مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق12%

مكارم الأخلاق مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: مکتبة الأخلاق والدعاء
الصفحات: 481

مكارم الأخلاق
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 207770 / تحميل: 11482
الحجم الحجم الحجم
مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الفصل الثالث : الإمام الصادق في ظل جدّه وأبيهعليهم‌السلام

ملامح عصر الإمام زين العابدين ومواقفه

لقد واجه الإمام زين العابدينعليه‌السلام بعد استشهاد أبيه الحسينعليه‌السلام ما يلي :

١ ـ التعاطف مع أهل البيتعليهم‌السلام تعاطفاً كان يفتقد الوعي ويقتصر على الشعور الإيجابي بالولاء مع خلوّه عن الموقف العملي الجادّ .

٢ ـ ثورات انتقاميّة كانت تتحرّك نحو هدف محدود ، وثورات نفعية مصلحيّة ، ونشوء حركات منافقة ، وظهور وعّاظ السلاطين لإسباغ الشرعية على السلطة القائمة .

٣ ـ بروز ظاهرة الشعور بالإثم عند الأمة بسبب ما ارتكبته من خذلان لأبيه الحسين السبطعليه‌السلام لكن هذا الشعور كما هو معروف كان بلا ترشيد واضح ، والعقليات المدبّرة للثورة على الوضع القائم كانت تفكر بالثأر فحسب وهنا خطط الإمام زين العابدينعليه‌السلام لعمله على مرحلتين أو خطوتين :

الخطوة الأولى : تناول الإمامعليه‌السلام ظاهرة الشعور بالإثم وعمل على ترشيدها بعد أن عمّقها بشكل متواصل عبر تذكيره الأمة بمأساة كربلاء والمظالم التي لحقت بآل البيتعليهم‌السلام وقد استغرق هذا التذكير زمناً طويلاً ،

٤١

حيث حاول إعطاء ظاهرة الشعور بالإثم بُعداً فكرياً صحيحاً ليجعل منه أداة دفع وتأثير في عملية البناء والتغيير .

وبعد أن تراكم هذا الشعور شكّل في نهاية الأمر خزيناً داخلياً كانت لا تقوى الأمة أن تصبر عليه طويلاً ، وأصبح الإلحاح على مخرج تعبّر به الأمّة عن ألمها أمراً جدّياً ، حتَّى حدثت الثورة الكبرى وطبيعي أنّ هذا الجو المشحون الذي كان ينبئ بالثورة والإطاحة بالأمويين جعلهم يشددّون الرقابة على الإمام زين العابدينعليه‌السلام باعتباره الرأس المدبّر لهذه المطالبة ولكونه الوريث الشرعي للخلافة بعد أبيه الحسينعليه‌السلام ومن هنا كانت الحكومة الأموية تفسّر أيّ حركة تصدر من الإمامعليه‌السلام على أنّها تمهيد للثورة .

الخطوة الثانية : توزّع نشاط الإمامعليه‌السلام في هذه الخطوة على عدّة اتّجاهات .

الاتجاه الأوّل : قام الإمامعليه‌السلام ببلورة العواطف الهائجة وحاول أن يدفعها باتّجاه الفكر الصحيح ويضع لها الأسس العقائديّة ويجعل منها مقدمة لعملية التغيير التي ينشدها الإمامعليه‌السلام ، وقد تمثّلت في إيجاد الفكر الإسلامي الصحيح الذي طالما تعرّض للتشويه والتحريف ثم إعداد الطليعة الواعية التي تشعر بالمسؤولية وتكون أهلاً لحمل الأمانة الإلهيّة .

الاتّجاه الثاني : تحرّك الإمام زين العابدينعليه‌السلام انطلاقاً من مسؤوليته في حماية الإسلام وبقائه كشريعة دون تحريف وتشويه لمحتواه ضمن عدة نشاطات :

١ ـ النشاط الأول : واجه الإمامعليه‌السلام الحركات الانحرافية والفرق الضالّة والمغالية التي كانت تستهدف الفكر الإسلامي وتعتمد الإسرائيليات والنظريات الهندية واليونانية حول الكون والحياة في فهم القرآن والحديث

٤٢

الشريف ، وقام بنشر مختلف العلوم والفنون وتبيان الصيغة الصحيحة للعلاقات الاجتماعية والسياسية والأخلاقية التي كان قد أصابها الفساد ، كما يتّضح ذلك بجلاء في رسالته المعروفة برسالة الحقوق ، كما ساهم في حل المشاكل التي كانت تهدّد كرامة الدولة الإسلامية كما يلاحظ ذلك جليّاً فيما حدث في جوابه على رسالة ملك الروم حين هدّد الخليفة بالحصار الاقتصادي(١) .

النشاط الثاني : إنّ الأمويين كانوا قد ضيّقوا على حركة الإمامعليه‌السلام ونشاطه مع الأمة إلاَّ أنّ الإمامعليه‌السلام استخدم الدعاء سلاحاً للارتباط الفكري والمعنوي بها ، وحيث إنّ هذا السلاح لم يستهدف الأمويين مباشرة ، توفّر للإمامعليه‌السلام مجالٌ أوسع لمعالجة الظواهر المرضية والانحرافات الأخلاقية .

الاتّجاه الثالث : التأكيد على أهمية العمل الثوري ومكافحة الظلم والانحراف ، وإيقاد روح الجهاد التي كانت خمدت في الأمة عبر سنوات الانحراف ، كما يتجلّى ذلك في دعائه للمختار الذي طالب بثأر الحسين وكان على اتصال دائم بالإمامعليه‌السلام أثناء ثورته من خلال عمّه محمد ابن الحنفيّة .

الاتّجاه الرابع : لم يكن موقف الإمامعليه‌السلام من الحكّام موقف المواجهة والتحدّي المباشر ; إذ لو كان قد فعل الإمام زين العابدينعليه‌السلام ؛ ذلك لما كان يستطيع أن يحقق ما حققه من مكاسب في الأمة في مجال التربية ، ولما توفّرت أجواء سليمة وفرص واسعة لنشاط الإمام الباقرعليه‌السلام من بعده وللجماعة الصالحة التي ربّاها .

لكن هذا لا يعني أن الإمامعليه‌السلام لم يوضح رأيه في الحكومة فلم يترك

ـــــــــــــــــ

(١) البداية والنهاية : ٩/١٢٢ .

٤٣

الأمر ملتبساً على شيعته ، بل كانت للإمام زين العابدينعليه‌السلام مواقف مع الحكّام سوف نشير إلى بعض منها ، وكان هدفه منها إعطاء خطّ في التربية والتغيير حفاظاً على الشيعة من الضياع ; إذ لم تكن الجماعة الصالحة على سبيل المواجهة ولكنها كانت كافية في التحصين في تلك المرحلة على مستوى التربية والإعداد وتأسيساً لمستقبل سياسي أفضل .

ونستطيع أن نلاحظ موقف الإمامعليه‌السلام مع السلطة من خلال رسالته الجوابية إلى عبد الملك حين لامَ عبد الملك الإمامعليه‌السلام على زواجه بأمته التي كان قد أعتقها .

إنّ ردّ الإمامعليه‌السلام على عبد الملك كان يتضمّن تحدّياً للخليفة الذي كان يفكرّ بعقلية جاهلية ; فإنّ الإمامعليه‌السلام وضّح فيها الموقف الإسلامي الذي يلغي كل الامتيازات التي وضعتها الجاهلية بقولهعليه‌السلام :( فلا لؤم على امرئ مسلم إنَّما اللؤمُ لؤم الجاهلية ) .

يظهر هذا التحدّي ممَّا جاء في مصادر التأريخ من أن الخليفة الأموي بعد أن قرأها هو وابنه سليمان ، قال الابن : يا أمير المؤمنين لَشدَّ ما فخر عليك علي بن الحسين !! فردّ الخليفة على ابنه قائلاً : ( يا بنيّ لا تَقل ذلك فإنّها ألسن بني هاشم التي تَفلق الصخر وتغرف من بحر ، إنّ عليّ بن الحسين يا بني يرتفع من حيث يتّضع الناس(١) .

وفي هذا الجواب إشارة إلى أنّ المواجهة مع الإمام من قبل الخليفة لا تخدم سلطان بني أمية .

ومن مواقف الإمام زين العابدينعليه‌السلام تجاه السلطة أيضاً موقفه من

ـــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٤٦/١٦٥ ، والعقد الفريد : ٧/١٢١ .

٤٤

الزهري ذلك المحدث الذي كان مرتبطاً بالبلاط الأموي ـ فقَد أرسل إليه الإمامعليه‌السلام رسالة قَرعه فيها على شنيع فعله(١) ، وان كان قد علم الإمام بأنّه غارق إلى هامته في موائد السلطان ولهوه ، إلاَّ أنّها رسالة للأجيال .

ومن الأحاديث التي وضعها هذا الرجل دعماً لسياسة بني أمية حينما منعوا حج بيت الله الحرام لمّا كان ابن الزبير مسيطراً على الحرمين الشريفين ما رواه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : لا تشد الرحال إلاَّ إلى ثلاثة : مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى .

ملامح عصر الإمام محمد الباقرعليه‌السلام

استشهد الإمام زين العابدينعليه‌السلام سنة ( ٩٥ هـ ) في أيام حكم الوليد ابن عبد الملك وتوّلى الإمام محمد بن علي الباقرعليه‌السلام مسؤولية الإمامة بوصية من أبيه حيث أعلن عن إمامته أمام سائر أبنائه وعشيرته حين سلّمه صندوقاً فيه سلاح رسول اللهعليه‌السلام وقال له :( يا محمَّد هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك ، ثم قالعليه‌السلام :أما إنّه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكنه مملوءٌ علم ) (٢) .

إذن فهو صندوق يرمز لمسؤولية القيادة الفكرية والعلمية كما أنّ السلاح يرمز لمسؤولية القيادة الثورية .

وبالرغم من توالي الثورات التي تلت واقعة الطف والتي كان الإمام الباقرعليه‌السلام قد عاصرها جميعاً مع أبيهعليه‌السلام بقي موقف الأعمّ الأغلب من الناس الاستجابة لمنطق السيف الأموي إلى جانب القسم الآخر الذي آمن بأنّ الحكّام الأمويين يمثّلون الخلافة الإسلامية .

ـــــــــــــــــ

(١) تحف العقول : ٢٧٢ ـ ٢٧٧ .

(٢) بصائر الدرجات ٤/٤٤ و٤٨ ، وأصول الكافي ١/٣٠٥ وعنهما في بحار الأنوار : ٤٦/٢٢٩ .

٤٥

كما أنّه عاصر عمليات الهدم الفكري والتحريف والمسخ الثقافي الذي مارسه الأمويون بحق الرسالة والقيم الإسلامية .

وعند مجيء سليمان بن عبد الملك إلى الحكم بعد وفاة أخيه الوليد بن عبد الملك سنة ( ٩٦ هـ ) أصدر قرارات جديدة استراحت الأمة بسببها قليلاً حيث أمر بالتَنكيل ( بآل ) الحجاج بن يوسف الثقفي وطرد كلّ عمّاله وولاته(١) كما أطلق سراح المسجونين في سجون الحجّاج(٢) .

وفي سنة ( ٩٩ هـ ) تقلّد الحكم الأموي عمر بن عبد العزيز فازدادت الحريّات في مدّة خلافته القصيرة ، كما يراه بعض المؤرّخين ، كما أنّه عالج مشكلة الخراج التي قال عنها بأنّها سنّة خبيثة سنّها عمّال السوء(٣) .

وعامل العلويين معاملة خالف فيها أسلافه فقد جاء في كتابه لعامله على المدينة : ( فأقسم في ولد علي من فاطمة رضوان الله عليهم عشرة آلاف دينار فطالما تخطّتهم حقوقهم )(٤) ورَدَّ فدكاً ـ التي كان قد صادرها الخليفة الأوّل ـ على الإمام الباقرعليه‌السلام (٥) ورفع سبّ الإمام عليّعليه‌السلام الذي كان قد سنّه معاوية(٦) .

أمّا الناحية الفكرية : فتبعاً للتغيّرات السياسية نلمس تطوّراً في الجانب الفكري أيضاً ؛ فقد برزت في هذا الظرف تيارات فكريّة جديدة واتجّه الناس

ـــــــــــــــــ

(١) الكامل ، ابن الأثير : ٤/١٣٨ .

(٢) تاريخ ابن عساكر : ٤/٨٠ .

(٣) الكامل : ٥/٢٩ وتاريخ الطبري : ٨/١٣٩ .

(٤) مروج الذهب : ٣/١٩٤ .

(٥) الكامل : ٤/١٦٤ والمناقب : ٤/٢٠٧ وسفينة البحار : ٢/٣٧٢ .

(٦) انظر الفكر السامي ١/٢٧٦ عن صحيح مسلم ، وتاريخ اليعقوبي ٢/٢٢٣ و٢٣٠ و٢٣٥ و٣٠٥ ، وشرح النهج للمعتزلي ٥/٩٨ تاريخ الخميس : ٢/٣١٧ .

٤٦

للبحث والدرس وتلقّي المعرفة الإسلامية ورفع المنع الحكومي عن تدوين الحديث النبوي وبدأت تتميّز مدرسة أهل الحديث عن مدرسة أهل الرأي ومال الموالي من غير العرب إلى مدرسة أهل الرأي في الكوفة ، وتزعّم أبو حنيفة هذه المدرسة في حينها ضد مدرسة أهل الحديث في المدينة(١) .

وكنتيجة طبيعية للإخفاق الذي سجّلته الحركات الفكرية ، ظهرت فكرة الاعتزال التي نادى بها ( واصل بن عطاء ) في البصرة عندما اعتزل حلقة درس أستاذه ( الحسن البصري ) وهي تعتبر تعديلاً لفكرة الخوارج التي لم تلقَ رواجاً حينما قالت بكفر مرتكب الكبيرة(٢) ، والمرجئة التي قالت بأنّه لا تضر مع الإيمان معصية(٣) فقال واصل ( مؤسس اتّجاه الاعتزال والمتوفى في ١٣١هـ ) : إنّ صاحب الكبيرة ليس بمؤمن بإطلاق بل هو في منزلة بين منزلتين أي إنّ مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر لكنّه فاسق والفاسق يستحق النار بفسقه(٤) .

هذه صورة مجملة عن الواقع الذي عايشه الإمام الصادقعليه‌السلام خلال مرحلة قيادة أبيه الباقرعليه‌السلام .

متطلّبات عصر الإمام الباقرعليه‌السلام

ونلخّص دور الإمام الباقرعليه‌السلام في ثلاثة خطوط أساسية :

الخط السياسي ، وإكمال بناء الجماعة الصالحة ، وتأسيس جامعة أهل البيتعليه‌السلام العلمية .

ـــــــــــــــــ

(١) ضحى الإسلام لأحمد أمين : ٢/١٧٨ .

(٢) الملل والنحل : ١/١٥٨ .

(٣) تاج العروس ، مادة رجأ .

(٤) الأغاني : ٧ / ١٥ .

٤٧

١ ـ الخط السياسي للإمام الباقر عليه‌السلام

لقد كان الخيار السياسي للإمام الباقرعليه‌السلام في فترة تصدّيه للإمامة هو الابتعاد عن الصدام والمواجهة مع الأمويين وهذا واضح من خلال تصريحه الذي تضمّن بياناً للجوّ السائد وحالة الأمة ومستوى وعيها آنذاك :( إنْ دَعَوْناهم لم يستجيبوا لنا ) (١) .

كما نجده فيما بعد يستوعب سياسة الانفتاح والاعتدال التي أبداها عمر ابن عبد العزيز ، سواء كان هذا الاعتدال بدافع ذاتي لعلاقته بالإمامعليه‌السلام ، أم بدافع الضغوط الخارجيّة وخوفه من انهيار الدولة الأموية .

إنّ الإمام قد رسم خطّه السياسي في هذه المرحلة بأسلوبين :

الأسلوب الأول : تصريح الإمامعليه‌السلام برأيه حول عمر بن عبد العزيز وحكومته قبل تصدّي عمر للخلافة فعن أبي بصير ، قال : كنت مع أبي جعفر الباقرعليه‌السلام في المسجد ودخل عمر بن عبد العزيز وعليه ثوبان ممصّران متكئاً على مولى له فقالعليه‌السلام :( لَيَلِيَنَّ هذا الغلام [ أي سوف يتولّى السُلطة ]فيظهر العدل ) (٢) .

ولكن الإمامعليه‌السلام قدح في ولايته باعتبار وجود مَن هو أولى منه .

الأسلوب الثاني : أسلوب المراسلة واللقاء فقد روي أنّ عمر بن

ـــــــــــــــــ

(١) الإرشاد ، للشيخ المفيد : ٢٨٤ .

(٢) سفينة البحار : ٢/١٢٧ .

٤٨

عبد العزيز كرّم الإمام أبا جعفرعليه‌السلام وعظّمه وقد أرسل خلفه فنون ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود وكان من عُبّاد أهل الكوفة فاستجاب له الإمامعليه‌السلام وسافر إلى دمشق فاستقبله عمر استقبالاً رائعاً واحتفى به وجَرَت بينهما أحاديث وبقي الإمام أيّاماً في ضيافته(١) .

ومن المراسلات ما جاء أنّه : كتب عمر للإمامعليه‌السلام بقصد الاختبار فأجابه الإمام برسالة فيها موعظة ونصيحة له(٢) ، ولكن سياسة الابتعاد عن الصدام المباشر لم تمنع الإمام الباقرعليه‌السلام من أن يقف من الأمة بشكل عام ومن الأمويين وهشام بن عبد الملك بشكل خاص موقف التحدّي الفكري والعقائدي والعلمي لبيان الحق المغتصب وكشف ستار الباطل الذي كان قد أسدله الحكّام على الحق ورموزه .

وحين حجّ هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين وكان قد حجّ في تلك السنة محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام وابنه جعفر ، قال جعفر بن محمدعليه‌السلام في بعض كلامه :( الحمد لله الذي بعث محمّداً نبيّاً وأكرمنا به ، فنحن صفوة الله على خلقه وخيرته من عباده فالسعيد مَن اتّبعنا والشقيّ مَن خالفَنَا ، ومن الناس مَن يقول : إنّه يتولاَّنا وهو يتولّى أعدائنا ومَن يليهم من جلسائهم وأصحابهم ، فهو لم يسمع كلام ربّنا ولم يعمل به ) (٣) .

فبيّنعليه‌السلام مفهوم القيادة الإلهية ومصداقها الحقيقي الذي يمثّلها آنئذ .

وهذا الطرح وان كان فيه نوع مجابهة صريحة للحاكم وما يدور في

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ دمشق : ٥١/٣٨ .

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢/٣٠٥ .

(٣) دلائل الإمامة : ١٠٤ ـ ١٠٩ ، بحار الأنوار : ٤٦/٣٠٦ .

٤٩

أذهان الناس لكنّه لم يكن مغامرة ; لأنّ الظرف كان بحاجة إلى مثل هذا الطرح والتوضيح ، بالرغم من أنّه قد أدّى إلى أن يستدعي هشام الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام إلى الشام فيما بعد .

٢ ـ إكمال بناء الجماعة الصالحة

لم تكن عملية بناء الجماعة الصالحة وليدة عصر الإمام الباقرعليه‌السلام فقد باشرها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم لإمام عليعليه‌السلام ، حيث نجد لأشخاص أمثال مالك الأشتر وهاشم المرقال ، ومحمد بن أبي بكر ، وحجر بن عدي ، وميثم التمّار ، وكميل بن زياد ، وعبد الله بن العباس ، دوراً كبيراً في الصراع الذي خاضه الإمام عليعليه‌السلام مع مناوئيه .

واستمرت عملية البناء بشكل فاعل في عصر الإمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ثم تقلّص النشاط المباشر في بناء هذه القاعدة وتوسيعها ، ثم استمرّت عملية البناء في العقود الأخيرة من حياة الإمام زين العابدينعليه‌السلام وتكاملت في عصر الإمام الباقرعليه‌السلام حيث سنحت الفرصة له بأن يتحرك نحو تطوير الجماعة الصالحة بتوضيح أهدافها التي تمثّلت في الدفاع عن المجتمع الإسلامي وحفظ الشريعة الإسلامية من التحريف إلى جانب توسيع القاعدة كمّاً مع تطويرها كيفاً .

ونقتصر فيما يلي على بعض ما قام به الإمام الباقرعليه‌السلام من خطوات :

الخطوة الأولى : أخذ الإمامعليه‌السلام يعمّق ويوضّح صفات الجماعة الصالحة الموالية لأهل البيتعليهم‌السلام ودورها في المجتمع ، فقد جاء في وصفه لهذه الجماعة قولهعليه‌السلام :( إنّما شيعتنا ـ شيعة علي ـالمتباذلون في ولايتنا المتحابّون في

٥٠

مودّتنا ، المتزاورون لإحياء أمرنا ، الذين إذا غضبوا لم يظلموا ، وإذا رضوا لم يسرفوا ، بركة على مَنْ جاوروا ، سلم لمَن خالطوا ) (١) ، وقال أيضاً :( شيعتنا من أطاع الله ) (٢) .

وبهذا أراد الإمامعليه‌السلام أن يرسّخ الكمالات الإنسانية في جانبي الأخلاق والعبادة التي تعرّضت للضياع طيلة سنوات المحنة ، ويوضّح أن الانتماء لخطّ أهل البيتعليهم‌السلام هو بالعمل والتحلّي بهذه الصفات .

الخطوة الثانية : قام الإمامعليه‌السلام ـ بالإضافة إلى توضيح مستوى الروح الإيمانية التي ينبغي أن يتَمتّع بها أفراد الجماعة الصالحة ـ بشحذِ هممها وتربيتها على روح الصبر والمقاومة لكي تمتلك القدرة على مواصلة العمل في سبيل الله ومواجهة التحدّيات المستمرّة وعدم التنازل أمام الإغراءات أو الضغوط الظالمة ، فقد جاء في كلامهعليه‌السلام لرجل حين قال له : والله إنّي لأحبّكم أهل البيت فقالعليه‌السلام :( فاتّخذ للبلاء ، جلباباً ، فو الله إنّه لأسرع إلينا وإلى شيعتنا من السيل في الوادي ، وبنا يبدو البلاء ثم بكم ، وبنا يبدو الرخاء ثم بكم ) (٣) .

هكذا رسم الإمامعليه‌السلام معالم الطريق الشائك أمامه ، إنّه طريق مفروش بالدماء والدموع ، والإمام رائد المسيرة على هذا الطريق يصيبه البلاء أوّلاً قبل أن يصيب شيعتَه .

وقد كان الإمامعليه‌السلام يذكّرهم بمعاناة الشيعة قبل هذا الظرف بقولهعليه‌السلام :( قتلت شيعتنا بكلّ بلدة وقُطِعت الأيدي والأرجل على الظنة وكان مَن يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجن ونُهب مالُه وهُدِمَت داره ) (٤) .

ومن الأعمال التي قام بها الإمامعليه‌السلام في بناء الجماعة الصالحة هو إلزام

ـــــــــــــــــ

(١) تحف العقول : ٢٩٥و ٣٠٠ .

(٢) تحف العقول : ٢٩٥و ٣٠٠ .

(٣) بحار الأنوار : ٤٦/٣٦٠ ، وأمالي الشيخ الطوسي : ٩٥ .

(٤) حياة الإمام الحسنعليه‌السلام دراسة وتحليل : ٢/٢٥٧ .

٥١

أتباعه وخاصّته بمبدأ التقية ؛ حفاظاً عليهم من القمع والإرهاب والإبادة التي طالما تعرّضوا لها وقد اعتبر هذا المبدأ من الواجبات الشرعية ذات العلاقة بالإيمان ، فكان يوصيِهم بالتقية قائلاً :( التقيّة ديني ودين آبائي ، ومَن لا إيمان له لا تقيّة له ) (١) .

ومن المبادئ التي تتداخل مع التقيّة : كتمان السرّ ، فقد جاء عنهعليه‌السلام في وصيّته لجابر بن يزيد الجعفي في أوّل لقاء له بالإمامعليه‌السلام : أن لا يقول لأحد أنّه من أهالي الكوفة ، وليظهر بمظهر رجل من أهل المدينة وجابر الجعفي هذا قد أصبح فيما بعد صاحب سرّ الإمامعليه‌السلام ، ولشدّة فاعليّته وتأثيره في الأمة أمر هشام بن عبد الملك واليه في الكوفة بأن يأتيه برأس جابر ، لكنّ جابراً قد تظاهر بالجنون قبل أن يصدر الأمر بقتله حسب إرشادات الإمام الباقرعليه‌السلام التي كانت تصله سرّاً ، فقد جاء في كتاب هشام إلى واليه : أن أُنظر رجلاً يقال له جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه .

فالتفت إلى جلسائه فقال لهم : مَن جابر بن يزيد الجعفي ؟ قالوا : أصلحك الله ، كان رجلاً له علم وفضل وحديث وحجّ فجنّ وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم .

قال : فأشرف عليه فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب فقال : الحمد لله الذي عافاني من قتله(٢) .

وكان في هذه المرحلة رجال كتموا تشيّعهم وما رسوا نشاطات مؤثرة في حياة الأمة فكرية وعسكرية وفقهية مع الاحتفاظ بعلاقاتهم ، فمن فقهاء الشيعة : سعيد بن المسيّب ، والقاسم بن محمد ، فقد كانا بارزين بين علماء ذلك العصر

ـــــــــــــــــ

(١) أصول الكافي : ٢/١٧٤ .

(٢) بحار الأنوار : ٤٦/٢٨٢ ، والكافي : ١/٣٩٦ .

٥٢

في الفقه وغيره إلاَّ أنّه لم تكن لهم صبغة التشيّع الصريح ، فقد شاع عن سعيد بن المسيّب أنّه كان يجيب أحياناً برأي غيره من علماء عصره أو برأي مَن سبقه من الصحابة ؛ مخافة أن يصيبه ما أصاب سعيد بن جبير ويحيى بن أم الطويل وغيرهما ممّن تعرّضوا للقتل والتشريد بسبب تشيّعهم .

وهذا موسى بن نصير من رجالات الكوفة العسكريين وزهّادها المؤمنين ممّن عرف بولائه لأهل البيتعليهم‌السلام هو وأبوه نصير ، ولقد غضب عليه معاوية إذ لم يخرج معه لصفِّين ، وموسى هو الذي فتح الفتوحات العظيمة في بلاد المغرب وكان تحت إمرته مولاه طارق بن زياد وولده عبد العزيز وبسبب تشيّعه غضب عليه سليمان بن عبد الملك وقبل أن يقتله عرّضه لأنواع العذاب فقتل ولده أمامه وألزمه بدفع مبلغ كبير(١) .

وكان لجابر الجعفي وزرارة وأبان بن تغلب وغيرهم دور بالغ في نجاح حركة الإمام الفكريّة ، وأصبحوا ـ فيما بعد ـ النواة لجامعته ، وبقي هؤلاء بعد وفاة الإمام الباقرعليه‌السلام بصحبة ولده الصادقعليه‌السلام ليمارسوا مسؤولياتهم بحجم أكبر كما سيأتي توضيحه .

٣ ـ تأسيس جامعة أهل البيت عليهم‌السلام

جاءت فكرة زرع البذرة الفكرية وتشكيل النواة الأولى لجامعة علمية إسلامية في هذهِ المرحلة كضرورة حضارية لمواجهة التحدّي الحاضر ونسف البنى الفكرية لكل الأطروحات السابقة التي وجدت من ظروف المحنة مناخاً مناسباً لبثّ أفكارها .

كما تأتي ضرورة وجود تيّار فكري يبلور الأفكار الإسلامية الأصيلة

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي : ٢/٢٩٤ .

٥٣

ويعبّئ بها ذهن الأمة ويفوّت الفرصة على الظالمين في حالة تبدّل الظروف .

ويمكن تلخيص الأسباب التي شكّلت عاملاً مهمّاً في التهيئة لنجاح هذه الجامعة فيما يلي :

١ ـ لقد عُزلت الأمة عن تبني أفكار الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام وفقههم أكثر من قرن وبقيت تتناقله الخواص في هذه الفترة عن طريق الكتابة والحفظ شفاهاً وبالطرق السرّية .

٢ ـ في هذه الفترة طرحت على العالم الإسلامي تساؤلات فكريّة ومستجدّات كثيرة لم تمتلك الأمة لها حلاًّ بسبب اتّساع البلاد الإسلامية وتبدّل الظروف وحاجات المسلمين .

٣ ـ شعر المسلمون في هذا الظرف بأهمية البحث عن مبدأ فكري يتكفّل حلّ مشكلاتهم ; لأنّ النصّ المحرّف واجتهادات الصحابة أصبح متخلّفاً عن المواكبة ، بل أصبح بنفسه مشكلة أمام المسلم لتعارضه مع العقل والحياة .

٤ ـ في هذا العصر ظهرت مدارس فكرية متطرّفة مثل مدرسة الرأي القائلة بالقياس والاستحسان ، زاعمة أنّ للنصوص التي نقلت عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قليلة(١) لا تفي بالغرض ، الأمر الذي تسرّب فيه العنصر الذاتي للمجتهد ودخل الإنسان بذوقه الخاص إلى التشريع(٢) ، كما ظهرت مدرسة الحديث قِبال

ـــــــــــــــــ

(١) هذا في غير مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام الذين حرصوا على نقل تراث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وواجهوا منع تدوين السنّة النبوية بالحث على التدوين والنقل والتعليم ؛ لئلاَّ تندرس معالم الدين .

(٢) فقد عرف حسن أبي حنيفة أنّه لم يصح عنده من أحاديث الرسول الفقهية سوى سبعة حشر حديثاً راجع مقدمة ابن خلدون : ٣٧٢ .

٥٤

مدرسة الرأي والتي عرفت بالجمود على ظاهر النص ولم تتفرّغ لتمييز صحيح النصوص من غيره .

٥ ـ غياب القدوة الحسنة والجماعة الصالحة التي تشكّل مناخاً لنمو الفضيلة وزرع الأمل في نفوس الأمة باتّجاه الأهداف الربّانيّة .

في هذا الظرف الذي ذهب فيه الخوف واستطاع المسلم أن يبحث عن المعرفة وعن حل لمشكلاته الفكرية ، قام الإمام الباقرعليه‌السلام بتشكيل حلقاته العلمية في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ فكان وجودهعليه‌السلام مركز جذب لقلوب طلاب الحقيقة فالتفّ حوله صحابة أبيه الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، وبدأ منذ ذلك الحين بالتركيز على بناء الكادر العلمي آملاً أن يواجه به المشكلات الفكرية التي بدأت تغزو الأمة المسلمة وكان يشكّل هذا الكادر فيما بعد الأرضية اللازمة لمشروع الإمام الصادقعليه‌السلام المرتقب ، فتناول الإمامعليه‌السلام أهمّ المشكلات الفكرية التي كان لها ارتباط وثيق بحياة الناس العقائدية والأخلاقية والسياسية .

وزجّ الإمام بكادره العلمي وسط الأمة بعد أن عبّأه بكل المؤهّلات التي تمكّنهُ من خوض المعركة الفكرية حينما قال لأبان بن تغلب :( اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإنّي أحبّ أن أرى في شيعتي مثلك ) (١) .

وعندما يدرك الأصحاب مغزى هدف الإمام من هذا التوجيه وضرورة الحضور مع الناس ؛ يتصدّى هؤلاء بأنفسهم لمعالجة المشكلات الفكرية وإبطال الشبه عن طريق الحوار والمناظرة حسب الخط الذي رسمه لهم الإمامعليه‌السلام في وقت سابق .

ـــــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال للكشي ٢/٦٢٢ ، ح ٦٠٣ .

٥٥

قال عبد الرحمن بن الحجاج : كنّا في مجلس أبان بن تغلب فجاء شاب فقال له : يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وأدرك أبان مراده فانبرى قائلاً : كأنّك تريد أن تعرف عليّاً بمَن تبعه من أصحاب رسول الله ؟ فقال هو ذاك .

فأجابه أبان : والله ما عرفنا فضلهم ـ أي الصحابة ـ إلاَّ باتّباعهم إيّاه .

وتعميقاً لهذا التوجيه وبنفس السياق يبادر محبوب أهل البيت ولسانهم مؤمن الطاق ليواجه أفكار حركة الخوارج ويردّ على جرأتها في التشكيك بموقف الإمام عليعليه‌السلام من مسألة التحكيم(١) .

يدخل مؤمن الطاق على بعض زعماء الخوارج في الكوفة فيقول له : أنا على بصيرة من ديني وقد سمعتك تصف العدل فأحببت الدخول معك ، فيقول الخارجي لأصحابه إن دخل هذا معكم نفعكم.

فيقول له مؤمن الطاق : لِمَ تبرّأتم من عليّ بن أبي طالب واستحللتم قتله وقتاله ؟

يجيبه الخارجي : لأنّه حكّم الرجال في دين الله .

فيقول له : وكلَّ من حكّم في دين الله استحللتم قتله ؟

فيجيب الخارجي : نعم .

فيقول له : أخبرني عن الدين الذي جئت أُنظارك به لأدخل معك فيه ، إن غَلَبَتْ حجّتي حجّتك ، من يوقِفُ المخطئ منّا عن خطئه ويحكم للمصيب بصوابه ؟

فيشير الضحّاك إلى رجل من أصحابه ويقول : هذا هو الحكم بيننا .

ـــــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ١/٢١ ـ ٢٢ وتنقيح المقال : ١/٤ .

٥٦

هنا يتوجّه مؤمن الطاق إلى مَن كان حاضراً من الخوارج ويقول : زعيمكم هذا قد حكّم في دين الله(١) وهكذا يفحمهم بحجّته البالغة ومنطقه القويم .

وقبل أن ننتهي من حياة الإمامعليه‌السلام نشير إلى ثلاث وقائع تاريخية لها صلة بالمرحلة التي سوف يتصدّى لها الإمام الصادقعليه‌السلام .

الواقعة الأولى : إنّ هشام بن عبد الملك هو واحد من الحكّام الأمويين الَّذين نصبوا العداوة لأهل البيت ، بل نراه قد زاد على غيره حتَّى أنّه على أثر الخطبة التي خطبها الإمام الصادقعليه‌السلام في مكة والتي أوضح فيها معنى القيادة ولمَن تكون القيادة ، يأمر هشام فور رجوعه إلى الشام بجلب الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام إلى دمشق لغرض التنكيل بهما .

وبعد اللقاء بهشام تفوّق الإمام الباقرعليه‌السلام في البلاط الأموي في الحوار الذي أجراه مع هشام ثم حواره مع عالم النصارى في الشام ، يسمح لهما هشام بالرجوع إلى المدينة ولكنّه يأمر أمير ( مدين ) ـ وهي المدينة الواقعة في طريقهما ـ بإيذائهما فقد جاء في رسالته : إنّ ابن أبي تراب الساحر محمّد بن علي وابنه جعفر الكذابين فيما يظهران من الإسلام ، قد وردا عليّ فلمّا صرفتهما إلى يوم الدين مالا إلى القسسين والرهبان ، وتقربّا إليهم بالنصرانية فكرهت النكال لقربهما ، فإذا مرّا بانصرافهما عليكم فليناد في الناس : برئت الذمّة ممّن باعهما وشاراهما وصافحهما وسلّم عليهما ، ورأى أمير المؤمنين قتلهما ودوابّهما وغلمانهما لارتدادهما والسلام(٢) .

ولم يترك هشام الإمام الباقرعليه‌السلام حُرّاً يتحرّك في المدينة ، ولم يسترح

ـــــــــــــــــ

(١) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : ٢/ ٧٢ .

(٢) دلائل الإمامة : ١٠٤ ـ ١٠٩ وبحار الأنوار : ٤٦ ـ ٣٠٦ .

٥٧

من تواجده في الساحة الإسلامية حتَّى أقدم على قتله غيلةً بالسمّ سنة (١١٤هـ)(١) .

الواقعة الثانية : في هذهِ الفترة تحفّز زيد بن علي بن الحسينعليه‌السلام وصمّم على الثورة ضد هشام بن عبد الملك على أثر تصرّفات الأمويين ، ولا سيّما تصرّف هشام المهين بحق زيد ، والنيل من كرامته ، وما كان يفعله هشام بحق الشيعة بشكل خاص .

لقد دخل زيد على هشام فسلّم عليه بالإمرة فلم يردّ السلام إهانةً له ، بل أغلظ في الكلام ولم يفسح له في المجلس .

فقال زيد : السلام عليك يا أحول ، فإنّك ترى نفسك أهلاً لهذا الاسم فغضب هشام وجرت بينهما محاورة كان نصيب هشام فيها الفشل ، وخرج زيد وهو يقول : ما كره قومٌ حرّ السيوف إلاَّ ذلّوا .

وأمر هشام بردّه وقال له : اُذكر حوائجك ، فقال زيد : أما وأنت ناظر على أمور المسلمين فلا وخرج من عنده وقال : مَن أحبّ الحياة ذلّ(٢) .

ومضى زيد إلى الكوفة ثمّ خطّط للثورة واستشار بذلك الإمام الباقرعليه‌السلام .

قال الإمام الصادقعليه‌السلام :إنّ عمّي أتى أبي فقال إنّي أريد الخروج على هذا الطاغية .

ولمّا أزمع على الخروج أتاه جابر بن يزيد الجعفي فقال له : إنّي سمعت أخاك أبا جعفر يقول :إنّ أخي زيد بن علي خارج ومقتول وهو على الحق فالويل لمَن خذله ، والويل لمَن حاربه ، والويل لمَن يقتله فقال له زيد : يا جابر لم يسعني أن أسكت وقد خولف كتاب الله تعالى

ـــــــــــــــــ

(١) شذرات الذهب : ١/١٤٩ ، تاريخ بن الأثير : ٤/٢١٧ ، طبقات الفقهاء : ٣٦ .

(٢) تاريخ الطبري : حوادث سنة ( ١٢١ ) ، وتاريخ ابن عساكر : ٦ / ٢٢ ـ ٢٣ .

٥٨

وتحوكم بالجبت والطاغوت(١) .

الواقعة الثالثة : ولمّا قربت وفاة الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام دعا بأبي عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام فقال له :إنّ هذه الليلة التي وُعدت فيها ثم سلّم إليه الاسم الأعظم ومواريث الأنبياء والسلاح وقال له :يا أبا عبد الله ، الله الله في الشيعة فقال أبو عبد الله :لا تركتهم يحتاجون إلى أحد ... (٢) .

بهذا العرض ننتهي من تصوير حياة الإمام الصادق مع أبيه لتبدأ مرحلة تصدّيه للإمامة ، وبها يبدأ عصر جديد من العمل والجهاد والإصلاح .

ـــــــــــــــــ

(١) راجع تيسير المطالب : ١٠٨ ـ ١٠٩ .

(٢) إثبات الهداة : ٥/٣٣٠ .

٥٩

الباب الثالث :

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : ملامح عصر الإمام الصادقعليه‌السلام .

الفصل الثاني : دور الإمامعليه‌السلام في تثبيت معالم الرسالة .

الفصل الثالث : دور الإمامعليه‌السلام في بناء الجماعة الصالحة .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

تقرأ في كل ركعة الحمد و( قل هو الله أحد ) خمسين مرة فإذا فرغت من صلاتك شربت الماء على ما وصفته، فإنه جيد مجرب للحفظ إن شاء الله تعالى.

( صلاة لحفظ القرآن)

صل ليلة الجمعة أو يومها أربع ركعات، [ تقرأ في ] الاولى فاتحة الكتاب و يس والثانية حم الدخان، والثالثة حم السجدة، والرابعة تبارك الملك، فإذا سلمت فاحمد الله واثن عليه وصل على النبي وآله - صلى الله عليهم - واستغفر للمؤمنين مائة مرة، ثم قل: اللهم ازجرني بترك معاصيك أبدا ما أبقيتني وارحمني من أن أتكلف طلب ما لا يعنيني وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللهم بديع السموات والارض يا ذاالجلال والاكرام والعزة التي لا ترام يا الله يا رحمن [ رحيم ] أسألك بجلالك وبنور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك المنزل على رسولك وترزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني، اللهم بديع السموات والارض، ذاالجلال والاكرام والعز الذي لا يرام، يا الله يا رحمن أسألك بجلالك وبنور وجهك أن تنور بكتابك بصري وتطلق به لساني وتفرح به قلبي وتشرح به صدري وتستعمل به بدني وتقويني على ذلك وتعينني عليه فإنه لا يعين على الخير غيرك ولا يوفق له إلا أنت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

( صلاة الضالة ودعاؤها)

روى جابر الانصاري: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله علم عليا وفاطمةعليهما‌السلام هذا الدعاء وقال لهما: إن نزلت بكما مصيبة أو خفتما جور سلطان أو ضلت لكما ضالة فاحسنا الوضوء وصليا ركعتين وارفعا أيديكما إلى السماء وقولا: يا عالم الغيب والسرائر يا مطاع يا عليم يا الله يا الله يا الله، يا هازم الاحزاب لمحمد، يا كائد فرعون لموسى، يا منجي عيسى من أيدي الظلمة، يا مخلص قوم نوح من الغرق، يا راحم عبده يعقوب، يا كاشف ضر أيوب، يا منجي ذي النون من الظلمات، يا فاعل كل خير، يا هاديا إلى كل خير، يا دالا على كل خير، يا آمر بكل خير، يا خالق الخير ويا أهل الخير أنت الله رغبث إليك فيما قد علمت وأنت علام الغيوب، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، ثم سلا الحاجة تجابان إن شاء الله تعالى.

٣٤١

( ما يتعبد عند رؤية الهلال)

تكتب على يدك اليسرى بسبابة يمينك ( الله محمد علي فاطمة الحسن الحسين ) إلى آخرهم، وتكتب( قل هو الله أحد ) إلى آخرها، ثم تقول: اللهم إن الناس إذا نظروا إلى الهلال نظر بعضهم إلى وجوه بعض ويتبرك بعضهم ببعض وإني نظرت إلى أسمائك واسم نبيك ووليك وأوليائك وإلى كتابك فاعطني كل الذي أحب أن تعطينيه من الخير واصرف عني كل الذي احب أن تصرفه عني من الشر وزدني من فضلك ما أنت أهله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

( نسخة رقعة)

تكتب بقلم لا شيء فيه بين سطور الكتاب أو الرقعة المشتملة على الحاجة حتى لا يخلو سطر منها من حرف من هذه الحروف: محمد وعلي والخضر أبوتراب، بسم الله الرحمن الرحيم الملك الحق المبين إن الله وعد الصابرين مخرجا مما يكرهون ورزقا من حيث لا يحتسبون إن الله هو السميع العليم، جعلنا الله وإياكم من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، اللهم إني أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي - إلى أن تقول - والحجة والخلف القائم المنتظر صلوات الله عليهم وسلم تسليما أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تيسر أمري وتسهله لي وتغلبه لي وترزقني خيره وتصرف عني شره برحمتك يا أرحم الراحمين.

( كلمات تقال عند ختم القرآن)

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمرني أن أدعو بهن عند ختم القرآن: اللهم إني أسألك إخبات المخبتين(١) وإخلاص الموقنين ومرافقة الابرار واستحقاق حقائق الايمان والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم ووجوب رحمتك وعزائم مغفرتك والفوز بالجنة والنجاة من النار.

__________________

١ - الاخبات: الخضوع والخشوع. قال الله تعالى: وبشر المخبتين.

٣٤٢

الفصل الخامس

( في نوادر من الادعية)

( في الدعاء عند أخذ المصحف)

كان أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا قرأ القرآن قال قبل أن يقرأ حين يأخذ المصحف: اللهم إني أشهد أن هذا كتابك المنزل من عندك على رسولك محمد بن عبد الله وكلامك الناطق على لسان نبيك جعلته هاديا منك إلى خلقك وحبلا متصلا فيما بينك وبين عبادك، اللهم إني نشرت عهدك وكتابك، اللهم فاجعل نظري فيه عبادة وقراءتي فيه فكرا وفكري فيه اعتبارا واجعلني ممن أتعظ ببيان مواعظك فيه وأجتنب معاصيك ولا تطبع عند قراءتي على قلبي ولا على سمعي ولا تجعل على بصري غشاوة ولا تجعل قراءتي قراءة لا تدبر فيها، بل اجعلني أتدبر آياته وأحكامه آخذا بشرائع دينك ولا تجعل نظري فيه غفلة ولا قراءتي هذرا إنك أنت الرؤف الرحيم.

( في الدعاء عند الفراغ من قراءة القرآن)

اللهم إني قد قرأت ما قضيته من كتابك الذي أنزلت على نبيك الصادقعليه‌السلام فلك الحمد ربنا، اللهم اجعلني ممن يحل حلاله ويحرم حرامه ويؤمن بمحكمه ومتشابهه واجعله لي آنسا في قبري وآنسا في حشري واجعلني ممن ترقيه بكل آية قرأها درجة في أعلى عليين آمين رب العالمين. وإذا سمعت شيئا من عزائم القرآن يجب عليك السجود وتسجد بغير تكبير وتقول: لا إله إلا الله حقا حقا، لا إله إلا الله إيمانا وتصديقا، لا إله إلا الله عبودية ورقا، لا مستنكفا ولا مستكبرا بل أنا عبد ذليل ضعيف خائف مستجير، ثم ترفع رأسك وتكبر.

قال الصادقعليه‌السلام : من قرأ مائة آية من أي آي القرآن شاء ثم قال سبع مرات: يا الله، فلو دعا على الصخور فلقها.

( دعاء فيه اسم الله الاكبر)

عن معاذ بن جبل قال: أرسلني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم إلى عبد الله بن سلام وعنده جماعة من أصحابه فحضر، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عبد الله أخبرني عن عشر كلمات

٣٤٣

علمهن الله عزوجل إبراهيمعليه‌السلام يوم قذف به في النار أتجدهن في التوراة مكتوبا؟ فقال عبد الله: يا رسول الله بأبي أنت وأمي هل أنزل عليك فيهن شيء؟ فإني أجد ثوابها في التوراة ولا أجد الكلمات وهي عشر دعوات فيهن اسم الله الاعظم، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل علمهن الله تعالى موسىعليه‌السلام ؟ فقال: ما علمهن الله تعالى غير إبراهيم الخليلعليه‌السلام ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وما تجد ثوابها في التوراة؟ قال عبد الله: يا رسول الله ومن يستطيع أن يبلغ ثوابها غير أني أجد في التوراة مكتوبا ما من عبد من الله عليه وجعل هؤلاء الكلمات في قلبه إلا جعل النور في بصره واليقين في قلبه وشرح صدره للايمان وجعل له نورا من مجلسه إلى العرش يتلالا ويباهي به ملائكته في كل يوم مرتين ويجعل الحكمة في لسانه ويرزقه حفظ كتابه وإن لم يكن حريصا عليه ويفقهه في الدين ويقذف المحبة له في قلوب عباده ويؤمنه من عذاب القبر وفتنة الدجال ويؤمنه من الفزع الاكبر يوم القيامة ويحشره في زمرة الشهداء ويكرمه الله ويعطيه ما يعطي الانبياء بكرامته ولا يخاف إذا خاف الناس ولا يحزن إذا حزن الناس ويكتب عند الله صديقا ويحشر يوم القيامة وقلبه ساكن مطمئن وهو ممن يتسامع مع إبراهيمعليه‌السلام يوم القيامة ولا يسأل بتلك الدعوات شيئا إلا أعطاه الله ولو أقسم على الله لابر قسمه ويجاور الرحمن في دار الجلال وله أجر كل شهيد استشهد منذ يوم خلقت الدنيا، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وما دار الجلال يابن سلام؟ قال: جنة عدن وهو موضع عرش الرحمن رب العزة وهو في جوار الله، قال ابن سلام: فعلمنا يا رسول الله، ومن علينا كما من الله عليك؟ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خرو لله سجدا، قال: فخروا سجدا، فلما رفعوا رؤوسهم قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قولوا: يا الله يا الله يا الله أنت المرهوب منك جميع خلقك يا نور النور أنت الذي احتجبت دون خلقك فلا يدرك نورك نور، يا الله يا الله يا الله أنت الرفيع الذي ارتفعت فوق عرشك من فوق سمائك فلا يصف عظمتك أحد من خلقك، يا نور النور قد استنار بنورك أهل سمائك واستضاء بضوئك أهل أرضك، يا الله يا الله يا الله أنت الذي لا إله غيرك تعاليت عن أن يكون لك شريك وتعاظمت عن أن يكون لك ولد وتكرمت عن أن يكون لك شبيه وتجبرت عن أن يكون لك ضد، فأنت الله المحمود بكل لسان وأنت المعبود في كل مكان وأنت المذكور في كل أوان وزمان، يا نور النور كل نور خامد لنورك، يا ملك، كل ملك يفني غيرك، يا دائم، كل

٣٤٤

حي يموت غيرك، يا الله يا الله يا الله الرحمن الرحيم ارحمني رحمة تطفئ بها غضبك وتكف بها عذابك وترزقني بها سعادة من عندك وتحلني بها دارك التي تسكنها خيرتك من خلقك يا أرحم الراحمين، يا من أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لم يؤاخذ بالجريرة(١) ولم يهتك الستر، يا عظيم العفو، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يا صاحب كل نجوى ويا منتهى كل شكوى، يا كريم الصفح، يا عظيم المن، يا مبتدئ النعم قبل استحقاقها، يا رباه يا سيداه ويا أملاه ويا غاية رغبتاه أسألك يا الله يا الله يا الله أن لا تشوه خلقي بالنار(٢) [ وأن تغفر لي ولوالدي برحمتك وأن تعطيني خير الدنيا والاخرة أنت على كل شيء قدير وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ] قال: يا رسول الله وما ثواب من قال هذه الكلمات؟ قال: هيهات هيهات انقطع العلم لو إجتمع ملائكة سبع سموات وسبع أرضين على أن يصفوا ثواب ذلك إلى يوم القيامة لما وصفوا من [ كل ] ألف [ ألف ] حزء جزء واحدا.

وذكرصلى‌الله‌عليه‌وآله لهذه الكلمات ثوابا وفضائل كثيرة لا يحتمل ذكرها ههنا اقتصرنا على ذكر المقصود مخافة التطويل.

( في طلب الحاجة)

من أراد الخروج من بيته فليقل عند خروجه: بسم الله وبالله ولا حول ولا قوة إلا بالله توكلت على الله ويقرأ الحمد والمعوذتين و( قل هو الله أحد ) وآية الكرسي من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن يساره وفوقه وتحته. وإذا أراد الرجوع إلى بيته فليقل حين يدخل: بسم الله وبالله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم يسلم على أهله إن كان في البيت أحد، فإن لم يكن في البيت أحد فليقل بعد الشهادتين: السلام على محمد بن عبد الله خاتم النبيين، السلام على الائمة الهادين المهديين، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وإذا دخل السوق في الحاجة فليقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

__________________

١ - الجريرة: الجناية والذنب لانها تجر العقوبة.

٢ - شوه الله وجهه بالنار: قبحه بها.

٣٤٥

( ومن دعاء أمير المؤمنينعليه‌السلام في الحاجة)

لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحليم الكريم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي العظيم، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، يا هو، يا من هو هو، يا من ليس هو إلا هو، يا هو، يا من لا هو إلا هو.

( أيضا في طلب الحاجة)

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان أبي إذا ألمت به حاجة يسجد من غير قراءة ولا ركوع، ثم يقول: يا أرحم الراحمين سبع مرات. وما قالها مؤمن إلا قال الله جل جلاله: ها أنا ذا أرحم الراحمين سل حاجتك.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : يا علي: إذا خرجت من منزلك تريد حاجة فاقرأ آية الكرسي، فإن حاجتك تقضى إن شاء الله.

وعن الصادقعليه‌السلام قال: من ذهب في حاجة على غير وضوء فلم تقض حاجته فلا يلومن إلا نفسه.

من كتاب عيون الاخبار، عن الرضا، عن آبائه، عن عليعليهم‌السلام قال: إذا أراد أحدكم الحاجة فليبكر في طلبها يوم الخميس وليقرأ إذا خرج من منزله: آخر سورة آل عمران وآية الكرسي وسورة( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) وأم الكتاب، فإن فيها قضاء حوائج الدينا والاخرة.

( في المهمات)

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا أصاب الرجل كربة أو شدة فليكشف عن ركبتيه وذراعيه وليلصقهما بالارض ويلصق جؤجؤه(١) بالارض ثم يدعو.

( آخر)

قال عليعليه‌السلام لابنه: إذا نزل بك أمر عظيم في دين أو دنيا فتوضأ وارفع يديك وقل: يا الله سبع مرات، ثم سل حاجتك، فإنه يستجاب لك.

( آخر)

عن أبي الحسن الاولعليه‌السلام قال: ما من أحد دهمه أمر يغمه أو كربته كربة

__________________

١ - الجؤجؤ - كهدهد -: الصدر.

٣٤٦

فرفع رأسه إلى السماء ثم قال ثلاث مرات: « بسم الله الرحمن الرحيم » إلا فرج الله كربته وأذهب غمه إن شاء الله تعالى.

( في الدين)

عن الحسين بن خالد قال: لزمني دين ببغداد ثلاثمائة ألف وكان لي دين عند الناس أربعمائة ألف فلم يدعني غرمائي أخرج لاستقضي مالي على الناس وأعطيهم، قال: فحضر الموسم فخرجت مستترا وأردت الوصول إلى أبي الحسنعليه‌السلام فلم أقدر فكتبت إليه أصف له حالي وما علي وما لي، فكتب إلي في عرض كتابي قل في دبر كل صلاة: اللهم إني أسألك يا لا إله إلا أنت بحق لا إله إلا أنت أن ترحمني بلا إله إلا أنت، اللهم إني أسألك يا لا إله إلا أنت بحق لا إله إلا أنت أن ترضى عني بلا إله إلا أنت، اللهم إني أسألك يا لا إله إلا أنت بحق لا إله إلا أنت أن تغفر لي بلا إله إلا أنت أعد ذلك ثلاث مرات في دبر كل صلاة فريضة، فإن حاجتك تقضى إن شاء الله، قال الحسين: فأدمتها فوالله ما مضت بي إلا أربعة أشهر حتى أقتضيت ديني وقضيت ما علي واستفضلت مائة ألف درهم.

( في الدعاء على الظالم)

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا خفت أمرا فأردت أن تكفي أمره وشره فاعتمد طلبة الهلال في أول الشهر فإذا رأيته فقم قائما على قدميك وقل كأنك تؤمني إليه بالخطاب:( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الانهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت ) (١) وتؤمي بهذه الكلمة نحو دار الرجل الذي تخافه ثم تقول: فاحترقت فاحترقت فاحترقت، اللهم طمه بالبلاء طما(٢) وغمه بالغماء غما وارمه بحجارة من سجيل وطيرك الابابيل يا علي يا عظيم، ثم تقول مثل ذلك في الليلة الثانية من الشهر وفي الليلة الثالثة، فإن نجح وبلغت ما تريد في الشهر الاول وإلا فعلت [ ذلك ] في الشهر

__________________

١ - البقرة: آية ٢٦٨.

٢ - طمت البئر وغيرها: ملاتها بالتراب. وطم الشيء: كثر. الامر: عظم وتفاقم. والغماء: الداهية والحزن والكرب. وفي بعض النسخ ( بالعناء ).

٣٤٧

الثاني تلتمس الهلال الليلة الاولى وتقول ما تقدم ذكره والثانية والثالثة، فإن نجح وإلا فمثل ذلك في الشهر الثالث فلن تحتاج بعد ذلك بإذن الله عزوجل.

( آخر)

جاء رجل إلى الصادقعليه‌السلام فشكا إليه ظالما يظلمه فقال له: قل: يا ناصر المظلوم المبغى عليه إن كان فلان بن فلان ظلمني وبغى علي فابتله بفقر لا تجبره وبلاء لا تستره، فما دعا الرجل على ظالمه بهذا الدعاء إلا ثلاث مرات حتى أصابه وضح في جبهته ثم افتقر من بعده.

( آخر)

إذا دخلت على سلطان فقل: خيرك بين عينيك وشرك تحت قدميك وأنا أستعين بالله عليك.

( آخر)

عن الرضاعليه‌السلام قال: إذا دعا أحدكم على عدوه فليقل: اللهم اطرقه بليلة(١) لا أخت لها وأبح حريمه، يا من يكفي من كل شيء ولا يكفي منه شيء صل على محمد وآل محمد واكفني مؤنته بلا مؤنة.

( آخر)

إذا فزعت من رجل فقل: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، أمتنع بحول الله وقوته من حولهم وقوتهم وأمتنع برب الفلق من شر ما خلق ما شاء الله لا قوة إلا بالله.

( في طلب الرزق)

عن الرضاعليه‌السلام قال: شكا رجل إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام الفقر، فقال: أذن إذا سمعت الاذان كما يؤذن المؤذن.

عن الصادقعليه‌السلام قال: اللهم إن كان رزقي في السماء فانزله وإن كان في الارض فأظهره وإن كان بعيدا فقربه وإن كان قريبا فأعطنيه وإن كان قد أعطيتنيه فبارك لي فيه وجنبني عليه المعاصي والردي.

__________________

١ - يقال أتانا فلانا طروقا أي ليلا. وأصله: الصك والقرع والدق. وفي بعض النسخ ( ببلية ) والبلية: شدة الهم والحزن وهو الاظهر.

٣٤٨

( في الخوف)

قال الصادقعليه‌السلام : إذا كنت في سفر أو مفازة(١) فخفت جنيا أو آدميا فضع يمينك على أم رأسك واقرأ برفيع صوتك:( أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والارض طوعا وكرها وإليه يرجعون ) (٢) . وروي في هذه الاية أنها تقرأ للدابة التي تمنع اللجام، تقرأ في أذنها وتقول: « اللهم سخرها وبارك [ لي ] فيها بحق محمد وآله »، وتقرأ إنا أنزلناه.

وقال عليعليه‌السلام : ما عثرت دابتي قط، قيل: ولم ذلك؟ قال: لاني لم أطأ [ بها ] زرعا قط.

( في من خاف الاسد على نفسه وغنمه)

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من خاف الاسد على نفسه او على غنمه فليخط عليها بخط وليقل: اللهم رب دانيال والجب(٣) ورب كل أسد مستأسد احفظني واحفظ علي غنمي.

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لعليعليه‌السلام : يا علي، إذا رأيت أسدا واشتد بك الامر فكبر ثلاثا وقل: الله أكبر وأجل وأعظم من كل شيء، الله أكبر وأعز من خلقه وأقدر، أعوذ بالله من شر ما أخاف وأحذر تكف شره إن شاء الله تعالى.

( في من يخاف من الكلاب والسباع)

فليقل:( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ) (٤) ،( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالاخرة حجابا مستورا ) (٥) ،( وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاؤك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الاولين ) (٦)

__________________

١ - المفازة: الفلاة لا ماء فيها، من فوز - بالتشديد -: إذا مات لانها مظنة الموت.

٢ - آل عمران: آية ٧٧.

٣ - الجب - بالضم فالتشديد -: البئر العميقة. وأيضا بئر لم تطؤها فإذا طويت فهي بئر.

٤ - سورة الجاثية: آية ١٣.

٥ - سورة بني إسرائيل: آية ٤٨.

٦ - سورة الانعام: آية ٢٥.

٣٤٩

( في الفأل والطيرة)

في الحديث أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحب الفأل الحسن ويكره الطيرة.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمر من رأى شيئا يكرهه ويتطير منه أن يقول: اللهم لا يؤتي الخير إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك.

( فيمن خاف السارق)

يقرأ على الحلق والقفل قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا إلى آخر السورة.

( في الغضب)

عن الصادقعليه‌السلام قال: أيما رجل غضب وهو قائم فليجلس، فإنه يذهب عنه رجز الشيطان، ومن غضب علي ذي رحم ماسة فليمسه يسكن عنه الغضب.

وعنهعليه‌السلام قال: قل عند الغضب: اللهم اذهب عني غيظ قلبي واغفر لي ذنبي وأجرني من مضلات الفتن، أسألك برضاك وأعوذ بك من سخطك، أسألك جنتك وأعوذ بك من نارك، أسألك الخير كله وأعوذ بك من الشر كله، اللهم ثبتني على الهدى والصواب واجعلني راضيا مرضيا غير ضال ولا مضل.

وقالعليه‌السلام : قال الله تبارك وتعالى: ياابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب فلا أمحقك فيمن أمحق.

وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : من كف غضبه عن الناس كف الله عنه غضبه يوم القيامة.

( أيضا في الغضب)

يصلي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول يذهب غيظ قلوبهم: اللهم اغفر ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من الشيطان الرجيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

( دعاء آخر)

دعا به الصادقعليه‌السلام عند دخوله على المنصور وهو في شدة غضبه فسكن غضبه: يا عدتي عند شدتي ويا غوثي عند كربتي احرسني بعينك التي لا تنام واكنفني بكنفك الذي لا يرام.

( في الوحشة)

روي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شكا إليه رجل الوحشة، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من أن تقول

٣٥٠

هذه الكلمات، فإن من قالها يذهب الله عنه الوحشة وهي: سبحان الله الملك القدوس رب الملائكة والروح، خالق السموات والارض، ذي العزة والجبروت.

( في الهم والحزن)

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من دعاء بهذا الدعاء: ( اللهم إنى عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي ) اذهب الله همه وابدله مكان حزنه فرحا.

( في البلاء)

من رآى أحدا من أهل البلاء فليقل سرا: «الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به ولو شاء لفعل». وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: تقول ثلاث مرات إذا نظرت إلى المبتلى من غير أن تسمعه: «الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه ولو شاء فعل»، قال: من قال ذلك لم يصبه ذلك البلاء أبدا. وقال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا رأيتم أهل البلاء فاحمدوا الله ولا تسمعوهم، فإن ذلك يحزنهم».

( في الجنازة)

كان علي بن الحسينعليهما‌السلام إذا رأى جنازة قال: « الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم »(١) . وقال أيضا: الحمد لله الذي تعزز بالقدرة وقهر عباده بالموت.

( في الامر المشكل)

روي أن من عرض له مهم وأراد أن يعرف وجه الحيلة فيه فينبغي أن يقرأ حين يأخذ مضجعه هاتين السورتين كل واحدة سبع مرات: والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، فإنه يرى شخصا يأتيه ويعلمه وجه الحيلة فيه والنجاة منه.

( في العافية)

كان من دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم إني أسألك العافية وشكر العافية وتمام العافية في الدنيا والاخرة.

__________________

١ - السواد: الشخص والشبح. والمخترم: الهالك والمستأصل.

٣٥١

من الروضة قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من رأى يهوديا أو نصرانيا او مجوسيا او واحدا على غير ملة الاسلام فقال: الحمد لله الذي فضلني عليك بالاسلام دينا وبالقرآن كتابا وبمحمد -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - نبيا وبالمؤمنين إخوانا وبالكعبة قبلة لم يجمع الله بينه وبينه في النار.

( في عزيمة المسألة)

يستحب للداعي عزيمة المسألة لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت وليعزم المسألة فإنه لا يكره له. وإذا استجاب الله دعاء الداعي فليقل: الحمد لله الذي بعزته تتم الصالحات. وإذا أبطأ عليه الاجابة فليقل: الحمد لله على كل حال. ويكره للداعي استبطاء الاجابة. وليكن مواظبا على الدعاء والمسألة ولا يسأم منهما، لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يستجاب للعبد ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي. وإذا أردت حاجة فقل: اللهم إني أسألك باسمك الاعلى الاكبر الاعز الاجل الاعظم الاكرم أن تفعل بي كذا وكذا، فإنه لا يرد.

( في الورطة)

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لعليعليه‌السلام : إذا وقعت في ورطة فقل: بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم إياك نعبد وإياك نستعين، فإن الله تعالى يدفع بها البلاء.

( في اسم الله الاعظم)

روي أن علي بن الحسينعليهما‌السلام قال: كنت أدعو الله سبحانه سنة عقيب كل صلاة أن يعلمني الاسم الاعظم، فبينا أنا ذات يوم قد صليت الفجر إذ غلبتني عيناي وأنا قاعد وإذا أنا برجل قائم بين يدي يقول لي: سألت الله تعالى أن يعلمك الاسم الاعظم، قلت: نعم، قال: قل: اللهم إني أسألك باسم الله الله الله الله الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم، قال: فوالله ما دعوت لها لشيء إلا رأيت نجحه.

( في الرعد والصواعق)

إذا سمعت صوت الرعد ورأيت الصواعق فقل: « اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك ».

٣٥٢

( في المطر)

وإذا أمطرت السماء فقل: « صيبا هنيئا »(١) .

( في الرياح)

عن الصادقعليه‌السلام قال: إذا هبت الرياح فأكثر من التكبير وقل: اللهم إني أسألك خير ما هاجت به الرياح وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها، اللهم اجعلها علينا رحمة وعلى الكافرين عذابا وصلى الله على محمد وآل محمد.

( في الزرع)

عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إذا أردت أن تزرع زرعا فخذ قبضة من البذر بيدك ثم استقبل القبلة وقل:( أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ) (٢) ثلاث مرات، ثم قل: اللهم اجعله حرثا مباركا وارزقنا فيه السلامة والتمام واجعله حبا متراكبا ولا تحرمني خير ما أبتغي ولا تفتني بما متعتني بحق محمو وآله الطيبين الطاهرين، ثم ابذر القبضة التي في يدك إن شاء الله.

( الدعاء في الوحدة)

يا أرض ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما خلق فيك ومن شر ما يحاذر عليك. أعوذ بالله من شر كل أسد وأسود وحية وعقرب من ساكن البلد ومن شر والد وما ولد،( أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والارض طوعا وكرها وإليه يرجعون ) ، الحمد لله بنعمة وحسن بلائه علينا، اللهم صاحبنا في السفر وأفضل علينا فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله ثم تقرأ( ألهاكم التكاثر ) إلى آخرها، فإنه لا يؤذيك شيء من السباع والهوام والحيات والعقارب إذا قرأت ذلك ولو بت على الحية بإذن الله تعالى.

( في العطاس)

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من سمع عطسة فحمد الله وأثني عليه وصلى على

__________________

١ - الصيب - كسيد -: من صاب يصوب إذا نزل، ويقال للسحاب الصيب أي ذو الصوب.

٢ - سورة الواقعة: آية ٦٤.

( مكارم الاخلاق - ٢٣ )

٣٥٣

محمد وأهل بيته لم يشتك ضرسه ولا عينه أبدا، ثم قال: وإن سمعها وبينه وبين العاطس البحر فلا يدع أن يقول ذلك.

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: من قال إذا عطس: الحمد لله رب العالمين على كل حال لم يجد وجع الاذنين والاضراس.

عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إذا عطس الرجل ثلاثا، فسمته ثم أتركه بعد ذلك.

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن أحدكم ليدع تسميت أخيه إن عطس فيطالبه يوم القيامة فيقضى له عليه.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا عطس المرء المسلم ثم سكت لعلة تكون به، قالت الملائكة عنه: الحمد لله رب العالمين، فإن قال: الحمد لله رب العالمين، قال الملائكة: يغفر الله لك.

عن تسنيم خادم الحسن بن عليعليهما‌السلام قال: قال لي صاحب الزمانعليه‌السلام وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة فعطست، فقال: يرحمك الله، قال تسنيم: ففرحت بذلك، فقال: ألا أبشرك بالعطاس؟ فقلت: بلى، فقال: هو أمان من الموت ثلاثة أيام.

عن أبي مريم(١) قال: عطس عاطس عند أبي جعفرعليه‌السلام ، فقال أبوجعفرعليه‌السلام : نعم الشيء العطاس، فيه راحة للبدن ويذكر الله عنده ويصلي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت: إن محدثي العراق يحدثون أنه لا يصلي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ثلاث مواضع: عند العطاس وعند الذبيحة وعند الجماع، فقالعليه‌السلام : اللهم إن كانوا كذبوا فلا تنلهم شفاعة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من قال إذا سمع عاطسا: الحمد لله على كل حال ما كان من أمر الدنيا والاخرة وصلى الله على محمد وآله لم ير في فمه سوءا.

عنهعليه‌السلام قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من سبق العاطس بالحمد عوفي من وجع الضرس والخاصرة.

عن الصادقعليه‌السلام قال: إذا عطس الانسان فقال: الحمد لله، قال الملكان

__________________

١ - هو عبد الغفار بن القاسم بن قيس، المكنى بأبي مريم الانصاري، ثقة من أصحاب الصادقين (عليهما‌السلام ).

٣٥٤

الموكلان به: رب العالمين كثيرا لا شريك له، فإن قالها العبد، قال الملكان: وصلى الله على محمد، فإن قالها العبد، قالا: وعلى آل محمد، فإن قالها العبد، قال الملكان: يرحمك الله.

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام في خبر طويل: إذا عطس أحدكم فسمتوه، فإن قال: يرحمكم الله فقولوا: يغفر الله لكم ويرحمكم، فإن الله تعالى قال:( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) (١) .

وعن عبد الله بن أبي يعفور قال: حضرت مجلس أبي عبد اللهعليه‌السلام وكان إذا عطس رجل في مجلسه فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : رحمك الله، قالوا: آمين. فعطس أبو عبد اللهعليه‌السلام فخجلوا ولم يحسنوا أن يردوا عليه، قال: فقولوا: أعلى الله ذكرك.

وفي رواية أخرى عنهمعليهم‌السلام : إذا عطس الانسان ينبغي أن يضع سبابته على قصبة أنفه ويقول: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، رغم أنفي لله رغما داخرا صاغرا غير مستنكف ولا مستحسر وإذا عطس غيره فليسمته وليقل: يرحمك الله - مرة أو مرتين أو ثلاثا -، فإذا زاد فليقل: شفاك الله.

وإذا أراد أن يسمت المؤمن فليقل: يرحمك الله، وللمرأة: عافاك الله، وللصبي: زرعك الله، وللمريض: شفاك الله، وللذمي: هداك الله، وللنبي والامامعليهم‌السلام : صلى الله عليك. وإذا سمته غيره فليرد عليه وليقل: يغفر الله لنا ولكم.

روى أبوبصير، عن أبي عبد الله قال: كثرة العطاس يأمن صاحبها من خمسة أشياء: أولها الجذام، والثاني الريح الخبيثة التي تنزل في الرأس والوجه، والثالث يأمن نزول الماء في العين، والرابع يأمن من شدة الخياشيم(٢) ، والخامس يأمن من خروج الشعر في العين. وقال: وإن أحببت أن يقل عطاسك فاستعط بدهن المرز نجوش، قلت: مقدار كم؟ قال: مقدار دانق(٣) ، قال: ففعلت ذلك خمسة أيام فذهب عني.

__________________

١ - سورة النساء: آية ٨٨.

٢ - الخيشوم - وزان فعلول -: أقصى الانف والحاجز بين المنخرين وجمعه خياشم، والخياشم أيضا: عروق في بطن الانف.

٣ - الدانق: سدس الدرهم.

٣٥٥

عنهعليه‌السلام قال: من عطس في مرضه كان له أمانا من الموت في تلك العلة. وقال: التثاؤب من الشيطان والعطاس من الله عزوجل(١) .

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان الرجل يتحدث فعطس عاطس فهو شاهد حق.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : العطاس للمريض دليل على العافية وراحة للبدن.

( في النسيان)

عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا أنساك الشيطان شيئا فضع يدك على جبهتك وقل: « اللهم إني أسألك يا مذكر الخير وفاعله والامر به أن تصلي على محمد وآل محمد وتذكرني ما أنسانيه الشيطان الرجيم ».

__________________

١ - التثاؤب: فترة يعتري الشخص ففتح فاه واسعا من غير قصد.

٣٥٦

الباب الحادي عشر

( في آداب المريض وعلاجه وما يتعلق بهما، خمسة فصول)

هذا الباب مختار من طب الائمة ومن مجموع دعوات لمولاي أبي طول الله عمره

الفصل الاول

( في آداب المريض والعائد وعلاجه)

( في ثواب المريض)

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحمى رائد الموت وسجن الله في أرضه، وفورها من جهنم وهي حظ كل مؤمن من النار(١) .

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا رأى في جسمه بثرة(٢) عاذ بالله واستكان له وجار إليه، فيقال له: يا رسول الله أهو بأس؟ فيقول: إن الله إذا أراد أن يعظم صغيرا عظمه وإذا أراد أن يصغر عظيما صغره.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: أما إنه ليس من عرق يضرب ولا نكبة ولا صداع ولا مرض إلا بذنب، وذلك قوله عزوجل في كتابه:( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) (٣) ، ثم قال: وما يعفو الله اكثر مما ياخذ به.

عن علي بن الحسينعليهما‌السلام قال: نعم الوجع الحمى يعطي كل عضو قسطه من البلاء ولا خير فيمن لا يبتلى.

عن محمد بن أحمد، عن يوسف بن إسماعيل بإسناده له قال قال: إن المؤمن إذا حم حماة واحدة(٤) تناثرت الذنوب منه كورق الشجر، فإن صار على فراشه فأنينه تسبيح

__________________

١ - الفور: الغليان والاضطراب. وفار فورا: هاج واضطرب.

٢ - البثرة - كتمرة - خراج صغير.

٣ - سورة الشورى: آية ٢٩.

٤ - حم الرجل - بالتشديد -: أصابته الحمى. وحم حمه - بالتشديد أيضا -: قصد قصده.

٣٥٧

وصياحه تهليل وتقلبه على الفراش كمن يضرب بسيفه في سبيل الله وإن أقبل يعبدالله عزوجل بين أصحابه كان مغفورا له، فطوبي له إن مات وويله إن عاد. والعافية أحب إلينا.

عن علي بن الحسينعليهما‌السلام قال: حمى ليلة كفارة سنة، وذلك لان ألمها يبقى في الجسد سنة.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: حمى ليلة كفارة لما قبلها ولما بعدها.

عنهعليه‌السلام قال: من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها وأدى إلى الله شكرها كانت له كفارة ستين سنة، قال: قلت: وما قبلها بقبولها؟ قال: صبر على ما كان فيها.

عن الباقرعليه‌السلام قال: سهر ليلة من مرض أفضل من عبادة سنة.

عن زرارة، عن أحدهماعليهما‌السلام قال: سهر ليلة من مرض أو وجع أفضل وأعظم أجرا من عبادة سنة.

عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: حمى ليلة تعدل عبادة سنة وحمى ليلتين تعدل عبادة سنتين وحمى ثلاث تعدل عبادة سبعين سنة. قال أبوحمزة: قلت: فإن لم يبلغ سبعين سنة؟ قال: فلابيه وأمه، قال: قلت: فإن لم يبلغا؟ قال: فلقرابته، قال: قلت: فإن لم تبلغ قرابته؟ قال: فلجيرانه.

عن الرضاعليه‌السلام قال: المرض للمؤمن تطهير ورحمة. وللكافر تعذيب ولعنة. وإن المرض لا يزال بالمؤمن حتى ما يكون عليه ذنب.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: صداع ليلة يحط كل خطيئة إلا الكبائر.

عن أبي إبراهيمعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : للمريض أربع خصال: يرفع عنه القلم، ويأمر الله الملك فيكتب له كل فضل كان يعمله في صحته، ويتبع مرضه كل عضو في جسده فيستخرج ذنوبه منه، فإن مات مات مغفورا له وإن عاش عاش مغفورا له.

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: إذا مرض المسلم كتب الله له كأحسن ما كان يعمل في صحته وتساقطت ذنوبه كما يتساقط ورق الشجر.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إن الله إذا أحب عبدا نظر إليه. وإذا نظر إليه أتحفه بواحدة من ثلاث: إما حمى أو وجع عين أو صداع.

٣٥٨

عن الكاظمعليه‌السلام قال: إن المؤمن إذا مرض أوحى الله عزوجل إلى أصحاب الشمال: لا تكتبوا على عبدي ما دام في حبسي ووثاقي، وأوحى إلى أصحاب اليمين: أن اكتبوا لعبدي ما كنتم تكتبونه له في صحته من الحسنات.

( في الصبر على العلة)

عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقول الله عزوجل: إذا ابتليت عبدي فصبر ولم يشتك على عواده ثلاثا أبدلته لحما خيرا من لحمه وجلدا خيرا من جلده ودما خيرا من دمه، وإن توفيته توفيته إلى رحمتي وإن عافيته عافيته ولا ذنب عليه.

عن الرضاعليه‌السلام قال: المرض للمؤمن تطهير ورحمة، وللكافر تعذيب ونقمة.

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إن العبد ليصيبه [ من ] المصائب حتى يمشي على الارض وما عليه خطيئة.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : عودوا مرضاكم واسألوهم الدعاء فإنه يعدل دعاء الملائكة ومن مرض ليلة فقبلها بقبولها كتب الله له عبادة ستين سنة، قيل له: ما معنى فقبلها بقبولها؟ قال: لا يشكو ما أصابه فيها إلى أحد.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنما الشكوى أن يقول الرجل: لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد، أو يقول: لقد أصابني ما لم يصب أحدا، وليس الشكوى أن يقول: سهرت البارحة وتحممت اليوم ونحو هذا.

وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال: المرض لا أجر فيه ولكن لا يدع ذنبا إلا حطه وإنما الاجر بالقول واللسان والعمل باليد والرجل، وإن الله تعالى ليدخل بصدق النية والسريرة الخالصة جما من عباده الجنة.

( في عيادة المريض)

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من حق المسلم على المسلم إذا لقيه أن يسلم عليه، وإذا مرض أن يعوده، وإذا مات أن يشيع جنازته.

وعادصلى‌الله‌عليه‌وآله جارا له يهوديا.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده عليه ويسأله كيف أنت؟

٣٥٩

كيف أصبحت وكيف أمسيت؟ وتمام تحيتكم المصافحة.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ينبغي للمريض منكم أن يؤذن إخوانه بمرضه فيعودونه ويؤجر فيهم ويؤجرون فيه، فقيل: نعم، هم يؤجرون فيه لمشيهم إليه وهو كيف يؤجر فيهم؟ فقال: باكتسابه لهم الحسنات فيؤجر فيهم فيكتب له بذلك عشر حسنات ويرفع له عشر درجات ويحط عنه عشر سيئات.

قالعليه‌السلام : وينبغي لاولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت فيشهدون جنازته ويصلون عليه ويستغفرون له فيكسب لهم الاجر ويكسب لميته الاستغفار.

عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: عاد أمير المؤمنينعليه‌السلام صعصعة بن صوحان ثم قال: يا صعصعة لا تفخر على إخوانك بعيادتي إياك وانظر لنفسك فكأن الامر قد وصل إليك ولا يلهينك الامل.

من كتاب زهد أمير المؤمنينعليه‌السلام ومن كتاب الجنائز، عن الصادقعليه‌السلام قال: لا عيادة في وجع العين. ولا تكون العيادة في أقل من ثلاثة أيام فإذا شئت فيوم ويوم لا، أو يوم ويومين لا وإذا طالت العلة ترك المريض وعياله.

عنهعليه‌السلام قال: إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال: إن من اعظم العباد أجرا عند الله لمن إذا عاد اخاه خفف الجلوس إلا أن يكون المريض يريد ذلك ويحبه ويسأله ذلك.

وقالعليه‌السلام : من تمام العيادة أن يضع العائد إحدى يديه على يدى المريض أو على جبهته.

عنهعليه‌السلام أيضا قال: تمام العيادة للمريض أن تضع يدك على ذراعيه وتعجل القيام من عنده، فإن عيادة النوكي(١) أشد على المريض من وجعه.

وروي عنهعليه‌السلام أنه قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد، العبد إلى الله عز وجل، فيحاسبه حسابا يسيرا ويقول: يا مؤمن ما منعك أن تعودني حين مرضت؟ فيقول المؤمن: أنت ربي وأنا عبدك، أنت الحي القيوم الذي لا يصيبك ألم ولا نصب، فيقول عزوجل: من عاد مؤمنا في فقد عادني، ثم يقول له: أتعرف فلان بن فلان؟

__________________

١ - النوكي: جمع أنوك: الاحمق، العاجز الجاهل، العيي في كلامه.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481