• البداية
  • السابق
  • 38 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 15464 / تحميل: 6885
الحجم الحجم الحجم
الشيخ نصير الدين الطوسي وسقوط بغداد

الشيخ نصير الدين الطوسي وسقوط بغداد

مؤلف:
ISBN: 964-319-269-5
العربية

لنفسه ، وعاد إلى الخليفة المستعصم وقال : إنّ هولاكو يبقيك في الخلافة كما فعل بسلطان الروم ، فخرج إليه المستعصم في جمع من أكابر أصحابه ، وأنزل في خيمته ، ثمّ استدعى الوزير الفقهاء والأماثل ، فاجتمع هناك جميع سادات بغداد والمدرّسون ، وكان منهم محي الدين ابن الجوزي وأولاده ، وكذلك بقي يخرج إلى التتر طائفة بعد طائفة ، فلمّا تكاملوا قتلهم التتر عن آخرهم ، ثمّ مدّوا الجسر وعدا باجو ومن معه ، وبذلوا السيف في بغداد ، وهجموا على دار الخلافة وقتلوا كلّ من كان فيها من الأشراف ، ولم يسلم إلاّ من كان صغيراً ، فأُخذ أسيراً ، ودام القتل والنهب في بغداد نحو أربعين يوماً ، ثمّ نودي بالأمان.

أمّا الخليفة فإنّهم قتلوه ، ولم يقع الاطّلاع على كيفيّة قتله ، فقيل خنق ، وقيل وضع في عدل ورفسوه حتّى مات ، وقيل غرق في دجلة ، والله أعلم بحقيقة ذلك ، وكان المستعصم ضعيف الرأي ، قد غلب عليه أُمراء دولته لسوء تدبيره ، وهو آخر الخلفاء العبّاسيّين(١) .

ولا ذكر لخواجه نصير الدين الطوسي أبداً ، وأمّا ما ذكر عن ابن

__________________

(١) المختصر في أحوال البشر ٣ / ١٩٣ ـ ١٩٤.

٢١

العلقمي ففيه نظر ، فلابدّ وأنْ يحقّق عنه.

الرجوع إلى الذهبي :

وأمّا الذهبي ، الذهبي هو تلميذ ابن تيميّة وإنْ كان يخالفه في بعض الآراء ، إلاّ أنّه تلميذه ، وقد لخّص كتاب منهاج السنّة أيضاً ، فمن مؤلفات الذهبي منهاج الإعتدال وهو تلخيص منهاج السنّة.

يقول الذهبي في حوادث سنة ٦٥٦ : كان المؤيد ابن العلقمي قد كاتب التتر ، وحرّضهم على قصد بغداد ، لأجل ما جرى على إخوانه الرافضة من النهب والخزي.

فذكر الواقعة كما تقدّم عن أبي الفداء ، وليس فيها ذكر لنصير الدين الطوسي أصلاً(١) .

الرجوع إلى ابن شاكر الكتبي :

وصاحب فوات الوفيات ابن شاكر الكتبي المولود سنة ٦٨٦ ، أي بعد الواقعة بثلاثين سنة ، والمتوفى سنة ٧٦٤ ، يترجم الخليفة العبّاسي ويترجم نصير الدين الطوسي كليهما في كتابه ، ولا يذكر

__________________

(١) العبر في خبر من غبر ٣ / ٢٧٧.

٢٢

شيئاً من دخل الخواجة في حوادث بغداد أبداً ، وبترجمة الخليفة يقول :

كان متيناً متمسّكاً بمذهب أهل السنّة والجماعة على ما كان عليه والده وجدّه ، ولم يكن على ما كانوا عليه من التيقّظ والهمّة ، بل كان قليل المعرفة والتدبير والتيقّظ ، نازل الهمّة ، محبّاً للمال ، مهملاً للاُمور ، يتّكل فيها على غيره ، ولو لم يكن فيه إلاّ ما فعله مع الملك الناصر داود في الوديعة لكفاه ذلك عاراً وشناراً ، والله لو كان الناصر من الشعراء ، وقد قصده وتردّد عليه على بعد المسافة ومدحه بعدّة قصائد ، كان يتعيّن عليه أن ينعم عليه بقريب من قيمة وديعته من ماله ، فقد كان في أجداد المستعصم بالله من استفاد منه آحاد الشعراء أكثر من ذلك.

[ كأنّما كانت عنده وديعة لشخص ، وهذه الوديعة تصرّف فيها ولم يرجعها إلى صاحبها ، يذكر هذه القضيّة ، إلى غير ذلك من الاُمور التي كانت تصدر عنه ، ممّا لا يناسب منصب الخلافة ، ولم يتخلّق بها الخلفاء قبله ].

فكانت هذه الأسباب كلّها مقدّمات لما أراد الله تعالى بالخليفة والعراق وأهله ، وإذا أراد الله تعالى أمراً هيّأ أسبابه.

[ ولم يذكر سائر أعمال هذا الخليفة وأسلاف هذا الخليفة ، من

٢٣

الخلاعة والمجون والإستهتار بالدين والسكر وشرب الخمر ومجالس اللهو واللعب ، وإلى آخره ، كلّ ذلك أسباب لإنقراض الحكومة أيّ حكومة تكون ].

قال : واختلفوا كيف كان قتله ، قيل : إنّ هولاكو لمّا ملك بغداد أمر بخنقه ، وقيل رفس إلى أن مات ، وقيل كذا إلى آخره والله أعلم بحقيقة الحال. وكانت واقعة بغداد وقتل الخليفة من أعظم الوقائع(١) .

ولم يذكر شيئاً يتعلّق بالخواجة نصير الدين الطوسي أبداً.

الرجوع إلى الصفدي :

وإذا راجعتم كتاب الوافي بالوفيات للصفدي ، هذا الرجل مولود في سنة ٦٩٦ أي بعد أربعين سنة من الواقعة ، ومتوفى في سنة ٧٦٤.

يقول بترجمة الخليفة : كان حليماً كريماً ، سليم الباطن ، حسن الديانة ، متمسّكاً بالسنّة ، ولكنّه لم يكن كما كان عليه أبوه وجدّه ، وكان الدوادار والشرابي لهم الارض ، جاء هولاكو البلاد في نحو

__________________

(١) فوات الوفيات ٢ / ٢٣٠.

٢٤

مائتين ألف فارس ، وطلب الخليفة وحده فطلع ومع القضاة والمدرّسون والأعيان نحو سبعمائة نفس ، فلمّا وصلوا إلى الحريبة جاء الأمر بحضور الخليفة وحده ، ومعه سبعة عشر نفساً ، فساقوا مع الخليفة وأنزلوا من بقي من خيلهم وضربوا رقابهم ، ووقع السيف في بغداد ، وعمل القتل أربعين يوماً ، وأنزلوا الخليفة في خيمة وحده والسبعة عشر في خيمة أخرى ، ثمّ إنّ هولاكو أحضر الخليفة وجرت له معه ومع ابنه أبي بكر محاورات وأخرجا ورفسوهما إلى أنْ ماتا ، وعفّي أثرهما(١) .

الرجوع إلى ابن خلدون :

ننتقل إلى ابن خلدون ، ابن خلدون متولّد في سنة ٧٣٢ ، ووفاته سنة ٨٠٨ ، يذكر في تاريخه خبر المستعصم آخر ملوك بني العبّاس ببغداد ، فلم يصف الخليفة بما وصفه به غيره من الصفات الدنيئة الموجبة للعار والشنار ، والمسببة لما وقع به وبأهل بغداد ، بل وصفه بقوله : كان فقيهاً محدّثاً ثمّ ذكر ما كان من السنّة ضدّ الشيعة في الكرخ بأمر من الخليفة وابنه أبي بكر وركن الدين

__________________

(١) الوافي بالوفيات ١٧ / ٦٤١.

٢٥

الدوادار ، ثمّ ذكر زحف هولاكو إلى العراق ودخول بغداد وقتل الخليفة وغيره.

وليس في شيء ممّا ذكر ذكراً لنصير الدين الطوسي أبداً ، فلاحظوا تاريخه(١) .

الرجوع إلى السيوطي :

وذكر جلال الدين السيوطي في تاريخه تاريخ الخلفاء ، السيوطي وفاته سنة ٩١١ ، ذكر أخبار التتر ، وورودهم إلى بغداد ، وقتل الخليفة وغير ذلك ، في صفحات كثيرة ، وليس فيها ذكراً لنصير الدين الطوسي أبداً(٢) .

فأين ما ذكره ابن تيميّة حول نصير الدين الطوسيرحمه‌الله فيما يتعلّق بقضيّة بغداد.

الرجوع إلى أصحاب ابن تيمية :

حينئذ ننتقل إلى أصحاب ابن تيميّة والمقرّبين منه ، وهم ثلاثة : الذهبي ، وابن كثير ، وابن القيّم.

__________________

(١) تاريخ ابن خلدون ٦ / ١١٠٤.

(٢) تاريخ الخلفاء : ٤٦٧ ـ ٤٧٧.

٢٦

الذهبي ذكرنا عبارته ، ووجدناه لا يشير لا من قريب ولا من بعيد إلى ما ذكره ابن تيميّة ، وكذا بترجمة المستعصم إذا راجعتم سير أعلام النبلاء حيث ذكر الواقعة ناقلاً شرحها عن جمال الدين سليمان بن رطنين الحنبلي ، والظهير الكازروني ، وغيرهما ، وليس في ذلك ذكراً لنصير الدين الطوسي أبداً(١) .

أمّا ابن كثير ، ابن كثير ولادته سنة ٧٠٠ أي بعد الواقعة حدود الخمسين سنة ووفاته سنة ٧٧٤ ، ترجم لنصير الدين الطوسي ، ولم ينسبه إلى شيء أو لم ينسب شيئاً ممّا ذكر ابن تيميّة إلى الخواجة نصير الدين ، من الإخلال بالصلوات وشرب الخمر وارتكاب الفواحش ، لم يذكر شيئاً من هذه أبداً ، وإنّما ذكر ما نسب إليه من الاشارة على هولاكو بقتل الخليفة ، بعبارة ظاهرة جدّاً في التشكيك في ذلك ، وإليكم نصّ ما قاله ابن كثير في تاريخه في هذه القضية :

يقول : ومن الناس من يزعم أنّه ـ الخواجه نصير الدين ـ أشار على هولاكو خان بقتل الخليفة ، فالله أعلم.

لا يقول أكثر من هذا ، ومن الناس من يزعم ، والله أعلم.

ولا بدّ وأنّه يقصد من الناس ابن تيميّة.

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٢٣ / ١٨١.

٢٧

ثمّ يقول بعد أن يذكر ذلك عن بعض الناس : وعندي أنّ هذا لا يصدر من عاقل ولا فاضل ، وقد ذكره بعض البغاددة [ أي أهالي بغداد ] فأثنى عليه وقال : كان عاقلاً فاضلاً كريم الأخلاق ، ودفن في مشهد موسى بن جعفر ، في سرداب كان قد أُعدّ للخليفة الناصر لدين الله(١) .

وهذا من جملة المواضع التي لا يوافق فيها ابن كثير شيخه ابن تيميّة.

يبقى ابن قيّم الجوزيّة ، ابن قيّم الجوزيّة لم يتبع ابن تيميّة فقط ، بل زاد على ما قال شيخه أشياء أُخرى أيضاً ، لاحظوا عبارته بالنص عندما يذكر نصير الدين الطوسي يقول :

نصير الشرك والكفر والالحاد ، وزير الملاحدة النصير الطوسي ، وزير هولاكو ، شفى نفسه من أتباع الرسول وأهل دينه ، فعرضهم على السيف حتّى شفى إخوانه من الملاحدة واشتفى هو ، فقتل الخليفة المستعصم والقضاة والفقهاء والمحدّثين.

[ كلمة « المحدثين » مادام هي بالنصب ، لابدّ أنْ تقرأ الكلمة : قَتَلَ ، أي قتل نصير الدين المستعصمَ والقضاةَ والفقهاء والمحدّثين.

__________________

(١) البداية والنهاية ١٣ / ٢٦٧.

٢٨

اللّهمّ إلاّ أنْ نرجع الضمير إلى هولاكو ، لكن بأمر الخواجة نصير الدين ].

واستبقى الفلاسفة والمنجّمين والطبايعيين والسحرة ، ونقل أوقاف المدارس والمساجد والربط إليهم ، وجعلهم خاصته وأولياءه ، ونصَرَ في كتبه قدم العالم وبطلان المعاد وإنكار صفات الربّ جلّ جلاله من علمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره ، واتّخذ للملاحدة مدارس ، ورام جعل إشارات إمام الملحدين ابن سينا مكان القرآن ، فلم يقدر على ذلك فقال : هي قرآن الخواص وذلك قرآن العوام ، ورام تغيير الصلاة وجعلها صلاتين ، فلم يتم له الأمر ، وتعلّم السحر في آخر الأمر فكان ساحراً يعبد الأصنام ، انتهى.

ابن تيميّة قال : في آخر الأمر تاب نصير الدين الطوسي ، قرأنا عبارته في أنّه في آخر الأمر تاب نصير الدين الطوسي وكان يصلّي وتعلّم الفقه وقرأ تفسير البغوي في آخر عمره.

وهذا يقول : تعلّم السحر في آخر الأمر ، فكان ساحراً يعبد الأصنام !!

وإلى هنا تبيّن أنّ ما ينسب سابقاً ولاحقاً إلى الخواجة نصير الدين الطوسي ليس له سبب ، سوى أنّ هذا الرجل العظيم استفاد من تلك الظروف لِصالح هذا المذهب المظلوم ، وتمكّن من

٢٩

تأليف كتابه تجريد الإعتقاد ، وأصبح هذا الكتاب هو الكتاب الذي يدرّس في الأوساط العلميّة ، وطرحت أفكار الإماميّة في الأوساط العلميّة ، بعد أن لم تكن لأفكار هذه الطائفة أيّة فرصة ، ولم يكن لآراء هذه الطائفة أيّ مجال لأن يذكر شيء منها في المدارس العلميّة والأوساط العلميّة ، حينئذ أصبح الآخرون عيالاً على الخواجة نصير الدين الطوسي في علم الكلام والعقائد ، وبتبع كتاب التجريد أُلّفت كتبهم في العقائد ، وهذا ممّا يغتاظ منه القوم ، فهذا كان هو السبب العمدة لأن ينسب ما سمعتم إلى هذا الرجل العظيم.

وقد ثبت أنّ كلّ ما ينسب إليه باطل ، ولا أساس له من الصحّة ، إستناداً إلى كلمات المؤرّخين من أهل السنّة أنفسهم ، من ابن الفوطي الذي عاصر القضيّة وكان من الأسرى في الواقعة ، ثمّ ابن الطقطقي ، ثمّ ابن كثير ، ثمّ الذهبي ، والصفدي ، وابن شاكر الكتبي ، وغيرهم ، وهؤلاء كلّهم من أهل السنّة ، وهكذا أبوالفداء ، ولم ننقل شيئاً لتبرئة ساحة هذا الشيخ العظيم عن أحد من علماء الشيعة.

٣٠

الثناء على الشيخ نصير الدين الطوسي

والآن ، لا بأس أن أذكر لكم بعض النصوص في الثناء الجميل على هذا الشيخ العظيم من كتب القوم.

لاحظوا عبارة ابن كثير يقول : النصير الطوسي محمّد بن عبدالله [ لكن والده محمّد فهو محمّد بن محمّد ] كان يقال له المولى نصير الدين ، ويقال الخواجة نصير الدين ، اشتغل في شبيبته ، وحصّل علم الأوائل جيّداً ، وصنّف في ذلك في علم الكلام ، وشرح الإشارات لابن سينا ، ووزر لأصحاب قلاع الألموت من الإسماعيليّة ، ثمّ وزر لهولاكو ، وكان معهم في واقعة بغداد ، ومن الناس من يزعم أنّه أشار على هولاكو بقتل الخليفة ، فالله أعلم ، وعندي أنّ هذا لا يصدر من عاقل ولا فاضل إلى آخر ما قرأناه سابقاً.

قال : وهو الذي كان قد بنى الرصد في مراغة ، ورتّب فيه الحكماء من الفلاسفة والمتكلّمين والفقهاء والمحدّثين والأطبّاء ،

٣١

وغيرهم من الفضلاء ، وبنى له فيه قبّة عظيمة ، وجعل فيه كتباً كثيرةً جدّاً ، توفي في بغداد في الثاني عشر من ذي الحجة من هذه السنة ، وله خمس وسبعون سنة ، وله شعر جيّد قويّ ، وأصل اشتغاله على المعين سالم بن بدران بن علي المصري المعتزلي المتشيّع ، فنزع فيه حروب كثيرة منه حتّى أفسد اعتقاده.

هذا كلّه ذكره في ترجمة نصير الدين الطوسي ، وفيه الثناء الجميل على علمه ، إلاّ أنّه يعرّض به لأجل مذهبه(١) .

وقال الذهبي في وفيات سنة ٦٧٢ : كبير الفلاسفة خواجة نصير الدين محمّد بن محمّد بن حسن الطوسي صاحب الرصد.

وقال أيضاً : خواجه نصير الدين الطوسي أبو عبدالله محمّد بن محمّد بن الحسن ، مات في ذي الحجّة ببغداد ، وقد نيّف على الثمانين ، وكان رأساً في علم الأوائل ، ذا منزلة من هولاكو(٢) .

وقال أبو الفداء : وفيها ـ أي في السنة المذكورة ـ في يوم الأثنين ( ١٨ ) ذي الحجة ، توفي الشيخ العلاّمة نصير الدين الطوسي ، واسمه محمّد بن محمّد الإمام المشهور ، وكان يخدم صاحب الألموت ، ثمّ خدم هولاكو ، وحظي عنده ، وعمل لهولاكو

__________________

(١) البداية والنهاية ١٣ / ٢٧٦.

(٢) العبر في خبر من غبر ٣ / ٣٢٦ ، دول الإسلام.

٣٢

رصداً بمراغة وزيجاً وله مصنفات عديدة كلّها نفيسة ، منها أقليدس يتضمّن اختلاط الأوضاع ، وكتاب المجسطي ، والتذكرة في الهيئة لم يصنّف في فنّها مثلها ، وشرح الإشارات ، وأجاب عن غالب إيرادات فخرالدين الرازي ، وكانت ولادته في الحادي عشر جمادى الأولى سنة سبع وتسعين وخمسمائة ، وكانت وفاته ببغداد ، ودفن في مشهد موسى الجواد(١) .

[ يعني موسى والجواد « الواو » هذه لابدّ منها ].

وقال الصفدي : نصير الدين الطوسي محمّد بن محمّد بن الحسن نصير الدين الطوسي ، الفيلسوف ، صاحب علم الرياضي ، كان رأساً في علم الأوائل ، لا سيّما في الأرصاد والمجسطي ، فإنّه فاق الكبار ، قرأ على المعين سالم بن بدران المعتزلي الرافضي وغيره ، وكان ذا حرمة وافرة ومنزلة عالية عند هولاكو ، وكان يطيع على ما يشير عليه ، والأموال في تصريفه ، وابتنى بمراغة قبّة ورصداً عظيماً ، واتخذ في ذلك خزانة عظيمة ، فسيحة الأرجاء وملاها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة ، حتّى تجمّع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلّد [ فأين تلك الكتب ] وأقرّ

__________________

(١) المختصر في أخبار البشر ٤ / ٨.

٣٣

بالرصد المنجّمين والفلاسفة ، وجعل لهم الأوقاف ، وكان حسن الصورة ، سمحاً كريماً جواداً حليماً حسن العشرة غزير الفضل.

حكي أنّه لمّا أراد العمل بالرصد رأى هولاكو ما يقدم عليه ، فقال له : هذا العلم المتعلق بالنجوم ما فائدته ، أيدفع ما قدّر أن يكون ؟ فقال : أنا أضرب لك مثلاً ، يأمر القان من يطلع إلى هذا المكان ، ويرمي من أعلاه طشتاً نحاساً كبيراً من غير أن يعلم به أحد ، ففعل ذلك ، ولمّا وقع كان له وقعة عظيمة هائلة روّعت كلّ من هناك ، وكاد بعضهم يصعق ، فأمّا هو وهولاكو فإنّهما ما حصل لهما شيء لعلمهما بأنّ ذلك يقع ، فقال له : هذا العلم النجومي له هذه الفائدة ، يعلم المتحدّث فيه ما يحدث ، فلا يحصل له من الروعة ما يحصل للذاهل الغافل عنه ، فقال له : لا بأس بهذا ، وأمره بالشروع فيه ، إلى آخره.

ومن دهائه ما حكي : أنّه حصل لهولاكو غضب على علاء الدين الجويني صاحب الديوان ، فأمر بقتله ، فجاء أخوه إلى النصير وذكر له ، فقال النصير إلى آخره فسعى في خلاص هذا الشخص.

وممّا وقف له عليه أن ورقة حضرت إليه عن شخص من جملة ما فيها : يا كلب يابن الكلب ، فكان الجواب منه أمّا قوله : يا كلب ،

٣٤

فليس بصحيح ، لأنّ الكلب من ذوات الأربع وهو نابح طويل الأظفار ، وأمّا أنا فمنتصب القائمة بادي البشرة عريض الأظفار ناطق ضاحك ، فهذه الفصول والخواص غير تلك الفصول والخواص ، وأطال في نقض كل ما قاله ذلك القائل.

هكذا ردّ عليه بحسن طوية وتأن غير منزعج ، ولم يقل في الجواب كلمة قبيحة.

ثمّ ذكر تصانيفه ، ثمّ ذكر بعض القضايا الاُخرى(١) .

ولا أُريد أن أُطيل عليكم بقراءة كلّ ما في كتاب الوافي بالوفيات.

ولاحظوا هذه العبارة من كلامه ، أقرؤها عليكم ، يقول : وكان للمسلمين به نفع خصوصاً الشيعة والعلويين والحكماء وغيرهم ، وكان يبرّهم ويقضي أشغالهم ويحمي أوقاتهم ، وكان مع هذا كلّه فيه تواضع وحسن ملتقى ، وكان نصير قدم من مراغة إلى بغداد ، ومعه كثير من تلامذته وأصحابه ، فأقام بها مدّة أشهر ومات ، ومولد النصير بطوس سنة كذا ووفاته سنة كذا ، وشيّعه صاحب الديوان والكبار ، وكانت جنازته حفلة ، ودفن في مشهد الكاظم.

__________________

(١) الوافي بالوفيات ١ / ١٧٩.

٣٥

وهل في هذا النص على طوله من نقص ، من طعن ؟! والوافي بالوفيات كتاب معتبر ، ومؤلّفه من أهل السنّة المعروفين المشهورين المعتمدين.

وأقرأ لكم ما جاء في فوات الوفيات يقول : الخواجة نصير الدين الطوسي محمّد بن محمّد بن الحسن نصير الدين ، كان رأساً في علم الأوائل ، لا سيّما في الارصاد والمجسطي ، وكان يطيعه هولاكو فيما يشير عليه ، والأموال في تصريفه.

[ هذه تقريباً عبارات الوافي بالوفيات وإلى أنْ يقول ] : وكان حسن الصورة سمحاً كريماً جواداً حليماً حسن العشرة غزير الفضائل جليل القدر داهية.

إلى أنْ ذكر تصانيفه وهي كثيرة جدّاً ، وذكر كلمات بعض العلماء في حقّه قال : ودفن في مشهد الكاظمرحمه‌الله .

وكذا تجدون الثناء عليه في النجوم الزاهرة(١) .

وكذا غير هؤلاء من المؤلفين والمؤرخين.

فأين ما ذكره ابن تيميّة أو ما زاد عليه تلميذه ابن قيّم الجوزيّة ؟

والعمدة ما ذكرته لكم.

__________________

(١) النجوم الزاهرة في ملوك نصر والقاهرة ٧ / ٢٤٥.

٣٦

خاتمة البحث

والعجيب أنّكم لو قرأتم كتب علمائنا في التراجم وسير العلماء وفي التواريخ ، لن تجدوا لفظة واحدة من هذه الألفاظ التي تصدر من بعض هؤلاء في حقّ علماء الشيعة ، لن تجدوا لفظةً منها فى حقّ علماء السنة ، فإن ذكروا شيئاً عن بعض علماء أهل السنّة ، فإنّما يذكرونه بأدب ومتانة ، فكيف وأن ينسبوا إلى أحد منهم ما ليس فيه ، وما لا يجوز نسبته إليه ، لاحظوا الكتب ، قارنوا بين كتبنا وكتبهم ، قارنوا بين أساليب علمائنا وأساليب شيخ إسلامهم ، لتعرفوا الحقّ وتكونوا من أتباع الحق.

إذا عرفتم الحقّ تعرفون أهله ، وإذا عرفتم الحق تتّبعونه بلا تردّد.

إذن ، عرفنا في هذا البحث أموراً ، وكان لهذا البحث فوائد عديدة ، ولا حاجة إلى الإطالة بأكثر ممّا ذكرته لكم.

وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

٣٧

دليل الكتاب

الشيخ نصير الدين الطوسي وسقوط بغداد ١

مقدّمة المركز : ٥

تمهيد : ٧

افتراء ابن تيمية على. ٩

الشيخ نصير الدين الطوسي. ٩

نص ما قاله ابن تيميّة : ١١

الرجوع في قضية سقوط بغداد ١٥

إلى مَن شهد الواقعة ١٥

الرجوع إلى ابن الفوطي : ١٥

الرجوع إلى ابن الطقطقي : ١٧

الرجوع إلى أبي الفداء : ١٩

الرجوع إلى الذهبي : ٢٢

الرجوع إلى ابن شاكر الكتبي : ٢٢

الرجوع إلى الصفدي : ٢٤

الرجوع إلى ابن خلدون : ٢٥

الرجوع إلى السيوطي : ٢٦

الرجوع إلى أصحاب ابن تيمية : ٢٦

الثناء على الشيخ نصير الدين الطوسي. ٣١

خاتمة البحث.. ٣٧

٣٨