مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق12%

مكارم الأخلاق مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: مکتبة الأخلاق والدعاء
الصفحات: 481

مكارم الأخلاق
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 207706 / تحميل: 11476
الحجم الحجم الحجم
مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

د. كُرْجي: أعتقد أنَّ هذه الأدلّة ألقى بها الشارع إلى العُرف وإلى ما يفهمه هذا العُرف منها، كما أعتقد بأنَّ العُرف لا يختصّ بزمان معيّن، ولا يتحدَّد به، فنحن الآن نتعامل مع( أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ) كما كان يتعامل معها الفقهاء السابقون؛ حيث إنَّهم كانوا يستنبطون حلِّيَّة البيع من خلالها. الأمر نفسه بالنسبة لنا الآن، فما زال لهذا الدليل نفسه الاعتبار والقيمة نفسيهما، بحيث نستنبط منه حكم البيع، ونبني على أساسه.

ثمّ أودُّ أن أشير إلى نقطة ثانية، وهي: إنّ المراد، من مثل هذه العبارات والجمل، هو عمل العُرف.

الشيخ شَبَسْـتَري: يعني العُرف الذي كان في زمن النزول وفي عصر صدر الإسلام؟

د. كُرْجي: كلاّ، فليس المقصود ذلك من حيث الأصل، البيع يعني المعاملة، طبيعي هذا ما يكون إبتداءً، فالبيع هو الفعل الحقوقي الذي يمارسه العُرف، وأنا قبلته.

الشيخ شَبَسْـتَري: ليس المراد إذن هو المعنى المطابقي لـ( أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ) ، أو تقول إنَّ هناك معنى آخر قبل ذلك؟

د. كُرْجي: كلاّ، إنَّما أريد أن أقول: إنَّ هذا شيء شبيه بشأن النزول، شبيه بالمورد، فالمورد لا يخصِّص.

الشيخ شَبَسْـتَري: ولكن هذا شيء آخر دكتور.

* هناك مصطلح في علم الأصول هو: الوضع العام والموضوع له الخاص (١)، فهل الألفاظ التي وضعت لروح المعاني جاءت على أساس خصوصيّة المورد أو لمعنى عام؟

الشيخ شَبَسْـتَري: حسناً، ولكنَّهم لا يقبلون.

* الذي يبدو أنَّ العُرف لا يلاحظ أبداً خصوصية المورد؛ مثل كلمة مصباح، ميزان وغيرهما من الأمثلة، فرغم الاختلاف بين المعاني المرادة من هذه الكلمات، وبين المعاني التي كانت تستعمل فيها هذه الكلمات، إلا أنَّ العُرف لا يستعملها في هذه الأيام على نحو المجاز.

الشيخ شَبَسْـتَري: ليس النزاع في استخدام الألفاظ، فالألفاظ ربَّما تُستخدم على نحو الحقيقة، وإنَّما المعاني هي التي تختلف من عصر لآخر.

٤١

د. كُرْجي: المعاني لا تختلف، وإنَّما قيودها هي التي تختلف، فالقيود التي تؤخذ بنظر الاعتبار في العصور المختلفة، هي التي تختلف. أمَّا الماهية (الجوهر أو الحقيقة) القانونية، فلا تتغيَّر.

الشيخ شَبَسْـتَري: المسألة تكمن تماماً في هذا الجانب الماثل في عدم إمكانية استخدام مصطلح الماهية في البحوث اللغوية. فبحث الماهية وعوارضها هو من بحوث الفلسفة.

د. كُرْجي: لم أقصد الماهية المنطقية.

الشيخ شَبَسْـتَري: أجل، إنَّه بحث فلسفي (أنطولوجي). وحين أتحدَّث لا أقصد المبنى؛ أي لا أريد أن أقول ما إذا كان هذا المبنى صحيحاً أم لا، وإنَّما غاية ما أريد، هو أن ألفتَ الانتباه إلى هذا المبنى بشكل دقيق. فهذا الذي يعرض هنا هو بحث فلسفي (أنطولوجي) وما شاكل ذلك. أمَّا البحث اللغوي، فهو شيء يختلف تماماً.

د. كُرْجي: هذا صحيح في المجال الفلسفي.

الشيخ شَبَسْـتَري: البحث اللغوي يعني أنَّ لفظ البيع - على سبيل المثال - أو أي لفظ آخر، يمكن أن يبقى بين مجتمع معيَّن لآلاف السنوات، بَيْدَ أنَّه ينطوي في كلّ عصر على معنى خاص. فاللفظ المتداول هو هو، والمعنى الخاص المراد منه هو الذي يتغيَّر، بمعنى أنَّهم يفهمون منه معنى مختلفاً. اللفظ إذاً باقٍ، والاستخدامات هي التي تتغيَّر؛ لذلك إذا حمل حكم معيّن على معنى خاص، كان يُراد من اللفظ في بعض العصور، فلا يمكن لهذا الحكم أن يسري ِإلى معانٍ أخرى.

د. كُرْجي: البيع عمل حقوقي، وهذا العمل الحقوقي ثابت لم يتغيَّر.

الشيخ شَبَسْـتَري: لماذا؟ لقد تَغيَّر واختلف.

د. كُرْجي: لم يتغيَّر، فالبيع لم يتحوَّل إلى إجارة، فالماهيَّات ليست أموراً حقوقية.

الشيخ شَبَسْـتَري: صحيح، لكن التغيُّرات طرأت عليها في نفسها، وإلاّ هل ترى الأنواع العشرة من التجارة (التي افترضنا أنَّها سائدة اليوم) متشابهة، لا فرق في ما بينها، أو هي تُعبِّر عن عشرة ضروب اعتبارية؟

٤٢

د. كُرْجي: (التجارة) تشمل كلّ شيء؛ أي هي عنوان جامع للأنواع العشرة.

الشيخ شَبَسْـتَري: السؤال يكمن هنا بالذات، فلو استُخدم مصطلح التجارة في أحد الأزمنة، وفُهم منه نوع واحد من ضروب التجارة، بحيث نفترض أنَّ الأنواع الأخرى لم تكن قد عرفتها البشرية بعد، فعلى أيِّ أساس يصحُّ أن نقول: إنَّ هذا اللفظ جامع لجميع الأنواع، حتّى تلك التي لم تُكتشف بعد ولم تُعرف؟

د. كُرْجي: يتمّ ذلك بالمصداق الأوَّلي، فالمصداق الأوَّلي جامع.

الشيخ شَبَسْـتَري: هذا هو التجريد الفلسفي عينه الذي نمارسه على اللغة، والآخرون يقولون: لا وجود للتجريد الفلسفي في اللغة.

* مرادنا من البحث في هذا الموضوع؛ أنَّ بحث أصالة الحظر وأصالة الإباحة والبحث اللغوي، جاءت إلى بحوثنا في أصول الفقه من الفلسفات والعلوم الأخرى، ونفذت إليه بعنوان كونها مقدِّمة للفقه ومن الأصول، فكان لها تأثيرها الكامل على الفقه. هذا هو مبتغانا من السؤال الأوَّل؛ إذ أردنا أن نبيِّن أنَّ هناك بحثاً لغويَّاً نفذ إلى الفقه عِبر علم الأصول. ففي مسألة: هل يدلُّ الأمر على الفور أو على التراخي؟ وما هي مقدِّمات الحكمة في باب الإطلاق؟ هذه جميعاً بحوث تدخل في إطار البحث المعرفي في اللغة نفذت إلى (علم الأصول)، ولمَّا كان علم أصول الفقه بمثابة مقدِّمة الفقه، فقد كان لها - إذاً - تأثيرها الكامل الذي تركته على الفقه.

المسألة تعود في نهاية المطاف إلى المبنى الذي يلتزمه الفقيه في أصول الفقه، وإلى طبيعة الآراء التي يقبلها ويؤمن بها. كذلك الحال بالنسبة إلى البحث الكلامي الذي يأتي في مجال أصالة الحظر وأصالة الإباحة.

د. ناصر كاتوزْيان: بالرغم من أنَّ فروع العلوم في عصرنا الحاضر قد اتّسعت وامتدّت على مساحة واسعة، واتّسمت بالتعقيد؛ بحيث لا يمكن لأيِّ إنسان أن يستوعبها جميعاً، لكن مع ذلك ينبغي ألاَّ نستبعد ما للفلسفة والكلام من صلة بالفقه.

٤٣

فالفلسفة ما زالت تلقي بظلالها على جميع العلوم، ففي كل مرّة يعود الإنسان إلى معارفه ومعتقداته، يراجعها في ضوء العقل، إنَّما هو يعود في الواقع إلى الفلسفة، ولكن غاية ما هناك أنَّ دور الفلسفة لم يعُد كما كان يعتقد الماضون، فقد اختلف كثيراً عن السابق؛ بحيث لم يعُد ثَمَّة وجود لادعاء الإحاطة بجميع المعارف والعلوم، وإنَّما عادت الفلسفة لتعبِّر عن النظريات العامة في كلّ فرع من فروع العلم والمعرفة، كما هي الحال في فلسفة العلوم، فلسفة التاريخ، فلسفة الأدب، فلسفة الرياضيات، وفلسفة القانون، ففي كلّ حقل من هذه الحقول ثَمَّة متخصِّصون يرتبطون به.

ففلسفة الحقوق - على سبيل المثال - هي حقل معرفي يشتغل على تحقيقه وإعداد مكوِّناته حكماء ينصرفون إلى هذا الحقل (مثل فلسفة الحقوق عند هيغل وكانت)، أو يشتغل فيه حقوقيُّون يضطلعون بالبحث في باني الحقوق وهدفها وتعريفها وماهيَّـتها.

وما هو سائد الآن هو القسم الثاني، إذ هناك، في كلّ حقل من حقول العلم، علماء لهم ذوق فلسفي، ينصرفون إلى العمل على فلسفة العلم الذي يختصّون به.

من هذا المنطلق نجد أنَّ هناك فراغاً في حقل المعارف الإسلامية الجديدة، يشير إلى غياب الفلسفة التي تضطلع بالتنظير للحقوق الإسلامية، أو الفقه بشكل خاص، وحين نعود لتأمُّل الموضوع نجد أنَّ مباني هذا الحقل ومكوِّناته موزَّعة الآن في ثنايا الفلسفة، والكلام، وأصول الفقه، وهي بحاجة إلى أساتذة مبدعين لينهضوا بمهمِّة التأليف والجمع لتلك المباحث المتفرِّفة من السلف الصالح.

٤٤

ويدخل، في مضمار فلسفة الفقه، مسائل وقضايا من قبيل:البحث في الحسن والقبح العقليّين والشرعيّين ،مفهوم الإجماع ومكانته، العلاقة بين السُّـنَّة والقرآن، مكانة الاستحسان والمصالح المرسلة في الاستنباط،العلاقة بين الفقه والعدالة والأخلاق، دور العُرف في التكوين الشرعي، مبنى الإلتزام في الأحكام الشرعية (سواء تعلَّق بالأوامر والنواهي الإلهي أم بالأوامر التي تصدر من الحكومة)،معنى الولاية ومجالها (سواء كانت ولاية النبي والإمام أم ولاية الفقيه)،علل الأحكام وحكمها والجواب عن مسالة ما إذا كانت الأحكام تدور مدار العلَّة أم لا؟ كما أنَّ هناك عشرات المسائل الأخرى المشابهة التي يمكن أن تكوِّن - مع منطق الفقيه وأدواته - حقل فلسفة الفقه، أو فلسفة النظام الحقوقي الإسلامي.

ووجود مثل هذا التخصُّص الذي يتَّصل بهذه المباحث من الفلسفة والكلام، ممَّا له ارتباط بالفقه وأسلوب استنباط الأحكام، أو له في الحقيقة صلة بالنظرية العامة لنظام الحقوق الإسلامي، هو من الأمور الضرورية للفقيه، كما أنَّه من الضرورات للاجتهاد. أمَّا بحوث من قبيلِ قِدم القرآن وحدوثه، معنى اللوح المحفوظ ومراتب العقل، كيفيّة نزول الوحي، أوصاف الباري وارتباطها بذات واجب الوجود، أصالة الوجود والماهية، فلا تُعَدُّ ضرورية للاجتهاد. بَيْدَ أنَّ ما يؤسف له ويبعث على الأسى أنَّ الإنسان، الذي لا يملك عمراً كافياً للمرور مرّة واحدة على الكتب التي ترتبط باختصاصه ومجال عمله، يتحوَّل إلى فقيه يحاول أن يعكس في شخصيَّـته الجمع بين المعقول والمنقول معاً، فيقع ضحية التشتُّت في الفكر، ويغفل في نهاية المطاف عن المسائل الأصلية ذات الصلة بعمله الأساس.

ويبدو، في هذا المضمار، أنَّ مقدور علم اجتماع الحقوق أن يكون الوسيلة المناسبة، وهمزة الوصل في إيجاد الارتباط بين الحوزة والمدرسة من جهة، وبين المجتمع من جهة أخرى؛ بحيث يدخل هذا الاختصاص ليكون في موقع المعاون الفكري للفقهاء، ويحلُّ بديلاً عن الفلسفة المحضة.

٤٥

كما أنَّ علم الحقوق (ما هو أشمل من القانون)، بمعناه الجديد، يتقدَّم على كثير من المقدِّمات التقليدية للاجتهاد؛ لأنَّ على الفقيه في إطار الحكومة الإسلامية أن ينتبه إلى الانعكاسات الاجتماعية لأحكامه التي يستنبطها، ويكون على بيِّنة من كيفيّة تنفيذ الحكم المستنبَط، والموانع والعقبات التي تحول دون ذلك.

تأثيرات الزمان والمكان

* هل هناك تأثير للزمان والمكان في الاجتهاد الفقهي؟ وما هي طبيعة تأثيرهما في تغيُّر الأحكام أو تكاملها؟ وهل تستوجب معرفةُ الزمان والمكان معرفةَ الموضوعات المستحدَثة؟

السيد مرعشي: ليس ثَمَّة شكٌّ في أنَّ على كلِّ مجتهد أن يكون مطّلعاً على مقتضيات الزمان واعياً لها. فوظيفة المجتهد لا تقتصر على البحث في المنابع الفقهية سنداً ودلالة فقط، بل يجب عليه أن يتحلَّى برؤية؛ بحيث يميِّز في الحكم الصادر بين أن يكون قد صدر طبقاً لمقتضيات الزمان في عصر النص، أو أنَّه حكم كلِّي وعام. فقد يكون الأمر كذلك في مسألة تعلُّق الدية بالعاقلة، أو في الديات الستّ مثلاً؛ بمعنى أنَّها أحكام تختصّ بزمان الصدور، من دون أن يكون ثَمَّة موضوعية لأيٍّ منها. كما أنَّه هناك شكّ في أنَّ الاطّلاع على مسائل العصر ووعيها، ومعرفة الموضوعات المستحدَثة، هي أمور ضرورية للمجتهدين، وإلاّ إذا لم يطّلع المجتهدون عليها، ولم تكن لهم معرفة بها، فكيف يكون بمقدورهم أن يبيِّنوا أحكامها ويستنبطوها؟

٤٦

السيد الحائري: نبدأ الحديث هنا عن مدرسة المرحوم النائيني، فالنائيني كان يعتقد أنَّ أمامنا في مثل( آتَوْا الزَّكَاةَ ) ثلاثة أمور، هي: الوجوب (وهو الحكم)، والإيتاء (وهو متعلَّق الحكم)، والزكاة (وهي الموضوع أو متعلَّق المتعلَّق)؛ إذ يتعلَّق الإيتاء به. وهنا ثَمَّة فرق بين الموضوع والمتعلَّق:

المقصود من الموضوع - بحسب المصطلح الأصولي - هو الشيء مفروض الوجود؛ أي الذي يفترض في المرتبة السابقة، ثُمَّ يأتي الحكم بعده، وذلك خلافاً للمتعلَّق الذي لا يُؤخذ مفروض الوجود. فالمتعلَّق يوجد بوساطة الأمر؛ أي هو الشيء الذي نُؤمن نحن بالعمل به أو بتركه. أمَّا الموضوع فليس كذلك؛ بحيث نوجده نحن، الموضوع موجود.

على أساس هذا المبنى علينا أن ننظر أين يمكن أن يكون للزمان دخل في هذه الأمور الثلاثة: فهل يؤثِّر الزمان في الموضوع بحيث يبدِّله، ما يستدعي تبدُّل الحكم (بمعنى أنَّ الموضوع الجديد يحتاج إلى حكم جديد، لا بمعنى تغيُّر الحكم الإلهي الكلّي)، أم أنَّ الزمان والمكان يَستبدلان المتعلَّق؟ علينا أن نتأمَّل المسألة لننظر أي أمر من هذه الأمور الثلاثة يطاله التغيير والتبديل.

في الحالة الأولى، عندما يقوم المكان والزمان بتغيير الموضوع، فمن الطبيعي أن يتبدَّل الحكم تبعاً لذلك. ففي عصر من العصور لم يكن ممكناً مواجهة الحكومات المنحرفة، ففي مثل هذه الحالة نجد أنَّ الأئمّةعليهم‌السلام أكَّدوا بشكل كبير وجوب التقيّة. أمَّا لو تغيَّرت الشروط الزمانية، وتوافرت الأرضية المناسبة لمواجهة الحكومة المنحرفة، فإنَّ ذلك يستدعي ظهور حكم جديد، وذلك تبعاً للتغيُّر الذي طرأ على الموضوع، إذ يوضع حكم التقية جانباً، ويترك مكانه لحكم الجهاد والمواجهة.

في هذه الحالة لم يتغيَّر الحكم الإلهي، بل تبدَّل الحكم تبعاً لتبدُّل الموضوع، ولا أحد يناقش في هذا البعد.

٤٧

أمَّا في القسم الثاني، فيمكن لمتعلَّق الحكم أن يتغيِّر بمرور الزمان أو بتأثير تغيير المكان، وحينئذ يتغيَّر الحكم تبعاً لتغيُّر المتعلَّق، من دون أن يكون تغيير المتعلَّق قد جاء تبعاً لتغيُّر الموضوع.

مثال ذلك قولنا: احترم الوالدين، فربَّما يختلف متعلَّق الحكم (الاحترام) تبعاً للزمان والمكان؛ إذ يمكن أن يكون الاحترام في صدر الإسلام بنحو معيّن، وفي عصرنا الراهن بنحو آخر.

كما يمكن أن نشير للحالة بمثال يدلّ عليها من خلال ما جاء في الرواية التي تقول:(اتّقوا النار ولو بشقِّ تمرة)؛ بمعنى أنَّ الإنسان إذا أفطر صائماً في شهر رمضان ولو بشقّ تمرة، فإنَّ ذلك يكون له نجاة من النار، فهنا توهَّم بعض المتديِّنين أنَّ الرواية تنطوي على العموم؛ بحيث إنَّ أيَّ إنسان يبادر إلى إفطار صائم في المسجد، أو في الشارع بشقّ تمرة، يكون قد تمثَّل حالة( اتَّقُوا النَّارَ ) وصار مصداقاً لها، في حين ليس الأمر كذلك، إنَّما ترتبط الرواية بحال الصائم إذا كان فقيراً، بحيث ينقذه شقّ التمرة من الجوع.

نأتي الآن إلى القسم الثالث الذي نقول فيه: إنَّ الحكم يتبدَّل مباشرة من دون تبدُّل المتعلَّق والموضوع. هذا أمر لا يكون في نظرنا، إلاّ إذا قلنا: إنَّ فهم الفقيه يزداد بمرور الزمان ويتَّجه إلى نقاط أكثر، بحيث يرتاد هذا الفقيه آفاقاً أخرى لم يكن السابقون قد انتبهوا إليها، فقي حالة كهذه يمكن أن يتبدَّل الحكم أو الفتوى.

هذا ما حصل - على سبيل المثال - في مسألة ماء البئر؛ إذ كان يُحكم بتأثُّره بالنجاسة التي تسقط فيه إلى ما قبل عصر العلاّمة الحلّي، لكن منذ عصر العلاّمة الحلّي فما بعد تبدَّل إلى الطهارة مع حفظ (ثبات) الموضوع والمتعلَّق.

ثُمَّ مثال آخر يمكن أن نأخذه من الموقف من الخمس، فقد كان بعضهم يفتي بوجوب دفنه، ثُمَّ تحوَّل الأمر إلى استنكار هذا القول، واستبدلوه بآخر يقول بوجوب صرفه بدلاً من دفنه.

٤٨

وما نريد أن نخلص إليه هو أنَّ تبدُّل الحكم، إذا حُمل على هذا المعنى، فهذا حمل صحيح. فلو افترضنا أنَّ الفقهاء هم بمنزلة الشخص الواحد، فإنَّ هذا الشخص ينتبه إلى نقاط أكثر كلَّما تقدَّم به العمر أكثر، وعندئذ يمكن أن تتبدَّل الفتاوى والأحكام، لكن إذا كان المقصود من المسألة المثارة للنقاش أنَّ الزمان والمكان يغيِّران الكبرى الكلّية للحكم، فهذا أمر غير صحيح، وهو يخالف الرواية التي تقول:(حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة)، فتغيير الكبرى الكلّية للحكم، يتوقّف على مجيء نبي ونسخه لها!

* يمكن أن نقول: إنَّ ما نعنيه هو القسم الثالث، بحيث يتغيَّر فهم الفقيه من الآية والرواية تبعاً لأوضاع الزمان والمكان، وذلك كما في حكم حرمة تشبُّه المسلم بالكافر، إذ تغيَّر هذا التشبُّه بمرور الزمان؟

السيد الحائري: كلاّ، ما ذُكر في السؤال يدخل في القسم الأوَّل، أو في القسم الثاني، حيث يكون التشبّه متعلَّقاً للحكم. الزمان والمكان لا يغيِّران من فهم الفقيه، إلاّ في الحالة التي أشرتُ لها؛ من أنَّ طول خط المرجعية واستمراره ودوامه يؤدِّي إلى تكامل فهم الفقهاء. أمَّا إذا قلنا: إنَّ الزمان والمكان يغيِّران الفهم، فإنَّ ما يكون حجة هو الفهم الذي كان سائداً في عصر الإمام، لا الفهم السائد في زماننا. أمَّا ما يتعلَّق بمثال التشبُّه بالكفّار، فهو مصداق لتبدُّل الموضوع، حيث لا تندرج المسألة بعد ذلك - بتغيُّر الموضوع - في باب التشبُّه بالكفّار، إذ غدا ارتداء اللباس في العُرف السائد في العالم على شكل واحد، ومن ثَمَّ لا معنى للتشبّه. ويمكن أيضاً أن ننظر إلى المسألة من زاوية أخرى، إذ تقود دقَّه العلماء المتأخِّرين إلى اكتشاف أنَّ دليل العلماء المتقدِّمين كان يتمثَّل برواية ضعيفة عملوا بها، وقد سَلَّم بها مَن سلَّم انطلاقاً من القول: إنَّ عمل الأصحاب جابر لضعف السند، في حين يمكن للفقهاء المتأخّرين أن لا يلتزموا بهذه القاعدة، وبالتالي يرون أن الرواية الضعيفة ليست دليلاً كافياً على حرمة التشبّه، فيتغيَّر الحكم على هذا الأساس، وهذا مدخل يختلف عن القول: إنَّ الزمان والمكان يفضيان إلى تغيير الحكم.

٤٩

د. كُرْجي: تنطوي الأحكام الفقهية على أقسام كثيرة، وما هو موجود في الكتب الفقهية، وبخاصة كتب الفقه الشيعي، هو فقط أقسام محدودة. أصول هذه الأقسام هي:الأحكام التكليفيّة العبادية وغير العبادية، أحكام الأحوال الشخصية، الأحكام الوضعية الخصوصية ،العقود والإيقاعات والأحكام العامة (الأحكام الحكومية التي تمارسها الدولة). لا تأثير للمكان والزَّمان على العبادات، في حين يكون لهما تأثيرهما الكبير على بقيَّة الأحكام، لا سيَّما الأحكام العامة، التي يكون المجتمع موضوعاً لها. ما نجده في الكتب الفقهية أنَّها لم تبحث في هذه الأحكام، وإنَّما تناولها الحقوقيُّون فقط بالبحث، وذلك من قبيل: الحقوق المدنية، الحقوق الجزائية العامة والخاصة، حقوق التجَّار، النقل، الضمان، الضرائب، القوانين الدولية العامة والخاصة، القوانين التي تنظِّم الحقوق البحرية، كما هناك أقسام أخرى (الحقوق هنا أشمل من القانون)، فهذه الحقول جميعاً تشهد، من دون ريب، تأثيراً كبيراً للزمان والمكان فيها.

وما يجب على الفقهاء هو أن يُدْخِلوا هذه الأبواب جميعاً إلى الفقه، ويستنبطوا أحكامها وفق النهج الفقهي الصحيح. بَيْدَ أنَّ الذي يؤسف له هو أنَّ الفقهاء لم يشرَعوا في هذه المهمَّة حتى الآن.

أجل، إنَّ الكتاب والسُّـنَّة يشتملان على كلِّيات الأحكام العامة، بَيْدَ أنَّ الأساس الذي تقوم عليه هو مصالح المجتمع ومفاسده، ومن الطبيعي أنَّ أكثر العوامل تأثيراً في هذه المصالح والمفاسد، هما: الزمان والمكان. كذلك الحال في بقيَّة الأحكام الأخرى، وبخاصة العقود والإيقاعات.

صحيح أنَّ هذا الضرب من الأحكام مُمْضَى؛ أي هو من الأحكام التي أقرَّها الشارع ولم يوجدها بنفسه، ولكن لا يصحّ أبداً أن يقال: إنَّ الشارع أمضى فقط مقرَّرات زمانه وحسب، أي أمضى العُرف الجاهلي وحده، بل هو أمضى أحكام العُرف في جميع الأزمنة. فالشارع المقدَّس أمضى صحّة جميع العقود بموجب الآية الشريفة:( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، ولم يقتصر إمضاءه على العقود المتعارفة في زمن النص وعصر التشريع.

٥٠

الشيخ شَبَسْـتَري: ينبغي أن نحدِّد بشكل دقيق ما نعنيه من القول:(هل للزمان والمكان دور في الاجتهاد أو لا؟) ، فماذا نعني بمقولة:(إنَّ للزمان والمكان دخلاً في الاجتهاد)؟ هل المقصود من الزمان والمكان مجموعة التحوُّلات التي تطرأ على الحياة البشرية خلال الزمان والمكان، أو المراد أنَّ للزمان والمكان تأثيراً مباشراً على الاجتهاد؟ إذا ما أراد الفقيه أن يتحدَّث بهذا المنطق، وهو يعتقد أنَّ للتحوُّلات المختلفة التي تطرأ على الحياة البشرية دخلاً في الأحكام، فمعنى ذلك أنَّ هناك(حقيقة) جديدة اسمها:(التحوُّلات البشرية المختلفة)، يجب أن يأخذها بنظر الاعتبار إلى جوار الكتاب. حينئذٍ ليس من الصحيح أن نقول: إنَّ الفقيه ينظر، في عملية الاستنباط، إلى الكتاب والسُّـنَّة فقط، وإنَّما برزت أمامه(حقيقة) (ظاهرة) أخرى لها دورها في الاستنباط.

إذا أراد الفقيه أن يأخذ بنظر الاعتبار مسألة التحوُّلات الاجتماعية، عليه - إذاً - أن يحدِّد لنفسه معنى واضحاً للتحوُّلات الاجتماعية، وللحضارة بشكل عام؛ فما هو المراد من التحوُّلات الاجتماعية، ومن الحضارة؟ وماذا يقبل منهما وماذا يرفض؟

كنَّا شهوداً على ما كتبه الإمام الخمينيرحمه‌الله في رسالة جوابية بعث بها إلى أحد السادة العلماء في قم، حيث كتب له:(وفق الرأي الذي تؤمن به يجب أن تُرفض الحضارة الجديدة، في حال أنَّنا يجب أن نقبل هذه الحضارة الجديدة) . لقد استخدم الإمام مصطلح(الحضارة الجديدة) ، والآن نسأل: ماذا يعني قبول الحضارة أو التقدُّم الحضاري الجديد؟

يترافق التقدُّم الحضاري الجديد مع سيل من التحوُّلات الحياتية في معيشة البشر، وإن كان الجزء الذي نلمسه منه ونتعاطى معه بشكل مباشر هو المسائل المادِّية والمعيشيَّة من هذا التقدُّم.

٥١

وليس الأمر كما يقال من أنَّ التقدُّم الحضاري الجديد افترق فقط عن السابق بأدوات المعاش والوسائل الحياتية، كما كان الشهيد مُطهَّري يصرُّ على هذا الرأي في كتابه(الإسلام ومقتضيات الزمان) ؛ إذ كان يذهب إلى أنَّ التحوُّلات التي لا يستطيع الإنسان تجنُّبها ورفضها، هي فقط ما يطرأ على الحياة الإنسانية من تغيُّر في وسائل المعاش. فإذا أراد الإنسان - مثلاً - أن يحمل مفهوماً صحيحاً عن التنمية الاقتصادية، أو مفهوماً صحيحاً عن الحياة الاجتماعية لمجتمع ما، في إطار دستور مدوَّن - وهاتان الظاهرتان كلتاهما من الإفرازات الأساسية للتطوُّر الحضاري الجديد - فلا يسعه أبداً أن يفكِّر في وسائل المعاش المادِّية وحدها؛ والسبب هو: أنَّ التنمية الاقتصادية، أو العيش في إطار دستور مدوَّن، ترافقهما منظومة قيمية خاصة، كما يرافقهما أيضاً طراز خاص من الحياة الفردية والاجتماعية.

لذلك كلِّه ينبغي ألاَّ نمرَّ على هذه المسائل ببساطة، ونكتفي بالقول: إنَّ معرفة الزمان والمكان ووعيهما يعنيان فقط معرفة الموضوعات المستحدَثة في المعنى الذي يقتصر على الوسائل الحياتية المادّية وحدها، كلاّ، إنَّما نرى أنَّ آثار الزمان والمكان ودورهما أكثر عمقاً وسِعةً من حدود هذا الكلام، ومن ثَمَّ فإنَّ الاجتهاد الذي يمارَس في إطار مقولتي الزمان والمكان، له صولة مباشرة بقبول الكثير من القيم الأخلاقية والثقافية أو رفضها. طبيعي أن قبول هذه القيم أو رفضها هو فرع ونتيجة لوعي تلك القيم وتلك الثقافة وإدراكهما ومعرفتهما.

ومن الطبيعي أن يكون ثَمَّة أسلوب واجب الاتباع في عملية التعرَّف، والوعي، والإدراك. إنَّ القضية التي تُعبِّر عن نفسها في مضمون السؤال الآتي: وفق أيِّ أسلوب نريد أن ندرك تلك القيم وتلك الثقافة ونعيمها ونتعرَّف إليهما؟ هي مسألة في غاية الأهمية؛ فهل نريد أن نمارس التعرُّف والوعي والإدراك بأسلوبنا الفلسفي القديم أو بالأساليب الجديدة؟ وماذا نختار من هذه الناهج الجديدة، ولماذا؟

٥٢

لو عدنا - مثلاً - إلى أسلوب القدماء، لرأينا أنَّ تصوُّرهم للمجتمع يقوم على أساس ما يأتي: هم يفترضون أنَّ المجتمع كجسم الإنسان، تتمثَّل سلامته وتوازنه في وضع كلِّ إنسان في المجتمع، أو قوَّة من القوى الاجتماعية، في مكانها الطبيعي، على هذا الأساس يكون العدل في هذا التصور هو:(وضع كلِّ شيء في موضعه). والسؤال: هل نريد أن نتعرَّف إلى القيم التي تتَّصل بالحياة الاجتماعية على أساس هذا التصوُّر للمجتمع والعدل الاجتماعي، أو نريد أن نفعل ذلك على أساس فلسفة القيم في علم الاجتماع، أو فلسفة السياسية، أو فلسفة الأخلاق؟ وهذا مجرَّد مثال واحد.

ما نريد أن نخلص إليه هو أنَّه لا يسع الفقيه، اليوم، أن يكتفي بالتعامل مع الظَّواهر السطحية الملموسة والمادية من التقدُّم الحضاري الجديد، ثُمَّ يقرِّر، على أساس هذه الكيفية في التعامل، ما يقبله وما يرفضه من التمدُّن الجديد. وهذا ما يقال في عناوين تُطرح في المجال الفقهي؛ فحينما تُطْرح في المجال الفقهي قضايا من قبيل: لزوم مراعاة المصلحة، والعسر والحرج، وما شابهها، فإنَّها جميعاً تنصرف إلى التحوُّلات الحياتية، ولا يمكن قصر هذه العناوين على السطح الملموس الظاهر من الحياة المعاصرة. فالضرورة والمصلحة يجدان معناهما دائماً من خلال مقصد معيّن. على ضوء ذلك، يتعيَّن أن نلاحظ، في المرتبة الأولى، طبيعة المقصد الذي يؤمن به الفقيه، لكي يقول على أساسها - وفي المرتبة الثانية -: إنَّ هذه المسألة ضرورة، أو أنَّها تُعبِّر عن المصلحة.

٥٣

دوائر تأثير المكان والزمان

د. كاتوزْيان: للزمان والمكان تأثير على الاجتهاد الفقهي والأحكام القابلة للتنفيذ من جهات مختلفة، من دون أن يكون ذلك التأثير متعارضاً مع إثبات الأحكام الإلهية.

لا أظنُّ أنَّنا نستطيع، في هذا الجواب القصير المجمل، أن نعرض لجميع العوامل المؤثِّرة في الاجتهاد، إنَّما نشير إلى بعض العوامل من باب المثال، من خلال النقاط الآتية:

١ - تحوّل القيم الأخلاقية: أبرز علامة تشهد على هذا التحوُّل هي مسألة العبيد؛ إذ تكفينا في هذا المضمار نظرة عامة إلى تاريخ الفقه والأحكام المتعلّقة بالعبيد والإماء في الكتب الفقهية، لكي نلحظ فيها انخفاض الاهتمام بهذا الباب تدريجياً، حتّى إذا ما ألغي نظام العبيد، ترى أنَّ الكتب الفقهية لا تتحدَّث عن الموضوع إلاَّ لُماماً.

طبيعي أنَّ هناك مَن يذهب في تفسير هذا التحوُّل، وعدم اهتمام الفقه بالعبيد، إلى القول بانتفاء الموضوع؛ في حين أنَّ السبب الحقيقي يتمثَّل بالتحوُّل الذي طرأ على القيم الأخلاقية، فلو قَتَل كافرٌ في المجتمع الإسلامي مسلماً، فهل يحقُّ لورثة القتيل المسلم، أن يسترقُّوا الكافر ويتَّخذوه عبداً؟ هل سألنا أنفسنا عن طبيعة المانع الذي يحول دون الاستفادة من حقِّ التملُّك الشرعي هذا؟

في مرحلة أدنى ممَّا يعكسه المثال المشار إليه آنفاً، ينبغي أن نتحدَّث عن طبيعة العلاقة بين المرأة وزوجها، وما طرأ على ذلك من تحوُّلات طوال تاريخ الفقه. الأسئلة المثارة هنا هي:هل يعكس ما يحكم مجتمعاتنا الحاضرة وما يسودها الآن، ما قاله الفقهاء وما بَلْوَروه من أحكام؟ إذا كان هناك مَن يشكّ، فلا بأس في أن نلجأ إلى التحكيم لنرى، فهل من الواجب على الرجل الذي يريد أن يُطلِّق زوجته، أن يعود إلى الحاكم ويخضع للتحكيم؟ وهل يصدق الشقاق (النفرة أو الاختلاف بين الجانبين) على الرجل الذي يريد أن يطلِّق زوجته؟ ثُمَّ هل يُعَدُّ العسر وحرج المرأة القاعدة العامة لجواز طلاق المرأة؟ وهل

٥٤

يقبل الجميع فتوى المرحوم السيِّد محمد كاظم الطباطبائي في عسر المرأة وحرجها إذا غاب عنها زوجها وخيف عليها من الوقوع في الحرام(٢) ؟ هل تستطيع المرأة أن تتقاضى الأجر من زوجها؟ ثَمَّ كثير من الأسئلة غير ذلك. دعونا نقترب من المسألة أكثر لنسأل: هل ينطوي مفهوم المعاشرة بالمعروف( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) ، في مجتمعنا المعاصر، على معناه السابق الذي كان عليه؟ وهل يَتساوى بين حياة القرية وحياة المدينة؟ وهل ترون أنَّه يمكن لزوجٍ ثريٍ أن يتزوَّج في مجتمعنا المعاصر من فتاة متعلّمة لكنَّها فقيرة، ثُمَّ يعاملها في النفقة على ضوء أصلها العائلي، بحيث يعيِّن لها نفقة تتناسب مع المستوى المعيشي لعائلتها الفقيرة، من دون أن يأخذ بنظر الاعتبار شؤون العائلة الجديدة؟ وهل يصحُّ، في نظركم، أنَّ هذه الزوجة المحتاجة لا تستطيع أن تأخذ من زوجها نفقة الدواء والسفر، وأنَّ عليها فقط أن تكتفي بالمسكن والطعام واللباس وتقنع بها؟ ثُمَّ هل تنطوي قيمومة الرجل ورئاسته للأسرة( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) على معنى امتثال التكليف وحفظ الأمانة - كما هو في قيادة الجماعة - أو يُعبَّر هذا الموقع عن نزعة التسلُّط وإشباع نزعات الرضا والميول الشخصية لدى الزوج؟ علينا إذن أن نقبل، في ضوء هذه الأسئلة وما تمليه من معطيات، أنَّ التحوُّل الهادئ في القيم الأخلاقية أعاد ترسيم الحدود المألوفة والمتوارثة، واقتضى بروز اجتهادات فقهية جديدة.

ــــــــــــــ

٢ - العوامل الجغرافية والمكانية: لقد أبرز عدم اتساق سِن البلوغ الشرعي عند البنات مع الواقع الطبيعي والاجتماعي المُعاش، في عصرنا الحاضر، ميلاً للقول: إنَّ سِن التكليف إنَّما هو أحد العوامل الكاشفة عن البلوغ، وليس موضوعاً كاملاً. ومشكلة عدم اتساق الحكم الشرعي مع المحيط الجغرافي تتأكَّد أكثر في المناطق الباردة. ففي السويد - مثلاً - لا تبلغ الفتاة جسمياً إلاَّ بعد سِن العشرين، فكيف يصحُّ الادّعاء بأنَّ الفتاة تبلغ في سِن التاسعة (أو أقلّ) وتكون مستعدَّة للزواج؟!

٥٥

٣ - تغيُّر العلوم والتقدُّم التكنولوجي: نصَّ الفقه على أنَّ البرص والقَرن(٣) عند المرأة من أسباب فسخ النكاح؛ والسبب الذي يُذكر لذلك، هو: أنَّهما صعبا العلاج، ويمنعان من الرغبة في المعاشرة أو يُقلِّلان منها، كذلك يقال بالنسبة للعنن أو العجز الجنسي الذي يُصاب به الزوج.

والآن لنفترض أنَّ علم الطب استطاع أن يعالج هذه الأمراض، بالدواء أو بالجراحة البسيطة، خلال عدَّة أيَّام، فهل تبقى بعد ذلك أسباباً لفسخ النكاح؟ إذا كان جوابكم بالإيجاب، فكيف تجيبون إذن عن هذا السؤال: هل العائلة الإسلامية هي بهذه السهولة بحيث يفرَّط بها لسبب هو بمثابة إصابة الإنسان بنزلة البرد؟!

٤ - تغيُّر الاحتياجات والضرورات: ليست قليلة هي الأحكام التي أُدرجت في الفقه استجابة لحاجات الناس الملحَّة، أو جاءت جرياً على العُرف السائدة في زمان سابق. وفي عصرنا الحاضر، تَفرض بعض الضرورات إيجاد تحوُّلات في القواعد الحاكمة على بعض الجماعات الاجتماعية التي تعيش حالة العجز أمام المستطيعين والأقوياء، وأهمُّ جماعتين تبرزان على هذا الصعيد، هما:العُمَّال والأجراء . ففي حال العُمَّال، من الطبيعي أن لا تستطيع بعض القواعد المتَّصلة بباب إجارة الأشخاص أن تنهض بالعدالة المطلوبة في طبيعة علاقة الأجير بصاحب العمل، وبذلك يضطرُّ قانون العمل أن يخرج عن بعض الأصول تأميناً للعدالة المطلوبة. وفي العلاقة بين المستأجر والمؤجِّر اضطرّ مجلس الشورى الإسلامي (في إيران) للتوسُّل بقاعدة(العسر والحرج) للوقوف في وجه الحالات غير العادلة التي تتبدَّى في تخلية المنازل.

٥٦

لقد بلغت ضغوطات الضرورات والاحتياجات شأواً بحيث لم تقتصر فقط على استبدال الأحكام الثانوية وتبدُّلها، بل أصبح لها تأثيرها في استنباط الأحكام الطبيعية الأوَّلية في الشرع. والطريقة الأفضل لرؤية الأثر القوي النافذ، وما تتحلَّى به هذه الضغوطات من قوَّة، تتمثَّل بذكر بعض الأمثلة:

أ - يُعَدُّ عقد التأمين من أبرز العقود التي وجدت طريقها إلى الفقه الإسلامي؛ ذلك أنَّ الفقهاء يحكمون ببطلان المعاوضة التي لا يُعلم أحد عوضيها، لأجل الغرر المنهي عنه (نهى النبي عن الغرر)، ومع ذلك، فقد مال عدد من الفقهاء إلى تصحيح عقد التأمين رغم ما يترتَّب عليه من غرر؛ لعدم معلومية أحد العوضين.

ب - حين نترك موضوع عقد الضمان وما طرأ عليه من تغيير في الدائرة الفقهية، بتأثير تبدُّل الاحتياجات وبروز ضرورات جديدة، نصل إلى مثال بارز آخر يتمثَّل في:عقد مبادلة البضاعة بالبضاعة. نبدأ أوَّلاً ببيع ثمرة العمل بالمؤجَّل، فقد حُرِّم هذا الضرب من البيع في زمن كان الحكم فيه قانوناً لتنفيذ العدالة، والحيلولة دون الظلم الذي يطال العامل الكادح من قبل المتموِّل الظالم، فقد كان صاحب رأس المال يستفيد من ضَعف الفلاح، وعدم وجود ملجأ يلجأ إليه، وينتهز هذه الحالة بشكل سلبي، فقد كان يشتري حنطة المزرعة بثمن بخس وبالمؤجَّل، وكان الزارع يرضى بهذه المعاملة؛ لأنَّها توفِّر له ضماناً مستقبلياً لمحصوله.

أمَّا اليوم، فقد برزت مصالح أهم، أخذت تدفع للقبول بمثل هذا الضرب من التعامل، بل تجعله ضرورياً لا يمكن تجنُّبه. فنحن اليوم نبيع نفطنا بهذه الطريقة، ونؤمِّن جميع ما نحتاج إليه من بضائع وسلع عن طريق بيع السلعة بالسلعة. فهل نجرؤ على أن نحكم ببطلان جميع هذه المعاملات؟ وإذا فهم الأجانب أنَّ مثل هذه العاملة باطلة في فقهنا الحقوقي، فهل يكونون على استعداد بعد ذلك للتعامل مع الحكومة الإسلامية؟ ربَّما لم تدخل هذه المسألة إلى الحوزة بعد، بَيْدَ أنَّها ستطرح وستشقُّ طريقها إليها إن عاجلاً أم آجلاً، تماماً كما هي مطروحة اليوم بين الحقوقيِّين، وقد اختلفت فيها الآراء.

٥٧

في جميع الأحوال، فإنَّ إعادة النظر في مباني الاستنباط يمكن أن تنتهي إلى نتيجة معقولة؛ تتمثَّل بالشكّ بالإجماع المدّعى حولها، فما نهت عنه الأخبار صراحة هو(بيع الدَّين بالدَّين) (٤) ، كما أنَّ التردُّد موجود في مفاد أخبار(لا يباع الدَّين بالدَّين)؛ إذ هل المقصود هو بيع الدين قبل العقد، أو أن يشمل النهي الدَّين المترتِّب على العقد؟ إنَّ القدر المتيقَّن في الإجابة هو الاحتمال الأوّل؛ يعني ما يقال له دَيناً قبل العقد(٥) .

ليس لدينا متَّسع من الوقت لتفصيل المسألة أكثر، لكنَّ الحدَّ الأدنى الذي يجب أن نقبل به، هو أنَّ إعادة النظر التي تمَّت في الاستنباط والاجتهاد، نشأت من الضرورات والاحتياجات(٦) .

٥ - تغيير البنية الاقتصادية: في الوقت الذي تستطيع فيه المعامل الصغيرة أن تؤمِّن حاجات المجتمع برساميل صغيرة، فإنَّ صاحب العمل يحتاج لاستمرار حياته الاقتصادية إلى الأجير والعامل، وفي الوقت نفسه يحتاج الأجير والعامل إلى صاحب العمل. في الحصيلة يمكن لعقد الإجارة - الذي يُنظَّم عن تراضٍ بين الطرفين - أن يؤمِّن العلاقة العادلة بينهما. أمَّا اليوم، فإنَّ الواقع يعكس وجود أصحاب رساميل جشعين، مع عمَّال سبق لهم أن ذاقوا مرارة البطالة، طبيعي أنَّ هذه المجموعة من العمَّال تحتاج إلى الحماية، وهذه الحاجة تدع وجدان الفقيه متأثِّراً، وتدفعه كما ذكرنا لاستنباطات جديدة.

أمَّا في جواب سؤالكم الثاني، فينبغي القول: ما دام نقص القانون وكماله أمرين نسبيَّين لهما صلة بالزمان والمكان، فمن الأفضل أن نُطلق على هذا التحوُّل اسم:اكتمال الحركة الفقهية .

وفي شأن السؤال الثالث، فقد أضحى بديهياً، فما لم يُدرك الفقيه الزمان والمكان ويعيهما، فلا يستطيع أن يصل إلى مفهوم كثير من المسائل.

الشيخ معرفت: ليس للزمان والمكان تأثير في الأحكام نفسها، ولا يمكن أن يكون لهما تأثير في ذلك، لكن يمكن أن يؤثِّرا في الموضوعات، كما جاء في نهاية السؤال من قولكم: هل الزمان والمكان يوجبان معرفة الموضوعات المستحدَثة؟ والسبب أنَّ للزمان والمكان دوراً مؤثِّراً على الموضوعات التي أوكلها الشارع للعُرف.

٥٨

في توضيح ذلك ينبغي أن نقول: إنَّ لدينا ثلاثة عناوين، للفقيه تأثير في بعضها، وليس له تأثير في بعضها الآخر. وهذه العناوين الثلاثة هي:الأحكام، والموضوعات ، والمصاديق .

دور الفقيه في الأحكام هو أن يضطلع بمهمَّة استنباط الأحكام من المصادر الأوَّلية بشكل أصولي. أمَّا بالنسبة للمصاديق، فليس ثَمَّة أي دور للفقيه فيها، فليس من وظيفة الفقيه، بما هو فقيه، أن يشخِّص المصاديق ويعيِّنها؛ ومردُّ ذلك لعدم دخل فقاهته في تشخيص المصاديق الخارجية، وإذا كانت له معرفة بمصداق من المصاديق الخارجية، فقيمتها تدخل في نطاق الخبرة، وليس في نطاق الفقاهة، أي لكونه خبيراً بهذا المصداق، وليس لكونه فقيهاً. فالفقيه، في نهاية المطاف، هو أحد أفراد المجتمع وأحد أبناء العُرف، بالإضافة إلى ما يتحلَّى به من فقاهه. الفقيه يستفيد من الأدَّلة: نجاسةَ الدم - مثلاً - لكن إذا عُرضت عليه مادّة حمراء اللون، لها غلظة (كثافة) الدم، وسُئل عنها فيما إذا كانت دماً، فتجري عليها أحكام النجاسة، أم لا؟ في مثل هذه الحالة، لا قيمة لأيِّ جواب يتقدَّم به الفقيه في هذا المجال، لا فرق في أن يقول: إنَّ هذه المادَّة دم، أو إنَّها ليست دماً، إنَّما تكتسب إجابته قيمة من خلال موقعه كأحد أبناء العُرف وأعضاء المجتمع، لا من خلال كونه فقيهاً؛ إذ لا صلة لفقاهته بهذا الموضوع.

حين ننتقل إلى الموضوعات، وهي غير الأحكام والمصاديق، يمكن أن يكون للفقيه دور مؤثِّر؛ إذ يجب على الفقيه أن يُعيِّن حدود الموضوع الواقع في لسان الدليل، فهل النجاسة تنصرف إلى مطلق الدم أو إلى الدم المراق فقط؟ أي هل تشمل النجاسة الدم النابض المتدفق الذي خرج من الشرايين فقط، بحيث يكون الدم المتبقِّّي ليس نجساً، أو تشمل النجاسة مطلق الدم المتخلِّف وغير المتخلِّف؟ ثُمَّ هل نقطة الدم التي توجد في البيضة، مشمولة لحكم الشريعة القاضي بنجاسة الدم، أو تكون نقطة الدم هذه خارجة عن نطاق الدم الذي تحكم الشريعة بنجاسته؟

٥٩

بعبارة أخرى: ينبغي على الفقيه أن يعرف ما إذا كانت أدلَّة النجاسة تنطوي على الإطلاق أم لا؟ فالشارع يقرِّر أنَّ كلَّ دم نجس، لكن إذا لم يكن بين يدي الفقيه مثل هذا الإطلاق والشمول في اللفظ، فلا يستطيع أن يفتي بنجاسة الدم الموجود في البيضة؛ لذلك نرى الإمام الخمينيرحمه‌الله يذهب إلى ما يأتي:(نفتي بحرمة الدم الموجود في البيضة (حرمة أكله)؛ على أساس الإطلاق الذي بين أيدينا، القاضي بحرمة أكل الدم مطلقاً؛ ولكن لأنَّنا نفتقر إلى مثل هذا الإطلاق في باب النجاسة، فنحن نفتي بطهارته في البيضة وفقاً لقاعدة الطهارة). كما أنَّ الإمام يذهب إلى أنَّ الدم إذا استُهلك من خلال الاختلاط والدمج، ترتفع حرمة أكله أيضاً؛ لعدم وجود موضوع الحرمة في الخارج.

يتَّضح ممَّا مرَّ أنَّ من وظائف الفقيه سدَّ ثغور الموضوع؛ بمعنى أنَّ على الفقيه أن يرى ما عليه موضوع الحكم في لسان الدليل.

والحاصل: إنَّ الفقه هو استنباط الحكم وتعين الموضوع. أمَّا معرفة مفهوم هذا الموضوع - أي الدم في هذا المثال - فهو أمر يجب على الفقيه أن يعود فيه إلى العُرف وأهل الخبرة؛ لأنَّ الشارع المقدَّس أوكل ذلك إلى العُرف، ومعنى هذا الإيكال أنَّ على الفقيه أن يرجع إلى الخبير في معرف ما هو دم وتعيينه.

توضيح ذلك: إنَّ على الفقيه أن يعود إلى العُرف في حال عدم معرفته بمفهوم الموضوع وعدم قدرته على تشخيصه من جهة المفهوم، وهذا ما يُطلق عليه بلغة الاصطلاح بالشبهة المصداقيَّة، وهذه غير الشبهة المصداقيَّة(٧)، ففي الشبهة المصداقيَّة يكون العُرف هو المرجع؛ بمعنى أنَّ الفقيه يأخذ مفهوم موضوع الحكم الشرعي من العُرف. أمَّا حدوده وثغوره وشرائطه، فيأخذها من الشرع ولسانه.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

شكره وحمده. أحسنوا صحبة النعم قبل فراقها، فإنها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها.

وقالعليه‌السلام : إذا جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد. وليأكل على الارض. ولا يضع إحدى رجليه على الاخرى ولا يتربع، فإنها جلسة يبغضها الله عزوجل ويمقت صاحبها.

عن الصادقعليه‌السلام قال: أطيلوا الجلوس على الموائد، فإنها ساعة لا تحسب من أعماركم.

من كتاب من لا يحضره الفقيه، عن الصادق، عن آبائه، عن الحسن بن عليعليهم‌السلام قال: في المائدة اثنتا عشرة خصلة يجب على كل مسلم أن يعرفها: أربع منها فرض وأربع منها سنة وأربع منها تأديب، فأما الفرض فالمعرفة والرضا والتسمية والشكر. وأما السنة فالوضوء قبل الطعام والجلوس على الجانب الايسر والاكل بثلاث أصابع ولعق الاصابع(١) . وأما التأديب فالاكل مما يليك وتصغير اللقمة والمضغ الشديد وقلة النظر في وجوه الناس.

وعن عمرو بن قيس قال: دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام بالمدينة وبين يديه خوان(٢) وهو يأكل. فقلت له: ما حد هذا الخوان؟ فقال: إذا وضعته فسم الله. وإذا رفعته فاحمد الله. وقم ما حول الخوان(٣) ، فهذا حده.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من وجد كسرة أو تمرة(٤) فأكلها لم تفارق جوفه حتى يغفر الله له.

عن الرضا، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما سقط من المائدة مهور الحور العين.

عن محمد بن الوليد قال: أكلت بين يدي أبي جعفر الثانيعليه‌السلام حتى إذا

__________________

١ - لعق الاصابع: لحسها.

٢ - الخوان - بالكسر والضم -: الذي يؤكل عليه، وهو معرب، ويقال له: السفرة أيضا.

٣ - قم الرجل كاقتمه: أكل ما على الخوان. وفي بعض النسخ ( واقتم ).

٤ - الكسرة - بالكسر -: القطعة من الشيء المكسور.

١٤١

فرغت ورفع الخوان ذهب الغلام يرفع ما وقع من فتات الطعام(١) ، فقال له: ما كان في الصحراء فدعه ولو فخذ شاة وما كان في البيت فتتبعه والتقطه.

عن الصادقعليه‌السلام أنه كره أن يأكل بشماله أو يشرب بها أو يتناول بها.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : يا علي افتح بالملح واختتم به، فإنه شفاء من سبعين داء، منها الجنون والجذام والبرص ووجع الحلق ووجع الاضراس ووجع البطن.

عن ابن عباس قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاث لقمات بالملح قبل الطعام وثلاث بعد الطعام تصرف بهن عن ابن آدم اثنين وسبعين نوعا من البلاء، منها الجنون والجذام والبرص.

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام : إبدؤا بالملح في أول الطعام، فلو علم الناس ما في الملح لاختاروه على الترياق المجرب(٢) .

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : إنا نبدأ بالملح ونختم بالخل.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نعم الادام الخل، ما افتقر بيت فيه الخل.

عن الصادقعليه‌السلام قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إذا وضعت المائدة حفها أربعة أملاك، فإذا قال العبد: بسم الله قالت الملائكة للشيطان: اخرج يا فاسق فلا سلطان لك عليهم. وإذا فرغوا فقالوا: الحمد لله قالت الملائكة: قوم أنعم الله عليهم فأدوا الشكر لربهم. وإذا لم يقل: بسم الله قالت الملائكة للشيطان: ادن يا فاسق فكل معهم. فإذا رفعت المائدة ولم يحمدوا الله قالت الملائكة: قوم أنعم الله عليهم فنسوا ربهم.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : يا علي إذا أكلت فقل: « بسم الله » وإذا فرغت فقل: « الحمد لله »، فإن حافظيك لا يستريحان من أن يكتبا لك الحسنات حتى تنبذه عنك.

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ضمنت لمن سمى على طعامه أن لا يشتكى منه.

__________________

١ - الفتات - بالضم -: ما تفتت من الشيء المفتوت أي المكسور بالاصابع كسرا صغيرة.

٢ - الترياق ( معرب على زنة فعيال بالكسر ): ما يستعمل لدفع السم من الادوية والمعاجين.

١٤٢

فقال ابن الكوا(١) : يا أمير المؤمنين لقد أكلت البارحة طعاما فسميت عليه ثم آذاني، فقال: أكلت ألوانا فسميت على بعضها ولم تسم على بعض يا لكع(٢) .

وروي عن الصادقعليه‌السلام : أن من نسي أن يسمي على كل لون فليقل: « بسم الله على أوله وآخره ».

عن الصادقعليه‌السلام قال: ما اتخمت قط(٣) وذلك لاني لم أبدأ بطعام إلا قلت: بسم الله، ولم أفرغ منه إلا قلت: « الحمد لله ».

وقالعليه‌السلام : إن البطن إذا شبع طغا.

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال لابنه الحسنعليه‌السلام : يا بني لا تطعمن لقمة من حار ولا برد ولا تشربن شربة ولا جرعة إلا وأنت تقول قبل أن تأكله وقبل أن تشربه: « اللهم إني أسألك في أكلي وشربي السلامة من وعكه(٤) والقوة به على طاعتك وذكرك وشكرك فيما بقيته في بدني وأن تشجعني بقوته على عبادتك وأن تلهمني حسن التحرز من معصيتك » فإنك إن فعلت ذلك أمنت وعثه وغائلته(٥) . وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا وضعت المائدة بين يديه قال: اللهم اجعلها نعمة مشكورة تصل بها نعمة الجنة. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا وضع يده في الطعام قال: بسم الله، اللهم بارك لنا فيما رزقنا وعليك خلفه.

وكان علي بن الحسينعليهما‌السلام إذا طعم قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وأيدنا وآوانا وأنعم علينا وأفضل، الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم.

عن الباقرعليه‌السلام قال: كان سلمان إذا رفع يده من الطعام يقول: اللهم أكثرت وأطيبت فزد، وأشبعت وأرويت فهنئه.

__________________

١ - هو عبد الله بن الكوا، خارجي ملعون، وهو الذي قرأ خلف عليعليه‌السلام جهرا: ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين.

٢ - اللكع كصرد: العبد، الاحمق، اللئيم. وأكثر ما يستعمل في النداء ويراد به الذم.

٣ - يقال: تخم فلان، كضرب: ثقل عليه الاكل. والتخمة: حالة تعرض للانسان من كثرة الاكل.

٤ - الوعك، المرض واشتداده. وفي بعض النسخ وعكة وكلاهما مصدر.

٥ - الوعث: المشقة. وأصله المكان السهل الكثير الرمل الذي يتعب فيه الماشي ويشق عليه.

١٤٣

عن الصادقعليه‌السلام إنه أكل فقال: الحمد لله الذي أطعمنا في جائعين وسقانا في ظمآنين وكسانا في عارين [ وهدانا في ضالين وحملنا في راجلين وآوانا في ضاحين(١) وأخدمنا في عانين ] وفضلنا على كثير من العالمين.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا رفعت المائدة فقل: الحمد لله رب العالمين، اللهم اجعلها نعمة مشكورة.

ومن كتاب النجاة، الدعاء عند الطعام الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم ويجير ولا يجار عليه ويستغني ويفتقر إليه. اللهم لك الحمد على ما رزقتني من طعام وإدام في يسر وعافية من غير كد مني ولا مشقة. بسم الله خير الاسماء رب الارض والسماء. [ بسم الله الذي لا يضر مع اسمه سم ولا داء ]. بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء وهو السميع العليم. اللهم اسعدني في مطعمي هذا بخيره وأعذني من شره وانفعني بنفعه وسلمني من ضره. والدعاء عند الفراغ منه الحمد لله الذي أطعمني فأشبعني، وسقاني فأرواني، وصانني وحماني. الحمد لله الذي عرفني البركة واليمن بما أصبته وتركته منه. اللهم اجعله هنيئا مريئا لا وبيا ولا دويا، وأبقني بعده سويا قائما بشكرك محافظا على طاعتك، وارزقني رزقا دارا وأعشني عيشا قارا واجعلني ناسكا بارا واجعل ما يتلقاني في المعاد مبهجا سارا برحمتك يا أرحم الراحمين.

من كتاب البصائر، عن محمد بن جعفر بن العاصم، عن أبيه، عن جده قال: حججت ومعي جماعة من أصحابنا فأتيت المدينة فقصدنا مكانا ننزله فاستقبلنا غلام لابي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام على حمار له أخضر يتبعه الطعام. فنزلنا بين النخل وجاء هو فنزل. وأتي بالطست والماء فبدأ وغسل يديه وأدير الطست عن يمينه حتى بلغ آخرنا. ثم أعيد من يساره حتى أتي على آخرنا. ثم قدم الطعام فبدأ بالملح ثم قال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم، ثم ثنى بالخل. ثم أتي بكتف مشوي، فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم، فإن هذا طعام كان يعجب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم أتي بالخل والزيت، فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحمن، فإن هذا طعام كان يعجب فاطمة

__________________

١ - الضاحي من كل شيء: البارز الظاهر الذي لا يستر حائط ولا غيره.

١٤٤

عليها‌السلام . ثم أتي بالسكباج(١) ، فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم، فإن هذا طعام كان يعجب أمير المؤمنينعليه‌السلام . ثم أتي بلحم مقلو فيه باذنجان، فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم، فإن هذا طعام كان يعجب الحسن بن عليعليهما‌السلام .

ثم أتي بلبن حامض قد ثرد، فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم، فإن هذا طعام كان يعجب الحسين بن عليعليهما‌السلام . ثم أتي بأضلاع باردة فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فإن هذا طعام كان يعجب علي بن الحسين (عليهما‌السلام ). ثم أتي بجبن مبزر(٢) ، فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم، فإن هذا طعام كان يعجب محمد بن عليعليهما‌السلام . ثم أتي بتور فيه بيض كالعجة(٣) ، فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم، فإن هذا طعام كان يعجب أبي جعفرعليه‌السلام . ثم أتي بحلواء، فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم، فإن هذا طعام يعجبني. ورفعت المائدة فذهب أحدنا ليلتقط ما كان تحتها فقال: مه إنما ذلك في المنازل تحت السقوف، فأما في مثل هذا الموضع فهو لعافية الطير والبهائم(٤) . ثم أتي بالخلال، فقال: من حق الخلال أن تدير لسانك في فمك فما أجابك تبتلعه وما امتنع تحركه بالخلال، ثم تخرجه فتلفظه. وأتي بالطست والماء فابتدأ بأول من على يساره حتى انتهى إليه فغسل، ثم غسل من على يمينه حتى أتي على آخرهم. ثم قال: يا عاصم كيف أنتم في التواصل والتبار؟ فقال: على أفضل ما كان عليه أحد. فقال: أيأتي أحدكم منزل أخيه عند الضيقة فلا يجده فيأمر بإخراج كيسه فيخرج فيفض ختمه فيأخذ من ذلك حاجته فلا ينكر عليه؟ قال: لا. قال: لستم على أفضل ما كان أحد عليه من التواصل. ( والضيقة: الفقر ).

من طب الائمة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: لا تأكل وأنت تمشي إلا أن تضطر إلى ذلك.

__________________

١ - السكباج - بالكسر -: مرق يعمل من اللحم والخل.

٢ - الجبن: ما جمد من اللبن، والمبزر: المطيب بالبزور.

٣ - التور - بفتح فسكون، معرب -: إناء صغير يشرب فيه، والعجة - بضم فتشديد -: طعام يعمل من بيض ودقيق وسمن او زيت.

٤ - العافية والعافي: الوارد، وكل طالب فضل او رزق.

( مكارم الاخلاق - ١٠ )

١٤٥

عن عمر بن أبي شعبة قال: ما رأيت أبا عبد اللهعليه‌السلام يأكل متكئا، ثم ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: ما أكل متكئا حتى مات.

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كل ما يسقط من الخوان، فإنه شفاء من كل داء لمن أراد أن يستشفي به.

من كتاب الفردوس، عن أنس قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أكل ما يسقط من المائدة عاش ما عاش في سعة من رزقه وعوفي في ولده وولد ولده من الجذام.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : النفخ في الطعام يذهب بالبركة.

ورأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا أيوب الانصاري يلتقط نثارة المائدة(١) ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بورك لك وبورك عليك وبورك فيك. فقال أبوأيوب: يا رسول الله ولغيري؟ قال: نعم، من أكل ما أكلت فله ما قلت لك. أو قال: من فعل ذلك وقاه الله الجنون والجذام والبرص والماء الاصفر(٢) والحمق.

وروي عن العالمعليه‌السلام أنه قال: ثلاثة لا يحاسب عليها المؤمن: طعام يأكله وثوب يلبسه وزوجة صالحة تعاونه ويحرز بها دينه.

عن عليعليه‌السلام قال: أقروا الحار حتى يبرد ويمكن، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قرب إليه طعام حار فقال: أقروه حتى يبرد ويمكن، ما كان الله ليطعمنا النار. والبركة في البارد، والحار غير ذي بركة.

وقالعليه‌السلام : من لعق قصعة صلت عليه الملائكة ودعت له بالسعة في الرزق وتكتب له حسنات مضاعفة.

وقالعليه‌السلام : من أكل الطعام على النقاء وأجاد الطعام تمضغا وترك الطعام وهو يشتهيه ولم يجس الغائط إذا أتى لم يمرض إلا مرض الموت.

عن الصادقعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتي بفاكهة حديثة قبلها ووضعها على عينه ويقول: « اللهم كما أريتنا أولها في عافية فأرنا آخرها في عافية ».

__________________

١ - النثارة - بالضم -: ما يتناثر من الشيء أي ما يتساقط متفرقة منه.

٢ - وهو الماء الذي يجتمع في البطن ويعتريه داء الاستسقاء.

١٤٦

وعنهعليه‌السلام قال: لا ينبغي للشيخ الكبير أن ينام إلا وجوفه ممتلئ من الطعام، فإنه أهدأ لنومه وأطيب لنكهته.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عجبا لمن يحتمي من الطعام مخافة من الداء كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة من النار.

من كتاب تهذيب الاحكام، عن الصادقعليه‌السلام : إذا دعي أحدكم إلى الطعام فلا يستتبعن ولده، فإنه إن فعل أكل حراما ودخل عاصيا.

عنهعليه‌السلام قال: الاكل على الشبع يورث البرص.

عنهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أطولكم جشاءا(١) أطولكم جوعا يوم القيامة.

عنهعليه‌السلام قال: إذا حضرت المائدة وسمى رجل من القوم أجزأ عنهم أجمعين.

عنهعليه‌السلام قال: إذا وضع الخوان فقل: بسم الله، فإذا أكلت فقل: بسم الله على أوله وآخره، فإذا رفع فقل: الحمد لله.

عنهعليه‌السلام قال: إذا اختلفت الانية فسم عند كل إناء. قلت: فإن نسيت؟

قال: تقول: بسم الله على أوله وآخره.

عن الرضاعليه‌السلام قال: إذا أكلت فاستلق على قفاك وضع رجلك اليمنى على اليسرى.

وقال الصادقعليه‌السلام : كثرة الاكل مكروهة.

عنهعليه‌السلام قال: من أكل طعاما لم يدع إليه فكأنما أكل قطعة من النار.

من كتاب زهد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن آبائه، عن أمير المؤمنينعليهم‌السلام قال: توقوا الذنوب فما من بلية أشد وأفظع منها. ولا يحرم الرزق إلا بذنب حتى الخدش والنكبة والمصيبة(٢) ، قال الله عز وجل:( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) (٣) . أكثروا

__________________

١ - الجشاء - كغراب -: صورت مع ريح يخرج من الفم عند الشبع.

٢ - الخدش: تفرق اتصال في الظفر أو الجلد ونحو ذلك وإن لم يخرج الدم. والنكبة: الجرحة بحجر أو شوكة.

٣ - سورة الشورى: آية ٢٩.

١٤٧

ذكر الله على الطعام ولا تطغوا، فإنها نعمة من نعم الله ورزق من رزقه يجب عليكم فيه شكره وحمده. أحسنوا صحبة النعم قبل فراقها، فإنها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها. من رضي من الله باليسير من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل. إياكم والتفريط فتقع الحسرة حين لا ينتفع بالحسرة. إذا لقيتم عدوكم في الحرب فأقلوا الكلام وأكثروا ذكر الله عزوجل ولا تولوهم الادبار فتسخطوا الله وتستوجبوا غضبه. من أراد منكم أن يعلم كيف منزلته عندالله فلينظر كيف منزلة الله منه عند ارتكاب الذنوب، فإن كانت منزلة الله عنده عظيمة تمنعه منها فكذلك منزلته عندالله.

من كتاب تهذيب الاحكام، عن مروك بن عبيد مرفوعا، عن الصادقعليه‌السلام قال: قلت له: الرجل يمر على قراح الزرع(١) فيأخذ منه السنبلة. قال: لا. قلت: أي شيء سنبلة؟ قال: لو كان كل من يمر به يأخذ منه سنبلة لا يبقى منه شيء.

من مجموع في الاداب لمولاي أبي طول الله عمره، روى عن الفضل بن يونس قال: إني في منزلي يوما فدخل علي الخادم فقال: إن بالباب رجلا يكنى أباالحسن يسمى موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، فقلت: يا غلام إن كان الذي أتوهم فأنت خر لوجه الله. قال: فبادرت إليه فإذا أنا بهعليه‌السلام ، فقلت: انزل يا سيدي. فنزل ودخل المجلس. فذهبت لارفعه في صدر البيت، فقال لي: يا فضل صاحب المنزل أحق بصدر البيت إلا أن يكون في القوم رجل [ يكون ] من بني هاشم. فقلت: فأنت إذا جعلت فداك، ثم قلت: جعلني الله فداك إنه قد حضر طعام لاصحابنا [ فإن رأيت أن تحضر إلينا فذاك إليك ]. فقال يا فضل إن الناس يقولون: إن هذا طعام الفجأة وهم يكرهونه، أما إني لا أرى به بأسا. فأمرت الغلام فأتى بالطست فدنا منه فقال: الحمد لله الذي جعل لكل شيء حدا. فقلت: جعلت فداك فما حد هذا؟ فقال: أن يبدأ رب البيت لكي ينشط الاضياف، فإذا وضع الطست سمى وإذا رفع حمد الله. ثم أتى بالمائدة، فقلت: ما حد هذا؟ قال: أن يسمى إذا وضع ويحمد الله إذا رفع. ثم أتى بالخلال، فقلت: ما حد هذا؟ قال: أن تكسر رأسه لئلا يدمي اللثة. فأتى

__________________

١ - القراح: المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر.

١٤٨

بإناء الشراب، فقلت: فما حده؟ قال: أن لا تشرب من موضع العروة ولامن موضع كسر إن كان به، فإنه مجلس الشيطان، فإذا شربت سميت وإذا فرغت حمدت الله. وليكن صاحب البيت يا فضل إذا فرغ من الطعام وتوضأ القوم آخر من يتوضأ. ثم قال: إن أمير المؤمنين أمرك لبني فلان بعشرة آلاف درهم فأنا أحب أن تنفذها إليهم. فقلت: جعلت فداك إن خرج عني لم يعد إلي درهم أبدا. فقال: اخرج إليهم فلا يصل إليهم او يعود إليك إن شاء الله. قال: فلا والله ما وصلت إليهم حتى عادت إلى العشرة آلاف [ تمام الخبر ].

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الاكل في السوق دناءة.

سأل رجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع، قال: لعلكم تفترقون عن طعامكم، فاجتمعوا عليه واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه.

عن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا وضعت المائدة بين يدي الرجل فليأكل مما يليه. ولا يتناول مما بين يدي جليسه. ولا يأكل من ذروة القصعة، فإن من أعلاها تأتي البركة. ولا يرفع يده وإن شبع، فإنه إذا فعل ذلك خجل جليسه وعسى أن يكون له في الطعام حاجة.

عن أنس قال: ما أكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على خوان ولا في سكرجة(١) ولا من خبز مرقق. فقيل لانس: على ماذا كانوا يأكلون؟ قال: على السفرة.

ومن كتاب روضة الواعظين روي عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، عن أبي جحيفة(٢) قال: أتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أتجشأ فقال: يا أبا جحيفة أخفض جشاءك، فإن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نور الحكمة الجوع. والتباعد من الله الشبع. والقربة إلى الله حب المساكين والدنو منهم.

__________________

١ - السكرجة - كقنفذة -: الصفحة التي يوضع فيها الاكل.

٢ - بتقديم الجيم على الحاء مصغرا، هو وهب بن عبد الله من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام بل من خواصه.

١٤٩

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، فإن القلوب تموت كالزروع إذا كثر عليه الماء.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تشبعوا فيطفأ نور المعرفة من قلوبكم. ومن بات يصلي في خفة من الطعام باتت الحور العين حوله.

وسئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أكثر ما يدخل النار؟! قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : الاجوفان البطن والفرج.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أكل الحلال قام على رأسه ملك يستغفر له حتى يفرغ من أكله.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا وقعت اللقمة من حرام في جوف العبد لعنه كل ملك في السماوات وفي الارض. وما دامت اللقمة في جوفه لا ينظر الله إليه. ومن أكل اللقمة من الحرام فقد باء بغضب من الله، فإن تاب تاب الله عليه وإن مات فالنار أولى به.

الفصل الرابع

( في آداب الشرب وما يتصل به)

من كتاب من لا يحضره الفقيه قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون.

عن الصادقعليه‌السلام قال: لا ينبغي الشرب في آنية الذهب والفضة ولا الاكل فيهما.

عن الباقرعليه‌السلام قال: لا تأكل في آنية الذهب والفضة.

عن أبي عبد الله قال: إنه كره الشرب في الفضة والقدح المفضض. وكره أن يدهن من مدهن مفضض والمشط كذلك. فمن لم يجد بدأ من الشرب في الفضة والقدح المفضض عدل بفمه عن موضع الفضة.

وروي أنه استسقى ماءا فاتي بقدح من صفر فيه ماء. فقال له بعض جلسائه: إن عباد البصري يكره الشرب في الصفر(١) . قالعليه‌السلام : فاسأله ذهب أم فضة.

__________________

١ - الصفر - بالضم - النحاس الاصفر.

١٥٠

سئل عن الصادقعليه‌السلام عن الشرب بنفس واحد؟ فقال: إذا كان الذي يناول الماء مملوكا لك فاشرب بثلاثة أنفاس. وإن كان حرا فاشربه بنفس واحد. وبرواية اخرى - وهي الاصح - عنه قال: ثلاثة أنفاس في الشرب أفضل من الشرب بنفس واحد. وكان يكره أن يشبه بالهيم وهي الابل(١) .

( الدعاء المروي عند شرب الماء)

الحمد لله منزل الماء من السماء، مصرف الامر كيف يشاء، بسم الله خير الاسماء.

عن الصادقعليه‌السلام قال: أتى أبي عبد اللهعليه‌السلام جماعة، فقالوا له: زعمت أن لكل شيء حدا ينتهي إليه؟ فقال لهم أبي: نعم. قال: فدعا بماء ليشربوا، فقالوا: يا أبا جعفر هذا الكوز من الشيء؟ قال: نعم، قالوا: فما حده؟ قال: حده أن تشرب من شفته الوسطى وتذكر الله عليه وتتنفس ثلاثا، كلما تنفست حمدت الله ولا تشرب من أذن الكوز، فإنه مشرب الشيطان، ثم تقول: الحمد لله الذي سقاني ماءا عذبا ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبي، وبرواية مثله بزيادة الحمد لله الذي سقاني فأرواني وأعطاني فأرضاني وعافاني وكفاني. اللهم اجعلني ممن تسقيه في المعاد من حوض محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وتسعده بمرافقته برحمتك يا أرحم الراحمين.

عن عبد الله بن مسعود قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتنفس في الاناء ثلاثة أنفاس، يسمي عند كل نفس ويشكر الله في آخرهن.

عن أنس، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الشرب قائما، قيل له: فالاكل؟ قال: هو أشر. وفي رواية عنه، أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله شرب قائما.

وقيل للصادقعليه‌السلام : ما طعم الماء؟ فقالعليه‌السلام : طعم الحياة.

وقالعليه‌السلام : إذا شرب أحدكم فليشرب في ثلاثة أنفاس يحمد الله في كل منها: الاول شكر للشربة، والثاني مطردة للشيطان، والثالث شفاء لما في جوفه.

عن ابن عباس قال: رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرب الماء فتنفس مرتين.

عن موسى بن جعفرعليهما‌السلام أنه سئل عن حد الاناء؟ فقال: حده أن

__________________

١ - الهيم: الابل العطاش.

١٥١

لا تشرب من موضع كسر إن كان به، فإنه مجلس الشيطان. وإذا شربت سميت وإذا فرغت حمدت الله.

وعن عمرو بن قيس قال: دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام بالمدينة وبين يديه كوز موضوع، فقلت له: ما حد هذا الكوز؟ فقال: اشرب مما يلي شفته وسم الله عز وجل، وإذا رفعته من فيك فاحمد الله، وإياك وموضع العروة أن تشرب منها، فإنه مقعد الشيطان، فهذا حده.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الاخر شفاء وإنه يغمس بجناحه الذي فيه الداء، فليغمسه كله ثم لينزعه.

الفصل الخامس

( في آداب الخلال)

من كتاب من لا يحضره الفقيه، عن وهب بن عبد ربه قال: رأيت أبا عبد اللهعليه‌السلام يتخلل، فنظرت إليه، فقال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتخلل وهو طيب الفم. وفي خبر آخر إن من حق الضيف إن يعد له الخلال.

وقالعليه‌السلام : ما أدرت عليه لسانك فأخرجته فابلعه. وما أخرجته بالخلال فارم به.

عن الفضل بن يونس أن سأل الكاظمعليه‌السلام عن حد الخلال؟ قال: أن تكسر رأسه لئلا يدمي اللثة.

عن الصادقعليه‌السلام قال: الكحل يطيب الفم، والخلال يزيد في الرزق.

من كتاب الفردوس، عن سعد بن معاذ قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنقوا أفواهكم بالخلال، فإنها مسكن الملكين الحافظين الكاتبين وإن مدادهما الريق وقلمهما اللسان، وليس شيء أشد عليهما من فضل الطعام في الفم.

من روضة الواعظين، عن عليعليه‌السلام قال: التخلل بالطرفاء(١) يورث الفقر.

من كتاب طب الائمة، عن الرضاعليه‌السلام قال: لا تخللوا بعود الرمان ولا بقضيب

__________________

١ - الطرفاء: إسم شجر.

١٥٢

الريحان، فإنهما يحركان عرق الجذام. قال: وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتخلل بكل ما أصاب إلا الخوص والقصب(١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : رحم الله المتخللين من أمتي في الوضوء والطعام.

روي عن الكاظمعليه‌السلام أنه قال: ينادي مناد من السماء: اللهم بارك في الخلالين والمتخللين. والخل بمنزلة الرجل الصالح يدعو لاهل البيت بالبركة. قلت له: جعلت فداك ما الخلالون وما المتخللون؟ قال: الذين في بيوتهم الخل والذين يتخللون. وقالعليه‌السلام : الخلال نزل به جبريلعليه‌السلام على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع اليمين والشاهد من السماء.

عن الصادقعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تخللوا على أثر الطعام، فإنه مصحة للفم والنواجذ ويجلب الرزق على العبد.

من صحيفة الرضا قال الرضا، عن أبيه، عن جدهعليهم‌السلام قال: حدثني أبي أن الحسين بن عليعليهما‌السلام قال: كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يأمرنا إذا تخللنا أن لا نشرب الماء حتى نتمضمض ثلاثا.

وروي عن محمد بن الحسن الداري يرفع الحديث أنه قال: من تخلل بالقصب لم تقض له حاجة سبعة أيام.

عن الصادقعليه‌السلام قال: لا تخللوا بالقصب، فإن كان ولا محالة فلتنزع الليطة(٢) .

نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يتخلل بالرمان والقصب وقال: هما يحركان عرق الاكلة.

عن الكاظمعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تخللوا، فإنه ليس شيء أبغض إلى الملائكة من أن يروا في أسنان العبد طعاما.

عن أنس، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: حبذا المتخلل من أمتي.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج. ومن اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن فلا فلا حرج. من أكل فما تخلل فلا يأكل، وما لاث بلسانه فليبلع.

__________________

١ - الخوص، بالضم: ورق النخل. والقصب، بالتحريك: كل نبات يكون ساقه أنابيب وكعوبا.

٢ - الليطة، بالكسر: قشر القصبة التي تليط بها أي تلزق بها.

١٥٣

وقد انتخب من كتاب طب الائمة فصولا تليق الباب وألحقها بهذا الموضع على ترتيب الكتاب كما يأتي ذكره.

الفصل السادس

( في ما جاء في الخبز)

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال: أكرموا الخبز، فإن الله عزوجل أنزله من بركات السماء وأخرجه من بركات الارض. قيل: وما إكرامه؟ قال: لا يقطع ولا يوطأ.

وعنهعليه‌السلام قال: أكرموا الخبز، فإن الله عزوجل أنزله من بركات السماء. قيل: وما إكرامه؟ قال: إذا حضر لم ينتظر به غيره.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم بارك لنا في الخبز ولا تفرق بيننا وبينه فلولا الخبز ما صلينا ولا صمنا ولا أدينا فرض الله.

عن الصادقعليه‌السلام أنه قال: أكرموا الخبز، فإنه عمل فيه ما بين العرش والارض وما بينهما.

وعنهعليه‌السلام قال: بني الجسد على الخبز.

( في خبز الشعير)

عن الصادقعليه‌السلام قال: كان قوت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشعير، وحلواه التمر، وإدامه الزيت.

عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: فضل خبز الشعير على البر كفضلنا على الناس. ما من نبي إلا وقد دعا لاكل الشعير وبارك عليه. وما دخل جوفا إلا وأخرج كل داء فيه. وهو قوت الانبياءعليهم‌السلام وطعام الابرار، أبى الله أن يجعل قوت الانبياء للاشقياء.

عن الصادقعليه‌السلام قال: لو علم الله في شيء شفاء أكثر من الشعير ما جعله غذاء الانبياءعليهم‌السلام .

( في خبز الارز)

عنهعليه‌السلام قال: ما دخل جوف المسلول مثله، إنه يسل الداء سلا(١) . وقال

__________________

١ - السل - بالفتح -: إنتزاع الشيء وإخراجه في رفق.

١٥٤

عليه‌السلام : نعم الدواء الارز، بارد، صحيح، سليم من كل داء.

عن الرضا، عن أبيه، عن جدهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سيد طعام الدنيا والاخرة اللحم والارز.

عن ابن أبي نافع وغيره يرفعونه، قال: من من شيء أنفع ولا أبقى في الجوف من غدوة إلى الليل إلا خبز الارز.

( في خبز الجاورس)

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: أما إنه ليس فيه ثقل وهو باللبن ألين وأنفع في المعدة.

الفصل السابع

( في منافع المياه)

عن الصادقعليه‌السلام قال: سيد شراب أهل الجنة الماء.

عن أبي طيفور المتطبب قال: دخلت على أبي الحسن الماضيعليه‌السلام ، فهيته عن شرب الماء، فقال: وأي بأس بالماء؟ وهو يذيب الطعام في المعدة ويذهب بالصفراء ويسكن الغضب ويزيد في اللب ويطفئ الحرارة.

وعن ياسر الخادم قال: قال الرضاعليه‌السلام : لا بأس بكثرة شرب الماء على الطعام ثم قال: أرأيت لو أن رجلا يأكل مثل ذا طعاما - وجمع يديه كلتيهما ولم يجمعهما ولم يفرقهما - ثم لم يشرب عليه الماء لم يكن يتسق(١) بطنه؟!

( في ماء زمزم)

عن الصادقعليه‌السلام قال: ماء زمزم شفاء من كل داء.

وعنهعليه‌السلام قال: ماء زمزم شفاء لما شرب له. وروي في حديث آخر: ماء زمزم شفاء من كل داء، وأمان من كل خوف.

__________________

١ - اتسق الشيء: استوى وانتظم. وأيضا امتلاء وفي بعض النسخ ينتسق. وانتسق الشيء: انتظم.

١٥٥

( في ماء الميزاب)

عن صارم(١) قال: اشتكى رجل من أصحابنا حتى سقط للموت. فلقيت أبا عبد اللهعليه‌السلام فقال: يا صارم ما فعل فلان؟ قلت: تركته للموت، جعلت فداك، أما إني لو كنت في مكانك لسقيته ماء الميزاب، فطلبناه عند كل أحد فلم نجده، فبينا نحن كذلك إذا ارتفعت سحابة، فأرعدت وأبرقت فأمطرت، فجئت إلى بعض من في المسجد، فأعطيته درهما وأخذت منه قدحا من ماء الميزاب، فجئته به، فأسقيته له فلم نبرح من عنده حتى شرب سويقا وبرئ.

( في ماء السماء)

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : اشربوا ماء السماء، فإنه طهور للبدن ويدفع الاسقام قال الله تبارك وتعالى:( وينزل عليكم من السماء ماءا ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام ) (٢) .

( في ماء الفرات)

عن خالد بن جرير قال: قال أبو عبد الله: لو أني عندكم لاتيت الفرات كل يوم فاغتسلت، وأكلت من رمان سوري في كل يوم رمانة(٣) .

( في ماء نيل مصر)

قال علي بن أبي طالبعليه‌السلام : ماء نيل مصر يميت القلب ولا تغسلوا رؤسكم من طينها، فإنه يورث الزمانة.

( في الماء البارد)

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : صبوا على المحموم الماء البارد، فإنه يطفئ حرها.

عن الصادقعليه‌السلام قال: الماء البارد يطفئ الحرارة ويسكن الصفراء ويذيب الطعام في المعدة، ويذهب بالحمى.

__________________

١ - هو صارم بن علوان الجوخي من أصحاب الامام الصادقعليه‌السلام .

٢ - سورة الانفال: آية ١١.

٣ - سورى - كطوبى -: موضع بالعراق من أرض بابل، وموضع من أعمال بغداد.

١٥٦

من صحيفة الرضاعليه‌السلام ، عنه، عن آبائه، عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام قال في قول الله تبارك وتعالى:( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) (١) قال: الرطب والماء البارد.

( في الماء المغلي)

عنهعليه‌السلام قال: الماء المغلي ينفع من كل شيء ولا يضر من شيء.

وعنهعليه‌السلام قال: إذا دخل أحدكم الحمام فليشرب ثلاثة أكف ماءا حارا، فإنه يزيد في بهاء الوجه ويذهب بالالم من البدن.

عن الرضاعليه‌السلام قال: الماء المسخن إذا غليته سبع غليات وقلبته من إناء إلى إناء فهو يذهب بالحمى، وينزل القوة في الساقين والقدمين.

( في النهي عن إكثار شرب الماء)

عن الصادقعليه‌السلام قال: إياك والاكثار من شرب الماء، فإنه مادة كل داء. وقالعليه‌السلام : لو أنهم أقلوا من شرب الماء لا ستقامت أبدانهم. قال: وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أكل دسما أقل من شرب الماء، فقيل له: يا رسول الله إنك لتقل من شرب الماء؟ فقال: إنه أمرأ للطعام.

( في شرب الماء من قيام)

قال الباقرعليه‌السلام : شرب الماء من قيام أمرأ وأصح.

عن الصادقعليه‌السلام قال: شرب الماء [ من قيام ] بالنهار يمرئ الطعام. وشرب الماء [ من قيام ] بالليل يورث الماء الاصفر. ومن شرب الماء بالليل وقال ثلاث مرات: يا ماء عليك السلام، من ماء زمزم وماء الفرات لم يضره الماء بالليل.

( في النهي عن العب)

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مصوا الماء مصا ولا تعبوه عبا، فإنه يأخذ منه الكباد(٢) .

عن عليعليه‌السلام : نهى عن العبة الواحدة في الشرب، قال: ثلاثة أو اثنتين.

__________________

١ - سورة التكاثر: آية ٨.

٢ - العب: شرب الماء بلا تنفس وغير مص. والمص: شرب الماء مع جذب نفس. والكباد بالضم -: وجع الكبد. وفي بعض النسخ ( فإنه يورث الكباد ).

١٥٧

الفصل الثامن

( في اللحوم وما يتعلق بها)

من صحيفة الرضاعليه‌السلام ، عنه، عن أبيه، عن جدهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - وقد ذكر عنده اللحم والشحم -: ليس منه بضعة تقع في المعدة إلا أنبتت في مكانها شفاءا وأخرجت من مكانها داء.

عنهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا طبخت شيئا من لحم فأكثر المرقة، فإنها أحد اللحمين واغرفه للجيران، فإن لم يصيبوا من اللحم يصيبوا من المرق.

عن عليعليه‌السلام قال: اللحم سيد الطعام في الدنيا والاخرة.

عن زرارة قال: تغذيت مع أبي جعفرعليه‌السلام أربعة عشر يوما بلحم في شعبان.

عن جعفر بن محمد، عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : نحن معاشر الانبياء قوم لحميون.

عن أديم(١) قال: قلت للصادقعليه‌السلام : بلغني أن الله عزوجل يبغض القلب اللحم؟ قال: ذلك البيت الذي يؤكل بالغيبة فيه لحوم الناس. وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحميا يحب اللحم. ومن ترك اللحم أربعين يوما ساء خلقه. ومن ساء خلقه فأطعموه اللحم. ومن أكل من شحمه قطعة أخرجت مثلها من الداء.

قال الصادقعليه‌السلام : أحسن اللحموم لحم الظهر.

( في اللحم باللبن)

عن الصادقعليه‌السلام قال: من أصابه ضعف في قلبه أو في بدنه فليأكل لحم الضأن باللبن.

من كتاب زهد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عن عقبة بن علقمة قال: دخلت على أمير المؤمنينعليه‌السلام وإذا بين يديه لبن حامض قد أذاني حموضته، وكسرة يابسة، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين أتأكل مثل هذا؟ قال لي: يا أبا الجنود إني أدركت رسول الله

__________________

١ - هو أديم بن الحر الخثعمي أو الجعفي، الكوفي، الحذاء، كان من أصحاب الصادقعليه‌السلام ، ثقة وله أصل.

١٥٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل أيبس من هذا ويلبس أخشن من هذا. وإن لم آخذ بما أخد به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خفت أن لا ألحق به.

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: إن نبيا من الانبياء شكا إلى الله عزوجل الضعف في أمته، فأمرهم أن يأكلوا اللحم باللبن، ففعلوا فاستبانت القوة في أنفسهم.

( في الشحم)

عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: اللحم ينبت اللحم. ومن أدخل جوفه لقمة شحم أخرجت مثلها من الداء.

عن الصادقعليه‌السلام قال: في قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أكل لقمة شحم أنزلت مثلها من الداء، قال: شحمة البقر.

وعنهعليه‌السلام : سميت اليهود النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الذراع. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يحب الذراع ويكره الورك(١) .

وعنهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أتى عليه أربعون يوما لم يأكل لحما فليستقرض على الله تعالى وليأكله.

وعنهعليه‌السلام أنه قيل له: إن الناس يقولون: من لم يأكل اللحم ثلاثة أيام ساء خلقه، قالعليه‌السلام : كذبوا، من لم يأكله أربعون يوما ساء خلقه.

( في لحم الضأن)

عن سعد بن سعد قال: قلت لابي الحسنعليه‌السلام : إن أهل بيتي لا يأكلون لحم الضأن، قال: ولم؟ قلت: يقولون: إنه يهيج المرة الصفراء والصداع والاوجاع، قال: يا سعد لو علم الله شيئا أفضل من الضأن لفدى به إسماعيلعليه‌السلام .

( في لحم البقر)

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: لحم البقر داء. وأسمانها شفاء. وألبانها دواء.

عنهعليه‌السلام - وذكر لحم البقر عنده - قال: ألبانها دواء. وشحومها شفاء. ولحومها داء.

__________________

١ - الورك: ما فوق الفخذ، كالكتف فوق العضد.

١٥٩

عنهعليه‌السلام قال في مرق لحم البقر يذهب بالبياض(١) .

عنهعليه‌السلام ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إن بني إسرائيل شكوا إلى موسىعليه‌السلام ما يلقون من البرص. وشكا ذلك إلى الله عزوجل، فأوحى الله تعالى إليه: مرهم فليأكلوا لحم البقر بالسلق.

عن الصادقعليه‌السلام قال: في الشاة عشرة أشياء لا تؤكل: الفرث والدم والنخاع والطحال والغدد والقضيب والانثيان والرحم والحياء(٢) والادواج. وقال: عشرة من الميتة ذكية: القرن والحافر والعظم والسن والانفحة(٣) واللبن والشعر والصوف والريش والبيض.

من الفردوس، عن معاذ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: عليكم بأكل لحوم الابل فإنه لا يأكل لحومها إلا كل مؤمن مخالف لليهود [ أعداء الله ].

( في لحم الجزر)

عن إبراهيم السمان قال: من تمام الاسلام حب لحم الجزر(٤) .

( في لحم القديد)

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ثلاثة تهدم البدن وربما قتلن: أكل القديد الغاب ودخول الحمام على الدوام. ونكاح العجائز. وزاد فيه أبوإسحاق، الغشيان على الامتلاء(٥) .

( في لحم الدجاج)

عن جابر بن عبد الله قال: أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الاغنياء بإتخاذ الغنم والفقراء بإتخاذ الدجاج(٦) .

__________________

١ - البياض: داء يحدث في الجسم قشرا أبيض.

٢ - الحياء - بالمد -: الفرج.

٣ - الانفحة - بكسر الهمزة وسكون النون وفتح الفاء، كرش الحمل أو الجدي مادام رضيعا ولم يطعم غير اللبن وهي شيء يستخرج من بطنه فيعصر في صوفة مبتلة في اللبن فيغلظ كالجبن.

٤ - الجزر - بالتحريك -: كل شيء مباح للذبح. والشاة السمينة واحدته.

٥ - القديد: اللحم المقدد، أي المقطوع. وقدد اللحم: جعله قطعا وجففه. والغاب: اللحم المنتن.

٦ - الدجاج - بتثليث الدال -: طائر معروف.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481