تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة0%

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 277

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة

مؤلف: الدكتور نورالدين الهاشمي
تصنيف:

الصفحات: 277
المشاهدات: 65031
تحميل: 5234

توضيحات:

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 277 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65031 / تحميل: 5234
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة

مؤلف:
العربية

السقيفة قاسوا إمامة الصلاة على إمامة الأمة بعد ذلك أجمعوا على الامر وهذا في حد ذاته ضرب للنظرية الفقهية ونتيجة حتمية لأسباب تفتقد إلى قواعد منطقية تستند عليها مما يجعل الإجماع الذي تتحدث عنه محل نظر. وإنما يبقى محاولة لتبرير واقع بدون اكتساب الجرأة على التخلص من التبعات ، والموروثات القديمة ويتجلى هذا في تعاطيه مع الفرق الاُخرى بحيث يرى أن هذه الفرق ليست في الحقيقة اسلامية وأن الأجيال التي اسمتها اسلامية اخطئت(١) .

ونورد هنا نكتة بسيطة لنوعية تعامل الشلبي مع نفي الاقوال والأحاديث الخاصة بالفرق الأُخرى حيث يورد أنّه فقرة من كتاب « اربع رسائل اسماعيلية » لعارف ثامر(٢) نقلاً عن الامام الصادقعليه‌السلام : من أطاعنا فقد أطاع الله ، ومن عصانا فقد عصى الله ، فنحن أبواب الله وحجبه وأمناؤه على خلقه ، حفظة مكنون سره ، والآخذون عهده وميثاقه. ويستنتج من خطأ نحوي واحد في الرواية عدم صدور هذا القول عن الامام الصادقعليه‌السلام حيث يقول : في الأصل « والآخذين » وجعفر الصادق أبعد ما يكون عن مثل هذا الخطأ النحوي الواضح فقد

__________________

١ ـ د. أحمد شلبي ، موسوعة التاريخ الإسلامي : ٢ / ١٤٥ ط ٩ سنة ١٩٩٤ مكتبة النهضة المصرية.

٢ ـ عارف ثامر اربع رسائل اسماعيلية ص ٥٦ ، ٥٧ نقلا عن موسوعة التاريخ الاسلامي ج٢.

١٦١

كان من أساطين اللغة والفقه(١) . وأظن أن هذا هو عين الحمق ، لأن عملية التدوين قد ينتج عنها خطأ أفظع من هذه ناتج عن خطأ في النقل ، لكن ردها يفرض عرضها على مصادر وأقوال دينية أُخرى. فاذا خالفت ماصح عن الله ورسوله فهي مما لا يصح. ولا نريد هنا ايراد رد على رفضه هذه الرواية لكن فقط نورد رواية واحدة أظن أنّها تفي بالغرض حيث قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود مابين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض )(٢) وهي ايراد لنوع من التلازم الذي يلزم الطاعة وأي افتراق عن الامام هو افتراق عن الكتاب ونتيجته الحتمية المعصية.

وملاحظة أخيرة قبل ختام هذا الباب نذكر أن استاذنا اعتمد في دراسته للطوائف الإسلامية وخاصة الشيعة على الملل والنحل للشهرستاني وهذا في حد ذاته عيب على كاتب يريد التأريخ للأمة الإسلامية لأن أحادية المصدر تعكس فقط وجهة نظره مما يبعد البحث التاريخي عن النزاهة. وخلاصة هذا البحث نوردها في التقسيمات التالية التي تبين الأسباب وبالتالي النتائج الناجمة عن هذه الأسباب.

__________________

١ ـ د. أحمد شلبي ، موسوعة التاريخ الإسلامي : ٢ / ١٥٨.

٢ ـ أخرجه أحمد في مسنده : ٥ / ١٨٢ ، ١٨٩ والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك.

١٦٢

١٦٣

١٦٤

١٦٥

الفصل الخامس

التشيّع تاريخ مذهب

إن الاجتهاد ابتكار ، وأن يراجع الإنـسـان بنفسه الفرع إلى الأصل ولـذا فالمجتهد الواقعي في كل علم هو كذلك

آية الله الشهيد مرتضى مطهرى

والمجتهد أيضاً لا يتقيد بفتاوى الآخـرين ، بـل يحرم على المجتهد التقليد بحسب رأي الشيعة ، وما أكثر الـمجتهدين الذين خالفوا الماضين وأبـدوا آراء جـديدة وفهما جديداً للأدلة فقوبـل عملهم هذا بالتكريم

آية الله موسى الصدر

 

١٦٦

التشيّع والآخر

إن الإطلاع على الموسوعات التاريخية القديمة أو الحديثة يظهر بأن نقطة الإتفاق التي اتفق اغلب المؤرخون عليها ، هي مسألة الهجوم على الشيعة والتشيع. وقد لامسنا هذا ونحن نطالع البداية والنهاية لابن كثير او موسوعة التاريخ الإسلامي لأحمد شلبي ، وصارت الحقائق التي يذكرها التاريخ وهي تسجّل انتصاراً للشيعة تلقى معارضة من طرفهم فتارة يعرضون عنها ، وتارة يضعّفونها ، فأصبح التشيع بنظر الكتب التاريخية هو ذلك اللقيط الذي خرج من قمامة المجتمع الإسلامي ، في حين هذه الصورة التي صوروه بها ماهي إلاّ تعبير عن وجهة نظر الدولة السلطانية التي استبدت بالحكم ، وصارت المعارضة الإسلامية الأصيلة هي حالات الشذوذ داخل المجتمع.

وكنا نستغرب كثيراً حينما نرى كاتباً أو مؤرخاً يحاول تهديم أركان هذه المدرسة بجرة قلم. ولم يبقى الأمر محدوداً عند نفي المسائل الإعتقادية للمذهب بل تم الطعن في علماء شيعة أعطوا حياتهم وسخروها للاسلام لئلا تتبلور صورة ايجابية عن الشيعة في أذهان عامة ابناء العامة.

١٦٧

ونشاهد في هذه الأيام مفكر دخل في سجال مع الفكر لاستخلاص الفكر الإسلامي الاصيل بزعمه ، لكنه مع الأسف وقع في المحظور المعرفي وهو طغيان الايديولوجي على الإبستملوجي.

فنلمس من تصريحاته ومنها قوله : النزعة التعصبية من خلال ما حاولنا القيام به لا يهدف شن حرب ايديولوجية عليه ، بل في إطار تحليلنا النقدي للنظم المعرفية في الثقافة العربية(١) .

يظهر من كلامه هذا أن المخفي بين السطور وما عبرت عنه الدراسة النقدية التي قام بها محمد عابد الجابري في كتاباته والتي تتناول العقل العربي تعطى للمعنى السابق معنى واضحاً ، وتبرز الممتنع الذي لم يحاول إظهاره حيث ربطه بالمناحي العلمية ، والنقدية حتى تصير كل آرائه هي من باب الدراسة. لكن الفلتات الكتابية في بعض الحالات وسهو الكاتب عما يكتبه تجعل كل المعاني تتضح بربط بعضها ببعض.

إن العقلية النقدية التي لم تتخلص من الموروث التاريخي القديم ، والتي لا زالت تعيش على أوهامه غير قادرة على اختراق طرائق البحث والنقد. وهذا الجابري الذي لا يريد أن يشن حرب ايديلوجية لا زالت عقليته مرتبطة بتاريخ ابن سبأ بحيث يقول أنه قد أطلقت مصادرنا التاريخية على حركة المعارضة لمعاوية ، اسم السبئية نسبة إلى

__________________

١ ـ محمد عابد الجابري ، بنية العقل العربي ص ٢٩١.

١٦٨

عبد الله ابن سبأ(١) . إن مجرد الإيمان بشيء دون التأكد من صحته يجعل القدرة النقدية للشخص ضعيفة ، كما أن الاعتماد على المصادر التاريخية دون إخضاعها لعملية النقد يعتبر حائلاً للوصول إلى النتيجة الصحيحة. لكن محمد عابد الجابري واحد ممن تعجبه المغامرات التنظيرية وغالباً ما تكون المغامرات عبارة عن مجازفة يستعمل فيها صاحبها كل الطرق من أجل الوصول إلى نتيجة معينة بغية تأكيد رأيه. إن ما قام به الجابري مجازفة غريبة اتخذت في أولها موقفاً سلبياً من التشيّع وذلك بربطه بالسبئية وبالتالي حصرت المعرفة في التراث السني ، وجعلت التراث الشيعي يرمى به في هامش التاريخ باعتباره اللامعقول الديني لأ نّها رأت أن كل من عاش أو يعيش لحظة ابن سينا بعد ابن رشد فإنما قضى أو يقضي حياته خارج التاريخ(٢) .

وهنا تظهر الطوباوية السنية والتي تتحكم بعقل الكاتب بحيث لم يستطع التخلص من موروثاته الماضية ، ويعبر عنها في مشروعه التجديدي بطريقة اُصولية سنية متطرفة ، بحيث أن إعادة تحديث الفكر العربي وتجديد الفكر الإسلامي عنده يتوقف ليس فقط على مدى استيعابنا للمكتسبات العلمية والمنهجية المعاصرة بل أيضاً ولربما

__________________

١ ـ محمد عابد الجابري ، العقل السياسي العربي ص ٢٠٧ مركز دراسات الوحدة العربية ، ١٩٩٠.

٢ ـ محمد عابد الجابري ، نحن والتراث ص ٧٠ ، ط٣ ، دار الطليعة ، بيروت ، ١٩٧٣.

١٦٩

أيضاً بالدرجة الاولى يتوقف على مدى قدرتنا على استعادة نقدية ابن حزم وعقلانية ابن رشد وأصولية الشاطبي وتاريخية ابن خلدون(١) .

هذه الرباعية العلمية ومن خلال دراسة العلوم الإسلامية لا يمكن أن تجد لها طريقاً إلى الواقع لكن كاتبنا أوجد لها طريقاً في مقابل التخلص من الأفكار الدخيلة حسب زعمه والتي ينعتها بالهرمسية وذلك من أجل إعادة بنية العقل العربي من داخل الثقافة التي ينتمي إليها(٢) .

إن هذا الكلام الذي يمارسه الجابري بطريقة أدبية قد عبرت عنه السلطات الحاكمة قديماً ، فكل واحد داخل حركة السلطة هو جزء من هذا المجتمع ، او ما اصطلح عليه بالجماعة ، وأي واحد معارض فهو خارج عن الجماعة ومحكوم عليه بسفك دمه. إذن أي رؤيا علمية خارجة عن مقترحات كاتبنا فهي لا محالة معرضة للسفك المعرفي وإنزالها مراتب الحضيض وطردها من الثقافة الإسلامية ، علماً أن هذا المشروع الذي يطرحه يحمل في طياته تناقضات مرتبطة بتناقض الاشخاص الذين يجب أن نؤسس عليهم عقلنا الجديد. إذ أن التوفيق بين الأربعة يعتبر من المستحيلات بحيث يعتبر ابن رشد القائلين بالسماع من دون القول حشوية ، علماً أن ابن حزم من أشد الرافضين

__________________

١ ـ محمد عابد الجابري ، بنية العقل العربي ص ٥٦٦ ، ط٥ ، المركز الثقافي العربي يناير ١٩٨٦.

٢ ـ المصدر السابق.

١٧٠

للقياس فهو حشوي بنظر ابن رشد ، وكيف يلتقي ابن حزم مع الشاطبي الذي بنى مقاصده على مذاهب التعليل وتحقيق المناط وكيف يلتقي ابن رشد المدافع عن الفلاسفة بابن خلدون الذي سلك مذهب أبي حامد الناقم عليهم ، من هنا تظهر هشاشة المشروع الذي طرحه ، لأن مشروعه يعتمد على كل المنتوج التراثي للفكر الاسلامي ، وابن سينا الذي يحاول الجابري إخراجه من دائرة العقل الإسلامي ، فإنَّ ابن رشد قد أخذ منه وذلك من أجل إحياء نظام الفلكيات الذي يتفق مع صلب الفكر الارسطي ـ والذي يعتبر ابن رشد الشارح الأكبر له ـ وخصوصاً في ترسيمته الثلاثية التي تقيم أنفاساً للأفلاك بين كل من العقل المحض المفارق والفلك السماوي(١) .

وكما إذا كان الفكر الفلسفي السني بعد ابن رشد قد لقي حتفه وهذا دليل كافي على عدم قدرته لاستيعاب الحقائق الفلسفية ، فإن الفكر الفلسفي الشيعي ظل صامداً ولا يزال إلى يومنا هذا في المجمعات الدينية العلمية ، فبعد ابن سينا جاء الخواجة نصير الدين الطوسي والذي كان معاصراً لابن رشد ولم تقف السلسلة بل جاء المير داماد ، وجاء المجدد والمبدع في المدرسة السينوية الملا صدرا الشيرازي. إذ أنه لما كان الفكر الفلسفي في جميع أرجاء العالم الإسلامي يغط في سبات عميق ، قام هؤلاء في المدرسة السينوية الايرانية يقودون الإسلام

__________________

١ ـ هنري كوربان : تاريخ الفلسفة الإسلامية ص ٣٦٣.

١٧١

الشيعي إلى أعلى مراتب وجدانه الفلسفي(١) .

إن هذه الفلسفة لم تكن لقيطة معرفية أو وليدة محاكاة لفلسفة سابقة ، ولكن هي من صميم الثقافة الإسلامية الأصيلة ومن المنطلقات التي يكنون لها الشيعة احتراماً وخصوصاً المرتبطة بالمعصومين ، إذ شكل تراث آل البيت القاعدة الأساسية للفلسفة الشيعية ، مما يعطيها مشروعيتها التاريخية ، والمعرفية ، والتي حاول محمد عابد الجابري نزعها عنها إذ يمكن اعتبار نهج البلاغة منهلا من أهم المناهل التي استقى منها المفكرون الشيعة مذاهبهم والتي كانوا ينادون بها ، لا سيما مفكروا الحقبة الرابعة ، وإنك لتشعر بتأثير هذا الكتاب بصور جمة من الترابط المنطقي في الكلام ومن استنتاج النتائج السليمة ، وخلق بعض المصطلحات التقنية العربية التي أدخلت على اللغة الأدبية والفلسفية فأضفت عليها غنى وطلاوة ، وذلك أنّها انشأت مستقلة عن تعريب النصوص اليونانية ، ومن هنا تأخذ الفلسفة الشيعية سيماها الخاص ذلك أن منكروهم خرجوا من هذا الكتاب بنظرة ميثافيزيقية كاملة باعتقادهم أن خطب الامام تشكل دوراً فلسفياً متكاملا(٢) .

كما أن نهج البلاغة لم يكن الوحيد في صياغة هذه الفلسفة بل كان لخطب الأئمة دور كبير في صياغة وتطور الفلسفة منذ زمن بعيد حيث

__________________

١ ـ المصدر السابق ص ٢٦٥.

٢ ـ هنري كوربان : تاريخ الفلسفة الإسلامية ص ٨١.

١٧٢

الفلسفة السنية لم تعد قادرة على أن تساير الوقائع ، لكن كاتبنا يأبى إلاّ أن يحيي الميت من قبره بواسطة مشروع تتضارب فيه البنى المعرفية ، وما مشروعه إلاّ صورة من ترديدات الغرب(١) الفارغة ، فالعالم الغربي لم يلتقي كثيراً بالمعارف الشرقية وذلك نظراً لبعد المسافة التي كانت تفصل بين المشرق والمغرب في حين كان ابن رشد هو المتربع على كرسي الفلسفة في الغرب الإسلامي فترددت في الأوساط الغربية الفلسفة الرشدية فأخذوها ، وتوقف المد الفلسفي الغربي(٢) في حين ظلت المدرسة الشرقية قائمة ، ومسترسلة في رسالتها الفلسفية. فما كان من الغرب إلاّ أن حصر تاريخ الفلسفة الإسلامية في ابن رشد متناسين أولئك الذين في الجهة الأخرى من العالم الإسلامي وظنوا أن هذه الفلسفة بلغت ذروتها معه وانقضت ، فكان هذا هو الصدى الذي تركه الغرب ليصل بعد ذلك إلى سماع كاتبنا فوقف عند تاريخ متقادم يفوق ٨٠٠ سنة لينطلق في التجديد ويتناسى شيئاً جديداً لم يمت حيث لا زالت الحياة المعرفية والفلسفية تدب داخل مجامعه العلمية.

إن هذه النظرة التقزيمية لإعادة بناء المعارف الإسلامية على أساس نفي الطرف الآخر ، تجسد مظلومية التشيع السياسية بالاضطهاد الذي

__________________

١ ـ يمكن إسقاط هذا التشابه بين إرنست رنان في كتابه ابن رشد والرشدية ومحمد عابد الجابري في مشروعه الموسوم بنقد العقل العربي.

٢ ـ المقصود هنا الغرب الإسلامي.

١٧٣

لاقاه من حكام الجور ، ومظلوميته الثقافية والعلمية بإخراجه من ساحة التجديد للعقل الإسلامي ومدى دوره الفاعل في بلورة العقل والفكر داخل المعارف الإسلامية والتي لا زال لحد الآن له القيادة البارزة ولا زالت النماذج الفلسفية قائمة.

ومظلومية التشيع لم تتوقف عند المستوى المعرفي بل تعدته في رمزياته التاريخية ، فإذا كنا قد رأينا ابن كثير وهو يخرج الإمام عليعليه‌السلام من آل البيت ويحرمه من المؤاخاة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذلك كيف قام صاحبنا احمد شلبي بالقاء تهمة قتل الخلفاء ابي بكر وعمر وعثمان وعلي إلى الفرس وبطريقة غير مباشرة إلى أنصار خط التشيع ، يطلع علينا عالم والذي جعله الجابري احد اعمدة مشروعه فيبرر قتل الامام عليعليه‌السلام وأن قاتله مأجور.

يقول ابن حزم في المحلى :

« ولا خلاف بين أهل الأمة في أن عبد الرحمن ابن ملجم لم يقتل عليا إلاّ متأولا ، مجتهداً ، مقراً أنه على صواب وفي ذلك يقول عمران ابن حطان شاعر الصفرية :

يا ضربة من تقي ما أراد بها

إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا(١)

وهذا مما يخالف صريح ما صرح به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث أخرج

__________________

١ ـ المحلى : ١٠ / ٤٨٣.

١٧٤

أحمد في مسنده(١) والنسائي في السنن الكبرى(٢) .

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي : ( قاتلك أشقى الآخرين ).

وفي لفظ آخر اشقى الناس وفي لفظ ثالث أشقى هذا الأمة(٣) .

وفي حديث آخر : ( ألا اُخبرك بأشد الناس عذاباً يوم القيامة ).

قال أخبرني يا رسول الله.

قال ( فإن اشدّ الناس عذاباً يوم القيامة عاقر ناقة ثمود ، وخاضب لحيتك بدم رأسك )(٤) .

لكن عالمنا ابن حزم يرى في المسألة شيئاً عادياً وكأن مسألة القتل لا تخضع للقوانين الإسلامية بل الامر لم يتوقف عند هذا الحد فحتى عمار بن ياسر والذي كان مع الحق كان قاتله عند ابن حزم رجلاً مأجوراً فنجده يقول في الفصل(٥) :

وعماررضي‌الله‌عنه قتله أبو الغادية يسار بن سبع السلمي ، شهد عمار بيعة الرضوان فهو من شهداء الله له بأن علم ما في قلبه وأنزل السكينة عليه ورضي عنه فأبو الغاديةرضي‌الله‌عنه متأول مجتهد مخطأ فيه باغ عليه مأجور أجراً واحداً.

__________________

١ ـ مسند أحمد : ٤ / ٢١٢.

٢ ـ السنن الكبرى : ٥ / ٨٥٣.

٣ ـ للمزيد راجع الغدير للاميني : ١ / ٥٨٧ ، ط١ ، دار الغدير.

٤ ـ رواه ابن عبد البر في العقد الفريد : ٢ / ٢٩٨.

٥ ـ الفصل : ٤ / ١٦١.

١٧٥

إن كلام ابن حزم لهو غاية السخف والتبرير الذي يفتقد المتانة والمعقولية ، لأنه لا يوجد معنى لاجتهاد أبي الغادية ـ وهو من مجاهيل الدنيا وأفناء الناس ، ومثاله العهد النبوي ، ولم يعرف بشيء غير انه جهني ولم يذكر في أي معجم بما يعرب عن اجتهاده ، ولم يرو عنه شيء من العلم الإلهي سوى قولة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( دماؤكم وأموالكم حرام ) وقوله ( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض )(١) .

وحسبنا هنا في الحد من هذا الشطط في الدين ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعماررضي‌الله‌عنه ( تقتلك الفئة الباغية ).

وقد أخرج هذا الحديث النسائي في الخصائص(٢) ، وأحمد في المسند(٣) وأبو نعيم في الحلية(٤) وابن المؤيد الجويني في فرائد السمطين(٥) .

هكذا يكون ابن حزم قد شرعن للفقه اجتهاد جديد يحل فيها دم المؤمن.

إن الرؤية المتفحصة لهذه الأمور والتي تحاول استقراء المخفي من وراء الكلام نستنتج من خلالها مواقف كثيرة. فالإمام عليعليه‌السلام وعمار

__________________

١ ـ الغدير للأميني : ١ / ٥٩٣.

٢ ـ تحقيق السيد جعفر الحسيني ، ط١ ، سنة ١٤١٩ ، دار الثقلين.

٣ ـ مسند أحمد : ٦ / ٣١١.

٤ ـ حلية الأولياء : ٧ / ١٩٧.

٥ ـ فرائد السمطين : ١ / ٢٨٧.

١٧٦

ابن ياسر هما من ابرز رموز التشيع فالاول إمام ، والثاني أحد الشيعة المخلصين ، فموقف ابن حزم لم يكن ليعبر به ضد شخصيات بل هو تعبير آخر لمهاجمة تيار إسلامي ألا وهو التشيع ، لذلك ترى نظريته هذه لا تستند إلى منطق وحتى هو نفسه لا يعي ما يقول بحيث اختلط عليه الحق بالباطل.

فها هو فيما سبق يعتبر مسألة القتل اجتهادية علماً أن القاتل الحقُّ لهُ بيِّن ، فذاك علي أخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذا عمار أحد الصحابة المنتجبين إذن الحق ظاهر هنا وقتلهما يستوجب نزول اللعنة على القاتلين.

ويقول ابن حزم في هذا الباب(١) .

وإن كان قد قامت الحجّة عليه وتبين له الحق ، فعَنِد الحق غير معارض له تعالى ولا لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو فاسق لجرأته على الله تعالى بإصراره على الامر الحرام فإن عَنِد عن الحق معارضاً لله ولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو كافر مرتد حلال الدم والمال لا فرق في هذه الأحكام بين الخطأ في الاعتقاد في أي شيء كان من الشريعة ، وبين الخطأ في الفتيا في أي شيء كان.

إذن المسألة عند ابن حزم تظهر كمسألة معاندة ضد اتجاه ديني آخر. وهكذا فإن التشيع عاش دائماً حالة المواجهة منذ اللحظة الأولى

__________________

١ ـ الفصل : ٣ / ٢٥٨.

١٧٧

للتاريخ الإسلامي إلى يومنا هذا مع الآخر ، محاولا هذا الأخير إقصاءه بعقلية السلطة التي تركبت في الأذهان كأساس لمواجهة التيار المعارض ، هذا التيار الذي ظل يقاوم ويتخطى الصعاب ليبقى حياً على قيد الحياة إلى يومنا هذا بتاريخ أصيل وعقائد ثابتة.

١٧٨

١٧٩

الشيعة والتاريخ

إن أي حركة دينية أو سياسية تعرف تاريخ انطلاقتها والأسس النظرية التي اسست نفسها عليها ، وخلال مراحلها التاريخية تعرف تطوراً سواءاً بإصلاح في نظريتها وتطويرها او عكسها ولا يمكن أن تكون هناك طائفة بدون انطلاقة تأسيسية ، والشيء الذي يجب أن ننتبه إليه أنه ممكن داخل أي حركة فكرية ، أو دينيّة أن تنبثق مجموعة من التيارات التي تأخذ أرضيتها من الحالة التأسيسية الاولى ، كما الحال مثلا بالنسبة للماركسية بحيث نلاحظ ماركسية ماو ـ ستي ـ تونغ والتي عرفت بالماوية ، او الماركسية التروتسكية ، او الغيفارية أو اللينينية ، لكن المشكل ، من منهم يمثل الحقيقة التي حاول تجسيدها ماركس من خلال أفكاره. وهكذا في الفكر الإسلامي ، بحيث لا توجد ظاهرة دينية تنوعت مذاهبها كمثل الإسلام ، ولكن الملاحظ هو أن الاختلاف لم يصل إلى حد إنكار المسلمات العامة والتي هي محل اتفاق المسلمين إلاّ أن الاختلاف في مجموعة من الأمور والتي قد تكون تأسيسية حاولت مجموعة من الطوائف التنازل عنها فصارت بعد ذلك محل نقاش وجدال ، وحاولت بعدها كل فرقة أن تثبت أهليتها ، وأنها

١٨٠