مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق12%

مكارم الأخلاق مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: مکتبة الأخلاق والدعاء
الصفحات: 481

مكارم الأخلاق
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 207771 / تحميل: 11482
الحجم الحجم الحجم
مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

عنهعليه‌السلام قال: فضل الوقت الاول على الاخير خير للمؤمن من ولده وماله.

وعنهعليه‌السلام أيضا قال: فضل الوقت الاول على الاخير كفضل الاخرة على الدنيا.

( في الذكر بعد الفجر)

عن الحسن بن عليعليهما‌السلام قال: سمعت أبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيما امرئ مسلم جلس في مصلاه الذي صلى فيه الفجر يذكر الله حتى تطلع الشمس كان له من الامر كحاج بيت الله وغفر له ما سلف من ذنوبه وإن جلس فيه حتى تكون ساعة تحل فيها الصلاة فصلى ركعتين أو أربعا غفر له ما سلف من ذنبه وكان له من الامر كحاج بيت الله.

عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال الله جل جلاله: يا ابن آدم أذكرني بعد الغداة ساعة وبعد العصر ساعة أكفك ما أهمك.

( فيما يختص بعقيب صلاة الفجر)

إذا سلمت من فريضة الصبح كبر ثلاث مرات وقل: لا إله إلا الله إلها واحدا ونحن له مسلمون، لا إله إلا الله إلها واحدا ونحن له مخلصون، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله ربنا ورب آبائنا الاولين، لا إله إلا الله وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وأعز جنده وغلب الاحزاب وحده فله الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، ثم قل ثلاث مرات: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ذا الجلال والاكرام وأتوب إليه، ثم قل: اللهم اهدني من عندك وافض علي من فضلك وانشر علي من رحمتك وأنزل علي من بركاتك، سبحانك لا إله إلا أنت اغفر لي ذنوبي كلها جميعا فإنه لا يغفر الذنوب كلها جميعا إلا أنت، ثم سبح تسبيح فاطمة الزهراءعليها‌السلام وهو أربع وثلاثون تكبيرة وثلاث وثلاثون تحميدة وثلاث وثلاثون تسبيحة، تبدأ بالتكبير، ثم بالتحميد ثم بالتسبيح، فروي عن الصادقعليه‌السلام أنه قال: تسبيح فاطمةعليها‌السلام في كل يوم عقيب كل صلاة أحب إلي من صلاة ألف ركعة في كل يوم.

وعنهعليه‌السلام قال: من سبح الله في دبر الفريضة تسبيح فاطمةعليها‌السلام المائة

٣٠١

وأتبعها بلا إله إلا الله غفر له. فالاولى أن تعد لتعدادها مسبحة من تربة الحسينعليه‌السلام فقد روي عن الصادقعليه‌السلام أنه قال: من أدارها مرة واحدة بالاستغفار أو غير كتب له سبعين مرة وإن السجود عليها يخرق الحجب السبع.

( دعاء آخر)

وهو الدعاء الذي رواه معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وهو: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين الاخيار الاتقياء الابرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وأفوض أمري إلى الله وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت [ وإليه أنيب ] ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا، ما شاء الله كان حسبنا الله ونعم الوكيل وأعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ومن همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا كما هو أهله ومستحقه وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله على إدبار الليل وإقبال النهار، الحمد لله الذي أذهب الليل مظلما بقدرته وجاء بالنهار مبصرا برحمته خلقا جديدا ونحن في عافيته وسلامته وستره وكفايته وجميل صنعه، مرحبا بخلق الله الجديد واليوم العتيد(١) والملك الشهيد، مرحبا بكما من ملكين كريمين وحيا كما الله من كاتبين حافظين اشهدكما فاشهدا لي واكتبا شهادتي معكما حتى ألقى بها ربي، إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأن الدين كما شرع والاسلام كما وصف والقول كما حدث وأن الله هو الحق [ المبين ] والرسول حق والقرآن حق والموت حق ومسألة منكر ونكير في القبر حق والبعث حق والصراط حق والميزان حق والجنة حق والنار حق والساعة آتية لا ريب فيها وأن الله باعث من في القبور فصل على محمد وآل محمد واكتب اللهم شهادتي عندك مع شهادة أولي العلم بك يا رب ومن أبى أن يشهد لك بهذه الشهادة وزعم أن لك ندا أو لك ولدا أو لك صاحبة أو لك شريكا أو معك خالقا أو رازقا فأنا برئ منهم، لا إله إلا أنت تعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا، فاكتب اللهم

__________________

١ - العتيد: الحاضر المهيأ.

٣٠٢

شهادتي مكان شهادتهم وأحيني على ذلك وأمتني عليه وابعثني عليه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم صل على محمد وآل محمد وصبحني منك صباحا صالحا مباركا ميمونا لا خازيا ولا فاضحا، اللهم صل على محمد وآل محمد واجعل أول يومي هذا صلاحا وأوسطه فلاحا وآخره نجاحا وأعوذ بك من يوم أوله فزع وأوسطه جزع وآخره وجع، اللهم صل على محمد وآله وارزقني خير يومي هذا وخير ما فيه وخير ما قبله وخير ما بعده وأعوذ بك من شره وشر ما فيه وشر ما قبله وشر ما بعده، اللهم صل على محمد وآل محمد وافتح لي باب كل خير فتحته على أحد من أهل الخير ولا تغلقه عني أبدا واغلق عني باب كل شر فتحته على أحد من أهل الشر ولا تفتحه علي أبدا، اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني مع محمد وآل محمد في كل موطن ومشهد ومقام ومحل ومرتحل وفي كل شدة ورخاء وفي كل عافية وبلاء، اللهم صلى على محمد وآل محمد واغفر لي مغفرة عزما جزما ولا تغادر لي ذنبا ولا خطيئة ولا إثما، اللهم إن أستغفرك من كل ذنب تبت إليك منه ثم عدت فيه وأستغفرك لما أعطيتك من نفسي ولم أف لك به وأستغفرك لما أردت به وجهك فخالطه ما ليس لك فصل على محمد وآل محمد واغفر لي يا رب ولوالدي وما ولدا وما ولدت وما توالدوا من المؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم، الحمد لله الذي قضى عني صلاة كانت على المؤمنين كتاب موقوتا ولم يجعلني من الغافلين، ثم قل ثلاث مرات أو أربعا عقيب الفجر قبل أن تتكلم: « الحمد لله ملء الميزان ومنتهى العلم ومبلغ الرضا وزنة العرش، وسبحان الله ملء الميزان ومنتهى العلم ومبلغ الرضا وزنة العرش، والله أكبر ملء الميزان ومنتهى العلم ومبلغ الرضا وزنة العرش، ولا إله إلا الله ملء الميزان ومنتهى العلم ومبلغ الرضا وزنة العرش »، ثم قل: « اللهم إن أسألك مسألة العبد الذليل أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تغفر لنا ذنوبنا وتقضي لنا حوائجنا في الدنيا والاخرة في يسر منك وعافية ».

( أذكار مروية في تعقيب الفجر)

إذا فرغت من تعقيب الفجر فاقرأ قل هو الله أحد مائة مرة وقل: أستغفر الله ربي وأتوب إليه مائة مرة وقل: « لا إله إلا الله الملك الحق المبين » مائة مرة وقل: « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » مائة مرة، و « ما شاء الله كان

٣٠٣

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » مائة مرة، و « بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » مائة مرة، و « أسأل الله العافية » مائة مرة، و أستجير بالله من النار مائة مرة، و أسأل الله الجنة مائة مرة، و « أسأل الله الحور العين » مائة مرة، وقل: اللهم قد رضيت بقضائك وسلمت لامرك، اللهم اقض لي بالحسنى واكفني ما أهمني مائة مرة، و اللهم أوسع علي في رزقي وامدد لي في عمري واغفر لي ذنبي واجعلني ممن تنتصر به لدينك مائة مرة، وإن لم تتيسر لك المئات فعشرا عشرا، وقل خمس عشر مرة: لا إله إلا الله حقا حقا، لا إله إلا الله إيمانا وصدقا، لا إله إلا الله عبودية ورقا، وقل ما أمكنك: « سبحان الله العظيم وبحمده، أستغفر الله وأسأله من فضله » فإنه يجلب الرزق.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للمهاجرات: عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس ولا تغفلن فتنسين الرحمة واعقدن بالانامل فإنه مسئولات مستنطقات.

وعن الصادقعليه‌السلام قال: من صلى الفجر ومكث حتى تطلع الشمس كان أنجح في طلب الرزق من الضرب في الارض شهرا.

( في الخروج من المسجد)

وإذا أردت الخروج من المسجد فقل: « اللهم دعوتني فأجبت دعوتك وصليت مكتوبتك وانتشرت في أرضك كما أمرتني، فأسألك من فضلك العمل بطاعتك واجتناب معصيتك والكفاف من الرزق برحمتك ».

( في الرجوع من المصلى)

وإذا أردت النهوض من هذه الصلاة ومن كل صلاة فقل:( سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ) (١) . فقد روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال: من أراد أن يكتال بالمكيال الاوفى فليكن هذا آخر قوله فإن له من كل مسلم حسنة. وقدم رجلك اليسرى في الخروج من المسجد وقل: « اللهم صل على محمد وآل محمد وافتح لنا باب فضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين ». واجتهد أن لا تتكلم قبل طلوع الشمس وأن تكون مشتغلا بالدعاء وبقراءة القرآن، فقد روي

__________________

١ - سورة الصافات الايات: ١٧٠ و ١٨١. ١٨٢.

٣٠٤

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: من جلس في صلاة من صلاة الفجر إلي طلوع الشمس ستره الله من النار.

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه كان يقول: والله إن ذكر الله بعد صلاة الغداة إلى طلوع الشمس أسرع في طلب الرزق من الضرب في الارض(١) .

وروي جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إن إبليس إنما يبث جنود الليل من حين تغيب الشمس إلى وقت الشفق ويبث جنود النهار من حين يطلع الفجر إلى مطلع الشمس، وذكر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول: أكثروا ذكر الله في هاتين الساعتين فإنهما ساعتا غفلة.

وقال الصادقعليه‌السلام : نوم الغداة مشؤمة تطرد الرزق وتصفر اللون وتقبحه وتغيره وهو نوم كل مشؤم، إن الله تعالى يقسم الارزاق ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فإياكم وتلك النومة.

وقال الباقرعليه‌السلام : النوم أول النهار خرق والقائلة نعمة والنوم بعد العصر حمق والنوم بين العشائين يحرم الرزق.

وقال الرضاعليه‌السلام في قول الله عزوجل( فالمقسمات أمرا ) (٢) قال: الملائكة تقسم أرزاق بني آدم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فمن نام فيما بينهما نام عن رزقه.

وروي معمر بن خلاد قال: كان أبوالحسن الرضاعليه‌السلام وهو بخراسان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه إلى أن تطلع الشمس، ثم يؤتى بخريطة فيها مساويك فيستاك بها واحدا بعد واحد، ثم يؤتى بكندر فيمضغه، ثم يدع ذلك ويؤتى بالمصحف فيقرأ فيه.

__________________

١ - أي من الستر فيها لطلب الرزق، يقال ضرب في الارض ضربا وضربانا: خرج تاجرا أو غازيا.

٢ - سورة الذاريات: آية ٤.

( مكارم الاخلاق - ٢٠ )

٣٠٥

الفصل الثالث

( في الذكر والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والاستغفار والبكاء)

( في التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير)

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: التفت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أصحابه فقال: اتخذوا جننا(١) ، فقالوا: يا رسول الله من عدو قد أظلنا؟ قال: لا، ولكن من النار، قولوا: « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ».

وعنهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أكثروا من « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر »، فإنهن يأتين يوم القيامة لهن مقدمات ومؤخرات ومعقبات وهن الباقيات الصالحات.

عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لاصحابه ذات يوم: أرأيتم لو جمعتم ما عندكم من الثياب والانية ثم وضعتم بعضه على بعض أكنتم ترونه يبلغ السماء؟ فقالوا: لا يا رسول الله، فقال: أفلا أدلكم على شيء أصله في الارض وفرعه في السماء؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: يقول أحدكم إذا فرغ من صلاة الفريضة: « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » ثلاثين مرة فإن أصلهن في الارض وفرعهن في السماء وهن يدفعن الهدم والحرق والغرق والتردي في البئر وأكل السبع وميتة السوء والبلية التي تنزل من السماء على العبد في ذلك اليوم وهن الباقيات [ الصالحات ].

عن أبي عبد الله، عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أربع من كن فيه كتبه الله من أهل الجنة: من كان عصمته شهادة أن لا إله إلا الله، ومن إذا أنعم الله عليه النعمة قال: « الحمد لله »، ومن إذا أصاب ذنبا قال: « أستغفر الله »، ومن إذا أصابه مصيبة قال:( إنا لله وإنا إليه راجعون ) .

عن أبي عبد الله، عن آبائهعليهم‌السلام ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: جاء الفقراء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: يا رسول الله إن للاغنياء ما يعتقون وليس لنا، ولهم ما

__________________

١ - الجنن - كغرف -: جمع جنة - بالضم - السترة.

٣٠٦

يحجون وليس لنا، ولهم ما يتصدقون وليس لنا، ولهم ما يجاهدون وليس لنا، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من كبر الله مائة مرة كان أفضل من عتق مائة رقبة، ومن سبح الله مائة مرة كان أفضل من سياق مائة بدنة، ومن حمدالله مائة مرة كان أفضل من حملان مائة فرس(١) في سبيل الله بسروجها ولجمها وركبها، ومن قال: لا إله إلا الله مائة مرة كان أفضل الناس عملا في ذلك اليوم إلا ما زاد، قال: فبلغ ذلك الاغنياء فصنعوه، قال: فعاد الفقراء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: يا رسول الله قد بلغ الاغنياء ما قلت فصنعوه، قال:( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لان أقول: « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » أحب إلي مما طلعت عليه الشمس.

( في التحميد)

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أصبح يحمد الله ثلاثمائة وستين مرة عدد عروق الجسد، يقول: الحمد لله كثيرا على كل حال. وفي حديث آخر: وإذا أمسى قال مثل ذلك.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أول من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون الله في السراء والضراء.

وسئلصلى‌الله‌عليه‌وآله : أين رياض الجنة؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : مجالس الذكر، فاغدوا وروحوا في ذكر الله تعالى.

وقال الصادقعليه‌السلام : شكر كل نعمة وإن عظمت أن يحمد الله.

عنهعليه‌السلام قال: ما أنعم الله على عبد مؤمن نعمة بلغت ما بلغت فحمد الله عليها إلا كان حمد الله أفضل وأوزن وأعظم من تلك النعمة.

نفرت بغلة لابي جعفرعليه‌السلام فيما بين مكة والمدينة، فقال: لئن ردها الله علي لاشكرنه حق شكره، فلما أخذها قال: « الحمد لله رب العالمين » ثلاث مرات، ثم قال ثلاث مرات: « شكرا لله ».

عن أبي حمزة، عنهعليه‌السلام قال: أنبئك بحمد يضر بك من كل حمد، قلت له:

__________________

١ - الحملان - بالضم -: ما يحمل عليه من الدواب في الهبة خاصة والمتاع وأسباب السفر.

٣٠٧

ما معنى يضر بك؟ قال: يكفيك، قلت: بلى، قال [ قل ]: اللهم لك الحمد بمحامدك كلها على جميع نعمك كلها حتى ينتهي الحمد إلى ما تحب ربنا وترضى.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من قال أربع مرات إذا أصبح: « الحمد لله رب العالمين » فقد أدى شكر يومه، ومن قالها إذا أمسى فقد أدى شكر ليلته.

عن زيد الشحام، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من قال: « الحمد لله كما هو أهله شغل كتاب السماء »، قلت: وكيف يشغل كتاب السماء؟ قال: يقولون: اللهم إنا لا نعلم الغيب، فقال اكتبوها كما قالها عبدي وعلي ثوابها.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قال: الحمد لله بمحامده كلها ما علمنا منها وما لم نعلم على كل حال حمدا يوازي نعمه ويكافئ مزيده علي وعلى جميع خلقه، قال الله تبارك وتعالى: بالغ عبدي في رضاي وأنا مبلغ عبدي رضاه من الجنة.

وقال: جاء رجل إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال: جعلت فداك إني شيخ كبير فعلمني دعاء جامعا؟ فقال: احمد الله، فإنك إذا حمدت الله لم يبق مصل إلا دعا لك، يعني قولهم: سمع الله لمن حمده.

عن عليعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : في ابن آدم ثلاثمائة وستون عرفا: منها مائة وثمانون متحركة ومنها مائة وثمانون ساكنة فلو سكن المتحرك لم يبق الانسان ولو تحرك الساكن لهلك الانسان. قالعليه‌السلام : وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل يوم إذا أصبح وطلعت الشمس يقول: الحمد لله رب العالمين كثيرا على كل حال يقولها ثلاثمائة وستين مرة وإذا أمسى يقول مثل ذلك.

( في التمجيد)

عن زرارة قال: قلت لابي جعفرعليه‌السلام : أي الاعمال أحب إلى الله؟ قال: أن تمجده.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إن الله يمجده نفسه في كل يوم وليلة ثلاث مرات، فمن مجد الله بما مجد به نفسه ثم كان في حال شقاوة حول إلى سعادة.

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إن كل دعاء لا يكون قبله تمجيده فهو أبتر، إنما التمجيد ثم الدعاء، قلت: ما أدنى ما يجزئ من التمجيد؟ قال: قال: اللهم أنت الاول

٣٠٨

فليس قبلك شيء وأنت الاخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء وأنت العزيز الحكيم.

( في التسبيح)

عن يونس بن يعقوب قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : من قال: سبحان الله مائة مرة كان كمن ذكر الله كثيرا؟ قال: نعم.

عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: من أكثر من قول: سبحان الله من غير تعجب خلق الهل من ذلك طيرا له لسان وجناحان يستغفر الله له حتى تقوم الساعة، ومثل ذلك الحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: التسبيح ينصف الميزان، والحمد لله يملا الميزان، والله أكبر يملا ما بين السماء والارض.

عنهعليه‌السلام قال: من قال حين يمسي ثلاث مرات: سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والارض وعشيا وحين تظهرون لم يفته خير يكون في تلك الليلة وصرف عنه جميع شرها. ومن قال مثل ذلك حين يصبح لم يفته خير يكون في ذلك اليوم وصرف عنه جميع شرها.

( في التهليل)

عن ابن عباس، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ما من الكلام كلمة أحب إلى الله عز وجل من قول: لا إله إلا الله، وما من عبد يقول: لا إله إلا الله يمد بها صوته فيفزع إلا تناثرت ذنوبه تحت قدميه كما ينتاثر ورق الاشجار تحتها.

عن السكوني، عن أبي عبد الله، عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خير العبادة قول لا إله إلا الله.

[ من كتاب عيون الاخبار، عن الرضاعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن لله عمودا من ياقوت أحمر رأسه تحت العرش وأسفله على ظهر الحوت في الارض السابعة السفلى، فإذا قال العبد: لا إله إلا الله اهتز العرش وتحرك العمود وتحرك الحوت، فيقول الله تعالى: اسكن يا عرشي، فيقول: كيف اسكن ولم تغفر لقائلها فيقول الله عزوجل: اشهدوا سكان سمواتي أني قد غفرت لقائلها ].

٣٠٩

عن جابر، عن أبي الطفيل(١) ، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: ما من عبد مسلم يقول: لا إله إلا الله إلا صعدت وتخرق كل سقف، لا تمر بشيء من سيئاته إلا طمستها حتى ينتهي إلى مثلها من الحسنات فيقف.

قال الصادقعليه‌السلام : قول لا إله إلا الله ثمن الجنة.

من ثواب الاعمال، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فإنها تهدم الذنوب، فقالوا: يا رسول الله فمن قالها في صحته [ فمه ]؟ قال: فذاك أهدم وأهدم إن لا إله إلا الله أمن للمؤمن في حياته وعند موته وحين يبعث.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من قال: لا إله إلا الله مائة مرة كان أفضل الناس ذلك اليوم عملا إلا من زاد.

عن زيد بن أرقم، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من قال: لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة وإخلاصه بها أن يحجزه عما حرم الله عزوجل.

عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما قلت ولا قال القائلون قبلي [ كلمة أفضل من ] مثل لا إله إلا الله.

أبو عمران العجلي رفعه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من مؤمن يقول: لا إله إلا الله إلا محت ما في صحيفته من السيئات حتى ينتهي إلى مثلها حسنات.

( في التكبير وغير ذلك)

عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت علي بن الحسينعليهما‌السلام يقول: من كبر الله عند المساء مائة تكبيرة كان كمن أعتق مائة نسمة.

قال الرضاعليه‌السلام : كان أبي يقول: من قال: « لا حول ولا قوة إلا بالله » صرف الله عنه تسعة وتسعين نوعا من بلاء الدنيا أيسرها الخنق.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قال إذا خرج من بيته بكرة: « بسم الله لا حول ولا

__________________

١ - هو عامر بن واثلة بن الاسقع الكناني كان من الصحابة ومن خيارهم، ولد عام الهجرة ومات سنة عشرة ومائة وهو آخر من مات ممن رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبه ختم الصحابة وكان يسكن الكوفة ثم انتقل إلى مكة وإنه كان معروفا بموالات أهل البيت: والمحبين لهم ومن شيعة عليعليه‌السلام وشهد معه مشاهده كلها وله منه محل خاص يستغنى بشهرته عن ذكره وكونه من أهل سره.

٣١٠

قوة إلا بالله توكلت على الله » قال الملكان: كفيت ووقيت وهديت، فيقول الشيطان: كيف لي بعيد كفي ووقي وهدي.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من قال: يا الله يا الله عشر مرات قيل له: لبيك ما حاجتك؟ ومن قال: يا رب عشر مرات، قيل له: لبيك ما حاجتك؟

ومن قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله سبعين مرة صرف الله عنه سبعين نوعا من أنواع البلاء أيسرها الخنق، قلت: جعلت فداك ما الخنق؟ قال: لا يقتل بالجنون فيخنق.

عنه، عن آبائهعليهم‌السلام قال: من قال في كل يوم ثلاثين مرة: لا إله إلا الله الملك الحق المبين استقبل الغنى واستدبر الفقر وقرع باب الجنة.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مثل البيت الذي يذكر فيه الله والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده.

وسألهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجل: بأي سنن الاسلام وشرائعه تأمرني؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله.

من أمالي الشيخ ابن بابويه، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بادروا إلى رياض الجنة، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر(١) .

من الفردوس قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أكثروا ذكر الله حتى يقولوا: مجنون.

ومن الامالي أيضا: إن الصاعقة لا تصيب ذاكر الله عزوجل.

من المحاسن، عن يونس بن عبد الرحمن رفعه قال: قال لقمان لابنه: يا بني: إحذر المجالس على عينك، فإن رأيت قوما يذكرون الله عزوجل فاجلس معهم فإنك إن تكن عالما ينفعك علمك ويزيدوك، وإن تكن جاهلا علموك ولعل الله أن يظلهم برحمة فيعمك معهم. وإذا رأيت قوما لا يذكرون الله فلا تجلس معهم فإنك إن تكن عالما لا ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا يزيدوك جهلا ولعل الله يظلهم بعقوبة فتعمك معهم.

__________________

١ - الحلق - بكسر ففتح أو بفتحتين -: جمع حلقة، كقصعة. وحلقة القوم: دائرهم.

٣١١

من الروضة، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما جلس قوم يذكرون الله إلا ناداهم مناد من السماء: قوموا فقد بدلت سيئاتكم حسنات وغفر لكم جميعا. وما قعد عدة من أهل الارض يذكرون الله إلا قعد معهم عدة من الملائكة. وقال: ما جلس قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده.

سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أين رياض الجنة؟ فقال: مجالس الذكر، فاغدوا وروحوا في ذكر الله.

( في الصلاة على النبي وآله عليه وعليهم‌السلام )

عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأكثروا الصلاة عليه، فإنه من صلى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة واحدة صلى الله عليه في ألف صف من الملائكة ولم يبق شيء مما خلق الله عزوجل إلا صلى على ذلك العبد لصلاة الله عليه وصلوات ملائكته، فمن لا يرغب في هذا فهو جاهل مغرور قد برئ الله منه ورسوله [ وأهل بيته ].

عن الصادق، عن أبيهعليهما‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا عند الميزان يوم القيامة، فمن ثقلت سيئاته على حسناته جئت بالصلاة علي حتى اثقل بها حسناته.

عن الحارث الاعور، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: كل دعاء محجوب من السماء حتى يصلى على محمد وآله.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: وجدت في بعض الكتب من صلى على محمد نبيه كتب الله له مائة حسنة. ومن قال: صلى الله على محمد وأهل بيته كتب الله له ألف حسنة.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي.

وروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: من صلى علي من أمتي صلاة مخلصا من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات ورفعه بها عشر درجات وكتب له بها عشر حسنات ومحا عنه بها عشر سيئات.

عن الصادقعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إرفعوا أصواتكم بالصلاة علي فإنها تذهب بالنفاق.

٣١٢

( في الاستغفار والبكاء)

عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لكل داء دواء ودواء الذنوب الاستغفار.

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: العجب ممن يقنط ومعه النجاة، قيل: وما هي؟ قال: الاستغفار.

من الفردوس، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاثة أصوات يحبها الله عزوجل: صوت الديك وصوت الذي يقرأ القرآن وصوت المستغفرين بالاسحار.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من قال: « أستغفر الله » مائة مرة حين ينام بات وقد تحاتت الذنوب عنه [ كلها ] كما يتحات الورق عن الشجر ويصبح وليس عليه ذنب(١) .

وعنهعليه‌السلام قال: من إستغفر الله عزوجل بعد العصر سبعين مرة غفر الله له ذلك اليوم سبعمائة ذنب، فإن لم يكن له فلابيه، فإن لم يكن لابيه فلامه، فإن لم يكن لامه فلاخيه، فإن لم يكن لاخيه فلاخته، فإن لم يكن لاخته فللاقرب.

عن إسماعيل بن سهل قال: كتبت إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام : علمني شيئا إذا أنا قلته كنت معكم في الدنيا والاخرة؟ قال: فكتب بخطه، أعرفه: أكثر من قراءة إنا أنزلناه ورطب شفتيك بالاستغفار.

عن جعفر ين محمد، عن أبيهعليهما‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : طوبى لمن وجد في صحيفة عمله يوم القيامة تحت كل ذنب « أستغفر الله ».

قال الصادقعليه‌السلام : إذا أكثر العبد من الاستغفار رفعت صحيفته وهي تتلالا.

وعنهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يقوم من مجلس وإن خف حتى يستغفر الله خمسا وعشرين مرة وكان من أيمانهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا وأستغفر الله.

قال الصادقعليه‌السلام : التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو يستغفر كالمستهزئ.

عن الصادقعليه‌السلام قال: إذا أحدث العبد ذنبا جدد له نعمة فيدع الاستغفار

__________________

١ - يقال: حت الورق عن الشجر: سقط. وتحات الورق عنه: تناثر.

٣١٣

فهو الاستدراج. وكان من أيمانه لا وأستغفر الله(١) .

وقالعليه‌السلام : من أذنب من المؤمنين ذنبا أجل من غدوة إلى الليل فإن إستغفر لم يكتب عليه.

وقالعليه‌السلام : إن المؤمن ليذكره الله الذنب بعد بضع وعشرين سنة حتى يستغفر الله منه فيغفر له.

وعنهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الاستغفار ) وقول « لا إله إلا الله » خير العبادة، قال الله تعالى( فاعلم أنه لا إله إلا الله وأستغفر لذنبك ) (٢) .

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال لقائل بحضرته أستغفر الله: ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار؟ إن الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان: أولها: الندم على مضى، والثاني: العزم على ترك العود إليه أبدا، والثالث: أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة، والرابع أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها، والخامس: أن تعمد إلى اللحم الذي نبت من السحت فتذيبه بالاحزان حتى يلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد، والسادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول: أستغفر الله.

من كتاب روضة الواعظين، قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : في الارض أمانان من عذاب الله سبحانه وقد رفع أحدهما فدونكم الاخر فتمسكوا به، أما الامان الذي رفع فهو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأما الامان الباقي فهو الاستغفار، قال الله عزوجل( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) (٣) . ولا خير في الدنيا إلا لرجلين: رجل أذنب ذنبا فهو يتداركها بالتوبة ورجل يسارع إلى الخيرات، ومن أعطى التوبة لم يحرم القبول ومن أعطى الاستغفار لم يحرم المغفرة، وتصديق ذلك في كتاب الله عزوجل( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله

__________________

١ - الاستدارج: الارتقاء من درجة إلى درجة والمراد هنا أن العبد كلما جدد خطيئة جدد الله له نعمة فأنساه الاستغفار فيأخذه قليلا قليلا.

٢ - سورة محمد: آية ٢١.

٣ - سورة الانفال: آية ٣٣.

٣١٤

يجد الله غفورا رحيما ) (١) ، وقال تعالى:( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فاولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما ) (٢) .

وعن الصادقعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يستغفر كل يوم سبعين مرة، قيل: وكيف كان يقول؟ قالعليه‌السلام : كان يقول: أستغفر الله سبعين مرة ويقول: أتوب إليه سبعين مرة.

عن الحسن بن حماد، عن الصادقعليه‌السلام قال: من قال في دبر صلاة الفريضة قبل أن يثنى رجليه(٣) : أستغفر الله [ العظيم ] الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ذا الجلال والاكرام وأتوب إليه ثلاث مرات غفر الله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.

وفي خبر آخر من قاله في كل يوم غفر الله له أربعين كبيرة.

( في البكاء)

من الروضة: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاثة أعين: عين بكت من خشية الله، وعين غضت عن محارم الله، وعين باتت ساهرة في سبيل الله من عيون الاخبار: عن الرضاعليه‌السلام قال: من تذكر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون.

من كتاب روضة الواعظين، قال الصادقعليه‌السلام : البكاؤون خمسة: آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام ، فأما آدمعليه‌السلام فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الاودية. وأما يعقوبعليه‌السلام فبكى على يوسفعليه‌السلام حتى ذهب بصره وحتى قيل له:( تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ) . وأما يوسفعليه‌السلام فبكى على يعقوبعليه‌السلام حتى تأذى منه أهل السجن فقالوا: إما أن تبكي بالنهار وتسكت بالليل وإما أن تبكي بالليل وتسكت بالنهار فصالحهم على واحد منهما. وأما فاطمة بنت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبكت على أبيها حتى تأذى منها أهل المدينة وقالوا لها: قد أذيتنا بكثرة

__________________

١ - سورة النساء: آية ١١٠.

٢ - سورة النساء: آية ٢١.

٣ - ثنى الشيء - كرما ودعا -: عطفه وطواه ورد بعضه على بعض.

٣١٥

بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف.وأما علي بن الحسين فبكى على الحسينعليه‌السلام عشرين سنة أو أربعين وما وضع طعام بين يديه إلا بكى حتى قال مولى له: جعلت فداك ياابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنما أشكو بثي(١) وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة.

قال موسىعليه‌السلام : يا إلهي ما جزاء من دمعت عيناه من خشيتك؟ قال: يا موسى أقي وجهه من حر النار وأؤمنه من الفزع الاكبر.

وقال الصادقعليه‌السلام : لما حضرت الحسن بن علي بن أبي طالبعليهما‌السلام الوفاة بكى، فقيل: يا ابن رسول الله تبكي ومكانك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أنت به وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيك ما قال، وقد حججت عشرين حجة ماشيا وقد قاسمت ربك ما لك ثلاث مرات حتى النعل والنعل، فقالعليه‌السلام : إنما أبكي لخصلتين: لهول المطلع وفراق الاحبة.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من بكى على ذنبه حتى تسيل دموعه على لحيته حرم الله ديباجة وجهه على النار.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من خرج من عينيه مثل الذباب من الدمع من خشية الله آمنه الله به يوم الفزع الاكبر.

من كتاب زهد الصادقعليه‌السلام قال: أوحى الله إلى موسىعليه‌السلام : إن عبادي لم يتقربوا إلي بشيء أحب إلي من ثلاث خصال، قال موسىعليه‌السلام : وما هي؟ قال: يا موسى، الزهد في الدنيا والورع عن المعاصي والبكاء من خشيتي، فقال موسىعليه‌السلام : يا رب فما لمن صنع ذلك؟ فأوحى الله إليه: يا موسى أما الزاهدون فاحكمهم في الجنة، وأما البكاؤون من خشيتي ففي الرفيق الاعلى، وأما الورعون عن المعاصي فإني أناقش الناس ولا أناقشهم.

عنهعليه‌السلام قال: بكى يحيى بن زكرياعليهما‌السلام حتى ذهب لحم خديه من

__________________

١ - البث: أشد الحزن الذي لا يصبر عليه صاحبه حتى يبثه.

٣١٦

الدموع فوضع على العظام لبودا تجري عليها الدموع(١) ، فقال له أبوه: يا بني إني سألت الله تعالى أن يهبك لي لتقر عيني بك، فقال: يا أبت إن على نيران ربنا معاثر(٢) لا يجوزها إلا البكاؤون من خشية الله وأتخوف أن آتيه فيها فأزل، فبكى زكرياعليه‌السلام حتى غشي عليه.

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : بكاء العيون وخشية القلوب من رحمة الله تعالى، فإذا وجدتموها فاغتنموا الدعاء، ولو أن عبدا بكى في أمة لرحم الله تعالى تلك الامة لبكاء ذلك العبد.

وقالعليه‌السلام : إذا لم يجئك البكاء فباك، فإن خرج من عينك مثل رأس الذباب فبخ بخ.

عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: ما من شيء إلا وله كيل ووزن إلا الدموع فإن العين إذا اغر ورقت بمائها حرمها الله على النار، فإن سالت على الخد لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة أبدا، وإن القطرة من الدموع تطفئ أمثال البحار من النار، ولو أن رجلا بكى في أمة لرحموا.

وقال إبراهيمعليه‌السلام : إلهي ما لمن بل وجهه بالدمع من مخافتك؟ قال: جزاؤه مغفرتي ورضواني.

عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: اطلب الاجابة عند اقشعرار الجلد وعند إفاضة العبرة وعند قطر المطر وإذا كانت الشمس في كبد السماء أو قد زاغت فإنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء ويرجى فيها العون من الملائكة والاجابة من الله تبارك وتعالى. وقال: إن التضرع والصلاة من الله تعالى بمكان إذا كان العبد ساجدا لله فإن سالت دموعه فهنالك تنزل الرحمة فاغتنموا في تلك الساعة المسألة وطلب الحاجة، ولا تستكثروا شيئا مما تطلبون فما عند الله أكثر مما تقدرون، ولا تحقروا صغيرا من حوائجكم فإن أحب المؤمنين إلى الله تعالى أسألهم.

__________________

١ - اللبد - بالكسر -: كل شعر أو صوف متلبد، والجمع: لبود - كفلوس - واللبد - بالتحريك -: مصدر.

٢ - لمعاثر، جمع معثر: مواضع العثرة أي السقطة والزلة.

٣١٧

ولقد دخل أبوجعفرعليه‌السلام على أبيه زين العابدينعليه‌السلام فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفر لونه من السهر ورمصت عيناه من البكاء(١) ودبرت جبهته وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة، فقال أبوجعفرعليه‌السلام : فلم أملك حين رأيته بتلك الحالة من البكاء فبكيت رحمة له، وكان يفكر فالتفت إلي بعد هنيئة من دخولي فقال: يا بني: أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة عليعليه‌السلام ، فأعطيته فقرأ فيها يسيرا ثم تركها من يده تضجرا وقال: من يقوى على عبادة علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وكان علي بن الحسينعليهما‌السلام إذا توضأ اصفر لونه، فقيل له: ما هذا الذي يغشاك؟ فقال: أتدرون من أتأهب للقيام بين يديه؟!.

وروي أن الكاظمعليه‌السلام كان يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع(٢) .

الفصل الرابع

( في نوادر من الصلوات)

( في الاستخارة)

قال الصادقعليه‌السلام : إذا أردت أمرا فلا تشاور فيه أحدا حتى تشاور ربك، قال: قلت له: وكيف أشاور ربي؟ قال: تقول « أسخير الله » مائة مرة ثم تشاور الناس، فإن الله يجري لك الخيرة(٣) على لسان من أحب.

من كتاب المحاسن، عن الحلبي(٤) ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إن المشورة لا تكون إلا بحدودها الاربعة فمن عرفها بحدودها وإلا كانت مضرتها على المستشير أكثر من منفعتها، فأولها أن يكون الذي تشاوره عاقلا، والثاني أن يكون حرا متدينا،

__________________

١ - رمصت عينه: سال منها الرمص. والرمص - بالتحريك -: وسخ أبيض يجتمع في موق العين.

٢ - خضل - كعلم -: ندى وابتل. وخضل: نداه وبله.

٣ - الخيرة - بكسر فسكون أو فتح -: الخيار أي الاختيار، وخيرة الشيء أو القوم: أفضله.

٤ - هو يحيى بن عمران الاتي ذكره، والرواية قد تكرر ولذا لم يذكر في بعض النسخ هذه الرواية هنا.

٣١٨

والثالث أن يكون صديقا مواخيا، والرابع أن تطلعه على سرك فيكون علمه به كعلمك ثم يسر ذلك ويكتمه، فإنه إذا كان عاقلا انتفعت بمشورته، وإذا كان حرا متدينا أجهد نفسه في النصيحة، وإذا كان صديقا مواخيا كتم سرك إذا إطلعته عليه، فإذا اطلعته على سرك فكان علمه كعلمك تمت المشورة وكملت النصيحة.

وعنهعليه‌السلام قال: استشيروا العاقل من الرجال الورع فإنه لا يأمر إلا بخير. وإياك والخلاف فإن خلاف الورع العاقل مفسدة في الدين والدنيا.

عنهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مشاورة العاقل الناصح يمن ورشد وتوفيق من الله عزوجل، فإذا أشار عليك الناصح العاقل فإياك والخلاف فإن في ذلك العطب(١) .

عن الحسن بن الجهم قال: كنا عند الرضاعليه‌السلام فذكرناه أباه، فقال كان عقله لا توازي به العقول وربما شاور الاسود من سودانه(٢) ، فقيل له: تشاور مثل هذا؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى ربما فتح على لسانه، قال: فكانوا ربما أشاروا عليه بالشيء فيعمل به في الضيعة والبستان.

عن الصادقعليه‌السلام قال: قيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما الحزم؟ قال: مشاورة ذوي الرأي واتباعهم.

عنهعليه‌السلام ومما أوصىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به علياعليه‌السلام قال: لا مظاهرة أوثق من المشاورة ولا عقل كالتدبير. وقال: إظهار الشيء قبل أن يستحكم مفسدة له.

عن يحيى بن عمران الحلبي قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إن المشورة محدودة فمن لم يعرفها بحدودها كان ضررها أكثر من نفعها: فأول ذلك أن يكون الذي تستشيره عاقلا، والثاني أن يكون حرا متدينا، والثالث أن يكون صديقا مواخيا، والرابع أن تطلعه على سرك فيكون علمه به كعلمك، قال: ثم فسر ذلك فقال: إنه إذا كان عاقلا انتفعت بمشورته، وإذا كان حرا متدينا أجهد نفسه في النصيحة لك، وإذا كان صديقا مواخيا كتم سرك، وإذا اطلعته على سرك فكان علمه كعلمك به أجهد في النصيحة وكملت المشورة.

__________________

١ - عطب - كعلم - عطبا بالتحريك: هلك.

٢ - السودان والسود: جمع أسود. والسودان أيضا: جيل من الناس، أسود.

٣١٩

عن عثمان بن عيسى، عن بعض من حدثه، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت له: من أحب الخلق إلى الله؟ قال: أطوعهم لله. قال: قلت: فمن أبغض الخلق إلى الله؟ قال: من اتهم الله، قلت: أو أحد يتهم الله؟ قال: نعم، من استخار الله فجاءته الخيرة بما يكره فيسخط ذلك فهو المتهم لله ( تمام الخبر ).

وروى حماد بن عثمان عن الصادقعليه‌السلام أنه قال في الاستخارة: أن يستخير الله الرجل في آخر سجدة من ركعتي الفجر مائة مرة ومرة يحمد الله ويصلي على النبي وآله صلى الله عليه وعليهم، ثم يستخير الله خمسين مرة، ثم يحمد الله تعالى ويصلي على النبي وآله صلى الله عليه وعليهم ويتم المائة والواحدة أيضا.

وسألهعليه‌السلام محمد بن خالد القسري عن الاستخارة؟ فقالعليه‌السلام : استخر الله في آخر ركعة من صلاة الليل وأنت ساجدمائة مرة ومرة، وقال: كيف أقول؟ قال: تقول: أستخير الله برحمته ثلاث مرات.

وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام يصلي ركعتين ويقول في دبرهما: أستخير الله مائة مرة، ثم يقول: « اللهم إني قد هممت بأمر قد علمته فإن كنت تعلم أنه خير لي في ديني ودنياي وآخري فيسره لي وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ودنياي وآخرتي فاصرفه عني، كرهت نفسي ذلك أم أحبت، فإنك تعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب » ثم يعزم.

وروي أن رجلا جاء إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال له: جعلت فداك إني ربما ركبت الحاجة ثم أندم عليها، فقال له: أين أنت من الاستخارة؟ فقال الرجل: جعلت فداك فكيف الاستخارة؟ فقال: إذا صليت صلاة الفجر بعد أن ترفع يديك حذاء وجهك: اللهم إنك تعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب فصل على محمد وآل محمد وخر لي في جميع ما عزمت به من أموري خيار بركة وعافية ثم يسجد سجدة يقول فيها مائة مرة: أستخير الله برحمته أستقدر الله في عافية بقدرته ثم ائت حاجتك فإنها خير لك على كل حال ولا تتهم ربك فيما تتصرف فيه.

من كتاب تهذيب الاحكام، عن معاوية بن ميسرة، عنهعليه‌السلام أنه قال: ما استخار الله عبد سبعين مرة بهذه الاستخارة إلا رماه الله بالخيرة، يقول: « يا أبصر الناظرين ويا أسمع السامعين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين ويا أحكم الحاكمين صل على محمد وأهل بيته وخر لي في كذا وكذا ».

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

إنّما يؤثّر في الأعمال الظاهريّة والأفعال والحركات البدنيّة المادّيّة، وأمّا الاعتقاد القلبيّ فله علل وأسباب اُخرى قلبيّة من سنخ الاعتقاد والإدراك، ومن المحال أن ينتج الجهل علماً، أو تولّد المقدّمات غير العلميّة تصديقاً علميّاً، فقوله: لا إكراه في الدين، إن كان قضيّة إخباريّة حاكية عن حال التكوين أنتج حكماً دينيّاً بنفي الإكراه على الدين والاعتقاد، وإن كان حكماً انشائيّاً تشريعيّاً كما يشهد به ما عقّبه تعالى من قوله: قد تبيّن الرشد من الغيّ، كان نهياً عن الحمل على الاعتقاد والإيمان كرهاً، وهو نهي متّك على حقيقة تكوينيّة، وهي الّتي مرّ بيانها أنّ الإكراه إنّما يعمل ويؤثّر في مرحلة الأفعال البدنيّة دون الاعتقادات القلبيّة.

وقد بيّن تعالى هذا الحكم بقوله: قد تبيّن الرشد من الغيّ، وهو في مقام التعليل فإنّ الإكراه والإجبار إنّما يركن إليه الآمر الحكيم والمربّي العاقل في الاُمور المهمّة الّتي لا سبيل إلى بيان وجه الحقّ فيها لبساطة فهم المأمور وردائة ذهن المحكوم، أو لأسباب وجهات اُخرى، فيتسبّب الحاكم في حكمه بالإكراه أو الأمر بالتقليد ونحوه، وأمّا الاُمور المهمّة الّتي تبيّن وجه الخير والشرّ فيها، وقرّر وجه الجزاء الّذي يلحق فعلها وتركها فلا حاجة فيها إلى الإكراه، بل للإنسان أن يختار لنفسه ما شاء من طرفي الفعل وعاقبتي الثواب والعقاب، والدين لمّا انكشفت حقائقه واتّضح طريقه بالبيانات الإلهيّة الموضحة بالسنّة النبويّة فقد تبيّن أنّ الدين رشد والرشد في اتّباعه، والغيّ في تركه والرغبة عنه، وعلى هذا لا موجب لأن يكره أحد أحداً على الدين.

وهذه إحدى الآيات الدالّة على أنّ الإسلام لم يبتن على السيف والدم، ولم يفت بالإكراه والعنوة على خلاف ما زعمه عدّة من الباحثين من المنتحلين وغيرهم أنّ الإسلام دين السيف واستدلّوا عليه: بالجهاد الّذي هو أحد أركان هذا الدين.

وقد تقدّم الجواب عنه في ضمن البحث عن آيات القتال وذكرنا هناك أنّ القتال الّذي ندب إليه الإسلام ليس لغاية إحراز التقدّم وبسط الدين بالقوّة والإكراه، بل لإحياء الحقّ والدفاع عن أنفس متاع للفطرة وهو التوحيد، وأمّا بعد انبساط

٣٦١

التوحيد بين الناس وخضوعهم لدين النبوّة ولو بالتهوّد والتنصّر فلا نزاع لمسلم مع موحّد ولا جدال، فالإشكال ناش عن عدم التدبّر.

ويظهر ممّا تقدّم أنّ الآية أعني قوله: لاإكراه في الدين غير منسوخة بآية السيف كما ذكره بعضهم.

ومن الشواهد على أنّ الآية غير منسوخة التعليل الّذي فيها أعني قوله: قد تبيّن الرشد من الغيّ، فإنّ الناسخ ما لم ينسخ علّة الحكم لم ينسخ نفس الحكم، فإنّ الحكم باق ببقاء سببه، ومعلوم أنّ تبيّن الرشد من الغيّ في أمر الإسلام أمر غير قابل للارتفاع بمثل آية السيف، فإنّ قوله: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم مثلاً، أو قوله: وقاتلوا في سبيل الله الآية لا يؤثّران في ظهور حقّيّة الدين شيئاً حتّى ينسخا حكماً معلولاً لهذا الظهور.

وبعبارة اُخرى الآية تعلّل قوله: لا إكراه في الدين بظهور الحقّ، هو معنى لا يختلف حاله قبل نزول حكم القتال وبعد نزوله، فهو ثابت على كلّ حال، فهو غير منسوخ.

قوله تعالى: ( فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ ) الخ، الطاغوت هو الطغيان والتجاوز عن الحدّ ولا يخلو عن مبالغة في المعنى كالملكوت والجبروت، ويستعمل فيما يحصل به الطغيان كأقسام المعبودات من دون الله كالأصنام والشياطين والجنّ وأئمّة الضلال من الإنسان وكلّ متبوع لا يرضى الله سبحانه باتّباعه، ويستوى فيه المذكّر والمؤنّث والمفرد والتثنية والجمع.

وإنّما قدّم الكفر على الإيمان في قوله فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله، ليوافق الترتيب الّذي يناسبه الفعل الواقع في الجزاء أعني الاستمساك بالعروة الوثقى، لأنّ الاستمساك بشئ إنّما يكون بترك كلّ شئ والأخذ بالعروة، فهناك ترك ثمّ أخذ، فقدّم الكفر وهو ترك على الإيمان وهو أخذ ليوافق ذلك، والاستمساك هو الأخذ والإمساك بشدّة، والعروة ما يؤخذ به من الشئ كعروة الدلو وعروة الإناء، والعروة

٣٦٢

هي كلّ ماله أصل من النبات وما لا يسقط ورقه، وأصل الباب التعلّق يقال: عراه واعتريه أي تعلّق به.

والكلام أعني قوله: فقد استمسك بالعروة الوثقى، موضوع على الاستعارة للدلالة على أنّ الإيمان بالنسبة إلى السعادة بمنزلة عروة الإناء بالنسبة إلى الإناء وما فيه، فكما لا يكون الأخذ أخذاً مطمئنّاً حتّى يقبض على العروة كذلك السعادة الحقيقيّة لا يستقرّ أمرها ولا يرجى نيلها إلّا أن يؤمن الإنسان بالله ويكفر بالطاغوت.

قوله تعالى: ( لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ، الانفصام: الانفصام والانكسار، والجملة في موضع الحال من العروة تؤكّد معنى العروة الوثقى، ثمّ عقّبه بقوله: والله سميع عليم، لكون الإيمان والكفر متعلّقاً بالقلب واللسان.

قوله تعالى: ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم ) إلى آخر الآية، قد مرّ شطر من الكلام في معنى إخراجه من النور الى الظلمات، وقد بيّنّا هناك أنّ هذا الإخراج وما يشاكله من المعاني اُمور حقيقيّة غير مجازيّة خلافاً لما توهّمه كثير من المفسّرين وسائر الباحثين أنّها معان مجازيّة يراد بها الأعمال الظاهريّة من الحركات والسكنات البدنيّة، وما يترتّب عليها من الغايات الحسنة والسيّئة، فالنور مثلاً هو الاعتقاد الحقّ بما يرتفع به ظلمة الجهل وحيره الشكّ واضطراب القلب، والنور هو صالح العمل من حيث أن رشده بيّن، وأثره في السعادة جليّ، كما أنّ النور الحقيقيّ على هذه الصفات. والظلمة هو الجهل في الاعتقاد والشبهة والريبة وطالح العمل، كلّ ذلك بالاستعارة. والإخراج من الظلمة إلى النور الّذي ينسب إلى الله تعالى كالإخراج من النور إلى الظلمات الّذي ينسب إلى الطاغوت نفس هذه الاعمال والعقائد، فليس وراء هذه الاعمال والعقائد، لا فعل من الله تعالى وغيره كالإخراج مثلاً ولا أثر لفعل الله تعالى وغيره كالنور والظلمة وغيرهما، هذا ما ذكره قوم من المفسّرين والباحثين.

وذكر آخرون: أنّ الله يفعل فعلاً كالإخراج من الظلمات إلى النور وإعطاء الحياة والسعة والرحمة وما يشاكلها ويترتّب على فعله تعالى آثار كالنور والظلمة والروح والرحمة ونزول الملائكة، لا ينالها أفهامنا ولا يسعها مشاعرنا، غير أنّا نؤمن

٣٦٣

بحسب ما أخبر به الله - وهو يقول الحقّ - بأنّ هذه الاُمور موجودة وأنّها أفعال له تعالى وإن لم نحط بها خبراً، ولازم هذا القول أيضاً كالقول السابق أن يكون هذه الألفاظ أعني أمثال النور والظلمة والإخراج ونحوها مستعملة على المجاز بالاستعارة، وإنّما الفرق بين القولين أنّ مصاديق النور والظلمة ونحوهما على القول الأوّل نفس أعمالنا وعقائدنا، وعلى القول الثاني اُمور خارجة عن أعمالنا وعقائدنا لا سبيل لنا إلى فهمها، ولا طريق إلى نيلها والوقوف عليها.

والقولان جميعاً خارجان عن صراط الاستقامة كالمفرط والمفرّط، والحقّ في ذلك أنّ هذه الاُمور الّتي أخبر الله سبحانه بإيجادها وفعلها عند الطاعة والمعصية إنّما هي اُمور حقيقيّة واقعيّة من غير تجوّز غير أنّها لا تفارق أعمالنا وعقائدنا بل هي لوازمها الّتي في باطنها، وقد مرّ الكلام في ذلك، وهذا لا ينافي كون قوله تعالى: يخرجهم من الظلمات إلى النور، وقوله تعالى: يخرجونهم من النور إلى الظلمات، كنايتين عن هداية الله سبحانه وإضلال الطاغوت، لما تقدّم في بحث الكلام أنّ النزاع في مقامين: أحدهما كون النور والظلمة وما شابههما ذا حقيقة في هذه النشأة أو مجرّد تشبيه لا حقيقة له. وثانيهما: أنّه على تقدير تسليم أنّ لها حقائق وواقعيّات هل استعمال اللفظ كالنور مثلاً في الحقيقة الّتي هي حقيقة الهداية حقيقة أو مجاز؟ وعلى أيّ حال فالجملتان أعني: قوله تعالى: يخرجهم من الظلمات إلى النور، وقوله تعالى: يخرجونهم من النور إلى الظلمات كنايتان عن الهداية والاضلال، وإلّا لزم أن يكون لكلّ من المؤمن والكافر نور وظلمة معاً، فإنّ لازم إخراج المؤمن من الظلمة إلى النور أن يكون قبل الإيمان في ظلمة وبالعكس في الكافر، فعامّة المؤمنين والكفّار - وهم الّذين عاشوا مؤمنين فقط أو عاشوا كفّاراً فقط - إذا بلغوا مقام التكليف فإن آمنوا خرجوا من الظلمات إلى النور، وإن كفروا خرجوا من النور إلى الظلمات، فهم قبل ذلك في نور وظلمة معاً وهذا كما ترى.

لكن يمكن أن يقال: إنّ الإنسان بحسب خلقته على نورالفطرة، هو نور إجماليّ يقبل التفصيل، وأمّا بالنسبة إلى المعارف الحقّة والأعمال الصالحة تفصيلاً

٣٦٤

فهو في ظلمة بعد لعدم تبيّن أمره، والنور والظلمة بهذا المعنى لا يتنافيان ولا يمتنع اجتماعهما، والمؤمن بإيمانه يخرج من هذه الظلمة إلى نور المعارف والطاعات تفصيلاً، والكافر بكفره يخرج من نور الفطرة إلى ظلمات الكفر والمعاصي التفصيليّة، والإتيان بالنور مفرداً وبالظلمات جمعاً في قوله تعالى: يخرجهم من الظلمات إلى النور، وقوله تعالى: يخرجونهم من النور إلى الظلمات، للإشارة إلى أنّ الحقّ واحد لا اختلاف فيه كما أنّ الباطل متشتّت مختلف لا وحدة فيه، قال تعالى:( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ ) الأنعام - ١٥٣.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور أخرج أبوداود والنسائيّ وابن المنذر وابن أبي حاتم والنّحاس في ناسخه وابن منده في غرائب شعبه وابن حبّان وابن مردويه والبيهقيّ في سننه والضياء في المختارة عن ابن عبّاس قال: كانت المرأة من الأنصار تكون مقلاة لا يكاد يعيش لها ولد، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوّده، فلمّا أجليت بنوا النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا: لا ندع أبنائنا فأنزل الله لا إكراه في الدين.

اقول: وروي أيضاً هذا المعنى بطرق اُخرى عن سعيد بن جبير وعن الشعبيّ.

وفيه: أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال: كانت النضير أرضعت رجالاً من الأوس، فلمّا أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإجلائهم، قال أبنائهم من الأوس: لنذهبنّ معهم ولنديننّ دينهم، فمنعهم أهلوهم وأكرهوهم على الإسلام، ففيهم نزلت هذه الآية لا إكراه في الدين.

اقول: وهذا المعنى أيضاً مرويّ بغير هذا الطريق، وهو لا ينافي ما تقدّم من نذر النساء اللّاتي ما كان يعيش أولادها أن يهوّدنهم.

وفيه أيضاً: أخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عبّاس: في قوله: لا إكراه في الدين قال: نزلت في رجل من الأنصارمن بني سالم بن عوف يقال له: الحصين كان له

٣٦٥

ابنان نصرانيّان، وكان هو رجلاً مسلماً فقال للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألا أستكرههما فإنّهما قد أبيا إلّا النصرانيّة؟ فأنزل الله فيه ذلك.

وفي الكافي عن الصادقعليه‌السلام : قال: النور آل محمّد و الظلمات أعداؤهم.

اقول: وهو من قبيل الجري أو من باب الباطن أو التأويل.

٣٦٦

( سورة البقرة آية ٢٥٨ - ٢٦٠)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( ٢٥٨ ) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( ٢٥٩ ) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( ٢٦٠ )

( بيان)

الآيات مشتملة على معنى التوحيد ولذلك كانت غير خالية عن الارتباط بما قبلها من الآيات فمن المحتمل أن تكون نازلة معها.

قوله تعالى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ ) ، المحاجّة إلقاء الحجّة قبال الحجّة لإثبات المدّعي أو لإبطال ما يقابله، وأصل الحجّة هو القصد، غلب استعماله فيما يقصد به إثبات دعوى من الدعاوي، وقوله: في ربّه متعلّق بحاجّ، والضمير لإبراهيم كما يشعر به قوله تعالى فيما بعد: قال إبراهيم ربّي الّذي يحيى ويميت، وهذا الّذي حاج إبراهيمعليه‌السلام في ربّه هو الملك الّذي كان يعاصره وهو نمرود من ملوك

٣٦٧

بابل على ما يذكره التاريخ والرواية.

وبالتأمّل في سياق الآية، والّذي جرى عليه الأمر عند الناس ولا يزال يجري عليه يعلم معنى هذه المحاجّة الّتي ذكرها الله تعالى في هذه الآية، والموضوع الّذي وقعت فيه محاجّتهما.

بيان ذلك: أنّ الإنسان لا يزال خاضعاً بحسب الفطرة للقوى المستعلية عليه، المؤثّرة فيه، وهذا ممّا لا يرتاب فيه الباحث عن أطوار الاُمم الخالية المتأمّل في حال الموجودين من الطوائف المختلفة، وقد بيّنا ذلك فيما مرّ من المباحث. وهو بفطرته يثبت للعالم صانعاً مؤثّراً فيه بحسب التكوين والتدبير، وقد مرّ أيضاً بيانه، وهذا أمر لا يختلف في القضاء عليه حال الإنسان سواء قال بالتوحيد كما يبتني عليه دين الأنبياء وتعتمد عليه دعوتهم أو ذهب إلى تعدّد الآلهة كما عليه الوثنيّون أو نفي الصانع كما عليه الدهريّون والمادّيّون، فإنّ الفطرة لا تقبل البطلان ما دام الإنسان إنساناً وإن قبلت الغفلة والذهول.

لكن الإنسان الأولىّ الساذج لمّا كان يقيس الأشياء إلى نفسه، وكان يرى من نفسه أنّ أفعاله المختلفة تستند إلى قواه وأعضائه المختلفة، وكذا الأفعال المختلفة الإجتماعيّة تستند إلى أشخاص مختلفة في الاجتماع، وكذا الحوادث المختلفة إلى علل قريبة مختلفة وإن كانت جميع الأزمّة تجتمع عند الصانع الّذي يستند إليه مجموع عالم الوجود لا جرم أثبت لأنواع الحوادث المختلفة أرباباً مختلفة دون الله سبحانه فتارة كان يثبت ذلك باسم أرباب الأنواع كربّ الأرض وربّ البحار وربّ النار وربّ الهواء والأرياح وغير ذلك، وتارة كان يثبته باسم الكواكب وخاصّة السيّارات الّتي كان يثبت لها على اختلافها تأثيرات مختلفة في عالم العناصر والمواليد كما نقل عن الصابئين ثمّ كان يعمل صوراً وتماثيل لتلك الأرباب فيعبدها لتكون وسيلة الشفاعة عند صاحب الصنم ويكون صاحب الصنم شفيعاً له عند الله العظيم سبحانه، ينال بذلك سعادة الحياة والممات.

ولذلك كانت الأصنام مختلفة بحسب اختلاف الاُمم والأجيال لأنّ الآراء كانت

٣٦٨

مختلفة في تشخيص الأنواع المختلفة وتخيّل صور أرباب الانواع المحكيّة بأصنامها، وربّما لحقت بذلك أميال وتهوّسات اُخرى. وربّما انجرّ الأمر تدريجاً إلى التشبّث بالأصنام ونسيان أربابها حتّى ربّ الأرباب لأنّ الحسّ والخيال كان يزيّن ما ناله لهم، وكان يذكرها وينسى ما وراها، فكان يوجب ذلك غلبة جانبها على جانب الله سبحانه، كلّ ذلك إنّما كان منهم لأنّهم كانوا يرون لهذه الأرباب تأثيراً في شؤن حياتهم بحيث تغلب إرادتها إرادتهم، وتستعلي تدبيرها على تدبيرهم.

وربّما كان يستفيد بعض اُولي القوّة والسطوة والسلطة من جبابرة الملوك من اعتقادهم ذلك ونفوذ أمره في شؤون حياتهم المختلفة، فيطمع في المقام ويدّعي الاُلوهيّة كما ينقل عن فرعون ونمرود وغيرهما، فيسلك نفسه في سلك الأرباب وإن كان هو نفسه يعبد الأصنام كعبادتهم، وهذا وإن كان في بادء الأمر على هذه الوتيرة لكن ظهور تأثيره ونفوذ أمره عند الحسّ كان يوجب تقدّمه عند عبّاده على سائر الأرباب وغلبة جانبه على جانبها، وقد تقدّمت الإشارة إليه آنفاً كما يحكيه الله تعالى من قول فرعون لقومه:( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ ) النازعات - ٢٤، فقد كان يدّعي أنّه أعلى الأرباب مع كونه ممّن يتّخذ الأرباب كما قال تعالى:( وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ) الأعراف - ١٢٧، وكذلك كان يدّعي نمرود على ما يستفاد من قوله: أنا اُحيي واُميت، في هذه الآية على ما سنبيّن.

وينكشف بهذا البيان معنى هذه المحاجّة الواقعة بين إبراهيمعليه‌السلام ونمرود، فإنّ نمرود كان يرى لله سبحانه اُلوهيّة، ولو لا ذلك لم يسلم لإبراهيمعليه‌السلام قوله: إنّ الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، ولم يبهت عند ذلك بل يمكنه أن يقول: أنا آتي بها من المشرق دون من زعمت أو أنّ بعض الآلهة الاُخرى يأتي بها من المشرق، وكان يرى أنّ هناك آلهة اُخرى دون الله سبحانه، وكذلك قومه كانوا يرون ذلك كما يدلّ عليه عامّة قصص إبراهيمعليه‌السلام كقصّة الكوكب والقمر والشمس وما كلّم به أباه في أمر الأصنام وما خاطب به قومه وجعله الأصنام جذاذاً إلّا كبيراً لهم وغير ذلك، فقد كان يرى لله تعالى اُلوهيّة، وأنّ معه آلهة اُخرى لكنّه

٣٦٩

كان يرى لنفسه اُلوهيّة، وأنّه أعلى الآلهة، ولذلك استدلّ على ربوبيّته عند ما حاجّ إبراهيمعليه‌السلام في ربّه، ولم يذكر من أمر الآلهة الاُخرى شيئاً.

ومن هنا يستنتج أنّ المحاجّة الّتي وقعت بينه وبين إبراهيمعليه‌السلام هي: أنّ إبراهيمعليه‌السلام كان يدّعي أنّ ربّه الله لا غير ونمرود كان يدّعي أنّه ربّ إبراهيم وغيره ولذلك لمّا احتجّ إبراهيمعليه‌السلام على دعواه بقوله: ربّي الّذي يحيي ويميت، قال: أنا اُحيي واُميت، فادّعى أنّه متّصف بما وصف به إبراهيم ربّه فهو ربّه الّذي يجب عليه أن يخضع له ويشتغل بعبادته دون الله سبحانه ودون الأصنام، ولم يقل: وأنا اُحيي واُميت لأنّ لازم العطف أن يشارك الله في ربوبيّته ولم يكن مطلوبه ذلك بل كان مطلوبه التعيّن بالتفوّق كما عرفت، ولم يقل أيضاً: والآلهة تحيي وتميت.

ولم يعارض إبراهيمعليه‌السلام بالحقّ، بل بالتمويه والمغالطة وتلبيس الأمر على من حضر، فإنّ إبراهيمعليه‌السلام إنّما أراد بقوله: ربّي الّذي يحيي ويميت، الحياة والموت المشهودين في هذه الموجودات الحيّة الشاعرة المريدة فإنّ هذه الحياة المجهولة الكنه لا يستطيع أن يوجدها إلّا من هو واجد لها فلا يمكن أن يعلّل بالطبيعة الجامدة الفاقدة لها، ولا بشئ من هذه الموجودات الحيّة، فإنّ حياتها هي وجودها، وموتها عدمها، والشئ لا يقوى لا على إيجاد نفسه ولا على إعدام نفسه، ولو كان نمرود أخذ هذا الكلام بالمعنى الّذي له لم يمكنه معارضته بشئ لكنّه غالط فأخذ الحياة والموت بمعناهما المجازيّ أو الأعمّ من معناهما الحقيقيّ والمجازيّ فإنّ الإحياء كما يقال على جعل الحياة في شئ كالجنين إذا نفخت فيه الحياة كذلك يقال: على تلخيص إنسان من ورطة الهلاك، وكذا الإماتة تطلق على التوفّي وهو فعل الله وعلى مثل القتل بآلة قتّالة، وعند ذلك أمر بإحضار رجلين من السجن فأمر بقتل أحدهما وإطلاق الآخر فقتل هذا وأطلق ذاك فقال: أنا اُحيي واُميت، ولبّس الأمر على الحاضرين فصدّقوه فيه، ولم يستطع لذلك إبراهيمعليه‌السلام أن يبيّن له وجه المغالطة، وأنّه لم يرد بالإحياء والإماتة هذا المعنى المجازيّ، وأنّ الحجّة لا تعارض الحجّة، ولو كان في وسعهعليه‌السلام ذلك لبيّنه، ولم يكن ذلك إلّا لأنّه شاهد حال نمرود في تمويهه، وحال الحضّار في

٣٧٠

تصديقهم لقوله الباطل على العمياء، فوجد أنّه لو بيّن وجه المغالطة لم يصدّقه أحد، فعدل إلى حجّة اُخرى لا يدع المكابر أن يعارضه بشئ فقال إبراهيمعليه‌السلام : إنّ الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، وذلك أنّ الشمس وإن كانت من جملة الآلهة عندهم أو عند بعضهم كما يظهر من ما يرجع إلى الكوكب والقمر من قصّتهعليه‌السلام لكنّها وما يلحق وجودها من الأفعال كالطلوع والغروب ممّا يستند بالأخرة إلى الله الّذي كانوا يرونه ربّ الأرباب، والفاعل الإراديّ إذا اختار فعلاً بالإرادة كان له أن يختار خلافه كما اختار نفسه فإنّ الأمر يدور مدار الإرادة، وبالجملة لمّا قال إبراهيم ذلك بهت نمرود، إذ ما كان يسعه أن يقول: إنّ هذا الأمر المستمرّ الجاري على وتيرة واحدة وهو طلوعها من المشرق دائماً امر اتّفاقيّ لا يحتاج إلى سبب، ولا كان يسعه أن يقول: إنّه فعل مستند إليها غير مستند إلى الله فقد كان يسلّم خلاف ذلك، ولا كان يسعه أن يقول: إنّي أنا الّذي آتيها من المشرق وإلّا طولب بإتيانها من المغرب، فألقمه الله حجراً وبهته، والله لا يهدي القوم الظالمين.

قوله تعالى: ( أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ) ، ظاهر السياق: أنّه من قبيل قول القائل: أساء إلىّ فلان لأنّي أحسنت إليه يريد: أنّ إحساني إليه كان يستدعي أن يحسن إلىّ لكنّه بدّل الإحسان من الاسائه فأساء إلى، وقولهم: واتّق شرّ من أحسنت إليه، قال الشاعر:

جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر

وحسن فعل كما يجزى سنمّار

فالجملة أعني قوله: أن آتاه الله الملك بتقدير لام التعليل وهي من قبيل وضع الشئ موضع ضدّه للشكوى والاستعداء ونحوه، فإنّ عدوان نمرود وطغيانه في هذه المحاجّة كان ينبغي أن يعلّل بضدّ إنعام الله عليه بالملك، لكن لمّا لم يتحقّق من الله في حقّه إلّا الإحسان إليه وايتاؤه الملك فوضع في موضع العلّة فدلّ على كفرانه لنعمة الله فهو بوجه كقوله تعالى:( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ) القصص - ٨، فهذه نكتة في ذكر إيتائه الملك.

وهناك نكته اُخرى وهي: الدلالة على ردائة دعواه من رأس، وذلك أنّه إنّما

٣٧١

كان يدّعي هذه الدعوى لملك آتاه الله تعالى من غير أن يملكه لنفسه، فهو إنّما كان نمرود الملك ذا السلطة والسطوة بنعمة من ربّه، وأمّا هو في نفسه فلم يكن إلّا واحداً من سواد الناس لا يعرف له وصف، ولا يشار إليه بنعت، ولهذا لم يذكر اسمه وعبّر عنه بقوله: الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه، دلالة على حقارة شخصه وخسّة أمره.

وأمّا نسبة ملكه إلى إيتاء الله تعالى فقد مرّ في المباحث السابقة: أنّه لا محذور فيه، فإنّ الملك وهو نوع سلطنة منبسطة على الاُمّة كسائر أنواع السلطنة والقدرة نعمة من الله وفضل يؤتيه من يشاء، وقد أودع في فطرة الإنسان معرفته، والرغبة فيه، فإن وضعه في موضعه كان نعمة وسعادة، قال تعالى:( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ) القصص - ٧٧، وإن عدا طوره وانحرف به عن الصراط كان في حقّه نقمة وبواراً، قال تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ) إبراهيم - ٢٨، وقد مرّ بيان أنّ لكلّ شئ نسبة إليه تعالى على ما يليق بساحة قدسه تعالى وتقدّس من جهة الحسن الّذي فيه دون جهة القبح والمسائة.

ومن هنا يظهر سقوط ما ذكره بعض المفسّرين: أنّ الضمير في قوله أن آتيه الله الملك، يعود إلى إبراهيمعليه‌السلام ، والمراد بالملك ملك إبراهيم كما قال تعالى:( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا ) النساء - ٥٤، لا ملك نمرود لكونه ملك جور ومعصية لا يجوز نسبته إلى الله سبحانه.

ففيهأوّلا: أنّ القرآن ينسب هذا الملك وما في معناه كثيراً إليه تعالى كقوله حكاية عن مؤمن آل فرعون:( يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ ) المؤمن - ٢٩، وقوله تعالى حكاية عن فرعون - وقد أمضاه بالحكاية -:( يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ) الزخرف - ٥١، وقد قال تعالى:( لَهُ الْمُلْكُ ) التغابن - ١، فقصر كلّ الملك لنفسه فما من ملك إلّا وهو منه تعالى، وقال تعالى حكايه عن موسىعليه‌السلام :( رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً ) يونس - ٨٨، وقال تعالى في قارون:( وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ) القصص - ٧٦، وقال تعالى خطاباً لنبيّه:

٣٧٢

( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا - إلى أن قال -وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ) المدّثّر - ١٥، إلى غير ذلك.

وثانياً: أنّ ذلك لا يلائم ظاهر الآية فإنّ ظاهرها أنّ نمرود كان ينازع إبراهيم في توحيده وإيمانه لا أنّه كان ينازعه ويحاجّه في ملكه، فإنّ ملك الظاهر كان لنمرود، وما كان يرى لإبراهيم ملكاً حتّى يشاجره فيه.

وثالثاً: أنّ لكلّ شئ نسبة إلى الله سبحانه والملك من جملة الأشياء ولا محذور في نسبته إليه تعالى وقد مرّ تفصيل بيانه.

قوله تعالى: ( قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) ، الحياة والموت وإن كانا يوجدان في غير جنس الحيوان أيضاً كالنبات، وقد صدّقه القرآن كما مرّ بيانه في تفسير آية الكرسيّ، لكن مرادهعليه‌السلام منهما إمّا خصوص الحياة والممّات الحيوانيّين أو الأعمّ الشامل له لإطلاق اللفظ، والدليل على ذلك قول نمرود: أنا اُحيي واُميت، فإنّ هذا الّذي ادّعاه لنفسه لم يكن من قبيل إحياء النبات بالحرث والغرس مثلاً، ولا إحياء الحيوان بالسفاد والتوليد مثلاً، فإنّ ذلك وأشباهه كان لا يختصّ به بل يوجد في غيره من أفراد الإنسان، وهذا يؤيّد ما وردت به الروايات: أنّه أمر بإحضار رجلين ممّن كان في سجنه فأطلق أحدهما وقتل الآخر، وقال عند ذلك: أنا اُحيي واُميت.

وإنّما أخذعليه‌السلام في حجّته الإحياء والإماتة لأنّهما أمران ليس للطبيعة الفاقدة للحياة فيهما صنع، وخاصّة الّتي في الحيوان حيث تستتبع الشعور والإرادة وهما أمران غير مادّيّين قطعاً، وكذا الموت المقابل لها، والحجّة على ما فيها من السطوع والوضوح لم تنجح في حقّهم، لأنّ انحطاطهم في الفكر وخبطهم في التعقّل كان فوق ما كان يظنّهعليه‌السلام في حقّهم، فلم يفهموا من الإحياء والإماتة إلّا المعنى المجازيّ الشامل لمثل الإطلاق والقتل، فقال نمرود: أنا اُحيي واُميت وصدّقه من حضره، ومن سياق هذه المحاجّة يمكن أن يحدس المتأمّل ما بلغ إليه الانحطاط الفكريّ يؤمئذ في المعارف والمعنويّات، ولا ينافي ذلك الارتقاء الحضاريّ والتقدّم

٣٧٣

المدنيّ الّذي يدلّ عليه الآثار والرسوم الباقية من بابل كلدة ومصر الفراعنة وغيرهما، فإنّ المدنيّة المادّيّة أمر والتقدّم في معنويّات المعارف أمر آخر، وفي ارتقاء الدنيا الحاضرة في مدنيّتها وانحطاطها في الأخلاق والمعارف المعنويّة ما تسقط به هذه الشبهة.

ومن هنا يظهر: وجه عدم أخذهعليه‌السلام في حجّته مسألة احتياج العالم بأسره إلى الصانع الفاطر للسماوات والأرض كما أخذ به في استبصار نفسه في بادي أمره على ما يحكيه الله عنه بقوله:( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) الأنعام - ٧٩، فإنّ القوم على اعترافهم بذلك بفطرتهم إجمالاً كانوا أنزل سطحاً من أن يعقلوه على ما ينبغي أن يعقل عليه بحيث ينجح احتجاجه ويتّضح مرادهعليه‌السلام ، وناهيك في ذلك ما فهموه من قوله: ربّي الّذي يحيي ويميت.

قوله تعالى: ( قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ) ، أي فأنا ربّك الّذي وصفته بأنّه يحيي ويميت.

قوله تعالى: ( قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ) ، لمّا أيسعليه‌السلام من مضيّ احتجاجه بأنّ ربّه الّذي يحيي ويميت، لسوء فهم الخصم وتمويهه وتلبيسه الأمر على من حضر عندهما عدل عن بيان ما هو مراده من الإحياء والإماتة إلى حجّة اُخرى، إلّا أنّه بنى هذه الحجّة الثانية على دعوى الخصم في الحجّة الاُولى كما يدلّ عليه التفريع بالفاء في قوله: فإنّ الله الخ، والمعنى: إن كان الأمر كما تقول: إنّك ربّي ومن شأن الربّ أن يتصرّف في تدبير أمر هذا النظام الكونيّ فالله سبحانه يتصرّف في الشمس بإتيانها من المشرق فتصرّف أنت بإتيانها من المغرب حتّى يتّضح إنّك ربّ كما أنّ الله ربّ كلّ شئ أو أنّك الربّ فوق الأرباب فبهت الّذي كفر، وإنّما فرّع الحجّة على ما تقدّمها لئلّا يظنّ أنّ الحجّة الأولى تمّت لنمرود وأنتجت ما ادّعاه، ولذلك أيضاً قال، فإنّ الله ولم

٣٧٤

يقل: فإنّ ربّي لأنّ الخصم استفاد من قوله: ربّي سوءاً وطبّقه على نفسه بالمغالطة فأتىعليه‌السلام ثانياً بلفظة الجلالة ليكون مصوناً عن مثل التطبيق السابق! قد مرّ بيان أنّ نمرود ما كان يسعه أن يتفوّه في مقابل هذه الحجّة بشئ دون أن يبهت فيسكت.

قوله تعالى: ( وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ، ظاهر السياق أنّه تعليل لقوله فبهت الّذي كفر فبهته هو عدم هداية الله سبحانه إيّاه لا كفره، وبعبارة اُخرى معناه أنّ الله لم يهده فبهت لذلك ولو هداه لغلب على إبراهيم في الحجّة لا أنّه لم يهده فكفر لذلك وذلك لأنّ العناية في المقام متوجّهة إلى محاجّته إبراهيمعليه‌السلام لا إلى كفره وهو ظاهر.

ومن هنا يظهر: أنّ في الوصف إشعاراً بالعلّيّة أعني: أنّ السبب لعدم هداية الله الظالمين هو ظلمهم كما هو كذلك في سائر موارد هذه الجملة من كلامه تعالى كقوله:( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) الصفّ - ٧، وقوله:( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) الجمعة - ٥، ونظير الظلم الفسق في قوله تعالى:( فلمّا زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ) الصفّ - ٥.

وبالجملة الظلم وهو الانحراف عن صراط العدل والعدول عمّا ينبغي من العمل إلى غير ما ينبغى موجب لعدم الاهتداء إلى الغاية المقصودة، ومؤدّ إلى الخيبة والخسران بالأخرة، وهذه من الحقائق الناصعة الّتي ذكرها القرآن الشريف وأكّد القول فيها في آيات كثيرة.

٣٧٥

( كلام في الاحسان وهدايته والظلم واضلاله)

هذه حقيقة ثابتة بيّنها القرآن الكريم كما ذكرناه آنفاً، وهي كلّيّة لاتقبل الاستثناء وقد ذكرها بألسنة مختلفة وبنى عليها حقائق كثيرة من معارفه، قال تعالى:( الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ) طه - ٥٠، دلّ على أنّ كلّ شئ بعد تمام خلقه يهتدي بهداية من الله سبحانه إلى مقاصد وجوده وكمالات ذاته، وليس ذلك إلّا بارتباطه مع غيره من الأشياء واستفادته منها بالفعل والانفعال بالاجتماع والافتراق والاتّصال والانفصال والقرب والبعد والأخذ والترك ونحو ذلك، ومن المعلوم أنّ الاُمور التكوينيّة لا تغلط في آثارها، والقصود الواقعيّة لاتخطي ولا تخبط في تشخيص غاياتها ومقاصدها، فالنار في مسّها الحطب مثلاً وهي حارّة لا تريد تبريده، والنامي كالنبات مثلاً وهو نام لا يقصد إلّا عظم الحجم دون صغره وهكذا، وقد قال تعالى:( إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) هود - ٥٦، فلا تخلّف ولا اختلاف في الوجود.

ولازم هاتين المقدّمتين أعني عموم الهداية وانتفاء الخطّأ في التكوين أن يكون لكلّ شئ روابط حقيقيّة مع غيره، وأن يكون بين كلّ شئ وبين الآثار والغايات الّتي يقصد لها طريق أو طرق مخصوصة هي المسلوكة للبلوغ إلى غايته والأثر المخصوص المقصود منه، وكذلك الغايات والمقاصد الوجوديّة إنّما تنال إذا سلك إليها من الطرق الخاصّة بها والسبل الموصلة إليها، فالبذرة إنّما تنبت الشجرة الّتي في قوّتها إنباتها مع سلوك الطريق المؤدّي إليها بأسبابها وشرائطها الخاصّة، وكذلك الشجرة إنّما تثمر الثمرة الّتي من شأنها إثمارها، فما كلّ سبب يؤدّي إلى كلّ مسبّب، قال تعالى:( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ) الأعراف - ٥٨، والعقل والحسّ يشهدان بذلك وإلّا اختلّ قانون العلّيّة العامّ.

وإذا كان كذلك فالصنع والإيجاد يهدي كلّ شئ إلى غاية خاصّة، ولايهديه إلى غيرها، ويهدي إلى كلّ غاية من طريق خاصّ لا يهدي إليها من غيره، صنع الله الّتي

٣٧٦

أتقن كلّ شئ، فكلّ سلسلة من هذه السلاسل الوجوديّة الموصلة إلى غاية وأثر إذا فرضنا تبدّل حلقة من حلقاتها أوجب ذلك تبدّل أثرها لا محالة، هذا في الاُمور التكوينيّة.

والاُمور غير التكوينيّة من الاعتبارات الإجتماعيّة وغيرها على هذا الوصف أيضاً من حيث إنّها نتائج الفطرة المتّكئة على التكوين، فالشؤن الإجتماعيّة والمقامات الّتي فيه والأفعال الّتي تصدر عنها كلّ منها مرتبط بآثار وغايات لا تتولّد منه إلّا تلك الآثار والغايات ولاتتولّد هي إلّا منه فالتربية الصالحة لاتتحقّق إلّا من مربّ صالح والمربّي الفاسد لا يترتّب على تربيته، إلّا الأثر الفاسد (ذاك الفساد المكمون في نفسه) وإن تظاهر بالصلاح ولازم الطريق المستقيم في تربيته، وضرب على الفساد المطويّ في نفسه بمأة ستر واحتجب دونه بألف حجاب، وكذلك الحاكم المتغلّب في حكومته، والقاضي الواثب على مسند القضاء بغير لياقة في قضائه، وكلّ من تقلّد منصباً اجتماعيّاً من غير طريقه المشروع، وكذلك كلّ فعل باطل بوجه من وجوه البطلان إذا تشبّه بالحقّ وحلّ بذلك محلّ الفعل الحقّ، والقول الباطل إذا وضع موضع القول الحقّ كالخيانة موضع الأمانة والإسائة موضع الإحسان والمكر موضع النصح والكذب موضع الصدق فكلّ ذلك سيظهر أثرها ويقطع دابرها وإن اشتبه أمرها أيّاماً، وتلبّس بلباس الصدق والحقّ أحياناً، سنّة الله الّتي جرت في خلقه ولن تجد لسنّة الله تحويلاً ولن تجد لسنّة الله تبديلاً.

فالحقّ لا يموت ولا يتزلزل أثره، وإن خفي على إدراك المدركين اُويقات، والباطل لا يثبت ولا يبقى أثره، وإن كان ربّما اشتبه أمره ووباله، قال تعالى:( لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ ) الأنفال - ٨، من تحقيق الحقّ تثبيت أثره، ومن إبطال الباطل ظهور فساده وانتزاع ما تلبّس به من لباس الحقّ بالتشبّه والتمويه، وقال تعالى:( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ

٣٧٧

الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) إبراهيم - ٢٧، وقد أطلق الظالمين فالله يضلّهم في شأنهم، ولا شأن لهم إلّا أنّهم يريدون آثار الحقّ من غير طريقها أعني: من طريق الباطل كما قال تعالى - حكاية عن يوسف - الصدّيق:( قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) يوسف - ٢٣، فالظالم لا يفلح في ظلمه، ولا أنّ ظلمه يهديه إلى ما يهتدي إليه المحسن بإحسانه والمتّقي بتقواه، قال تعالى:( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) العنكبوت - ٦٩، وقال تعالى:( وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ ) طه - ١٣٢.

والآيات القرآنيّة في هذه المعاني كثيرة على اختلافها في مضامينها المتفرّقة، ومن أجمعها وأتمها بياناً فيه قوله تعالى:( أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْض كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ) الرعد - ١٧.

وقد مرّت الإشارة إلى أنّ العقل يؤيّده، فإنّ ذلك لازم كلّيّة قانون العلّيّة والمعلوليّة الجارية بين أجزاء العالم، وأنّ التجربة القطعيّة الحاصلة من تكرّر الحسّ تشهد به، فما منّا من أحد إلّا وفي ذكره أخبار محفوظة من عاقبة أمر الظالمين وانقطاع دابرهم.

قوله تعالى: ( وْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا ) ، الخاوية هي الخالية يقال: خوت الدار تخوي خوائاً إذا خلت، والعروش جمع العرش وهو ما يعمل مثل السقف للكرم قائماً على أعمدة، قال تعالى:( جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ ) الأنعام - ١٤٢، ومن هنا أطلق على سقف البيت العرش، لكنّ بينهما فرقاً، فإنّ السقف هو ما يقوم من السطح على الجدران والعرش وهو السقف مع الأركان الّتي يعتمد عليها كهيئة عرش الكرم، ولذا صحّ أن يقال في الديار أنّها خالية على عروشها ولا يصحّ أن يقال: خالية على سقفها.

وقد ذكر المفسّرون وجوها في توجيه العطف في قوله تعالى: أو كالّذي، فقيل:

٣٧٨

إنّه عطف على قوله في الآية السابقة: الّذي حاجّ إبراهيم، والكاف اسميّة، والمعنى أو هل رأيت مثل الّذي مرّ على قرية الخ، وقد جيئ بهذا الكاف للتنبيه على تعدّد الشواهد، وقيل: بل الكاف زائدة، والمعنى: ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم أو الّذي مرّ على قرية الخ، وقيل: إنّه عطف محمول على المعنى، والمعنى: ألم تر كالّذي حاجّ إبراهيم أو كالّذي مرّ على قرية، وقيل: إنّه من كلام إبراهيم جواباً عن دعوى الخصم أنّه يحيي ويميت، والتقدير: وإن كنت تحيى فأحيى كإحياء الّذي مرّ على قرية الخ فهذه وجوه ذكروه في الآية لتوجيه العطف لكنّ الجميع كما ترى.

وأظنّ - والله أعلم - أنّ العطف على المعنى كما مرّ في الوجه الثالث إلّا أنّ التقدير غير التقدير، توضيحه: أنّ الله سبحانه لمّا ذكر قوله: الله وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والّذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات، تحصّل من ذلك: أنّه يهدي المؤمنين إلى الحقّ ولا يهدي الكافر في كفره بل يضلّه أولياؤه الّذين اتّخذهم من دون الله أولياء، ثمّ ذكر لذلك شواهد ثلاث يبيّن بها أقسام هدايته تعالى، وهي مراتب ثلاث مترتّبة:

أوليها: الهداية إلى الحقّ بالبرهان والاستدلال كما في قصّة الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه، حيث هدى إبراهيم إلى حقّ القول، ولم يهد الّذي حاجّه بل أبهته وأضلّه كفره، وإنّما لم يصرّح بهداية إبراهيم بل وضع عمدة الكلام في أمر خصمه ليدلّ على فائدة جديدة يدلّ عليها قوله: والله لا يهدي القوم الظالمين.

والثانية: الهداية إلى الحقّ بالإرائة والإشهاد كما في قصّة الّذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها فإنّه بيّن له ما أشكل عليه من أمر الإحياء بإماتته وإحيائه وسائر ما ذكره في الآية، كلّ ذلك بالإرائة والإشهاد.

الثالثة: الهداية إلى الحقّ وبيان الواقعة بإشهاد الحقيقة والعلّة الّتي تترشّح منه الحادثة، وبعبارة اُخرى بإرائة السبب والمسبّب معاً، وهذا أقوى مراتب الهداية والبيان وأعلاها وأسناها كما أنّ من كان لم ير الجبن مثلاً وارتاب في أمره تزاح شبهته تارةً بالاستشهاد بمن شاهده وأكل منه وذاق طعمه، وتارةً بإرائته قطعة من الجبن

٣٧٩

وإذاقته طعمه وتارة بإحضار الحليب وعصارة الإنفحه وخلط مقدار منها به حتّى يجمد ثمّ إذاقته شيئاً منه وهي أنفى المراتب للشبهة.

إذا عرفت ما ذكرناه علمت أنّ المقام في الآيات الثلاث - وهو مقام الاستشهاد - يصحّ فيه جميع السياقات الثلاث في إلقاء المراد إلى المخاطب بأن يقال: إنّ الله يهدي المؤمنين إلى الحقّ: ألم تر إلى قصّة إبراهيم ونمرود، أو لم تر إلى قصّة الّذي مرّ على قرية، أو لم تر إلى قصّة إبراهيم والطير، أو يقال: إنّ الله يهدي المؤمنين إلى الحقّ: إمّا كما هدى إبراهيم في قصّة المحاجّة وهي نوع من الهداية، أو كالّذي مرّ على قرية وهي نوع آخر، أو كما في قصّة إبراهيم والطير وهي نوع آخر، أو يقال: إنّ الله يهدي المؤمنين إلى الحقّ واُذكّرك ما يشهد بذلك فاذكر قصّة المحاجّة، واذكر الّذي مرّ على قرية، واذكر إذ قال إبراهيم ربّ أرني.

فهذا ما يقبله الآيات الثلاث من السياق بحسب المقام، غير أنّ الله سبحانه أخذ بالتفنّن في البيان وخصّ كلّ واحدة من الآيات الثلاث بواحد من السياقات الثلث تنشيطاً لذهن المخاطب واستيفائاً لجميع الفوائد السياقيّة الممكنة الاستيفاء.

ومن هنا يظهر: أنّ قوله تعالى: أو كالّذي، معطوف على مقدّر يدلّ عليه الآية السابقة، والتقدير: إمّا كالّذي حاجّ إبراهيم أو كالّذي مرّ على قرية، ويظهر أيضاً أنّ قوله في الآية التالية: واذ قال إبراهيم، معطوف على مقدّر مدلول عليه بالآية السابقة والتقدير: اذكر قصّة المحاجّة وقصّة الّذي مرّ على قرية، واذكر إذ قال إبراهيم ربّ أرني الخ.

وقد أبهم الله سبحانه اسم هذا الّذي مرّ على قرية واسم القرية والقوم الّذين كانوا يسكنونها، والقوم الّذين بعث هذا المارّ آية لهم كما يدلّ عليه قوله ولنجعلك آية للناس، مع أنّ الأنسب في مقام الاستشهاد الإشارة إلى أسمائهم ليكون أنفى للشبهة.

لكنّ الآية وهي الإحياء بعد الموت وكذا أمر الهداية بهذا النحو من الصنع لمّا

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481