تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة0%

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 277

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة

مؤلف: الدكتور نورالدين الهاشمي
تصنيف:

الصفحات: 277
المشاهدات: 64991
تحميل: 5233

توضيحات:

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 277 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64991 / تحميل: 5233
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة

مؤلف:
العربية

وقد ذكر الواقدي وغيره في الوفاة أخباراً كثيرة فيها نكارات وغرابة شديدة أضربنا عن أكثرها صفحاً لضعف أسانيدها ونكارة متونها ولا سيما ما يورده كثير من القصاص المتأخرين وغيرهم فكثير منه موضوع لا محالة وفي الأحاديث الصحيحة والحسنة المروية في الكتب المشهورة غنية عن الأكاذيب وما لا يعرف سنده والله أعلم(١) .

وأثناء دراسة البداية والنهاية ستصل حتماً إلى أنّ هذه الانتقائية تغلب عليها السذاجة والعاطفة المذهبية ، وكل رواية وتظهر تلك الفترة بشيء من المزايا وعلى علّة مضمونها يصدقها ويسلم بصحتها بحيث يرى أن السعيد من قابل الأخبار بالتصديق والتسليم(٢) ، فيغيب بذلك عنده النظر الذي يجعل في المادة التاريخية تناسقاً بحيث لا يغلب عليها الارتجال.

وكذلك لا أظن أن التكرار المتزايد للأحداث هو من قبيل العبث ، كما أنه لا يغيب عن أحد أقطاب العلم وهو يؤلف ، ولكن هي حركة يراد منها تثبيت فكرة معينة.

كما أن هذا التكرار ليس عاما لكل الأحداث بقدر ماهو خاص بأحداث معينة وقعت بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك خلال الفتنة الكبرى.

__________________

١ ـ البداية والنهاية : ٥ / ٢١٤.

٢ ـ المصدر السابق : ١ / ٤.

٦١

وأما الأحداث التي أحدثت تغييراً كبيراً في حركة التاريخ الإسلامي ، وبالضبط المواقف المرتبطة بالأشخاص فإنه يقوم بتضعيفها أو تقييدها بوجهة نظر سلفية انطلاقاً من النظرة المقدسة التي يحملها عن ذلك التاريخ الملغوم ، فنجده مثلا يقول :

« ومن ظن بالصحابة رضوان الله عليهم ذلك فقد نسبهم بأجمعهم إلى الفجور ، والتواطئ على معاندة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومضادتهم في حكمه ونصه ، ومن وصل من الناس إلى هذا المقام فقد خلع ربقة الإسلام وكفر بإجماع الأئمة الاعلام ، وكان إراقة دمه أحل من إراقة المدام »(١) .

هذا القول يرتبط بحديث الغدير وبيعة الامام عليعليه‌السلام ، فابن كثير لم يكلف نفسه أن يتتبع الحدث التاريخي مصداقيته التاريخية ، علماً أنه مؤمن بصحة الحديث ، لكنه لا يريد إيصاله إلى الهدف الذي رسمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأن هذا في نظره يمس مكانة أولئك الاشخاص المحيطين بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكما قلنا سابقاً أن هؤلاء الأشخاص ماهم إلاّ بشر خاضعين لموضوع الرسالة ولثنائية الجنة والنار ، وكان المنافقون ومن تلهيهم أموالهم عن الجهاد في سبيل الله لهم نشاطهم السلبي في عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكيف وهو غائب عنهم.

وهذه المثالية السلفية والمتطرفة لم تقف عند هذا الحد بل جعل من

__________________

١ ـ المصدر السابق : ٥ / ٢٢١.

٦٢

نفسه المدافع عن الإسلام من أهل البدع والضلالات والذين هم بالضبط الطائفة المعارضة للأنظمة السياسية القائمة آنذاك.

وبحيث لا يغفل عن بالنا وعلى غير ما ذهب إليه جموع من الناس في أن ابن كثير وإن لم يضطلع بدور سياسي ، لكن كانت له مشاركة في صنع القرارات ، إذ يذكر في تاريخه أنه اجتمع مع نائب السلطان في بلاد الشام(١) ، وذكر له أشياء كثيرة مما ينبغي اعتماده في حق أهل قبرص من الإرهاب ووعيد العقاب ، ويذكر مرة أنه اجتمع بالخليفة ووصفه بأنه متواضع جيد الفهم حلو العبارة رحم الله سلفه(٢) .

ولا يخفى على أي مطلع أن الطائفة التي عرفت بالمعارضة طوال التاريخ هم الشيعة. فكما كان نصيب الشيعة من السلطان السيف كان نصيبهم سلاطة القلم من ابن كثير. بحيث أنه كان في أي موضع من المواضع يرى فيها قوة أدلة الشيعة يخرج كماً من اللعنات والتلفيقات فيلقيها على الشيعة والتشيع.

علما أن الدقة والتمحيص لازمتين لإخراج الحقيقة من بين ركام من الأحداث حتى تكون المفاهيم والحقائق المطروحة معقولة ، وعلى حد قول « رانكه » : يبدأ العلم بنقد التقليد الموروث(٣) وإدخاله في تحقيق معرفي مع ذاته حتى تنفرز الأحداث الصحيحة والخاطئة والمكذوبة

__________________

١ ـ احمد ابو ملحم عن مقدمة البداية والنهاية.

٢ ـ ابن كثير ـ البداية والنهاية : ١٤ / ٢٥٧.

٣ ـ عبد الله العروي مفهوم التاريخ : ١ / ٨٦.

٦٣

معتمدين على دلائل الامور ، إذ هي أشد تثبيتاً من شهادات الرجال ، وهذا يرتبط بأعلمية المؤرخ الفاعل على الحوادث التاريخية والذي يجب أن يرتكز عمله على المقايسة ، المماثلة والمفارقة ، الفصل والربط المقاربة والمباعدة(١) .

كل هذه المناهج تؤدي حتماً إلى استخلاص النتيجة الصحيحة ، لكن إلى أي حد كان ابن كثير موضوعياً في تعاطيه مع الأحداث والوقائع؟ هذا ما يبينه لنا اسلوبه في عرض الحقائق.

يذكر ابن كثير رزية الخميس ، وهي من الأحداث التاريخية الشائكة في الإسلام لأن فيها أولاً أتهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالهجر ، وثانياً منع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتابة وصية مهمه تعصم الأمة عن الوقوع في الضلال من بعده. فيعلق على هذا الحديث بقوله : وهذا الحديث مما قد توهم به بعض الأغبياء من الشيعة وغيرهم كل مدع أنه كان يريد أن في ذلك الكتاب ما يرمون إليه من مقالاتهم وهذا هو التمسك بالمتشابه وترك المحكم وأهل المحكم يأخذون بالمحكم ويردون ما تشابه إليه ، وهذه طريقة الراسخين في العلم كما وصفهم الله عز وجل في كتابه وهذا الموضع مما زل فيه أقدام كثير من أهل الضلالات وأما أهل السنة فليس لهم مذهب إلا اتباع الحق يدورون معه كيفما دار(٢) .

__________________

١ ـ المصدر السابق ص ٨٦.

٢ ـ ابن كثير : ٥ / ٢٠٠.

٦٤

هكذا يمحص ابن كثير الرواية والحدث التاريخي بطريقة لا علاقة لها بالمؤرخ وليته وقف عند ذكر الحدث فحسب بل أنه حاول نفي الرغبة الخفية للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتثبيت فكرته.

ويسترسل ابن كثير في ذكر أحاديث يدعو فيها الرسول أبا بكر وابنه عبد الرحمن ويكذب وصيّة تنص على أبي بكر ، وهذا مسلك الراسخين على حد قوله.

إن عملية النقد التاريخي لا تكون بهذه السذاجة لأن الأحداث هي بمثابة جزئيات مختزلة من التيار الزماني ، قابلة أن تكون أسباباً في حاجة إلى نتائج او نتائج في حاجة لأسباب ، وصاحب الأمر في هذه القضية هو المؤرخ الذي يسمي الأشياء ، فيقول هذه سابقة وهذه لاحقة بالنظر إلى قضية مطروحة مجموعة من الشواهد يقابل مجموع من الأحداث المذكورة المحفوظة(١) . إذن هل سطر ابن كثير النتائج؟ وهل حدد أسباب النتائج؟

الجواب : كلا ، لأنّ عملية التأريخ عنده لم تكن إلاّ حالة من محاولات الانتصار المذهبية العقيمة التي لا تفيد العلم في شيء بقدر ماهي محاولات لتكريس التخلف.

وهذا لم يكن بمحض الصدفة ولكن هو نتاج المنهج العلمي والمذهبي الذي تبناه ابن كثير ، فما هو الاّ أحد المخلصين لاستاذه ابن

__________________

١ ـ انظر : عبد الله العروي ، مفهوم التاريخ : ١ / ٨٢.

٦٥

تيمية ، فقد درس على أيدي مئات الشيوخ ، إلاّ أن الذين أثروا فيه وتتبع خطاهم قلة وكان على رأسهم الشيخ تقي الدين ابن تيمية ، إذ كانت له به خصوصة ومناضلة عنه واتباع له في آرائه(١) . ولعلاقته الوطيدة بابن تيمية فقد كان هذا الأخير هو دافنه في مثواه الأخير ـ ودفنه في مأواه الأخير بتربة شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية بمقر الصوفية خارج باب النصر من دمشق حسب وصيته(٢) .

من هنا تظهر العلاقة الوطيدة بين زعيم التيار السلفي ألا وهو ابن تيمية وتلميذه النجيب ابن كثير الذي كرس كل جهده لتكريس النظرة السلفية ـ التيمية ـ للتاريخ ، والذي جعل هذه المدونة التاريخية عبارةً عن سجل دفاع ، ورد خصومات ، وتهجم على الفرق الأخرى وخاصة الشيعة. ونظراً للترابط الوثيق بين ابن كثير وابن تيمية افردنا لهذا الأخير بحثاً خاصاً وموجزاً يعرض رؤيته التاريخية.

__________________

١ ـ احمد أبو ملحم : ترجمة ابن كثير البداية والنهاية ١.

٢ ـ المصدر السابق.

٦٦

ابن كثير وابن تيمية وجهان لعملة واحدة

لقد أسلفنا سابقاً بأنّ ابن كثير كان من التلاميذ النجباء لابن تيمية ومن المدافعين عنه ، والحاملين المخلصين لأفكاره. فلا جرم إذن أن تكون هذه الأفكار هي نفسها التي يجهر بها أُستاذه وتنعكس حتماً على مؤلفاته وخاصة موسوعاته التاريخية البداية والنهاية.

ويكون الجامع الوحيد لهما هي هذه المدرسة السلفية التي أرسى دعائمها ابن تيمية وأصبحت المدافع الحقيقي عن هذا الدين! وكل ما عدا هذا الخط الجديد فهو خارج عن إطار الشريعة والسنة المحمدية الأصيلة بزعمهم ، وهم السالكون على حد قول ابن كثير منهج الراسخين في العلم الذين لا يضلهم الهوى.

وهذا لا يختلف في شيء عما صرّح به استاذه الجليل تقي الدين ابن تيمية حيث يقول :

« ان أهل السنة هم وحدهم الذين يأخذون بالقصد والعدل في طريقهم بين جموع فرق المسلمين »(١) .

__________________

١ ـ ابو الحسن الندوي ـ الحافظ ابن تيمية ص ٢٧٨ بواسطة صائب عبد الحميد ابن تيمية حياته وعقائده.

٦٧

وبهذا صارت طائفته هي علامة المنهاج السوي وباتباعهم يتبع الحق وكأن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ان ابن تيمية وأصحابه مع الحق حيثما دار الحق دار معهم.

إن هذا مسلك من التدليج يحاول الزام الخلق باتّباع هذا الطريق ولو عن مضض مخافة الخروج على الهدي النبوي! لأنه بنظره أنهم ـ أي أهل السنة ـ لم يتفقوا قط على خطأ(١) . وبهذا دخلوا دائرة العصمة وأصبح قولهم هو الفيصل لانهم لا يتفقون على ضلالة(٢) وما خالفتهم طائفة في أمر اتفقوا عليه إلاّ الصواب معهم والخطأ مع غيرهم(٣) .

من هنا يظهر لنا هذا التسطيح في التعامل مع الآخرين والانفراد بالصواب دونهم علماً أنه لا أحد يمتلك الحقيقة بقدر ماهو باحث عنها وهي ضالة المؤمن فحيثما وجدها فهي له.

كما أن ابن كثير تجده يعكس كل أفكار استاذه ويتمثل بكل حالاته المعرفية حتى هذه الحساسية المفرطة من الشيعة والسب فيهم ولعنهم كما سبق ذكره ، وفإنها لم يكن هذا الأمر وليدة الصدفة ، ولكن هي حالات تعكس ذلك الفيض التيمي على روح ابن كثير ، فابن تيمية ألف كتابه منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة والقدرية وعرف في أوانه بكتاب الرد على الرافضي وذلك في رده على كتاب ـ منهاج الكرامة في

__________________

١ ـ ابن تيمية منهاج السنة : ٢ / ١٤.

٢ ـ المصدر السابق : ٢ / ١٧.

٣ ـ المصدر السابق : ٢ / ٧٥.

٦٨

إثبات الامامة ـ للعلاّمة ابن المطهر الحلي فكان الهاجس عنده هم الشيعة ، مما جعله يخبط خبط عشواء في كتابه(١) فما كان من رد العلامة ابن المطهر عليه إلاّ جملة واحدة وبيتي شعر حيث قالرحمه‌الله : لو كان يفهم ما أقوله لأجبته ـ وفي الأبيات التي أوردها ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة ـ

لو كنت تعلم كل ما علم الورى

طرا لصرت صديق كل العالم

لكن جهلت فقلت إن جميع من

يهوى خلاف هواك ليس بعالم(٢)

إن هذه الكلمات الأخيرة كافية لمعرفة قدر هذا العالم وبالتالي كل من حدا حدوه واتبع مسلكه ، كما أن ابن بطوطة سماه بالعالم ذو اللوثة لما حضر احد دروسه بالمسجد(٣) ولمعرفة دقائق الامور من فكره فليرجع إلى كتاب الأُستاذ صائب عبد الحميد « ابن تيميه حياته وعقائده » وكذلك الجزء الرابع من كتاب « بحوث في الملل والنحل » للعلامة جعفر السبحاني.

__________________

١ ـ راجع : ابن تيمية حياته وعقائده صائب عبد الحميد ص ٢١٥ ـ ٢٣١. وجعفر السبحاني بحوث في الملل والنحل ج٤.

٢ ـ ابن حجر العسقلاني الدرر الكامنة : ٢ / ٧١.

٣ ـ ادريس هاني محنة التراث الآخر.

٦٩

شطحات ابن تيمية التاريخية

إن الدراسات التاريخية باعتبارها علم مرن يحمل اشكالات متعددة تستلزم عقلا منفتحاً يتكيف مع الأحداث والوقائع من أجل استيعابها واستخلاص النتائج الممكنة بعد عرض الأسباب الفاعلة في الحدث التاريخي ، ومنه الوصول إلى النتيجة الحقيقية والواقعة الصحيحة ، لكن إذا كان الباحث للتاريخ صاحب عقل متعنت غلب عليه التعصب والعماء فإن العكس هو الصحيح ، وفعلا هذا ما حصل مع ابن تيمية حينما تطاول على التاريخ وسمح لنفسه أن يصبح مؤرخاً يعطي رأيه في الأحداث التاريخية لتزل قدمه مرّة أخرى بعدما زل في ميدان العقائد.

لقد جاء كتابه منهاج السنة مليء بهذه الثغرات التاريخية والتعصبات المذهبيّة حتى عرف كما قلنا سابقاً بكتاب الرد على الرافضي وبمعنى آخر إن كتابه هذا أغلبه في الرد على الشيعة حتى بلغ به الأمر إلى التنقيص المستمر من آل محمدعليهم‌السلام باعتبارهم المعتمد عليهم عند الشيعة. وقد التفت ابن حجر العسقلاني إلى هذه النقطة حيث قال : وكم

٧٠

من مبالغة لتوهين كلام ( الرافضي ) أدته أحياناً إلى تنقيص عليرضي‌الله‌عنه (١) فقد صدر عنه بدون تورع واستحياء قوله أنه ليس في الأئمة الأربعة ولا غيرهم من أئمة الفقه من يرجع إلى علي في فقهه ، أما مالك فإن علمه عن أهل المدينة ، وأهل المدينة لا يكادون يأخذون عن علي ، وأما أبو حنيفة والشافعي وأحمد فينهي ابن تيمية علمهم إلى ابن عباس ، ثم يقول وابن عباس كان مجتهداً مستقلا وكان إذا أفتى بقول الصحابة أفتى بقول أبي بكر وعمر لا بقول علي(٢) .

وهذا مما يتنافى مع ما تعارف عليه حيث أن الكل كان يستشهد بمنزلة عليعليه‌السلام (٣) العلمية فابن عباس كان يقول أن ما أخذته من تفسير القرآن فعن علي ابن أبي طالب وعمر نفسه كان يقول لولا علي لهلك عمر ناهيك عما صدر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا مدينة العلم وعلي بابها »(٤) وكذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمةعليها‌السلام : « أما ترضين أن أزوجكّي أقدم أمتي سلما وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً »(٥) كما ذكر صاحب طبقات الفقهاء ـ ابو اسحاق الشيرازي الشافعي ـ قولا لعبد الله ابن

__________________

١ ـ ابن حجر العسقلاني ، لسان الميزان : ٦ / ٣١٩.

٢ ـ ابن تيمية منهاج السنة : ٤ / ١٤٢ ـ ١٤٣.

٣ ـ راجع كتاب إثبات حديث على باب مدينة العلم لعبد الله ابن الصديق الحسني المغربي.

٤ ـ سنن الترمذي : ٥ / ٦٣٧ ، ح٣٧٢٣.

٥ ـ مسند أحمد : ٥ / ٢٦.

٧١

عباس يقول : أعطي علي تسعة أعشار العلم وإنه لأعلمهم بالعشر الباقي(١) من هنا يضمحل قول ابن تيمية أمام التبجيل العظيم والاعتراف الصريح بأفضلية عليعليه‌السلام على جميع المسلمين.

لكن ياليت ابن تيمية وقف عند هذا الحد ، بل تعداه إلى شخصية الامام الجهادية والتي قامت مدافعة لرأب صدع الإسلام وجمع شتات المسلمين بحيث رأى أن علياً لم يقاتل على طاعة الله ورسوله بل قاتل ليطاع هو(٢) . فلو كانت محاربته محاربة للرسول لكان المنتصر في آخر الامر هو ، ولم يكن الامر كذلك بل كان آخر الأمر يطلب مسالمة معاوية(٣) .

إن هذا الأمر ليس غريباً عن رجل مثله فهو أول رجل يحقق أحلام دمشق القديمة في خلق كتاب فضائل معاوية(٤) وقد جمع لأول مرة في التاريخ كتاباً منفرداً بعنوان ـ فضائل معاوية وفي يزيد وأنه لا يسب ـ(٥) علماً أن هناك بون شاسع بين المسلمين الأوائل ، والطلقاء أبناء الطلقاء ولسنا هنا في معرض الدفاع والرد على ما قاله بقدر ماهو طرح لهذه الافكار الشاذة والتي ما قال بها أحد قبله.

__________________

١ ـ صائب عبد الحميد ، ابن تيمية حياته ، عقائده ص ٣٢٨.

٢ ـ ابن تيمية ، منهاج السنة : ٢ / ٢٠٢ ـ ٢٠٥.

٣ ـ المصدر السابق : ٢ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤.

٤ ـ صائب عبد الحميد ، ابن تيمية حياته ، عقائده ص ٢٧٨.

٥ ـ الوافي بالوافيات : ٧ / ١٦ بواسطة صائب عبد الحميد.

٧٢

ولم يقف الامر عند هذا الحد بل أصبح يبيح قتل المسلمين وجعل القتل أمراً عادياً إذا كان في مكائد الحرب علماً أن المقتول هذه المرة هو الحسن بن عليعليه‌السلام وحبيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي قال فيه رسول الله سيد شباب أهل الجنة وريحانته ، فكيف وأن الإسلام شد الوعيد على من قتل مسلماً متعمداً فجزاؤه جهنم لقوله تعالى :( مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَساد فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً ) (١) .

فيأتي ابن تيمية ببرودة ويقول إن معاوية حين أمر بسم الحسن وقتله كان ذلك من باب القتال الدائر بينهما(٢) . وهذا من باب التبريرات التاريخية الواهية فكيف يأمر بسمه وقد عاهده على الصلح ولا أظن أن الامام الحسنعليه‌السلام ممن ينسى أنّ وعد المسلم دين عليه. فحادثه التسميم كانت بعد الصلح وبهذا يصبح لا مبرر لهذا العمل الشنيع والذي لم يحرك له شيخنا الجليل ساكناً.

والأشنع من ذلك موقف ابن تيمية من ثورة الامام الحسين حيث يرى أن مفسدة ثورة الامام الحسينعليه‌السلام أعظم من مصلحتها ، ورأى أن كل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير(٣) ، وبهذا يصير يزيد الفاسق شارب الخمر واللاعب بالقرود إماماً والذي قام لإصلاح هذا الوضع حيث قال

__________________

١ ـ المائدة : ٣٢.

٢ ـ منهاج السنة ، ابن تيمية : ٢ / ٢٢٥.

٣ ـ المصدر السابق : ٢ / ٢٤١.

٧٣

الحسينعليه‌السلام ( إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولكني خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي لآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ) مفسداً.

إن هذه الرسالة الخالدة لم تحرك في ابن تيمية ساكناً بل يرى أنه لم يكن في خروج الامام الحسينعليه‌السلام مصلحة لا في دين ولا في دنيا ، وكان في خروجه وقتله من الفساد مالم يكن يحصل لو قعد في بلده ، وهذه رؤية مادية لا ترى البعد الاستراتيجي لثورة الامام الحسين.

فخروجه أولا عن علم باستشهاده وكتب الحديث تشهد بذلك فقد مر عليعليه‌السلام بكربلاء في طريقه إلى صفين فنادى اصبراً أبا عبد الله بشط الفرات.

قيل له وما ذاك؟

فقال دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان ، فقلت ما أبكاك يا رسول الله؟

فقال : « بلى ، قام من عندي جبريل قبل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات وقال لي هل لك أن أشمك من تربته؟

قال فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا »(١) لكن ابن تيمية لم يلتفت إلى هذا.

والبعد الثاني والذي يرى فيه مفسدة للدين لا أظنه إلاّ العكس فلولا

__________________

١ ـ مسند أحمد : ١ / ٨٥ ، البداية والنهاية : ٨ / ٢٠١.

٧٤

الحسينعليه‌السلام لذهبت كل القيم الإسلامية لأنه أول من فتح الثورة على الظلم والطغيان فجاءت ثورة التوابين والمختار الثقفي ، وزيد بن عليرضي‌الله‌عنه وابنه يحيى ، واستيقظت الضمائر بعدما انحنت للظلم فاستشهد التابعي الجليل سعيد بن جبير. إذن كل هذا الإحياء الديني حركته ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام ولكن الغريب أن نجد إنساناً غربياً يفهم هذه الأبعاد العظمى للثورة الحسينية ولا يفهمها من يعيش داخل هذا الدين.

فقد قال ماربين في كتابه السياسة الإسلامية :

« إن حركة الحسين في خروجه على يزيد كانت عزمة قلب عزّ عليه الإذعان وعزّ عليه النصر العاجل فخرج بأهله وذويه ذلك الخروج الذي يبلغ به النصر الآجل بعد موته ، ويحيي به قضية مخذولة ليس لها بغير ذلك حياة.

هكذا فهم هذا الغربي البعد الحقيقي والسامي(١) لثورة الامام الحسينعليه‌السلام والذي قال فيه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسيناً ، حسين سبط من الأسباط )(٢) .

إذن لماذا هذا الحب المفرط من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ إذا لم يكن يعلم صلاحه ورشده لكن عالمنا النحرير لم تحركه هذه الأحاديث بل يرى في قتل الإمام الحسين حالة عادية بحيث يرى بأن يزيد ليس بأعظم

__________________

١ ـ ابو الشهداء : ١١٨ عن ماربين في كتابه بواسطة صائب عبد الحميد ابن تيمية حياته عقائده ص ٤٠٢.

٢ ـ أخرجه البخاري في التاريخ الكبير : ٨ / ١٤١٥ ، ح٣٥٣٦.

٧٥

جرما من بني إسرائيل ، كان بنوا إسرائيل يقتلون الأنبياء وقتل الحسين ليس بأعظم من قتل الأنبياء(١) . وكأن الله تعالى موافق على قتل أنبياء بني إسرائيل وحاشى أن يكون هذا وهو القائل( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) (٢) .

إن القتل بحد ذاته محرم داخل الشريعة الإلهية والأعراف وهذا للأشخاص العاديين فكيف إذن بمن كرمهم الله من انبياء وأئمة وعلى يد من؟ كفار وفساق أي ان حالة الحق والباطل ظاهرة. لكن حينما تعمى الأبصار والعقول فلا حياة لمن تنادي.

__________________

١ ـ ابن تيمية ، منهاج السنة : ٢ / ٢٤٧.

٢ ـ المائدة : ٧٨.

٧٦

٧٧

وقفة أخيرة

إن تحامل ابن تيمية على آل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعله يبذل قصارى جهده لنفي كل الميزات الخاصة بهم ومن بينها نفي سبب نزول( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذاب واقِع ) (١) في الذي أنكر وشكك في ولاية أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ولرد هذه المزعمة نقوم بمناقشته في هذه المسألة بصورة موجزة(٢) .

سبب نزول الآية

ذكر القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن المعروف بتفسير القرطبي في تفسير سورة المعارج ١٨ / ٢٨٨.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من كنت مولاه فعلي مولاه. قال النضر بن الحارث لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : امرتنا بالشهادتين عن الله فقبلنا منك وأمرتنا بالصلاة والزكاة ثم لم ترض حتى فضلت علينا ابن عمك ، الله أمرك أم

__________________

١ ـ المعارج : الآية ١.

٢ ـ راجع الغدير للأميني ففيه الرد الكافي ونورد هنا بشكل مختصر محاورته إياه.

٧٨

من عندك؟ فقال والذي لا إله إلاّ هو إنه من عند الله ).

فولى وهو يقول : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء! فوقع عليه حجر من السماء فقتله ).

وفي تفسير ابن كثير(١) للآية قال.

قال النسائي حدثنا بشر بن خالد حدثنا أبو اسامة حدثنا سفيان الاعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى :( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذاب واقِع ) .

قال النضر بن الحارث بن كلدة.

وقد ذكر ابن كثير سببين آخرين لكنه رجح هذا الأخير حيث قال والصحيح الأول ـ أي الذي وضعناه هنا ـ لدلالة السياق عليه.

وقد أورده كذلك السيد محمد حسين الطباطبائي عن جعفر الصادقعليه‌السلام (٢) وفي الدر المنثور أخرج الفاريابي وعبد بن حميد والنسائي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ابن مردويه عن ابن عباس في قوله :( سَأَلَ سائِلٌ ) ، قال نزلت بمكة في النضر بن الحارث وقد قال :( اللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) الآية وكان عذابه يوم بدر. ولكن هذه من عند السيوطي لكون الآيات مدنية وسنتطرق لها بالتفصيل في موضعها.

__________________

١ ـ تفسير ابن كثير : ٤ / ٤١٩ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ط ١٤٠٨هـ ١٩٨٦م.

٢ ـ السيد محمد حسين الطبطبائي : الميزان في تفسير القرآن : ٢٠ / ٨٢.

٧٩

اعتراضات وأجوبة

ونستعرض هنا اعتراضات ابن تيمية على سبب نزول هذه الآية.

الاعتراض الأوّل

بعض الروايات تذكر أن الحارث بن كلدة أناخ بناقته إلى البطحاء ومن هنا جاء اعتراض ابن تيمية حيث قال :

أخذه على البطحاء وكون مكانها بمكة ومحتمل سبب النزول المدينة فيصير مخالفاً ـ يعني أن هذه الحادثة باطلة لكون البطحاء مكانها بمكة والذين يستدلون بنزولها في الحارث بن كلدة قالوا بالمدينة وبذلك يصير الأمر مخالفاً وتبطل الرواية.

الرد الأول

تعريف البطحاء

البطحاء قد لا يقصد بها مكان معين وإنما تعني في اللغة أي الأبطح وهي كل مسيل فيه دقاق الحصى ، وليس حجراً على اطراف البلاد أن تكون فيها أباطح.

وروى البخاري في صحيحه(١) ، ومسلم في صحيحه(٢) عن عبد الله ابن عمر أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أناخ بالبطحاء بذي الحليفة فصلى بها.

__________________

١ ـ صحيح البخاري : ٢ / ٥٥٦.

٢ ـ صحيح مسلم : ٣ / ١٥٤.

٨٠