مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق12%

مكارم الأخلاق مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: مکتبة الأخلاق والدعاء
الصفحات: 481

مكارم الأخلاق
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 207751 / تحميل: 11479
الحجم الحجم الحجم
مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

المُستعربين(١) من الذين أثارهم مدى نفوذ الإسلام، وقوّة تأثير الثقافة الإسلاميّة واللغة العربيّة في واقع الشعب الأسباني، فتحرّكوا لمواجهة هذا النفوذ والعمل على تفريغ محتواه من نفوس الأسبان، عن طريق إذكاء حالة العداء الديني وتغذيتها بأشكال الإثارة الحادّة ليتسنّى لهم دقّ إسفين الخلاف، ومِن ثمّ صبّ ذلك في محور تحريضي مباشر تجاه الخلافة الإسلاميّة.

حتّى إنّ بعض المُغالين من الرهبان كان يصرّ على التعرّض للإسلام، والطعن في النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والنيل من المقدّسات الإسلاميّة للفوز بعقوبة الموت، مُعتقدين بأنّهم يكسبون بذلك شرف الشهادة الذي حُرِموه نتيجةً للتسامح الذي كان سِمةً من سِمات حكّامهم المسلمين في دار الخلافة بالأندلس.

وبالرغم من أنّ عدد هؤلاء المتعصّبين لم يكن كبيراً، إلاّ أنّ الحكومة قد خشيت آنذاك (سوء عاقبة هذه الحوادث وأوجست خيفة من أنّ احتقارهم سلطانهم، وعدم اكتراثهم بالقوانين التي سنّوها ضدّ مَن يطعن في دينهم (الإعدام)، قد يؤدّي إلى استفحال روح الكراهيّة، وذيوع حركة العصيان بين الأهلين كافّة)(٢) .

فعمدت إلى القضاء على حركة الاستشهاد، مستفيدةً من اعتدال الكثير من المُستعربين، وعدم تفاعلهم معها.

ولمّا كانت هذه الحركة عبارة عن إرهاص متشنّج يحكي حالة الرفض المتعصّب بطريقةٍ انفعاليّة هيمنت على أفكار المُتديّنين والقساوسة الأسبان - كما عبّر عنها(ريتشارد سوذرن) ووصفها: (بأنّها حركة ضدّ رضا العامّة بالحضارة العربيّة)(٣) - فقد خلقت أرضيّة لعمل فكري يهدف إلى معرفة وفهم

____________________

(١) استعرب: صار دخيلاً بين العرب. (القاموس المنجد، باب: عرب).

(٢) أرنولد، توماس - الدعوة إلى الإسلام - الترجمة العربيّة: ١٦٥ - ١٦٦.

(٣) سوذرن، ريتشارد - صورة الإسلام في أوربّا في العصور الوسطى: ٥٨.

٤١

العدوّ الإسلامي، ودراسة سرّ قوّته وتميّزه، ورفع الإبهام عن لغز تفوّقه وقدرته. أي بعبارةٍ أُخرى خلقت أرضيّة الاستشراق بروحه التبشيريّة.

أمّا لماذا لم يتم هذا العمل الفكري في الفترة التي كانت حركة الاستشهاد في أوجّها؟ فيقول (سوذرن): (إنّ كلاً من (أولوجيوس) و (ألبرو قرطبي) قائدَيّ الحركة كانا يعتقدان أنّ السيطرة الإسلاميّة هي بداية المقدّمة الضروريّة لظهور المسيح الدجّال، المذكور في كتبهم المقدّسة، وانسجم ذلك مع تأويلات خاطئة باقتراب يوم القيامة، وعلائمه التي كانت سائدة بين أوساط المجتمع الأوربّي المسيحي آنذاك.

إضافةً إلى أنّهما لم يكونا مؤهّلين للجهد الفكري المطلوب في معرفة وفهم العدوّ الإسلامي، كما وإنّهما - القائدَين - وأتباعهما لم يكونوا يريدون أنْ يعرفوا شيئاً)(١) لتَشبُّع قلوبهم بالبغض والكراهيّة والغضب على كلّ ما هو مُخالف لأفكارهم ومعتقداتهم الخرافيّة السائدة، وتأويلاتهم المنحرفة التي ما أنزل الله بها من سلطان.

ولم تكن الكنيسة الكاثوليكيّة بأحسن حالاً من هؤلاء، حيث لم تخرج عن دائرة هذا الجوّ العدائي.

فقد كانت أحد العوامل الرئيسيّة لتأجيج الصراع وتغذية الشعور المعادي للمسلمين، وإذكاء نار الحقد في صدور رعاياهم ضدهم بكلّ ما تهيّأ لها من وسائل وأُوتيت من قوّة، لما أدركته من تأثير الإسلام وسرعة نفوذه وكثرة المُقبلين عليه.

حيث يصف أحدُ المؤرّخين هذه الظاهرة فيقول: (بأنّ تأثّرهم بالإسلام كان بمحض إرادتهم في أغلب الأحيان)(٢) . وأخذت الكنيسة الكاثوليكيّة تدرك تدريجياً ومن موقع دفاعي ضرورة إعطاء النصارى أسباباً

____________________

(١) سوذرن، ريتشارد - صورة الإسلام في أوربّا في العصور الوسطى: ٥٩.

(٢) بروفنسال، ليفي (حضارة العرب في الأندلس) الترجمة العربيّة: ١٦ - ١٧.

٤٢

وجيهةً ليحافظوا على إيمانهم التقليدي الخاص، ويتحصّنوا داخله.

إلاّ أنّ هذه المساعي لم تنجح، فسرعان ما تأجّجت العصبيّات واستفحل العداء الشديد.

وعلى هذا نرى أنّ بدايات الاستشراق لم تكن منفصلة عن منظومة التنصير والتبشير، ولا عن الدوافع الدينيّة المتطرّفة التي كانت الأساس في نشأة الفهم الاستشراقي(١) ، فلا عجب إذن إذا رأينا الكثير من المُستشرقين يجهدون في تصوير العالم الإسلامي في كتاباتهم على أنّه بشعٌ في عاداته، قبيحٌ في أخلاقه، مليء بالبِدَع والانحرافات عن الدين السماوي الحقّ الذي جاء به المسيح النبيّ، ولا يتحرّزون عن اختلاق ما يدعم دعواهم تلك، وكلّ ما مِن شأنه زرع روح التشكيك في الإسلام وزعزعة اليقين بين أوساط المسلمين.

____________________

(١) راجع د. سلمان، سمير (الجذور التكوينيّة للاستشراق في الأندلس) مجلّة التوحيد - العدد ٣٢: ١١٦.

٤٣

نشأة الاستشراق بين النهج العلمي والاستعداء التبشيري

إنّ البدايات التي سجّلها الباحثون لنشأة الاستشراق لم تكن خارجة عن نطاق الصراع الذي تربّع أبطاله على صدر الأندلس، وتركوا آثار حقدهم وتعصّبهم شاخصةً على مرّ العصور، مُنزِلةً الضربة تلو الأُخرى بالوجود الإسلامي في الأندلس.

فالحرب التي شنّتها المسيحيّة على الإسلام حينذاك قد نحَت مَنحَيَيَن باتّجاهين مُتوازيين يعضد أحدهما الآخر، ويؤدّيان إلى هدفٍ واحد، ألا وهو القضاء على الخصم الذي غزاهم وهُم غارقون في سُباتٍ عميق.

الأوّل: كان يُريد تحقيق هذا الهدف بحدِّ السيف وإعلان الحرب المباشرة، لاجتثاث جذور الوجود الإسلامي بشكل سريع ونهائي.

والثاني: كان يرى أنّ دراسة العدو، واستثمار معارفه وعلومه، والاطلاع على مبادئه وأفكاره يشكّل الطريق السليم لمواجهة هذا العدوّ من خلال امتلاك سرّ قوّته، ومعرفة سُبل اجتثاثه من داخله.

إنّ الاختلاف الظاهري لهذين الاتّجاهين المعاديين للإسلام والذي أُريد له أنْ يبرز بشكلٍ مقصود، كان يُعبّئ الآخرين ويبرز ردود فعلٍ موسومةً بالتصلّب والتعدّي تارة، وبالمرونة وطَرقِ السُبل السلمية بغطاءِ العلم والمعرفة تارةً أُخرى.

إنّ ما قام به أسقف طُلَيطَلة مِن إخضاع النصارى الأسبان له، إثر تعرّض

٤٤

العلاقات والروابط بين الكرسي البابوي من جهة، والكنيسة من جهةٍ أُخرى للضعف والتردّي، أدّى إلى انفصال الأخيرة عن البابويّة، ممّا حدا بأسقف طُلَيطلة إلى إخراج ترجمات مبكّرة لبعض الكتب العلميّة العربيّة(١) .

وكما ذكر غابريلي في(تراث الإسلام) : (لقد استعربت المسيحيّة بسرعة لغويّاً وثقافيّاً)(٢) .

في الوقت الذي استمرّت الكنيسة على تصلّبها وأبرزت تعصّباً بالغ التزمّت تجاه أيّ تقاربٍ ومهادنة أو موقفِ صداقةٍ تفرضه الطبيعة العلميّة، أو ظروف التقارب الثقافي الذي قد يتّخذه بعض طلاب الثقافة والمعرفة الأوربيّين من الإسلام والثقافة الإسلاميّة.

ومِن أمثلة ردود الفعل المتعصّبة التي أفرزتها طبيعة الخلافات هذه، هو ما أعلنه البابا(غريغور التاسع) من أنّ فريدريك الثاني حاكم صِقلْيّة الذي أصبح إمبراطوراً لألمانيا في عام ١٢٢٠م قد خرج على الكنيسة، حيثُ كان(فريدريك) هذا مُستعرباً لغةً وثقافةً وعلوماً وعادات.

وقد أهدى كتباً فلسفيّة تُرجمت عن العربيّة إلى جامعات بولونيا وباريس، وعندما أصبح إمبراطوراً أسّس جامعة في نابولي سنة ١٢٢٤م، وجعل منها أكاديميّة لنقل المعارف الإسلاميّة إلى العالم الغربي(٣) .

وعليه فإنّ نشأة التبشير في الأندلس بدأت بهدف القضاء على الإسلام، والتبشير للمسيحيّة بين صفوف المسلمين الكَفَرَة - كما كانوا يسمّونهم - الذين قدموا من بلاد العرب وفتحوا الأندلس، أو الذين دخلوا الإسلام حديثاً والذين يطلق عليهم (المولدين)(٤) ، بعد أنْ ثبت لدى أغلب رجال الفكر

____________________

(١) زقزوق، محمود حمدي (الاستشراق والخلفيّة الفكريّة للصراع الحضاري): ٢٤.

(٢) غابريلي، فرانشسكو (تراث الإسلام) - القسم الأوّل - الترجمة العربيّة: ١٣٤.

(٣) رودنسون، مكسيم (جاذبيّة الإسلام) الترجمة العربيّة: ٣٢ و٣٣.

(٤) أُطلقت هذه التسمية على أبناء الأندلس القُدماء الذين انحدروا مِن آباء أسبان، وهؤلاء كانوا يمثّلون طبقة اجتماعيّة واسعة من المجتمع الأندلسي، دخلوا الإسلام أثناء الفتح، وحَسُن إسلام الكثير منهم. وكان منهم من أصحاب التآليف والتصانيف والمكانة العلميّة المرموقة. عن مجلّة نور الإسلام: ٢٧ - ٢٨/ (العصبيّات وآثارها في سقوط الأندلس).

٤٥

النصارى وعلمائهم أنّ الإسلام لا يُمكن القضاء عليه بالعمل العسكري، فدون ذلك خرط القتاد، وأنّ أيّ مواجهة سوف لنْ تثمر شيئاً ومحكومٌ عليها بالفشل والخُسران.

لذا فإنّ منظومة التبشير والتنصير قد تولّدت في أُتون الصراع المُستعِر بين الإسلام والكنيسة على الأرض الأندلسيّة، والتي شكّلت مُنذ القرن التاسع عشر الميلادي الخليّة الأولى في مشروع الاختراق الثقافي الأوربّي للوجود الإسلامي، تمهيداً للامتداد والسيطرة الاستعماريّة وبنشاطٍ منظّم.

فالتبشير مصطلحاً ونظريّة، يقوم على نشر المسيحيّة في جميع بقاع الأرض التي تخلو منها، وهو بمعنى آخر هجوم المسيحيّة على الديانات الأُخرى بهدف اقتلاعها مِن عقول ونفوس معتنقيها، والحلول محلّها بكلّ وسيلة (سلميّة) ممكنة، وتطرق في ذلك أبواباً شتّى للوصول إلى أهدافها، منها: معرفة لغة الناس المقصودين بالتبشير، ودراسة عاداتهم وقِيمهم ومعتقداتهم عن كثب، والتدخل (للمساعدة) في حلّ مشاكلهم الشخصيّة والاجتماعيّة والصحيّة(١) .

مستفيدين من حالة الجهل والأُميّة السائدة في أوساطهم، للتشكيك في عقائدهم كمقدّمة لزقّهم بالتعاليم النصرانيّة عن طريق مؤسّسات التربية والتعليم، كالمدارس والمعاهد والجامعات وأمثالها.

وهكذا بدأ التبشير حركتهُ الشاملة للقضاء على الوجود الإسلامي، متّخذاً صوراً وأشكالاً مختلفة، وكان الاستشراق أبرز صوره الفكريّة. وهكذا كان العلم والبحث العلمي الذي يفترض فيه سموّ الإنسان بتحصيله المتواصل للكمالات قد

____________________

(١) الطهطاوي، محمّد عزت إسماعيل (التبشير والاستشراق): ١ - ٣.

٤٦

استُخدِم أداةً مِن أدوات التخريب الحضاري لبلاد المسلمين، والاعتداء على تراثهم، والطعن بالباطل في دينهم. وكانت المآرب السياسيّة والتعصّب للدين من السمات الأساسيّة للحركة الاستشراقيّة، ومن العناوين الخفيّة للوحدة والانسجام بين الاستشراق والتبشير.

٤٧

مبدأ الاستشراق اختراق ثقافي لدحر المسلمين في أوربّا

لقد كان الصراع التدميري الذي خاضته الكنيسة ومن ورائها المستعربون المتعصبون من النصارى ضد المسلمين في الأندلس والذي برّز الاستشراق صورةً من صوره الفكريّة فيما بعد قد اتّخذ مسارين: الأوّل ديني، والثاني فكري وسياسي.

أوّلاً: المسار الديني:

يُمكن تلخيص الكاشف عن المسار الأوّل بما يلي:

أ - سعي الكنيسة الدائب لاسترداد أسبانيا مِن المسلمين وإعادتها إلى سلطتها، وأنّ تلكّؤ مساعيها في النجاح لا يعني هزيمتها، فحروب الأسبان (القدماء) كانت خاضعة للكرّ والفرّ، واستمرّت بأشكالٍ مختلفة، مِن حربِ عصاباتٍ إلى مناوشاتٍ مشحونةٍ بالعداء الديني، إلى تأجيج العصبيّات بصيغتها الدينيّة بين مختلف الطوائف والقبائل، حتّى استنزفت قُوى الدولة الأندلسيّة التي ما لبث التفكّك والتشرذم أنْ طال كيانها الناشئ، في الوقت الذي لم تحسم فيه المواجهة بين الطرفين المُتصارعين، واستمرّت تتناوب بين انكفاءٍ وتقدّم.

٤٨

وبدءاً بعام ٧٥٦م راحت الهَجَمَات الأسبانيّة تتوالى حتّى (أخذت شكلاً تكتّليّاً وحرباً مقدّسة صليبيّة بآخر المعاقل الإسلاميّة)(١) .

وهكذا استمرّ الحال حتّى سقوط غرناطة بأيدي الأسبان، ووصول الوجود الإسلامي في الأندلس إلى نهايته عام ١٤٩٢م بعد أنْ تواصل ثمانية قرون تقريباً.

ب - إنّ من جملة أسباب تفوّق الأسبان الأُوربّيّين في هذه الحرب هو أنّهم (استعاروا أُسلوب المسلمين في الجهاد المقدّس)(٢) فأفادت المسيحيّة الأسبانيّة من عقيدة خصمها، وخاضت غمار المواجهة بأحد أمضى أسلحة الخصم الإسلامي، وأنشأت (طوائف الفرسان الدينيّة في سانتياغو وكلاترافا وألكنترا، وفي الطوائف التي ذاع صيتها في السجلاّت التأريخيّة لحروب الاسترداد)(٣) . علماً (بأنّ الأُسلوب نفسه قد اعتمدته الحملات الصليبيّة أيضاً)(٤) .

ج - لقد ترك الصراع الذي خاضته الكنيسة ضدّ المسلمين في الأندلس آثاره على مسير الكاثوليكيّة الأسبانيّة، وجنَت منه فوائداً كبيرةً، منها تحوّل هذا الصراع إلى عامل أساسي في بناء أسبانيا، وتطوير تركيبتها الداخليّة الخاصّة وموقعها العام، خصوصاً على مستوى الحسّ الديني المُرهف الذي برز عند الأسبان أفراداً ومجتمعاً، مِن خلال ما تركته العلوم والآداب الإسلاميّة مِن آثار في أعماق وأُسُس الحضارة الأسبانيّة مُنذ العصور الوسطى وإلى يومنا هذا.

____________________

(١) زقزوق، محمود حمدي - (الاستشراق والخلفيّة الفكريّة للصراع الحضاري) مؤسّسة الرسالة، بيروت، ط٢، ١٩٨٥م.

(٢) لومبير، إيلي - (تطور العمارة الإسلاميّة في أسبانيا والبرتغال وشمال إفريقيا) الترجمة العربيّة: ١٤٤.

(٣) بروفنسال، ليفي - (حضارة العرب في الأندلس) الترجمة العربيّة: ١٦ و١٧.

(٤) قنواتي، جورج شحاته - (تراث الإسلام) القسم الثاني، الترجمة العربيّة: ٢٦٠.

٤٩

ثانياً: المسار الفكري والسياسي:

إنّ أبرز العوامل التي بلورت هذا المسار هي:

أ - إنّ النصارى مِن غلاة رجال الكنيسة والمُستعربين الأُوربّيّين الخاضعين للحكم الإسلامي، كانوا ينظرون إلى المسلمين على أنّهم محتلّون برابرة كَفَرة، ويحرّضهم على ذلك الشعور تعصّبهم الديني وجشعهم السياسي، وشهوة مُلوكهم التائقين إلى استرداد ما فقدوه بالقوّة عند الفتح الإسلامي.

ب - إنّ بعض الأُمراء الأمويّين لم يعملوا على إخضاع جميع المواقع المسيحيّة لحكمهم في شبه جزيرة أيبيريا، ممّا أعطى للأسبان فرصةً سانحةً في أنْ ينطلقوا لإثارة الحروب والفتن.

ج - السياسة غير الحكيمة التي مارسها أحياناً بعض الأُمراء الأمويّين ضدّ المُستعربين، وضدّ غيرهم مِن طوائف المجتمع الأندلسي كالصقالبة(١) ، والبربر(٢) ،

____________________

(١) الصقالبة: هم عند مؤرّخي العرب الشعوب السلافيّة القاطنة بين جبال الأورال والبحر الأدرياتيكي، وهُم من أُصول أوربيّة مختلفة، وينقسمون إلى قسمين: الأوّل منهم صقالبة الشمال (الروس والروس البيض والبولونيون)، وصقالبة الجنوب أو اليوغسلافيون (الصرب والكرواتيون والسلوفاكيون والبلغاريون).

وقد جيء بهم إلى الأندلس أطفالاً صغاراً ذكوراً وإناثاً، فنشأوا نشأةً عربيّة إسلاميّة في بلاط الملوك والحكّام. كان منهم العبيد المجنّدون في الخدمة العسكريّة، ومنهم القادة والكتّاب والأُدباء.

القاموس (المنجد في الأعلام) وكذلك مجلّة نور الإسلام، العددان ٢٧: ٢ و٢٨: ٣٤ من (العصبيّات وآثارها في سقوط الأندلس).

(٢) البَربَر: اسم يطلق على سكّان إفريقيا الشماليّة من برقة إلى المحيط، كانوا يتكلّمون لهجات أعجميّة قبل استعرابهم، ولا يزالون. ويرجع أصلهم إلى فِئات عرقيّة مختلفة استقرّت في البلاد قبل الميلاد، وعرفت بعض الازدهار مثل:(مملكة نوميديا ومملكة موريتانيا) .

لم يكونوا مرتاحين تماماً إلى حكم روما ولا إلى أسبانيا بقيادة أحدهم وهو طارق بن زياد، تبعوا الخوارج وأعلنوا العصيان على العباسيّين. توزعوا ممالك وسلالات، فكان منهم الأغالبة والرستميّون والمرابطون والموحّدون، ثمّ زالت دولتهم في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، وقد تحمّلوا القسم الأعظم مِن أعباء الفتح فقتل منهم في هذا السبيل الآلاف، وقد تأثّروا كثيراً بالدين الإسلامي، وأبدوا تحمّساً لنشره والدفاع عنه.

عن القاموس (المنجد في الأعلام) وكذلك مجلّة نور الإسلام، العددان ٢٥: ١ و٢٦: ٨ في = (العصبيّات وآثارها في سقوط الأندلس).

٥٠

والمولدين، ممّا أدّى إلى تنامي الشعور القومي والحساسيّة العرقيّة لدى المواطنين من قدامى الأسبان، وكذلك الذين استعربوا، فكانت مناطقهم مركزاً للمقاومة من قدامى الأسبان، وكذلك الذين استعربوا.

فكانت مناطقهم مركزاً للمقاومة العسكريّة النصرانية، ممّا سهّل لهم لعب دورٍ كبيرٍ لخوض حرب إيديولوجيّة سياسيّة.

د - بروز أجواء متوتّرة ساعدت على اعتماد القمع العنصري والقبلي، من قِبل الحكّام كَرَدّة فعل على الاضطرابات والأجواء المشحونة بالقلاقل، والتي كانت مدعومةً أحياناً من النصارى والمُستعربين والمُتعصّبين.

هـ - بروز صراعات سياسيّة وقبليّة بين المسلمين العرب أنفسهم، منها العصبيّة التي ثارت بين القيسيّين واليمنيّين، وأخذت العرقيّة القبليّة تنبض في نفوس أصحابها، فتطاحنوا (وتذابحوا وذهبت ريحهم)(١) . فانتهز المتربّصون بالحكم الإسلامي، والذين يصطادون في الماء العكر من نصارى الأسبان الفرصة للعصيان وإشعال فتيل الفتن والاضطرابات والتهيّؤ للمستقبل، الذي يأملون فيه القضاء على الحكم الإسلامي في الأندلس. فتدافعوا وجمعوا قواهم، واستعدّوا.

و - الدعم المباشر الذي قدّمه بهذا الاتّجاه النصارى الأوربّيون من الفرنسيّين وغيرهم بقيادة شارلمان (٧٤٢ - ٨١٤م) المعروف بتصدّيه التاريخي للانتشار الإسلامي في أوربّا، تمّ بمباركة البابا (أُوربانس الثاني) - الذي تسبّب فيما بعد بتأجيج الحروب الصليبيّة - عبر النداء الشهير الذي أطلقه في ٢٧ تشرين الثاني عام ١٠٩٥م، ودعا فيه نصارى أوربّا إلى الجهاد ضدّ الكَفَرَة المسلمين، وحمل السلاح لغزو الشرق، وهو نفسه الذي أعدّ حملةً مؤلّفةً في معظمها من (فرسان جنوب فرنسا) عام ١٠٨٩م لمساعدة نصارى الأسبان في مقاتلة

____________________

(١) بالنتيا، أ. جـ (تأريخ الفكر الأندلسي) الترجمة العربيّة: ١٧.

٥١

المسلمين في الأندلس(١) .

ز - الدور الذكيّ والمُخادع الذي لَعِبهألفونس الثالث (٨٦٦ - ٩١٠م) ملك أشتوريش وليون الاسباني في العمل الجاهد لاختراق المسلمين في الداخل ونشر الفرقة بينهم، حتّى نجح في استمالة المُستعربين الذين أسلموا حديثاً، مستنفراً فيهم كوامن المذهبيّة والطائفيّة، ممّا حداهم إلى رفض الإسلام والتمرّد على السلطة المركزيّة في قرطبة (ووعدهم بمنحهم الاستقلال إذا انقلبوا في اللحظة الحاسمة، ووقفوا إلى جانبه في موعد الهجوم على ضواحي قرطبة ومناطقها الشماليّة، وذلك مِن أجل أنْ يعيشوا أحراراً في أرضهم التي انتزعها المسلمون منهم بالعنف.

وإنّ وعدهم نصرتهم الملك، تعني استمرارهم كوسائل اقتصاديّة فقط، وكمصدر لإغناء خزينة الخلافة الإسلاميّة)(٢) .

وهكذا كانت عمليّة اختراق الوجود الإسلامي مِن قبل المُستعربين في الأندلس قد تمّت من زاويتين رئيسيّتين:

الأولى: بشريّة تشكل قوّة عسكريّة كبيرة العدد مدعومةً بالقوّة الأوربّية قادرة على ترجيح الكفّة من الناحية الإستراتيجيّة للمسيحيّة.

الثانية: إيديولوجيّة حضاريّة، وهي مدار بحثنا هذا، وهي الأهم والتي يُمكن أنْ يلعب مِن خلالها المُستعربون دوراً كبيراً في تقويم أوربّا الرازحة تحت وطأة التخلّف الحضاري، والخواء الثقافي، ورفدها بالمعارف والعلوم الحيويّة لنهضتها المخطّط لها. ثمّ إنّ دورهم هذا هو دينٌ عليهم وردٌ للجميل الذي قدّمته أوربّا لهم بمساعدتها لضرب الحكم الإسلامي.

وقد بذلت الكنيسة ومؤسّساتها كامل الجهد لاستيعاب كل هذه الأهداف

____________________

(١) لومبير، ايلي - (تطور العمارة الإسلاميّة في إسبانيا...) الترجمة العربيّة: ١٤٤.

(٢) بروفنسال، ليفي - (حضارة العرب في الأندلس) الترجمة العربيّة: ٧٩.

٥٢

في تخطيطٍ شاملٍ، وبرعاية السلطة السياسيّة وتشكيلاتها.

وهكذا كان، فقد ابتكرت الكنيسة حرباً جديدة ومواجهة غير مرتقبة، سلاحُها العلم والفكر واغتنام المفردات الحضاريّة للمسلمين، وتكييفها بالشكل الذي يسدُّ نقصهم وثغراتهم الأيديولوجيّة، ويمنحهم القدرة للتفوّق في هذا الجانب الأساسي على العدوّ الإسلامي. فبعد أنْ كان النصارى الأسبان يتخبّطون في ظُلمات جهلهم إبّان الفتح الإسلامي، ضُعفاء لا يملكون أسباب القوّة للردّ والمواجهة، أدركوا الآن قانوناً أساسيّاً من قوانين مقارعة الخصم والذي يتمثّل في معرفة الخصم وفهم حقيقته، وذلك عن طريق اكتشاف عوامل كماله ونقصه، وأسباب قوّته وضعفه، ومواطن ذلك في وجوده، ومن الذي يكمن وراء تفوّقه وهيمنته. وخلال دورة زمنيّة لم تطل كثيراً استطاعوا بإتقان أنْ يصلوا إلى أهدافهم، ويستحوذوا على كافّة مستلزمات المواجهة الشاملة لدحر المسلمين.

وفي طليعة انجازاتهم هذه:

أ - ما قام به الرُهبان مع بداية القرن التاسع من تعلّم اللغة العربيّة الفصحى، ومن ثمّ الإقبال على الترجمة عنها، وذلك (بناءً على تعليمات أساقفتهم)(١) . كما

____________________

(١) إنّ أوّل ترجمة (مزعومة) للقرآن يرجع تأريخها إلى عام ١١٤٣م، عندما أنهى إنجليزي وهو(روبرت الكتوني) بين ١٦ أيار و٣١ كانون الأوّل، من العام المذكور ترجمة لبعض معاني القرآن من العربيّة إلى اللاتينيّة، واستناداً إلى فهمه الشخصي. وكان هذا الرجل قد تنقّل في بعض البلدان الآسيويّة قبل انتقاله إلى برشلونة عام ١١٣٦م. وقد كانت ترجمته هذه بالإضافة إلى ترجمة كتب أُخرى من العربيّة إلى اللاتينية قد نمت تحت إشراف ورعاية أحد الأساقفة، وهو(بطرس الموقر) رئيس دير(كلوني) الفرنسي، وهو الدير الذي تخرّج منه البابا (أُوربانس الثاني) مؤجّج الحروب الصليبيّة. وكان الموقر هذا يرى في الإسلام خطراً فكريّاً شديداً على المسيحيّة لابد من التعرّف عليه لتمكن مكافحته بغير الوسائل العسكريّة.

راجع ما يلي:

خدابخش، صلاح الدين - (حضارة الإسلام) الترجمة العربيّة: ٤١ - ٤٢. وكذلك سوذرن، ريتشارد. (صورة الإسلام في أوربّا في العصور الوسطى): ٨٠ - ٨٢.

٥٣

جاء على لسان المُستشرق(فرانز روزنتال) بقوله: (وبتعلّم اللغة العربيّة باعتبارها لغة العلوم والفلسفة والفكر آنذاك، وبالاطلاع على القرآن وترجمته إلى اللاتينيّة، بهدفٍ وحيد وهو الوصول إلى فهمٍ عميق للتفكير الديني الكلامي عند المسلمين، أملاً في أنْ يُصبح الرهبان أقدر على التعرّف على هذا التفكير، واستغلال ما كانوا يتصوّرون أنّه مواطن الضعف فيه)(١) .

ب - قيام القساوسة والرهبان الأوربّيون، وكذلك الأسبان بحملةٍ ضخمةٍ لترجمة الفكر والثقافة الإسلاميّة وعطاءاتها الحضاريّة الإنسانيّة، وبذلك تمكّنوا مِن تأسيس أوّل شبكة إيديولوجيّة للاستشراق الغربي، مستهدفين بذلك مقاومة الإسلام ومحاصرته سياسيّاً وفكرياً وعقائديّاً بعيداً عن أيّ هدفٍ علمي منزّه(٢) ، واضعين نصب أعينهم إعادة المجد التليد، والبريق القديم الذي فقدته النصرانيّة هدفاً لهم، مخطّطين لحملاتٍ ضخمةٍ للتنصير، عبر منهجَين متضادَين ومتوازيَين ظاهريّاً: أحدهما علمي يستند إلى البحث والدراسة بقصد المعرفة والكشف، والآخر سياسي تطويقي يهدف إلى تدمير وتصفية الخصم بأيّ وسيلةٍ ممكنة. وبذلك تتوظّف كلّ الجهود العلميّة والسياسيّة لتحقيق الهدف التنصيري.

ويشهد على ذلك قول(رودي بارت) : (كان موقف الغرب المسيحي في العصر الوسيط من الإسلام هو موقف الدفع والمشاحنة فحسب. صحيح أنْ العلماء ورجال اللاهوت في العصر الوسيط كانوا يتّصلون بالمصادر الأُولى في تعرّفهم على الإسلام، وكانوا يتّصلون بها على نطاق كبير، ولكن كلّ محاولةٍ لتقويم هذه

____________________

(١) فوك، يوهان - (المُستشرقون الألمان): ١٥.

(٢) سمايلو فيتش، أحمد - (فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر): ٤٩. وكذلك مقدّمة مصطفى محمود لكتاب سمايلو فيتش: ٣. وكذلك خدابخش، صلاح الدين في (حضارة الإسلام) الترجمة العربيّة: ٣٥.

٥٤

المصادر على نحوٍ موضوعي نوعاً ما كانت تصطدم بحكمٍ سابقٍ يتمثّل في أنّ الدين المعادي للمسيحيّة لا يُمكن أنْ يكون فيه خير)(١) .

ج - ودعماً لهذا المخطّط فقد رافقت تلك الفترة استخدام أبشع وسائل الاضطهاد، وممارسة شتّى أنواع التنكيل بالمسلمين، وارتكاب أفضع جرائم القهر الديني والسياسي بحقّهم، ومحاربتهم نفسيّاً واقتصاديّاً، وصُودرت نتاجاتهم العلميّة والثقافيّة ونُسِبت إلى غيرهم من أعدائهم، وعملت الكنيسة على تأسيس محاكم التفتيش(٢) التي نكّلت بمَن تبقّى من المسلمين الأندلسيّين بعد سقوط الأندلس وغرناطة في أواخر القرن الخامس عشر، وأُعطيت صلاحيّات استثنائيّة واسعة أيّامفرديناند (٣) ،وإيزابيلا (٤) ،وفيليب الثاني (٥) ، وشمِل التقتيل والإحراق

____________________

(١) كراتشقوفسكي، إغناطيوس. (دراسات في تأريخ الأدب العربي) الترجمة العربيّة: ٧٥.

(٢) يُعزى تأسيس محاكم التفتيش إلى البابا(غريغور السابع) عام ١٣٣٣م، عندما أمر بتشكيل لجنة من كلّ قريةٍ أو بلدةٍ يرأسها قسّ، وبعضوية شخصيّتين بارزتين وذلك للتفتيش عن الهراطقة ومحاكمتهم (وقد أطلقت تسمية الهراطقة عند النصارى على أهل البدعة في الدين. والمقصود بهم هنا الذين ينتمون إلى الدين الإسلامي في بلاد النصارى). ثمّ ما لبث أنْ تسلّم المحاكم هذه جماعة الدومنيكان وغيرهم من الرهبان. وجماعة الدومنيكان أو ما يُطلق عليهم: الأُخوة الواعظون: هُم أعضاء الرهبانيّة التي أسّسها القدّيسعبد الأحد لدحض البِدَع عام ١٣٠٦م، وكانوا أرباب التعليم الفلسفي واللاهوتي في القرون الوسطى. دخلوا البلاد الشرقيّة في القرن السابع عشر، أسّسوا كليريكيّة الموصل عام ١٨٨٢م (وهي البيع التي يخدم فيها الشمامسة والقساوسة والأساقفة)، وكانت لهم فيها مطبعة عربيّة شهيرة، ولهم في القدس مدرسة الكتاب المقدّس.

راجع، براندتراند، جون في (تراث الإسلام) الترجمة العربيّة: ٧٠، وكذلك (القاموس (المنجد في الإعلام)).

(٣) فرديناند: ملك أراغون وهو المعروف بالكاثوليكي، ملك قشتالة (١٤٧٤ - ١٥٠٤م) بعد زواجه وإرثه عرش قشتالة من إيزابيل، أخذ غرناطة من العرب (المسلمين) عام ١٤٩٢م ووحد إسبانيا تحت سلطته ونظم إداراتها. وفي عهده اكتشف كريستوفر كولومبس أميركا. عن (القاموس (المنجد في الإعلام)).

(٤) إيزابيلا: (١٤٥١ - ١٥٠٤م) ملّقبة بالكاثوليكيّة وهي ملكة قشتالة التي تزوّجها فرديناند، فتوحّدت بهذا الزواج الدولة الأسبانيّة، وأدّى ذلك إلى سقوط غرناطة عام ١٤٩٢م. عن (القاموس (المنجد في الأعلام)).

(٥) فيليب الثاني: (١٥٢٧ - ١٥٩٨م) ابن كارل الخامس ملك أسبانيا وهولندا (١٥٥٦م). ثمّ ملك = البرتغال عام ١٥٨٠م، ويعتبر عهده أوج السيطرة الأسبانية في أوربّا. عن (القاموس (المنجد في الأعلام)).

٥٥

والذبح جماعةً من المسلمين الذين تنصّروا ظاهراً، وأقاموا على عقيدتهم (الإسلاميّة) وظلّوا يمارسونها في الخفاء. وامتدّت صلاحيّات هذه المؤسّسة التنكيليّة لتنال من مصادر الفكر الإسلامي، وإحراق الكتب، وإتلاف كلّ ما يُؤدّي في نظر الأساقفة إلى إلحاق الضرر بالكنيسة.

وبالرغم من ذلك فقد (بقي المسلمون الذين ظلّوا في أسبانيا بعد استردادها (سقوط الأندلس) يحتفظون بكتبهم، باذلين غاية جهدهم لإخفائها عن أعيُن مكاتب التفتيش. ولمّا اضطرّوا إلى مغادرة وطنهم خبأوا كتبهم في فجوات الجدران، أو دفنوها تحت الأرض في بيوتهم المتروكة. وقد عثر في القرن الأخير مصادفة على عدّة مكتبات منها...)(١) . واستمرّت محاكم التفتيش قائمة في أسبانيا حتّى حلّها نابليون بونابرت عام ١٧٩٢م.

____________________

(١) كراتشقوفسكي، إغناطيوس (دراسات في تأريخ الأدب العربي) الترجمة العربيّة: ٧١ - ٧٢. ويذكر شكيب أرسلان في كتابه (الحلل السندسيّة في الأخبار والآثار الأندلسيّة) المجلد الأوّل: ٢٨٠ - ٣٨٣ الكثير من الأخبار عن صنوف الاضطهاد التي مُورست في حقّ مَن كانت محاكم التفتيش تشكّ بأنّه لا يزال على إسلامه من أهالي طليطلة، ومنها الإحراق بالنار ومصادرة الأملاك والتعزير.. إلخ. وذلك بتهم مثل عدم أكل لحم الخنزير، والامتناع عن شرب الخمرة وغيرها...

٥٦

الاستعراب(١) أولاً ثمّ الاستشراق

نشأت ظاهرة الاستعراب نتيجة للاحتكاك المباشر الذي حصل بين بعض الطوائف المسيحيّة التي كانت تقطن إسبانيا وبين المسلمين العرب فاتحي الأندلس، والذي أدّى بدوره إلى تعميق عُرى التمازج العرقي والتعايش الاجتماعي والاتّصال الثقافي فيما بينهم. وقد أفرزت هذه الحالة ظهور طبقة اجتماعيّة واسعة من المجتمع الأندلسي اندمجت مع أوساط المسلمين، وتشبّهت بهم في سيرتهم وسلوكهم اليومي، وقلّدتهم في إقامة مناسباتهم وشعائرهم الدينيّة، وحتّى في دقائق وجزئيّات أُمورهم الحيويّة فأقدم الكثير منهم على الاختتان وفق مراسم المسلمين، وامتنعوا عن معاقرة الخمر وأكل لحم الخنزير، وغيرها من الممارسات التي كانت مألوفة في المجتمع النصراني. وقد أُطلق على هؤلاء (المُستعربين) الذين كان جُلّهم من أبناء الأندلس القُدماء الذين انحدروا من آباء إسبان، ومن خلال البحث والاستقصاء عن أحوالهم أمكن تصنيفهم إلى صنفين:

الأوّل: ويضم الذين دخلوا الإسلام أثناء الفتح (فتح الأندلس) وحسُن إسلام الكثير منهم، فأقبلوا على دراسة الفكر الإسلامي، وتدرجوا في شتّى العلوم. فكانوا أصحاب التآليف والتصانيف، وصارت لهم مكانة علميّة مرموقة تميّزوا بها

____________________

(١) مصطلح يطلق على الذين صاروا دُخلاء بين العرب، ثمّ سرى استعماله لأُولئك الذين دخلوا الإسلام بعد أنْ تعلموا اللغة العربيّة وتشبّهوا بالمسلمين العرب خاصّة في عاداتهم وتقاليدهم.

٥٧

عمّن سواهم، وظهر فيهم العلماء والأُدباء والقادة العسكريّون، فحازوا إعجاب الحكام المسلمين وأصبح قسمٌ منهم ذوي نفوذ واسع في الحكم (ولكنّهم ظلّوا مع ذلك لا يجدون أنفسهم إلاّ مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة)(١) .

الثاني: كان يضم أُولئك الذين تشبّهوا بالمسلمين ظاهريّاً، ولم يدخل الإيمان في قلوبهم، وكان تأثّرهم سطحيّاً على قاعدة التمثّل بالفاتحين والتشبه بهم. كما يرى ابن خلدون ذلك (المغلوب يتشبّه أبداً بالغالب). وبالرغم من إقبالهم على تعلّم اللغة العربيّة ودراسة آثار المسلمين وأفكارهم، وكذلك إعجابهم بالمنجزات الحضاريّة لهم، وانبهارهم بالطرح الثقافي الإسلامي الجديد. إلاّ أنّ هذا لم يكن ليصرفهم عن عدائهم الشديد للرسالة الدينيّة والإيديولوجيّة الإسلاميّة، ولا ليثنيهم عن رفضهم القومي للسلطة السياسيّة التي يخضعون لها.

ولا سيّما أنّ بعض الحكّام آنذاك كانوا لأغراض سياسيّة يستخدمون أساليب مِن شأنها أنْ تثير روح العصبيّة بين طَبَقات المجتمع الأندلسي، كأنْ يُقرّبوا طائفة على حساب طائفة أُخرى، ممّا يُؤدّي إلى نشوء العداء مع السلطة، وبالتالي محاولة الانتقام أو التقليل من شأن الرسالة والفكر الذي ينتمي إليه هؤلاء الحكّام.

فمثلاً عند اشتداد الروح العصبيّة بين القبائل العربيّة المتنافسة في عهد عبد الرحمان الداخل ويأسه من القضاء عليها وإزالتها، واتّخاذها أُسلوب المواجهة والمنافسة مع الحكم، لجأ إلى تكوين طبقة الأعوان والقادة، وربّاهم بنفسه واستعان بهم على إدارة دفّة الحكم، ونفوذهم ينمو نتيجةً لقربهم من الطبقة الحاكمة حتّى صاروا شركاء للخليفة في الحكم، ثمّ صاروا يدبّرون المؤامرات لإدارة الحكم بأنفسهم(٢) .

____________________

(١) د. إحسان، عبّاس (تأريخ الأدب الأندلسي): ٨٩.

(٢) مجلّة نور الإسلام. العددان ٢٧ - ٢٨ (العصبيّات وآثارها في سقوط الأندلس): ٣٤.

٥٨

وعلى أثر ذلك تولّد الصراع بين العرب والمُستعربين، ولم يكن هذا الصراع سياسيّاً أو عسكريّاً فحسب، بل كان صراعاً يلتمس مبرّراته مِن أُطُر دينيّة، وينعكس على طبيعة التفكير الديني، الأمر الذي نشأ عنه نَمَطَان من التفكير: نمط يتَطرّف في تمجيد العرب دينيّاً، وآخر يتَطرّف في الاتّجاه المضاد.

وليس إلى الشكّ سبيل في أنّ ابتعاد الحكم العربي في الأندلس عن الإسلام، كان له الأثر الكبير في إعطاء الفرصة للمُستعربين كي ينتفضوا ويترجموا رفضهم بشكل حرب اتّخذت أبعاداً مختلفة، حتّى أنّ بعضاً منهم كان له الدور الكبير في إضرام فتنة طليطلة ضدّ قرطبة في بداية عهد الأمير محمّد بن عبد الرحمان التي تمخّضت عن المعارك التي خاضها ابن حفصون ضدّ الحكم العربي الإسلامي سنوات طوالاً بدأت من عام ٢٦٨هـ وانتهت بوفاته عام ٣٠٦هـ.

وصلت قوّة العداء بين الطرفين إلى الحدّ الذي دفع عمر بن حفصون، إلى الارتداد عن الإسلام والعودة إلى النصرانيّة، لكي يستميل النصارى إليه ويعينوه في قتاله ضدّ الحكم العربي، وذلك من خلال عمليّة أراد بها أنْ تكون انتقاماً من هذا الحكم.

وفي هذا الخضمّ المتلاطم مِن الفتن والصراعات والاضطرابات انتعشت الكنيسة، وبرزت الحوافز، وازدهرت الحركات الداعية إلى تقويض أركان الإمارة الأمويّة، واستُُنفرت القُوى المضادّة للإسلام، وارتفعت أصوات الغُلاة من النصارى برُدودِ فعلٍ متباينة، كان منها اندلاع حركة الاستشهاد كما أسلَفنا، وكذلك بُروز دعاوى مواجهة الوجود الإسلامي بأساليبٍ تتعدّى حدود المصادمات العسكريّة والمواجهات الدمويّة، تهدف إلى مقارعة المسلمين عن طريق الفهم العميق لإيديولوجيّتهم، ومعرفة أسباب قوّتهم ومنازلتهم بمناهجهم الفكريّة وقواعدهم الحضاريّة.

٥٩

وكان للمُستعربين الدور الفعلي في الاختراق البشري والثقافي والسياسي للمجتمع الأندلسي، فوظّف فعلهم هذا بقصد أو بدون قصد، في بعض الأحيان، في خضمّ المشروع المعادي للوجود الإسلامي.

وإذا كان الاستشراق علماً يختصّ بلغات الشرق، وبالانجازات الحضاريّة المعبّر عنها بتلك اللغة، وبأديانهم وقيمهم وثقافتهم. وإذا كان قد فتح أمام الغرب والأوربّيين بصورةٍ عامّة أبواب الفكر الإسلامي، وآفاق نظامه الدقيق بهدف فهم الأُطروحة الإسلاميّة، التي غزت العالم وغيّرت الكثير من الثقافات السائدة والنظُم المنحرفة عن الفطرة الإنسانيّة، وتداعت أمامها أغلب النظريّات المتهرّئة، كان لابدّ من استطلاع دواعي هذه الأطروحة بل والمعايشة المباشرة والشاملة للوضع الجديد الذي طرأ على العالم، إزاء التحوّلات الخطيرة التي حصلت بفعل الإسلام والمسلمين.

وعليه فلابدّ للباحث المتتبّع للوقائع التاريخيّة من الاعتقاد بأنّ بِدء تكوّن الاستشراق، قد حدث بعد انتهاء عمليّات الفتح الإسلامي لشبه الجزيرة الأيبيريّة، أي بعد سنة ٧١٥م وبِدء استيطان العرب للمناطق المفتوحة، وأنّ ظاهرة الاستعراب الثقافي والاجتماعي والتشبّه بالفاتحين في عاداتهم وممارساتهم، لا يمكن فصلها عن تطوّر حركة الاستشراق وشروطها، والأوليّات الاجتماعيّة لتكوّنها.

بالإضافة إلى هذا فقد برز طرحٌ آخر كان له الدور الكبير في بلْوَرة الاستشراق، كان أبطاله وأدوات تنفيذه اليهود الذين وجدوا في المسلمين الفاتحين طريقاً للخلاص من الاضطهاد القوطي(١) ، وظلم الكاثوليكيّة. فتعاونوا معهم

____________________

(١) القوط: مجموعة شعوب منهم الشرقيّون ومنهم الغربيّون. والقوط الشرقيّون: استقرّوا أوّلاً في وادي الدانوب الشرقي، ثُمّ غزوا إيطاليا وأسّسوا فيها مملكة في أواخر القرن الخامس الميلادي. قضى عليها بوستينياس عام ٥٥٢م. والقوط الغربيّون: أقاموا غربي الدانوب في القرن الرابع الميلادي واعتنقوا = المسيحيّة الآريوسيّة (وهي بِدعة لدى النصارى، تنسب آريوس إلى الكاهن الاسكندري). احتلّوا روما عام ٤١٠م ثُمّ جلوا عنها ليستقرّوا في جنوب غربي فرنسا. ثمّ إسبانيا حيث أسّسوا مملكة ظلّت قائمة حتّى الفتح الإسلامي عام ٧١١م (القاموس (المنجد في الإعلام)).

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

ويعرض عميه بقلبه، فلما قمنا قال: يا حسن إذا كان الغد إن شاء الله فعد أنت وصاحبك إلي، فلما كان من الغد قلت لصاحبي: إذهب بنا إلى أبي جعفرعليه‌السلام ، فقال: إذهب ودعني، قلت: سبحان الله أليس قد قال: [ غدا ] عد أنت وصاحبك؟ قال: إذهب أنت ودعني، فوالله ما زلت به حتى مضيت به، فدخلنا عليه، فإذا هو في بيت ليس فيه إلا حصى، فبرز وعليه قميص غليظ وهو شعث(١) ، فمال علينا، فقال: دخلتم علي أمس في البيت الذي رأيتم وهو بيت المرأة وليس هو بيتي وكان أمس يومها، فتزينت لها وكان علي أن أتزين لها كما تزينت لي وهذا بيتي فلا يعرض في قلبك - يا أخا البصرة -، فقال، - جعلت فداك - قد كان عرض، فأما الان فقد أذهبه الله.

من كتاب المحاسن، عن إسماعيل بن يوشع قال: قلت للرضاعليه‌السلام : إن فتاة قد ارتفعت علتها؟ قال: اخضب رأسها بالحناء، فإن الحيض سيعود إليها، قال: ففعلت ذلك، فعاد إليها الحيض.

عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: في الخضاب ثلاث خصال: هيبة في الحرب ومحبة إلى النساء ويزيد في الباه.

عن الحسن بن جهم قال: قلت لعلي بن موسىعليه‌السلام خضبت؟ قال: نعم بالحناء والكتم، أما علمت أن في ذلك لاجرا، إنها تحب أن ترى منك مثل الذي تحب أن ترى منها ( يعني المرأة في التهيئة ) ولقد خرجن نساء من العفاف إلى الفجور ما أخرجهن إلا قلة تهئ أزواجهن.

عن علي بن موسىعليه‌السلام قال: أخبرني أبي، عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام أن نساء بني إسرائيل خرجن من العفاف إلى الفجور، ما أخرجهن إلا قلة تهيئة أزواجهن وقال: إنها تشتهي منك مثل الذي تشتهي منها.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: خضاب الرأس واللحية من السنة.

__________________

١ - الشعث - بفتح الشين وكسر العين -: الاشعث. وهو الذي شعره مغبرا متلبدا.

 ( مكارم الأخلاق - ٦ )

٨١

عن عبد الله بن عثمان، عن الحسن بن الزيات قال: دخلت على أبي الحسنعليه‌السلام وهو في بيت منجد، ثم عدت إليه من الغد وهو في بيت ليس فيه إلا حصى، فبرز وعليه قميص غليظ، فقال: البيت الذي رأيتم أمس ليس هو بيتي، إنما هو بيت المرأة وكان أمس يومها.

عن محمد بن مسلم، عن أحدهماعليهما‌السلام قال: لا ينبغي للمرأة أن تدع يدها من الخضاب ولو تمسحها بالحناء مسحا ولو كانت مسنة.

من الفردوس، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحناء سيد ريحان [ أهل ] الجنة، النائم في الحناء كالمتشحط في سبيل الله.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحناء خضاب الاسلام، يزين المؤمن ويذهب بالصداع ويحد البصر ويزيد في الجماع والحسنة بعشرة والدرهم بسبعمائة.

عن مولى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: عليكم بسيد الخضاب، فإنه يزيد في الجماع ويطيب البشرة. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أفضل ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم.

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اختضبوا بالحناء، فإنه يزيد في شبابكم وجمالكم ونكاحكم وحسن وجوهكم ويباهى الله بكم الملائكة. والدرهم في سبيل الله بسبعمائة والدرهم في الخضاب بسبعة آلاف، فإذا مات أحدكم وأدخل قبره دخل عليه ملكاه، فإذا نظر إلى خضابه قال أحدهما لصاحبه: أخرج عنه، فما لنا عليه من سبيل.

عن جعفر بن محمد، [ عن آبائه ]عليهم‌السلام قال: رخص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمرأة أن تخضب رأسها بالسواد. قال: وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النساء بالخضاب - ذات البعل وغير ذات البعل -، أما ذات البعل فتتزين لزوجها وأما غير ذات البعل فلا تشبه يدها يد الرجال.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: تختضب النفساء.

وعن أبي عبد الله عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام : أنه نهى عن القنازع والقصص ونقش الخضاب(١) .

__________________

١ - القنازع - جمع القنزعة - وهي الشعر حول الرأس. والخصلة من الشعر تترك على الرأس. والقصص جمع القاصة - بالضم -: شعر الناصية تقص حذاء الجبهة. وقيل: كل خصلة من الشعر.

٨٢

الفصل الرابع

في كراهية الخضاب للجنب والحائض وما جاء في ترك الخضاب

وكراهية وصل الشعر

( في كراهية الخضاب)

من كتاب اللباس، عن علي بن موسىعليه‌السلام قال: يكره أن يختضب الرجل وهو جنب.

وقالعليه‌السلام : من اختضب وهو جنب أو أجنب في خضابه لم يؤمن عليه أن يصيبه الشيطان بسوء.

عن جعفر بن محمدعليه‌السلام قال: لا تختضب وأنت جنب ولا تجنب وأنت مختضب ولا الطامث(١) ، فإن الشيطان يحضرها عند ذلك ولا بأس به للنفساء.

عن أبي الحسن الاولعليه‌السلام قال: لا تختضب الحائض.

عن حنان بن سدير، عن أبيه قال: دخلت أنا وأبي وجدي وعمي حمام المدينة فإذا رجل في المسلخ، فقال: ممن القوم؟ فقلنا: من أهل العراق، فقال: من أي العراق؟ قلنا: من الكوفة، قال: مرحبا بكم وأهلا يا أهل الكوفة، أنتم الشعار دون الدثار، ثم قال: ما يمنعكم من الازار؟ فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: عورة المسلم على المسلم حرام، قال: فبعث عمي إلى كرباسة [ فجئ بكرباسة ] فشقها أربعة، ثم أخذ كل واحد منا واحدة، ثم دخلنا فيها، فلما كنا في البيت الحار صمد(٢) لجدي، فقال: يا كهل ما يمنعك من الخضاب؟ فقال له جدي: أدركت من هو خير منك ومني ولا يختضب، فغضب لذلك حتى عرفنا غضبه، ثم قال: ومن ذلك الذي هو خير منك ومني؟ قال: أدركت علي بن أبي طالبعليه‌السلام وهو لا يختضب، قال: فنكس رأسه وتصاب عرقا وقال: صدقت وبررت، ثم قال: يا كهل إن تختضب فإن رسول الله

__________________

١ - الطامث: الحائض.

٢ - الصمد: القصد.

٨٣

صلى‌الله‌عليه‌وآله قد خضب وهو خير من علي وإن تترك فلك بعلي أسوة، فلما خرجنا من الحمام سألنا عن الشيخ، فإذا هو علي بن الحسينعليه‌السلام ومعه ابنه محمدعليه‌السلام .

عن سليمان بن هارون العجلي قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام أخضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: نعم، فقلت: خضب عليعليه‌السلام ؟ قال: لا، ولكن خضب أبي وجدي، فإن خضبت فحسن وإن تركت فحسن.

عن حريز بن محمد، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن الخضاب فقال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يخضب وهذا شعره عندنا.

عن حفص الاعور قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : ما تقول في الخضاب؟

- خضاب اللحية والرأس -، فقال: من السنة، قال: قلت: فأمير المؤمنين لم يختضب؟ قال: إنما منع أمير المؤمنينعليه‌السلام قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ستخضب هذه من هذه.

وعنهعليه‌السلام قال: ترك الخضاب بؤس.

( في كراهية وصل الشعر)

عن سليمان بن خالد قال: قلت له: المرأة تجعل في رأسها القرامل(١) قال: يصلح لها الصوف وما كان من شعر المرأة نفسها وكره أن توصل المرأة من شعر غيرها، فإن وصلت بشعرها الصوف أو شعر نفسها فلا بأس به.

عن عمار الساباطي(٢) قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : إن الناس يروون: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن الوصلة والموصولة، قال: فقال: نعم، قلت: التي تمشط وتجعل في الشعر القرامل؟ قال: فقال لي: ليس بهذا بأس، قلت: فما الواصلة والموصولة؟

__________________

١ - القرامل - جمع قرمل كزبرج -: ما تشد المرأة على رأسها من الصوف والخيوط والشعر.

٢ - هو ابواليقظان عمار بن موسى الساباطي ينسب إلى ساباط موضع قريبة من المدائن، من أصحاب جعفر الصادق وموسى الكاظمعليهما‌السلام ، ثقة وله كتاب كبير، جيد، معتمد، وكان هو وأخواه قيس وصباح كلهم من الثقاة. وقال علماء الرجال: إن عمار وإن كان فطحيا إلا أنه ثقة في النقل لا يطعن عليه فيه.

٨٤

فقال: الفاجرة والقوادة(١) .

عن أبي بصير(٢) قال: سألته عن قص النواصي - تريد به المرأة الزينة لزوجها - وعن الخف(٣) والقرامل والصوف وما أشبه ذلك؟ قال: لا بأس بذلك كله. قال محمد: قال يونس: يعني لا بأس بالقرامل إذا كانت من صوف، وأما الشعر فلا يوصل الشعر بالشعر لان الشعر ميت.

عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يحل لامرأة إذا هي حاضت أن تتخذ قصة ولا جمة(٤) .

الفصل الخامس

في الخاتم وما يتعلق به

( في لبس أنواع الخاتم وكراهيته)

من كتاب اللباس، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: قاوموا خاتم أبي عبد اللهعليه‌السلام فأخذه أبي بسبعة، قال: قلت: سبعة دراهم؟ قال: سبعة دنانير.

عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن خاتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مم كان؟ فقال: كان من ورق(٥) .

سأل بعض أصحابنا أباعبد اللهعليه‌السلام ، فقال له: أي شيء كان خاتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: كان ورقا فيه مكتوب « محمد رسول الله »، قلت: كان له فص؟

__________________

١ - القوادة: المرأة التي تجمع بين الذكر والانثى حراما.

٢ - واعلم أن أبا بصير مشترك بين الرواة، ولعله أبوبصير ليث بن البختري المرادي من أصحاب محمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم: وكان من أصحاب الاجماع.

٣ - الحف: إصلاح الشعر، وحفت المرأة وجهها من الشعر أي زينته.

٤ - القصة - بضم القاف -: شعر الناصية تقص حذاء الجبهة. والجمة - بضم الجيم -: مجتمع شعر الرأس.

٥ - الورق بالتثليث: الفضة. الدرهم المضروبة.

٨٥

عن السكوني(١) ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما طهر الله يدا فيها خاتم من حديد.

عن أبي عبد الله، عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام قال: أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بسبع ونهانا عن سبع: عن خاتم الذهب، وعن الشرب في آنية الذهب، وفي آنية الفضة وعن الجلوس على المياثر الحمر(٢) وعن الارجوان، وعن الحرير، وعن الاستبرق، وأمر بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإفشاء السلام، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإبرار القسم وتسميت العاطس.

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : إياك أن تتختم بالذهب، فإنه حليتك في الجنة.

عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال: نهاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أقول: نهاكم عن التختم بالذهب.

عن داود بن سرحان قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الذهب يحلى به الصبيان؟ قال: كان أبي ليحلي ولده ونساءه بالذهب والفضة ولا بأس به.

عن محمد بن علي، عن آبائهعليهم‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتختم بخاتم من ذهب، فطفق الناس ينظرون إليه، فوضع يده على خنصره، ثم رجع إلى منزله فرماه.

في طب الائمة، عن موسى بن جعفر، عن أبيهعليهما‌السلام قال: إنه نهى عن لبس الفص البجادي، قال: إن زيد بن علي كان في يده فص بجادي(٣) يوم قتل.

وروي أنه كان لامير المؤمنينعليه‌السلام أربع خوايتم: خاتم فصه ياقوت أحمر يتختم به لنبله(٤) وخاتم فصه عقيق أحمر يتختم به لحرزه، وخاتم فصه فيروزج يتختم به

__________________

١ - هو إسماعيل بن أبي زياد السكوني الكوفي، من أصحاب جعفر الصادقعليه‌السلام ، له كتاب كبير وكتاب النوادر، وكانرحمه‌الله قاضي الموصل.

٢ - المياثر - جمع الميثرة بالكسر غير مهموزة وأصله واوي والميم زائدة -: ما يحشى بقطن أو صوف تتخذ للسرج ويجعله الراكب تحته. ومراكب تتخذ من الحرير والديباج وهو الاوفق بالمقام.

٣ - بجادي: منسوب إلى بجاد، اسم موضع.

٤ - النبل والنبالة: الفضل والنجابة. ويمكن أن يكون من نبل بالسهم أي رمى به.

٨٦

لظفره وخاتم فصه حديد صيني يتختم به لقوته، ونهى شيعته أن يتختموا بالحديد.

وقالعليه‌السلام في وصيته لاصحابه: من نقش خاتمه وفيه أسماء الله فليحوله عن اليد التي يستنجي بها إلى المتوضئ.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تختموا بخواتيم العقيق، فإنه لا يصيب أحدكم غم ما دام عليه.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : تختموا بالعقيق، فإن جبريلعليه‌السلام أتاني به من الجنة، فقال: يا محمد تختم بالعقيق ومر أمتك أن يتختموا به.

( في فصوص الخواتيم)

من كتاب اللباس، عن الحسين بن عبد الله قال: سألته عن الفص من حجارة زمزم يتختم به؟ قال: نعم ولكن إذا أراد الوضوء نزعه من يده.

عن أحمد بن محمد قال: رأيته وعليه خاتم من عقيق، فقال: كيف ترى هذا الخاتم ونزعه من يده؟ فقال: انظر إليه [ فنظرت إليه ] وقلت: ما أحسنه! فقال: ما زلت أعرف من الله النعم منذ لبسته وإنه ليدخلني الاشفاق عليه، فأنزعه إذا أردت الوضوء، ولقد دخلت الطواف ليلا فبينا أنا أطوف إذ دخلتني الشفقة عليه، فنزعه من إصبعي، فوضعته في كفي فسقط، فقمت قائما أتبصره، فأتاني آت، فقال: ما يقيمك؟ قلت: سقط خاتمي، فضرب بيده الارض فقال: هاكه، فأخذته منه.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : التختم بالياقوت ينفي الفقر، ومن تختم بالعقيق يوشك أن يقضى له بالحسنى.

من طب الائمة، روى معاذ عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال: من تختم بالعقيق ختم الله له بالامن والايمان.

وروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال: تختموا بالعقيق، فإنه أول جبل أقر لله عزوجل بالربوبية ولمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوة ولعليعليه‌السلام بالوصية وهو الجبل الذي كلم الله عزوجل عليه موسى تكليما، والمتختم به إذا صلى صلاته علا على المتختم بغيره من ألوان الجواهر أربعين درجة.

٨٧

عن سليمان الاعمش(١) قال: كنت مع جعفر بن محمدعليه‌السلام على باب أبي جعفر المنصور، فخرج من عنده رجل مجلود بالسوط، فقال [ لي ]: يا سليمان [ ف ] انظر ما فص خاتمه؟ قلت: يا ابن رسول الله فصه غير عقيق، فقال يا سليمان أما إنه لو كان عقيقا لما جلد بالسوط، قلت: يابن رسول الله زدني؟ قال يا سليمان: هو أمان من قطع اليد قلت: يابن رسول الله زدني؟ قال: يا سليمان هو أمان من الدم، قلت: يابن رسول الله زدني؟ قال: يا سليمان إن الله عز وجل يحب أن ترفع إليه في الدعاء يد فيها فص عقيق قلت يابن رسول الله زدني؟ قال: العجب [ كل العجب ] من يد فيها فص عقيق كيف تخلو من الدنانير والدراهم، قلت يابن رسول الله زدني؟ قال: يا سليمان إنه حرز من كل بلاء، قلت يابن رسول الله زدني؟ قال: يا سليمان هو أمان من الفقر، قلت: يابن رسول الله أحدث بها عن جدك الحسين بن علي، عن أمير المؤمنينعليهم‌السلام ، قال: نعم.

من كتاب ثواب الاعمال، عن الرضاعليه‌السلام قال: كان أبو عبد اللهعليه‌السلام يقول: من اتخذ خاتما من فضة فصه عقيق لم يفتقر ولم يقض له إلا بالتي هي أحسن.

عن عليعليه‌السلام قال: تختموا بالعقيق يبارك عليكم وتكونوا في أمن من البلاء.

عن جعفر بن محمد، عن آبائهعليهم‌السلام قال: شكا رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قطع عليه الطريق، فقال له: هلا تختمت بالعقيق؟ فإنه يحرس من كل سوء.

قال أبوجعفرعليه‌السلام : من تختم بالعقيق لم يزل ينظر إلى الحسنى مادام في يده ولم يزل عليه من الله واقية.

__________________

١ - هو أبومحمد سليمان بن مهران الكوفي، المعروف بالاعمش، كان من علماء القرن الثاني ومن رجال الفرس، وكان من أصحاب الامام جعفر الصادقعليه‌السلام بل من خواص أصحابه، المعروف بالفضل والثقة والجلالة والتشيع والاستقامة والعامة أيضا مثنون عليه، مطبقون على فضله وثقته، مقرون بجلالته مع إعترافهم بتشيعه. وكان من الزهاد والفقهاء ومحافظا على الصلاة في جماعة، وكان يقرأ كل يوم آية ففرغ من القرآن في سبع وأربعين سنة. وكان فصيحا عالما بالفرائض ومحدث أهل الكوفة في زمانه وروى عنه خلق كثير من أجلاء العلماء ويقاس بالزهري في الحجاز، يقال: إنه ظهر له أربعة آلاف حديث.

وكان لطيف الخلق مزاجا ونقلوا عنه نوادر كثيرة. كان مولدهرحمه‌الله بالكوفة في السنة التي قتل فيها الحسين بن علي ٧ وتوفى في ٢٥ ربيع الاول سنة ١٤٧.

٨٨

عن عبد الرحمن القصير قال: بعث الوالي إلى رجل من آل أبي طالب في جناية، فمر بأبي عبد اللهعليه‌السلام فقال: اتبعوه بخاتم عقيق؟ قال: فاتبع بخاتم فلم ير مكروها.

عن عبد المؤمن الانصاري قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: ما افتقر كف يتختم بالفيروزج.

عن علي بن مهزيار قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام فرأيت في يده خاتما فصه فيروزج، نقشه الله الملك، قال: فأدمت النظر اليه، فقال لي: ما لك تنظر؟ هذا حجر أهداه جبريلعليه‌السلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الجنة فوهبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي أمير المؤمنينعليه‌السلام ، تدري ما اسمه؟ قال: قلت: فيروزج، قال: هذا اسمه بالفارسية، تعرف اسمه بالعربية؟ قال: قلت: لا، قال: هو الظفر.

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: تختموا بالجزع اليماني، فإنه يرد كيد مردة الشياطين(١) .

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: نعم الفص البلور.

من كتاب مناقب الرضا، عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . تختموا بالزبرجد، فإنه يسر لا عسر فيه.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : التختم بالزمرد ينفي الفقر.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من تختم بالياقوت الاصفر لم يفتقر.

( في نقوش الخواتيم)

من كتاب اللباس، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان نقش خاتم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « محمد رسول الله » ونقش خاتم عليعليه‌السلام « الله الملك » ونقش خاتم أبي جعفرعليه‌السلام « العزة لله ».

عن محمد بن عيسى، عن صفوان، قال: أخرج إلينا خاتم أبي عبد اللهعليه‌السلام وكان نقشه: « أنت ثقتي فاعصمني من خلقك ».

__________________

١ - الجزع - واحدته جزعة -: خرز فيه سواد وبياض. والخرز - محركة -: فصوص من حجارة.

٨٩

عن إبراهيم بن عبد الحميد مثل ذلك، قال: وأخرج إلينا خاتم أبي الحسنعليه‌السلام فكان نقشه: « حسبي الله » وفيه وردة في أسفل الكتاب وهلال في أعلاه.

عن جعفر، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام أنه كان خاتمه من فضة وكان نقشه: نعم القادر الله.

عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الثانيعليه‌السلام ، قال: قلت له: إنا روينا في الحديث أنه كان نقش خاتم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « محمد رسول الله »؟ قال: صدقوا، قال: فقال لي: تدري ما كان نقش خاتم آدمعليه‌السلام ؟ قال: قلت: لا، قال: كان نقش خاتم آدم لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله قال ابن خالد: قال لي أبوالحسنعليه‌السلام إن الله أوحى إلى نوحعليه‌السلام إذا استويت يا نوح أنت ومن معك على الفلك فهلل ألف مرة ثم سلني حاجتك، قال: فلما ركب ورفع القلع(١) عصفت عليه الريح فلم يأمن نوح الغرق حيث اضطربت السفينة، فقال: إن أنا هللت ألف مرة خفت أن تغرق السفينة قبل أن أفرغ من ذلك فأجمل الامر جملة بالسريانية، فقال: ألفا هو هو هو يا بارئ اتقن قال: فاستوت السفينة وسلمه الله، قال نوح: إن كلاما نجوت به ومن معي ممن آمن من الغرق ينبغي أن أتختم به ولا يفارقني، قال الحسين بن خالد: فقلت لابي الحسنعليه‌السلام : وما تفسير كلام نوحعليه‌السلام ؟ قال: هذا كلام بالسريانية وتفسيره بالعربية لا إله إلا الله ألف مرة يا الله أصلح. قال: قال: وكان نقش خاتم إبراهيمعليه‌السلام ستة أحرف نزل بها جبريلعليه‌السلام حين وضع في كفة المنجنيق، فقال له: يا إبراهيم إن الله يقرؤك السلام ويقول لك: طب نفسا فلا بأس عليك، وأمرة أن يتختم بذلك الخاتم، فجعل الله النار عليه بردا وسلاما، وكانت الستة الاحرف [ هي ]: « لا إله إلا الله، محمد رسول الله، توكلت على الله، أسندت ظهري إلى الله، فوضت أمري إلى الله، لا حول ولا قوة إلا بالله فكان هذا نقش خاتم إبراهيمعليه‌السلام . وكان نقش خاتم سليمان بن داودعليه‌السلام « سبحان من ألجم الجن بكلمته ». ونقش خاتم موسىعليه‌السلام حرفين اشتقهما من التوراة: « أصبر توجر أصدق تنج ». وكان نقش خاتم عيسىعليه‌السلام حرفين من الانجيل « طوبى لعبد ذكر الله من أجله، والويل لعبد نسي الله

__________________

١ - القلع - بالكسر -: شراع السفينة.

٩٠

من أجله ».

الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الثانيعليه‌السلام قال: كان نقش خاتم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « محمد رسول الله » وخاتم أمير المؤمنينعليه‌السلام « الله الملك ». وخاتم الحسن بن عليعليه‌السلام « العزة لله » وخاتم الحسينعليه‌السلام « إن الله بالغ أمره ». وخاتم علي بن الحسينعليه‌السلام خاتم أبيه. وأبوجعفر الكبيرعليه‌السلام خاتمه خاتم جده الحسين أيضا. وخاتم جعفر بن محمدعليه‌السلام « الله وليي وعصمتي من خلقه ». وخاتم أبي الحسن الاولعليه‌السلام حسبي الله وأبي الحسن الثانيعليه‌السلام « ما شاء الله لا قوة إلا باالله ». قال الحسين بن خالد ومديده إلي وقالعليه‌السلام : خاتمي خاتم أبي. ونقش خاتم أبي جعفر الثانيعليه‌السلام « حسبي الله حافظي » هكذا كان على خاتم أبي جعفرعليه‌السلام . وعلى خاتم أبي الحسن الثالثعليه‌السلام « الله الملك ».

عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن الخاتم فيه اسم الله هل يكره لبسه ويدخل فيه الخلاء ويجنب الرجل وهو عليه؟ قال: كان نقش خاتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « محمد رسول الله ». ونقش خاتم عليعليه‌السلام « الله الملك » ونقش خاتم أبي جعفرعليه‌السلام « العزة لله ». ونقش خاتم أمير المؤمنينعليه‌السلام الخاتم الذي من جوهر الحديد الصيني الابيض الصافي وعليه منقوش هذه الاسطر على سبعة أسطر وكان يلبسه في الحرب عند الشدائد أعددت لكل هول لا إله إلا الله ولكل كرب لا حول ولا قوة إلا بالله ولكل مصيبة نازلة حسبي الله ولكل ذنب وكبيرة أستغفر الله. ولكل هم وغم فادح ما شاء الله ولكل نعمة متجددة الحمد لله، ما بعلي بن أبي طالب من نعم فمن الله.

عن إسماعيل بن موسى قال: كان خاتم جدي جعفر بن محمدعليه‌السلام فضة كله وعليه يا ثقتي قني شر جميع خلقك وأنه بلغ في الميراث خمسين دينارا زائدا أبي علي عبد الله بن جعفر فاشتراه أبي.

عن عليعليه‌السلام قال: من كان نقش خاتمه ما شاء الله لا قوة إلا بالله أستغفر الله فذكر في ذلك ثوابا عظيما.

عن الباقرعليه‌السلام : من كان نقش خاتمه آية من كتاب الله غفر الله له. ورأيت

٩١

نقش خاتم القاسم( وربك فكبر ) (١) .

عن الرضا، عن جده الصادقعليهما‌السلام قال: كان نقش أبي محمد بن علي الباقرعليه‌السلام « ظني بالله حسن وبالنبي المؤتمن وبالوصي ذي المنن وبالحسين والحسن ».

عن محمد بن عيسى قال: سمعت الموفق(٢) يقول: قدام أبي جعفر الثانيعليه‌السلام : وأراني خاتما في إصبعه، فقال لي: أتعرف هذا الخاتم؟ فقلت له: نعم أعرف نقشه، فأما صورته فلا، وكان خاتم فضة كله وحلقته وفصه فص مدور وكان عليه مكتوبا حسبي الله وفوقه هلال وأسفله وردة، فقلت له: خاتم من هذا؟ فقال: خاتم أبي الحسنعليه‌السلام ، فقلت له: وكيف صار في يدك؟ قال: لما حضرته الوفاة دفعه إلي، ثم قال لي: لا تخرج من يدك إلا إلى علي ابني.

( في كيفية التختم)

من كتاب اللباس، عن بحر(٣) قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن التختم في اليمين وقلت: إني رأيت بني هاشم يتختمون في أيمانهم، فقال: نعم كان أبي يتختم في يمينه وكان أفضلهم وأفقههم.

عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الثانيعليه‌السلام قال: قلت له: إنا روينا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يستنجى وخاتمه في إصبعه وكذلك كان يفعل أمير المؤمنينعليه‌السلام . وكان نقش خاتم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « محمد رسول الله »، قال: صدقوا، قلت: وكذلك ينبغي لنا أن نفعل؟ قال: لا، إن اولئك كانوا يتختمون في اليد اليمنى وإنكم أنتم تتختمون في اليد اليسرى، قال: فسكت.

عن ابن القداح، عن أبي جعفر، عن أبيهعليهما‌السلام أن عليا والحسن والحسين

__________________

١ - سورة ٧٣ آية ٣.

٢ - هو موفق بن هارون من أصحاب علي بن موسى ومحمد بن عليعليهما‌السلام بل من خواص أبي جعفر الثاني محمد بن عليعليه‌السلام وأصحاب سره ومن خدامه وملازميه وأنه ثقة ويظهر من بعض الروايات أنه أخرج أبي جعفر الثانيعليه‌السلام وهو طفل على صدره.

٣ - إعلم أن بحر مشترك بين خمسة نفر كلهم من أصحاب الصادقعليه‌السلام .

٩٢

عليهم‌السلام كانوا يتختموا في أيسارهم(١) .

عن محمد بن علي، عن أبيه، عن أخيهعليهم‌السلام قال: كان الحسن والحسينعليهما‌السلام يتختمان في يسارهما.

عن الصادقعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: أنهى أمتي عن التختم في السبابة والوسطى.

( في دعاء لبس الخاتم)

« اللهم سو مني بسيماء الايمان(٢) وتوجني بتاج الكرامة وقلدني حبل الاسلام ولا تخلع ربقة الاسلام من عنقي ».

( في نقش فص يصلح لكل علة)

من طب الائمة، ينقش على بركة الله عزوجل في أول جمعة من شهر رمضان على فص حديد صيني على هذا المثال « كعسلهون لا اه لا الاول بالله لا آلاء إلا آلاؤك يا الله سطرين ».

الفصل السادس

في التزيين للنساء بالحلى والاسورة وغير ذلك

( في تزين النساء بالخمار والحلى وما يكره لهن)

من كتاب اللباس، عن الفضيل، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وما كان خمارها إلا هكذا: وأومأ بيده إلى وسط عضده وما استثنى أحدا.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: لا يصلح للمرأة المسلمة أن تلبس من الخمر والدروع التي لا تواري شيئا.

__________________

١ - ابن القداح هو عبد الله بن ميمون القداح مولى بني مخزوم من أصحاب جعفر الصادق ٧، وكان من فقهاء الشيعة، ثقة وله كتب، منها كتاب مبعث النبي وأخباره وكتاب صفة الجنة والنار. ولعل الرواية محمول على التقية.

٢ - يقال: سوم الشيء تسويما: جعل عليه سيمة. والسومة والسيمة والسيماء: العلامة والهيئة.

٩٣

عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: لا يصلح للمرأة المسلمة أن تلبس الخمر والدروع التي لا تواري شيئا وهي تلبسه.

عن محمد بن مسلم، عن أحدهماعليهما‌السلام وسئل عن حلي الذهب للنساء؟ فقال ليس به بأس ولا ينبغي للمرأة أن تعطل نفسها ولو أن تعلق في رقبتها قلادة ولا ينبغي لها أن تدع يدها من الخضاب ولو أن تمسحها بالحناء مسحا ولو كانت مسنة.

( في الاسورة)

عن زرارة، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أراد السفر سلم على من أراد التسليم عليه من أهله، ثم يكون آخر من يسلم عليه فاطمةعليها‌السلام فيكون توجهه إلى سفره من بيتها، وإذا رجع بدأ بها، فسافر مرة وقد أصاب عليعليه‌السلام شيئا من الغنيمة، فدفعه إلى فاطمة، ثم خرج، فأخذت سوارين من فضة وعلقت على بابها سترا، فلما قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل المسجد، فتوجه نحو بيت فاطمةعليها‌السلام كما كان يصنع، فقامت فرحة إلى أبيها [ صبابة وشوقا إليه ](١) ، فنظرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا في يدها سواران من فضة وإذا على بابها ستر، فقعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث ينظر إليها، فبكت فاطمة وحزنت وقالت: ما صنع هذا أبي قبلها، فدعت ابنيها ونزعت الستر من بابها وخلعت السوارين من يدها، ثم دفعت السوارين إلى أحدهما والستر إلى الاخر، ثم قالت لهما: انطلقا إلى أبي فاقرئاه السلام وقولا له: ما أحدثنا بعدك غير هذا، فما شأنك به؟ فجاءاه فأبلغاه ذلك عن أمهما، فقبلهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتزمهما وأقعد كل واحد منهما على فخذه، ثم أمر بذينك السوارين فكسرا، فجعلهما قطعا قطعا، ثم دعا أهل الصفة - قوم من المهاجرين - لم يكن لهم منازل ولا أموال فقسمه بينهم قطعا، ثم جعل يدعو الرجل منهم العاري الذي لا يستتر بشيء. وكان ذلك الستر طويلا وليس له عرض، فجعل يؤزر الرجل فإذا التقا عليه قطعه حتى قسمه بينهم أزرا، ثم أمر النساء لا يرفعن رؤوسهن من الركوع والسجود حتى يرفع الرجال رؤوسهم وذلك أنهم كانوا من صغر إزارهم إذا ركعوا وسجدوا بدت عورتهم

__________________

١ - الصبابة - بالفتح -: الشوق والولع الشديد ورقة الهوى. والسوار: حلية كالطوق تلبسه المرأة في معصمها أو زندها.

٩٤

من خلفهم، ثم جرت به السنة أن لا ترفع النساء رؤوسهن من الركوع والسجود حتى يرفع الرجال، ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : رحم الله فاطمة ليكسونها الله بهذا الستر من كسوة الجنة وليحلينها بهذين السوارين من حلية الجنة.

عن الكاظمعليه‌السلام قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دخل على ابنته فاطمة وفي عنقها قلادة فأعرض عنها، فقطعها ورمت بها فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت مني يا فاطمة، ثم جاء سائل فناولته القلادة.

( في تشبيك الاسنان بالذهب أو بسن غيره)

عن الحلبي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : وسألته عن الثنية تنقصم، أيصلح أن تشبك بالذهب وإن سقطت يجعل مكانها ثنية شاة؟ قال: نعم، إن شاء فليضع مكانها ثنية(١) شاة او نحوها بعد أن تكون ذكية.

عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل تنقصم سنة، أيصلح له أن يسدها بذهب وإن سقطت أيصلح أن يجعل مكانها سن شاة؟ قال: نعم، إن شاء فليشدها أو ليجعل مكانها سنا بعد أن يكون ذكية.

عن زرارة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سأله أبي - وأنا حاضر - عن الرجل يسقط سنة فيأخذ من أسنان إنسان ميت فيجعله مكانها؟ قال: لا بأس.

__________________

١ - الثنية: أسنان مقدم الفم - ثنتان من فوق وثنتان من أسفل - والجمع ثنايا. والانقصام بالقاف: انكسار الثنية من النصف. وفي بعض النسخ ( تنفصم ) بالفاء وهي الانكسار من غير بينونة.

٩٥

الباب السادس

في اللباس والمسكن وما يتعلق بهما، وهو عشرة فصول

( هذا الباب بأسره مختار من كتاب اللباس إلا قليلا أذكره في موضعه )

الفصل الاول

في التجمل باللباس وكيفية لبسه والدعاء عند اللبس

( في التجمل)

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إن ابن عباس لما بعثه أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الخوارج لبس أفضل ثيابه وتطيب بأطيب طيبه وركب أفضل مراكبه وخرج اليهم فواقفهم، فقالوا: يا ابن عباس بيننا أنت خير الناس إذا أتيتنا في لباس الجبابرة ومراكبهم، فتلا عليهم هذه الاية:( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) (١) فألبس وأتجمل، فإن الله جميل يحب الجمال وليكن من حلال.

عن إسحاق بن عمار قال: سألته عن الرجل الموسر المتجمل يتخذ الثياب الكثيرة - الجباب(٢) والطيالسة ( ولها عدة ) والقمص - يصون بعضها ببعض ويتجمل بها، أيكون مسرفا؟ قال: فقال: إن الله يقول( لينفق ذو سعة من سعته ) (٣) .

عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام قال: الدهن يظهر الغنى والثياب تظهر الجمال وحسن الملكة يكبت الاعداء.

عن جعفر، عن أبيهعليهما‌السلامعليهما‌السلام قال: وقف رجل على باب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يستأذن عليه، قال: فخرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فوجد في حجرته ركوة فيها ماء، فوقف يسوي

__________________

١ - سورة الاعراف آية ٣٠.

٢ - الجباب - بالكسر -: جمع الجبة - بالضم والتشديد -: ثوب واسع يلبس فوق الثياب.

٣ - أي على قدر وسعه. والاية في سورة الطلاق آية ٧.

٩٦

لحيته وينظر إليها، فلما رجع داخلا قالت له عائشة: يا رسول الله - أنت سيد ولد آدم ورسول رب العالمين - وقفت على الركوة، تسوي لحيتك ورأسك، قال: يا عائشة إن الله يحب إذا خرج عبده المؤمن إلى أخيه أن يتهيأ له وأن يتجمل.

عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: تهيئة الرجل للمرأة مما تزيد في عفتها.

( في لباس السري(١) )

عن سفيان الثوري(٢) قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : أن تروي أن علي بن أبي طالبعليه‌السلام كان يلبس الخشن وأنت تلبس القوهي(٣) والمروي! قال: ويحك إن علي بن أبي طالب كان في زمان ضيق، فإذا اتسع الزمان فأبرار الزمان أولى به.

عن الحسن بن علي عنه - يعني الرضاعليه‌السلام - قال: كان يوسف يلبس الديباج ويتزر بالذهب ويجلس على السرير وإنما يذم إن كان يحتاج إلى قسطه.

وكان علي بن الحسينعليه‌السلام يلبس الثوبين في الصيف يشتريان له بخمسمائة دينار ويلبس في الشتاء المطرف الخز ويباع في الصيف بخمسين دينارا ويتصدق بثمنه.

عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: بينا أنا في الطواف إذا رجل يجذب ثوبي، فالتفت فإذا عباد البصري، فقال: يا جعفر بن محمد تلبس مثل هذا الثوب وأنت في الموضع الذي أنت فيه من عليعليه‌السلام . قال: فقلت له: ويلك هذا الثوب قوهي اشتريته بدينار وكسر وكان عليعليه‌السلام في زمان يستقيم له ما لبس فيه ولو لبست مثل ذلك اللباس في زماننا هذا لقال الناس: هذا مراء مثل عباد(٤) .

__________________

١ - السري: الشريف، من سرا يسرو وسرى يسري كان سريا أي صاحب مروة وسخاء.

٢ - هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الكوفي، المتوفى سنة ١٦١، كان من علماء العامة ومحدثيهم، قيل أصله من مرو.

٣ - القوهي: ثياب بياض، ينسب إلى قوهستان أو قوها، كورة بين نيسابور وهراة.

٤ - المراد به عباد بن كثير البصري وقيل ابن بكير البصري ولعله سهو من الناسخ.

( مكارم الاخلاق - ٧ )

٩٧

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: ليتزين أحدكم لاخيه إذا أتاه كما يتزين للغريب الذي يحب أن يراه في أحسن الهيئة.

عن أبي خداش المهري(١) قال: مر بنا بالبصرة مولى للرضاعليه‌السلام يقال له: عبيد، فقال: دخل قوم من أهل خراسان على أبي الحسنعليه‌السلام فقالوا له: إن الناس قد أنكروا عليك هذا اللباس الذي تلبسه، قال: فقال لهم: إن يوسف بن يعقوبعليه‌السلام كان نبيا ابن نبي ابن نبي وكان يلبس الديباج ويتزرر بالذهب ويجلس مجالس آل فرعون فلم يضعه ذلك وإنما [ يذم لو ] احتيج منه إلى قسطه وإنما على الامام أنه إذا حكم عدل [ وإذا وعد وفى ] وإذا حدث صدق. وإنما حرم الله الحرام بعينه ما قل منه وما كثر، وأحل الله الحلال بعينه ما قل منه وما كثر.

عن محمد بن عيسى قال: أخبرني من أخبر عنه أنه قال: إن أهل الضعف من موالي يحبون أن أجلس على اللبود وألبس الخشن وليس يتحمل الزمان ذلك(٢) .

( في كثرة الثياب)

عن إسحاق بن عمار قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : يكون للمؤمن عشرة أقمصة؟ قال: نعم، قلت: عشرين؟ قال: نعم، وليس ذلك من السرف إنما السرف أن يجعل ثوب صونك ثوبك بذلتك(٣) .

عن أبي إسحاق، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله، قال: قلت: يكون للمؤمن مائة ثوب؟ قال: نعم.

عن إسحاق بن عمار قال: قلت لابي إبراهيم الكاظمعليه‌السلام الرجل يكون له عشرة أقمصة، أيكون ذلك من السرف؟ فقال: لا ولكن ذلك أبقى لثيابه، ولكن السرف أن تلبس ثوب صونك في المكان القذر.

__________________

١ - اسمه عبد الله بن خداش البصري المهري، ينسب إلى مهرة محلة بالبصرة، كان من أصحاب الكاظمعليه‌السلام ، وله كتاب.

٢ - اللبود جمع اللبد - بالكسر -: البساط من صوف وما يجعل على ظهر الفرس.

٣ - ثياب الصون: التي تلبس للتجمل. والبذلة: الثوب الرث الخلق وثوب الخدمة وما يلبس كل يوم. يقال: بذل الثوب وابتذله أي لبسه في أوقات الخدمة والامتهان.

٩٨

( في الدعاء عند اللبس)

عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام في ثوب يلبسه: « اللهم اجعله ثوب يمن وبركة، اللهم ارزقني فيه شكر نعمتك وحسن عبادتك والعمل بطاعتك، الحمد لله الذي رزقني ما أستر به عورتي وأتجمل به في الناس ».

وعنهعليه‌السلام أيضا قال: من قطع ثوبا جديدا وقرأ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) ستا وثلاثين مرة، فإذا بلغ( تنزل الملائكة ) قال: تنزل الملائكة، ثم أخذ شيئا من الماء ورش بعضه على الثوب رشا خفيفا، ثم صلى فيه ركعتين ودعا ربه عزوجل وقال في دعائه: « الحمد لله الذي رزقني ما أتجمل به في الناس وأواري به عورتي وأصلي فيه لربي » وحمد الله، لم يزل في سعة حتى يبلى ذلك الثوب.

عن أبي جعفرعليه‌السلام وسألته عن الرجل يلبس الثوب الجديد، فقالعليه‌السلام : يقول: « بسم الله وبالله، اللهم اجعله ثوب يمن وتقوى وبركة، اللهم ارزقني فيه حسن عبادتك وعملا بطاعتك وأداء شكر نعمتك، الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في الناس ».

من كتاب زهد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عن صالح الازرق، عن جده مدان قال: ما رأيت رجلا قط كان أزهد في الدنيا من عليعليه‌السلام ولا أقسم بالسوية، لا والله ما لبس قط ثوبين قطوانيين حتى هلك وما كان يلبسهما يومئذ إلا سفلة الناس(١) .

عن علي بن أبي ربيعة قال: رأيت على عليعليه‌السلام ثيابا فقلت: ما هذا؟ فقال: أي ثوب أستر منه للعورة وأنشف للعرق؟

عن الصادق، عن آبائه، عن أمير المؤمنينعليهم‌السلام : من رضي من الدنيا بما يجزيه كان أيسر الذي فيها يكفيه، ومن لم يرض من الدنيا بما يجزيه لم يكن فيها شيء يكفيه.

روي عن عبد الاعلى مولى آل سام قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : إن الناس يروون أن لك مالا كثيرا، فقال: ما يسوءني ذلك، إن أمير المؤمنينعليه‌السلام مر ذات

__________________

١ - القطوان - محركة -: موضع بالكوفة ومنه الاكسية. والسفلة - محركة -: جمع السافل.

٩٩

يوم على ناس شتى من قريش وعليه قميص مخرق، فقالوا: أصبح علي لا مال له، فسمعها عليعليه‌السلام فأمر الذي يلي صدقته أن يجمع تمره ولا يبعث إلى إنسان منه بشيء وأن يوفره ثم يبيعه الاول فالاول ويجعله دراهم ففعل ذلك وحملها إليه فجعلها حيث التمر، ثم قال للذي يقوم عليه: إذا دعوت بتمر فاصعد فاضرب المال برجلك كأنك لا تعمد الدراهم حتى تنثرها، ثم بعث إلى رجل منهم يدعوه، ثم دعا بالتمر، فلما لم ير التمر ضرب برجله فانتثرت الدراهم، فقالوا: ما هذا المال يا أبا الحسن؟ قال: هذا مال من لا مال له، فلما خرجوا أمر بذلك المال، فقال: انظروا كل أهل بيت كنت أبعث اليهم من التمر فابعثوا اليهم من هذا المال بقدره، ثم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : لا أحب أن يرووا غير ذلك.

عن مختار التمار قال: كنت أبيت في مسجد الكوفة وأنزل في الرحبة(١) وآكل الخبز من البقال وكان من أهل البصرة، فخرجت ذات يوم فإذا رجل يصوت بي: إرفع ازارك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك، فقلت: من هذا؟ فقيل: علي بن أبي طالب، فخرجت أتبعه وهو متوجه إلى سوق الابل، فلما أتاها وقف وقال: يا معشر التجار إياكم واليمين الفاجرة فإنها تنفق السلعة وتمحق البركة، ثم مضى حتى أتى إلى التمارين فإذا جارية تبكي على تمار، فقال: ما لك؟ قالت: إني أمة أرسلني أهلي أبتاع لهم بدرهم تمرا، فلما أتيتهم به لم يرضوه، فرددته، فأبى أن يقبله، فقال: يا هذا خذ منها التمر ورد عليها درهمها، فأبى، فقيل للتمار: هذا علي بن أبي طالب، فقبل التمر ورد الدرهم على الجارية وقال: ما عرفتك يا أميرالمؤمين، فاغفر لي، فقال: يا معشر التجار اتقوا الله وأحسنوا مبايعتكم يغفر الله لنا ولكم. ثم مضى وأقبلت السماء بالمطر فدنا إلى حانوت فاستأذن صاحبه فلم يأذن له صاحب الحانوت ودفعه، فقال: يا قنبر أخرجه إلي، فعلاه بالدرة(٢) ، ثم قال: ما ضربتك لدفعك إياي ولكني ضربتك لئلا تدفع مسلما ضعيفا فتكسر بعض أعضائه فيلزمك. ثم مضى حتى أتى سوق الكرابيس، فإذا هو برجل وسيم فقال: يا هذا عندك ثوبان بخمسة دراهم؟ فوثب الرجل فقال: يا أمير المؤمنين عندي حاجتك، فلما عرفه مضى عنه،

__________________

١ - الرحبة - بالفتح - محلة بالكوفة وأصله الارض الواسعة.

٢ - الدرة - بالكسر - السوط يضرب به.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481