ايضاح ترددات الشرائع الجزء ٢

ايضاح ترددات الشرائع30%

ايضاح ترددات الشرائع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 200

  • البداية
  • السابق
  • 200 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17864 / تحميل: 5224
الحجم الحجم الحجم
ايضاح ترددات الشرائع

ايضاح ترددات الشرائع الجزء ٢

مؤلف:
العربية

١

٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( ذكر ترددات كتاب النكاح )

قالرحمه‌الله : وأكل ما ينثر في الاعراس جائز ، ولا يجوز أخذه الا باذن أربابه نطقا أو بشاهد الحال ، وهل يملك بالاخذ؟ الاظهر نعم.

أقول : يمكن أن يقال : ان الاذن في الاخذ يفيد إباحة التصرف لا التملك ، وهو ظاهر كلام المتأخر ، والفرق بين الاباحة والتملك أن الاباحة يجوز الرجوع فيها ما دامت العين باقية ، سواء كانت لاجنبي ، أو الذي رحم يصرف فيها ، أو لا بخلاف التمليك فانه لا يجوز الرجوع فيه وان كانت العين باقية.

قالرحمه‌الله : والعبارة عن الايجاب لفظان : زوجتك وأنكحتك. وفي متعتك تردد ، وجوازه أرجح.

أقول : منشؤه : النظر الى أن النكاح عصمة مستفادة من الشرع ، فتقف صحتها على ما دل الشرع على الانعقاد به قطعا في الدائم ، وليس الا لفظي الزواج والنكاح

٣

وهو ظاهر كلام الشيخ في المبسوط(١) ، وأتبعه المتأخر.

والالتفات الى أن الله تعالى قد عبر عن عقد النكاح بهذه الالفاظ الثلاثة ، فيكون موضوعة له ، اذ الاصل في الاطلاق الحقيقة ، وهذا الدليل ذكره المصنف في المسائل الكمالية ، وهو ظاهر كلام الشيخ في النهاية(٢) .

قالرحمه‌الله : ولو قال : زوجت بنتك من فلان ، فقال : نعم ، فقال الزوج : قبلت ، صح ، لان نعم يتضمن اعادة السؤال ولو لم يعد اللفظ ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن النكاح عصمة شرعية ، فيقف انعقاده على وجود اللفظ الذي جعله الشارع دليلا عليه ، وليس الا الزواج والنكاح ، أو المتعة على خلاف فيها.

والالتفات الى لفظة « نعم » تقتضي اعادة السؤال ، فيكون تقدير الكلام حينئذ : نعم زوجت بنتي ، ولا خلاف في الانعقاد لو أتى بذلك ، فكذا الاتيان بمعناه ، اذ المقصود بالذات انما هو المعنى ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(٣) .

ونمنع كون المعنى مقصودا فقط ، بل المقصود المعنى واللفظ معا ، كما في الطلاق وغيره من ألفاظ العقود والايقاعات ، ولعل الاول أقرب ، وهو ظاهر كلام المتأخر.

قالرحمه‌الله : لا عبرة بعبارة الصبي ايجابا وقبولا ، ولا بعبارة المجنون ، وفي السكران الذي لا يعقل تردد ، أظهره أنه لا يصح ولو أفاق فأجاز.

أقول : منشؤه : النظر الى أن السكران الذي لا يعقل مساو للمجنون ، فيكون حكمه حكمه.

__________________

(١) المبسوط ٤ / ١٩٣.

(٢) النهاية ص ٤٥٠.

(٣) المبسوط ٤ / ١٩٣.

٤

والالتفات الى الرواية المروية عن أبي الحسنعليه‌السلام (١) . وهي التي أشار إليها المصنف.

قالرحمه‌الله : ولا ولاية للوصي وان نص الموصى على النكاح على الاظهر.

أقول : ذهب الشيخرحمه‌الله في الخلاف(٢) الى ان ولاء النكاح مستفاد بالوصية ، اذا كان الموصي من له ولاية على الموصى عليه ، محتجا بالاصل ، ولانه لا مانع منه ، وبعموم قوله تعالى «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ »(٣) .

وأيضا فلا خلاف أن له أن يوصي بالنظر في مالهما(٤) ، فكذلك في التزويج والجامع بينهما ثبوت الولاية له عليهما. وضعف هذه الادلة جميعا ظاهر ، فلا حاجة بنا الى ابانته.

قالرحمه‌الله : اذا زوجها الولي بدون مهر المثل ، هل لها أن تعترض؟ فيه تردد ، والاظهر أن لها الاعتراض.

أقول : منشؤه : النظر الى أن في التزويج بدون مهر المثل ضررا على الزوجة وربما لحقها بذلك عار ، فيكون لها الاعتراض ، عملا بقولهعليه‌السلام « لا ضرر ولا اضرار »(٥) ولان تصرف الولي مشروط بالغبطة ، ولا غبطة في التزويج بدون مهر المثل.

والالتفات الى أن عقد الولي مأذون فيه شرعا ، فلا يكون لها الاعتراض فيه.

قالرحمه‌الله : لا ولاية للام على الولد ، فلو زوجته فرضي لزم العقد ، وان

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٩٢ ، ح ٤٧.

(٢) الخلاف ٢ / ١٤٢ مسألة ٩.

(٣) سورة البقرة : ١٨١.

(٤) فى « س » : ماله.

(٥) عوالى اللئالى ١ / ٣٨٣ و ٢٢٠ و ٢ / ٧٤ و ٣ / ٢١٠.

٥

كره لزمها المهر ، وفيه تردد ، وربما حمل على دعوى الوكالة فيه.

أقول : منشؤه : النظر الى أصالة براءة ذمة الام ، فمن شغلها بشي‌ء فعليه الدلالة ، ولان الام لا ولاية لها في غير النكاح عندنا ، فهي كالاجنبي سواء ، فان رضي بعقدها صح ولزمه المهر والا فلا ، وهو اختيار المتأخر.

والالتفات الى رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه سأله رجل زوجته أمه وهو غائب ، قال : النكاح جائز ، ان شاء الزوج قبل وان شاء ترك ، فان ترك الزوج تزويجه ، فالمهر لازم لامه(١) . وبها أفتى الشيخ في النهاية(٢) .

وضعف هذه الرواية ينشأ من مخالفتها الاصل أولا ، ومن جهالة حال بعض رجالها ثانيا.

وقال المصنفرحمه‌الله : يمكن حمل الرواية على أن الام ادعت الوكالة عن الولد ، فيلزمها المهر حينئذ ، لانها غارة ومدعية عقدا مأذونا فيه ، فيترتب عليه ثبوت المهر ، ان أوجبناه على الوكيل.

قالرحمه‌الله : اذا زوج الاجنبي امرأة ـ الى آخره.

أقول : أشار بقوله « على القولين » الى الاختلاف في أن عقد النكاح هل يقف على الاجازة أم لا؟ قال بعض الاصحاب : انه يقف على الاجازة ، وبعضهم منع من ذلك ، وقيل : ان عقد الاجنبي يقع باطلا ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف(٣) .

قالرحمه‌الله : لو طلق زوجته فوطئت بالشبهة ـ الى قوله : وان احتمل أن يكون منهما استخرج بالقرعة ، على تردد ، أشبهه أنه للثاني.

أقول : منشؤه : النظر الى أن مع تساوي الاحتمالين تنتفي الاولوية ، فيجب الاستخراج بالقرعة ، فمن خرج اسمه فهو له ، والا لزم الترجيح من غير مرجح

__________________

(١) فروع الكافى ٥ / ٤٠١ ـ ٤٠٢.

(٢) النهاية ص ٤٦٧.

(٣) الخلاف ٢ / ١٤٣.

٦

وهو خيرة الشيخ في المبسوط(١) .

والالتفات الى أن الزوجة فراش للثاني حينئذ ، فيكون الولد له ، عملا بعموم قولهعليه‌السلام « الولد للفراش وللعاهر الحجر »(٢) .

قالرحمه‌الله : انتشار الحرمة بالرضاع يتوقف على شروط : الاول ـ أن يكون اللبن عن نكاح ، فلو در أو كان عن زنا لم يثبت حرمة ، وفي نكاح الشبهة تردد ، أشبهه تنزيله على النكاح الصحيح.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الاصحاب لم يفصلوا بين النكاح الفاسد وبين نكاح الشبهة ، الا في الحاق الولد ورفع الحد ، فمن ادعى ثالثا فعليه الدليل ، وبه أفتى الشيخ في المبسوط(٣) وتبعه المتأخر.

والالتفات الى أن نكاح الشبهة يثبت معه النسب الصحيح الشرعي ، فكذلك الرضاع الشرعي ، عملا بقولهعليه‌السلام « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب »(٤) فجعله أصلا للنسب ، وهو الذي قواه الشيخ والمتأخر ، الا أن المتأخر قال بعد ذلك : ولي في ذلك نظر وتأمل.

وأقول : بعد منشأ هذا النظر المنع من دلالة الخبر على محل النزاع ، اذ المفهوم منه غير ذلك.

قالرحمه‌الله : ولو ارتضع من ثدي الميتة ، أو رضع بعض الرضعات وهي حية ثم أكملها [ ميتة ] لم ينشر الحرمة ، لانها خرجت بالموت عن التحاق الاحكام فهي كالبهيمة المرتضعة ، وفيه تردد.

__________________

(١) المبسوط ٤ / ٢٠٩.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٦ / ١٢٩.

(٣) المبسوط ٥ / ٢٩١.

(٤) عوالى اللئالى ١ / ٤٤ ، برقم : ٥٥.

٧

أقول : منشؤه : النظر الى انتشار الحرمة بالرضاع تعبد شرعي ، فيقف على الدليل الشرعي ، وحيث لا دلالة فلا حكم ، ولانها خرجت بالموت عن التكليف وانتشار الحرمة بالرضاع تكليف ، والمقدمتان ظاهرتان ، وبه أفتى الشيخ في المبسوط(١) والخلاف(٢) ، عملا بأصل الاباحة ، ولقوله تعالى «وَأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ »(٣) وهذه ما أرضعت ، وقوله تعالى «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ »(٤) وأتبعه المتأخر.

والالتفات الى عموم قولهعليه‌السلام « حرمة الميت كحرمة الحي »(٥) والمراد بلفظ الميت الذكر والانثى ، ومن جملة الحرمة انتشار التحريم بالرضاع ، فيحرم عليه ميتة مع اكماله الرضعات المعتبرة شرعا جميع من يحرم عليه لو كانت حية ، وهو قول أبي حنيفة ومالك والاوزاعي ، والاول عندي أقوى.

قالرحمه‌الله : الشرط الثالث ـ أن يكون الرضاع في الحولين ، ويراعى ذلك في المرتضع ، لقولهعليه‌السلام « لا رضاع بعد فطام »(٦) وهل يراعى في ولد المرضعة؟ الاصح أنه لا يعتبر.

أقول : مراعاة ذلك في المرتضع متفق عليه بين علمائنا وفتواهم على أنه لا يعتبر في ولد المرضعة ، فلو أرضعت صبيا بلبن ولدها الرضعات الشرعية ولولدها لصلبها أكثر من حولين نشر الحرمة.

وشرط أبو الصلاح في انتشار الحرمة أن يكون الرضاع واقعا في الحولين

__________________

(١) المبسوط ٥ / ٢٩٦.

(٢) الخلاف ٢ / ٣٢٣ مسألة ١٤.

(٣) سورة النساء : ٢٣.

(٤) سورة النساء : ٢٤.

(٥) تهذيب الاحكام ١ / ٤١٩ ، ح ٤٣.

(٦) عوالى اللئالى ١ / ٧٢ و ٢ / ١٢٨ و ٢٧٠ و ٣ / ٣٢٤.

٨

من غير المرتضع وولد المرضعة ، فلو حصل بعد أن مضى لهما أو لاحدهما حولان أو أكمل بعد مضيهما من عمرهما أو عمر أحدهما لم ينشر حرمة.

لنا ـ عموم قوله تعالى «وَأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ »(١) واصالة عدم الاشتراط ترك العمل بها في الصورة الاولى ، فيبقى معمولا بها في الثانية.

قالرحمه‌الله : لو كان له أمة يطأها ، فأرضعت زوجته الصغيرة ، حرمتا جميعا ويثبت مهر الصغيرة ، ولا يرجع به على الامة ، لانه لا يثبت للمولى مال في ذمة مملوكته ، نعم لو كانت موطوءة بالعقد يرجع به عليها ويتعلق برقبتها ، وعندي في ذلك تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن هذا الرضاع جار مجرى الجناية ، اذ فيه تفويت منفعة البضع على الزوج ، وجناية الامة تتعلق برقبتها اجماعا منا ، وهو اختيار الشيخرحمه‌الله في المبسوط(٢) .

والالتفات الى أصالة براءة الذمة ، وهي دليل قطعي ، فيتمسك بها الى حين ظهور الناقل قطعا أو ظاهرا. ونمنع كون منفعة البضع مضمونة ، وحملها على الجناية قياس ، وهو باطل عندنا في الشرعيات ، وبه أفتى الشيخ في الخلاف(٣) .

فرع :

القائل بالضمان أوجب بيعها فيه مع امتناع المولى عن الفك ، كما في الجناية وسيأتي ، والمصنفرحمه‌الله قال : ولو قلنا بوجوب العود لم نقل ببيع المملوك فيه ، بل تتبع به اذ تحررت.

فالمصنفرحمه‌الله أجراه مجرى الدين الذي يستدينه المملوك بغير اذن

__________________

(١) سورة النساء : ٢٣.

(٢) المبسوط ٥ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩.

(٣) الخلاف ٢ / ٣٢٤ مسألة ١٨.

٩

مولاه ، والشيخرحمه‌الله أجراه مجرى الجناية.

قالرحمه‌الله : وأما الوطي بالشبهة ، فالذي خرجه الشيخرحمه‌الله أنه ينزل منزلة النكاح الصحيح ، وفيه تردد ، أظهره أنه لا ينشر ، لكن يلحق معه النسب.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الوطي الصحيح ينشر حرمة المصاهرة ، فكذا ما هو في حكمه ، أعني : وطئ الشبهة وعقد الشبهة ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(١) .

والالتفات الى أن حمله على النكاح الصحيح والزنا قياس ، والاصل عدم التحريم ، فلا يصار إليه الا بدليل ، وهو اختيار المتأخر.

فرع :

الوطي المباح بغير عقد الشبهة والوطي بملك اليمين ، ينشر تحريم المصاهرة ويثبت به حرمة المحرم. وأما الوطي الحرام ، فلا يثبت به حرمة المحرم اجماعا ولا ينشر تحريم المصاهرة على الاقوى.

والمراد بانتشار الحرمة المنع من نكاح أم الزوجة مطلقا ، وابنتها اذا كان قد دخل بها معا على سبيل الدوام ، ومن نكاح اختها على سبيل الجمع.

والمراد بثبوت حرمة المحرم جواز النظر الى من حرم عليه نكاحهن بالمصاهرة تحريم تأبيد.

وأما الوطي بالشبهة ، فهل ينشر حرمة المصاهرة؟ سلف البحث فيه ، لكن لا خلاف أنه لا يثبت به حرمة المحرم.

قالرحمه‌الله : وأما النظر فيما يسوغ لغير المالك ، كنظر الوجه ولمس الكف ، لا ينشر الحرمة. وما لا يسوغ لغير المالك ، كنظر الفرج والقبلة ومس

__________________

(١) المبسوط ٤ / ٢٠٣.

١٠

باطن الجسد بشهوة ، فيه تردد ، أظهره أنه يثمر كراهية. ومن نشر به الحرمة ، قصر التحريم على أب اللامس والناظر وابنه خاصة ، دون أم المنظورة والملموسة وبنتها.

أقول : منشؤه : النظر الى أصل الاباحة ، ويؤيده عموم قوله تعالى «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ »(١) وعموم قوله تعالى «أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ »(٢) وهو اختيار المتأخر.

والالتفات الى رواية محمد بن علي قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الرجل يكون له الجارية يقبلها هل يحل لولده؟ فقال : بشهوة ، قلت : نعم ، فقال : ما ترك شيئا اذا قبلها بشهوة ، فقال ابتداءً منه ان جردها فنظر إليها بشهوة حرمت على أبيه وابنه(٣) .

وفي معناها رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (٤) . وهو اختيار الشيخ في النهاية(٥) .

واعلم أن الشيخ المفيد قدس الله روحه قصر التحريم على منظورة الأب دون منظورة الابن ، وتبعه أبو الصلاح ، عملا بروايتي محمد بن مسلم وجميل بن دراج عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (٦) .

وحكاه سلار رواية ، وقال الشيخ في المبسوط : النظر الى الفرج ينشر حرمة المصاهرة ، حكاه عنه صاحب كشف الرموز.

__________________

(١) سورة النساء : ٣.

(٢) نفس الآية.

(٣) تهذيب الاحكام ٨ / ٢٠٩.

(٤) تهذيب الاحكام ٨ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩ ، ح ٤٦.

(٥) النهاية ص ٤٩٦.

(٦) تهذيب الاحكام ٧ / ٢٨٢ ، ح ٢٩.

١١

قالرحمه‌الله : اذا دخل بصبية لم تبلغ تسعا فأفضاها ، حرم عليه وطؤها ولم تخرج من حباله ، ولو لم يفضها لم يحرم على الاصح.

أقول : ظاهر كلام الشيخ في النهاية(١) يقتضي التحريم مطلقا ، سواء حصل الافضاء بالدخول أو لم يحصل ، وهو ظاهر كلام المتأخر ، ولعله اعتماد على رواية سهل بن زياد عن يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابنا قال : اذا خطب الرجل المرأة ، فدخل بها قبل أن يبلغ تسع سنين فرق بينهما ولا تحل له أبدا(٢) .

لكن الرواية ضعيفة ، وسهل ضعيف ، وهي مع ذلك معارضة بالاصل وعمومات الآيات الدالة على إباحة الزوجات والمشهور من الروايات ، فهي اذن ساقطة.

والمراد بالتفريق في الخبر تحريم الوطي لا فسخ العقد ، ولا تحريم امساكها زوجة. وهذا التفسير ذكره المتأخر في تفسير كلام النهاية ، وهو حسن.

قالرحمه‌الله : من زنا بامرأة لم تحرم عليه نكاحها ، وكذا لو كانت مشهورة بالزنا ، وكذا لو زنت امرأته وان أصرت ، على الاصح.

أقول : لا خلاف أن مع عدم الاصرار لا تحرم الزوجة. وانما الخلاف لو حصل الاصرار ، فذهب الشيخ وأتباعه والمتأخر الى أنها لا تحرم ، عملا باصالة الاباحة ، تمسكا بعموم الآية. وقال المفيد : يحرم امساكها مع الاصرار ، الا أن تظهر التوبة ، وأطلق سلار القول بالتحريم.

قالرحمه‌الله : لو أسلم وعنده أربع حرائر وثنيات ، فأسلم معه اثنتان ، ثم اعتق ولحق به من بقي ، لم يزد على اختيار اثنتين ، لانه كمال العدد المحلل له ، ولو أسلمن [ كلهن ] ثم أعتق ثم أسلم ، أو أسلمن بعد عتقه واسلامه في العدة ، ثبت نكاحه عليهن ، لاتصافه بالحرية المبيحة للاربع ، وفي الفرق اشكال.

__________________

(١) النهاية ص ٤٥٣.

(٢) تهذيب الاحكام ٧ / ٣١٢ ، ح ٥٠.

١٢

أقول : منشؤه : النظر الى وجود الحرية المبيحة للاربع في الصورتين ، فيكون له اختيار الاربع جميعا في الصورة الاولى ، عملا بالمقتضي.

والالتفات الى أن الاعتبار بحال ثبوت الاختيار ، والاختيار انما ثبت له حال العبودية ، فاذا أعتق لم يتغير قدر ما ثبت له بعتقه ، كما أنه لو أسلم الحر موسرا وعنده أربع زوجات إماء ، فلم يتخير حتى أعسر ، لم يكن له أن يختار واحدة منهن ، اعتبارا بحال ثبوت الاختيار.

ولو كان معسرا حين أسلم معه ، فأيسر بعد ذلك ، كان له أن يختار واحدة ، اعتبارا بحال ثبوت الاختيار ، ولا ينظر الى تغير الحال فيما بعد ، وهو اختيار الشيخ محتجا بعين هذا الدليل.

فاذا تقرر هذا ، فله اختيار أي الاثنتين شاء السابقتين على عتقه ، أو المتأخر عنه ، وله أن يتزوج بأخريين ، أو يستأنف العقد على الاثنتين اللاحقتين.

قالرحمه‌الله : اختلاف الدين فسخ لا طلاق ـ الى قوله : ولو كان المهر فاسدا ، وجب به مهر المثل مع الدخول ، وقبله نصفه ان كان الفسخ من الرجل. ولو لم يسم مهرا والحال هذه ، كان لها المتعة كالمطلقة ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن ارتداد الزوج قبل الدخول فسخ ، حصل قبل الدخول فأشبه الطلاق ، فتجب لها المتعة ، كالمطلقة التي لم يسم لها مهرا صحيحا ولا فاسدا ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(١) .

والالتفات الى أصالة براءة الذمة ، ولان حملها على المطلقة قياس ، وهو عندنا باطل ، فلا يجب لها شي‌ء. ويحتمل وجوب نصف مهر المثل. أما لو حصل الارتداد بعد الدخول ولم يسم لها مهرا وجب مهر المثل قطعا.

قالرحمه‌الله : نكاح الشغار باطل ، وهو أن تتزوج امرأتان برجلين على أن

__________________

(١) المبسوط ٤ / ٢٢٥.

١٣

يكون مهر كل واحدة نكاح الاخرى. أما لو زوج الوليان كل منهما صاحبه وشرط لكل واحدة مهرا معلوما ، فانه يصح.

ولو زوج أحدهما الاخر وشرط أن بزوجه الاخرى بمهر معلوم ، صح العقدان ويبطل المهر ، لانه شرط مع المهر تزويجا ، وهو غير لازم ، والنكاح لا يدخله الخيار ، فيكون لها مهر المثل ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى تطرق الجهالة في المهر ، فيكون باطلا. أما المقدمة الاولى ، فلانه جعل تزويج كل واحدة منهما شطر صداق الاخرى ، فالبضع لم يشرك فيه اثنان حتى يكون شغارا ، فيبطل النكاح.

وانما قلنا انه جعل تزويج كل واحدة شطر صداق الاخرى ـ لانه ما رضي لبنته مهرا الا بشرط أن يحصل له نكاح بنت زوجها ، وهو شرط باطل لا يلزم الوفاء به فيبطل صداق المائة.

أما أولا ، فلان التزويج بعض الصداق هنا وقد بطل ، فيبطل جميع الصداق اذ بطلان الجزء يستلزم بطلان الكل ، لاستحالة وجوده من حيث أنه كل بدونه.

وأما ثانيا ، فلانه على تقدير عدم الوفاء بالشرط الذي هو التزويج يجب أن يرد الى المائة ما نقص من الصداق لاجل الشرط ، وذلك القدر مجهول ، فيبطل الصداق واذا بطل سقط ووجب مهر المثل والنكاح بحاله ، لان النكاح لا يفسد بفساد الصداق. هذا خلاصة كلام الشيخ في المبسوط(١) .

والالتفات الى أنه شرط سائغ ، فيكون لازما. أما الاولى ، فلان تزويج كل واحد من الرجلين بنت الاخر مشروع اجماعا. وأما الثانية ، فلقولهعليه‌السلام « المؤمنون عند شروطهم »(٢) ولانه شرط وقع في عقد لازم ، فيكون لازما بالاغلبية.

__________________

(١) المبسوط ٤ / ٢٤٤.

(٢) عوالى اللئالى ١ / ٢٩٣ ، برقم : ١٧٣.

١٤

قالرحمه‌الله : لا يقع بالمستمتع بها ايلاء ولا لعان على الاظهر.

أقول : مذهب الشيخرحمه‌الله أنه لا يقع ، وتبعه أبو الصلاح والمتأخر ، وقال المرتضى وشيخنا المفيد : انه يقع.

لنا ـ الروايات المشهورة المنقولة عن أهل البيتعليهم‌السلام .

قالرحمه‌الله : وفي الظهار تردد ، أظهره أنه يقع.

أقول : منشؤه : النظر الى عموم الآية فيقع ، وبه أفتى المفيد والمرتضى وابن أبي عقيل وأبو الصلاح.

والالتفات الى أن المتمتع بها ليس لها اجبار الزوج على النكاح ، فلا يقع بها الظهار ، لعدم الفائدة ، وبه أفتى ابن بابويه والمتأخر ، عملا برواية علي بن فضال(١) . واعتبار فائدة الظهار في المطالبة بالوطء ممنوع ، والرواية مرسلة فليست حجة.

قالرحمه‌الله : وتعتد من الوفاة ولو لم يدخل بها ، بأربعة أشهر وعشرة أيام ان كانت حائلا ، وبأبعد الاجلين ان كانت حاملا ، على الاصح.

أقول : هذا هو المشهور بين الاصحاب ، ومستنده عموم آية الوفاة ، وبه روايات كثيرة عن أهل البيتعليهم‌السلام قال المفيد وسلار : وعدتها شهران وخمسة أيام وهو ظاهر كلام المرتضى ، واختاره القاضي عبد العزيز بن البراج ، ومستنده رواية الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن رجل تزوج متعة ثم مات عنها ما عدتها؟ قال : خمسة وستون يوما(٢) . وحملها الشيخرحمه‌الله على كون الزوجة مملوكة ، توفيقا بين الروايات ، وهو حسن.

قالرحمه‌الله : لو باع أمة وادعى أن حملها منه ، فانكر المشتري ، لم يقبل

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٥٣٤.

(٢) تهذيب الاحكام ٨ / ١٥٨ ، ح ١٤٦.

١٥

قوله في افساد البيع ، ويقبل في التحاق الولد ، لانه اقرار لا يتضرر به الغير ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى عموم قولهعليه‌السلام « اقرار العقلاء على أنفسهم جائز »(١) فيكون مقبولا ، ولانه اقرار لا يتضرر به المشتري ، سواء باعه الامة بحملها أو منفردة عنه.

والالتفات الى أن في هذا الاقرار اضرارا بالغير ، فلا يكون مسموعا. أما الصغرى ، فلوجوب فكه من تركة أبيه مع القول بالتحاقه بتقدير الموت ولم يخلف وارثا سواه ، وهو اضرار عظيم بالمشتري. وأما الكبرى ، فلقولهعليه‌السلام « لا ضرر ولا اضرار في الاسلام »(٢) ولانعقاد الاجماع عليها.

قالرحمه‌الله في فصل العيوب : والجنون سبب لتسلط الزوجة على الفسخ ، دائما كان أو أدوارا. وكذا المتجدد بعد العقد وقبل الوطي ، أو بعد العقد والوطي وقد يشترط في المتجدد أن لا يعقل أوقات الصلاة ، وهو في موضع التردد.

أقول : الاشتراط ظاهر كلام الشيخ في المبسوط(٣) والخلاف(٤) ، وقال في النهاية : ان اختارت فراقه كان على وليها طلاقه(٥) .

وأما منشأ التردد : فالنظر الى أصالة لزوم العقد ، فلا يتسلط على فسخه الا بدليل ولم يثبت في غير المستغرق لاوقات الصلاة.

والالتفات الى ظاهر رواية القاسم بن محمد عن علي بن أبي حمزة قال : سئل أبو ابراهيمعليه‌السلام المرأة تكون لها الزوج قد أصيبت في عقله من بعد ما تزوجها أو

__________________

(١) عوالى اللئالى ١ / ٢٢٣ و ٢ / ٢٥٧ و ٣ / ٤٤٢.

(٢) عوالى اللئالى ١ / ٢٢٠ و ٣٨٣ و ٢ / ٧٤ و ٣ / ٢١٠.

(٣) المبسوط ٤ / ٢٥٠.

(٤) الخلاف ٢ / ١٨٣.

(٥) النهاية ص ٤٨٦.

١٦

عرض له جنون ، قال : لها أن تنزع نفسها منه ان شاءت(١) .

فشرع لها الفسخ مطلقا ، ولم يعتبر الاستغراق وعدمه ، ولا طلاق الولي أيضا ، لكن الرواية ضعيفة ، فان القاسم بن محمد وعلي بن أبي حمزة واقفيان.

والمعتمد في الاستدلال على ثبوت الفسخ مطلقا أن يقال : لا جرم أن الجنون سبب مانع من الاستمتاع كما ينبغي ، وتستضر به المرأة ضررا عظيما ، فيسوغ لها الفسخ ، دفعا للضرر الناشئ من فوات ثمرة العقد.

قالرحمه‌الله : والعنن مرض يضعف معه القوة عن نشر العضو ـ الى قوله : فلو وطأها ولو مرة ، ثم عن أو أمكنه وطؤ غيرها مع عننه عنها لم يثبت لها الخيار على الاظهر.

أقول : قال الشيخرحمه‌الله في المبسوط(٢) : اذا كان له أربع نسوة ، فعن عن واحدة دون الثلاث ، لم يحكم لها بحكم العنة عند أصحابنا ، وقال المخالف : لها حكم نفسها ويضرب لها المدة.

وبمعناه قال في الخلاف(٣) ، ونسب القول الاخر الى الشافعي ، واستدل باجماع الفرقة وأخبارهم.

قالرحمه‌الله : ولو حدث الجب لم يفسخ به ، وفيه قول آخر.

أقول : قال الشيخ في المبسوط(٤) والخلاف(٥) : لا ترد الرجل من عيب يحدث به الا الجنون الذي لا يعقل معه أوقات الصلاة ، وقال المخالف : اذ احدث واحد من الاربعة : الجنون والجذام والبرص والجب ، فلها الخيار ، وعندنا أنه لا خيار

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٧ / ٤٢٨ ـ ٤٢٩ ، ح ١٩.

(٢) المبسوط ٤ / ٢٥٠.

(٣) الخلاف ٢ / ١٨٣.

(٤) المبسوط ٤ / ٢٥٢.

(٥) الخلاف ٢ / ١٨٣.

١٧

في ذلك ، واحتج في الخلاف بأن العقد قد صح شرعا ، وثبوت الرد يحتاج الى دليل ، وحيث لا دلالة فلا رد.

قالرحمه‌الله : أما الجنون ، فهو فساد العقل ـ الى قوله : مع غلبة المرة.

أقول : قال صاحب الصحاح : المرة احدى الطبائع الاربع ، والمرة القوة وشدة العقل أيضا ، ورجل مرير أي : قوي ذو مرة(١) .

قالرحمه‌الله : وأما العرج ، ففيه تردد ، أظهره دخوله في أسباب الفسخ اذا بلغ الاقعاد.

أقول : منشؤه : النظر الى التمسك بمقتضى العقد ، وهو اللزوم وعدم التسلط على الفسخ ، وهو ظاهر كلام الشيخ في المبسوط(٢) والخلاف(٣) .

والالتفات الى أن في ذلك عضاضة على الزوج ، وربما نفرت نفسه منه وتضرر به ، فيسوغ له الفسخ دفعا لمضرته ، وهو اختيار الشيخ في النهاية(٤) . والذي ذكره المصنف توسط بين القولين ، ولا بأس به.

قالرحمه‌الله : العيوب الحادثة بالمرأة قبل العقد مبيحة للفسخ ، وما يتجدد بعد العقد والوطي لا يفسخ به ، وفي المتجدد بعد العقد وقبل الدخول تردد ، أظهره أنه لا يبيح الفسخ ، تمسكا بمقتضى العقد السليم عن معارض.

أقول : منشؤه : النظر الى أصالة لزوم العقد ، ترك العمل بها في الصورة الاولى ، للاخبار والاجماع ، فيبقى معمولا بها فيما عداها ، وهو اختيار المتأخر.

والالتفات الى عموم الاخبار الواردة بثبوت الرد مع وجود هذه العيوب ، ولم يفصلوا بين العيب السابق على العقد أو المتأخر عنه ، وهو اختيار الشيخ في

__________________

(١) صحاح اللغة ٢ / ٨١٤.

(٢) المبسوط ٢ / ٢٥٠.

(٣) الخلاف ٢ / ١٨٢.

(٤) النهاية ص ٤٨٥.

١٨

المبسوط(١) والخلاف(٢) .

قالرحمه‌الله في المهور : وهل يجب تعيين الحرف.

أقول : المراد بالحرف هنا القراءة ، يقال قرأت بحرف أبي عمرو ، أي : بطريقته.

قالرحمه‌الله : قيل : اذا لم يسم [ لها ] مهرا وقدم لها شيئا ثم دخل ، كان ذلك مهرها ـ الى قوله : واستنادا الى قول مشهور.

أقول : هذه المسألة أفتى بها الشيخان وابن البراج وسلار ، وتبعهم المتأخر ، مدعيا للاجماع عليها محتجا به.

والمراد بالرواية ما روي عن الباقرعليه‌السلام في رجل تزوج امرأة فدخل بها فأولدها ثم مات عنها ، فادعت شيئا من صداقها على ورثة زوجها ، فجاءت تطلبه منهم وتطلب الميراث ، قال فقال : أما الميراث فلها أن تطلبه ، وأما الصداق فان الذي أخذت من قبل أن يدخل عليه ، فهو الذي حل للزوج به فرجها ، قليلا كان أو كثيرا ، اذ هي قبضته منه وقبلته ودخلت عليه ، فلا شي‌ء لها بعد ذلك(٣) .

ولا جرم أن هذه الرواية مطلقة ، فتأولها الشيخان وأتباعهما بما ذكروه ، جمعا بين الادلة ، وهو حسن.

قالرحمه‌الله : ولو نقصت عين المهر أو صفته ، مثل عور الدابة أو نسيان الصنعة ، قيل : كان لها نصف القيمة [ سليما ] ولا يجبر على أخذ نصف العين وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن المفروض مهرا انما هو العين دون القيمة ،

__________________

(١) المبسوط ٤ / ٢٥١.

(٢) الخلاف ٢ / ١٨٣.

(٣) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٥٩ ، ح ٢٢.

١٩

فيجب أخذ نصف الموجود منها ونصف قيمة التالف ، عملا بظاهر قوله تعالى «وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ »(١) أي : فلكم نصف ما فرضتم ، لانه تعالى جعل النصف مستحقا بالطلاق ، ولا يجوز أن يكون المستحق للنصف بالطلاق الزوجة ، لانها كانت مالكة لجميع المهر بالعقد ، فتعين أن يكون الزوج ، وهو ظاهر كلام الشيخ في المبسوط(٢) والخلاف(٣) .

والالتفات الى أن المفروض انما هو العين سليمة من جميع العيوب ، فيكون بالخيار بين أخذ نصف الموجود ونصف قيمة التالف ، وبين أخذ نصف قيمتها معا ، دفعا للضرر الناشي من وجوب أخذ نصف العين معيبا ، وهو القول الاخر للشافعي ، واختاره الشيخ في المبسوط أولا.

قالرحمه‌الله : ولو زاد بكبر أو سمن ، كان له نصف قيمته من دون الزيادة ولا تجبر المرأة على دفع العين ، على الاظهر.

أقول : قال الشيخرحمه‌الله في المبسوط(٤) بعد أن خير المرأة في هذه الصورة بين دفع نصف العين ، وأوجب على الزوج القبول حينئذ ، وبين دفع القيمة من دون الزيادة ، ويقوى في نفسي أن له الرجوع في نصفه مع الزيادة التي لا تتميز ولقوله تعالى «فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ »(٥) وان كان الاول قويا.

والاول عند المتأخر أولى ، لانه نماء حدث في ملكها ، فيكون لها. والمقدمتان اجماعيتان.

قالرحمه‌الله : ولو أصدقها تعليم سورة ثم طلقها قبل الدخول والتعليم ،

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٣٧.

(٢) المبسوط ٤ / ٢٧٧.

(٣) الخلاف ٢ / ١٩١.

(٤) المبسوط ٤ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨.

(٥) سورة البقرة : ٢٣٧.

٢٠

له ، ولعياله فلم يكن يشغله زهده ، وورعه ، وتقاه من القيام بأمور الأرض من حرث ، وزراعة ، وسقي ، وما تتطلبه الفلاحة من أعمال حيث يؤجر نفسه لآخرين للقيام بهذه الأعمال.

الم يتمكن أمير المؤمنين وهو المقرب عند الله أن يدعو ربه ليرزقه فيريحه من العمل ، والمشاق التي كان يتحملها لتحصيل المال ليصرفه على عياله؟ ولماذا كل هذا الاهتمام بالعامل ، والعمل ، والإِنتاج اذا كان كل منا يتكل على الدعاء كوسيلة لجلب المال ، والرفاه؟

وفي مقام الدفاع عن النفس ، والحرب على الكفار نرى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقود المسلمين في حروبهم مع الكفار ، ويتكبد في كثير منها الخسائر في الأرواح ، والأموال مع أنه كان بإمكانه أن يدعو الله ليكف عنه وعن المسلمين الأذى والحرب فينصرهم ، وينصرهم ترتفع كلمة الإِسلام ، وهم قابعون في ديارهم.

وكان بإمكانه أن لا يطلب الأطباء لجرحى الحروب ، وللمرضى بل يدعو لهم ، أو يأمرهم بالدعاء ليحصل لهم الشفاء العاجل.

كل ذلك لم يحصل من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولم يكن على الله ببعيد أن يلبي كل ذلك ، واكثر. ولكن النظام الكوني لم يتبين على هذا النوع من التسامح ـ وسنتعرض فيما سيأتي ـ الى بيان هذه النقطة وأن القضية لا بد لها من حصول الأسباب الظاهرية ، من عملٍ ، وسعي ودفاع ، ومراجعة طبيب.

والأسباب الحقيقة : هي إرادة الله ، ومشيئته.

وتثبيتاً لما نقول نرى الآية الكريمة تقول :

٢١

( وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ) .

والمخرج هو الطريق فلا بد للإِنسان أن يسلك ذلك الطريق ليصل الى الغاية أما أن يجلس في مكانه ، ويأمل أن يأتيه كل شيء من وراء الغيب ، فهذا أمر لا تقره الشريعة ، ولا النظم الكونية فقد أبى الله الا أن يجري الأمور بأسبابها ، ومن مخارجها ، ومداخلها.

نعم الاهتداء الى الأسباب ، والطريق المنتجة المؤثرة يكون بتوفيقه ، وتسديده.

٢ ـ مع القائلين برفض الدعاء وأدلتهم :

يتنوع القائلون برفض فكرة الدعاء في بيان وجهة نظرهم ونوعية الأدلة التي يقدمونها لإِثبات ما يذهبون اليه ، وإن كان كلهم يشتركون في القول : بإن الدعاء لا معنى للأخذ به كفكرة مركزة لتخليص الداعي من الذنوب ، وما تجره من ويلات عقابية ، وكذلك فيما يخص الداعي فيما يطلبه من ربه لما يعود الى أموره الحياتية ، والمعاشية.

ونتيجة لتتبع مصادر نقل أرائهم نراهم ينقسمون الى طوائف عديدة :

الطائفة الأولى : ويقولون بإن الدعاء لا يتعدى كونه طلب شيء لا تقره القوانين الكونية وذلك :

لأن الحكمة الإِلهية اقتضت بناء هذا العالم وما يحدث فيه على الأسباب ، والمسببات ، ولم تقتض المشيئة الإِلهية أن توجد مسببات بدون أسبابها لاختلال الأمور لو كانت المسببات تحصل لوحدها ـ وعلى سبيل المثال ـ فإن الشريعة المقدسة قد قررت على من يصل إلى سن

٢٢

التكليف تكاليف ، وجوبية ، وتحريمية إضافة الى المستحبات ، والمكروهات ، وبينت كل ذلك له. وحينئذٍ فمن إمتثل ما قرر له من الواجبات ، وترك المحرمات فله جزاؤه الذي يترتب على الإِتيان بالواجب ، والعقاب الذي يناله من يخالف ، ويأتي بالمحرم. أما أنه يترك ما هو واجب عليه ويأتي بما هو محرم ، ويدعو الله ليغفر له مثل هذه المخالفات فهذا معناه الطلب من الله تعطيل قاعدة الأسباب ، والمسببات ، وإجابة الله ـ لو فرضت ـ لمثل هذه الأدعية ما هي الا نسف لما بني عليه هذا الكون من الارتباط الترتبي بين الأسباب ، ومسبباتها. وهكذا الحال في الأمور المعاشية ، فإن تحصيل المال يتبع الأصول الأساسية لقاعدتين : العمل ، والتجارة ، ولكل من هذين شروطه ، وبإتباعها يتمكن الانسان من الحصول على المال. أما الاعتماد على الدعاء والانتظار لما وراء الغيب ، فهذا موضوع يبتنى على توقع تحصيل المال من باب الجزاف ، والاعتباط.

والرد على هذا الدليل : بعدم التنافي بين فكرتي الدعاء ، وقانون الاسباب ، والمسببات ففي الوقت الذي نقر فيه بأن المسبب لا يتخلف عن سببه إذا حصل نقول :

بإن الدعاء يؤثر أثره وذلك لأن السبب على نحوين :

تكويني ، وتشريعي.

ويمثل للأول : بسببية النار للحرارة ، والشمس لوجود النهار ، وحصول الضوء.

أما الثاني : وهو السبب التشريعي فيمثل له باستحقاق العقاب الذي رتبه الشارع على صدور الذنب من المكلف ، وكلا هذين لا

٢٣

يتخلف عنه حصول السبب مع الفارق في الاعتبار فيهما ، فإن الأول سبب تكوني ، والثاني سبب تشريعي ، وإلا فالترتب في كلبهما حاصل بلا تخلف.

ومن هذه الزاوية تتبين المغالطة التي فرضها المستدل ، فإنه اعتبر المسبب المترتب على صدور الذنب نفس العقوبة ، لذلك توقف من قبول الأخذ بفكرة الدعاء لأن السبب ، وهو الذنب إذا حصل ، فمعناه حصول العقاب إذاً فما تأثير الدعاء في البين؟

ولكن بما بيناه اتضح أن المسبب على صدور الذنب هو استحقاق العقاب لا نفس العقاب ، فإن المكلف إذا أذنب كان جزاؤه ما رتب على ذلك الذنب من عقوبة. أما نفس العقوبة الفعلية فتتأخر عن مرحلة الاستحقاق ، وبين هاتين المرحلتين : الاستحقاق ، والتحقق يأخذ الدعاء مكانه ، فيسلك الداعي المذنب طريق ال عاطفة ، وفيتضرع الى من بيده الحل ، والعقد ان يوقف تأثير الاستحقاق ، ويهيء المانع من تأثيره والمانع هو إرادته تعالى بالعفو عنه ، فهو إذاً بدعائه يطرق باباً لعله بتضرعه يفتح له فيصل منه الى غايته.

وفي الوقت نفسه : الداعي بهذا الطريق الذي يسلكه لا يتخطى ما رسمه الله له ، من الخط الذي اذا سار عليه وصل الى هدفه المنشود.

فهو تعالى علمه الدعاء ، بل وأمره به ، وبعد كل ذلك ضمن له الاجابة. جرى كل ذلك عبر الآيات الكريمة ، والأخبار الشريفة ، والتي صرحت بأن الله يحب عبده الملحاح في دعائه.

وقد تحدى سبحانه بأن يتعرض العبد فهل يجد من هو أرحم منه

٢٤

يجيب دعوة الداعي أذا دعاه ، وتوجه اليه.

ونستعرض لهذا النوع من التحدي في مطاوي البحوث الآتية.

الطائفة الثانية من القائلين بالرفض :

وتذهب هذه الطائفة الى القول : بإن الآيات القرآنية هي التي صرحت بعدم تأثير الدعاء لانها جاءت تقول : بإن الإِنسان ليس له من دنياه إلا ما يقدمه من عمل ، وجهد. أما الكيل من الأجر لمن لا يعمل ، أو عمل ولكنه عمل على خلاف ما يرض الله ، فذلك مالا وجه له وبهذا الصدد تقول الآيات الكريمة :

( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (١) .

( أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّـهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (٢) .

( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ) (٣) .

إذاً فالمسألة تابعة لأجر الإِنسان ليوفى يوم القيامة بما كان يستحقه من جراء ما قدمه من عمل ، والله سريع الحساب. فلا جزاف في البين ، ولا أثره لبعض على حساب البعض الآخر بل كل يستحق جزاءه ، ويعطيه طبق عمله ، ومجهوده ومن خلال الآية الكريمة في قوله تعالى :

( وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ) (٤) .

__________________

(١) سورة آل عمران : آية (٨٥).

(٢) سورة البقرة : آية (٢٠٢).

(٣) سورة آل عمران : آية (١٩٥).

(٤) سورة النجم : آية _ ٣٩).

٢٥

تبدو أبعاد العملية الجزائية واضحة صريحة ، فلكل إنسان مقدار سعيه. أما ما زاد على ذلك فليس له فيه حظ ونصيب ، لأن ما يحسب له إنما هو سعيه ، وعمله.

وتتوصع الآية فتلقي أضواءً جديدة على الموضوع حيث تكمل :

( وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ، ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ ) (١) .

وهنا يأتي دول التفضيل ، واللطف منه سبحانه فإذا سعى العبد واستحق بازاء سعيه ما رتب على ذلك من ثواب ، فإن سعيه سوف يرى من قبل ربه ، فإن أحس منه التقرب ، والتودد فيجازيه الجزاء الأوفى. والجزاء الأوفى هو ما يفيضه الله على عبده من باب العطف والتفضل لا من باب الاستحقاق.

إذاً فالسعي والعمل هما المناط في تحصيل الجزاء لا الدعاء والاتكال وانتظار أن يأتيه كل شيء بدون تقديم مجهود في هذه الحياة.

والجواب عن هذه الآيات : بإنا نرى في قبال هذه الآيات الكريمة آيات أخرى تحث على الدعاء ، وتأمر بالاخذ به ، يقول تعالى :

( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (٢) .

( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) (٣) .

__________________

(١) سورة النجم : آية (٤٠) ، (٤١).

(٢) سورة المؤمن : آية (٦٠).

(٣) سورة الأعراف : آية (٥٥).

٢٦

( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (١) .

أما الأخبار الواردة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في هذا الخصوص فكثيرة ، وقد طفحت بها كتب الحديث لكافة الفرق الإِسلامية.

والآن فنحن نقف بين طائفتين من الأخبار ، والآيات.

طائفة : توقف الإِنسان عند حده ، وتفهمه بإن الأمور ليست من قبيل الجزاف ، والاعتباط ، بل لكل إنسان جزاء سعيه ، وتعود القضية بالاخير الى الدقة في الموازنة بين العمل والجزاء ، حتى ولو دعا الداعي ما شاء له أن يدعو ربه.

أما الطائفة الثانية : فهي تحث العبد على التوجه الى ربه ، والتضرع اليه ، وقد كفل له أن يجد من عطفه مالا يرجعه خائباً ، بل يستجيب له دعواته.

ويزيد في الترغيب أن الآيات التي تكفلت بالإِجابة لم تقيد الاجابة بحالة خاصة يشترط أن يكون العبد عليها ، بل هي مطلقة من هذه الجهة ، ولسانها عام يضمن الاستجابة حتى ولو كان العبد غير مستحق للإِجابة.

وطبيعي ان العارضة تبدو واضحة بين هاتين الطائفتين فلأي منهما التقديم وبأي من هذين يؤخذ؟

__________________

(١) سورة البقرة : آية (١٨٦).

٢٧

وفي مقام الإِجابة نقول :

لا معارضة بين هاتين الطائفتين ، وان بدا ذلك ظاهراً منها ببيان : أن الطائفة الأولى : وردت في مقام بيان ما يستحقه المكلف من الأجر ، والاستحقاق إزاء عمله ، فبيّن الله بصريح الآيات بانه لا يضيع عمل كل عامل ، وسعي كل ساعي ، وانه يوفي العباد أجورهم. أما الطائفة الثانية : فلسانها لسان التفضل ، والعطف ، ولا علاقة لذلك بالأجر والاستحقاق ، فهي من قبيل قوله تعالى في آية اخرى :

( وَاسْأَلُوا اللَّـهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) (١) .

والداعي عندما يهرع ربه داعياً يسأله من فضله ، ولا يطالبه بأجره ، بل ربما لا يرى لعمله شيئاً يستحق أن يطالب به لذلك لا نرى تنافياً بين الطائفتين من الأخبار لأن كل طائفة تنظر الى جهة تختلف عن الجهة التي تنظر اليها الطائفة الثانية.

الطائفة الثالثة ممن يقولون برفض الدعاء :

ويذهب هؤلاء الى القول بلغوية الدعاء ، وعبثيته ، وأنه من الأمور التي يشغل الإِنسان بها نفسه ، وهو في غنىً عن ذلك. ويستدل على ذلك بان الواقع الخارجي يكذب قضية الدعاء وذلك ، لأن الداعي لا يدري ما سيتخذ الله بالنسبة الى ذنوبه من قرار فهل سيغفرها أم لا؟

هذا بالنسبة الى الذنوب وعالم الآخرة. وأما ما يعود الى الأمور الدنيوية فإن نسبة الإِجابة ضئيلة جداً إذا قيست لما يبذله الداعي من

__________________

(١) سورة النساء : آية (٣٢).

٢٨

جهد في دعائه ، وفي تقديم طلباته.

وحتى هذا المقدار من الاجابة لو حصل لربما يكون من باب المصادفات الطبيعية لا من باب إجابة الله لدعاء عبده.

فمثلاً : نرى الشخص يدعو ربه لشفاء مريضه ، أو لعودة مسافره من سفره بعد طول غياب ، أو يطلب الولد من ربه ، وهكذا غير هذه من أمنيات طويلة ، وعريضة وفي هذه الحالات قد لا تتحقق الطلبات المذكورة ، وقد تتحقق ، ولكن من يدري أن تحققها كان استجابة لدعاء الداعي؟ بل ربما كان لأجل انتهاء دورة المرض عند المريض ، فيتصور الممرض أن الشفاء كان لدعائه. أو أن الوضع العادي للمسافر صادف رجوعه حيث أنهى مهمته وعاد الى وطنه فيظن من ينتظره بان دعاءه استجيب فعاد مسافره ببركة توسلاته.

أو تلد المرأة ولداً بحسب التقدير الإِلهي الأولي لتلك المرأة فيظن الوالد بأن دعاءه في طلب الولد قد استجيب له ، وفعلاً قد أخذ مفعوله في التاثير ، فرزقه الله ولداً مستجيباً له دعاءه. وهكذا تسير قافلة الداعين في الدعاء ويسير الفلك في تقديراته الأولية وللمصادفات بين هذين أن تأخذ دورها في تحقيق الآمال ، والأمنيات.

بهذا وشبهه تصدى هؤلاء الرافضون لفكرة الدعاء والالتجاء الى الله في كل الأمور الدنيوية ، والأخروية.

الرد على هذه الطائفة :

وردنا على هؤلاء يتخلص في أن الدعاء ـ كما هو واضح ـ.

٢٩

تارة : يكون لطلب المغفرة والصفح عن الذنوب الصادرة من الداعي.

وثانية : لأمور الداعي الدنيوية من رزقٍ ، أو ولد ، او شفاء مريض وما شاكل من طلبات.

أما الأول : وهو ما يعود الى طلب الغفران فلا معنى لان نرى النتيجة من الاجابة ضئيلة ، أم غير ضئيلة ، ومن يتمكن أن يعرف ذلك لأن موضوعه يرجع الى ما وراء الغيب ، وحساب ذلك الى الله يوم القيامة ، وعندها يعرف الداعي نتائج دعائه ، وثمرات توسلاته ، وتضرعه من غفران الله له أم لا؟

وأما النوع الثاني : وهو الذي تظهر نتائجه في الخارج ، ويمكن مشاهدته في هذه الدنيا ، فإن نسبة الإِجابة ، وعدمها لا معنى لتقديرها بالحساب ، ذلك لان الله عندما خلق الخلق لم يتركهم دى بل قدر لهم مصالحهم ، وما يعود الى نفعهم ، وعدم النفع ، بل ما يجلب لهم المفسدة كل ذلك يلاحظ الله ، ويسيرهم على طبقه لإِنه رؤوف بعباده وعطوف علهيم ، وهو الذي خلقهم ، وهم عياله.

وعلى هذا المبنى فالداعي حر في دعائه ، وفي كل ما يطلب من ربه ، ولكل ما يريد في هذه الحياة. ولكن بعد دعائه هناك رب يرعى حاله ، ويلاحظ مصالحه يقدر كيف سيلبي طلبه ، وحينئذٍ فإن كان في صلاحه الإِجابة الفورية تفضل الله عليه بذلك لو علم منه صدق النيّة ، وحسن التوجه ، وان كان صلاحه في التأخير أخر له ذلك ريثما يحين الوقت الذي شاءت المصلحة تأخيره لذلك الوقت. ولربما تكون المصلحة في عدم الإِجابة لذلك يحرم

٣٠

الداعي من مطلوبه. ولقد وردت أخبار كثيرة تصرح بإن الغني لبعض الأشخاص يكون سبباً في بطره ، وكفره ، وهكذا طلب الولد ، فإنه قد يكون نقمة عليه لذلك يكون الفقر هو الأًصلح له ، وكذلك حرمان الداعي من الولد هو الأولى لأنه لو حصل فسيكون وبالاً عليه. وعلى نطاق أوسع فقد تختلف الرغبات من الأشخاص : فالبعض يتجه الى الله متضرعاً يريد المطر ، بينما يكون دعاء آخر بعدم نزوله ، ولكل رغبته ومآربه فهنا اذاً استجاب الله لكليهما ، فمعناه الجمع بين النقيضين ، وان تركهما معاً فمعناه جفاه لكل منهما. وإن استجاب لأحدهما دون الآخر ، فمعنى ذلك الترجيح بلا مرجح ، وحينئذٍ ترسو النتيجة على وجود المرجح ليقدم طلب أحد هذين. والمرجح هو المصلحة ، وعدم المفسدة ، ولا بد في هذه الصورة من تلبية من تكون المصلحة في طلبه ، وأما من يكون طلبه فيه مفسدة ، فسيحرم من الإِجابة ، وبحرمانه يقال : كيف وصل الأمر الى عدم الاجابة؟ وقد قال تعالى :

( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .

والمفروض أن من حرم الإِجابة قد قام من جهته بما أمر به الله من الدعاء فلماذا حرم الإِجابة؟

ويتناول القرآن هذه الناحية فيوجه الأمة الى لزوم التسليم لأمر الله تعالى لأنه الأبصر بمصالح العبد ، وهو الأعرف بما ينفعهم يقول تعالى :

( وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (١) .

__________________

(١) سورة البقرة : آية (٢١٦).

٣١

والإِنسان لا يدري اين يكون الخير ليتبعه ، واين يكون الشر فيتجنبه ، بل هو ، وبوحي من رغبته ، وتجاربه يكون فكرة عن الشيء فيظن من وراء طلب ذلك الخير ، فيقدم على طلبه ، أو من ورائه الشر ، فيحجم عنه ، وفي كلا الحالين لا يقطع بما سيترتب على ما أراد.

ولكن الله هو العالم ، وهو المطلع على الغيب ، ومن يدري فلعل ما أراده يكمن فيه الشر ، أو ما تركه ، أو أحجم عن طلبه فيه كل الخير ، إذاً فوراء كل ذلك القدرة الإِلهية فما على الإِنسان إلا أن يسلم أمره الى الله تعالى.

فمن العبد : الدعاء ، والطلب.

ومن الله : ما وراء ذلك من تمحيص دعوة الداعي من الخير ، او الشر. وتبدو هذه السلوكية الرفيعة في الدعاء ، والتسليم الى المولى في كل ما يقدره على العبد واضحة في مناجاة الإِمام (عليه السلام) : «اللهم ان عفوك عن ذنبي ، وتجاوزك عن خطيئتي ، وصفحك عن ظلمي ، وسترك على قبيح عملي ، وحلمك عن كثير جرمي عندما كان من خطأي وعمدي ، أطمعني في أن أسئلك مالا أستوجبه منك الذي رزقتني من رحمتك ، وأريتني من قدرتك ، وعرفتني من إجابتك ، فصرت أدعوك آمناً ، وأسئلك مستأنساً ، لا خائفاً ولا وجلاً ، مدلاً عليك ، ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور»(١) .

__________________

(١) مقطع من دعاء الافتتاح الذي يدعى به في كل ليلة من ليالي شهر رمضان.

٣٢

وتسلسل الدعاء في فقراته ، وبدء نغم المناجاة يبين الأسباب التي دعت الداعي وهو المذنب المتجاوز أن يستزيد من الطلب ويريد من ربه مع عدم استحقاقه لذلك ـ أن الأسباب تكمن في عفوه سبحانه ، وتجاوزه ، وصفحه ، وستره على المذنبين. وهذا هو الذي دفع بالعبد أن يطمع في السؤال ، والطلب كأن له التطول على ربه.

ولكنه يعود أخيراً ليسلم الأمر الى الله ، ويطلب العذر في كل ذلك منه لأنه بشر ، والبشر بطبيعته جاهل بعواقب الأمور ولا يدري ما وراء الغيب ، ولعل الذي أبطأ هو الأصلح بحاله لأن العالم بعواقب الأمور هو الله وحده.

إن هذه السلوكية في الركون الى الله ، والتحدث اليه تمتد في جذورها لتستقي رواءها العذب من الخطوط العريضة التي يشرح أبعادها أمير المؤمنين الإِمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لولده الإِمام الحسن (عليه السلام) نستعرضها لتكون درساً لمن يرون التباطؤ في الإِجابة وسيلة لرفض الدعاء. يقول «صلوات الله عليه» :

«واعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والأرض ، قد اذن لك في الدعاء ، وتكفل كل بالإجابة ، وأمرك أن تسأله ليعطيك ، وتسترحمه ليرحمك ، ولم يجعل بينك وبينه ، من يحجبك عنه ، ولم يلجئك الى من يشفع لك اليه ، ولم يمنعك إن أسأت من التوبة ولم يعالجك بالنقمة ، ولم يعيرك بالإِنابة ، ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى ، ولم يشدد عليك في قبول الإنابة ، ولم يناقشك بالجريمة ، ولم يؤيسك من الرحمة ، بل جعل نزوعك عن الذنب حسنة وحسب سيئتك واحدة ، وحسب حسنتك عشراً ، وفتح لك باب المتاب ،

٣٣

فإذا ناديته سمع نداءك ، وإذا ناجيته علم نجواك ، فأفضيت اليه بحاجتك ، وبثثته ذات نفسك وشكوت اليه همومك ، واستكشفته كروبك ، واستعنته على أمورك ، وسألته من خزائن رحمته مالا يقدر على إعطائه غيره من زيادة الاعمار ، وصحة الأبدان ، وسعة الأرزاق ، ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك من مسألته فمتى شئت إستفتحت بالدعاء أبواب نعمته ، وإستمطرت شأبيب رحمته فلا يقنطك ابطاء إجابته ، فإن العطية على قدر النية ، وربما أخرت عنك الاجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل ، وأجزل لعطاء الآمل ، وربما سألت الشيء ، فلا تؤتاه ، وأوتيت خيراً منه عاجلاً ، أو آجلاً ، أو صرف عنك لما هو خير لك ، فلرب أمرٍ قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته ، فلتكن مسالتك فيما يبقى لك جماله ، وينفى عنك وباله ، فالمال لا يبقى لك ، ولا تبقى له»(١) .

إن هذا المقطع من وصية أمير المؤمنين يبدأ فيه بتناول المشكلة من مراحلها الأولية ، فالله هو الذي أمر بالدعاء ، وهو الذي تضمن بالإِجابة ، وحبب اللجوء اليه ، ولم يلجئك الى شفيع ووعدك بالخير وصور الخير أنه : حسب السيئة واحدة ، وتفضل فاعتبر حسنتك مضاعفة الى عشرة. كل ذلك ليقربك اليه وليرفع الكلفة في الطلب والهيبة في الإِقدام.

ومع كل هذا اللطف ، والتفضل ، فهل يحسن بالإِنسان أن يسيء الظن بمثل هذا الرب العطوف ، ولذلك نرى الإِمام «عليه

__________________

(١) مقطع من وصية الامام علي بن أبي طالب «عليه السلام» كتبها لولده الحسن «عليه السلام» عند رجوعه من صفين ببلدة من نواحيها يقال لها : (حاضرين).

٣٤

السلام» ينهى الداعي أن يقنط لو ابطأت الإِجابة عليه. ولماذا يدب اليأس الى قلبه؟ إذ من يدري فقد يكون التأخير في صالحه ، ولربما كان سبب التأخير ، والابطاء هو أن الله سيجمع له بعد مرور هذه الفترة من الإِنتظار الإِجابة ، والأجر.

الإِجابة : تعقيباً لدعائه.

والأجر : جزاء على تأخير الإِجابة.

وهي طرق يتوخى الله سبحانه أن من ورائها ان يجزل العطاء لعبده بكل وسيلة ، وبأي سبب.

إذاً وعلى ضوء هذه التعليمات القيّمة لا يبقى مجال للإِعتراض بالابطاء ولا يكون تأخير الإِجابة تبعاً للمصلحة ، والتبديل بالأحسن منافياً لقوله تعالى :( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .

وهكذا لبقية الآيات التي أمرت بالدعاء وتكفلت بالإِجابة فان الله عز وجل صحيح قد أمر بالدعاء ، وكذلك بنص الآية قد وعد بالإِجابة ، ومن الواضح أن الله لا يخلف وعده. كل ذلك لا إشكال فيه ، ولكن المشكلة تنحل لو علمنا بإن الله عز وجل مع لطفه وعطفه ووعده بالإِجابة ، واعطائه لعبده أكثر مما يستحق لم يقيد نفسه بالوقت ، ولم يحدد إجابته بفترة معينه يعينها بين الدعاء والإِجابة ، بل ترك ذلك مفتوحاً له ليوازن بين الدعاء ، وبين ما يعود بالنفع على الداعي من دعائه ، أو ما يعود عليه بالشر لو كان ما طلبه على خلاف مصلحته ، أو المصلحة العامة.

ولو القينا نظرة آخرى على هذه الوصية القيّمة لرأينا الإِمام فيها يصور لنا عملية استدراج الله لعبده لجلبه اليه لذلك يبدأ معه بالأمر

٣٥

بالدعاء والحث عليه ، وانه سيجد منه أذناً صاغية وقلباً مفتوحاً يقطر عطفاً وحناناً. ولكن على الداعي أن يعلم بأن هذا الكون يسير على نظام دقيق ، وان هناك بشراً يعيشون مثله لهم أيضاً رغبات كرغباته ، وقد تختلف في مثل هذه الحالة مصالحهم ، وفي صورة الاختلاف لأي منهما الترجيح. كل ذلك لا بد من رجوعه إلى عين ساهرة ترعى الجميع ولا تقدم البعض على حساب الآخرين.

الطائفة الرابعة ممن يقولون بالرفض :

وهؤلاء هم : القدريون الذين يتقيدون بإن كل شيء في هذه الحياة من خير أو شر ، مقدر على الإِنسان يراه بدون تخلف ، وحينئذ اذا كان الأمر مقدراً على الإِنسان أن يلاقي ما كتب له فما هو معنى الدعاء والتضرع؟ بل لا بد من الإِنتظار ، وتوقع ما هو مكتوب عليه سواءً كان ذلك المقدر خيراً ، أو مما هو من القضايا التي تجلب الويل عليه.

الرد على هؤلاء :

وهو أنا سوف نتعرض في ضمن شرح الفقرة الآتية من الدعاء «وأسعده على ذلك القضاء» ـ لبيان معنى كلمة القدر ، وما يراد من ذلك.

ولكن وعلى سبيل الإِختصار نقول :

بإن القدر : إنما هو تقدير الشيء ، وتدبيره. وبعد هذه المرحلة تأتي مرحلة القضاء ، وهي مرحلة التحقق لما قدر ، ودبر ، أو الحتمية لما قدر ، ودبر.

٣٦

والآن فمع المستدل على رفض الدعاء بالقدر : بإن معنى القدر ـ كما عرفت ـ هو ما قدره الله على العباد. أما مرحلة القضاء ، والحتمية فمتأخرة ، والداعي بدعائه يطلب من ربه ان لا يلحق قدره بقضائه بل يتجاوز عما قدره عليه :

و( لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ) (١) .

وهو على كل شيء قدير ، فلا منافاة اذاً بين الدعاء ، والقدر.

الطائفة الخامسة ممن يقولون بالرفض :

ويقول هؤلاء بأن الله سبحانه يعلم الغيب ، ومطلع على كل شيء في هذا الوجود ، وحتى على السرائر ، والضمائر ، ويعلم ما تجيش به نفس الإنسان. واذا كان الأمر كذلك فلماذا ينتظر الله من عبده أن يدعو ويتضرع؟ بل هو يرحم ، وهو يغير ما دام يحس من عبده حسن النية وقد صنع مع نبيه ابراهيم «عليه السلام» مثل ذلك عندما القي في النار حيث نقل عنه ان جبرئيل سأله ، وهو بتلك الحالة ألك حاجة؟

فأجابه : أما اليك فلا.

قال جبرائيل : إذاً فادع الله.

ويجيب ابراهيم قائلاً : علمه بحالي يغنيه عن سؤالي.

وفي بعض الروايات انه قال له : حسبي من سؤالي علمه بحالي(٢) .

__________________ ـ

(١) سورة الروم : آية (٤).

(٢) لاحظ للموضوع بتوسع كتاب الدعاء : للشيرازي.

٣٧

فلماذا إذاً التوسل والدعاء وهو العالم ولا يخفى عليه شيء(١) ؟

الرد على هذه الطائفة :

نقول ان عمل النبي ابراهيم «عليه السلام» وهو خليل الله لا يكون ملزماً لبقية البشر. والقضية ليست من الأحكام الشرعية ليتعبد بها ، وعلى فرض ذلك ، فشريعته تختلف عن شريعتنا.

على أن بين أيدينا من الآيات ، والروايات ما يكفي لقناعة الإِنسان بإن الله ، وهو العالم والمطلع ، هو الذي يحث عبده على الدعاء ، ويأمره بذلك ، ويعلمه طريقة اللجوء اليه ، ويحب عبده الملحاح ، وإنه كريم لا ينقص منه شيء إذا اجاب عبده ، وأعطاه ما أراد وسنتعرض في ثنايا البحث الى ذكر الكثير منها كما وقد ذكرنا البعض منها فيما سبق. ومرة أخرى نقول :

إن الدعاء هو الموصل الروحي بين العبد وربه ، ولا منافاة بين أن يكون الله عالماً بحال العبد ، ولكنه ـ في الوقت نفسه ـ يحب أن يضرع اليه ليقبل عليه بوجهه الكريم ، فيجيبه الى ما سأله ، ويزيد على ذلك ، فهو ذو الفضل العظيم.

٣ ـ القائلون بالحد الوسط بين الرفض والقبول :

ويتخذ هؤلاء الحد الوسط فيرفضون القولين معاً :

فلا هم يأخذون بالدعاء في كل شيء كالقول الأول.

ولا هم يتركون الدعاء مطلقاً كما يقوله الرافضون له.

__________________ ـ

(١) لاحظ للموضوع بتوسع كتاب الدعاء : للشيرازي.

٣٨

بل يسلكون حداً وسطاً بين هذين القولين. فهم يبنون حياتهم العملية على العمل والجد ، ولكنهم ـ في الوقت نفسه ـ يتوجهون الى الله أن يبارك لهم ركب الحياة ، فيمنحهم التوفيق في أعمالهم ، ويدفع عنهم الشرور والأحداث.

وهكذا في مجال الطب والمرض ، فإن مراجعتهم للطبيب لا تكفي في نظرهم لو لم يبارك الله لهم هذه المراجعة ، فهم يدعون الله أن يختار لهم الأصلح ، ويجعل الشفاء على يديه لأن الطبيب وسيلة للشفاء. فمن الله يريدون إرشادهم الى الوسيلة النافعة وهكذا الحال في الحروب ، والميادين الحربية ، فهم يقابلون الأعداء بشجاعة ، وبسالة ، ولكنهم يطلبون النصر من عند الله لأن الله عز وجل هو الذي يقول :

( وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) (١) .

وفي آية أخرى يقول تعالى :

( يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) (٢) .

وهكذا في الجانب العبادي من حياة الإِنسان ، فإنه لا معنى للقول بالإِتكال على مغفرة الله ، والإِتيان بالمخالفات من ترك الواجبات والاتيان بالمحرمات ، مضافاً الى التجاوز على أموال الناس ، وأعراضهم إعتماداً على عفو الله ، ورحمته ، بل لا بد من الالتزام بكل ما هو مفروض. ويلجأ الإِنسان بعد هذا الى الدعاء لو زلت

__________________

(١) سورة آل عرمان : آية (١٢٦).

(٢) سورة الروم : آية (٥).

٣٩

قدمه ليقبل الله توبته فيجد من عطف ربه ما يتجاوز به عما صدر منه.

واذاً فما يراه هؤلاء من الرأي هو انضمام العمل ، والتوبة ، وطلب المغفرة ، وطلب الأمور الحياتية ، لا الإِتكال على الدعاء فقط ، ولا الإِعتماد على النفس فحسب.

وقد ظهر بأن هذا القول هو القول الذي يرجح على القولين الأول والثاني بعد ردنا لهما ـ كما تقدم ـ.

وندلل عليه : بان الإِنسان لم يترك سدى في هذه الحياة ، بل خلق ، ومنح العقل ، والتفكير ، وحمل المسؤولية الحياتية ، وبذلك ميز عن بقية المخلوقات لذلك كان عليه أن يعمل.

ـ وفي نفس الوقت ـ بما أنه مخلوق ضعيف ، وقد صرح خالقه بهذه الحقيقة عندما قال :

( وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا ) (١) .

فلا بد أن يجبر ضعفه هذا باللجوء الى من بيده القوة ، والقدرة ليعينه في هذه المسيرة الشاقة ، وليسدد خطاه في إرشاده الى الطريق المستقيم.

( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) (٢) .

ومن ذلك الذي يهدي الى الصراط المستقيم غير الله عز وجل؟

__________________

(١) سورة النساء : آية (٢٨).

(٢) سورة الحمد : آية (٥).

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200