مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق12%

مكارم الأخلاق مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: مکتبة الأخلاق والدعاء
الصفحات: 481

مكارم الأخلاق
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 207707 / تحميل: 11476
الحجم الحجم الحجم
مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

مبغض عليّ وآل عليّ في النار، ومحبّ عليّ وآل عليّ في الجنّة...................... ٥٩٨

الطّرفة الثالثة والثلاثون...................................................... ٦٠٣

قال عليّعليه‌السلام : غسلت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنا وحدي وهو في قميصه، فذهبت أنزع عنه القميص، فقال جبرئيل: لا تجرّد أخاك من قميصه؛ فإنّ الله لم يجرّده

........................................................................... ٦٠٣

[ قال عليّعليه‌السلام ]: فغسّلته بالروح والريحان والرحمة، والملائكة الكرام الأبرار الأخيار، تشير لي وتمسك، وأكلّم ساعة بعد ساعة، ولا أقلب منه عضوا إلاّ قلب لي

........................................................................... ٦٠٥

[ قال عليّعليه‌السلام ]: ثمّ واريته، فسمعت صارخا يصرخ من خلفي: يا آل تيم، ويا آل عدي، ويا آل أميّة( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) ، اصبروا آل محمّد تؤجروا، ولا تحزنوا فتؤزروا،( مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) ٦٠٧

ثبت مصادر التوثيقات...................................................... ٦١١

٢١

٢٢

مقدّمة المؤسسة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله المعصومين لا سيّما أوّلهم مولانا أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين وخاتمهم مولانا الإمام الثاني عشر المهديّ المنتظر عجّل الله فرجه وفرجنا بظهوره ولعنة الله على أعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.

إنّ مؤسّسة عاشوراء للتّحقيق والدراسات جعلت جزءا من نشاطها - والّذي اسندته إلى مؤسسة تاسوعاء للنشر - مهمّة تحقيق النّصوص ونشرها بالمستوى العلمي المطلوب واللاّئق بها، فإنّ هذه المؤسسة بالاضافة إلى نشاطها الواسع والمستمرّ منذ سنين في مجال التّحقيق حول الموضوعات الّتي تهمّ الأمّة الاسلامية وإعداد دراسات شاملة ومستوعبة لهذه الموضوعات التي تؤول نتائجها ومنتهياتها إلى من تخصّهم، سواء الّذين أسندوا إليها القيام بأعمال تحقيقيّة أو دراسات علميّة، أو الّذين ترتكز الاستفادة منها عندهم وتؤتى ثمارها بأيديهم.

فبالاضافة إلى مثل هذا النشاط الواسع العميق الّذي لا يقدّر قدره إلاّ المعنيّون وذوو الاختصاص، من افراد وجماعات ومؤسّسات، ارتأت أن تقوم بمهمّة أخرى وهي تحقيق النصوص والكتب التي ترى أنّ الأمّة بحاجة إليها، سواء الّذي لم ينشر

٢٣

من قبل أو الّذي نشر ولكن بصورة غير لائقة.

ونحمد الله سبحانه - وهو وليّ الحمد - أن تمّ من هذا الجانب من نشاط المؤسّسة تحقيق كتاب ( طرف من الأنباء والمناقب فى شرف سيّد الأنبياء وعترته الاطائب، وطرف من تصريحه بالوصيّة بالخلافة لعليّ ابى طالب ) للسيّد رضيّ الدين عليّ بن طاوس الحسنى الحلّي، العلاّمة والمؤلّف الشهير، ومن أنبغ اعلام سابع قرون الهجرة النّبويّة. قام بتحقيق الكتاب الاستاذ الشيخ قيس العطّار؛ وقدّم له مقدّمة وافية بالتعريف بالكتاب والمؤلف ومنهج التحقيق، نسأل له التوفيق وللمؤسّسة الهداية والتّسديد فى كافة انحاء النّشاط الّتي تقوم بها، وأن يأخذ بأيديها إلى ما يرضيه سبحانه ويرضي أولياءه المعصومين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، إنه نعم المولى ونعم النصير.

مشهد المقدّسة

١١ / ذي القعدة / ١٤٢٠

٢٨ / ١١ / ١٣٧٨

( يوم ميلاد مولانا وحامي حمانا الإمام عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام )

( مؤسسة عاشوراء للتّحقيق والدراسات )

٢٤

مقدّمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلائق أجمعين، أبي القاسم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى عترته وآل بيته الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وبعد:

فإنّ أوّل خلاف برز بشكل علنيّ بين المسلمين، هو ذلك الخلاف الّذي بدأه الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب قبيل وفاة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله والتحاقه برب العالمين، حين طلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من المسلمين أن يأتوه بدواة وقرطاس ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا، فاعترض عمر بن الخطّاب قائلا: « إن الرّجل ليهجر، حسبنا كتاب الله » وافترق المسلمون الحاضرون فرقتين، واحدة تقول بما قال عمر، وثانية تقول بضرورة تنفيذ ما طلبه النبيّ، فكثر الاختلاف واللّغط، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « قوموا عنّي لا ينبغي عندي التنازع »، حتّى قال ابن عباس: « الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ».

وليس بالخفي أنّ بوادر الخلاف وعدم الانصياع التام لأوامر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت

__________________

(١) انظر الملل والنحل ( ج ١؛ ٢٩ ) وصحيح البخاري ( ج ٦؛ ١١ / باب مرض النبي ) وصحيح مسلم ( ج ٣؛ ١٢٥٩ / كتاب الوصيّة - الحديث ٢١، ٢٢ )

٢٥

موجودة حتّى في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد أرسلصلى‌الله‌عليه‌وآله خالد بن الوليد إلى بني جذيمة داعيا ولم يبعثه مقاتلا، فوضع خالد السيف فيهم؛ انتقاما لعمّه الفاكه بن المغيرة؛ إذ كانوا قتلوه في الجاهليّة، فبرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من صنعه وأرسل عليّاعليه‌السلام فودى لهم الدماء والأموال(١) ، كما اعترض عمر على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في صلح الحديبيّة، وفي وعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ربّه بأن يدخلوا المسجد الحرام(٢) ، وأشار على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتل أسارى بدر وفيهم عمّ النبيّ وبعض أرحامه(٣) ، وأمره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كما أمر الخليفة الأوّل بقتل الرجل المارق الّذي كان يصلّي فلم يطيعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ورجعا عن قتله(٤) ، كما أنهما فرّا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر من مرّة وفي أكثر من زحف(٥) ، وكما أنّهما تخلّفا عن جيش أسامة(٦) إلى غير ذلك من مفردات خلاف الشيخين وصحابة آخرين لأوامر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولمّا زويت الخلافة عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، تبدّل مسير التاريخ الإسلاميّ، وأثّر هذا التبدّل على العقائد والفقه والتفسير والحديث وجميع العلوم الإسلاميّة، حتّى إذا تسلّم عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام أزمّة الأمور واجهته مشاكل جمّة، كان من أكبرها التحريفات والتبديلات الّتي أصيب بها الفكر الإسلامي، والمسار المعوّج

__________________

(١) انظر تاريخ ابن الاثير ( ج ٢؛ ٢٥٥، ٢٥٦ )

(٢) انظر صحيح البخاري ( ج ٦؛ ١٧٠ )، صحيح مسلم ( ج ٣؛ ١٤١١ )، فتح القدير ( ج ٥؛ ٥٥ ) وانظر الطرائف ( ج ٢؛ ٤٤٠، ٤٤١ )

(٣) انظر صحيح مسلم ( ج ٦؛ ١٥٧ )، شرح النهج ( ج ١٤؛ ١٨٣ )، السيرة الحلبية ( ج ٢؛ ١٩١ )

(٤) انظر مسند أحمد ( ج ٣؛ ١٥ )، العقد الفريد ( ج ٢؛ ٢٤٤؛ ٢٤٥ )

(٥) انظر تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ٤٧ )، كشف الغمة ( ج ١؛ ١٩٢ )، شرح النهج ( ج ١٥؛ ٢٠ ) مغازي الواقدي ( ج ١؛ ٢٩٣ )، المستدرك للحاكم ( ج ٢؛ ٣٧ ) وانظر دلائل الصدق ( ج ٢؛ ٥٥٣ ) ونفحات الجبروت للعلاّمة المعاصر الاصطهباناتي / الجلد الأول - الدليل الرابع

(٦) انظر السقيفة وفدك ( ٧٤، ٧٥ )، شرح النهج ( ج ٦؛ ٥٢ )، وانظر طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٩٠ ) و ( ج ٤؛ ٦٦ )، تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١١٣ )، الكامل لابن الاثير ( ج ٢؛ ٣١٧ )، أنساب الأشراف ( ج ١؛ ٤٧٤ )، تهذيب تاريخ دمشق ( ج ٢؛ ٣٩١ )، أسد الغابة ( ج ١؛ ٦٨ )، تاريخ أبي الفداء ( ج ١؛ ١٥٦ )، النص والاجتهاد (٣١)، عبد الله بن سبأ ( ج ١؛ ٧١ ).

٢٦

الّذي رسمته السلطات الانتفاعيّة والانتهازية، والّذي أدّى إلى شلّ الفكر القويم عند طائفة كبيرة من المسلمين.

لقد أجهدت هذه الحالة الفكريّة المشوّشة إصلاحات الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وأخذت منه مأخذا كبيرا ووقتا طويلا، فأصلحعليه‌السلام منها ما أصلحه وبقي قسط آخر منها مرتكزا في نفوس الناس كنتيجة سلبيّة من مخلّفات من سبقه من الرجال، فلم يتمكّنعليه‌السلام من تغييرها خارجا وإن أثبت بطلانها وخطأها على الصعيد الفكري.

روي عن سليم بن قيس ثمّ أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصّته وشيعته، فقال: « قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيّرين لسنّته، ولو حملت الناس على تركها وحوّلتها إلى موضعها وإلى ما كانت في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لتفرق عنّي جندي حتّى أبقى وحدي، أو قليل من شيعتي الّذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم فرددته إلى الموضع الّذي وضعه فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورددت فدك إلى ورثة فاطمةعليه‌السلام ، ورددت صاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما كان، وأمضيت قطائع أقطعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ وأعطيت كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعطي بالسويّة، ولم أجعلها دولة بين الأغنياء وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله وفرضه وحرّمت المسح على الخفّين، وحددت على النبيذ، وأمرت بإحلال المتعتين، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات وأخرجت من أدخل مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجده ممّن كان رسول الله أخرجه وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنّة، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها إذن لتفرقوا عنّي والله، لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة وأعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة، فتنادى بعض

٢٧

أهل عسكري ممّن يقاتل معي: « يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعا »، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري. ما لقيت من هذه الأمّة من الفرقة وطاعة أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار(١) ».

ولمّا آل الأمر إلى ملك بني أميّة، وعلى رأسهم معاوية، أخذ يتلاعب بالدين كيفما شاء ويوجّه الأحكام إلى أيّ وجهة أراد، فوضع في البلدان من يختلق الفضائل لمن لا فضيلة له، ومن يضع المكذوبات للنيل من عليّ وآل عليّعليه‌السلام (٢) ، فالتفّ حوله المتزلّفون والوضّاعون والكذّابون من أمثال أبي هريرة وسمرة بن جندب(٣) ، وغيرهم من الطحالب الّتي تعيش في زوايا المياه، حتّى تسنّى له أن يعلن ويجاهر بسبّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ظلما على المنابر(٤) ، مع أنّ معاوية ملعون عدلا على لسان القنابر(٥) .

ولمّا ملك العبّاسيّون كانوا أشدّ ضراوة وقساوة على الدين وعلى أهل البيت وأتباعهم، فراحوا يسعون ويجهدون إلى طمس فضائلهم وإطفاء نور الله الذّي خصّهم به، فطاردوا العلويّين والشيعة واضطهدوهم سياسيّا وفكريّا، وروّجوا للمذاهب الأخرى المضادّة لمذهب أهل البيتعليه‌السلام ، وتبنّوا الآراء الفاسدة والمنحرفة لمجابهة الحقّ، وإبعادا للمسلمين عن الالتفاف حول المنبع الثرّ والعطاء الزاخر الّذي تميّز به منهج أهل البيتعليه‌السلام .

وهكذا استمرت الحكومات، وتوالت السلطات، وتظافرت على كتم الحقّ ونشر ما يخالفه.

__________________

(١) الكافي ( ج ٨؛ ٥٨ - ٦٣ )

(٢) انظر شرح النهج ( ج ٤؛ ٦٣ ) وصرّح أنّ منهم أبا هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير.

(٣) انظر شرح النهج ( ج ٤؛ ٧٣ )، نقلا عن أبي جعفر الإسكافي

(٤) انظر شرح النهج ( ج ٤؛ ٥٦، ٥٧ )، فرحة الغري ( ٢٤، ٢٥ )

(٥) انظر الصراط المستقيم ( ج ٣؛ ٤٧، ٤٨ )

٢٨

إلاّ أنّ الجهود الخيّرة والمساعي المثمرة للأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام صمدت في وجه كلّ تلك الحملات المسعورة، فربّى الأئمّة عباقرة وجهابذة وحملة للرسالة، قارعوا الأفكار الخاطئة ونشروا وتحمّلوا أعباء الرسالة الصحيحة، فدوّنوا المؤلّفات الّتي تصحّح كلّ ما مسّته يد التحريف والتلاعب.

وكان النصيب الأوفر من الخلاف، والقسم الأضخم من النزاع، قد انصبّ على مسألة الإمامة والخلافة والوصيّة لعليّعليه‌السلام ، فدار حولها الجدل والخلاف في أوّل يوم بعد وفاة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك في سقيفة بني ساعدة، حيث احتجّ المهاجرون على الأنصار بأنّهم من قومه وعشيرته، واحتجّت الأنصار على المهاجرين بأنّهم الّذين آووا ونصروا، وأنّهم الأوّلون قدما في الإسلام، وامتدّ النزاع واشتجر بينهم، ناسين أو متناسين حقّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وأولويّته بالخلافة ولو وفق ما احتجّ به الفريقان.

وعلى كلّ حال، فقد سيطر أبو بكر بمساعدة عمر على الأمور بالقوّة والعسف، ولم يصخ سمعا لاحتجاجات عليّعليه‌السلام المحقّة، مبتدعا قولة « لا تجتمع النبوّة والخلافة في بني هاشم »(١) ، ومن ثمّ ادّعى من بعدها « نحن معاشر الأنبياء لا نورّث درهما ولا دينارا »(٢) ، وما إلى غيرها من مبتكرات الخلافة المتسلّطة.

من هنا نجد أنّ الصراع الفكري في مسألة الإمامة الّتي أخفى الظالمون معالمها قويّ جدّا، فراح رواة الشيعة وعلماؤهم يؤلّفون أخذا عن أئمّتهمعليه‌السلام في هذا المجال العقائديّ،

__________________

(١) انظر كتاب سليم بن قيس (١١٧) وفيه: ثمّ ادعى أنّه سمع نبي الله يقول: إنّ الله أخبرني أن لا يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة، فصدّقه عمر وأبو عبيدة وسالم ومعاذ. وانظر جواب علي على ذلك إذ دخل في الشورى، في كتاب سليم أيضا (١١٩)

(٢) انظر صحيح البخاري ( ج ٥؛ ١٧٧ )، صحيح مسلم ( ج ٣؛ ١٣٨٠ )، السيرة الحلبية ( ج ٣؛ ٣٨٩ ). وهذا الحديث من مخترعات أبي بكر لم يرو عن غيره. قال ابن ابي الحديد: قال النقيب أبو جعفر يحيى بن محمّد البصري: إن عليا وفاطمة والعباس ما زالوا على كلمة واحدة، يكذبون « نحن معاشر الأنبياء لا نورث » ويقولون أنّها مختلقة. انظر شرح النهج ( ج ١٦؛ ٢٨٠ )

٢٩

فدوّنوا كتبهم في الإمامة والوصيّة - منذ العصور الإسلاميّة الأولى - بشكل مرويّات عن أئمّة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخير شاهد ودليل على ذلك كتاب « سليم بن قيس الهلاليّ » الّذي يعدّ أقدم ما وصلنا في هذا المضمار، إضافة إلى كثير في كتب أصحاب الأئمّةعليه‌السلام الّتي لم يصلنا أكثرها بسبب الظلم والاضطهاد وقسوة المدرسة المقابلة الّتي تمتلك القدرة الفعليّة وتقمع المعارضين.

بسبب هذا الصراع الفكريّ والعقائديّ، كثرت التآليف في الإمامة عموما بجميع تفاصيلها ومفرداتها، وفي الوصيّة - وصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالخلافة لعليّ وأبنائه الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام - خصوصا، وهو ما يهمّنا في هذا البحث، باعتبار أنّ كتاب « الطّرف » مختصّ بوصيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام بالإمامة له ولولدهعليهم‌السلام ، وكيفيّة أخذهصلى‌الله‌عليه‌وآله البيعة لعليّعليه‌السلام ، ووصيّته له بأن يدفنه هو ولا يدفنه غيره، وما إلى ذلك من مواضيع تدور كلّها في مدار الوصيّة.

وبنظرة عجلى حول ما ألّف تحت عنوان « الوصيّة »، وجدنا الكتب التالية للمتقدّمين:

١ - « الوصيّة والإمامة » لأبي الحسن عليّ بن رئاب الكوفيّ، من أصحاب الصادق والكاظمعليهما‌السلام ، ممّا يعني أنّه كان حيّا بعد سنة ١٤٨ ه‍. ق. وهي سنة تولّي الإمام الكاظمعليه‌السلام للإمامة.

٢ - « الوصيّة والردّ على منكريها »، لشيخ متكلّمي الشيعة، أبي محمّد، هشام ابن الحكم الكوفي، المتوفّى سنة ١٩٩ ه‍.

٣ - « الوصيّة » لمحمّد بن سنان؛ أبي جعفر الزاهريّ، من ولد زاهر مولى عمرو ابن الحمق الخزاعيّ، يروي عن عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام ، توفّي سنة ٢٢٠ ه‍.

٤ - « الوصيّة » لعيسى بن المستفاد البجلي، أبي موسى الضرير، الراوي عن الكاظمعليه‌السلام ، وأبي جعفر الثاني الإمام الجوادعليه‌السلام ، توفّي سنة ٢٢٠ ه‍.

٥ - « الوصيّة » لأبي إسحاق إبراهيم بن محمّد بن سعيد الثقفي، وهو من ولد عمّ المختار الثقفيّ، توفّي سنة ٢٨٣ ه‍.

٣٠

٦ - « الوصيّة » أو « إثبات الوصيّة » للمؤرّخ الثبت العلاّمة النسّابة، عليّ بن الحسين ابن عليّ المسعوديّ الهذليّ، صاحب كتاب « مروج الذهب »، المتوفّى سنة ٣٤٦ ه‍.

٧ - « الوصيّة » لأبي العبّاس أحمد بن يحيى بن فاقة الكوفيّ، الراوي عن أبي الغنائم محمّد بن عليّ البرسيّ، المتوفى سنة ٥١٠ ه‍، يرويه عن مؤلّفه السيّد أبو الرضا فضل الله الراونديّ.

وأمّا الكتب الّتي ألّفت تحت عنوان « الإمامة » والّتي تتضمّن مرويّات وبحوث الوصيّة فهي كثيرة قديما وحديثا، ممّا يعسر إحصاؤها وعدّها جميعا، حتّى أنّ العلاّمة المتتبّع الآغا بزرك الطهرانيّ (رض) قال:

الإمامة من المسائل الكلاميّة الّتي قلّ في مؤلّفي الأصحاب من لم يكن له كلام فيها، ولو في طيّ سائر تصانيفه، أو مقالة مستقلّة، أو رسالة، أو كتاب في مجلّد، أو مجلّدات إلى العشرة فما فوقها، فأنّى لنا بإثبات الكلّ أو الجلّ(١) ...

ثمّ عدّ من كتب أصحاب الأئمّةعليهم‌السلام وسائر الرواة والكتّاب ما يقارب المائة مصنّف ومؤلّف من مؤلّفات الشيعة الإماميّة(٢) ، وهي جميعا تحتوي في مطاويها على البحوث والمرويّات المتعلّقة بالوصيّة.

وعلى كلّ حال، فإنّ كتابنا « الطّرف » له ارتباط وثيق بكتاب « الوصيّة » لعيسى بن المستفاد البجليّ، وهذا ما يقتضي أن نبحث هذه الزاوية المهمّة، ثمّ نبحث حياة السيّد عليّ بن طاوس مؤلّف « الطّرف »، ومن بعده ما يتعلّق بعيسى ابن المستفاد البجليّ.

اسم الكتاب

لقد اختلفت النسخ الخطيّة، والمطبوعة القديمة، بل وحتّى السيّد ابن طاوس نفسه في تعيين اسم الكتاب كاملا، بحيث نجد أنّ النسخة الواحدة تذكر في بدايتها له

__________________

(١) الذريعة ( ج ٢؛ ٣٢٠ )

(٢) انظر الذريعة ( ج ٢؛ ٣٢٠ - ٣٤٣ )

٣١

اسما، ثمّ تعود في خاتمتها فتذكر اسما آخر، ويذكر له السيّد ابن طاوس في إجازته اسما، وفي كشف المحجّة اسما آخر، وهذا ما يحدو بنا أن نذكر ما اطّلعنا عليه في هذا المجال، ثمّ نرجّح اسم الكتاب في خاتمة المطاف.

إنّ النسخة « أ » صرّحت في بدايتها أنّ اسم الكتاب « طرف من الأنباء والمناقب، في شرف سيّد الأنبياء والأطائب، وطرف من تصريحه بالوصيّة والخلافة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ».

ثمّ كتب في آخرها: تمّت صورة ما وجدته من هذا الكتاب الموسوم ب « طرف الأنباء والمناقب في شرف سيّد الأنبياء والأطائب، وطرف من تصريحه وتنصيصه لخلافة عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ».

وإذا لاحظنا المطبوعة من الكتاب، والّتي طبعت في النجف الأشرف عام ١٣٦٩ ه‍. ق. عن نسخة سقيمة مغلوطة، وجدنا عنوان الكتاب في الصفحة الأولى، هكذا « الطّرف من المناقب في الذريّة الأطائب »، مع أنّ المصرّح به في آخر الكتاب هو: تمّت صورة ما وجدته من نسخة هذا الكتاب الشريف الموسوم بكتاب « طرف من الأنباء والمناقب، في شرف سيّد الأنبياء والأطائب، وطرف من تصريحه بالوصيّة والخلافة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام »، وهذا ما يعني توافق ما في بداية نسخة « أ » مع ما في آخر نسخة « ب ».

وقد أورد الآغا برزگ الطهراني « رض » في « الذريعة » اسم الكتاب مطابقا لما في بداية « أ » وآخر « ب » مع إضافة ألف ولام في بداية عنوانه، فقال: « الطّرف من الأنباء والمناقب، في شرف سيّد الأنبياء والأطائب، وطرف من تصريحه بالوصيّة والخلافة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام (١) ».

وأورد السيّد ابن طاوس اسم الكتاب في إجازته مطابقا لما في بداية « أ »

__________________

(١) الذريعة ( ج ١٥؛ ١٦١ )

٣٢

وآخر « ب » أيضا، مع إبداله الواو العاطفة - في قوله « والخلافة » - بالباء المتعلّقة بالوصيّة، فصارت « بالوصيّة بالخلافة »، وإليك نصّ عبارته: « طرف من الأنباء والمناقب، في شرف سيّد الأنبياء والأطائب، وطرف من تصريحه بالوصيّة بالخلافة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام (١) ».

وما أن تقاربت الأسماء حتّى برز اسم الكتاب بشكل آخر في « كشف المحجّة » حيث سماّه ب « طرف الأنباء والمناقب، في شرف سيّد الأنبياء وعترته الأطائب(٢) ».

وأمّا النسختان « ج » « هـ » فلم تتعرّضا للاسم أبدا، وإنّما كتب اسم كتاب « الطّرف » من مفهرسي مكتبة الآستانة الرضويّة على مشرّفها السلام.

واكتفت النسخة « د » في بدايتها، والنسخة « و » في بدايتها ونهايتها، بالتعبير بكتاب الطّرف، وهذا تساهل واضح واختصار دأب عليه الكتّاب والمؤلّفون والفضلاء في غير مقام التدقيق العلميّ.

والعجب أنّ كاتب النسخة « أ » من الفضلاء - كما ستقف على ذلك في وصف النسخ - وقد بذل جهدا عظيما في تحرّي الدقّة والضبط ومقابلة نسخته مع نسخ أخرى، ورجّح وأحسن التلفيق في أكثر الموارد، ومع هذا نراه يغفل عن اختلاف اسم الكتاب ومغايرة ما في فاتحته لما في خاتمته.

وأعجب منه ما في بداية نسخة « ب » من اقتضاب مخلّ، عمّا في آخر النسخة من اسم تفصيليّ للكتاب، ولا أدري هل أنّ طابع الكتاب تصرّف بالعنوان حتّى جعله كما مرّ عليك، أم أنّ النسخة الّتي طبع عنها كانت مبتلاة بنفس هذا الاختلاف والاقتضاب.

ومهما كان الأمر، فإنّ الطريقة العلميّة توجب علينا أن نلتزم بما هو أقرب لمراد المؤلّف « رض »، وبما أنّ عنوان الكتاب في إجازات ابن طاوس مقارب جدّا

__________________

(١) الإجازات للسيّد ابن طاوس، المطبوع في البحار ( ج ١٠٧؛ ٤٠ )

(٢) كشف المحجة (١٩٠)

٣٣

لما في بداية « أ » وآخر « ب » وما في الذريعة من جهة، ولأنّ علماءنا في إجازاتهم يتحرّون الدقّة في ضبط ما يجيزون روايته عنهم، رأينا أنّ ما في الإجازات هو أقرب لمراده « رض ».

على أنّ ما في « كشف المحجّة » أيضا لا يمكن التغاضي عنه، لأنّه في الواقع بعض العنوان الذي في الإجازات بسقوط الحرف « من »، وبذكر الموصوف لفظا، أي قوله « وعترته الأطائب »، وهذا المقدار ممّا يتساهل فيه في أسماء وعناوين الكتب، خصوصا أنّ السيّد يذكر مؤلّفاته بأسماء مختلفة متقاربة بعضها من بعض، ومن راجع مؤلّفاته عرف صحّة ما نقول، ويكفيك أن تلقي نظرة سريعة على « كشف المحجّة » و « إجازاته » و « سعد السعود » لترى تعدّد تسمياته لكتبه بعناوين وأسماء متقاربة، وسنثبت بعض ذلك في أثناء تعدادنا لمؤلّفاته ومصنّفاته، فمن هنا ساغ لنا أن نرجّح أنّ اسم الكتاب هو « طرف من الأنباء والمناقب، في شرف سيّد الأنبياء وعترته الأطائب، وطرف من تصريحه بالوصيّة بالخلافة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ».

بين الطّرف والوصيّة

إنّ « كتاب » الطّرف يحتوي على ثلاث وثلاثين طرفة، دوّنها السيّد ابن طاوس بعد ذكره لمقدّمة أوضح فيها أحقّيّة مذهب الإماميّة الاثني عشريّة على نحو الإجمال.

وكتاب « الطّرف » يعدّ بمنزلة المتمّم أو المستدرك لكتاب « الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف »، فإنّ السيّد ابن طاوس سمّى نفسه في كتاب « الطرائف » ب « عبد المحمود بن داود » تعمية وتقيّة من الخلفاء العبّاسيّين الّذين لا يحتملون سماع الحقّ، وينكلون بكلّ من يفوه به.

وفيما يتعلّق بهذه النكتة نقل عن خطّ الشهيد الثاني، أنّه قال: إنّ التسمية بعبد المحمود لأنّ كلّ العالم عباد الله المحمود، والنسبة إلى داود إشارة إلى « داود ابن الحسن المثنّى » أخ الإمام الصادقعليه‌السلام في الرضاعة، وهو المقصود بالدعاء المشهور

٣٤

بدعاء أمّ داود، وهو من جملة أجداد السيّد ابن طاوس « رض »(١) .

وقد اعتمد السيّد ابن طاوس بشكل كبير جدّا في « الطرائف » على كتب أبناء العامّة ورواتهم، وعلى ما اتّفق على نقله جميع المسلمين في كتبهم للوصول إلى الحقّ وإثبات أحقّيّة مذهب الإماميّة، وبعد باقي المذاهب عن طريق الحقّ وجادّة الصواب، وأنّ المذاهب الأربعة وأتباعها لم يلتزموا بما ورد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طرقهم وطرق غيرهم في ولاية وإمامة عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وباقي ولده من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

ونفس هذا النهج في إخفاء اسمه سلكه في كتاب « الطّرف »، فلم يصرّح باسمه بالمرّة، وإنّما قال: « تأليف بعض من أحسن الله إليه وعرّفه ما الأحوال عليه »، قال الآغا بزرك الطهرانيّ « رض »: « وما صرّح في الطّرف باسمه تقيّة »(٢) ، فهو كما كان يتّقي في عدم تصريحه باسمه في « الطرائف »، كذلك اتّقى فلم يصرّح به في « الطّرف ».

لكنّ « الطّرف » يمتاز عن « الطرائف »، بأنّه اختصّ بذكر ما ورد صريحا من طرق آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في إثبات الولاية والإمامة والوصيّة لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وما لا مجال فيه من النصوص للتأويل والتمحّل والحمل على الوجوه البعيدة والغريبة، فكأنّه « رض » أراد تتميم أو استدراك ما فات من كتاب « الطرائف ».

وقد صرّح السيّد ابن طاوس بذلك في مقدّمة « الطّرف »، قائلا: « وقد رأيت كتابا يسمّى كتاب « الطرائف في مذاهب الطوائف »، فيه شفاء لما في الصدور، وتحقيق تلك الأمور، فلينظر ما هناك من الأخبار والاعتبار، فإنّه واضح لذوي البصائر والأبصار، وإنّما نقلت هاهنا ما لم أره في ذلك الكتاب من الأخبار المحقّقة أيضا في هذا الباب »(٣) .

__________________

(١) انظر مقدّمة الطرائف (١٠)

(٢) الذريعة ( ج ١٥؛ ١٦١ )

(٣) انظر نهاية مقدّمة المؤلّف من كتاب الطّرف

٣٥

وقال في كشف المحجّة: « يتضمّن كشف ما جرت الحال عليه في تعيين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمّته من يرجعون بعد وفاته إليه، من وجوه غريبة، ورواية من يعتمد عليه(١) ».

وقال في إجازاته: « وممّا صنّفته وأوضحت فيه من السبيل بالرواية ورفع التأويل كتاب « طرف من الأنباء » وهو كتاب لطيف جليل شريف(٢) ».

ولذلك نرى أنّ النسخ الخطّيّة، تشير إلى أنّه « تكملة الطرائف »، بل ووضعت النسخة « أ » ملحقة بكتاب « الطرائف »، وأشير إلى أنّ « الطّرف » تكملة « للطرائف » وتتمّة له، ولهذا قال الآغا بزرك الطهرانيّ « رض »: « والطّرف استدراك للطرائف »(٣) .

ولو لا أنّ السيّد ابن طاوس كان يصرّح بأسماء كتبه ومؤلّفاته وتفاصيل حياته في مطاوي كتبه، لالتبس علينا أمر « الطرائف » و « الطّرف » واسم مؤلّفهما، لكنّ تصريحه في « إجازاته » و « كشف المحجّة » بنسبة الكتابين إليه، ونسبة جميع العلماء هذين الكتابين له، رفع الالتباس ولم يبق أدنى شكّ في أنّهما من مؤلّفات السيّد ابن طاوس « رض ».

والواقع أنّ الغالبيّة العظمى من محتويات كتاب « الطّرف » مأخوذة من كتاب « الوصيّة » لعيسى بن المستفاد البجلي، فإنّ السيّد ابن طاوس أورد ثلاثا وثلاثين طرفة في كتابه، منقولة عن عيسى بن المستفاد، باستثناء:

١ - الطّرفة الثانية، فإنّه رواها عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

٢ - الطّرفة السابعة، فإنّه رواها عن عيسى بن المستفاد، ثمّ روى مضمونها بروايتين أخريين.

__________________

(١) كشف المحجّة (١٩٥)

(٢) إجازات السيّد ابن طاوس المطبوعة في البحار ( ج ١٠٧؛ ٤٠ ) وانظر الذريعة ( ج ١٥؛ ١٦١ )

(٣) الذريعة ( ج ١٥؛ ١٦٢ )

٣٦

٣ - الطّرفة الثامنة، فإنّه رواها عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجذ، أنّ رجلا قال لعليّعليه‌السلام : ...

٤ - الطّرفة التاسعة، فإنّه رواها عن الصادق، عن أبيهعليهما‌السلام .

٥ - الطرفتين الخامسة عشر والسادسة عشر، فإنّه رواهما عن كتاب « خصائص الأئمّة » للشريف الرضيّ « رض »، لكنّهما أيضا ينتهيان إلى عيسى بن المستفاد، عن الإمام الكاظمعليه‌السلام ، فإنّ سندهما هو: حدّثني هارون بن موسى، حدّثني أحمد بن محمّد بن عمّار العجليّ الكوفي، حدّثني عيسى الضرير، عن الكاظمعليه‌السلام .

٦ - الطّرفة الخامسة والعشرين، فإنّه رواها عن عيسى، عن الكاظم، عن أبيهعليهما‌السلام ، ثمّ نقل روايتها بألفاظ أخرى عن محمّد بن جرير الطبريّ في كتابه « مناقب أهل البيت » بهذا السند: أبو جعفر، حدّثنا يوسف بن عليّ البلخيّ، قال: حدّثني أبو سعيد الآدميّ بالري، قال: حدّثني عبد الكريم بن هلال، عن الحسين بن موسى بن جعفر، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جدّهعليه‌السلام .

فإذا تأمّلنا في هذه المستثنيات، وجدنا أنّ الطّرفة السابعة مروية عن عيسى أيضا، وإن عضّدها بروايتين أخريين، وأنّ الطرفتين الخامسة عشر والسادسة عشر وإن رواهما عن الشريف الرضيّ « رض » في كتاب « خصائص الأئمّة » إلاّ أنّ سندهما ينتهي أيضا إلى عيسى بن المستفاد، عن الكاظمعليه‌السلام ، ويظهر أنّه نقلهما عن الشريف الرضيّ « رض » إشارة إلى اعتماد الرضيّ على كتاب « الوصيّة »، وزيادة في توثيق المطلب المروي.

وأمّا الطّرفة الخامسة والعشرون، فإنّه أيضا صرّح بروايته لها عن عيسى، عن الكاظمعليه‌السلام ، ومن ثمّ عضّدها بما رواه أبو جعفر الطبريّ بنفس المعنى وبإسناد آخر - ليس فيه عيسى بن المستفاد - ينتهي إلى الإمام الكاظمعليه‌السلام ، وذلك توثيقا لصحّة ما رواه عيسى في كتاب الوصيّة.

يبقى أنّ الطّرفة التاسعة أسندت إلى الإمام الصادقعليه‌السلام مباشرة، ولم ينقلها

٣٧

عن الكاظمعليه‌السلام ، عن أبيه الصادقعليه‌السلام ، وهذا ما يشعر أنّ الرواية مرويّة بطريق ليس فيه عيسى بن المستفاد، أو أنّ فيه عيسى فيلزم كونه من أصحاب الصادقعليه‌السلام أيضا، مع أنّ الرجاليّين لم يصرّحوا إلاّ بروايته عن الإمام الكاظمعليه‌السلام وإدراكه للجوادعليه‌السلام ، وإن ذهب بعض الرجاليين خطأ إلى أنّه ممّن روى عن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام كما سيأتي.

لكنّ الحقيقة هي أنّ هذه الطّرفة مرويّة أيضا عن الكاظم، عن أبيه الصادقعليهما‌السلام ، لأنّ العلاّمة البياضيّ صرّح بأنّ إسناد هذه الطّرفة هو نفس إسناد الطّرف السابقة، فإنّه بعد أن قال: « ما أسند عيسى بن المستفاد في كتاب الوصيّة إلى الكاظم إلى الصادقعليهما‌السلام (١) »، قال في بداية الطّرفة التاسعة: « بالإسناد المتقدّم »(٢) ، وهذا صريح بأنّ هذه الطّرفة مرويّة أيضا عن عيسى في كتاب « الوصيّة »، وكذلك نقل هذه الطّرفة العلاّمة المجلسيّ مصدّرا إيّاها بقوله: « وبهذا الإسناد، عن الكاظم، عن أبيهعليهما‌السلام قال »(٣) ، ممّا يدلّ صراحة على أنّها مرويّة عن عيسى في كتاب الوصيّة، إلاّ أنّ التساهل في ذكر اسم الإمام المروي عنه مباشرة في متن النسخ سبّب ما قد يتوهّم من أنّ عيسى رواها عن الصادقعليه‌السلام مباشرة، أو أنّه ليس براو لهذه الطّرفة.

وعلى هذا، فتبقى الطرفتان الثانية والثامنة فقط من كتاب « الطّرف » ليستا ممّا روي في كتاب الوصيّة لابن المستفاد، وتبقى إحدى وثلاثون طرفة الأخرى كلّها عن كتاب « الوصيّة » لعيسى بن المستفاد.

وقد تنبّه العلاّمة البياضيّ إلى كون كتاب « الطّرف » أو غالبيّته العظمى هو ما في كتاب « الوصيّة » لابن المستفاد، فقال: « فصل نذكر فيه شيئا ممّا نقله ابن طاوس

__________________

(١) الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٨٩ )

(٢) الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٩٠ )

(٣) بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٧٨ )

٣٨

من الطّرف »(١) ، ثمّ قال: « ما أسند عيسى بن المستفاد في كتاب « الوصيّة » إلى الكاظم، إلى الصادقعليهما‌السلام »(٢) .

ونقل المجلسيّ كثيرا من الطّرف، فقال: « كتاب « الطّرف » للسيّد عليّ بن طاوس نقلا من كتاب « الوصيّة » للشيخ عيسى بن المستفاد الضرير، عن موسى ابن جعفر، عن أبيهعليهما‌السلام (٣) »، وقال في نهاية ما أخرجه منه: « انتهى ما أخرجناه من كتاب « الطّرف » ممّا أخرجه من كتاب « الوصيّة » لعيسى بن المستفاد، وكتاب « خصائص الأئمّة » للسيّد الرضيّ وعيسى وكتابه مذكوران في كتب الرجال »(٤) .

وقال الآغا بزرك الطهرانيّ (رض) في معرض كلامه عن كتاب الطّرف: « وفيه ثلاث وثلاثون طرفة، في كلّ طرفة حديث واحد، وأكثرها من كتاب عيسى بن المستفاد يعني كتاب « الوصيّة » كما عبّر به النجاشيّ »(٥) .

إنّ ما نقله لنا السيّد ابن طاوس في كتابه هذا على صغر حجمه، يعدّ كنزا نفيسا من كنوز مرويّات الإمامة والوصيّة - ولو لا ما نقله عنه لضاعت مرويّاته فيما ضاع في تراث المسلمين لأسباب شتّى، لكنّنا لا ندري هل أنّ السيّد ابن طاوس نقل كلّ ما في كتاب « الوصيّة » أم انتخب منه ما أراد فقط؟ - لأنّ ظاهر القرائن تدلّ على أنّ كتاب « الوصيّة » كان موجودا عند السيّد ابن طاوس « رض »، ولذا قال الآغا بزرك « رض »: « وقد أكثر النقل عنه ابن طاوس المتوفّى سنة ٦٦٤ ه‍ في « طرف من الأنباء »، فيظهر وجوده عنده في التاريخ المذكور »(٦) .

__________________

(١) الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٨٨ )

(٢) الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٨٩ )

(٣) بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٧٦ )

(٤) بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٩٥ ) وقال في مرآة العقول ( ج ٣؛ ١٩٣ ) « وأورد أكثر الكتاب السيّد ابن طاوس في كتاب الطّرف من الأنباء ».

(٥) الذريعة ( ج ١٥؛ ١٦١ )

(٦) الذريعة ( ج ٢٥؛ ١٠٣ )

٣٩

وإذا صحّ هذا الاستظهار، فمن الراجح جدّا أنّ كتاب « الوصيّة » فقد فيما فقد من تراث إسلامي في حملات التتر الهمجيّة على بغداد، وحرقهم لمكتباتها، وإلقائهم لكتبها في دجلة حتّى صار ماء دجلة أسود، وحتّى عبرت الدوابّ والخيل عليها، وكان من جملة ما فقد مكتبة ابن طاوس الضخمة، والّتي جعل لها فهرستا مفصلا سماّه « الإبانة في معرفة أسماء كتب الخزانة »، وقد كانت تضمّ في سنة ٦٥٠ ه‍، ألفا وخمسمائة كتابا(١) .

ومكتبته وفهرستها « الخزانة » من المفقودات اليوم، لكنّه أشار في مواضع مختلفة من كتاب « المحجّة » إلى أنّ فيها أكثر من سبعين مجلّدا في الدعوات، وأنّ فيها كتبا جليلة في تفسير القرآن، والأنساب، والنبوّة والإمامة، والزهد، وتواريخ الخلفاء والملوك وغيرهم، وفي الطبّ والنجوم، واللّغة والأشعار، والكيمياء والطّلسمات والعوذ والرقى والرمل، وفيها كتب كثيرة في كلّ فنّ من الفنون(٢) .

فمن الراجح إذن أنّ كتاب « الوصيّة » كان من جملة كتبه، وأنّه فقد فيما فقد منها ومن غيرها من مكتبات بغداد، أمّ الدنيا وعاصمتها آنذاك، ولكن هل نقله لنا السيّد ابن طاوس كلّه، أو نقل بعضه؟!

ربّما تكون إجابة هذا السؤال عسيرة جدّا وضربا من الحدس والتخمين، لكنّ المقطوع به عندنا، أنّ السيّد ابن طاوس لم ينقل لنا صدر الطّرفة الرابعة عشر، والّتي نقلها الكلينيّ (رض) في الكافي وعنه المجلسيّ في البحار، بسند الكلينيّ إلى عيسى بن المستفاد، عن الكاظم، عن الصادق ٨، وهذا ما يجعلنا نميل إلى أنّ السيّد ابن طاوس لم ينقل كلّ ما في « الوصيّة »، وإنّما نقل ما اختاره منه، وأضاف إليه بعض مرويّات من طرق أخرى، وعضّد بعض طرفه بطرق وأسانيد أخرى، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.

__________________

(١) انظر الذريعة ( ج ١؛ ٥٨ )

(٢) انظر مقدّمة كتاب اليقين ( ٧٩ - ٨٠ )

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

عن أنس قال: كان أحب الايام إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يسافر فيه يوم الجمعة وكان إذا أراد سفرا لغزو ورى بغيره.

وكتب بعض البغداديين إلى أبي الحسن الثانيعليه‌السلام يسأله عن الخروج يوم الاربعاء لا تدور؟ فكتبعليه‌السلام : من خرج يوم الاربعاء لا تدور خلافا على أهل الطيرة وقي من كل آفة وعوفي من كل عاهة وقضى الله له حاجته.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليكم بالسير بالليل، فإن الارض تطوى بالليل.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: الارض تطوى من آخر الليل.

وعنهعليه‌السلام قال: لا تخرج يوم الجمعة في حاجة، فإذا كان يوم السبت وطلعت الشمس فاخرج في حاجتك.

وسأل أبوأيوب الخزاز(١) [ وعبد الله بن سنان ] أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزوجل:( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله ) (٢) ؟

فقال: الصلاة يوم الجمعة والانتشار يوم السبت.

وعنهعليه‌السلام قال: اتق الخروج إلى السفر في اليوم الثالث من الشهر والرابع من الشهر والحادي والعشرين منه والخامس والعشرين منه. ( فإنها أيام منحوسة مروية عن الصادقعليه‌السلام ).

وقالعليه‌السلام : لا تسافروا يوم الاثنين ولا تطلبوا فيه حاجة.

من كتاب عيون الاخبار، عن الرضا، عن آبائه، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين قال: يوم السبت يوم مكر وخديعة. ويوم الاحد يوم غرس وبناء. ويوم الاثنين يوم سفر وطلب. ويوم الثلاثاء يوم حرب ودم. ويوم الاربعاء يوم شؤم يتطير فيه الناس. ويوم الخميس يوم الدخول على الامراء وقضاء الحوائج، ويوم الجمعة يوم خطبة ونكاح.

__________________

١ - هو إبراهيم بن عثمان الكوفي، المكنى بأبي أيوب الخزاز، ثقة كبير المنزلة وله كتاب روى عن الصادق والكاظمعليهما‌السلام .

٢ - سورة الجمعة آية: ١٠.

( مكارم الاخلاق - ١٦ )

٢٤١

عن أبي أيوب الخزاز قال: أردنا أن نخرج فجثنا نسلم على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فقال: كأنكم طلبتم بركة الاثنين؟ قلنا: نعم، قال: فأي يوم أعظم شؤما من يوم الاثنين، فقدنا فيه نبينا واتفع الوحي عنا، لا تخرجوا يوم الاثنين واخرجوا يوم الثلاثاء.

وعنهعليه‌السلام قال: من سافر أو تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى.

روي عن عبد الملك بن أعين قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : إني قد ابتليت بهذا العلم فاريد الحاجة فإذا نظرت في الطالع ورأيت الطالع الشر جلست ولم أذهب فيها. وإذا رأيت الطالع الخير ذهبت في الحاجة، فقال لي: تقضي؟ قلت: نعم، قال: أحرق كتبك. وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام يكره أن يسافر الرجل أو يزوج والقمر في المحاق.

عن موسى بن جعفرعليهما‌السلام قال: الشؤم للمسافر في طريقه في ستة: الغراب الناعق عن يمينه. والكلب الناشر لذنبه. والذئب العاوي الذي يعوي في وجه الرجل وهو مقطع على ذنبه يعوي ثم يرتفع ثم ينخفض ثلاثا(١) . والظبي السائح من يمين إلى شمال. والبومة الصارخة. والمرأة الشمطاء يرى وجهها(٢) . والاتان العضباء يعني الجدعاء(٣) ، فمن أوجس في نفسه منهن شيئا فليقل: اعتصمت بك يا رب من شر ما أجد في نفسي فاعصمني من ذلك، قال: فيعصم من ذلك.

عن الحلبي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: يكره السفر في شيء من الايام المكروهة، الاربعاء وغيره، وقال: افتتح سفرك بالصدقة واقرأ آية الكرسي إذا بدا لك.

وعنهعليه‌السلام قال: قال زين العابدينعليه‌السلام : حجوا واعتمروا تصح أبدانكم وتتسع أرزاقكم وتكفوا مؤناتكم ومؤنات عيالكم.

وعنهعليه‌السلام قال: لو حج رجل ماشيا فقرأ( إنا أنزلناه ) ما وجد ألم المشي.

وقالعليه‌السلام : من يقرأ أحد( إنا أنزلناه ) حين يركب دابته إلا نزل منها سالما مغفورا له. ولقارئها أثقل على الدواب من الحديد. وأن البعير إذا حج عليه سبع حجات صير من نعم الجنة.

__________________

١ - العواء: صوت السباع من الذئب وغيره. وأقعى الذئب: جلس على إسته وألصق إليته بالارض ونصب ساقيه.

٢ - الشمطاء: المرأة التي بياض شعر رأسها يخالط سوادها.

٣ - الاتان: الحمارة. والعضباء والجدعاء: المقطوعة الاذن أو الانف.

٢٤٢

قال أبوجعفرعليه‌السلام : لو كان شيء يسبق القدر لقلت: إن قارئ( إنا أنزلناه ) حين يسافر أو يخرج من منزله سيرجع إليه سالما إن شاء الله تعالى.

الفصل الثاني

( في إفتتاح السفر بالصدقة وغيرها)

عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : قال: تصدق واخرج أي يوم شئت.

عن حماد بن عثمان قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : أيكره السفر في شيء من الايام المكروهة مثل يوم الاربعاء وغيره؟ فقال: افتتح سفرك بالصدقة واخرج إذا بدا لك. واقرأ آية الكرسي واحتجم إذا بدا لك.

عن إبن أبي عمير(١) قال: كنت أنظر في النجوم وأعرفها وأعرف الطالع فيدخلني من ذلك شيء، فشكوت ذلك إلى أبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، فقال: إذا وقع في نفسك شيء فتصدق على أول مسكين، ثم امض، فإن الله عز وجل يدفع عنك.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من تصدق بصدقة إذا أصبح دفع الله عنه نحس ذلك اليوم.

من كتاب المحاسن، عن عبد الله بن سليمان، عن أحدهماعليهما‌السلام قال: كان أبي إذا خرج يوم الاربعاء أو في يوم يكرهه الناس من محاق أو غيره تصدق بصدقة، ثم خرج.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من تصدق بصدقة إذا أصبح دفع الله عنه نحس ذلك اليوم.

عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان علي بن الحسينعليهما‌السلام إذا أراد الخروج إلى بعض أمواله اشترى السلامة من الله عزوجل بما تيسر له ويكون

__________________

١ - هو أبوأحمد محمد بن زياد بن عيسى الازدي من أصحاب الاجماع وأدرك الامام السابع والثامن والتاسع:، توفي سنة ٢١٧ هـ.

٢٤٣

ذلك إذا وضع رجله في الركاب. وإذا سلمه الله وانصرف حمد الله عز وجل وشكره وتصدق بما تيسر له.

وعنهعليه‌السلام قال: إذا أردت سفرا فاشتر سلامتك من ربك بما طابت به نفسك، ثم تخرج وتقول: اللهم إني أريد سفر كذا وكذاو إني قد اشتريت سلامتي في سفري هذا بهذا وتضعه حيث يصلح. وتفعل مثل ذلك إذا وصلت شكرا.

( في حمل العصا)

من كتاب الفردوس، عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيعجز أحدكم أن يتخذ في يده عصا في أسفله عكازة(١) ، يدعم عليها إذا أعيا ويجر بها الماء ويميط بها الاذى عن الطريق ويقتل بها الهوام ويقاتل بها السباع ويتخذها قبلة بأرض فلاة.

وعنهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حمل العصا علامة المؤمن وسنة الانبياءعليهم‌السلام .

عن أم سلمة قالت: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : المشي بالعصا من التواضع ويكتب له بكل خطوة ألف حسنة ويرفع له ألف درجة.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : من خرج في سفر ومعه عصا لوز مر وتلا هذه الاية:( ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) إلى قوله:( والله على ما نقول وكيل ) (٢) أمنه الله من كل سبع ضار ومن كل لص عاد ومن كل ذات حمة حتى يرجع إلى أهله ومنزله وكان معه سبعة وسبعون من المعقبات يستغفرون له حتى يرجع ويضعها. وقالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حمل العصا ينفي الفقر ولا يجاوره الشيطان.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أن تطوي له الارض فليتخذ عصا من النقد. ( والنقد عصا لوز مر )(٣) .

__________________

١ - العكاز والعكازة - كتفاح وتفاحة -: عصا ذات زج في أسفلها، يتوكأ عليها الرجل. والزج - بالضم فالتشديد -: الحديدة التي في أسفل الرمح، ويدعم عليها أي يتكأ عليها.

٢ - سورة القصص: آية ٢١. والحمة - بالضم فالتخفيف كصرد وأصله يائي -: السم.

٣ - النقد - بفتحتين أو بضمتين -: ضرب من الشجر أي الشجر اللوز.

٢٤٤

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : تعصوا، فإنها من سنن إخواني النبيينعليهم‌السلام . وكانت بنوا إسرائيل، الصغار والكبار يمشون على العصا حتى لا يختالوا في مشيهم.

( في التعمم تحت الحنك)

من ثواب الاعمال، عن الصادقعليه‌السلام قال: ضمنت لمن يخرج من بيته متعمما تحت حنكه أن يرجع إليه سالما.

وعنهعليه‌السلام قال: من خرج في سفر فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه.

عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: أنا الضامن لمن خرج يريد سفرا متعمما تحت حنكه أن لا يصيبه السرق والغرق والحرق.

الفصل الثالث

( فيما يستحب عند الخروج إلى السفر)

( في الدعاء عند الخروج)

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل من ركعتين يركعهما إذا أراد الخروج إلى سفره ويقول عند التوديع: اللهم إني أستودعك [ اليوم ] ديني ونفسي ومالي وأهلي وولدي وجيراني وأهل حزانتي(١) ، الشاهد منا والغائب وجميع ما أنعمت به علي، اللهم اجعلنا في كنفك ومنعك وعياذك وعزك، عز جارك وجل ثناؤك وامتنع عائذك ولا إله غيرك، توكلت على الحي الذي لا يموت والحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا. الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا.

وكان أبوجعفرعليه‌السلام إذا أراد سفرا جمع عياله في بيت ثم قال: « اللهم إني أستوذعك » إلى آخره.

عن صباح الحذاء قال: سمعت موسى بن جعفرعليهما‌السلام يقول: لو كان

__________________

١ - الحزانة - بالضم والتخفيف -: عيال الرجل الذين يتحزن لهم ويهتم لامرهم.

٢٤٥

الرجل منكم إذا أراد سفرا قال على باب داره تلقاء الوجه الذي يتوجه إليه فقرأ فاتحة الكتاب أمامه وعن يمينه وعن شماله، و آية الكرسي أمامه وعن يمينه وعن شماله، ثم قال: اللهم احفظني واحفظ ما معي وسلمني وسلم ما معي وبلغني وبلغ ما معي ببلاغك الحسن [ الجميل ] لحفظه الله تعالى وحفظ ما معه وسلمه الله وسلم ما معه وبلغه الله وبلغ ما معه، قال: ثم قال: يا صباح أما رأيت الرجل يحفظ ولا يحفظ ما معه ويسلم ولا يسلم ما معه ويبلغ ولا يبلغ ما معه؟ قلت: بلى، جعلت فداك.

وكان الصادقعليه‌السلام إذا أراد سفرا قال: اللهم خل سبيلنا وأحسن تسييرنا وأعظم عافيتنا.

عن الرضاعليه‌السلام قال: إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل: بسم الله آمنت بالله، توكلت على الله، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله فتلقاه الشياطين فتضرب الملائكة وجوهها وتقول: ما سبيلكم عليه وقد سمى الله وآمن به وتوكل عليه وقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.

عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: من قال حين خرج من داره: أعوذ بالله مما عاذت منه ملائكة الله من شر هذا اليوم ومن شر الشياطين ومن شر من نصب لاولياء الله ومن شر الجن والانس ومن شر السباع والهوام(١) ومن شر ركوب المحارم كلها، أجير نفسي بالله من شر كل شيء غفر الله له وتاب عليه وكفاه المهم وحجزه عن السوء وعصمه من الشر.

عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يرد سفرا إلا قال حين ينهض من مجلسه أو من جلوسه: « اللهم بك انتشرت وإليك توجهت وبك اعتصمت، أنت ثقتي ورجائي اللهم اكفني ما أهمني وما لا أهتم له وما أنت أعلم به مني، اللهم زودني التقوى واغفر لي ووجهني إلى الخير حيثما توجهت »، ثم يخرج.

وكان أبو عبد اللهعليه‌السلام يقول إذا خرج في سفره: اللهم احفظني واحفظ ما معي وبلغني وبلغ ما معي ببلاغك الحسن، بالله أستفتح وبالله أستنجح وبمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتوجه، اللهم سهل لي كل حزونة وذلل لي كل صعوبة وأعطني من الخير كله أكثر مما

__________________

١ - الهامة والهوام، كدابة ودواب: ما كانه له سم كالحية. والهوام، كشداد: الاسد.

٢٤٦

أرجو، واصرف عني من الشر أكثر مما أحذر في عافية يا أرحم الراحمين. وكان يقول أيضا: أسأل الله الذي بيده ما دق وجل وبيده أقوات الملائكة [ والناس أجمعين ] أن يهب لنا في سفرنا أمنا وإيمانا وسلامة وإسلاما وفقها وتوفيقا وبركة وهدى وشكرا وعافية ومغفرة وعزما لا يغادر ذنبا.

وعنهعليه‌السلام قال: من قال حين يخرج من منزله: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، باسم الله دخلت وباسم الله خرجت وعلى الله توكلت ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله أجمعين، اللهم افتح لي في وجهي هذا بخير، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر غيري ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم. كان في ضمان الله حتى يرجع إلى منزله، قال: ثم يقول: توكلت على الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله، اللهم إني أسألك خير ما خرجت له وأعوذ بك من شر ما خرجت له، اللهم أوسع علي من فضلك وأتمم علي من نعمتك واجعل رغبتي فيما عندك وتوفني في سبيلك على ملتك وملة رسولك، ثم اقرأ آية الكرسي والمعوذتين، ثم اقرأ سورة الاخلاص بين يديك ثلاث مرات ومن فوقك مرة ومن تحتك مرة ومن خلفك ثلاث مرات وعن يمينك ثلاث مرات وعن شمالك ثلاث مرات وتوكل على الله.

عوذة - كان يتعوذ بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سافر قبل الليل: يا أرض ربي وربك الله، وأعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وسوء ما خلق فيك وسوء ما يدب عليك، وأعوذ بالله من أسد وأسود ومن شر الحية والعقرب ومن شر ساكن البلد ومن شر والد وما ولد، اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الارضين السبع وما أقللن ورب الرياح وما ذرين ورب الشياطين وما أضللن، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأسألك خير هذه الليلة وخير هذا اليوم وخير هذا الشهر وخير هذه السنة وخير هذا البلد وأهله وخير هذه القرية وأهلها وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم.

( في القول عند الركوب والمسير)

عن الصادقعليه‌السلام أنه كان إذا وضع رجله في الركاب يقول:( سبحان الذي

٢٤٧

سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) . ويسبح الله سبعا ويحمد الله سبعا ويهلل الله سبعا.

عن الاصبغ بن نباتة أنه قال: أمسكت لامير المؤمنينعليه‌السلام بالركاب وهو يريد أن يركب فرفع رأسه فتبسم، فقلت: يا أمير المؤمنين [ عليك سلام الله ] رأيتك رفعت رأسك وتبسمت، قال: نعم، يا أصبغ أمسكت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما أمسكت لي فرفع رأسه وتبسم فسألته كما سألتني وسأخبرك كما أخبرني، أمسكت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الشهباء(١) فرفع رأسه إلى السماء وتبسم، فقلت: يا رسول الله رفعت رأسك إلى السماء وتبسمت؟ فقال: يا علي « إنه ليس من أحد يركب ما أنعم الله عليه ثم يقرأ آية السخرةإن ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة أيام إلى آخرها »(٢) ، ثم يقول: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، اللهم اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت إلا قال السيد الكريم: يا ملائكتي عبدي يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري اشهدوا أني قد غفرت له ذنوبه.

عن الرضاعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا ركب الرجل الدابة فسمى، ردفه ملك يحفظه حتى ينزل، فإن ركب ولم يسم ردفه شيطان فيقول: تغن، فإن قال: لا أحسن، قال: تمن، فلا يزال يتمنى حتى ينزل.

وقالعليه‌السلام : من قال إذا ركب الدابة: بسم الله ولا قوة إلا بالله الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين حفظت له نفسه ودابته حتى ينزل. وفي رواية اخرى ما يقال عند الركوب: الحمد لله الذي هدانا للاسلام وعلمنا القرآن ومن علينا بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون والحمد لله رب العالمين، اللهم أنت الحامل على الظهر والمستعان على الامر وأنت الصاحب في السفر والخليفة في الاهل والمال والولد، اللهم أنت عضدي وناصري وإذا مضت بك راحلتك فقل في طريقك: « خرجت بحول الله وقوته بغير حول مني ولا قوة ولكن بحول الله وقوته، برئت إليك يا رب من الحول والقوة، اللهم إني أسألك بركة سفري هذا وبركة أهله، اللهم إني أسألك من فضلك الواسع رزقا حلالا طيبا

__________________

١ - الشهباء - مؤنث الاشهب -: فرس للقتال.

٢ - سورة الاعراف: آية ٥٢ وهي معروفة بآية السخرة.

٢٤٨

تسوقه إلي وأنا خافض في عافية بقوتك وقدرتك، اللهم إني سرت في سفري هذا بلا ثقة مني بغيرك ولا رجاء لسواك فارزقني في ذلك شكرك وعافيتك ووفقني لطاعتك وعبادتك حتى ترضى وبعد الرضا [ يا ذا الجلال والاكرام برحمتك يا أرحم الراحمين ].

( في التشييع)

شيع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعفر الطيار لما وجهه إلى الحبشة وزوده هذه الكلمات: اللهم الطف به في تيسير كل عسير، فإن تيسير العسير عليك يسير [ إنك على كل شيء قدير ]، أسألك [ له ] اليسر والمعافاة [ الدائمة ] في الدنيا والاخرة.

وودع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا فقال: زودك الله التقوى وغفر ذنبك ولقاك الخير حيث كنت.

ولم شيع أمير المؤمنينعليه‌السلام أباذر رضي الله عنه، شيعه الحسن والحسينعليهما‌السلام وعقيل بن أبي طالب وعبد الله بن جعفر وعمار بن ياسر رضي الله عنهم، قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ودعوا أخاكم، فإنه لابد للشاخص أن يمضي وللمشيع أن يرجع، فتكلم كل رجل منهم على حياله، فقال الحسين بن عليعليهما‌السلام : رحمك الله يا أباذر إن القوم إنما امتهنوك بالبلاء لانك منعتهم دينك فمنعوك دنياهم، فما أحوجهم [ غدا ] إلى ما منعتهم وأغناك عما منعوك، فقال أبوذر رضي الله عنه: رحمكم الله من أهل بيت فمالي شجن في الدنيا غيركم، إني إذا ذكرتكم ذكرت بكم [ جدكم ] رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا ودع المؤمنين قال: زودكم الله التقوى ووجهكم إلى كل خير وقضى لكم كل حاجة وسلم لكم دينكم ودنياكم وردكم إلي سالمين.

وفي خبر آخر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا ودع مسافرا أخذ بيده ثم قال: أحسن الله لك الصحابة وأكمل لك المعونة وسهل لك الحزونة وقرب لك البعيد وكفاك المهم وحفظ لك دينك وأمانتك وخواتيم عملك ووجهك لكل خير، عليك بتقوى الله، أستودع الله نفسك، سر على بركة الله عزوجل.

( في الوداع)

من أراد أن يودع رجلا فليقل: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك،

٢٤٩

أحسن الله لك الصحابة وأعظم لك العافية وقضى لك الحاجة وزودك التقوى ووجهك للخير حيثما توجهت وردك الله سالما غانما.

من كتاب المحاسن، عن الصادقعليه‌السلام قال: ودع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجلا فقال له: « سلمك الله وغنمك ».

الفصل الرابع

( في مكارم الاخلاق في السفر وحسن الصحبة ومراقبة الحقوق وطلب الرفقة)

عن أبي ربيع الشامي(١) قال: كنا عند أبي عبد اللهعليه‌السلام والبيت غاص بأهله، فقالعليه‌السلام : ليس منا من لم يحسن صحبة من صحبه ومرافقة من رافقه وممالحة من مالحه(٢) ومخالقة من خالقه.

عنهعليه‌السلام قال: كان أبي يقول: ما يعبأ بمن يؤم هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: خلق يخالق به من صحبه، وحلم يملك به غضبه، ووزع يحجزه عن محارم الله تعالى.

وعنهعليه‌السلام قال: ليس من المروة أن يحدث الرجل بما يلقى في السفر من خير أو شر.

عن عمار بن مروان قال: أوصاني أبو عبد اللهعليه‌السلام فقال: أوصيك بتقوى الله وأداء الامانة وصدق الحديث وحسن الصحبة لمن صحبك ولا قوة إلا بالله.

عن أبي بصير قال: قلت للصادقعليه‌السلام : يخرج الرجل مع قوم مياسير وهو أقلهم شيئا فيخرجون النفقة ولا يقدر هو أن يخرج مثل ما أخرجوا؟ قال: ما أحب أن يذل نفسه، ليخرج مع من هو مثله.

عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: من خالطت فإن استطعت أن تكون يدك العليا(٣) عليه فافعل.

__________________

١ - هو خالد أو خليد بن أوفى العنزي من أصحاب الصادق ٧، له كتاب.

٢ - مالحه: أكل معه، والممالحة: المؤاكلة. وخالقه: عاشره بخلق حسن.

٣ - اليد العليا: المعطية والمتعففة. واليد السفلى: المانعة والسائلة.

٢٥٠

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: الرفيق ثم السفر.

وقالعليه‌السلام : ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجرا وأحبهما إلى الله عزوجل أرفقهما بصاحبه.

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لا تصحبن في سفرك من لا يرى لك من الفضل عليه كما ترى له عليك.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من السنة إذا خرج القوم في سفر أن يخرجوا نفقتهم، فإن ذلك أطيب لانفسهم وأحسن لاخلاقهم.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إصحب من تتزين به ولا تصحب من يتزين بك.

وعنهعليه‌السلام قال: البائت في البيت وحده شيطان والاثنان أمة والثلاثة أنس.

عن شهاب بن عبد ربه قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : قد عرفت حالي وسعة يدي وتوسعي على إخواني فأصحب النفر منهم في طريق مكة فأوسع عليهم، قال: لا تفعل يا شهاب، فإنك إن بسطت وبسطوا أجحفت بهم، وإن هم أمسكوا أذللتهم. فاصحب نظراءك.

قال أبو جعفرعليه‌السلام : إذا صحبت فاصحب نحوك ولا تصحبن من يكفيك، فإن ذلك مذلة للمؤمن.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أحب الصحابة إلى الله عزوجل أربعة، وما زاد قوم على سبعة إلا كثر لغطهم.

قال الصادقعليه‌السلام : حق المسافر أن يقيم عليه إخوانه إذا مرض ثلاثا.

عنهعليه‌السلام قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من نفقة أحب إلى الله عزوجل من نفقة قصد، وإن الله يبغض الاسراف إلا في حج أو عمرة.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر خرج حاجا: من كان سيئ الخلق والجوار فلا يصحبنا.

عن الحلبي قال: سألت الصادقعليه‌السلام عن القوم يصطحبون فيكون فيهم الموسر وغيره، أينفق عليهم الموسر؟ قال: إن طابت بذلك أنفسهم وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سيد القوم خادمهم في السفر.

ومن كتاب شرف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه أمر أصحابه بذبح

٢٥١

شاة في سفر، فقال رجل من القوم: علي ذبحها، وقال الاخر: علي سلخها، وقال الاخر: علي قطعها، وقال الاخر: علي طبخها، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : علي أن ألقط لكم الحطب، فقالوا: يا رسول الله لا تتعبن - بآبائنا وأمهاتنا أنت - نحن نكفيك، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : عرفت أنكم تكفوني ولكن الله عز وجل يكره من عبده إذا كان مع أصحابه أن ينفرد من بينهم، فقامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلقط الحطب لهم.

( في آداب المسافر)

كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا سافر يصحب مع نفسه المشط والسواك والمكحلة.

عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال لقمان لابنه: إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وامورهم. وأكثر التبسم في وجوههم. وكن كريما على زادك بينهم. وإذا دعوك فأجبهم. وإذا استعانوا بك فأعنهم. واستعمل طول الصمت وكثرة الصلاة وسخاء النفس بما معك من دابة أو ماء أو زاد. وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم وأجهد رأيك لهم إذا استشاروك ثم لا تعزم حتى تتثبت وتنظر. ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلي وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورتك، فإن من لم يمحض النصيحة لمن استشاره سلبه الله رأيه ونزع عنه الامانة. وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم. وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم. وإذا تصدقوا وأعطوا قرضا فاعط معهم. واسمع لمن هو أكبر منك سنا. وإذا أمروك بأمر أو سألوك شيئا فقل: نعم، ولا تقل: لا، فإن لا عي ولؤم(١) .

وإذا تحيرتم في الطريق فانزلوا. وإذا شككتم في القصد فقفوا وتآمروا. وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه، فإن الشخص الواحد في الفلاة مريب لعله يكون عين اللصوص أو يكون هو الشيطان الذي حيركم، واحذروا الشخصين أيضا إلا أن تروا ما لا أرى، فإن العاقل إذا أبصر بعينه شيئا عرف الحق منه والشاهد يرى ما لا يرى الغائب. يا بني: إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشيء وصلها واسترخ منها فإنها دين، وصل في جماعة ولو على رأس زج(٢) . ولا تنامن

__________________

١ - العي: العجز في الكلام. وفي بعض النسخ الغي أي الخيبة والضلالة. وفي بعضها عمى.

٢ - الزج - بالضم -: نصل السهم والحديدة التي في أسفل الرمح ويقابله السنان.

٢٥٢

على دابتك، فإن ذلك يسرع في دبرها وليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل. فإذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك وابدأ بعلفها قبل نفسك فإنها نفسك. وإذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الارض بأحسنها لونا وألينها تربة وأكثرها عشبة. وإذا نزلت فصل ركعتين قبل أن تجلس. فإذا أردت قضاء حاجتك فابعد المذهب في الارض. وإذا ارتحلت فصل ركعتين ثم ودع الارض التي حللت بها وسلم عليها وعلى أهلها، فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة. وإن استطعت أن لا تأكل طعاما حتى تبدأ فتتصدق منه فافعل. وعليك بقراءة كتاب الله عزوجل ما دمت راكبا. وعليك بالتسبيح ما دمت عاملا عملا. وعليك بالدعاء ما دمت خاليا. وإياك والسير من أول الليل إلى آخره. وإياك ورفع الصوت في مسيرك.

( في بذل الزاد والمروة في السفر)

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من شرف الرجل أن يطيب زاده إذا خرج في سفره.

وكان علي بن الحسينعليهما‌السلام إذا سافر إلى مكة للحج أو للعمرة تزود من أطيب الزاد من اللوز والسكر والسويق المحمص والمحلا.

من المحاسن قال الصادقعليه‌السلام : ليس من المروة أن يحدث الرجل بما يلقى في سفره من خير أو شر.

عنهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من شرف الرجل أن يطيب زاده إذا خرج في سفره.

وروي أنه قام أبوذر رضي الله عنه عند الكعبة فقال: أنا جندب بن السكن فاكتنفه الناس، فقال: لو أن أحدكم أراد سفرا لا تتخذ فيه من الزاد ما يصلحه، فسفر يوم القيامة أما تزودون فيه ما يصلحكم، فقام إليه رجل فقال: أرشدنا؟ فقال: صم يوما شديد الحر للنشور. وحج حجة لعظائم الامور. وصل ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور، كلمة خير تقولها وكلمة شر تسكت عنها أو صدقة منك على مسكين لعلك تنجوا يا مسكين من يوم عسير. اجعل الدنيا درهمين درهما أنفقته على عيالك، ودرهما قدمته لاخرتك والثالث يضر ولا ينفع لا ترده. اجعل الدنيا كلمتين: كلمة

__________________

١ - حمص السويق: خمسه وقلاه. وحلى الشيء: صيره حلوا.

٢٥٣

في طلب الحلال وكلمة للاخرة والثالثة تضر ولا تنفع لا تردها، ثم قال: قتلني هم يوم لا أدركه.

وقال لقمان لابنه: يا بني إن الدنيا بحر عميق وقد هلك فيها عالم كثير، فاجعل سفينتك فيها الايمان بالله عزوجل واجعل شراعها التوكل على الله واجعل زادك فيها تقوى الله، فإن نجوت فبرحمة الله وإن هلكت فبذنوبك. يا بني سافر بسيفك وخفك وعمامتك وحبالك وسقائك وخيوطك ومخرزك، وتزود معك من الادوية ما تنتفع به أنت ومن معك. وكن لاصحابك موافقا إلا في معصية الله عزوجل. وفي رواية بعضهم: وقوسك وفرشك.

عن الصادقعليه‌السلام : سئل عن أمر الفتوة؟ فقال: تظنون أن الفتوة بالفسق والفجور وإنما الفتوة والمروة طعام موضوع ونائل مبذول وبشر معروف وأذى مكفوف، فأما تلك فشطارة وفسق(١) ، ثم قالعليه‌السلام : ما المروة؟ فقال الناس: لا نعلم، قالعليه‌السلام : ليس المروة والله أن يضع الرجل خوانه بفناء داره والمروة مروتان: مروة في الحضر ومروة في السفر، فأما التي في الحضر فتلاوة القرآن ولزوم المساجد والمشي مع الاخوان في الحوائج والنعمة ترى على الخادم، فإنها تسر الصديق وتكبت العدو. وأما التي في السفر فكثرة الزاد وطيبه وبذله لمن كان معك وكتمانك على القوم أمرهم بعد مفارقتك إياهم وكثرة المزاح في غير ما يسخط الله عز وجل، ثم قال: والذي بعث جدي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحق إن الله عزوجل ليرزق العبد على قدر المروة، فإن المعونة تنزل على قدر المؤنة وإن الصبر ينزل على قدر شدة البلاء.

الفصل الخامس

( في حفظ المتاع والاستخارة وطلب الحاجة)

( في حفظ المتاع)

عن الصادقعليه‌السلام قال: من قرأ آية الكرسي في السفر في كل ليلة سلم وسلم ما معه ويقول: اللهم اجعل مسيري عبرا وصمتي تفكرا وكلامي ذكرا.

__________________

١ - شطر بصره شطورا: صار كأنه ينظر إليك وألي آخر. وشطر فلان على أهله: ترك موافقتهم وأعياهم لؤما وخبثا. وشطر شطارة: اتصف بالدهاء والخبث.

٢٥٤

من مسموعات السيد الامام ناصح الدين أبي البركات المشهديرحمه‌الله ، عن محمد ابن عيسى، عن رجل قال: بعث إلي أبوالحسن الرضاعليه‌السلام من خراسان ثياب رزم(١) وكان بين ذلك طين، فقلت للرسول: ما هذا؟ قال: طين قبر الحسينعليه‌السلام ، ما يكاد يوجه شيئا من الثياب ولا غيره إلا ويجعل فيه الطين وكان يقول: أمان فإذن الله تعالى.

عنهعليه‌السلام قال: أتى أخوان إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالا: يا رسول الله إنا نريد الشام في تجارة فعلمنا ما نقول؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : بعد إذ آويتما إلى منزل فصليا العشاء الاخرة، فإذا وضع أحدكما جنبه على فراشه بعد الصلاة فليسبح تسبيح فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ثم ليقرأ آية الكرسي فإنه محفوظ من كل شيء، وإن لصوصا تبعوهما حتى نزلا فبعثوا غلاما لهم ينظر كيف حالهما، ناموا أو مستيقظون، فانتهى الغلام إليهم وقد وضع أحدهما جنبه على فراشه وقرأ آية الكرسي وسبح تسبيح فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، قال: فإذا عليهما حائطان مبنيان فجاء الغلام فطاف بهما فكلما دار لم ير إلا حائطين فرجع إلى أصحابه فقال: لا والله ما رأيت إلا حائطين مبنيين، فقالوا: أخزاك الله لقد كذبت بل ضعفت وجبنت فقاموا فنظروا فلم يجدوا إلا حائطين مبنيين فداروا بالحائطين فلم يروا إنسانا فانصرفوا إلى موضعهم، فلما كان من الغد جاؤوا إليهما، فقالوا: أين كنتما؟ فقالا: ما كنا إلا ههنا، ما برحنا، فقالوا: لقد جئنا فما رأينا إلا حائطين مبنيين فحدثانا ما قصتكما؟ فقالا: أتينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فعلمنا آية الكرسي وتسبيح فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ففعلنا، فقالوا: انطلقا فوالله لا نتبعكما أبدا ولا يقدر عليكما لص بعد هذا الكلام.

( في الاستخارة للتجارة)

قال عبد الرحمن بن سيابة: خرجت سنة إلى مكة ومتاعي بز(٢) قد كسد علي، قال: فأشار علي أصحابنا إلى أن أبعثه إلي مصر ولا أرده إلى الكوفة أو إلى

__________________

١ - الرزمة كسدرة: الكارة من الثياب أي ما جمع وشد معا كأنه من رزمت الثوب: جمعته.

٢ - البز - بالفتح - الثياب من القطن أو الكتان ومنه البزاز: يباعه.

٢٥٥

اليمن فاختلفت علي آراؤهم، فدخلت على العبد الصالحعليه‌السلام بعد النفر بيوم ونحن بمكة فأخبرته بما أشار به أصحابنا وقلت له: جعلت فداك فما ترى حتى أنتهي إلى ما تأمرني به؟ فقالعليه‌السلام لي: ساهم بين مصر واليمن، ثم فوض في ذلك أمرك إلى الله فأي بلد خرج سهمها من الاسهم فابعث متاعك إليها، قلت: جعلت فداك كيف أساهم؟ قال: اكتب في رقعة بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم أنت الله الذي لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة، أنت العالم وأنا المتعلم فانظر لي في أي الامرين خير لي حتى أتوكل عليك فيه وأعمل به ثم اكتب مصر إن شاء الله، ثم اكتب رقعة اخرى مثل ما في الرقعة الاولى شيئا فشيئا، ثم اكتب اليمن، ثم اكتب رقعة اخرى مثل ما في الرقعتين شيئا شيئا، ثم اكتب بحبس المتاع ولا يبعث إلى بلد منهما، ثم اجمع الرقاع وادفعها إلى بعض أصحابك فليسترها عنك، ثم أدخل يدك فخذ رقعة من الثلاث، فأيها وقعت في يدك فتوكل على الله واعمل بما فيها إن شاء الله.

عن أبي جعفر محمد بن عليعليهما‌السلام قال: كان علي بن الحسينعليهما‌السلام إذا هم بحج أو عمرة أو عتق أو شراء أو بيع تطهر وصلى ركعتي الاستخارة وقرأ فيهما سورة الرحمن وسورة الحشر، فإذا فرغ من الركعتين استخار الله مائتي مرة، ثم قرأ قل هو الله أحد و المعوذتين، ثم قال: اللهم إني هممت بأمر [ قد ] علمته، فإن كنت تعلم أنه خير لي في ديني ودنياي وآخرتي فاقدروه لي وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ودنياي وآخرتي فاصرفه عني، رب هب لي رشدي وإن كرهت ذلك أو أحبت نفسي، ببسم الله الرحمن الرحيم ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله حسبي الله ونعم الوكيل ثم يمضي ويعزم.

( في طلب الحاجة)

إذا أردت أن تغدو في حاجتك وقد طلعت الشمس وذهبت حمرتها فصل ركعتين بالحمد و( قل هو الله أحد ) و( قل يا أيها الكافرون ) ، فإذا سلمت فقل: « اللهم إني غدوت ألتمس من فضلك كما أمرتني فارزقني من فضلك رزقا حسنا واسعا حلالا طيبا وأعطني فيما رزقتني العافية، غدوت بحول الله وقوته، غدوت بغير حول مني ولا قوة ولكن بحولك وقوتك وأبرأ إليك من الحول والقوة، اللهم إني

٢٥٦

أسألك بركة هذا اليوم فبارك لي في جميع اموري يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين ». فإذا انتهيت إلى السوق فقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم إني أسألك خيرها وخير أهلها وأعوذ بك من شرها ومن شر أهلها، اللهم إني أعوذ بك أن أبغي أو يبغى علي أو أن أظلم أو أظلم أو أعتدي او يعتدى علي، وأعوذ بك من إبليس وجنوده وفسقة العرب والعجم، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم. وإذا أردت أن تشتري شيئا فقل: « يا حي يا قيوم يا دائم يا رؤوف يا رحيم أسألك بعونك وقدرتك وما أحاط به علمك أن تقسم لي من التجارة اليوم أعظمها رزقا وأوسعها فضلا وخيرها لي عاقبة ». وإذا اشتريت دابة او رأسا فقل: « اللهم ارزقني أطولها حياة وأكثرها منفعة وخيرها عاقبة »، عن الصادقعليه‌السلام .

وعنهعليه‌السلام أيضا: إذا اشتريت شيئا من متاع او غيره فكبره وقل: اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من فضلك فاجعل لي فيه فضلا، اللهم إني اشتريته ألمتس فيه من رزقك فاجعل لي فيه رزقا، ثم أعد كل واحدة ثلاث مرات.

الفصل السادس

( في آداب المشي وكراهية الوحدة في السفر وأدعية متفرقة)

( في المشي)

عن الصادقعليه‌السلام قال: سيروا وانسلوا فإنه أخف عليكم.

وروي أن قوما مشاة أدركهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فشكوا إليه شدة المشي، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لهم: استعينوا بالنسل.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سرعة المشيء تذهب ببهاء المؤمن.

عنهعليه‌السلام أيضا قال: سرعة المشي نكس. وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : سرعة المشي تذهب ببهاء المرء.

( مكارم الاخلاق - ١٧ )

٢٥٧

سأل معاوية بن عمار أبا عبد اللهعليه‌السلام : عن رجل عليه دين أعليه أن يحج؟ فقالعليه‌السلام له: نعم، إن حجة الاسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين، ولقد كان أكثر من حج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مشاة. ولقد مر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكراع الغميم(١) فشكوا إليه الجهد [ والطاقة ] والاعياء، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : شدوا أزركم(٢) واستبطنوا، ففعلوا فذهب عنهم ذلك. وفي رواية، فدعا لهم وقال: خيرا. وقال: عليكم بالنسلان والبكور(٣) وسرى من الدلج، فإن الارض تطوي بالليل.

عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت له: قول الله عزوجل:( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) (٤) ، قال: يخرج فيمشي إن لم يكن عنده شيء، قلت: لا يقدر على المشي، قالعليه‌السلام : يمشي ويركب قلت: لا يقدر على ذلك، قالعليه‌السلام : يخدم القوم ويخرج معهم.

عن الصادقعليه‌السلام قال: جاءت المشاة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكوا إليه الاعياء، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليكم بالنسلان، ففعلوا فذهب عنهم الاعياء(٥) .

وعنهعليه‌السلام قال: راح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكراع الغميم فصف له المشاة وقالوا: نتعرض لدعوته، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهم أعطهم أجرهم وقوهم »، ثم قال: لو استعنتم بالنسلان لخفت أجسامكم وقطعتم الطريق، ففعلوا فخفت أجسامهم.

عنهعليه‌السلامعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الراكب أحق بالجادة من الماشي. والحافي أحق من المنتعل.

عنعليه‌السلام قال: ليس للمرأة أن تمشي وسط الطريق ولكن تمشي في جانبيه.

__________________

١ - كراع الارض - بالضم -: ناحيتها. ومنه كراع الغميم: طرفه وهو واد بين الحرمين على مرحلتين من مكة.

٢ - الازر: الظهر يقال: شد به أزره أي ظهره. واستبطنوا أي دخلوا بطنكم.

٣ - النسلان - بالتحريك - مصدر نسل في مشيه أي أسرع. والبكور فعل أو أتاه بكرة أي غدوة. السرى - بالضم - والسريان - بالتحريك - وسرية - كغرفة -: مصادر سرى فلان - كرمى -: سار ليلا. والدلج - بالتحريك - والدلجة - بالضم والفتح -: السير من أول الليل.

٤ - سورة آل عمران: آية ٩١.

٥ - الاعياء - بالكسر -: التعب والكل في المشي.

٢٥٨

وعنهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس للنساء من سروات الطريق يعني من وسطه، إنما لهن جوانبه(١) .

( في كراهية الوحدة في السفر)

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا أنبئكم بشر الناس؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: من سافر وحده ومنع رفده وضرب عبده(٢) .

وعنهعليه‌السلام قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : يا علي: لا تخرج في سفرك وحدك، فإن الشيطان مع الواحد ومن الاثنين أبعد.

عن الكاظمعليه‌السلام قال: لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثة الاكل زاده وحده، والنائم في بيت وحده، والراكب في الفلاة وحده.

عن إسماعيل بن جابر قال: كنت عند الصادقعليه‌السلام بمكة إذ جاؤه رجل من المدينة، فقالعليه‌السلام له: من صحبك؟ فقال ما صحبت أحدا، فقال له الصادقعليه‌السلام : أما لو كنت تقدمت إليك لاحسنت أدبك، ثم قال: واحد شيطان، واثنان شيطانان وثلاثة صحب، وأربعة رفقاء.

عن موسى بن جعفرعليهما‌السلام قال: من خرج وحده في سفر فليقل: ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم آنس وحشتي وأعني على وحدتي، وأد غيبتي.

( في دعاء الضال)

عن الصادقعليه‌السلام قال: إذا ضللت عن الطريق فناد يا صالح - أو يا أبا صالح - أرشدونا إلى الطريق يرحمكم الله وروي أن البر موكل به صالح. والبحر موكل به حمزة.

عنهعليه‌السلام قال: إذا تغولت لكم الغيلان(٣) فأذنوا.

عن أبي عبيدة الحذا(٤) قال: كنت مع الباقرعليه‌السلام فضل بعيري، فقالعليه‌السلام :

__________________

١ - السراة - بالفتح -: الظهر. ومن الطريق: متنه وأعلاه. ومن النهار: ارتفاعه.

٢ - الرفد - بالفتح -: النصيب. - وبالكسر -: العطاء والمعونة.

٣ - الغيلان - بالكسر -: جمع غول وهو نوع من الجن والشيطان -: وأيضا: الداهية والهلكة.

٤ - هو زياد بن عيسى الكوفي المعروف بأبي عبيدة الحذاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام ومات في حياة أبي عبد اللهعليه‌السلام بالمدينة، ثقة وكان حسن المنزلة عند آل محمد: وكان زميل أبي جعفرعليه‌السلام إلى مكة.

٢٥٩

صل ركعتين ثم قل: كما أقول: « اللهم راد الضالة، هادئا من الضلالة رد علي ضالتي فإنها من فضلك وعطائك » ثم قالعليه‌السلام : يا أبا عبيدة تعال فاركب، فركبت مع أبي جعفرعليه‌السلام فلما سرنا إذا سواد على الطريق، فقالعليه‌السلام : يا أبا عبيدة هذا بعيرك فإذا هو بعيري.

( في الدعاء عند نزول المنزل)

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : يا علي: إذا نزلت منزلا فقل: رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين. وفي رواية وأيدني بما أيدت به الصالحين وهب لي السلامة والعافية في كل وقت وحين، أعوذ بكلمات الله التامات [ كلها ] من شر ما خلق وذرأ وبرأ ثم صل ركعتين وقل: اللهم ارزقنا خير هذه البقعة وأعذنا من شرها، اللهم أطعمنا من جناها(١) وأعذنا من وبائها وحببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا. وإذا أردت الرحيل فصل ركعتين وادع الله بالحفظ والكلاءة وودع الموضع وأهله، فإن لكل موضع أهلا من الملائكة وقل: « السلام على ملائكة الله الحافظين، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين [ ورحمة الله وبركاته ] ».

( في الدعاء عند الرجوع من السفر)

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال - لما رجع من خيبر -: « آئبون تائبون إن شاء الله عابدون راكعون ساجدون لربنا حامدون، اللهم لك الحمد على حفظك إياي في سفري وحضري، اللهم اجعل أوبتي هذه مباركة ميمونة مقرونة بتوبة نصوح توجب لي بها السعادة يا أرحم الراحمين ».

( في الدعاء عند دخول مدينة أو قرية)

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : إذا أردت مدينة أو قرية فقل حين تعاينها: اللهم إني أسألك خيرها وأعوذ بك من شرها، اللهم حببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا.

__________________

١ - الجنى - كحصى -: ما يحنى من ثمر أو عسل أو ذهب ونحوها.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481