مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق12%

مكارم الأخلاق مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: مکتبة الأخلاق والدعاء
الصفحات: 481

مكارم الأخلاق
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 207745 / تحميل: 11479
الحجم الحجم الحجم
مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

في التطيب

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: الرائحة الطيبة تشد القلب.

من أمالي الشيخ أبي جعفر الطوسي(١) قال الصادقعليه‌السلام : إن الله تعالى يحب الجمال والتجمل ويكره البؤس والتبأس وإن الله تعالى إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى عليه أثرها، قيل: وكيف ذلك؟ قال: ينظف ثوبه ويطيب ريحه ويجصص داره ويكنس أفنيته(٢) ، حتى أن السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر ويزيد في الرزق.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: أربع من سنن المرسلين: السواك والحناء والطيب والنساء.

عنهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتطيب في كل جمعة، فإذا لم يجد أخذ بعض خمر(٣) نسائه فرشه بالماء ويمسح به.

عنهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما نلت من دنياكم هذه إلا النساء والطيب.

وعنهعليه‌السلام قال: ما أنفقت في الطيب فليس بسرف.

وعنهعليه‌السلام قال: إذا أتى أحدكم بريحان فليشمه وليضعه على عينيه فإنه من الجنة.

من الروضة قال مالك الجهني: ناولت أبا عبد الله شيئا من الرياحين فأخذه

__________________

١ - هو أبوجعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي المتوفى سنة ٤٦٠ ه. كان من أجل علماء الشيعة في القرن الخامس، الملقب بشيخ الطائفة، صاحب التهذيب والاستبصار من الكتب الاربعة وكان من تلامذة المفيد ( ره ) والسيد المرتضى ( ره ) قدم العراق في سنة ٤٠٨ ه. وأقام ببغداد واشتغل بها، ثم انتقل إلى النجف الاشرف واستوطن بها إلى أن توفي ودفن في داره، وقبره مزار معروف في المسجد الموسوم بالمسجد الطوسي.

٢ الافنية جمع فناء: فضاء البيت وأمامه ومنه الخبر إكنسوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود.

٣ - الخمر جمع خمار مثل كتب وكتاب: وهو ثوب تغطي به المرأة رأسها.

٤١

فشمّه ووضعه على عينيه ثم قال: من تناول ريحانة فشمها ووضعها على عينيه ثم قال: اللهم صل على محمد وآل محمد، لم تقع على الارض حتى يغفر له.

وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: إذا ناول أحدكم أخاه ريحانا فلا يرده، فإنه خرج من الجنة.

من صحيفة الرضاعليه‌السلام عنه عن آبائه عن عليعليهم‌السلام قال: التطيب نشرة والغسل نشرة والنظر إلى الخضرة نشرة والركوب نشرة(١) .

عن الرضاعليه‌السلام : كان يعرف موضع جعفرعليه‌السلام في المسجد بطيب ريحه وموضع سجوده.

وقال الرضاعليه‌السلام : من أخلاق الانبياءعليهم‌السلام التطيب.

وقال الصادقعليه‌السلام : ركعتان يصليهما متعطرا أفضل من سبعين ركعة يصليهما غير متعطر.

وعنهعليه‌السلام قال: ثلاثة من النبوة: طم الشعر(٢) وطيب الريح وكثرة الطروقة.

عن أبي عبد الله وأبي الحسنعليهما‌السلام إنهما سئلا عن الرجل يرد الطيب؟

فقالا: لا ترد الكرامة.

وعنهعليه‌السلام لا يأبى الكرامة إلا الحمار، يعني الذي عقله مثل عقل الحمار.

وعنهعليه‌السلام قال: الطيب في الشارب من أخلاق الانبياة وكرامة الكاتبين.

وعنهعليه‌السلام قال: كانت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسكة إذا هو يتوضأ أخذها بيده وهي رطبة فكان إذا خرج عرفوا أنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

عن الرضاعليه‌السلام قال: كان لعلي بن الحسينعليه‌السلام مشكدانة(٣) من رصاص معلقة فيها مسك، فإذا أراد أن يخرج ولبس ثيابه تناولها وأخرج منها فمسح به.

ومن كتاب عيون الاخبار روى الصولي عن جدته وكانت تسأل عن أمر الرضا

__________________

١ - النشرة بالضم: رقية يعالج بها المجنون والمريض. أو من النشر بمعنى الحياة.

٢ - طم الشعر: جزه أو عقصه. وفي بعض النسخ ضم الشعر.

٣ - مشكدانة فارسي. وفي بعض النسخ وشاندانة.

٤٢

عليه‌السلام كثيرا فتقول: ما أذكر منه شيئا إلا أني كنت أراه يتبخر بالعود الهندي النئ ويستعمل بعده ماء ورد ومسكا تمام الخبر.

من مسموعات السيد ناصح الدين أبي البركات قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية وأطيب الطيب المسك.

قال الصادقعليه‌السلام : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ينفق على الطيب أكثر ما ينفق على الطعام.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي: يا علي عليك بالطيب في كل جمعة، فإنه من سنتي وتكتب لك حسناته مادام يوجد منك رائحته.

وعنهعليه‌السلام قال: ينبغي للرجل أن لا يدع أن يمس شيئا من طيب في كل يوم فإن لم يقدر فيوم ويوم لا فإن لم يقدر ففي كل جمعة لا يدع ذلك.

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أيما إمرأة تطيبت، ثم خرجت من بيتها فهي تلعن حتى ترجع إلى بيتها متى ما رجعت.

في التجمير

عن مرازم قال: دخلت أبي الحسنعليه‌السلام الحمام، فلما خرج إلى المسلخ دعا بمجمر فتجمر(١) ، ثم قال: جمروا مرازما قال: قلت من أراد أن يأخذ نصيبه يأخذ؟ قال: نعم.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ينبغي للرجل أن يدخن ثيابه إذا كان يقدر.

عن عمير بن مأمون - وكانت ابنته عمير تحت الحسنعليه‌السلام - قال: قالت: دعا ابن الزبير الحسن إلى وليمة فنهض الحسنعليه‌السلام وكان صائما فقال له ابن الزبير: كما أنت حتى نتحفك بتحفة الصائم:، فدهن لحيته وجمر ثيابه. وقال الحسنعليه‌السلام : وكذلك تحفة المرأة تمشط وتجمر ثوبها.

__________________

١ - المسلخ: موضع نزع اللباس للدخول إلى الحمام. والمجمرة والمجمر: ما يوضع فيه الجمر يعني النار. وأجمر الثوب: نجره بالطيب.

٤٣

عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : طيب النساء ما ظهر لونه وخفى ريحه وطيب الرجال ما خفي لونه وظهر ريحه.

إلى هنا من هذا الباب مختارة من كتاب اللباس المنسوب إلى العياشي رحمة الله عليه(١) .

في الورد وماء الورد

من كتاب طب الائمة(٢) عن الحسن بن منذر يرفعه قال: لما أسرى بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء حزنت الارض لفقده وأنبتت الكبر(٣) فلما رجع إلى الارض فرحت فأنبتت الورد، فمن أراد أن يشم رائحة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فليشم الورد.

وفي حديث آخر لما عرج بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عرق فتقطر عرقه إلى الارض فأنبتت من العرق الورد الاحمر، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أراد أن يشم رائحتي فليشم الورد الاحمر.

عن الفردوس عن أنس قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الورد الابيض خلق من عرقي ليلة المعراج والورد الاحمر خلق من عرق جبريل والورد الاصفر خلق من البراق.

وروي عنهعليه‌السلام قال: إن ماء الورد يزيد في ماء الوجه وينفي الفقر.

وروى الثمالي عنهعليه‌السلام أنه قال: من مسح وجهه بماء الورد لم يصبه في ذلك

__________________

١ - هو أبونضر محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السمرقندي المعروف بالعياشي صاحب التفسير المشهور بالتفسير العياشي، كانرحمه‌الله من الفقهاء الشيعة وعلمائهم في القرن الرابع، المعاصر للشيخ الكليني ( ره ) وقيل في حقه: « إنه أوحد دهره وأكبر أهل المشرق علما وفضلا وأدبا وفهما ونبلا في زمانه ». وأنفق جميع تركة أبيه - وكانت ثلاثمائة ألف دينار - على العلم والحديث، كانت داره مملوة من الناس كالمسجد بين ناسخ أو قار أو مقابل أو معلق وكان له مجلس للخاص ومجلس للعام وكان في أول عمره عامي على مذهب أهل السنة ثم تبصر وعاد إلى مذهب الشيعة الامامية وصنف كتبا كثيرة.

٢ - من مؤلفات حسين بن بسطام بن سابور الزيات كان من أكابر علماء الامامية ومحدثيهم وأجلاء رواة أخبارهم.

٣ - الكبر بفتحتين: شجر الاصف.

٤٤

اليوم بؤس ولا فقر. ومن أراد التمسح بماء الورد فليمسح به وجهه ويديه وليحمد ربه وليصل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

عن الحسن بن عليعليه‌السلام أنه قال: حباني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بكلتا يديه بالورد وقال: هذا سيد ريحان أهل الدنيا والاخرة.

في النرجس

روى الحسن بن المنذر رفعه قال: للنرجس فضائل كثيرة في شمه ودهنه. ولما أضرمت النار لابراهيمعليه‌السلام فجعلها الله عزوجل عليه بردا وسلاما، أنبت الله تبارك وتعالى في تلك النار النرجس فأصل النرجس مما أنبته الله عزوجل في ذلك الزمان.

في المرز نجوش

عن أنس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليكم بالمرز نجوش فشموه، فإنه جيد للخشام(١) . وعنه قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا رفع إليه الريحان شمه ورده إلا المرز نجوش، فإنه كان لا يرده.

عن الكاظمعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم الريحان المرز نجوش، نبت تحت ساق العرش وماؤه شفاء العين.

الفصل الثاني

في التكحل والتدهن

من كتاب من لا يحضره الفقيه(٢) عن الباقرعليه‌السلام قال: الاكتحال بالاثمد ينبت الاشفار ويحد البصر ويعين على طول السهر.

__________________

١ - الخشام: الانف.

٢ - من الكتب الاربعة للشيعة من مؤلفات الشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المتوفى سنة ٣٨١ في بلدة الري والمدفون فيها.

٤٥

عن الصادقعليه‌السلام قال: أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعرابي يقال له: قليب رطب العينين، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني أرى عينيك رطبتين يا قليب عليك بالاثمد فإنه سراج العين.

عن طب الاثمد قال الصادقعليه‌السلام : السواك يجلو البصر والاثمد يذهب بالبخر.

عن الرضاعليه‌السلام قال: من أصابه ضعف في بصره فليكتحل سبعة مراود(١) عند منامه من الاثمد، أربعة في اليمنى وثلاثة في اليسرى، فإنه ينبت الشعر ويجلو البصر وينفع الله بالكحلة منه بعد ثلاثين سنة.

وعنهعليه‌السلام قال: من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكتحل وقال: [ و ] عليك بالاثمد فإنه يجلو البصر وينبت الاشفار ويطيب النكهة ويزيد في الباه(٢) .

وعنهعليه‌السلام قال: من أصابه ضعف في بصره فليكتحل سبع مراود عند منامه من الاثمد، أربعة في اليمنى وثلاثة في البسرى.

عن الصادقعليه‌السلام قال: الكحل ينبت الشعر ويجفف الدمعة ويعذب الريق ويجلو البصر.

وعنهعليه‌السلام قال: الكحل يزيد في المباضعة. وعنهعليه‌السلام قال: الكحل يعذب الفم. وعنهعليه‌السلام قال: الكحل أربعة في اليمنى وثلاثة في اليسرى.

وعنهعليه‌السلام قال: الكحل بالليل يطيب الفم ومنفعته إلى أربعين صباحا.

وعنهعليه‌السلام : أنه كان أكثر كحله بالليل، وكان يكتحل ثلاثة أفراد في كل عين.

وعنهعليه‌السلام قال: الكحل عند النوم أمان من الماء الذي ينزل في العين.

ومن كتاب اللباس عن الصادقعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يكتحل بالاثمد إذا أراد أن يأوى إلى فراشه.

عن ابن فضال، عن الحسن بن جهم(٣) قال: أرانيعليه‌السلام ميلا من حديد، فقال: كان هذا لابي الحسنعليه‌السلام فاكتحل به فاكتحلت.

__________________

١ - المراود جمع المرود: الميل الذي يكتحل به.

٢ - النكهة: ريح الفم. والباه كالجاه: النكاح.

٣ - هو الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين، ثقة، روي أبي الحسن موسى والرضاعليهما‌السلام ، ذكره النجاشي في رجاله.

٤٦

عن نادر الخادم، عنهعليه‌السلام أنه قال لبعض من معه: اكتحل، فعرض أنه لا يحب الزينة في منزله، فقال: اتق الله واكتحل ولا تدع الكحل. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لم يفعل فليس عليه شيء.

عن الصادق، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من اكتحل فليوتر ومن تجمر فليوتر ومن استنجى فليوتر ومن استخار الله فليوتر.

وعنهعليه‌السلام قال: عليكم بالكحل، فإنه يطيب الفم، وعليكم بالسواك فإنه يجلو البصر. قال: قلت: كيف هذا؟ قال: لانه إذا استاك نزل البلغم فجلا البصر وإذا اكتحل ذهب البلغم فطيب الفم.

الدعاء عند الكحل

اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل النور في بصري والبصيرة في ديني واليقين في قلبي والاخلاص في عملي والسلامة في نفسي والسعة في رزقي والشكر لك أبدا ما أبقيتني.

في التدهن

عن كتب الشيخ السعيد أبي جعفر بن بابويه(١) عن الصادقعليه‌السلام قال: إذا صببت الدهن في يدك فقل: أللهم إني أسألك الزين والزينة في الدنيا والاخرة وأعوذ بك من الشين [ والشنآن ] في الدنيا والاخرة.

وعنهعليه‌السلام قال: الدهن يلين البشر [ ة ] ويزيد في الدماغ ويسهل مجاري الماء ويذهب القشف ويسفر اللون.

__________________

١ - هو محمد بن علي بن موسى بن بابويه القمي، الملقب بالصدوق والمعروف بإبن بابويه، صاحب من لا يحضره الفقيه من الكتب الاربعة، كانرحمه‌الله من أجلاء الشيعة بل فقهاء الاسلام ومحدثيهم وأعظم علماء الاسلام في القرن الرابع، قيل في حقه: ولولاه لاندرست آثار أهل البيت (: ) ولد هو وأخوه الحسين بن علي بن بابويه القمي بدعاء مولانا صاحب الامر، إمام المنتظر، الحجة بن الحسن العسكريعليه‌السلام . أصله من قم قدم بغداد سنة ٣٥٥ وكان من تلامذتة الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام البغدادي المتوفى سنة ٤١٣، ثم رجع ودخل الري وأقام بها إلى أن توفي فيها سنة ٣٨١ وصنف كتبا كثيرة وبقيت أكثر مصنفاته مدى الايام إلى الان فعمت بركته الانام.

٤٧

وعنهعليه‌السلام قال: من دهن مسلما كتب الله بكل شعرة نورا يوم القيامة.

وعنهعليه‌السلام قال: الدهن يذهب [ ب ] البؤس. وقال: البنفسج سيد الادهان، وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيته لعلي: يا علي كل الزيت وادهن بالزيت، فإنه من أكل الزيت وادهن بالزيت لم يقربه الشيطان أربعين صباحا.

وقال عليعليه‌السلام : إدهنوا بالبنفسج فانه بار في الصيف حار في الشتاء.

وعنهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فضل البنفسج على الادهان كفضل الاسلام على سائر الاديان.

وفي رواية الصادقعليه‌السلام : فضل البنفسج على سائر الادهان كفضلي على سائر الخلق.

وعنهعليه‌السلام قال: ادهنوا غبا واكتحلوا وترا(١) .

الفصل الثالث

في السواك

من كتاب من لايحضره الفقيه قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما زال جبريل يوصيني بالسواك حتى خشيت أن أحفي أو أدرد(٢) ، وما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه، وما زال يوصيني بالمملوك حتى ظننت أنه سيضرب له أجلا يعتق فيه.

وقال موسى بن جعفرعليه‌السلام : أكل الاشنان يذيب البدن والتدلك بالخزف يبلي الجسد والسواك في الخلاء يورث البخر(٣) .

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: السواك يزيد الرجل فصاحة.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي، فإنه ليس

__________________

١ - يقال: غب الرجل غبا أي أخذه يوما وتركه يوما.

٢ - يقال أحفى الرجل شاربه أي بالغ في قصه، ودرد: إذا سقطت أسنانه وبقيت أصولها.

٣ - الخزف: كل ما عمل من الطين وشوي بالنار. والبخر - محركة - ريح المنتن.

٤٨

من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كان نورا بين عينيه يوم القيامة.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم السواك الزيتون من شجرة مباركة ويذهب بالحفر(١) وهو سواكي وسواك الانبياء قبلي.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أربع من سنن المرسلين: الختان والتعطر والنكاح والسواك.

وقال الصادقعليه‌السلام : أربع من سنن المرسلين: العطر والسواك والنساء والختان.

من كتاب روضة الواعظين(٢) قال أبوالحسن موسىعليه‌السلام : لا يستغني شيعتنا عن أربع: عن خمرة(٣) يصلي عليها، وخاتم يتختم به، وسواك يستاك به، وسبحة من طين قبر الحسينعليه‌السلام فيها ثلاث وثلاثون حبة متى قلبها ذاكرا لله كتب الله له بكل حبة أربعين حسنة وإذا قلبها ساهيا يعبث بها كتب الله له عشرين حسنة.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيته لعلي: يا علي عليك بالسواك عند كل وضوء. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : السواك شطر الوضوء.

وقال الصادقعليه‌السلام : لما دخل الناس في الدين أفواجا أتاهم الازد - أرقها قلوبا وأعذبها أفواها - قيل: يا رسول الله، هؤلاء أرق قلوبا فلم صاروا أعذب أفواها؟ قال: إنهم كانوا يستاكون في الجاهلية.

وقالعليه‌السلام : لكل شيء طهور، وطهور الفم السواك.

وقال أبوجعفرعليه‌السلام : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يكثر السواك وليس بواجب، فلا يضرك تركه في فرط الايام. ولا بأس أن يستاك الصائم في شهر رمضان أي النهار شاء. ولا بأس بالسواك للمحرم. ويكره السواك في الحمام لانه يورث وباء الاسنان.

__________________

١ - الحفر: صفرة تعلو الاسنان.

٢ - للفتال النيسابوري من علماء القرن السادس الهجري، المعروف بابن الفارسي رحمة الله عليه.

٣ - خمرة وزان غرفة: سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل وتزمل بالخيوط. وقيل حصير صغير قدر ما يسجد عليه ويضع الرجل عليه جبهته في سجوده.

( مكارم الاخلاق - ٤ )

٤٩

وقال الباقر والصادقعليهما‌السلام : صلاة ركعتين بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك.

وقال الباقرعليه‌السلام في السواك: لا تدعه في كل ثلاثة أيام ولو أن تمره مرة واحدة.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اكتحلو وترا واستاكوا عرضا. وترك الصادقعليه‌السلام السواك قبل أن يقبض بسنتين، وذلك أن أسنانه ضعفت.

وسأل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفرعليه‌السلام عن الرجل: يستاك بيده إذا قام إلى الصلاة بالليل وهو يقدر على السواك؟ قال: إذا خاف الصبح فلا بأس.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لولا أن أشق على امتي لامرتهم بالسواك عند وضوء كل صلاة.

وروي: أن الكعبة شكت إلى الله عزوجل مما تلقى من أنفاس المشركين، فأوحى الله تبارك وتعالى إليها: قري يا كعبة فإني مبدلك بهم قوما يتنظفون بقضبان الشجرة(١) ، فلما بعث الله نبيه محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله نزل عليه الروح الامين جبريل بالسواك والخلال.

وقال الصادقعليه‌السلام : في السواك اثنتا عشرة خصلة: هو من السنة ومطهرة للفم ومجلاة للبصر ويرضي الرحمن ويبيض الاسنان ويذهب بالحفر(٢) ويشد اللثة ويشهي الطعام ويذهب بالبلغم ويزيد في الحفظ ويضاعف الحسنات وتفرح به الملائكة.

وكان للرضاعليه‌السلام خريطة(٣) فيها خمس مساويك، مكتوب على كل واحد منها إسم صلاة من الصلوات الخمس، يستاك به عند تلك الصلاة.

ومن كتاب طب الائمة عنهعليه‌السلام قال: السواك يجلو البصر وينبت الشعر ويذهب بالدمعة.

وفي وصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لامير المؤمنينعليه‌السلام : يا علي عليك بالسواك وإن

__________________

١ - القضبان: جمع القضيب وهو الغصن المقطوع.

٢ - الحفر: صفرة تعلو الاسنان.

٣ - الخريطة: وعاء من جلد او غيره.

٥٠

استطعت أن لا تقل منه فافعل، فإن كل صلاة تصليها بالسواك تفضل على التي تصليها بغير سواك أربعين يوما.

ومن كتاب اللباس لابي النضر العياشي عن أبي جميلة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: نزل جبريل بالخلال والسواك والحجامة.

وعنه، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نظفوا طريق القرآن. قالوا: يا رسول الله، وما طريق القرآن؟ قال: أفواهكم. قالوا: بماذا؟ قال: بالسواك.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : طهروا أفواهكم فإنها مسالك التسبيح.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: أكل الاشنان يذيب البدن والتدلك بالخزف يبلي الجسد والسواك في الخلاء يورث البخر.

[ من تهذيب الاحكام ] عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: السواك مرضاة لله عز وجل وسنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومطيبة للفم.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: السواك على المقعدة يورث البخر(١) .

عن الصادق عن أبيه عن أمير المؤمنينعليهم‌السلام قال: ثلاث يذهبن بالبلغم ويزدن في الحفظ: السواك والصوم وقراءة القرآن.

__________________

١ - المقعدة: مكان المخصوص للتخلي. والبخر محركة: ريح الفم.

٥١

الباب الثالث

في آداب الحمام وما يتعلق به، وفيه ستة فصول:

الفصل الاول

في كيفية دخول الحمام

من كتاب من لا يحضره الفقيه عن محمد بن حمران قال: قال الصادقعليه‌السلام : إذا دخلت الحمام فقل في الوقت الذي تنزع فيه ثيابك: اللهم انزع عني ربقة النفاق وثبتني على الايمان. وإذا دخلت البيت الاول فقل: اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي وأستعيذ بك من آذاه. وإذا دخلت البيت الثاني فقل: اللهم أذهب عني الرجس النجس وطهر جسدي وقلبي، وخذ من الماء الحار وضعه على هامتك وصب منه على رجليك وإن أمكن أن تبلغ منه جرعة فافعل، فإنه ينقي المثانة، والبث في البيت الثاني ساعة، وإذا دخلت البيت الثالث فقل: نعوذ بالله من النار ونسأله الجنة ترددها إلى وقت خروجك من البيت الحار. وإياك وشرب الماء البارد والفقاع(١) في الحمام، فإنه يفسد المعدة. ولا تصبن عليك الماء البارد فإنه يضعف البدن. وصب الماء البارد على قدميك إذا خرجت، فإنه يسل الداء من جسدك، فإذا [ خرجت من الحمام ] ولبست ثيابك فقل: اللهم ألبسني التقوى وجنبني الردى، فإذا فعلت ذلك أمنت من كل داء. ولا بأس بقراءة القرآن في الحمام ما لم ترد به الصوت إذا كان عليك مئزر.

وسأل محمد بن مسلم أبا جعفرعليه‌السلام فقال: أكان أمير المؤمنينعليه‌السلام ينهى عن قراءة القرآن في الحمام؟ فقال: لا، إنما نهى أن يقرأ الرجل وهو عريان، فإذا كان عليه ازار فلا بأس.

__________________

١ - إن الفقاع، وإن كان حراما في كل حال، إلا أنهعليه‌السلام أكد حرمة شربه في الحمام.

٥٢

قال علي بن يقطين للكاظمعليه‌السلام : أقرأ في الحمام وأنكح؟ قال: لا بأس.

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : نعم البيت الحمام، تذكر فيه النار ويذهب بالدرن. وقالعليه‌السلام : بئس البيت الحمام يهتك الستر ويذهب بالحياء. وقال الصادقعليه‌السلام : بئس البيت بيت الحمام يهتك الستر ويبدي العورة. ونعم البيت بيت الحمام يذكر حر جهنم. ومن الادب أن لا يدخل الرجل ولده معه الحمام فينظر إلى عورته وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يبعث بحليلته إلى الحمام. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنهى نساء أمتي عن دخول الحمام.

وقال الكاظمعليه‌السلام : لا تدخلوا الحمام على الريق ولا تدخلوه حتى تطعموا شيئا.

من كتاب المحاسن عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: لا تدخل الحمام إلا وفي جوفك شيء يطفئ عنك وهج المعدة(١) وهو أقوى للبدن ولا تدخله وأنت ممتلئ من الطعام.

وعنهعليه‌السلام قال: لا بأس للرجل أن يقرأ القرآن في الحمام إذا كان يريد به وجه الله ولا يريد أن ينظر كيف صوته.

وعن ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام فقلت: أيتجرد الرجل عند صب الماء ويرى عورته الناس، أو يصب عليه الماء، أو يرى هو عورة الناس؟ فقال: كان أبي يكره ذلك من كل أحد.

وقال الصادقعليه‌السلام : لا يستلقين أحد في الحمام فإنه يذيب شحم الكليتين.

وقال بعضهم: خرج الصادقعليه‌السلام من الحمام فلبس وتعمم، فقال: فما تركت العمامة عند خروجي من الحمام في الشتاء والصيف.

وقال موسى بن جعفر: الحمام يوم ويوم لا، يكثر اللحم وإدمانه كل يوم يذيب شحم الكليتين.

وقال عبد الرحمن بن مسلم: كنت في الحمام في البيت الاوسط، فدخل أبوالحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام وعليه إزار فوق النورة فقال: السلام عليكم، فرددت عليه

__________________

١ - الوهج أصله اتقاد النار واشتداد حره. والمراد به هنا تسكين اشتداد حرارة المعدة.

٥٣

ودخلت البيت الذي فيه الحوض فاغتسلت وخرجت.

عن الرضاعليه‌السلام قال: من غسل رجليه بعد خروجه من الحمام فلا بأس، وإن لم يغسلهما فلا بأس.

وخرج الحسن بن عليعليه‌السلام من الحمام فقال له رجل: طاب استحمامك، فقال: يا لكع(١) وما تصنع بالاست ههنا؟ قال: فطاب حمامك. قال: إذا طاب الحمام فما راحة البدن؟ قال: فطاب حميمك. قال: ويحك أما علمت أن الحميم العرق؟ قال: فكيف أقول؟ قال: قل: طاب ما طهر منك وطهر ما طاب منك.

قال الصادقعليه‌السلام : إذا قال لك أخوك وقد خرجت من الحمام: طاب حمامك فقل له: أنعم الله بالك.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الداء ثلاثة والدواء ثلاثة، فأما الداء فالدم والمرة والبلغم، فدواء الدم الحجامة ودواء البلغم الحمام ودواء المرة المشي(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ثلاثة يسمن وثلاثة يهزلن، فأما التي يسمن فإدمان الحمام وشم الرائحة الطيبة ولبس الثياب اللينة، وأما التي يهزلن فإدمان أكل البيض والسمك والضلع(٣) يعني بإدمان الحمام انه يوم ويوم لا، فإنه إن دخل كل يوم نقص من لحمه.

عن الباقرعليه‌السلام قال: ماء الحمام لا بأس به إذا كان له مادة(٤) .

عن داود بن سرحان قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : ما تقول في ماء الحمام؟ قال: هو بمنزلة الماء الجاري.

عن محمد بن مسلم قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : الحمام يغتسل فيه الجنب وغيره أفأغتسل من مائه؟ قال: نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب، ولقد اغتسلت

__________________

١ - اللكع كالصرد: اللئيم والعبد والاحمق. والاست: الاساس والاصل والسافلة، والمراد هنا القبل والدبر.

٢ - المرة - بالكسر فالتشديد -: خلط من أخلاط البدن كالصفراء والسوداء.

٣ - الضلع: امتلاء البطن شبعا أو ريا حتى يضلع أضلاعه.

٤ - المراد إن ماء الحمام طاهر لا ينجسه شيء إذا كان له منبع.

٥٤

فيه ثم جئت فغسلت رجلي وما غسلتهما إلا مما التزق بهما من التراب.

عن زرارة قال: رأيت الباقرعليه‌السلام يخرج من الحمام، فيمضي كما هو لا يغسل رجله حتى يصلي.

عن الصادقعليه‌السلام : اغسلوا أرجلكم بعد خروجكم من الحمام فإنه يذهب بالشقيقة، فإذا خرجتم فتعمموا.

عن محمد بن موسى عن الباقر والصادقعليهما‌السلام قال: إذا خرجنا من الحمام خرجنا متعممين شتاء [ كان أو ] صيفا، وكانا يقولان: هو أمان من الصداع.

وروي: إذا دخل أحدكم الحمام وهاجت به الحرارة فليصب عليه الماء البارد ليسكن به الحرارة.

ومن كتاب طب الائمة عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: قلموا أظفاركم يوم الثلاثاء واحتجموا يوم الاربعاء وأصيبوا من الحمام حاجتكم يوم الخميس وتطيبوا بأطيب طيبكم يوم الجمعة.

من كتاب الخصال عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: قلموا أظفاركم يوم الثلاثاء، واستحموا يوم الاربعاء، وأصيبوا من الحجامة حاجتكم يوم الخميس، وتطيبوا بأطيب طيبكم يوم الجمعة.

ومن كتاب اللباس عن سعدان بن مسلم قال: دخل علينا أبوالحسن الاولعليه‌السلام الحمام ونحن فيه، فسلم، قال: فقمت أنا فاغتسلت وخرجت.

عن حنان بن سدير عن أبيه قال: دخلت أنا وأبي وجدي وعمي حمام المدينة فإذا رجل في المسلخ فقال: ممن القوم؟ فقلنا: من أهل العراق، قال: من أي العراق؟ فقلنا: من أهل الكوفة، قال: مرحبا [ وسهلا ] وأهلا يا أهل الكوفة أنتم الشعار دون الدثار(١) ، ثم قال: ما يمنعكم من الازار؟ فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: عورة المسلم على المسلم حرام، قال: فبعث عمي من أتى له بكرباسة فشقها أربعة، ثم أخذ كل واحد منا واحدة فاتزر بها، فلما خرجنا من الحمام سألنا عن الشيخ فإذا هو علي بن الحسينعليه‌السلام وابنه محمد الباقرعليه‌السلام معه.

__________________

١ - الشعار - بالكسر -: ما يلي شعر الجسد من اللباس. والدثار - بالكسر -: ما يتدثر به الانسان من كساء.

٥٥

الفصل الثاني

في ستر العورة

من كتاب من لا يحضره الفقيه قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر. ونهى عن دخول الانهار إلا بمئزر، وقال: إن للماء أهلا وسكانا.

عن أبي عبد الله عن آبائه عن أمير المؤمنينعليهم‌السلام قال: إذا تعرى أحدكم نظر إليه الشيطان فطمع فيه، فاتزروا.

وعنهعليه‌السلام : نهى أن يدخل الرجل الحمام إلا بمئزر.

وعن الباقر عن أبيه عن عليعليهم‌السلام قال: قيل له: إن سعيد بن عبد الملك يدخل بجواريه الحمام. قال: لا بأس به إذا كان عليه وعليهن الازار ولا يكونون عراة كالحمر ينظر بعضهم إلى سوءة بعض(١) .

وروي عن الصادقعليه‌السلام أنه قال: إنما أكره النظر إلى عورة المسلم، فأما النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار.

وعنهعليه‌السلام قال: لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه، فإذا كان مخالفا له فلا شيء عليه في الحمام.

وعنهعليه‌السلام قال: الفخذ ليس بعورة.

عن أبي بصير قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : يغتسل الرجل بارزا؟ فقال: إذا لم يره أحد فلا بأس.

من تهذيب الاحكام عن حذيفة بن منصور قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام شيء يقوله الناس: عورة المؤمن على المؤمن حرام، فقال: ليس حيث تذهب إنما عنى عورة المؤمن أن يزل زلة، أو يتكلم بشيء يعاب عليه فيحفظ عليه ليعيره به يوما.

__________________

١ - الحمر جمع الحمار. والسوءة بالفتح: العورة.

٥٦

عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن عورة المؤمن أهي حرام؟ قال: نعم، [ ف ] قلت: أعني سفليه، فقال: ليس حيث تذهب، إنما هو إذاعة سره.

عن زيد الشحام، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في عورة المؤمن على المؤمن حرام، قال: ليس أن يكشف فترى منه شيئا إنما هو أن تزري عليه(١) أو تعيبه.

الفصل الثالث

في التدلك بالخزف والزيت والدقيق وغير ذلك

من كتاب من لا يحضره الفقيه عن عليعليه‌السلام قال: لا يستلقين أحدكم في الحمام فإنه يذيب شحم الكليتين. ولا يدلكن رجله بالخزف فإنه يورث الجذام.

وقال الصادقعليه‌السلام : لا تدلكن بالخزف فإنه يورث البرص، ولا تمسح وجهك بالازار فإنه يذهب بماء الوجه. وروي أن ذلك طين مصر وخزف الشام.

وقالعليه‌السلام : إياكم والخزف فإنه يبلي الجسد [ و ] عليكم بالحزق(٢) .

عن الرضاعليه‌السلام قال: لا بأس أن يتدلك الرجل في الحمام بالسويق والدقيق والنخالة، ولا بأس أن يتدلك بالدقيق الملتوت بالزيت. وليس فيما ينفع البدن إسراف، إنما الاسراف فيما أتلف المال وأضر بالبدن.

وقال الصادقعليه‌السلام : لا بأس أن يمس الرجل الخلوق(٣) في الحمام، يمسح به يده من شقاق يداويه ولا يستحب إدمانه ولا أن يرى أثره عليه.

ومن كتاب اللباس عن أبي الحسنعليه‌السلام في الرجل يطلي بالنورة فيتدلك بالزيت والدقيق، قال: لا بأس.

عن أبي السفاتج، عن بعض أصحابه أنه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام فقال: إنا

__________________

١ - يقال: أزرى عليه عمله أي عاتبه أو عابه عليه.

٢ - يقال: حزق الشيء حزقا أي شده وضغطه وعصره.

٣ - الخلوق: ضرب من الطيب يتخلق به، قيل: هو مائع وفيه صفرة وأعظم أجزائه الزعفران.

٥٧

نكون في طريق مكة فنريد الاحرام، فلا يكون معنا نخالة نتدلك بها من النورة، فنتدلك بالدقيق فيدخلني من ذلك ما الله به أعلم، قالعليه‌السلام : مخافة الاسراف؟ قلت: نعم، قال: ليس فيما أصلح البدن إسراف، إني ربما أمرت بالنقي فيلت(١) بالزيت فأتدلك به، إنما الاسراف فيما أتلف المال وأضر بالبدن، قلت: فما الاقتار؟ قال: أكل الخبز والملح وأنت تقدر على غيره، قلت: فالقصد؟ قال: الخبز واللحم واللبن والزيت والسمن مرة ذا ومرة ذا.

وعن أبي الحسنعليه‌السلام أنه سئل عن الرجل يطلي بالنورة فيجعل الدقيق يلته به ويتمسخ به بعد النورة ليقطع ريحها؟ قال: لا بأس.

الفصل الرابع

في حلق الرأس والعانة والابط

من كتاب من لا يحضره الفقيه قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لرجل: احلق فإنه يزيد في جمالك.

قال الصادقعليه‌السلام : حلق الرأس في غير [ ال ] حج و [ الع ] مرة مثله لاعدائكم وجمال لكم، ثم قال إنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وعلامتهم التسبيد وهو الحق وترك التدهن.

ومن كتاب نوادر الحكمة عن الصادق عن آبائه عن عليعليهم‌السلام قال: لا تحلقوا الصبيان القزع(٢) .

ومن تهذيب الاحكام عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصبي [ ل ] يدعو له وله قنازع(٣) فأبى أن يدعو له وأمر بحلق رأسه. وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحلق شعر البطن. قال النوفلي: القزع أن تحلق موضعا وتترك موضعا.

وعن الباقرعليه‌السلام قال: ختن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن والحسينعليهما‌السلام

__________________

١ - يقال لت الشيء أي بله وخلطه بشيء من ماء او السمن، او غير ذلك.

٢ - القزع محركة: أخذ بعض الشعر وترك بعضه غير محلوقة تشبيها بقزع السحاب.

٣ - القنازع: جمع قنزعة وهي الشعر حول الرأس. والفضلة من الشعر تترك على رأس الصبي أيضا.

٥٨

لسبعة أيام، وحلق رؤسهما وتصدق بزنة الشعر فضة، وعق عنهما وأعطى القابلة طرائف.

وروي إذا أراد أن يحلق رأسه فليبدأ من الناصية إلى العظمين وليقل: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة فإذا فرغ فليقل: أللهم زيني بالتقوى وجنبني الردى.

ومن كتاب طب الائمة عن الصادقعليه‌السلام : التنظف بالموسى في كل سبع، وبالنورة في كل خمسة عشر يوما.

ومن كتاب اللباس قال الرضاعليه‌السلام : ثلاث من عرفهن لم يدعهن: إحفاء الشعر ونكاح الاماء، وتشمير الثوب.

وعنهعليه‌السلام قال: ثلاث من سنن المرسلين: التعطر، وإحفاء الشعر، وكثرة الطروقة يعني الجماع.

وعن عمرو بن عثمان، عمن حدثه عن الرضاعليه‌السلام قال: قلنا له: إن الناس يزعمون أن كل حلق في غير منى مثلة، فقال: سبحان الله كان أبوالحسن - يعني أباه - يرجع من الحج فيأتي بعض ضياعه فلا يدخل المدينة حتى يحلق رأسه.

وسئل الصادقعليه‌السلام عن إطالة الشعر، [ ف ] قال: كان أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مقصرين - يعني الطم(١) -.

وعنهعليه‌السلام قال: أخذ الشعر من الانف يحسن الوجه.

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يترك عانته فوق أربعين يوما ولا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الاخر أن تدع ذلك منها فوق عشرين يوما.

وفي رواية عن الصادقعليه‌السلام قال: من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يترك عانته أكثر من اسبوع ولا يترك النورة أكثر من شهر من ترك أكثر منه فلا صلاة له(٢) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : احلقوا شعر البطن - الذكر والانثى -.

عن الصادقعليه‌السلام قال: إن الله تبارك وتعالى قال لابراهيمعليه‌السلام تطهر،

__________________

١ - طم الشعر: جزه أو عقصه.

٢ - المراد به: الصلاة التام.

٥٩

فحلق عانته. وكانعليه‌السلام : يطلي إبطيه في الحمام ويقول: نتف الابط يضعف المنكبين ويوهي ويضعف البصر(١) . وقال: حلقه أفضل من نتفه وطليه أفضل من حلقه.

وفي رواية زرارة عنعليه‌السلام قال: نتفه أفضل من حلقه وطليه أفضل منهما.

وقال عليعليه‌السلام : نتف الابط ينفي الرائحة المكروهة وهو طهور وسنة مما أمر به الطيب أبوالقاسم عليه وعلى آله السلام.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يطولن أحدكم شعر إبطه، فإن الشيطان يتخذه مخبأ يستتر به والجنب لا بأس أن يطلي، لان النورة تزيد نظافة.

عن الصادقعليه‌السلام قال: كان بين نوح وإبراهيمعليهما‌السلام ألف سنة وكانت شريعة إبراهيم بالتوحيد والاخلاص وخلع الانداد وهي الفطرة التي فطر الناس عليها وهي الحنيفية وأخذ عليه ميثاقه [ و ] أن لا يعبد إلا الله ولا يشرك به شيئا قال: وأمره بالصلاة والامر والنهي ولم يحكم عليه أحكام فرض المواريث وزاده في الحنيفية الختان وقص الشارب ونتف الابط وتقليم الاظفار وحلق العانة. وأمره ببناء البيت والحج والمناسك فهذه كلها شريعتهعليه‌السلام .

وعنهعليه‌السلام قال: قال الله لابراهيمعليه‌السلام : تطهر فأخذ شاربه، ثم قال: تطهر فنتف إبطه، ثم قال: تطهر فقلم أظفاره، ثم قال: تطهر فحلق عانته، ثم قال: تطهر فاختتن.

الفصل الخامس

في غسل الرأس بالخطمي والسدر

من كتاب من لا يحضره الفقيه، قال الصادقعليه‌السلام : غسل الرأس بالخطمي في كل جمعة أمان من البرص والجنون. وقالعليه‌السلام : غسل الرأس بالخطمي ينفي الفقر ويزيد في الرزق. وفي خبر آخر قال: غسل الرأس بالخطمي نشرة(٢) .

__________________

١ - النتف: النزع. والوهي: الشق والكسر والضعف، يقال: وهي الثوب أي بلي وانشق واسترخى رباطه. وكذلك الحائط والقربة والحبل ويتعدى بالهمزة.

٢ - النشرة: رقية تعالج بها المجنون والمريض.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

وفي تفسير فرات (٣٠٦) بسنده عن ابن عبّاس، قال: قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فينا خطيبا، فقال: الحمد لله على آلائه وبلائه عندنا أهل البيت أيّها، الناس إنّ الله تبارك وتعالى خلقني وأهل بيتي من طينة لم يخلق أحدا غيرنا ومن موالينا ثمّ قال: هؤلاء خيار خلقي، وحملة عرشي، وخزّان علمي، وسادة أهل السماء والأرض، هؤلاء البررة المهتدون المهتدى بهم، من جاءني بطاعتهم وولايتهم أولجته جنّتي وأبحته كرامتي، ومن جاءني بعداوتهم والبراءة منهم أولجته ناري وضاعفت عليه عذابي، وذلك جزاء الظالمين.

ويدلّ على المطلب ما مرّ من روايات التولّي والتبري، وجميع الأدلّة الدالّة على وجوب حبّهم ومتابعتهم وأنها تدخل الجنّة، وحرمة بغضهم وعصيانهم وأنها توجب النار.

وقد روى الثعلبي في تفسير قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) بإسناده إلى جرير بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله يقول: من مات على حبّ آل محمّد مات شهيدا، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفورا له، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائبا، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمنا مستكمل الإيمان، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد زفّ إلى الجنّة زفّا كما تزف العروس إلى بيت زوجها، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله زوّار قبره الملائكة بالرحمة، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السّنّة، ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه « آيس من رحمة الله »، ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة. انظره في كشف الاشتباه (١٦٤) وتفسير الكشاف ( ج ٤؛ ٢٢٠ - ٢٢١ ) وتفسير الفخر الرازيّ ( ج ٧؛ ٤٠٥ ) والعمدة (٥٤) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٢٦ ) وجواهر العقدين للسمهوديّ / العقد الثاني - الذكر العاشر (٢٥٣) من المخطوطة، وفرائد السمطين ( ج ٢؛ ٢٥٥ - ٢٥٦ ).

وفي مناقب الخوارزمي (٣٢) بسنده عن ابن عمر، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا ومن

__________________

(١) الشورى؛ ٢٣.

٤٠١

مات على حبّ آل محمّد فأنا كفيله بالجنّة مع الأنبياء، ألا ومن أبغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه « آيس من رحمة الله ».

والروايات في هذا المعنى في أهل البيت من طرق الفريقين كثيرة، يتعذر إحصاؤها وتعداد المصادر الّتي أوردتها، وفيما ذكرناه وألمحنا إليه كفاية وغنى في المقام.

٤٠٢

الطّرفة العشرون

روى هذه الطّرفة بسنده عن عيسى، الشريف الرضي في خصائص الأئمّة ( ٧٣ - ٧٥ ) بعد الطّرفة السادسة عشر مباشرة، ورواها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٨٥ - ٤٨٧ ) عن كتاب الطّرف.

إنّ إرجاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر عن الصلاة الّتي كانت بأمر عائشة ممّا روي في كتب السنّة فضلا عن الشيعة، ورووا خروجهصلى‌الله‌عليه‌وآله معتمدا على عليّعليه‌السلام والفضل بن العبّاس، فأخّر أبا بكر عن الصلاة، وكانت آخر صلاة صلاّهاصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمسلمين، ثمّ صعد المنبر فخطب، وكانت آخر خطبة لهصلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر.

ففي إرشاد القلوب ( ٣٣٨ - ٣٤١ ) عن حذيفة في خبر طويل، قال: واشتدت علّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدفعت عائشة صهيبا، فقالت: امض إلى أبي بكر وأعلمه أن محمّدا في حال لا ترجى، فهلموا إلينا أنت وعمر وأبو عبيدة ومن رأيتهم أن يدخل معكم، وليكن دخولكم المدينة باللّيل سرّا فدخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ليلا المدينة، ورسول الله قد ثقل ...

قال: وكان بلال مؤذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يؤذن بالصلاة في كلّ وقت صلاة، فإن قدر على الخروج تحامل وخرج وصلّى بالناس، وإن هو لم يقدر على الخروج أمر عليّ بن أبي طالب فصلّى بالناس، وكان عليّ والفضل بن العبّاس لا يزايلانه في مرضه ذلك، فلمّا أصبح رسول الله من ليلته تلك الّتي قدم فيها القوم الّذين كانوا تحت يدي أسامة أذّن بلال، ثمّ

٤٠٣

أتاه يخبره كعادته، فوجده قد ثقل، فمنع من الدخول إليه، فأمرت عائشة صهيبا أن يمضي إلى أبيها فيعلمه أنّ رسول الله قد ثقل وليس يطيق النهوض إلى المسجد، وعليّ بن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس، فاخرج أنت إلى المسجد وصلّ بالناس، فإنّها حالة تهيّئك وحجّة لك بعد اليوم.

قال: ولم يشعر الناس - وهم في المسجد ينتظرون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو عليّاعليه‌السلام يصلّي بهم كعادته الّتي عرفوها في مرضه - إذ دخل أبو بكر المسجد، وقال: إنّ رسول الله قد ثقل، وقد أمرني أن أصلّي بالناس ثمّ نادى الناس بلالا، فقال: على رسلكم رحمكم الله لأستأذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك، ثمّ أسرع حتّى أتى الباب فقال: إنّ أبا بكر دخل المسجد وتقدّم حتّى وقف في مقام رسول الله، وزعم أنّ رسول الله أمره بذلك وأخبر رسول الله الخبر، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أقيموني، أخرجوني إلى المسجد، والّذي نفسي بيده قد نزلت بالإسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن، ثمّ خرج معصوب الرأس يتهادى بين عليّ والفضل بن العبّاس ورجلاه تجرّان في الأرض، حتّى دخل المسجد، وأبو بكر قائم في مقام رسول الله وقد طاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الّذين دخلوا وتقدّم رسول الله فجذب أبا بكر من ردائه فنحّاه عن المحراب، وأقبل أبو بكر والنفر الّذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله، وأقبل الناس فصلّوا خلف رسول الله وهو جالس، وبلال يسمع الناس التكبير، حتّى قضى صلاته، ثمّ التفتصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم ير أبا بكر، فقال: أيها الناس، ألا تعجبون من ابن أبي قحافة وأصحابه الذين أنفذتهم وجعلتهم تحت يدي أسامة، وأمرتهم بالمسير إلى الوجه الّذي وجّهوا إليه، فخالفوا ذلك ورجعوا إلى المدينة ابتغاء الفتنة، ألا وإنّ الله قد أركسهم فيها، اعرجوا بي إلى المنبر.

فقامصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مسنّد حتّى قعد على أدنى مرقاة، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّه قد جاءني من أمر ربّي ما الناس صائرون إليه، وإني قد تركتكم على الحجّة الواضحة، ليلها كنهارها، فلا تختلفوا من بعدي كما اختلف من كان قبلكم من بني إسرائيل، أيّها الناس إنّي لا أحلّ لكم إلاّ ما أحلّه القرآن، ولا أحرّم عليكم إلاّ ما حرّمه القرآن، وإنّي مخلّف

٤٠٤

فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، هما الخليفتان فيكم، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فأسالكم بما ذا خلّفتموني فيهما، وليذادنّ يومئذ رجال عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل، فيقول رجال: أنا فلان وأنا فلان، فأقول: أمّا الأسماء فقد عرفت، ولكنّكم ارتددتم من بعدي، فسحقا لكم سحقا. ثمّ نزل عن المنبر وعاد إلى حجرته، ولم يظهر أبو بكر ولا أصحابه حتّى قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وانظر حرص عائشة وحفصة، كلّ منهما على تقديم أبيها للصلاة، وقول النبي لهما: « اكففن فإنّكنّ كصويحبات يوسف » وخروجه للصلاة وتأخيره أبا بكر في الإرشاد ( ٩٧ - ٩٨ ) وإعلام الورى ( ٨٢ - ٨٤ ) والمسترشد في الإمامة ( ١٢٤ - ١٢٦، ١٣٢، ١٤٢ - ١٤٣ ) والشافي في الإمامة ( ج ٢؛ ١٥٨ - ١٥٩ ).

وقال الكوفي في الاستغاثة (١١٧) بعد ذكره لروايات أبناء العامة في صلاة أبي بكر وإرجاع النبي إيّاه، قال: وأمّا رواية أهل البيتعليهم‌السلام في تقديمه للصلاة، فإنّهم رووا أنّ بلالا صار إلى باب رسول الله فنادى: الصلاة، وكان قد أغمي على رسول الله ورأسه في حجر عليّعليه‌السلام ، فقالت عائشة لبلال: مر الناس أن يقدّموا أبا بكر ليصلّي بهم، فإنّ رسول الله مشغول بنفسه، فظنّ بلال أنّ ذلك عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال للناس: قدّموا أبا بكر فيصلّي بكم، فتقدّم أبو بكر، فلمّا كبّر أفاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من غشوته، فسمع صوته، فقال عليّعليه‌السلام : ما هذا؟ قالت عائشة: أمرت بلالا يأمر الناس بتقديم أبي بكر يصلّي بهم، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أسندوني، أما إنّكنّ كصويحبات يوسف فجاءصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المحراب بين الفضل وعليّ وأقام أبا بكر خلفه ...

وأمّا ما روته كتب العامّة، فإنّه مرتبك من حيث التفاصيل، ففي بعضها أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبا بكر بالصلاة، وفي بعضها أنّ عائشة أمرته بذلك، وفي بعضها أنّ النبي أمر أن يصلّي أحدهم ولم يعيّن، فتنازعت عائشة وحفصة كلّ تريد تقديم والدها، إلى أن تقدّم أبو بكر، ثمّ نقلوا أنّ النبي خرج يهادي بين رجلين - لم يذكرهما البخاريّ، وذكرتهما المسانيد الأخرى، وهما عليّ والفضل - حتّى وقف يصلّي، قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١٤؛ ٢٣ ): فمنهم

٤٠٥

من قال: نحّاه وصلّى هو بالناس، ومنهم من قال: بل ائتم بأبي بكر كسائر الناس، ومنهم من قال: كان الناس يصلّون بصلاة أبي بكر، وأبو بكر يصلّي بصلاة رسول الله.

ولا يخفى عليك أنّه لا يجوز أن يتقدّم أحد على النبي في الصلاة وفي غيرها، خصوصا وأنّه لا بدّ من تقديم الأعلم والأفقه والهاشمي وغيرها من شروط تقدّم الإمام، وكلّها لا تصحّح تقدّم أحد على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خصوصا وأنّ في كثير من الروايات قولهم « لم يكن أبو بكر كبّر، فلمّا سمع حسّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تأخّر، فأخذ النبي بيده وأقامه إلى جنبه، فكبّر وكبّر أبو بكر بتكبيره، وكبّر الناس بتكبير أبي بكر »، فما كان أبو بكر سوى مسمع لصلاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما هو دأب المنادي في الصلاة.

ونقل ابن أبي الحديد في شرحه للنهج ( ج ٩؛ ١٩٧ ) كلام الشيخ أبي يعقوب يوسف بن إسماعيل اللمعاني؛ حيث قال في جملة كلامه: فكان - من عود أبي بكر من جيش أسامة بإرسالها [ أي عائشة ] إليه، وإعلامه بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يموت - ما كان، ومن حديث الصلاة بالناس ما عرف، فنسب عليّعليه‌السلام عائشة أنّها أمرت بلالا مولى أبيها أن يأمره فليصلّ بالناس؛ لأنّ رسول الله - كما روي - قال: « ليصلّ بهم أحدهم » ولم يعيّن، وكانت صلاة الصبح، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في آخر رمق يتهادى بين عليّ والفضل بن العبّاس، حتّى قام في المحراب كما ورد في الخبر وكان عليّعليه‌السلام يذكر هذا لأصحابه في خلواته كثيرا، ويقول: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقل « إنّكنّ لصويحبات يوسف » إلاّ إنكارا لهذه الحال، وغضبا منها؛ لأنّها وحفصة تبادرتا إلى تعيين أبويهما، وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله استدركها بخروجه وصرفه عن المحراب ....

وقد حقّق ابن الجوزيّ المسألة في كتابه « آفة أصحاب الحديث: ٥٥ » ثمّ قال: في هذه الأحاديث الصحاح المشروحة أظهر دليل على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان الإمام لأبي بكر؛ لأنّه جلس عن يساره، وقولهم: يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله، دليل على أنّ رسول الله كان الإمام.

والمحقّق من الروايات أنّ أبا بكر استغلّ مرض النبي، فتقدّم بأمر من ابنته عائشة، وإسناد من معه، إلى الصلاة، فلمّا أحسّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج يتهادى بين عليّعليه‌السلام والفضل، فأرجع أبا بكر ولم يكن ابتدأ بالصلاة، فكبّرصلى‌الله‌عليه‌وآله هو وصلّى قاعدا وصلّى خلفه المسلمون.

٤٠٦

قال المظفر في دلائل الصدق ( ج ٢؛ ٦٣٣ ): والحقّ أنّه لم يصلّ بالناس إلاّ في صلاة واحدة وهي صلاة الصبح؛ تلبّس بها بأمر ابنته، فعلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج يتهادى بين عليّعليه‌السلام والعبّاس أو ابنه الفضل، ورجلاه تخطّان في الأرض من المرض، وممّا لحقه من تقدّم أبي بكر ومخالفة أمره بالخروج في جيش أسامة، فنحّاه النبي وصلّى ثمّ خطب، وحذّر الفتنة، ثمّ توفي من يومه وهو يوم الإثنين، وقد صرّحت بذلك أخبارنا، ودلّت عليه أخبارهم؛ لإفادتها أنّ الصلاة الّتي تقدّم فيها هي الّتي عزله النبي عنها، وإنّها صبح الاثنين وهو الّذي توفي فيه.

وقد وردت هذه الروايات في أمّهات المصادر والصحاح، كصحيح البخاريّ ( ج ١؛ ٥٩ ) وفتح الباري ( ج ١؛ ٢٤٢ ) وشرح الكرمانيّ ( ج ٣؛ ٤٥ ) والموطّأ ( ج ١؛ ١٥٦ ) وصحيح مسلم بشرح النووي ( ج ٣؛ ٦١ ) ومسند أحمد بن حنبل ( ج ٥؛ ٣٢٢ ) والمصنّف لعبد الرزاق ( ج ٥؛ ٤٢٩ ) ودلائل النبوّة للبيهقي ( ج ٧؛ ١٩١ ) وتاريخ الطبريّ ( ج ٣؛ ١٩٥ - ١٩٦ / أحداث سنة ١١ ).

وانظر تحقيق الحال في الاستغاثة ( ١١١ - ١١٧ ) وبحار الأنوار ( ج ٢٨؛ ١٣٠ - ١٧٤ ) ففيه بحث قيّم للمجلسيرحمه‌الله ، ودلائل الصدق ( ج ٢؛ ٦٣٣ - ٦٤٢ ) وكتاب الإمامة للسيّد عليّ الميلاني ( ٢٨٥ - ٣٥٦ ) « رسالة في صلاة أبي بكر »، وهذه الكتب بحثت المسألة من خلال كتب العامّة فقط، فلاحظها ولاحظ مصادرها.

وفي كثير من المصادر - الإماميّة والعاميّة الذاكرة لهذا الحادث - خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الّتي أوصاهم فيها بالكتاب والعترة، وحذّرهم فيها من الفتن والفرقة، ففي أمالي المفيد (١٣٥) عن معروف بن خربوذ، قال: سمعت أبا عبد الله مولى العبّاس يحدّث أبا جعفر محمّد بن عليعليهما‌السلام ، قال: سمعت أبا سعيد الخدريّ يقول: إنّ آخر خطبة خطبنا بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لخطبة خطبنا في مرضه الّذي توفّي فيه، خرج متوكئا على عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وميمونة مولاته، فجلس على المنبر، ثمّ قال: يا أيّها الناس ...

وفي جواهر العقدين المخطوط (١٦٨) قال: ثمّ إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قام معتمدا على عليّعليه‌السلام والفضل

٤٠٧

حتّى جلس على المنبر وعليه عصابة، فحمد الله وأثنى عليه، وأوصاهم بالكتاب وعترته أهل بيته، ونهاهم عن التنافس والتباغض وودّعهم. وانظر الخطبة وخروجه إليها في الاحتجاج ( ٤٣ - ٤٧ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٤٢ ) عن أبي سعيد الخدريّ، وصحيح البخاريّ / باب مناقب الأنصار رقم ١١، وصحيح مسلم ( ج ٧؛ ٧٤ / فضائل الصحابة ) ومسند أحمد بن حنبل ( ج ٣؛ ١٥٦، ١٧٦، ١٨٨، ٢٠١ ).

ألا قد خلّفت فيكم كتاب الله وخلّفت فيكم العلم الأكبر وصيّي عليّ بن أبي طالب

تقدّم الكلام عن حديث الثقلين في الطّرفة العاشرة، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كتاب الله وأهل بيتي فإنّ اللّطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »، وذكرنا هناك أنّ علياعليه‌السلام هو رأس أهل البيت الثقل الثاني، ووردت روايات صريحة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: « كتاب الله وعليّ بن أبي طالب » كما تقدّم نقله عن كتاب مائة منقبة لابن شاذان ( ١٤٠ المنقبة ٨٦ ). ونزيد هنا أنّ الخوارزمي أخرجه أيضا في كتاب مقتل الحسينعليه‌السلام ( ج ١؛ ٣٢ ) والديلمي في إرشاد القلوب (٣٧٨) عن زيد بن ثابت أيضا.

كما تقدّم الكلام عن حديث « أنّ عليّا هو العلم » في الطّرفة الحادية عشر، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ عليّ بن أبي طالب هو العلم، فمن قصر دون العلم فقد ضلّ، ومن تقدّمه تقدّم إلى النار، ومن تأخّر عن العلم يمينا هلك، ومن أخذ يسارا غوى » فراجع.

ألا وهو حبل الله فاعتصموا به جميعا ولا تفرّقوا عنه

لقد روت المصادر الإماميّة والعاميّة هذا المضمون بأسانيد مختلفة، ويمكن تقسيم الروايات الواردة في هذا المعنى إلى ثلاثة أقسام: أوّلها: ما ورد فيه أنّ عليّا هو حبل الله، وثانيها: ما ورد فيه أنّ آل محمّد حبل الله، وثالثها: ما ورد فيه أنّ عليّا والأئمّة من ولده حبل الله.

٤٠٨

فأمّا القسم الأول: ففي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٧٦ ) قال: محمّد بن عليّ العنبريّ، بإسناده، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سأل أعرابي عن هذه الآية، فأخذ رسول الله يده فوضعها على كتف عليّ، فقال: يا أعرابي، هذا حبل الله فاعتصم به، فدار الأعرابي من خلف عليّ والتزمه، ثمّ قال: اللهمّ إنّي أشهدك أنّي اعتصمت بحبلك، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا. وروى نحوا من ذلك الباقر والصادقعليهما‌السلام ، وهو في ينابيع المودّة ( ج ١؛ ١١٨ ) عن المناقب، وانظر تفسير فرات ( ٩٠ / الحديث ٧٠ ) بسنده عن الباقر، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام ، وفيه أيضا ( ٩٠ / الحديث ٧١ ) بسنده عن ابن عبّاس، وفيه أيضا ( ٩١ / الحديث ٧٤ ) بسنده عن الصادقعليه‌السلام ، والفضائل لابن شاذان (١٢٥) عن السجادعليه‌السلام .

وفي تفسير فرات ( ٩٠، ٩١ / الحديث ٧٢ ) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، قال: ولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام الحبل الّذي قال الله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) ، فمن تمسّك به كان مؤمنا، ومن تركه خرج من الإيمان.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢١٧ ) عن ابن يزيد، قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن قوله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢) قال: عليّ بن أبي طالب حبل الله المتين. وهو في تفسير الصافي ( ج ١؛ ٢٨٥ ) والبرهان ( ج ١؛ ٣٠٥ ).

وفي أمالي الصدوق (١٦٥) بسنده عن حذيفة بن أسيد الغفاريّ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا حذيفة إنّه أخو رسول الله، ووصيّه وإمام أمّته، ومولاهم، وهو حبل الله المتين ...

وأمّا القسم الثاني: ففي تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢١٧ ) عن الباقرعليه‌السلام ، قال: آل محمّد هم حبل الله الّذي أمرنا بالاعتصام به، فقال:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٣) .

__________________

(١) آل عمران؛ ١٠٣.

(٢) آل عمران؛ ١٠٣.

(٣) آل عمران؛ ١٠٣.

٤٠٩

وفي شواهد التنزيل ( ج ١؛ ١٦٩ / الحديث ١٨٠ ) بسنده عن الصادقعليه‌السلام - في قوله:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) - قال: نحن حبل الله.

وانظر رواية هذا الخبر عن الصادقعليه‌السلام في ينابيع المودّة ( ج ١؛ ١١٨ ) ومجمع البيان ( ج ١؛ ٤٨٢ ) وأمالي الطوسي (٢٧٢) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٧٥ ) وخصائص الوحي المبين (١٨٣) ونقله أيضا في خصائصه (١٨٤) من طريق أبي نعيم إلى الصادقعليه‌السلام ، وانظر الصواعق المحرقة (٩٠) ونور الأبصار (١٠١).

وأمّا القسم الثالث: ففي أمالي الصدوق (٢٦) بسنده عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحبّ أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوال عليّا بعدي، وليعاد عدوّه، وليأتمّ بالأئمّة الهداة من ولده، فإنّهم خلفائي، وأوصيائي، وحجج الله على الخلق بعدي، وسادة أمّتي، وقادة الأتقياء إلى الجنّة، حزبهم حزبي، وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان. وهو في شواهد التنزيل ( ج ١؛ ١٦٨ / الحديث ١٧٧ ) بسنده عن الرضاعليه‌السلام ، ورواه البحراني في غاية المرام ( ٢٤٢ / الباب ٣٦ ) بأربعه طرق، وهو في روضة الواعظين (١٥٧).

وفي تفسير فرات ( ٩١ / الحديث ٧٣ ) بسنده عن الصادق ٧، قال: نحن حبل الله الّذي قال:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢) ، وولاية عليّ البرّ، فمن استمسك به كان مؤمنا، ومن تركه خرج من الإيمان. وهو في شواهد التنزيل ( ج ١؛ ١٦٩ / الحديثان ١٧٨، ١٧٩ ).

ويدلّ على هذا المطلب ما مرّ في حديث الثقلين، بلفظ « حبل ممدود ما بين السماء والأرض » أو « سبب طرفه بيد الله »، ولذلك أورد الثعلبي والسيوطي حديث الثقلين بهذه الألفاظ في تفسير قول تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٣) ، وفي أمالي الطوسي (١٥٧) بسنده عن الصادقعليه‌السلام ، قال: نحن السبب بينكم وبين الله. كما يدلّ

__________________

(١) آل عمران؛ ١٠٣.

(٢) آل عمران؛ ١٠٣.

(٣) آل عمران؛ ١٠٣.

٤١٠

عليه ما جاء في تفسير قوله تعالى:( إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ) (١) وأنّ الحبل من الله هو الكتاب العزيز، والحبل من الناس هو عليّ بن أبي طالب. انظر في ذلك تفسير فرات ( ٩٢ الحديث ٧٦ ) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢١٩ ) وتفسير الصافي ( ج ١؛ ٢٨٩ ) وتفسير البرهان ( ج ١؛ ٣٠٩ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٧٥ ).

لا تأتوني غدا بالدنيا تزفّونها زفّا، ويأتي أهل بيتي شعثا غبرا، مقهورين مظلومين، تسيل دماؤهم

إنّ المظلوميّة الّتي حلّت بأهل البيت والأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام ، وأتباعهم وشيعتهم، ممّا لا يحتاج إلى بيان، فقد أطبق التاريخ والمؤرخون على هذه الحقيقة، وأن الشيعة عموما، والفرقة الإماميّة خصوصا، لا قوا من الويلات والاضطهاد والتنكيل ما لم يلقه أيّ مذهب آخر، وكان بدء الظلم قد حلّ بهم بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ نزل الظلم بعليّ وفاطمة والحسن والحسين ومن بعدهم التسعة من ولد الحسينعليهم‌السلام ، هذا الظلم كلّه أنزل بهم مع كثرة وصايا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم بمثل قوله: « الله الله في أهل بيتي » وغيره من توصياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بهم، وتحذيره الأمّة من ظلمهم وأذاهم، وقد مرّ عليك في تخريجات كثير من المطالب الماضية ما فيه غنى وكفاية، ومن أوضحها وأصرحها ما جاء في حديث الثقلين من الأمر باتّباعهم وأنّه سبيل النجاة، والنهي عن التخلّف عنهم وإيذائهم وظلمهم، وأنّه يؤدي إلى الهلاك والنار.

ففي مناقب ابن المغازلي ( ١٦ - ١٨ ) بسنده عن امرأة زيد بن أرقم، قالت: أقبل نبي الله من مكّة في حجّة الوداع، حتّى نزل بغدير الجحفة بين مكّة والمدينة، فأمر بالدوحات فقمّ ما تحتهنّ من شوك، ثمّ نادى: الصلاة جامعة فصلّى بنا الظهر، ثمّ انصرف إلينا فقال: الحمد لله ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله لا شريك له؟ وأنّ محمّدا عبده ورسوله؟ وأنّ الجنّة حقّ وأنّ النار حقّ؟ وتؤمنون بالكتاب كلّه؟ قالوا: بلى، قال: فإني أشهد أن قد صدقتكم

__________________

(١) آل عمران؛ ١١٢.

٤١١

وصدّقتموني، ألا وإنّي فرطكم، وإنّكم تبعي، توشكون أن تردوا عليّ الحوض، فأسألكم حين تلقونني عن ثقلي كيف خلفتموني فيهما الأكبر منهما كتاب الله تعالى؛ سبب طرف بيد الله وطرف بأيديكم، فتمسّكوا به ولا تضلّوا، والأصغر منهما عترتي فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصّروا عنهم؛ فإنّي قد سألت لهم اللّطيف الخبير فأعطاني، ناصرهما لي ناصر، وخاذلهما لي خاذل، ووليّهما لي ولي، وعدوّهما لي عدوّ، ألا وإنّها لم تهلك أمّة قبلكم حتّى تتديّن بأهوائها، وتظاهر على نبوّتها، وتقتل من قام بالقسط، ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فرفعها، ثمّ قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، ومن كنت وليّه فهذا وليّه، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، قالها ثلاثا. وهو في العمدة ( ١٠٤ - ١٠٦ ) عن ابن المغازلي، وفيه « عن ابن امرأة زيد بن أرقم ».

وفي نظم درر السمطين ( ٢٣٣ - ٢٣٤ ) قال: وروى زيد بن أرقم، قال: أقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم حجّة الوداع، فقال: إنّي فرطكم على الحوض، وإنّكم تبعي، وإنّكم توشكون أن تردوا عليّ الحوض فأسألكم عن ثقلي؛ كيف خلفتموني فيهما الأكبر منهما كتاب الله والأصغر عترتي، فمن استقبل قبلتي، وأجاب دعوتي، فليستوص لهم خيرا - أو كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم وهو في ذخائر العقبى (١٦) حيث قال: أخرجه أبو سعيد في شرف النبوّة، ونقله عن نظم درر السمطين القندوزيّ في ينابيع المودّة ( ج ١؛ ٣٥ ) والسمهوديّ في جواهر العقدين المخطوط، في الذكر الرابع، ورواه عن زيد بن أرقم العلاّمة حميد المحلي في محاسن الأزهار كما في نفحات الأزهار ( ج ١؛ ٤٢٠ ). ولزيادة التوضيح ننقل هنا بعض ما يرتبط بهذا المطلب.

ففي المختار من مسند فاطمة (١٦٠) نقل عن البخاريّ في تاريخه، وابن عساكر في تاريخ دمشق، عن شريح، قال: أخبرني أبو أمامة والحارث بن الحارث، وعمرو بن الأسود في نفر من الفقهاء: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نادى في قريش فجمعهم، ثمّ قام فيهم ثمّ قال: يا معشر قريش، لا ألفين أناسا يأتوني يجرّون الجنّة، وتأتوني تجرون الدنيا، اللهمّ لا أجعل لقريش أن يفسدوا ما أصلحت أمّتي ...

٤١٢

ومن ذلك حديث المصحف والمسجد والعترة؛ ففي الخصال ( ١٧٤ - ١٧٥ ) بسنده عن جابر، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عزّ وجلّ: المصحف والمسجد والعترة، يقول المصحف: يا ربّ حرقوني ومزّقوني، ويقول المسجد: يا ربّ عطّلوني وضيّعوني، وتقول العترة: يا ربّ قتلونا وطردونا وشرّدونا، فأجثو للركبتين للخصومة، فيقول الله جلّ جلاله لي: أنا أولى بذلك. وانظر هذا الحديث في بحار الأنوار ( ج ٢؛ ٨٦ ) عن كتاب المستدرك المخطوط لابن البطريق، وبصائر الدرجات ( ٤٣٣ - ٤٣٤ ) ومقتل الحسين للخوارزمي ( ج ٢؛ ٨٥ ) عن جابر، ونقله الإمام المظفر في دلائل الصدق ( ج ٣؛ ٤٠٥ ) عن كنز العمال ( ج ٦؛ ٤٦ ) عن الديلمي، عن جابر، ونقله عن أحمد والطبراني وسعيد بن منصور، عن أبي أمامة الباهلي، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومن ذلك حديث مظلوميّة أهل البيت الّذي قاله النبي لأصحابه؛ ففي أمالي الصدوق ( ٩٩ - ١٠١ ) بسنده عن ابن عبّاس، قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان جالسا ذات يوم، إذ أقبل الحسنعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إلى أين يا بني؟ فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليمنى، ثمّ أقبل الحسينعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إلى أين يا بني؟ فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليسرى، ثمّ أقبلت فاطمةعليها‌السلام ، فلمّا رآها بكى، ثمّ قال: إليّ إليّ يا بنيّة، فأجلسها بين يديه، ثمّ أقبل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إليّ يا أخي، فما زال يدنيه حتّى أجلسه إلى جنبه الأيمن.

فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما ترى واحدا من هؤلاء إلاّ بكيت؟ أو ما فيهم من تسرّ برؤيته؟!

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : والّذي بعثني بالنبوّة واصطفاني على جميع البريّة، إنّي وإيّاهم لأكرم الخلق على الله عزّ وجلّ، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم:

أمّا عليّ بن أبي طالب، فإنّه أخي وشقيقي وصاحب الأمر بعدي وإنّي بكيت حين أقبل لأنّي ذكرت غدر الأمّة به بعدي، حتّى أنّه ليزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي، ثمّ لا يزال الأمر به حتّى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور( شَهْرُ

٤١٣

رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ ) (١) .

وأمّا ابنتي فاطمة، فإنّها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وإنّي لمّا رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي؛ كأنّي بها وقد دخل الذلّ بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقّها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي « يا محمّداه » فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية فتكون أوّل من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم عليّ محزونة، مكروبة، مغمومة، مغصوبة، مقتولة، فأقول عند ذلك: اللهمّ العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وذلّل من أذلّها، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتّى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين.

وأمّا الحسن، فإنّه ابني وولدي وبضعة منّي، وقرّة عيني وإنّي لمّا نظرت إليه تذكّرت ما يجري عليه من الذلّ بعدي، فلا يزال الأمر به حتّى يقتل بالسمّ ظلما وعدوانا، فعند ذلك تبكي ملائكة السبع الشداد لموته، ويبكيه كلّ شيء، حتّى الطير في جوّ السماء، والحيتان في جوف الماء، فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب، ومن زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام.

وأمّا الحسين، فإنّه منّي، وهو ابني وولدي، وخير الخلق بعد أخيه وإنّي لمّا رأيته تذكّرت ما يصنع به بعدي، كأنّي به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار، فأضمّه في منامه إلى صدري، وآمره بالرحلة عن دار هجرتي، وأبشّره بالشهادة، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله، وموضع مصرعه، أرض كرب وبلاء، وقتل وفناء، تنصره عصابة من المسلمين، أولئك من سادة شهداء أمّتي يوم القيامة، كأنّي أنظر إليه وقد رمي بسهم، فخرّ عن فرسه صريعا، ثمّ يذبح كما يذبح الكبش، مظلوما.

ثمّ بكى رسول الله وبكى من حوله، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، ثمّ قام وهو يقول: اللهمّ إنّي أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي، ثمّ دخل منزله.

__________________

(١) البقرة؛ ١٨٥.

٤١٤

وقد مرّ طرفا من هذا الحديث، وانظره في إرشاد القلوب (٢٩٥) وبشارة المصطفى ( ١٩٨ - ١٩٩ ) وفرائد السمطين ( ج ٢؛ ٣٤ - ٣٥ ) وبيت الأحزان ( ٧٣ - ٧٤ ).

وفي دلائل الصدق ( ٢٣٣ - ٢٣٤ ) بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: كنّا جلوسا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم، فأقبل فتية من بني عبد المطّلب، فلمّا نظر إليهم رسول الله اغرورقت عيناه بالدموع، فقلنا: يا رسول الله أرأيت شيئا تكرهه؟ قال: إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتطريدا وتشريدا، حتّى يجيء قوم من هاهنا - وأشار بيده إلى المشرق - أصحاب رايات سود وروى مثله في (٢٣٥) روايتين أخريين عن ابن مسعود أيضا، وروى مثله عن ابن مسعود أيضا في (٢٣٦) بلفظ « حتّى مرّت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسينعليهما‌السلام ».

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٠٩ ) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: بينا أنا وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ التفت إليّ فبكى، فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدّها، وطعن الحسن في فخذه، والسمّ الّذي يسقاه، وقتل الحسينعليه‌السلام .

وفي بصائر الدرجات (٦٨) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي، ويدخل جنّة ربّي جنّة عدن - قضيب من قضبانه غرسه ربّي بيده، فقال له: كن، فكان - فليتولّ عليّا والأوصياء من بعده، وليسلّم لفضلهم؛ فإنّهم الهداة المرضيّون، أعطاهم فهمي وعلمي، وهم عترتي من دمي ولحمي، أشكو إلى الله عدوّهم من أمّتي، المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي، والله ليقتلن ابني، لا أنالهم شفاعتي.

وانظر بصائر الدرجات ( ٦٨ - ٧٢ / الباب ٢٢ من الجزء الأوّل )، فإنّ فيه ثمانية عشر حديثا، تسعة منها في المعنى المراد، والإمامة والتبصرة ( ٤١ - ٤٥ ) ففيه أربعة أحاديث. وهذا الحديث مذكور في المصادر الّتي ذكرت الأحاديث المبشّرة بظهور المهدي من آل محمّد عجّل الله فرجه.

وفي تفسير فرات (٤٢٥) بسنده عن أنس بن مالك: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتى ذات يوم

٤١٥

ويده في يد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، ولقيه رجل، إذ قال له: يا فلان، لا تسبّوا عليّا، فانّه من سبّه فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ الله، والله - يا فلان - إنّه لا يؤمن بما يكون من عليّ وولد عليّ في آخر الزمان إلاّ ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد قد امتحن الله قلبه للإيمان، يا فلان، إنّه سيصيب ولد عبد المطّلب بلاء شديد، وأثرة، وقتل، وتشريد، فالله الله يا فلان في أصحابي وذرّيتي وذمّتي، فإنّ لله يوما ينتصف فيه للمظلوم من الظالم.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٩١ ) عن عطيّة العوفي، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اشتدّ غضب الله على اليهود حين قالوا: « عزير ابن الله »، واشتدّ غضب الله على النصارى حين قالوا: « المسيح ابن الله »، واشتدّ غضب الله ممّن أراق دمي وآذاني في عترتي.

وفي الاحتجاج ( ج ١؛ ١٩٦ - ١٩٧ ) عن أحمد بن همام، قال: أتيت عبادة بن الصامت في ولاية أبي بكر، فقلت: يا عبادة أكان الناس على تفضيل أبي بكر قبل أن يستخلف؟ فقال: يا أبا ثعلبة، إذا سكتنا عنكم فاسكتوا ولا تبحثوا، فو الله لعليّ بن أبي طالب كان أحقّ بالخلافة من أبي بكر، كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحقّ بالنبوة من أبي جهل، قال: وأزيدكم إنّا كنا ذات يوم عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاء عليّعليه‌السلام وأبو بكر وعمر إلى باب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدخل أبو بكر، ثمّ دخل عمر، ثمّ دخل عليّعليه‌السلام على أثرهما، فكأنّما سفي على وجه رسول اللهعليه‌السلام الرماد، ثمّ قال: يا عليّ أيتقدّمانك، وقد أمّرك الله عليهما؟!

فقال أبو بكر: نسيت يا رسول الله.

وقال عمر: سهوت يا رسول الله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما نسيتما ولا سهوتما، وكأنّي بكما قد سلبتماه ملكه، وتحاربتما عليه، وأعانكما على ذلك أعداء الله وأعداء رسوله، وكأنّي بكما قد تركتما المهاجرين والأنصار يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف على الدنيا، ولكأنّي بأهل بيتي وهم المقهورون المشتّتون في أقطارها، وذلك لأمر قد قضي.

ثمّ بكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى سالت دموعه، ثمّ قال: يا عليّ الصبر الصبر، حتّى ينزل الأمر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم، فإنّ لك من الأجر في كلّ يوم ما لا

٤١٦

يحصيه كاتباك، فإذا أمكنك الأمر فالسيف السيف، القتل القتل، حتى يفيئوا إلى أمر الله وأمر رسوله، فإنّك على الحقّ، ومن ناواك على الباطل، وكذلك ذرّيّتك من بعدك إلى يوم القيامة.

وقد صرّح أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام في كلماتهم وخطبهم بما حلّ بهم من الظلم، وأنّ القوم لم يرعوا فيهم حقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يطيعوه، ولم يسمعوا وصاياه

ففي كتاب سليم بن قيس ( ١٠٨ - ١١١ ) قال أبان: قال لي أبو جعفر الباقرعليه‌السلام : ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش وتظاهرهم علينا وقتلهم إيّانا، وما لقيت شيعتنا ومحبّونا من الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبض وقد قام بحقّنا، وأمر بطاعتنا، وفرض ولايتنا ومودّتنا، وأخبرهم بأنّا أولى الناس بهم من أنفسهم، وأمر أن يبلّغ الشاهد الغائب، فتظاهروا على عليّعليه‌السلام ثمّ بايعوا الحسن بن عليّعليهما‌السلام بعد أبيه وعاهدوه، ثمّ غدروا به وأسلموه، ووثبوا به حتّى طعنوه بخنجر في فخذه، وانتهبوا عسكره ثمّ بايع الحسينعليه‌السلام من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا، ثمّ غدروا به، ثمّ خرجوا إليه فقاتلوه حتّى قتل، ثمّ لم نزل أهل البيت منذ قبض رسول الله نذلّ ونقصى ونحرم ونقتل ونطرد، ونخاف على دمائنا وكلّ من يحبنا فقتلت الشيعة في كلّ بلدة، وقطعت أيديهم وأرجلهم، وصلبوا على التهمة والظنّة، وكان من ذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره، ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان ابن زياد بعد قتل الحسينعليه‌السلام ، ثمّ جاء الحجّاج فقتلهم بكلّ قتلة وبكلّ ظنّة وبكلّ تهمة، حتّى أنّ الرجل ليقال له: زنديق أو مجوسي، كان ذلك أحبّ إليه من أن يشار إليه أنّه من شيعة الحسينعليه‌السلام ونقل هذه الرواية مبتورة ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١١؛ ٤٣ - ٤٤ ).

وفي بشارة المصطفى (٢٠٠) عن عمر بن عبد السلام، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: ما بعث الله نبيّا قطّ من أولي الأمر ممّن أمر بالقتال إلاّ أعزّه الله، حتّى يدخل الناس في دينه طوعا وكرها، فإذا مات النبي وثب الّذين دخلوا في دينه كرها، على الّذين دخلوا طوعا، فقتلوهم واستذلّوهم، حتّى أن كان النبي يبعث بعد النبي فلا يجد أحدا يصدّقه أو يؤمن له، وكذلك فعلت هذه الأمّة، غير أنّه لا نبي بعد محمّد ...

٤١٧

وفي تفسير فرات (١٤٩) بسنده عن منهال بن عمرو، قال: دخلنا على عليّ ابن الحسينعليهما‌السلام بعد مقتل الحسينعليه‌السلام ، فقلت له: كيف أمسيت؟ قالعليه‌السلام : ويحك يا منهال، أمسينا كهيئة آل موسى في آل فرعون؛ يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، أمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّدا منها، وأمست قريش تفتخر على العرب بأنّ محمّدا منها، وأمسى آل محمّد مخذولين مقهورين مقبورين، فإلى الله نشكو غيبة نبيّنا، وتظاهر الأعداء علينا.

وفي تفسير فرات (٣٨٢) بسنده عن زيد بن عليّ - وهو من خيار علماء الطالبيّين - أنّه قال في بعض رسائله: ألستم تعلمون أنّا أهل بيت نبيّكم المظلومون المقهورون من ولايتهم، فلا سهم وفينا، ولا ميراث أعطينا، ما زال قائلنا يقهر، ويولد مولودنا في الخوف، وينشأ ناشئنا بالقهر، ويموت ميّتنا بالذلّ ...

وكان أتباع أئمّة أهل البيت أيضا يصرّحون بمظلمة أئمتهمعليهم‌السلام من قبل الجبابرة والطواغيت؛ ففي كفاية الأثر (٢٥٢) بسنده عن أبي مريم عبد الغفّار بن القاسم، قال: دخلت على مولاي الباقرعليه‌السلام وقلت: بأبي أنت وأمّي يا بن رسول الله، فما نجد العلم الصحيح إلاّ عندكم، وإنّي قد كبرت سنّي ودقّ عظمي ولا أرى فيكم ما أسرّ به، أراكم مقتّلين مشرّدين خائفين ....

وفيه أيضا ( ٢٦٠ - ٢٦١ ) بسنده عن مسعدة، قال: كنت عند الصادقعليه‌السلام إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى، متّكئا على عصاه، فسلّم، فردّ أبو عبد اللهعليه‌السلام الجواب، ثمّ قال: يا بن رسول ناولني يدك أقبّلها، فأعطاه يده فقبّلها، ثمّ بكى، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما يبكيك يا شيخ؟ قال: جعلت فداك، أقمت على قائمكم منذ مائة سنة، أقول: هذا الشهر وهذه السنة، وقد كبرت سنّي ودقّ عظمي واقترب أجلي، ولا أرى ما أحبّ، أراكم مقتّلين مشرّدين، وأرى عدوّكم يطيرون بالأجنحة، فيكف لا أبكي؟! فدمعت عينا أبي عبد اللهعليه‌السلام ، ثمّ قال: يا شيخ إن أبقاك الله حتّى ترى قائمنا كنت معنا في السنام الأعلى، وإن حلّت بك المنيّة جئت يوم القيامة مع ثقل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن ثقله، فقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي مخلّف فيكم الثقلين، فتمسكوا بهما لن تضلوا؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي ....

٤١٨

وسيأتي ما يتعلّق بالمطلب عند ما سنذكره من حديث الرايات الخمس - أو الأربع - في الطّرفة الثانية والثلاثين، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ابيضّت وجوه واسودّت وجوه، وسعد أقوام وشقي آخرون ».

إيّاكم وبيعات الضلالة، والشورى للجهالة

مرّ ما يتعلّق ببيعات الضلالة في الطّرفة السادسة، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « البيعة بعدي لغيره ضلالة وفلتة وزلة »، وعند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « بيعة الأوّل ضلالة ثمّ الثاني ثمّ الثالث »، وبقي هنا أن نبيّن موقف عليّعليه‌السلام وأهل البيتعليهم‌السلام من الشورى، وكيف أنّها كانت مؤامرة ضد عليّ وأهل البيتعليهم‌السلام .

وأجلى نصّ في ذلك هو ما ثبت عن عليّعليه‌السلام في خطبته الشقشقيّة الرائعة الّتي صحّت روايتها في كتب أعاظم الفريقين، وإليك نصّها من نهج البلاغة ( ج ١؛ ٣٠ ) حيث يقولعليه‌السلام : أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهبا، حتّى مضى الأوّل لسبيله، فأدلى بها إلى عمر بعده فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته؛ لشدّ ما تشطّرا ضرعيها فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة، حتّى إذا مضى لسبيله، جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم، فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب في مع الأوّل منهم حتّى صرت أقرن إلى هذه النظائر فصغى رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن، إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ....

ورواها سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص (١٢٤) بلفظ « حتّى إذا مضى لسبيله جعلها شورى بين ستّة زعم أنّي أحدهم، فيا لله والشورى! فيم وبم ولم يعرض عنّي؟! » وللاطلاع على هذه الخطبة والوقوف على ألفاظها يراجع كتاب « نهج البلاغة مصادره وأسانيده » للسيّد المرحوم عبد الزهراء الحسيني الخطيب، وهو مطبوع في أربع مجلدات.

والّذي صغى في الشورى لضغنه وحقده هو سعد بن أبي وقاص؛ لأنّ عليّاعليه‌السلام

٤١٩

قتل الصناديد من أخواله في سبيل الله، وقيل: أنّه طلحة بن عبيد الله؛ لأنّه كان منحرفا عن عليّعليه‌السلام ، وكان ابن عمّ أبي بكر، فأراد صرف الخلافة عن عليّ، وأمّا الّذي مال إلى صهره فهو عبد الرحمن بن عوف؛ لأنّه كان زوج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط؛ وهي أخت عثمان لأمّه أروى بنت كريز، وأمّا الهن والهن فهي الأشياء الّتي كرهعليه‌السلام ذكرها، من حسدهم إيّاه، واتّفاق عبد الرحمن مع عثمان أن يسلّمه الخلافة ليردّها عليه من بعده، ولذلك قال عليّعليه‌السلام لابن عوف بعد مبايعة عثمان: « والله ما فعلتها إلاّ لأنّك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه، دقّ الله بينكما عطر منشم »، فمات عبد الرحمن وعثمان متباغضين.

وكان شكل المؤامرة أنّ عمر جعلها في ستّة، وجعل الخيار الأخير بيد عبد الرحمن بن عوف؛ لمعرفته بميوله إلى عثمان، والمؤامرة المحاكة ضدّ عليّعليه‌السلام ، ليتسلّمها ابن عوف من بعد، فوهب طلحة حقّه لعثمان، ووهب الزبير حقّه لعليّ، فتعادل الأمر، ثمّ وهب سعد بن أبي وقاص حقّه لعبد الرحمن بن عوف، ثمّ أخرج عبد الرحمن نفسه على أن يختار عليّا أو عثمان، فاختار عثمان، فيكون عمر المخطّط لإبعاد الخلافة عن عليّعليه‌السلام ، والباقون - سوى الزبير - منفّذين لغصب الخلافة من عليّعليه‌السلام . انظر في ذلك شرح النهج لابن أبي الحديد ( ج ١؛ ١٨٧ - ١٩٦ ) وشرح النهج لابن ميثم البحراني ( ج ١؛ ٢٦١ - ٢٦٢ ) وشرح محمّد عبده ( ج ١؛ ٣٥ ) ومنهاج البراعة للقطب الراونديّ ( ج ١؛ ١٢٧ - ١٢٨ ).

وفي كتاب سليم بن قيس ( ١٠٨ - ١٠٩ ) قال أبان بن عيّاش: قال لي أبو جعفرعليه‌السلام : ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش، وتظاهرهم علينا، وقتلهم إيّانا، وما لقيت شيعتنا ومحبّونا من الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبض وقد قام بحقّنا وأمر بطاعتنا، وفرض ولايتنا ومودّتنا، وأخبرهم بأنّا أولى بهم من أنفسهم، وأمر أن يبلّغ الشاهد الغائب، فتظاهروا على عليّعليه‌السلام ، فاحتجّ عليهم بما قال رسول اللهعليه‌السلام فيه، وما سمعت العامّة واحتجّوا على الأنصار بحقّنا، فعقدوها لأبي بكر، ثمّ ردّها أبو بكر إلى عمر يكافئه بها، ثمّ جعلها عمر شورى بين ستّة، ثمّ جعلها ابن عوف لعثمان على أن يردّها عليه، فغدر به عثمان، وأظهر ابن عوف كفره وجهله ونقل هذا الحديث مبتورا ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١١؛ ٤٣ ).

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481