مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق8%

مكارم الأخلاق مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: مکتبة الأخلاق والدعاء
الصفحات: 481

مكارم الأخلاق
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 207740 / تحميل: 11478
الحجم الحجم الحجم
مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

١

٢

٣

٤

المؤلف والكتاب في سطور

المؤلف:

هو الحسن الملقب برضي الدين والمكنى بأبي نصر نجل الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي(١) ، من أعلام القرن السادس الهجري.

كان من أكابر علماء الامامية، وأجلاء هذه الطائفة وثقاتهم، روى عن والده أمين الدين الفضل الطبرسي، وعنه مهذب الدين الحسين بن أبي الفرج ردة النيلي. من اسرة علمية تسلسل فيها العلم والفضل.

فأبوه صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن الذي لا يزال حتى اليوم مرجعا لكل طالب تفسير، وصاحب أعلام الورى بأعلام الهدى، وجوامع الجامع وغير ذلك من المؤلفات القيمة.

وولده علي بن الحسن كان من العلماء المؤلفين وهو صاحب كتاب « مشكاة الانوار » المطبوع في النجف الاشرف سنة ١٣٧٠، ويمكن اعتبار كتابه تتميما لكتاب والده ( مكارم الاخلاق ).

كل الذين تحدثوا عنه لم يذكروا لا مكان ولادته ولا تاريخها، ولا مكان وفاته ولا تاريخها، رغم من العلماء البارزين، واكتفوا بالقول بأنه كان من أعلام القرن السادس الهجري، وإنما ذكر المقدس السيد محسن الامين العاملي في أعيان الشيعة ج ٢٣ ص ٩ - ١٥، انه توفي في سبزوار سنة ٥٤٨ هـ ونقلت جنازته إلى المشهد الرضوي،

__________________

١ - منسبوب إلى طبرستان وهي بلاد واسعة مجاورة لبلاد مازندران، وجيلان، وجرجان في إيران، راجع معجم البلدان للحموي حرف الطاء المهملة.

٥

ودفن هناك في موضع يعرف بقتلكاه، وانه كان قبل انتقاله إلى سبزوار يسكن المشهد الرضوي، وانه انتقل إلى سبزوار سنة ٥٢٣، وعلى هذا يكون قد أقام في سبزوار خمسا وعشرين سنة.

هذا كل ما أمكننا أن نعرفه عن حياته. على أن بعضهم يناقش تاريخ الوفاة المذكور ومحل دفنه المذكور في أعيان الشيعة، وينسبون كل ذلك إلى والده صاحب التفسير حيث ان والده مدفون بخراسان ( المشهد الرضوي ) في شارع الموسوم بشارع الطبرسي وقبره مزار لحد اليوم. ومهما كان الامر فان ما وصلنا من أخباره العلمية كله ثناء عليه.

فقد وصفه صاحب أمل الامل(١) بأنه كان محدثا فاضلا، ووصفه في رياض العلماء(٢) بالمحدث الجليل.

ووصفه في مستدرك الوسائل: بالفقيه النبيل المحدث الجليل.

وقال المجلسي ( ره ) في مقدمة البحار: بأنه قد أثنى عليه جماعة من الاخيار. إلى غير ذلك من الصفات التي ذكرها هؤلاء وغيرهم.

الكتاب:

هو مكارم الاخلاق ومعالم الاعلاق، الحاوي لمحاسن الافعال والاداب، من سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآدابه وأخلاقه، وأوصافه، وسائر حالاته، وحالات الائمة المعصومينعليهم‌السلام وما روت في ذلك عنه وعن أهل بيته صلوات الله عليه وعليهم.

قال المجلسي ( ره ) في مقدمة بحاره: وكتاب المكارم في الاشتهار كالشمس في رائعة النهار.

__________________

١ - للشيخ المحدث أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي المعروف بالحر العاملي صاحب ( وسائل الشيعة ) المتوفى سنة ١١٠٤ هـ.

٢ - للفاضل المتتبع الميرزا عبد الله بن عيسى بن محمد صالح التبريزي الشهير بالافندي المعاصر للعلامة المجلسي.

٦

وقال غيره من العلماء: إن مكارم الاخلاق قد ألف في حياة والده، وهو كتاب نفيس نافع مشهور، حسن الترتيب، كثير الجمع، اشتهر وانتشر في عصر مؤلفه.

طبع هذه الكتاب القيم مرات ومرات في كل من مصر إيران. فقد طبع لاول مرة في مصر في مطبعة عبد الواحد الطوبي وعمر حسين الخشاب في شعبان سنة ١٣٠٣ ه وانتشر واشتهر وكثر الاقبال عليه، ثم اعيد طبعه في مطبعة بولاق، وفي مطبعة أحمد البابي الحلبي سنة ١٣٠٦، ولكنه مع الاسف الشديد حرف في جميع الطبعات المصرية تحريفا فظيعا وتغييرا شنيعا. ولما كانت نسخ هذا الكتاب المخطوطة كثيرة في كل من العراق وإيران، واطلع عليها جماعة من العلماء والفضلاء، جمعوا عدة نسخ من مخطوطة الكتاب وقاموا بتصحيحه وتدقيقه وطبعه في إيران. وطبع بعد ذلك عدة طبعات في كل من إيران والعراق. ونظرا لاهمية الكتاب، ونفاذ نسخه من الاسواق التجارية، وكثرة الطلب، قامت هذه المؤسسة الثقافية بإعادة طبعه ونشره بعد التصحيح الدقيق والتعليق اللازم خدمة للعلم، والله من وراء القصد.

بيروت في ١٥ / ٤ / ١٩٧٢ م

محمد الحسين الأعلمي

٧

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الواحد الاحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، والصلاة والسلام على محمد عبده المجتبى، ورسوله المصطفى، أرسله إلى كافة الورى، بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وعلى أهل بيته أئمة الهدى ومصابيح الدجى، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا والسلام على من اتبع الهدى.

وبعد فإن الله سبحانه وتعالى لما جعل التأسي بنبيه مفتاحا لرضوانه وطريقا إلى جنانه، بقوله عزوجل:( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر ) واتباعه واقتفاء أثره سببا لمحبته، ووسيلة إلى رحمته بقوله عز من قائل:( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) حداني هذا الفوز العظيم إلى جمع كتاب يشتمل على مكارم أخلاقه ومحاسن آدابه وما أمر به أمته، فقالعليه‌السلام : إنما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق. لان العلم بالشيء مقدم على العمل به، فوجدت في كلام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ما يحتوي على حقيقة سير الانبياء وهي الانقطاع بالكل عن الناس إلى الله في الرجاء والخوف وعن الدنيا إلى الاخرة.

وخص من جملتهم نبينا محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله بكمال هذه السيرة وحثنا ورغبنا على الاقتداء به فقالعليه‌السلام بعد كلام له طويل لمدع كاذب يدعي بزعمه أنه يرجو الله: كذب والعظيم ما باله [ و ] لا يتبين رجاؤه في عمله وكل من رجا عرف رجاؤه في عمله إلا رجاء الله فإنه مدخول، وكل خوف متحقق إلا خوف الله فإنه معلول، يرجو الله في الكبير

٨

ويرجو العباد في الصغير، فيعطي العبد ما لا يعطي الرب، فما بال الله جل ثناؤه يقصر به عما يصنع بعباده؟ أتخاف أن تكون في رجائك له كاذبا، أو تكون لا تراه للرجاء موضعا؟ وكذلك إن هو خاف عبدا من عبيده أعطاه من خوفه ما لا يعطي ربه فجعل خوفه من العباد نقدا، وخوفه من خالفه ضمارا(١) ووعدا وكذلك من عظمت الدنيا في عينه وكبر موقعها في قلبه، آثرها على الله فانقطع إليها وصار عبدا لها، ولقد كان في رسوله اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كاف لك في الاسوة ودليل على ذم الدنيا وعيبها وكثرة مخازيها ومساويها، إذ قبضت عنه أطرافها ووطأت لغيره أكنافها وفطم عن رضاعها وزوى عن زخارفها، وإن شئت ثنيت بموسى كليم الله إذ يقول: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير والله ما سأله إلا خبزا يأكله، لانه كان يأكل بقلة الارض، ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه، لهزاله وتشذب(٢) لحمه، وإن شئت ثلثت بداود صاحب المزامير وقارئ أهل الجنة، فلقد كان يعمل من سفائف الخوص بيده ويقول لجلسائه: أيكم يكفيني بيعها ويأكل قرص الشعير من ثمنها، وإن شئت قلت في عيسى بن مريم فلقد كان يتوسد الحجر ويلبس الخشن وكان إدامه الجوع وسراجه بالليل القمر وظلاله في الشتاء مشارق الارض ومغاربها، وفاكهته وريحانه ما تنبت الارض للبهائم، ولم تكن له زوجة تفتنه ولا ولد يحزنه ولا مال يلفته ولا طمع يذله، دابته رجلاه وخادمه يداه. فتأس بنبيك الاطيب الاطهرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن فيه أسوة لمن تأسى وعزاء لمن تعزى وأحب العباد إلى الله المتأسي بنبيه والمقتص لاثره، قضم الدنيا قضما ولم يعرها طرفا، أهضم أهل الدنيا كشحا(٣) وأخمصهم من الدنيا بطنا، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها، وعلم أن الله أبغض شيئا فأبغضه وحقر شيئا فحقره، وصغر شيئا فصغره، ولو لم يكن فينا إلا حبنا ما أبغض الله وتعظيمنا ما صغر الله لكفى به شقاقا لله ومحادة عن أمر الله.

__________________

١ - الضمار الوعد المسوف.

٢ - الصفاق ككتاب: هو الجلد الاسفل الذي تحت الجلد الذي عليه الشعر أو جلد البطن وهو المراد ههنا. والتشذب: التفرق.

٣ - قضم الشيء: كسره بأطراف أسنانه وأكله، والمراد الزهد في الدنيا والرضا منها بالدون. والهضم: خمص البطن وخلوها. والكشح، ما بين السرة ووسط الظهر.

٩

ولقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل على الارض، ويجلس جلسة العبد ويخصف بيده نعله ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري، ويردف خلفه ويكون الستر على باب بيته تكون فيه التصاوير فيقول: يا فلانة - لاحدى أزواجه - غيبيه عني فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها، فأعرض عن الدنيا بقلبه وأمات ذكرها من نفسه وأحب أن تغيب زينتها عن عينه، لكيلا يتخذ منها رياشا(١) ولا يعتقدها قرارا ولا يرجو فيها مقاما، فأخرجها من النفس وأشخصها عن القلب وغيبها عن البصر وكذلك من أبغض شيئا أبغض أن ينظر إليه وأن يذكر عنده.

ولقد كان في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما يدلك على مساوئ الدنيا وعيوبها، إذ جاع فيها مع خاصته، وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته، فلينظر ناظر بعقله أأكرم الله بذلك محمدا أم أهانه؟ فإن قال: أهانه فقد كذب والله العظيم، وأتى بالافك العظيم، وإن قال: أكرمه فليعلم أن الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له وزواها عن أقرب الناس منه.

فإن تأسى متأس بنبيه واقتص أثره وولج مولجه وإلا فلا يأمن الهلكة فإن الله جعل محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله علما للساعة ومبشرا بالجنة ومنذرا بالعقوبة، خرج من الدنيا خميصا وورد الاخرة سليما، لم يضع حجرا على حجر حتى مضى لسبيله وأجاب داعي ربه، فما أعظم منة الله عندنا حين أنعم علينا به سلفا نتبعه وقائدا نطأ عقبه والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها ولقد قال لي قائل: ألا تنبذها؟! فقلت: اغرب عني فعند الصباح يحمد القوم السرى.

فهذه الخطبة كافية في مقصودنا على طريق الجملة ونحن نذكر تفصيل مكارم أخلاقهصلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع أحواله وتصرفاته وجلوسه وقيامه وسفره وحضره وأكله وشربه خاصة وجميع ما روي عنه وعن الصادقينعليهم‌السلام في أحوال الناس عامة ونسأل الله التوفيق في إتمامه، إنه على ما يشاء قدير، وتيسير العسير عليه سهل يسير.

__________________

١ - الرياش: ما كان فاخرا من اللباس والاثاث.

١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

الباب الاول

في خلق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وخلقه وسائر أحواله، وفيه خمسة فصول:

الفصل الاول

في خلقه وخلقه وسيرته مع جلسائه

برواية الحسن والحسينعليهما‌السلام من كتاب محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني عن ثقاته، عن الحسن بن عليعليه‌السلام قال: سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي(١) وكان وصافا عن حلية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به فقال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخما مفخما يتلالا وجهه تلالؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع وأقصر من المشذب(٢) ، عظيم الهامة، رجل الشعر(٣) ، إذا انفرقت عقيصته قرن(٤) وإلا فلا يجاوز شعره شحمه أذنيه إذا هو وفرة، أزهر اللون واسع الجبين، أزج الحواجب(٥) سوابع في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب

__________________

١ - هو أخو فاطمةعليها‌السلام من قبل أمه، وكان رجلا فصيحا، قتل مع عليعليه‌السلام يوم الجمل.

٢ - المشذب كمعظم: الطويل.

٣ - أي ليس كثير الجعودة ولا شديد السبوطة، بين الجعودة والاسترسال.

٤ - العقيصة: الفتيلة من الشعر وفي الشعر كثرته.

٥ - « وفرة » كدفعة. و « أزج الحواجب » أي الدقيق الطويل. السوابع: الاتصال بين الحاجبين.

١١

أقنى العرنين(١) ، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم(٢) ، كث اللحية(٣) ، سهل الخدين، أدعج، ضليع الفم(٤) ، أشنب مفلج الاسنان(٥) ، دقيق المسربة كأن عنقه جيد دمية(٦) في صفاء الفضة، معتدل الخلق بادنا متماسكا، سواء البطن والصدر عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس(٧) ، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط(٨) ، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين، أعلى الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، سبط القصب، شثن الكفين والقدمين(٩) ، سائل الاطراف، خمصان الاخمصين(١٠) ، مسيح القدمين(١١) ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعا، يخطو تكفئا ويمشي هونا، سريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب وإذا التفت إلتفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الارض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه ويبدر من لقي بالسلام.

قال: قلت له: صف لي منطقه؟

قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متواصل الاحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة،

__________________

١ - العرنين: الانف. أقنى العرنين أي محدب الانف.

٢ - الشمم: ارتفاع في قصبة الانف مع استواء أعلاه.

٣ - يعني كثيف الشعر في لحيته. رجل سهل الوجه: قليل لحمه.

٤ - الدعج: سواد العين. وضليع الفم واسعه وعظيمه.

٥ - شنب الرجل فهو أشنب: كان أبيض الاسنان، والمفلجة من الاسنان: المنفرجة.

٦ - المسربة: الشعر وسط الصدر إلى البطن. والدمية بالضم: الصورة المزينة فيها حمرة كالدم.

٧ - الكردس: الوثاق المفصل.

٨ - اللبة: موضع القلادة من الصدر.

٩ - « رحب الراحة »: وسيع الكف كناية عن الرجل الكثير العطاء. القصب: كل عظم ذي مخ أي ممتد القصب. وشثن الاصابع غليظها.

١٠ - لم يصب باطن قدمه الارض.

١١ - مقدم قدمه ومؤخره مساو.

١٢

ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه(١) ويتكلم بجوامع الكلم، فصلا لا فضولا ولا قصيرا فيه، دمثا(٢) ليس بالجافي ولا بالمهين يعظم النعمة وإن دقت ولا يذم منها شيئا، ولا يذم ذواقا ولا يمدحه ولا تغضبه الدنيا وما كان لها إذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث أشار بها، فضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح(٣) ، وإذا فرح غض من طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام(٤) .

قال الحسنعليه‌السلام : فكتمتها الحسين زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه، فسألته عمن سألته فوجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه وشكله فلم يدع منها شيئا.

قال الحسين بن علي: سألت أبي عن دخول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك وكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء، جزءا لله عزوجل، وجزءا لاهله، وجزءا لنفسه، ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة والخاصة ولا يدخر - أو قال لا يدخر - عنهم شيئا.

فكان من سيرته في جزء الامة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم وأصلح الامة من مسألته عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم ويقول ليبلغ الشاهد الغائب وأبلغوني في حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون زوارا، ولا يفرقون إلا عن ذواق، ويخرجون أدلة فقهاء.

قال فسألته من مخرجه كيف كان يصنع فيه؟

__________________

١ - الاشداق: جوانب الفم، والمراد أنه لا يفتح فاه كله، وفي بعض النسخ ( بابتدائه ).

٢ - الدماثة: سهولة الخلق.

٣ - أشاح: أظهر الغيرة، والشائح: الغيور.

٤ - الغمام: السحاب، والمراد أنه تبسم ويكثر حتى تبدو أسنانه من غير قهقهة.

١٣

قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يخزن لسانه إلا فيما يعنيه، ويؤلفهم ولا يفرقهم - اوقال ولا ينفرهم - ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس الفتن، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس فيحسن الحسن ويقويه ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الاسر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.

قال: فسألته عن مجلسه؟

فقال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله جل اسمه، ولا يوطن الاماكن وينهي عن إيطانها(١) وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، يعطي كلا من جلسائه نصيبه، حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه بسطه وخلقه فكان لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الاصوات ولا يوهن فيه الحرم ولا تنثى فلتاته(٢) ، متعادلون متفاضلون فيه بالتقوى، متواضعون، يوقرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون - أو قال يحوطون الغريب.

قال: قلت: كيف كانت سيرته مع جلسائه؟

قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب(٣) ولا فحاش، ولا عياب ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، فلا يؤيس منه ولا يخيب فيه مؤمليه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والاكثار ومما

__________________

١ - يعني لا يتخذ لنفسه مجلسا يعرف به.

٢ - نثوته نثوا من باب قتل: أظهرته. والفلتات: الهفوات أو الامر فجأة.

٣ - الصخاب من الصخب وهو شدة الصوت.

١٤

لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا. ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أوليهم، يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه ويصير للغريب على الجفوة في منطقة ومسألته، حتى أن كان أصحابه ليستجلبونهم(١) ، ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه(٢) ، ولا يقبل الثناء إلا عن مكافئ ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام.

قال: قلت: كيف كان سكوته؟

قال: كان سكوت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أربعة: على الحلم والحذر والتقدير والتفكر، فأما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم والصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستنفره، وجمع له الحذر في أربعة: أخذه بالحسن ليقتدي به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاده فيما أصلح امته، والقيام فيما جمع لهم خير الدنيا والاخرة.

الفصل الثاني

في نبذ من أحواله وأخلاقه من كتاب شرف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وغيره

في تواضعه وحيائهصلى‌الله‌عليه‌وآله

عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعود المريض، ويتبع الجنازة، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار، وكان يوم خيبر ويوم قريضة والنضير على حمار مخطوم بحبل من ليف تحته إكاف من ليف(٣) .

__________________

١ - يعني أنهم يستجلبوا الفقير لئلا يؤذي النبي.

٢ - الرفادة. الضيافة وورود المدعو على الداعي. والرفد بكسر الرا: الهبة والعطية.

٣ - المخطوم: من خطم الحمار بحبل أي جعله على أنفه. والاكاف: برذعة الحمار وجله.

١٥

عن أنس بن مالك قال: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا إليه لما يعرفون من كراهيته لذلك.

عن ابن عباس قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يجلس على الارض ويأكل على الارض ويعتقل الشاة ويجيب دعوة المملوك.

عن أنس بن مالك قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مر على صبيان فسلم عليهم وهو مغذ.

عن أسماء بنت يزيد قالت: إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مر بنسوة فسلم عليهن.

عن ابن مسعود قال: أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رجل يكلمه فأرعد، فقال: هون عليك فلست بملك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القد(١) .

عن أبي ذر قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يجلس بين ظهراني أصحابه فيجئ الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل، فطلبنا إلى النبي أن يجعل مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه فبنينا له دكانا من طين فكان يجلس عليها ونجلس بجانبيه.

سئلت عائشة ما كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يصنع إذا خلا؟ قالت: يخيط ثوبه، ويخصف نعله ويصنع ما يصنع الرجل في أهله.

وعنها: أحب العمل إلى رسول الله الخياطة.

من كتاب النبوة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام يقول: مرت برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة بذية وهو جالس يأكل، فقالت: يا محمد إنك لتأكل أكل العبد وتجلس جلوسه، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ويحك! وأي عبد أعبد مني، فقالت: أما لي فناولني لقمة من طعامك فناولها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقمة من طعامه فقالت: لا والله إلى التي في فيك قال: فأخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقمة من فيه فناولها فأكلتها. قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : فما أصابت بداء حتى فارقت الدنيا.

عن أنس بن مالك قال: خدمت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تسع سنين فما أعلمه قال لي قط: هلا فعلت كذا وكذا ولا عاب علي شيئا قط.

__________________

١ - القد بالكسر: الشيء المقدود، وبالفتح جلد السخلة، وبالضم: سمك بحري.

١٦

عن أنس بن مالك قال: صحبت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشر سنين وشممت العطر كله فلم أشم نكهة أطيب من نكهته وكان إذا لقيه أحد من أصحابه قام معه فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول بيده ناولها إياه فلم ينزع عنه حتى يكون الرجل هو الذي ينزع وما أخرج ركبتيه بين يدي جليس له قط وما قعد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجل قط فقام حتى يقوم.

عن أنس بن مالك قال: إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أدركه أعرابي فأخذ بردائه فجبذه(١) جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال له: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فضحك وأمر له بعطاء.

عن أبي سعيد الخدري يقول: كان رسول الله حييا، لا يسئل شيئا إلا أعطاه.

وعنه قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أشد حياءا من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه.

عن ابن مسعود قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يبلغني أحد منكم عن أصحابي شيئا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر.

في جودهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجود الناس كفا وأكرمهم عشرة(٢) من خالطه فعرفه أحبه.

من كتاب النبوة عن ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أنا أديب الله وعلي أديبي أمرني ربي بالسخاء والبر ونهاني عن البخل والجفاء وما شيء أبغض إلى الله عزوجل من البخل وسوء الخلق وإنه ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل.

__________________

١ - جبذه: أي جذبه.

٢ - العشرة: بالكسر وفي بعض النسخ ( العشيرة ) وهما بمعني واحد.

( مكارم الاخلاق - ٢ )

١٧

و برواية اخرى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام إنه كان إذا وصف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: كان أجود الناس كفا وأجرأ الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وأوفاهم ذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، لم أر قبله، ولا بعده مثلهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

عن ابن عمر قال: ما رأيت أحدا أجود ولا أنجد ولا أشجع ولا أوضأ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

عن جابر بن عبد الله قال: لم يكن يسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا قط فيقول: لا.

عن إبن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال: يا رسول الله ثلاث أعطنيهن قال: نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجملهم ام حبيبة أزوجكها، قال: نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك، قال: نعم، قال: وتؤمرني حتى اقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين، قال: نعم، قال ابن زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أعطاه إياه لانه لم يكن يسأل شيئا قط إلا قال: نعم.

عن عمر قال: إن رجلا أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسأله فقال: ما عندي شيء ولكن اتبع علي فإذا جاءنا شيء قضيناه قال عمر: فقلت: يا رسول الله ما كلفك الله ما لا تقدر عليه قال: فكره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله [ ذلك ] فقال الرجل: أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا، قال فتبسم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعرف السرور في وجهه.

في شجاعتهصلى‌الله‌عليه‌وآله

عن عليعليه‌السلام قال: لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ(١) بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأسا.

وعنهعليه‌السلام قال: كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم إتقينا برسول الله فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه.

عن أنس بن مالك قال: كان في المدينة فزع فركب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرسا لابي طلحة

__________________

١ - اللوذ: الاستتار والاحتصان به. ولاذ به: أي استتر والتجأ إليه.

١٨

فقال: ما رأينا من شيء وإن وجدناه لبحرا.

وبرواية أخرى عن أنس قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أشجع الناس وأحسن الناس، وأجود الناس، قال: لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق الناس قبل الصوت، قال: فتلقاهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سبقهم، وهو يقول: لم تراعوا وهو على فرس لابي طلحة وفي عنقه السيف قال: فجعل يقول للناس: لم تراعوا وجدناه بحرا أو إنه لبحر.

في علامة رضاه وغضبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

عن ابن عمر قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف رضاه وغضبه في وجهه، كان إذا رضي فكأنما يلاحك الجدر وجهه(١) وإذا غضب خسف لونه واسود.

عن كعب بن مالك قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سره الامر استنار وجهه كأنه دارة القمر.

عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا رأى ما يحب قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

عن عبد الله بن مسعود يقول: شهدت من المقداد مشهدا لان أكون أنا صاحبه أحب إلي مما في الارض من شيء، قال: كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا غضب احمر وجهه.

عن ابن عمر قال: كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف رضاه وغضبه في وجهه، كان إذا رضي فكأنما يلاحك الجدر ضوء وجهه وإذا غضب خسف لونه واسود.

قال أبوالبدر: سمعت أباالحكم الليثي يقول: هي المرآة توضع في الشمس فيرى ضوءها على الجدار يعني قوله: يلاحك الجدر.

في الرفق بأمتهصلى‌الله‌عليه‌وآله

عن أنس قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه فإن كان غائبا دعا له، وإن شاهدا زاره، وإن كان مريضا عاده.

__________________

١ - لحك بالشيء: شد التيامه وألزقه به وسيجئ توضيحها في المتن أيضا.

١٩

عن جابر بن عبد الله قال: غزا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إحدى وعشرين غزوة بنفسه شاهدت منها تسع عشر غزوة وغبت عن إثنتين، فبينا أنا معه في بعض غزواته إذ أعيا ناضحي تحت الليل فبرك، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في اخريات الناس يزجي الضعيف، ويردفه ويدعو لهم، فانتهى إلي وأنا أقول: يا لهف اماه ما زال لنا ناضح سوء(١) ، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا جابر بأبي وامي يا رسول الله، قال: وما شأنك؟ قلت: أعيا ناضحي، فقال: أمعك عصا؟ فقلت: نعم، فضربه، ثم بعثه، ثم أناخه ووطئ على ذراعه وقال: إركب، فركبت وسايرته فجعل جملي يسبقه فاستغفر لي تلك الليلة خمسة وعشرين مرة، فقال لي: ما ترك عبد الله من الولد؟ - يعني أباه - قلت: سبع نسوة، قال: أبوك عليه دين؟ قلت: نعم، قال: فإذا قدمت المدينة فقاطعهم فإن أبوا فإذا حضر جداد نخلكم(٢) فآذني، فقال: هل تزوجت؟ قلت: نعم، قال: بمن؟ قلت: بفلانة بنت فلان بايم(٣) كانت المدينة، قال: فهلا فتاة تلاعبها وتلاعبك؟ قلت: يا رسول الله، كن عندي نسوة خرق - يعني أخواته - فكرهت أن آتيهن بامرأة خرقاء، فقلت: هذه أجمع لا مرى، قال: أصبت ورشدت، فقال: بكم اشتريت جملك؟ قلت: بخمس أواق من ذهب، قال: بعنيه ولك ظهره إلى المدينة، فلما قدم المدينة أتيته بالجمل، فقال: يا بلال، أعطه خمس أواق من ذهب يستعين بها في دين عبد الله، وزده ثلاثا، ورد عليه جمله، قال: هل قاطعت غرماء عبد الله؟ قلت: لا يا رسول الله، قال: أترك وفاء؟ قلت: لا، قال: [ لا عليك ] فإذا حضر جداد نخلكم فآذني، فآذنته فجاء فدعا لنا فجددنا واستوفى كل غريم ما كان يطلب تمرا وفاء وبقي لنا ما كنا نجد وأكثر، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ارفعوا ولا تكيلوا، فرفعناه وأكلنا منه زمانا.

عن ابن عباس قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا حدث الحديث أو سئل عن الامر كرره ثلاثا ليفهم ويفهم عنه.

__________________

١ - نضح الماء: حمله من البئر او النهر. هذا أصله ثم استعمل في كل بعير وإن لم يحمل الماء.

٢ - أجد النخل: حان وقت جداده، أعني قطعه.

٣ - أيم وزان كيس: المرأة التي لا زوج لها وهي مع ذلك لا يرغب أحد في تزويجها.

٢٠

عن ابن عمر قال: قال رجل: يا رسول الله، فقال لبيك.

روى عن زيد بن ثابت قال: كنا إذا جلسنا إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن أخذنا في حديث في ذكر الاخرة أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الدنيا أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا، فكل هذا احدثكم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

عن أبي الحميساء قال: تابعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يبعث فواعدته مكانا فنسيته يومي والغد فأتيته اليوم الثالث، فقالعليه‌السلام : يا فتى لقد شققت علي، أنا هاهنا منذ ثلاثة أيام.

عن جرير بن عبد الله أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دخل بعض بيوته فامتلا البيت، ودخل جرير فقعد خارج البيت، فأبصره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخذ ثوبه فلفه ورمى به إليه وقال: إجلس على هذا، فأخذه جرير فوضعه على وجهه وقبله.

عن سلمان الفارسي قال: دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو متكئ على وسادة فألقاها إلي، ثم قال: يا سلمان ما من مسلم دخل على أخيه المسلم فيلقي له الوسادة إكراما له إلا غفر الله له.

في مزاحه وضحكهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

روي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول: إني لامزح ولا أقول إلا حقا.

عن ابن عباس أن رجلا سأله: أكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمزح؟ فقال: كان النبي يمزح.

عن الحسن بن عليعليه‌السلام قال: سألت خالي هندا عن صفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: كان إذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، يفتر عن مثل حبة الغمام.

عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تبسم حتى بدت نواجذه.

عن أبي الدرداء قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا حدث بحديث تبسم في حديثه.

عن يونس الشيباني قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : كيف مداعبة بعضكم بعضا قلت: قليلا، قال: هلا تفعلوا فإن المداعبة من حسن الخلق، وإنك لتدخل بها السرور على أخيك. ولقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يداعب الرجل يريد به أن يسره.

٢١

في بكائهصلى‌الله‌عليه‌وآله

عن أنس بن مالك قال: رأيت إبراهيم بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يجود بنفسه، فدمعت عينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون.

عن خالد بن سلمة المخزومي قال: لما أصيب زيد بن حارثة انطلق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى منزله، فلما رأته ابنته جهشت(١) فانتحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال له بعض أصحابه: ما هذا يارسول الله؟ قال: هذا شوق الحبيب إلى الحبيب.

في مشيهصلى‌الله‌عليه‌وآله

عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا مشى تكفأ تكفئا كأنما يتقلع من صبب، لم أر قبله ولا بعده مثلهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

عن جابر قال: كان رسول الله إذا خرج مشى أصحابه أمامه وتركوا ظهره للملائكة.

عن ابن عباس قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا مشى مشى مشيا يعرف أنه ليس بمشي عاجز ولا بكسلان.

عن أنس قال: كنا إذا أتينا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جلسنا حلقة.

روي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يدع أحدا يمشي معه إذا كان راكبا حتى يحمله معه فإن أبي قال: تقدم أمامي وأدركني في المكان الذي تريد، ودعاهصلى‌الله‌عليه‌وآله قوم من أهل المدينة إلى طعام صنعوه له، ولاصحاب له خمسة فأجاب دعوتهم، فلما كان في بعض الطريق أدركهم سادس، فماشاهم، فلما دنوا من بيت القوم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله للرجل السادس: إن القوم لم يدعوك فاجلس حتى نذكر لهم مكانك ونستأذنهم لك.

__________________

١ - جهش إليه: فزع إليه باكيا.

٢ - تكفأ في مشيته أي مشى الهوينا والصبب الانحدار والمراد نفي التبختر في مشيه (ص).

٢٢

في جمل من أحواله وأخلاقهصلى‌الله‌عليه‌وآله

من كتاب النبوة عن عليعليه‌السلام قال: ما صافح رسول الله أحدا قط فنزعصلى‌الله‌عليه‌وآله يده حتى يكون هو الذي ينزع يده، وما فاوضه أحد قط في حاجة أو حديث فانصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف، وما نازعه أحد الحديث فيسكت حتى يكون هو الذي يسكت، وما رئي مقدما رجله بين يدي جليس له قط، ولا خير بين أمرين إلا أخذ بأشدهما، وما انتصر لنفسه من مظلمة حتى ينتهك محارم الله فيكون حينئذ غضبه لله تبارك وتعالى، وما أكل متكئا قط حتى فارق الدنيا، وما سئل شيئا قط فقال لا، وما رد سائل حاجة قط إلا بها أو بميسور من القول، وكان أخف الناس صلاة في تمام، وكان أقصر الناس خطبة وأقلهم هذرا(١) ، وكان يعرف بالريح الطيب إذا أقبل، وكان إذا أكل مع القوم كان أول من يبدأ وآخر من يرفع يده، وكان إذا أكل أكل مما يليه، فإذا كان الرطب والتمر جالت يده(٢) وإذا شرب شرب ثلاثة أنفاس، وكان يمص الماء مصا ولا يعبه عبا(٣) ، وكان يمينه لطعامه وشرابه وأخذه وإعطائه، فكان لا يأخذ إلا بيمينه، ولا يعطي إلا بيمينه، وكان شماله لما سوى ذلك من بدنه، وكان يحب التيمن في كل اموره: في لبسه وتنعله وترجله، وكان إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا تكلم تكلم وترا وإذا استأذن استأذن ثلاثا، وكان كلامه فصلا يتبينه كل من سمعه، وإذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه، وإذا رأيته قلت: أفلج الثنيتين وليس بأفلج(٤) ، وكان نظره اللحظ بعينه، وكان لا يكلم أحدا بشيء يكرهه، وكان إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وكان يقول: إن خياركم أحسنكم أخلاقا، وكان لا يذم ذواقا ولا يمدحه، ولا يتنازع أصحابه الحديث عنده، وكان المحدث عنه يقول: لم أر بعيني مثله قبله ولا بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا رئي في الليلة الظلماء

__________________

١ - هذر في منطقة: تكلم بما لا ينبغي.

٢ - جالت يده: أي أخذت من كل جانب.

٣ - مص الماء مصا: أي شربه شربا رقيقا مع جذب نفس بخلاف العب فانه شرب الماء بلا تنفس.

٤ - الفلج: فرجة بين الثنايا والرباعيات.

٢٣

رئي له نور كأنه شقة قمر.

وعنهعليه‌السلام قال: نزل جبرئيل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: إن الله جل جلاله يقرئك السلام ويقول لك: هذه بطحاء مكة إن شئت أن تكون لك ذهبا، قال: فنظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء ثلاثا، ثم قال: لا يا رب، ولكن أشبع يوما فأحمدك، وأجوع يوما فأسألك.

وعنهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحلب عنز أهله.

وعنهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لست أدع ركوب الحمار مؤكفا(١) والاكل على الحصير مع العبيد ومناولة السائل بيدي.

عن جابر بن عبد الله قال: كان في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خصال: لم يكن في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه وريح عرقه، ولم يكن يمر بحجر ولا شجر إلا سجد له.

عن ثابت بن أنس بن مالك قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان أزهر اللون، كأن لونه اللؤلؤ، وإذا مشى تكفأ، وما شممت رائحة مسك ولا عنبر أطيب من رائحته، ولا مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله، كان أخف الناس صلاة في تمام.

عن جرير بن عبد الله قال: لما بعث النبي أتيته لابايعه، فقال لي: يا جرير لاي شيء جئت، قال: قلت لاسلم على يديك يا رسول الله، فألقى لي كساءه، ثم أقبل على أصحابه فقال: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واعد رجلا إلى الصخرة فقال: أنا لك هنا حتى تأتي، قال: فاشتدت الشمس عليه، فقال له أصحابه: يا رسول الله لو أنك تحولت إلى الظل، قال: وعدته ههنا وإن لم يجئ كان منه الجشر(٢) .

عن عائشة قالت: قلت:، رسول الله إنك إذا دخلت الخلاء فخرجت دخلت

__________________

١ - مؤكفا من اكف الحمار: شد عليه الاكف أي البرذعة وهي جلته.

٢ - الجشر: الترك. وبالتحريك المال الذي يرعى في مكانه ولا يرجع إلى أهله في الليل.

٢٤

في أثرك فلم أر شيئا خرج منك غير أني أجد رائحة المسك، قال: يا عائشة إنا معشر الانبياء بنيت أجسادنا على أرواح أهل الجنة، فما خرج منا من شيء ابتلعته الارض.

عن ابن عباس قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبيه، فقال: يا نبي الله لو اتخذت فراشا، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما لي وللدنيا وما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف(١) فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها.

عن ابن عباس قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله توفي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود على ثلاثين صاعا من شعير أخذها رزقا لعياله.

عن أبي رافع قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إذا سميتم محمدا فلا تقبحوه، ولا تجبهوه(٢) ، ولا تضربوه، بورك لبيت فيه محمد، ومجلس فيه محمد، ورفقة فيها محمد.

[ في جلوسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمر أصحابه في آداب الجلوس ]

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة، أو يسميه، فيأخذه فيضعه في حجره تكرمه لاهله، فربما بال الصبي عليه فيصيح بعض من رآه حين يبول فيقولصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تزرموا بالصبي(٣) فيدعه حتى يقضي بوله، ثم يفرغ له من دعائه أو تسميته ويبلغ سرور أهله فيه ولا يرون أنه يتاذي ببول صبيهم فإذا انصرفوا غسل ثوبه بعده.

ودخل عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجل المسجد وهو جالس وحده فتزحزح لهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال الرجل: في المكان سعة يا رسول الله، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن حق المسلم على المسلم إذا رآه يريد الجلوس إليه أن يتزحزح له.

وروي ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من أحب أن يمثل له الرجال فليتبوأ مقعده

__________________

١ - الصائف: الحار، ويقال: صيف صائف كما يقال: ليل لائل.

٢ - جبهه الرجل: رده عن حاجته. ضربه على جبهته.

٣ - زرم البول: انقطع. ولا تزرموا: يعني لا تقطعوا بوله.

٢٥

من النار. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تقوموا كما يقوم الاعاجم بعضهم لبعض ولا بأس بأن يتخلل عن مكانه.

روي عن أبي عبد الله من كتاب المحاسن قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل منزلا قعد في أدنى المجلس حين يدخل، وروي عنهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر ما يجلس تجاه القبلة.

وروي عنهعليه‌السلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إذا أتى أحدكم مجلسا فليجلس حيث ما انتهى مجلسه.

وروي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إذا قام أحدكم من مجلسه منصرفا فليسلم فليست الاولى بأولى من الاخرى، وروي عنهعليه‌السلام إنه قال: إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع فهو أولى بمكانه.

وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: أعطوا المجالس حقها قيل: وما حقها؟ قال: غضوا أبصاركم وردوا السلام وأرشدوا الاعمى وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر؟

عن أبي أمامة قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا جلس جلس القرفصاء(١) .

من كتاب المحاسن كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجلس القرفصاء وهو أن يقيم ساقيه ويستقلهما بيديه فيشد يده في ذراعيه وكان يجثوا على ركبتيه وكان يثني رجلا واحدا ويبسط عليها الاخرى، ولم ير متربعا قط وكان يجثوا على ركبتيه ولا يتكي(٢) .

الفصل الثالث

في صفة أخلاقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مطعمه

من كتاب مواليد الصادقين كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل كل الاصناف من الطعام وكان يأكل ما أحل الله له مع أهله وخدمه إذا أكلوا، ومع من يدعوه من

__________________

١ - القرفصاء ممدودا، ومثلثة القاف والفاء: أن يجلس الرجل على إليته، ويلصق فخذيه ببطنه، ويحتبي بيديه، ويضعهما على ساقيه، أو يجلس على ركبتيه منكبا، ويلصق بطنه بفخذيه، ويتأبط كفيه.

٢ - جثا فلان كرمى ودعا: جلس على ركبتيه، أو قام على أطراف الاصابع.

٢٦

المسلمين على الارض، وعلى ما أكلوا عليه، ومما أكلوا إلا أن ينزل بهم ضيف فيأكل مع ضيفه وكان أحب الطعام إليه ما كان على ضفف(١) ، ولقد قال ذات يوم وعنده أصحابه: اللهم إنا نسألك من فضلك ورحمتك اللذين لا يملكهما غيرك، فبينما هم كذلك إذ أهدي إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شاة مشوية فقال: خذوا هذا من فضل الله ونحن ننتظر رحتمه، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا وضعت المائدة بين يديه قال: بسم الله اللهم اجعلها نعمة مشكورة نصل بها نعمة الجنة. وكان كثيرا إذا جلس ليأكل يأكل ما بين يديه ويجمع ركبتيه وقدميه كما يجلس المصلي في اثنتين إلا أن الركبة فوق الركبة والقدم على القدم ويقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ما أكل رسول الله متكئا منذ بعثه الله عزوجل نبيا حتى قبضه الله إليه متواضعا لله عزوجل، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا وضع يده في الطعام قال: بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وعليك خلفه.

من مجموع أبي عن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أفطر قال: اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبله منا، ذهب الظمأ وابتلت العروق وبقي الاجر.

وقالعليه‌السلام : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أكل عند قوم قال: أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الابرار.

وقال: دعوة الصائم تستجاب عند إفطاره.

وقد جاءت الرواية: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يفطر على التمر وكان إذا وجد السكر أفطر عليه.

عن الصادقعليه‌السلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يفطر على الحلو فإذا لم يجده يفطر على الماء الفاتر وكان يقول إنه يبقي الكبد والمعدة ويطيب النكهة والفم ويقوي الاضراس والحدق ويحد الناظر ويغسل الذنوب غسلا ويسكن العروق الهائجة والمرة

__________________

١ - الضفف: التناول مع الناس، أو كثرة الايدي، ومعناه: إنه لم يأكل خبزا ولا لحما وحده.

٢٧

الغالبة ويقطع البلغم ويطفي الحرارة عن المعدة ويذهب بالصداع(١) .

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يأكل الحار حتى يبرد ويقول: إن الله لا يطعمنا نارا، إن الطعام الحار غير ذي بركة فأبردوه.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أكل سمى ويأكل بثلاث أصابع ومما يليه ولا يتناول من بين يدي غيره ويؤتى بالطعام فيشرع قبل القوم ثم يشرعون، وكان يأكل بأصابعه الثلاث الابهام والتي تليها والوسطى وربما استعان بالرابعة، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل بكفها كلها ولم يأكل باصبعين ويقول: إن الاكل باصبعين هو أكلة الشيطان.

ولقد جاءه بعض أصحابه يوما بفالوذج فأكل منه وقال: مم هذا يا أبا عبد الله؟

فقال: بأبي أنت وأمي نجعل السمن والعسل في البرمة(٢) ونضعها على النار ثم نقليه ثم نأخذ مخ الحنطة إذا طحنت فنلقيه على السمن والعسل ثم نسوطه حتى ينضج(٣) فيأتي كما ترى، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن هذا الطعام طيب.

ولقد كان يأكل الشعير غير منخول خبزا أو عصيدة في حالة كل ذلك كان يأكلهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومن كتاب روضة الواعظين قال العيص بن القاسم قلت للصادقعليه‌السلام . حديث يروى عن أبيك أنه قال: ما شبع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من خبز بر قط أهو صحيح؟ فقال: لا ما أكل رسول الله خبز بر قط ولا شبع من خبز شعير قط.

وقالت عائشة: ما شبع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خبز الشعير يومين حتى مات.

وروي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأكل على خوان قط حتى مات ولا أكل خبزا مرققا(٤) حتى مات.

__________________

١ - فتر الماء: سكن حره. النكهة: ريح الفم. الاضراس جمع ضرس: الاسنان والسن. النقاء: النظافة. وأحداق وحداق جمع حدقة محركة: سواد العين. المرة: خلط من أخلاط البدن غير الدم والجمع مرار.

٢ - البرمة كغرفة قدر من الحجر.

٣ - السوط: الخلط. ونضج اللحم: استوى وطاب أكله.

٤ - يقال: خبز رقاق بالضم: أي رقيق خلاف الغليظ.

٢٨

وقالت عائشة: ما زالت الدنيا علينا عسرة كدرة حتى قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما قبض صبت الدنيا علينا صبا.

ومن كتاب النبوة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ما زال طعام رسول الله الشعير حتى قبضه الله إليه.

عن أنس قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يجيب دعوة المملوك ويردفه خلفه ويضع طعامه على الارض، وكان يأكل القثاء بالرطب والقثاء بالملح، وكان يأكل الفاكهة الرطبة، وكان أحبها إليه البطيخ والعنب، وكان يأكل البطيخ بالخبز وربما أكل بالسكر وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربما أكل البطيخ بالرطب، ويستعين باليدين جميعا.

ولقد جلس يوما يأكل رطبا فأكل بيمينه وأمسك النوى بيساره ولم يلقه في الارض فمرت به شاة قريبة منه فأشار إليها بالنوى الذي في كفه فدنت إليه وجعلت تأكل من كفه اليسرى ويأكل هو بيمينه ويلقي إليها النوى حتى فرغ وانصرفت الشاة حينئذ.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان صائما يفطر على الرطب في زمانه وكان ربما أكل العنب حبة حبة، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله ربما أكله خرطا حتى يرى رواله على لحيته كتحدر اللؤلؤ(١) . والروال الماء الذي يخرج من تحت القشر.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل الحيس(٢) ، وكان يأكل التمر ويشرب عليه الماء، وكان التمر والماء أكثر طعامه.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يتمجع باللبن والتمر(٣) ويسميهما الاطيبين، وكان يأكل العصيدة من الشعير باهالة الشحم(٤) ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل الهريسة أكثر ما يأكل ويتسحر بها، وكان جبرئيل قد جاءه بها من الجنة فتسحر بها، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل في بيته مما يأكل الناس،

__________________

١ - خرط العنقود: وضعه في فمه وأخرج عمشوشه عاريا.

٢ - الحيس: طعام مركب من تمر وسمن وأقط، وربما جعل معه سويق.

٣ - التمجع: أكل تمر اليابس باللبن معا أو أكل التمر وشرب عليه اللبن.

٤ - العصيدة: طعام من الشعير باهالة الشحم والاهالة: شحم المذاب أو دهن يؤتدم به.

٢٩

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل اللحم طبيخا بالخبز ويأكله مشويا بالخبز، وكان يأكل القديد وحده وربما أكله بالخبز، وكان أحب الطعام إليه اللحم ويقول: هو يزيد في السمع والبصر.

وكان يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللحم سيد الطعام في الدنيا والاخرة ولو سألت ربي أن يطعمنيه كل يوم لفعل، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل الثريد باللحم والقرع(١) ويقول: إنها شجرة أخي يونس.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يعجبه الدباء ويلتقطه من الصفحة(٢) ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل الدجاج ولحم الوحش ولحم الطير الذي يصاد وكان لا يبتاعه ولا يصيده ويحب أن يصاد له ويؤتى به مصنوعا فيأكله أو غير مصنوع فيصنع له فيأكله.

وكان إذا أكل اللحم لم يطأطئ رأسه إليه ويرفعه إلى فيه ثم ينتهشه انتهاشا(٣) وكان يأكل الخبز والسمن وكان يحب من الشاة الذراع والكتف ومن الصباغ الخل(٤) ومن البقول الهندباء والباذروج(٥) وبقلة الانصار ويقال إنها الكرنب(٦) وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يأكل الثوم ولا البصل ولا الكراث ولا العسل الذي فيه المغافير وهو ما يبقى من الشجر في بطون النحل فيلقيه في العسل فيبقى ريح في الفم.

وما ذم رسول الله طعاما قط، كان إذا أعجبه أكله وإذا كرهه تركه، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا عاف شيئا فإنه لا يحرمه على غيره ولا يبغضه إليه، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يلحس الصحفة ويقول: آخر الصحفة أعظم الطعام بركة، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه الثلاث التي أكل بها فإن بقي فيها شيء عاوده فلعقها حتى تتنظف، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه واحدة واحدة ويقول: إنه لا يدري في أي الاصابع البركة.

__________________

١ - القرع: نوع من اليقطين ويقال أيضا: الدباء، والقديد. اللحم المقدد.

٢ - الصحفة: قصعة كبيرة منبسطة تشبع الخمسة، أو مناقع صغيرة للماء.

٣ - ينتهشه انتهاشا: الاخذ بمقدم الاسنان للاكل. وقيل: النهس بالمهملة.

٤ - الصبغ بالكسر: ما يصطبغ به من الادام والزيت لان الخبز يغمس فيه.

٥ - باذروج: نبات يؤكل، وهو نوع من الريحان الجبلي.

٦ - بنات بستاني أحلى وأغض من القنبيط.

٣٠

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل البرد ويتفقد ذلك أصحابه فيلتقطونه له فيأكله ويقول إنه يذهب بأكلة الاسنان(١) ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يغسل يديه من الطعام حتى ينقيهما فلا يوجد لما أكل ريح.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أكل الخبز واللحم خاصة غسل يديه غسلا جيدا، ثم مسح بفضل الماء الذي في يده وجهه، وكان لا يأكل وحده ما يمكنه وقال: ألاأنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى قال من أكل وحده وضرب عبده ومنع رفده(٢) .

الفصل الرابع

في صفة أخلاقهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مشربه

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا شرب بدأ فسمى وحسا حسوة وحسوتين(٣) ثم يقطع فيحمد الله ثم يعود فيسمي ثم يزيد في الثالثة، ثم يقطع فيحمد الله فكان له في شربة ثلاث تسميات وثلاث تحميدات ويمص الماء مصا ولا يعبه عبا، ويقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الكباد من العب(٤) وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يتنفس في الاناء إذا شرب فإن أراد أن يتنفس أبعد الاناء عن فيه حتى يتنفس، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله ربما شرب بنفس واحد حتى يفرغ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يشرب في أقداح القوارير التي يؤتى بها من الشام، ويشرب في الاقداح التي يتخذ من الخشب، وفي الجلود، ويشرب في الخزف ويشرب بكفيه، يصب فيهما الماء ويشرب ويقول: ليس إناء أطيب من الكف ويشرب من أفواه القرب والاداوي(٥) ولا يختنثها اختناثا ويقول: إن اختناثها ينتنها(٦) . وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يشرب قائما وربما يشرب راكبا

__________________

١ - أكل وتأكل السن، صار منخورا وسقط.

٢ - الرفد: الضيف.

٣ - الحسوة بالضم والفتح: الجرعة، وحسا حسوا: شرب منه شيئا بعد شيء.

٤ - الكباد بالضم: وجع الكبد.

٥ - اداوي: جمع أدواة، المطهرة وهي إناء صغير من جلد يتطهر ويشرب.

٦ - الاختناث من خنث السقاء: كسر فمه وثناه إلى الخارج.

٣١

وربما قام فشرب من القربة أو الجرة(١) أو الاداوة وفي كل إناء يجده وفي يديه.

وكان يشرب الماء الذي حلب عليه اللبن ويشرب السويق

وكان أحب الاشربة إليه الحلو. وفي رواية: أحب الشراب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحلو البارد. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يشرب الماء على العسل. وكان يماث له الخبز فيشربه أيضا. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله شربة يفطر عليها وشربة للسحر وربما كانت واحدة وربما كانت لبنا وربما كانت الشربة خبزا يماث فهيأتها لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات ليلة فاحتبس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فظننت أن بعض أصحابه دعاه فشربتها حين احتبس، فجاءصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد العشاء بساعة فسألت بعض من كان معه: هل كان النبي أفطر في مكان أو دعاه أحد؟ فقال: لا، فبت بليلة لا يعلمها إلا الله خوف أن يطلبها مني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يجدها، فيبيت جائعا فأصبح صائما وما سألني عنها ولا ذكرها حتى الساعة. ولقد قرب إليه إناء فيه لبن وابن عباس عن يمينه وخالد بن الوليد عن يساره، فشرب ثم قال لعبدالله بن عباس: إن الشربة لك أفتأذن أن أعطي خالد بن الوليد - يزيد الاسن -؟ فقال ابن عباس: لا والله لا اوثر بفضل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحدا، فتناول ابن عباس القدح فشربه.

ولقد جاءهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابن خولي بإناء فيه عسل ولبن فأبى أن يشربه فقال: شربتان في شربة وإناءان في إناء واحد، فأبى أن يشربه ثم قال: ما احرمه ولكني أكره الفخر والحساب بفضول الدنيا غدا واحب التواضع، فإن من تواضع لله رفعه الله.

الفصل الخامس

في صفة أخلاقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الطيب والدهن ولبس الثياب وغير ذلك

في غسل رأسه

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا غسل رأسه ولحيته غسلهما بالسدر.

__________________

١ - الجرة المرة من الجر: إناء من خزف له بطن كبير، وعروتان، وفم واسع.

٣٢

في دهنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يحب الدهن ويكره الشعث ويقول: إن الدهن يذهب بالبؤس(١) . وكان يدهن بأصناف من الدهن. وكان إذا ادهن بدأ برأسه ولحيته ويقول: إن الرأس قبل اللحية. وكان يدهن بالبنفسج ويقول: هو أفضل الادهان. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا ادهن بدأ بحاجبيه ثم بشاربيه ثم يدخله في أنفه ويشمه ثم يدهن رأسه. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يدهن حاجبيه من الصداع ويدهن شاربيه بدهن سوى دهن لحيته.

في تسريحهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتمشط ويرجل رأسه بالمدرى(٢) وترجله نساؤه وتتفقد نساؤه تسريحه إذا سرح رأسه ولحيته فيأخذن المشاطة، فيقال: إن الشعر الذي في أيدي الناس من تلك المشاطات، فأما ما حلق في عمرته وحجته فإن جبريلعليه‌السلام كان ينزل فيأخذه فيعرج به إلى السماء. ولربما سرح لحيته في اليوم مرتين. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يضع المشط تحت وسادته إذا تمشط به ويقول: إن المشط يذهب بالوباء. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يسرح تحت لحيته أربعين مرة ومن فوقها سبع مرات ويقول: إنه يزيد في الذهن ويقطع البلغم.

وفي رواية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: من أمر المشط على رأسه ولحيته وصدره سبع مرات لم يقاربه داء أبدا.

في طيبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يتطيب بالمسك حتى يرى وبيصه في مفرقه(٣) . وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يتطيب

__________________

١ - الشعث: تلبد الشعر، ومنه رجل أشعث وامرأة شعثاء، وأصله الانتشار والتفرق.

٢ - المدرى: نوع من المشط، يقال درى الرأس: حكه بالمدرى.

٣ - وبيصه: من وبص وبصا: لمع وبرق والمفرق: موضع افتراق الشعر كالفرق.

( مكارم الاخلاق - ٣ )

٣٣

بذكور الطيب(١) وهو المسك والعنبر. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يطيب بالغالية تطيبه بها نساؤه بأيديهن. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يستجمر بالعود القماري(٢) . وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يعرف في الليلة المظلمة قبل أن يرى بالطيب. فيقال: هذا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

عن الصادقعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينفق على الطيب أكثر من ينفق على الطعام. وقال الباقرعليه‌السلام : كان في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث خصال لم تكن في أحد غيره: لم يكن له فئ. وكان لا يمر في طريق فيمر فيه أحد بعد يومين أو ثلاثة إلا عرف أنه قد مر فيه لطيب عرفه. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يمر بحجر ولا بشجر إلا سجد له. وكان لا يعرض عليه طيب إلا تطيب به ويقول: هو طيب ريحه خفيف حمله، وإن لم يتطيب وضع إصبعه في ذلك الطيب ثم لعق منه. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: جعل الله لذتي في النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة والصوم.

في تكحلهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يكتحل في عينه اليمنى ثلاثا وفي اليسرى اثنتين. وقال: من شاء اكتحل ثلاثا وكل حين. ومن فعل دون ذلك أو فوقه فلا حرج. وربما اكتحل وهو صائم. وكانت له مكحلة يكتحل بها بالليل. وكان كحله الاثمد.

في نظرهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المرآة

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله ينظر في المرآة ويرجل جمته(٣) ويتمشط. وربما نظر في الماء وسوى جمته فيه. ولقد كان يتجمل لاصحابه فضلا عن تجمله لاهله.

وقال ذلك لعائشة، حين رأته ينظر في ركوة(٤) فيها ماء في حجرتها ويسوي فيها جمته وهو يخرج إلى أصحابه، فقالت: بأبي أنت وأمي تتمرأ(٥) في الركوة

__________________

١ - الذكارة والذكورة: ما يصلح للرجل. وهو ما لا لون له كالمسك والعنبر والعود.

٢ - القمارى بالفتح: نوع من عود منسوب إلى القمار، وهو موضع.

٣ - الجمة بالضم: مجتمع شعر الرأس.

٤ - الركوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء.

٥ - من الرؤية والميم زائدة، أي تنظر.

٣٤

وتسوي جمتك وأنت النبي وخير خلقه؟ فقال: إن الله يحب من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيأ لهم ويتجمل.

في اطلائهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يطلى فيطليه من يطليه حتى إذا بلغ ما تحت الازار تولاه بنفسه. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يفارقه في أسفاره قارورة الدهن والمكحلة والمقراض والمسواك والمشط. وفي رواية يكون معه الخيوط والابرة والمخصف والسيور فيخيط ثيابه ويخصف نعله. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا استاك إستاك عرضا(١)

في لباسهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يلبس الشملة ويأتزر بها ويلبس النمرة ويأتزر بها أيضا(٢) فتحسن عليه النمرة لسوادها على بياض ما يبدو من ساقيه وقدميه. وقيل: لقد قبضه الله جل وعلا وإن له لنمرة تنسج في بني عبدالاشهل ليلبسهاصلى‌الله‌عليه‌وآله . وربما كان يصلي بالناس وهو لابس الشملة. وقال أنس: ربما رأيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي بنا الظهر في شملة عاقدا طرفيها بين كتفيه.

في عمامته وقلنسوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يلبس القلانس تحت العمائم ويلبس القلانس بغير العمائم، والعمائم بغير القلانس.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يلبس البرطلة(٣) وكان يلبس من القلانس اليمنية ومن البيض(٤)

__________________

١ - استاك استياكا: أي تدلك بالمسواك.

٢ - الشملة: كساء دون القطيفة يشتمل به. والنمرة بالفتح والكسر: شملة أو بردة من صوف فيها خطوط بيض وسود.

٣ - البرطلة: قلنسوة طويلة وفي بعض النسخ البرطل.

٤ - البيض: الخوذة وهو من آلات الحرب لوقاية الرأس.

٣٥

المصرية ويلبس القلانس ذوات الاذان في الحرب ومنها يكون من السيجان(١) الخضر وكان ربما نزع قلنسوته فجعلها سترة بين يديه يصلي إليها. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا ما يتعمم بعمائم الخز السود في أسفاره وغيرها ويعتجر اعتجارا(٢) وربما لم تكن له العمامة فيشد العصابة على رأسه أو على جبهته وكان شد العصابة من فعاله كثيرا ما يرى عليه وكانت لهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمامة يعتم بها يقال لها: السحاب، فكساها علياعليه‌السلام وكان ربما طلع علي فيها فيقول: أتاكم علي تحت السحاب يعني عمامته التي وهبها له.

وقالت عائشة: ولقد لبس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبة صوف وعمامة صوف ثم خرج فخطب الناس على المنبر، فما رأيت شيئا مما خلق الله تعالى أحسن منه فيها.

في كيفية لبسهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا لبس ثوبا جديدا قال: « الحمد لله الذي كساني ما يواري عورتي وأتجمل به في الناس ». وكان إذا نزعه نزع من مياسره أولا. وكان من أفعالهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا لبس الثوب الجديد حمد الله ثم يدعو مسكينا فيعطيه القديم ثم يقول: ما من مسلم يكسو مسلما من شمل ثيابه لا يكسوه إلا لله عزوجل إلا كان في ضمان الله عز وجل وحرزه وخيره وأمانه، حيا وميتا. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا لبس ثيابه واستوى قائما قبل أن يخرج قال: اللهم بك استترت وإليك توجهت وبك اعتصمت وعليك توكلت اللهم أنت ثقتي وأنت رجائي اللهم اكفني ما أهمني وما لا أهمني وما لا أهتم به وما انت أعلم به مني عز جارك وجل ثناءك ولا إله غيرك، اللهم زودني التقوى واغفر لي ذنبي ووجهني للخير حيثما توجهت ثم يندفع لحاجته. وكان لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثوبان للجمعة خاصة سوى ثيابه في غير الجمعة. وكانت لهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرقة ومنديل يمسح به وجهه من الوضوء وربما لم يكن مع المنديل فيمسح وجهه بطرف الرداء الذي يكون عليه.

__________________

١ - السيجان جمع الساج: الطيلسان الواسع المدور.

٢ - إعتجر: لف عمامته. والاعتجار: لبس العمامة دون التلحي وهو أن يلفيها على رأسه ويرد طرفها على وجهه، ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه.

٣٦

في خاتمهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله لبس خاتما من فضة وكان فصه حبشيا فجعل الفص مما يلي بطن الكف. ولبس خاتما من حديد ملويا عليه وفضة أهداها له معاذ بن جبل فيه محمد رسول الله، ولبس خاتمه في يده اليمنى ثم نقله إلى شماله، وكان خاتمه الاخر الذي قبض وهو في يده خاتم فضة فصة فضة ظاهرا كما يلبس الناس خواتيمهم وفيه محمد رسول الله.

وكان يستنجئ بيساره وهو فيها ويروى أنه لم يزل كان في يمينه إلى أن قبض. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله ربما جعل خاتمه في إصبعه الوسطى في المفصل الثاني منها. وربما لبسه كذلك في الاصبع التي تلي الابهام. وكان ربما خرج على أصحابه وفي خاتمه خيط مربوط ليستذكر به الشيء. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يختم بخواتيمه على الكتب ويقول الخاتم على الكتاب حرز من التهمة.

في نعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يلبس النعلين بقبالين(١) وكانت مخصرة(٢) معقبة حسنة التخصير مما يلي مقدم العقب مستوية ليست بملسنة وكان منها ما يكون في موضع الشيء الخارج قليلا. وكان كثيرا ما يلبس السبتية(٣) التي ليس لها شعر. وكان إذا لبس بدأ باليمنى وإذا خلع بدأ باليسرى. وكان يأمر بلبس النعلين جميعا وتركها جميعا كراهة أن يلبس واحدة دون اخرى. وكان يلبس من الخفاف من كل ضرب.

في فراشهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكان فراشهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي قبض وهو عنده من أشمال وادى القرى محشوا وبرا وقيل: كان طوله ذراعين أو نحوهما وعرضه ذراع وشبر.

__________________

١ - القبال بالكسر: زمام النعل.

٢ - مخصرة: أي مستدقة الوسط، وكانت نعله مخصرة أي لها دقة في الوسط، وكانت معقبة أي جعل لها العقب، غير ملسنة: أي ما جعلت شبيهة باللسان في دقة مقدمه.

٣ - السبت: الجلد المدبوغ.

٣٧

عن عليعليه‌السلام : كان فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عباءة. وكانت مرفقته(١) أدم حشوها ليف. فثنيت ذات ليلة، فلما أصبح قال: لقد منعني الليلة الفراش الصلاة فأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يجعل له بطاق واحد. وكان لهصلى‌الله‌عليه‌وآله فراش من أدم حشوه ليف، وكانت له عباءة تفرش له حيثما انتقل وتثنى ثنتين. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله كثيرا ما يتوسد وسادة له من أدم حشوها ليف ويجلس عليها. وكانت له قطيفة فدكية يلبسها يتحنشع بها، وكانت له قطيفة مصرية قصيرة الخمل(٢) ، وكان له بساط من شعر يجلس عليه وربما صلى عليه.

في نومهصلى‌الله‌عليه‌وآله

كانصلى‌الله‌عليه‌وآله ينام على الحصير ليس تحته شيء غيره. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يستاك إذا أراد أن ينام ويأخذ مضجعه. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أوى إلى فراشه اضطجع على شقه الايمن ووضع يده اليمنى تحت خده الايمن، ثم يقول: أللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك.

في دعائه عند مضجعهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكان له أصناف من الدعوات يدعو بها إذا أخذ مضجعه، فمنها أنه كان يقول: اللهم إني أعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك، اللهم إني لا أستطيع أن أبلغ في الثناء عليك ولو حرصت أنت كما أثنيت على نفسك.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول عند منامه: بسم الله أموت وأحيا وإلى الله المصير، اللهم آمن روعتي واستر عورتي وأدعني أمانتي.

ما يقول عند نومهصلى‌الله‌عليه‌وآله

كان يقرأ آية الكرسي عند منامه ويقول: أتاني جبرئيل فقال: يا محمد إن عفريتا من الجن يكيدك في منامك فعليك بآية الكرسي.

__________________

١ - المرفقة: المخدة.

٢ - الخمل بالفتح: ما يكون كالزغب على القطيفة والثوب ونحوهما وهو من أصل النسيج.

٣٨

ما يقول عند اسيتقاظهصلى‌الله‌عليه‌وآله

عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ما استيقظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من نوم إلا خر لله ساجدا. وروي أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا ينام إلا والسواك عند رأسه فإذا نهض بدأ بالسواك. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي. وكان مما يقول إذا استيقظ: الحمد لله الذي أحياني بعد موتي إن ربي لغفور شكور. وكان يقول: اللهم إني أسألك خير هذا اليوم ونوره وهداه وبركته وطهوره ومعافاته، اللهم إني أسألك خيره وخير ما فيه وأعوذ بك من شره وشر ما بعده.

في سواكهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يستاك كل ليلة ثلاث مرات: مرة قبل نومه ومرة إذا قام من نومه إلى ورده ومرة قبل خروجه إلى صلاة الصبح. وكان يستاك بالاراك، أمره بذلك جبرئيلعليه‌السلام .

عن الصادقعليه‌السلام قال: إني لاكره للرجل أن يموت وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأت بها.

٣٩

الباب الثاني

في آداب التنظيف والتطييب والتكحل والتدهن والسواك

ثلاثة فصول

الفصل الاول

في التنظيف والتطييب وما يجري مجراه

في التنظيف

روي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال أميرالمؤمين علي بن أبي طالبعليه‌السلام : تنظفوا بالماء من الرائحة المنتنة فإن الله تعالى يبغض من عباده القاذورة. وعنهعليه‌السلام قال: غسل الثياب يذهب الهم وهو طهور للصلاة. وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لانس: يا أنس أكثر من الطهور يزد الله في عمرك، فإن استطعت أن تكون بالليل والنهار على طهارة فافعل، فإنك تكون إذا مت على طهارة مت شهيدا.

من كتاب روضة الواعظين قال الصادقعليه‌السلام : من توضأ وتمندل كتب له حسنة ومن توضأ ولم يتمندل حتى يجف وضوئه كتب له ثلاثون حسنة.

عن علي بن أسباط قال: سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول: أربع من أخلاق الانبياء: التطيب والتنظف وحلق الجسد بالنورة وكثرة الطروقة(١) .

__________________

١ - الطروقة: فعولة من طرق النحل الناقة أي ضربها، وكل امرأة طروقة بعلها ويمكن أن يراد بها الملاعبة.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481