يمنع من احتمال الصدق الموجِب لاحتمال المطلوبيّة، كما ذَكر ذلك غير واحد من الأساطين.

٣١٥

الفصلُ الثالث

في إثبات شعاريّة الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة

وفيه جهتان:

الأولى: شعاريّة الشهادة الثالثة

الثانية: أقوال نادرة في حكمها

٣١٦

٣١٧

الجهةُ الأولى

شعاريّة الشهادة الثالثة للإيمان في الأذان والإقامة، وبيان كبرى قاعدة الشعائر وصغراها في المقام

الأقوالُ في الشعاريّة

قد ذهبَ إلى شعاريّة الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة أكثر المتأخّرين ومتأخّريهم، وهو كونها من شعائر الإيمان، وهو ما أشار إليه كثير من الأصحاب في عبائرهم بأنّها من أحكام الإيمان لا من فصول الأذان، حيث صرّحوا بعدم الحرج في إتيانها لا بقصد الجزئيّة كالشهيد الأوّل (1) في الدروس، والثاني في الروضة (2) ، وصاحب الرياض (3) ، ولذلك حملَ المجلسي الأوّل في الروضة العبارة المزبورة منهم على رجحان ذكرها من دون قصد الجزئيّة.

أذانُ الإعلام (الشعيرة الإلهيّة) واجب كفائي

وقال الشيخ البهائي في الحبل المتين (في تفسير قوله (عليه السلام): (ولكنّها معصية - أي ترك نوافل الظهر -) والضمير يعود إلى ما دلّ عليه الكلام السابق،

____________________

(1) الدروس: ج1، ص162 طبعة مؤسّسة النشر الإسلامي.

(2) الروضة البهيّة: في بحث الأذان.

(3) رياض المسائل: ج1، ص 151.

٣١٨

أي أنّ هذه الخصلة معصية، ولعلّ إطلاق المعصية عليها للمبالغة وتغليظ الكراهة، أو أنّ ترك النوافل بالمرّة معصية حقيقة لمَا فيه من التهاون، كما قال الأصحاب من أنّه لو أصرّ أهل البلد على ترك الأذان قوتلوا، وكذا لو أصرّ الحجّاج على ترك زيارة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وما في آخر الحديث التاسع من قوله: (ولكن يُعذَّب على ترك السُنّة) محمول على هذا) (1).

وقال العلاّمة في منتهى المطلب: (ذهبَ بعض أصحاب الشافعي إلى وجوب الأذان والإقامة كفاية، وذهب مالك إلى وجوبه في مساجد الجماعة التي يُجمع فيها للصلاة، وذهب أحمد بن حنبل إلى وجوب الأذان على أهل المصر، واستدلّوا ببعض الروايات (2) بأنّه من شعائر الإسلام فأشبهَ الجهاد، وناقَشهُ العلاّمة بالفرق بين الأصل وهو الإسلام وبين الفرع وهو الأذان: بأنّ الأصل وضِعَ للدخول في الدين وهو من أهم الواجبات، فكان الطريق إليه واجباً، والأذان وضِعَ للدخول في الجماعة وهي غير واجبة، فالأَولَى بالوسيلة أن لا تكون واجبة) (3) .

وقال في التذكرة (مسألة: لا يجوز الاستيجار على الأذان وشبهه من شعائر الإسلام غير المفروضة... إلى أن قال: وللشافعيّة في الأجر على الشعائر غير المفروضة في الأذان تفريعاً على الأصحّ عندهم ثلاثة أوجه،

____________________

(1) الحبل المتين للشيخ البهائي: ص133- 134 الطبعة القديمة (بصيرتي).

(2) مصادر أهل سنّة الجماعة والخلافة (المغني: ج1، ص 461، المجموع: ج3، ص 81 المدوّنة الكبرى: ج1، ص 61، بداية المجتهد: ج1، ص 107، عمدة القارئ: ج5، ص 104، نيل الأوطار: ج2، ص 10).

(3) منتهى المطلب: ج4، ص 411 طبعة جماعة المدرّسين.

٣١٩

فإن جوّزوه فثلاثة أوجه في أنّ المؤذّن يأخذ الأجرة: أحدهما أنّه يأخذ على رعاية المواقيت، والثاني على رفع الصوت، والثالث على الحيّعلتين فإنّهما ليستا من الأذان، والأصحّ عندهم وجه رابع أنّه يأخذ على الأذان بجميع صفاته، ولا يبعد استحقاق الأجرة على ذكر الله، كما لا يبعد استحقاقها على تعليم القرآن إن اشتمل على تعلّم القرآن) (1).

أقول: ويستفاد من كلام العلاّمة وأقوال المذاهب الأخرى، أنّ الأذان تنطبق عليه عدّة طبايع مندوبة، فمضافاً إلى خصوصيّة الأذان تنطبق عليه أيضاً الطبيعة العامّة لشعائر الإسلام، فيندرج في قاعدة تعظيم الشعائر كما تنطبق عليه طبيعة ذِكر الله المندوب، ولعلّه باللحاظ الثالث تخرج الحيّعلات عن بقيّة الفصول، إذ ليس هي بذكر.

ومن ثُمّ لم يسوِّغ الشيخ الطوسي في المبسوط حكايتهنّ عند سماع الأذان لمَن كان في أثناء الصلاة، وقال: إنّهنّ من كلام الآدمي وإن كنّ مستحبّات من حيثيّة أذان الإعلام، وبالتالي فطبيعة الأذان قد اجتمعَ فيها عدّة طبايع شرعيّة، ولكلّ منها حكم يستحبّ عليها دون الطبيعة الأخرى، كما هو واضح من أمثلة الأحكام الآنفة، ومن ثُمّ يتبيّن تعدّد وجه مشروعيّة الشهادة الثالثة في الأذان تصل إلى ثلاثة وجوه أو أكثر، ومن تلك الوجوه جهة الشعيرة والشعائر الإيمانيّة.

وقال السيّد المرتضى في رسائله (المسألة الثالثة عشر: [ وجوب (حيّ على خير العمل) في الأذان ].

استعمال (حيّ على خير العمل) في الأذان، وأنّ تركهُ كترك شيء من ألفاظ الأذان.

____________________

(1) التذكرة: فصل الأذان والإقامة.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342