تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة0%

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 277

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة

مؤلف: الدكتور نورالدين الهاشمي
تصنيف:

الصفحات: 277
المشاهدات: 64982
تحميل: 5233

توضيحات:

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 277 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64982 / تحميل: 5233
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة

مؤلف:
العربية

وفي إمتاع المقريزي(١) : أن النبي إذا رجع من مكة دخل المدينة من معرس الأبطح ، فكان في معرسه في بطن الوادي فقيل له إنك ببطحاء مباركة.

وفي مصابيح البغوي(٢) ، قال :

قال القاسم بن محمّد : دخلت على عائشةرضي‌الله‌عنه فقلت يا أماه اكشفي لي عن قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء.

وفي معجم البلدان(٣) :

البطحاء في اللغة مسيل فيه دقاق الحصى ، والجمع الأباطح والبطاح على غير قياس.

الاعتراض الثاني

وهو حمله الآية السورة كلها على أنّها مكية وبالتالي تنتفي الدلالة من كونها نازلة بعد حديث تولية إمارة المؤمنين لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام .

الرد الثاني

يمكن أن يكون مجموع السورة مكية بخصوص بعض الآيات فإنها مدنية كما هو واقع مجموع من السور القرآنية ولا إشكال في أن تكون

__________________

١ ـ امتاع الأسماع : ص ٥٣٤.

٢ ـ مصابيح السنة : ١ / ٥٦٠

٣ ـ معجم البلدان : ١ / ٤٤٤.

٨١

بدايتها ومفاتحها مكية كما هو الشأن لمجموعة من السور المدنية والتي تحتوي على آيات مكية ومثال ذلك كثير :

١ ـ سورة العنكبوت مكية ، عشر الآيات الأولى منها مدنية.

٢ ـ سورة الكهف مكية ، ٧ آيات منها مدنية.

٣ ـ سورة إبراهيم مكية إلاّ قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ ) (١) .

٤ ـ سورة الإسراء مكية إلا قوله :( وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ ) (٢) و( وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً ) (٣) .

والأمثلة في القرآن على ذلك كثيرة.

الطباطبائي يرد

نورد هنا قول العلاّمة السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسيره الميزان وهو يبرهن على مدنية هذه الآية ، فانه يقول :

الذي يعطيه سياق السورة أنها تصف يوم القيامة بما أعد فيه من أليم العذاب للكافرين ; تبتدئ السورة فتذكر سؤال سائل سأل عذاباً من الله للكافرين فتشير إلى أنه واقع ليس له دافع قريب غير بعيد كما يحسبونه ثم تصف اليوم الذي يقع فيه والعذاب الذي أعد لهم فيه وتستثني

__________________

١ ـ ابراهيم : ٢٨.

٢ ـ الإسراء : ٧٦.

٣ ـ الإسراء : ٨٠.

٨٢

المؤمنين الذين قاموا بوظائف الاعتقاد الحق والعمل الصالح.

وهذا السياق يشبه سياق السور المكية غير أن المنقول عن بعضهم أن قوله :( وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ) (١) مدني والاعتبار يؤيده لأن ظاهره الزكاة قد شرعت بالمدينة بعد الهجرة وكون هذه الآية مدنية يستتبع كون الآيات الحافة بها الواقعة وهي أربع عشرة آيات قوله :( إِلاَّ الْمُصَلِّينَ ) إلى قوله :( فِي جَنّات مُكْرَمُونَ ) مدنية لما في سياقها من الاتحاد واستلزام البعض للبعض.

ومدنية هذه الآيات الواقعة تحت الاستثناء تستدعي ما استثنيت منه وهو على الأقل ثلاث آيات قوله :( إِنَّ الإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً ) إلى قوله( مَنُوعاً ) على أن قوله( فَما الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ) متفرع على ما قبله تفرعاً ظاهراً وهو ما بعده إلى آخر السورة ذو سياق واحد تكون هذه الآيات أيضاً مدنية.

ومن جهة أخرى مضامين هذا الفصل من الآيات تناسب حال المنافقين الحافين حول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اليمين وعن الشمال عزين وهم الرادون لبعض ما أنزل الله من الحكم وخاصة قوله( أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئ مِنْهُمْ ) الخ ، وقوله( عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ ) الخ على ما سيجيء ، ومواطن ظهور هذا النفاق المدينة لا مكة ، ولا ضير في التعبير عن

__________________

١ ـ المعارج : ٢٤.

٨٣

هؤلاء بالذين كفروا فنظير ذلك في سورة التوبة وغيرها(١) .

ومنه يتضح بالجلي على أن هذه الآيات مدنية النزول باعتبار القرائن الملازمة لحالة المدينة لا مكة كمثل الزكاة والمنافقين ، وحتى لو سلمنا بكون السورة مكية فإنه من الجائز نزول الآية مرتين او مرة بعد أخرى من أجل العظة والتذكرة كمثل سورة الفاتحة فإنها نزلت مرة بمكة حين فرضت الصلاة ، ومرّة بالمدينة حولت القبلة ولتثنية نزولها سميت بالمثاني(٢) .

الاعتراض الثالث

انها نزلت بسبب ما قاله المشركون بمكّة ، ولم ينزل عليهم العذاب هناك لوجود النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينهم لقوله تعالى( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) .

الردّ الثالث

إن دليل الاعتراض مربوط بالاستدلال القرآني ولفظ الآية غير محمول على المشركين بل هو ملزوم بأصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودليل ذلك قوله تعالى( وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) فلا يكون الاستغفار من مشرك كافر. ومن هنا يصير الخطاب موجه لعصاة المسلمين وأما من ارتد عن

__________________

١ ـ محمد حسين الطباطبائي. الميزان : ٢٠ / ٦.

٢ ـ اتقان السيوطي : ١ / ٣١.

٨٤

الإسلام وكذب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطلب العذاب من الله تحديا واستخفافاً فعلى الله أن يعجل عليه نقمته. وكما أسلفنا سابقاً أنه خلال المرحلة المدنية تزايد المنافقون الذين يكنون الدسائس للإسلام.

الاعتراض الرابع

ان المعلوم من هذا الحديث أن حارثا المذكور كان مسلماً باعترافه بالمبادئ الخمسة الإسلامية ومن المعلوم بالضرورة أن أحداً من المسلمين لم يصبه عذاب على عهد النبي.

الجواب الرابع

إن الحارث قبل تشكيكه في أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مسلماً ولكن لمجرد التشكيك دخل الكفر وفي قوله تعالى( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذاب واقِع ) والسؤال بمعنى الطلب والدعاء وتم الحاق الباء لما تضمن الفعل من الاهتمام والاعتناء ، وقيل الباء زائدة للتأكيد ، ومآل الوجوه واحد وهو طلب العذاب من الله كفراً وعتواً.

والآية تحكي سؤال العذاب وطلبه عن بعض من كفر طغياناً وكفراً(١) وأما العذاب الذي جاءه كان بعد الكفر والارتداد.

لكن شيخنا يتراجع ويخبرنا بكون الحارث بن كلدة غير معروف في الصحابة ولم يذكره ابن عبد البرفي الاستيعاب وابن مندة وابو نعيم

__________________

١ ـ الطباطبائي ، الميزان : ٢٠ / ٧.

٨٥

الاصبهاني وأبو موسى في تآليف ألّفوها في اسماء الصحابة وهذا في حسبي هو الخلط بعينه فكيف ينكره الآن بعد ما نسبه قبلا للإسلام مؤمناً بالأركان الإسلامية الخمسة.

واعتراضه هذا في حد ذاته واه فإن عدم تصنيف المصنفين لإسمه ليس دليلا على عدم وجوده. إذ أن كل مؤلف يكتب بقدر إحاطته وسعته ، عن أبي زرعة الرازي قال : توفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة ، كلهم قد روى عنه سماعاً أو رؤية ومع هذا فجميع من في الاستيعاب يعني بمن ذكر فيه باسم او كنية وهم ثلاثة وخمسمائة ولم يستوعب ابن أبي زرعة الباقي ، ومما لاشك فيه أنّ عدم معرفتهم ليس دليلاً على عدم وجودهم.

٨٦

٨٧

الفصل الثالث

ابن كثير الوهم والحقيقة

٨٨

٨٩

لعمري ما أغرب أن تجد إنساناً يؤرخ لفترة زمنية وبقناعات ذاتية مرتبطة بتوجهه الايديلوجي يخبط خبط عشواء في سرد الأحداث والوقائع ، حتى أنه لا يستطيع هو نفسه استيعاب ما يريد إبلاغه للآخرين لذا تجده يورد أحداثاً في قضية معينة وكل حدث يناقض بعضه. مما يعطي رؤية على أن هذا الشخص غير مقتنع تمام الاقتناع بالقضايا التي يطرحها إذ أنه أصبح أسير الموروثات القديمة التي كونت لديه نفسية تاريخية تحدها أبعاد مذهبية. والعدد الهائل من الروايات التي يتعامل معها بعضها يعكس الحقيقة وقد تكون مخالفة لاعتقاداته واخرى هي من إنتاج التاريخ مما يحدث تصادماً بين هذه المعطيات الشيء الذي يدفع بالمؤرخ المتعامل مع هذه النصوص بإدراجها بأجمعها وإدخال قلمه على حسب قدرته لتبرير فعل أو الدفاع عنه أو أقرب طريقة لذلك وهو تضعيفه سند الرواية والانتصار للمرويات المفضلة عنده. أو بطريقة أخرى أسهل وهو إهمال الرواية وعدم إدراجها نظراً لما تحمله من دلالات ومعاني وبالتالي تخليص النفس من الدفاع والبحث عن الانتصار.

وقد كان ابن كثير أحد هؤلاء المؤرخين حيث أذهلتني موسوعته

٩٠

بذلك الكم الهائل من الروايات والتي غلب عليها التكرار وكذلك الحشو المتزايد بحيث لا تلمس نفسك تدرس موسوعة تاريخية على مثيل الامامة والسياسة ; بل هي عبارة عن كتاب جمع في داخلها المتناقضات المتفحص بحيث يقف مذهولا ويصاب عقله بالارتجاج وهو لا يستطيع الوصول إلى نتيجة ، لكن يطرح هذا الأمر أمامه باب الشك حول هذه الأحداث المتراكمة مما يجعله يستشف أن هناك أشياء وقعت ويحاول المؤرخ تجاوزها أو إغفال العين عنها.

لحظة الوفاة

طالعت ذات يوم بشوق متزايد أحداث سنة ١١ للهجرة ولكن مع الأسف وجدت أن يد ابن كثير تعاملت مع هذه الفترة بكثير من الوضاعة والاحتيال ; بحيث أن هناك أحداثاً تاريخية مهمة قد غض الطرف عنها بالإطلاق والتي كان لها تأثير كبير في تشخيص وضع المجتمع الإسلامي قبيل وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهم هذه الأحداث هي سرية أسامة بحيث لم يُذكر لها أثر والأحداث التي وقعت أثناء إنفاذ هذه السرية ، من تأييد الرسول لها وعقد لوائها بيده الشريفة ودعوته بالإسراع لتنفيذها ولعنة المتخلفين عنها. ولكل هذه الأعمال دلالات(١) ولكن رغم ذلك فإن إبن كثير لم يفرد لها شيئاً وهذه من إحدى الأبواب

__________________

١ ـ راجع أحمد شلبي والتاريخ في الملاحق القادمة.

٩١

التي سلكها لإخراج هذا التاريخ كما يوافق رؤاه والتي ترى خير القرون قرني هذا والذي يليه ومع تحقق اللعنة المرتبطة بالتخلف عن جيش أسامة وكان فيها كبار الصحابة فإن هذه الأحاديث تصبح لا داعي لذكرها ; لأنها تسقط اصنامهم المقدسة ، وهو الشيء الذي لا يريده مؤرخنا.

ولكن الأمرُّ من هذا هو الرواية الغريبة التي أوردها حول الرزية ـ رزية الخميس ـ بحيث لا علاقة لها بالحدث التاريخي الذي حصل أنذاك فأخرج في موسوعته عن علي بن أبي طالب قال أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن آتيه بطبق يكتب فيه مالا تضل أمته من بعده ، قال : فخشيت أن تفوتني نفسه ، قال : قلت : إني احفظ وأعي(١) .

إن هذه الرواية متشابهة مع رزية الخميس ، ولكن هنا الإمام علي هو الذي امتنع عن إعطاءه الطبق باعتباره يحفظ ويعي ولا أظنها إلاّ رداً على الرواية التي اتفق عليها أصحاب الصحاح ، والتي رفض فيها جمع من الصحابة إعطاء النبي ما طلبه ليكتب لهم الوصية وفيهم عمر. فخالفوا بذلك أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولايخفى على أحد موقف الإسلام من مخالفة أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ويتضح من إيراد ابن كثير النص الصحيح وتعليقه عليه بأنّ الحديث عند الشيعة مع ربطه بأحاديث أخرى يفيد الوصية للإمام عليعليه‌السلام من

__________________

١ ـ ابن كثير ، البداية والنهاية : ٥ / ٢٠٩.

٩٢

بعد رسول الله ، مما جعل إبن كثير يراها إحدى مفتريات الشيعة إذ يقول : وأما ما يفتريه كثير من جهلة الشيعة والقصاص الأغبياء ، من أنه أوصى إلى علي بالخلافة فكذب وافتراء عظيم يلزم منه خطأ كبير(١) لكن في نفس الوقت يرجع للدفاع عن توصية الرسول لأبي بكر(٢) رغم مافي هذا القول من علة(٣) .

ابن كثير يتناقض مع نفسه

حينما تكثر الأحداث التاريخية ، فإن نباهة المؤرخ ومدى تتبعه لمصداقية الحدث التاريخي تظهر بوجود تناسق بين المرويات وسرد الأحداث ، لكن مع الأسف هذا مالم نره عند ابن كثير إذ أن تضارب الأحداث فات حده في كتابه بحيث يجعلك لا تستقر على أمر معين وهذا ما يجعل الباحث يستشف البعد التحريفي لأحداث التاريخ وما حدث فيه على طول استيلاء السلطات الظالمة على رقاب المسلمين ومدى مساعدة علماء الجور لهم والدفاع عنهم وإيجاد الطرق الكفيلة لتخريج هذا التاريخ للناس بشكل ينسجم وعقلية الناس التي أعتادت الاستسلام للظلم وتبرير ظلمهم بل وحتى في عصرنا الحالي نجد قلة

__________________

١ ـ ابن كثير ، البداية والنهاية : ٥ / ٢٣٦.

٢ ـ المصدر السابق.

٣ ـ للإطلاع على علل هذا الحديث راجع كتاب تاريخ الإسلام الثقافي والسياسي لصائب عبد الحميد.

٩٣

من يتعاطف مع شهداء حادثه كربلاء لأنّ الأغلبية العظمى تعطيها تأويلات صاغتها أيدي وعاظ السلاطين لتصل جاهزة الى عقول الآخرين وكثير من الناس لازالت تجهل مكانة آل البيت النبوي في الإسلام وعلى رأسهم أمير المؤمنين ، حتى وصل الأمر ببعضهم لاتهامه بالطامع في الخلافة(١) علماً أن الإمام عليعليه‌السلام كان الوجه الأول للمواجهة ضد اعداء الإسلام والحامل للواء العلم والمعرفة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وكل هذا لأنه رأى أنه هو المؤهل شرعاً وعقلاً لتسيير أمور المسلمين ، وهذا الأمر هو الذي حيّر المؤرخين في كيفية صياغة أحداث التاريخ بحيث تنسجم وطبيعة تصورهم ، لكن كما أسلفنا سابقاً لم يحالفهم الحظ في ذلك فكانت كل استدلالتهم ناقصة ، ومثال إبن كثير واضح في هذا المجال والأمثلة على ذلك كثيرة.

ابن كثير وأحداث السقيفة

لا أحد يشك في أن أول اجتماع حدث بعيد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في سقيفة بني ساعدة ، وكان المجتمعون هم جماعة من الأنصار وثلاثة من المهاجرين وهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح إذ بلغ مسمعهم أن الانصار مجتمعين في السقيفة بزعامة سعد بن عبادة فلما وصل الخبر إلى أبي بكر فزع فزعاً شديداً ، وقام معه عمر فخرجا

__________________

١ ـ راجع فصل أحمد شلبي.

٩٤

مسرعين إلى سقيفة بني ساعدة فلقيا أبا عبيدة بن الجراح فانطلقوا جميعاً ، حتى دخلوا السقيفة وفيها رجال من الأشراف معهم سعد بن عبادة(١) .

إن دراستنا لهذا الحدث التاريخي تبين عدم عقد إجماع البيعة لأبي بكر وما إسراعه للسقيفة إلاّ محاولة لحصر هذا الموضوع وعدم انتشاره بين الناس كي لا ينفروا من بيعته وتكون بذلك أول بيعة لأبي بكر استعين بها بالعصبية القبلية ـ وخصوصاً بين الاوس والخزرج ـ قد وقعت في السقيفة مما لا يعطيها الشرعية الدينية بحيث يغيب عنها كبار الصحابة وبخاصة أهل البيت الهاشمي ولكن ابن كثير من أجل أن يخرج من هذا المأزق أخرج لنفسه رواية تجعل من البيعة بيعة عامة في المسجد قبل أن يتجه إلى السقيفة إذ بايعه في المسجد جماعة من الصحابة ووقعت حسب زعمه شبهة لبعض الأنصار(٢) .

وقد يظن البعض بأنّ هذه الرواية بسيطة لكنها في الحقيقة شرعنة للنظام الخلفائي الذي يفتقد المصداقية الدينية فمحاولة البعض لتصوير وقوع البيعة في المسجد هي وسيلة لشرعنة هذا العمل وإعطائه صبغة جماعية ، ومما يزيد من تأكيد هذا القول أي أنّ البيعة الأولى كانت في المسجد هو ما أورده بعد ذلك حيث يقول :

__________________

١ ـ انظر : ابن قتيبة الإمامة والسياسة ص ٩ ـ شركة مكتبة ومطبعة ومصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر محمد محمود الحلبي وشركاه ـ حلفاء.

٢ ـ ابن كثير ، البداية والنهاية : ٥ / ٢١٤.

٩٥

وخرج إلى المسجد ( أي أبو بكر ) وعمر يخطب في الناس ويتكلم ويقول : إن رسول الله لا يموت حتى يفني الله المنافقين ، فتكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن الله يقول :( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) الآية حتى فرغ من الآية فقال : من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ومن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، فقال عمر : إنها في كتاب الله وما شعرت أنها في كتاب الله(١) ثم قال عمر : يا أيها الناس هذا أبو بكر فبايعوه فبايعوه(٢) ومنه تكون البيعة قبل توجه المهاجرين الثلاثة إلى السقيفة.

قد يقول قائل إن البيعة أولها كانت في المسجد وبعدها ذهبوا لإقناع الانصار في السقيفة لكن يخرج علينا إبن كثير برواية تجيب عن هذا السؤال وتبين أن البيعة الأولى كانت في السقيفة حيث يقول ابن كثير على لسان أبي بكر وهو في السقيفة : وقد رضيت لكم هذين الرجلين أيهما شئتم وأخذ بيدي ـ أي يد عمر ـ ويد أبي عبيدة ابن الجراح.

إذن العقل ماذا يقول؟ إذا كانت البيعة قد تمت قبل الحضور في السقيفة وتم تنصيب أبي بكر ولياً للمسلمين فلماذا يختار لهم أحد الرجلين عمر وأبي عبيدة بن الجراح. ومنه يكون القول بالبيعة الأولى

__________________

١ ـ خلال إنكار عمر لموت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أبو بكر آنذاك في السنح خارج المدينة؟!

٢ ـ ابن كثير ، البداية والنهاية ص ٢١.

٩٦

في المسجد قولاً لا مجال له من الصحة وإنما يأتي من بعد الخلاف والزام المخالفين بالبيعة بإحضارهم إلى المسجد أو الهجوم عليهم بمنزل الزهراءعليها‌السلام ، والمراد من هذا القول كما قلنا هو إصباغ البيعة بشرعية وبإجماع الأمة ولم يكن إدراجها من قبيل حكي المرويات ولكن لغرض في نفس ابن كثير يبغي من خلالها عملية التمويه التاريخي ولم يكتفي عند هذا الحد من أجل إعطاء الشرعية ونفي ما قيل عن حال الخلاف الواقع بل صوّر الأمر بأنّ كل المخالفين والتي أثبت كتب التاريخ إصرارهم على عدم الاعتراف بالبيعة اذعنوا بعد ذلك للامر وبايعوا بطيب خاطر.

سعد ابن عبادة وابن كثير

يعتبر سعد ابن عبادة من المعارضين لخلافة أبي بكر بحيث وقف ضد أبي بكر في السقيفة ولم ينحني أبداً أمام التهديدات وبقي على ما ذهب اليه حتى قتل في عهد عمر وهو لم يبايع عمر كذلك. وكان سعد ابن عبادة سيد قومه وله منزلة قبل إسلامه وبعد إسلامه مما يجعل عدم قبوله للبيعة لها أولاً دلالة حول مصداقيتها وثانياً أنّها تفنّد القول بالاجماع والذي حكى عنه المؤرخون.

فأما مصداقيتها فهي نفي الشرعية عن الولي بحيث يكون هو المسؤول عن كل الأمور الدينية وإمام الأمة في الصلاة وترك الصلاة وراءه هو من باب عدم الاعتراف بإمامته بحيث أن سعداً لم يكن يصلي

٩٧

بصلاتهم لم يجتمع معهم(١) بل وصل به الأمر أنه دعى إلى محاربتهم وكان هو على يقين من خروجهم عن جادة الشرع بحيث قال : أما والله لو أن لي ما أقدر به على النهوض ، لسمعتم مني في أقطارها زئيراً يخرجك أنت وأصحابك ، ولألحقنك بقوم كنت فيهم تابعاً غير متبوع خاملا غير عزيز(٢) وهكذا فإن المصداقية الشرعية تُفقد ، وما الدعوة إلى محاربتهم إلاّ دليل على ذلك ، ولا أظن أن سعد بن عبادة غافل عن تحريم القتال بين المسلمين.

وأما الاجماع فخروج نفر واحد له مكانته في قومه وبين المسلمين لخير دليل على سقوط القول بالإجماع ولا أظن أحداً من المؤرخين قال أن سعداً تنازل عن موقفه هذا إلاّ مؤرخنا الكبير ابن كثير بحيث خالف الإجماع التاريخي وذكر بأنّ ابن سعد تنازل واعترف بإمارة القرشيين إذ يقول أن أبي بكر قال له : ولقد علمت يا سعد أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال وأنت قاعد ، قريش ولاة الأمر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم ، فقال له سعد : صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء(٣) .

وهذا جزء من التبريرات والشرعنة الواهية التي يتبعها ابن كثير

__________________

١ ـ الامامة والسياسة ، ابن قتيبة ص ١٠.

٢ ـ المصدر السابق.

٣ ـ البداية والنهاية : ٥ / ٢١٨.

٩٨

للانتصار لهذا التاريخ والتي تجعله يسقط في مطبات كثيرة بحيث أنّه في نفس هذه الحادثة المرتبطة بسعد بن عبادة يذكر كذلك رفض سعد لهذه البيعة حتى انزوى المبايعون في السقيفة على سعد ، فقال قائل منهم : قتلتم سعداً ، فقال عمر : قتل الله سعداً(١) ، مما يبين الحقيقة الصحيحة لموقف ابن عبادة والذين أجمع كل من كتبوا في التاريخ على هذه الحقيقة.

ولم يقف ابن كثير فقط عند سعد ابن عبادة بل تعداه إلى الامام عليعليه‌السلام وجعله من المبايعين الأولين وهو الذي دافع عن حق هو له أهل ونسي أنه ما بايع أبي بكر إلاّ خشية أن يعود الناس عن دين محمد وذلك بعد مرور ستة أشهر وهو يبايع يذكر بأحقيته في الحكم وقبلها كذلك بحيث يقولعليه‌السلام : أنا عبد الله وأخو رسوله ، أنا أحق بهذا الأمر منكم(٢) وفي مجلس البيعة خاطب أبا بكر مؤكداً على أحقيته فذكر استبداد أبي بكر بهذا الأمر دونه فقالعليه‌السلام : فانه لم يمنعنا أن نبايعكم إنكاراً لفضيلتك ، ولا نفاسة عليك ولكن كنا نرى أنّ لنا هذا الامر حقا ، فاستبددت علينا(٣) . وكذلك البيت الهاشمي وعلى رأسهم العباس بن عبد المطلب إلى غاية ذلك الوقت وهو غير مبايع وكان يرى الأمر أمر

__________________

١ ـ المصدر السابق : ٥ / ٢١٦.

٢ ـ الإمامة والسياسة ص ١١.

٣ ـ الإمامة والسياسة ص ١١.

٩٩

أهل البيت دون سواهم وفي رده على أبي بكر وعمر حينما جاءا يسترضيانه بمنصب في التركة المسلوبة أبى ورد حجتهم التي احتجوا بها على الانصار من كون الرسول من قريش وهو دليل الأحقية فرد العباسرضي‌الله‌عنه : أما قولك إن رسول الله منا ومنكم ، فإنه كان من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها(١) .

إذن كل هذه الحوادث لم تحرك في ابن كثير حساً فأورد بأن علياً بايع مع الاوائل وذكر أن أبا بكر نظر في وجوه القوم فلم ير علياً فدعى بعلي بن أبي طالب فجاءه فقال ، قلت ابن عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وختنه على إبنته أن تشق عصا المسلمين قال : لا تثريب يا خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبايعه(٢) .

لكن الأحداث أصعب من أن تصدق بهذه السهولة ، وهناك روايات تتحدث عن رفضهعليه‌السلام البيعة لمدة ستة أشهر حتى توفيت فاطمةعليها‌السلام وبالتالي يلزمه تخريجة تساير الأحداث التاريخية فيقول في هذا التأخير : واحتاج على أن يراعي خاطرها بعض الشيء ، فلما ماتت بعد ستة أشهر من وفاة أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى عليعليه‌السلام أن يجدد البيعة مع أبي بكر(٣) . فمتى كانت رعاية الزوجة تبطل البيعة؟ إذا كانت وجدت أصلا.

__________________

١ ـ الامامة والسياسة ص ١٦.

٢ ـ البداية والنهاية : ٥ / ٢١٨.

٣ ـ انظر : المصدر السابق ص ٢١٩.

١٠٠