الحكايات

الحكايات0%

الحكايات مؤلف:
المحقق: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
الناشر: كنگره شيخ مفيد
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 136

الحكايات

مؤلف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبرى البغدادى (الشيخ المفيد)
المحقق: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
الناشر: كنگره شيخ مفيد
تصنيف:

الصفحات: 136
المشاهدات: 38549
تحميل: 5880

توضيحات:

الحكايات
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 136 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38549 / تحميل: 5880
الحجم الحجم الحجم
الحكايات

الحكايات

مؤلف:
الناشر: كنگره شيخ مفيد
العربية
١

٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين،

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا الرسول الامين،

وعلى الائمة الطاهرين من آله الطيبين.

٥

٦

تقديم:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى الائمة من آله حجج الله.

وبعد:

في عام (١٤٠٨) طبع هذا الكتاب بتحقيقي في العدد السادس عشر من نشرة " تراثنا " الفصلية، التي تصدرها مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث، في مدينة قم المقدسة.

وكنت قد اعتمدت في تحقيقه على ثلاث نسخ، وقدمت له مقدمة مسهبة احتوت على: دعوة لاحياء الذكرى الالفية لوفاة مؤلفه الشيخ المفيد رحمه الله (٤١٣ - ١٤١٣).

واحتوت على حديث عن أقسام التعاليم الاسلامية، ونشوء الفرق الكلامية، والخلط بين المذاهب، ونبذة عن حياة الشيخ المفيد قدس الله سره، وعن هذا الكتاب.

ولقد قيض الله من حقق الرغبة ولبى الدعوة لاحياء الذكرى الالفية، فرغب إلي في إعادة طبع هذا الكتاب، ضمن ما عزم على نشره من تراث الشيخ المفيد (رضوان الله عليه).

٧

ولقد تم تصميم القائمين على هذا الامر أن يعيد نشره ثانية، بصورة مستقلة.

فقمت بقراءة ثانية للكتاب، مع اعتماد نسختين أخريين منه في العمل، وتقديم كلمة قصيرة عن موضوع الكتاب، ونسبته، ونسخه، ومنهج العمل فيه.

آملا أن يحوز رضا المراجعين الفضلاء.

ولله الحمد في الاولى والاخرة، إنه ولي التوفيق، وهو نعم المولى، ونعم النصير.

وكتب            

السيد محمد رضا الحسيني  

في ٢٥ رجب المرجب ١٤١٢

٨

المقدمة

١ - على الأعتاب

يعتبر القرن الرابع الهجري - عند بعض الدارسين حول التاريخ الاسلامي - عهدا مميزا بأهمية خاصة من بين القرون التي سبقته ولحقته.

وربما بكون بين أسباب ذلك أنه القرن الذي سبقته ثلاثمائة عام، كانت كافية لان ترسو فيها الامة على شاطئ الاستقرار والامان، في السياسة والقانون والعقيدة، بعد أن مرت بالتجارب العديدة واللازمة والمتفاوتة في أشكال الحكم وأنظمته، وفي المدارس الفقهية ومناهجها، وفي الاراء والعقائد ونظرياتها، كما كان المفروض أن يتم الازدهار على كافة الاصعدة، بعد أن جرب كل أصحاب القدرات والمهارات المهنية والصناعية والعملية حظوظهم، وحتى بعد أن امتلا اصحاب الشهوات والاهواء من امنياتهم ورغباتهم التي حصلوا عليها، بعد أن عانت الامة وعاشت كل الالام والامال، ووقفت على كل التجارب، وحان لها أن تقترع على الشكل النهائي والافضل، والذي يتمثل فيه " الحق الاسلامي " الذي تنتمي إليه الامة بكاملها، على اختلاف أهوائها ومذاهبها، والعنوان الكبير الذي لا يزال له الهيبة والرسم، والى وده وحبه تتسابق كل الفئات، وكل يدعي وصلا به، هذا من ناحية.

ومن ناحية اخرى: نجد في هذا القرن خاصة، الزمان الذي تكاملت فيه مصادر المعرفة الاسلامية، وجمعت وضبطت، بحيث لم

٩

يشذ عن حيطة الدارسين ما يعذرون بجهله.

وملاحظة اخرئ تعتبر هامة: أن الثقافات غير الاسلامية، أصبحت تظهر نشاطا خاصا بعد أن تمادى بالامة البعد عن التعاليم الاسلامية، فتردت في مهاوي الفراغ العقائدي، والفساد الخلقي، والضعف العسكري، فوجدت تلك الثقافات منافذ للتسلل إلى المجتمع الاسلامي، مستغلين ذلك، إلى جانب السماح الاسلامي المتبني لمبدأ " لا إكراه في الدين ".

ولقد حاولت المذاهب والفرق المختلفة من اتخاذ المواقع المحددة، للحفاظ على نفسها وعلى المنتمين إليها، فرسمت لانفسها الحدود العقيدية، حسب مناهجها الفكرية، كما حصل للمذهب السني على يد منظره العقيدي ابي الحسن علي بن اسماعيل الاشعري (ت ٣٣٠) الذي حدد معالم " العقيدة الاشعرية " في مؤلفاته، فظلت ملتزما بها، عند أهل السنة حتى اليوم !

وبالنسبة إلى مذهب الشيعة، فإن هذا القرن كذلك كان مميزا ومهما:

في بداياته واجهت الطائفة مسألة غيبة الامام عليه السلام بشكل جديد، وهو أمر - وإن سبقت له أمثلة - إلا أنها في هذه المزة كانت أدق، وأوسع مدى.

وفي هذا الظرف بالخصوص كانت النصوص الشرعية المباشرة قد تكاملت، ولم يتوقع بعد ذلك صدور نص جديد، بفرض الغيبة الكبرى للامام عليه السلام الذي يعتبر مصدرا ممتدا للتشريع.

١٠

وعندها أقدم واحد من كبار علماء الشيعة في ذلك العصر، بتجميع كافة ما توفر من النصوص المعتمدة، للمعرفة الاسلامية، وهو الامام أبو جعفر الكليني محمد بن يعقوب الرازي (ت ٣٢٩) الذي ألف كتاب (الكافي) فاعتبر مجددا للاسلام في مطلع القرن الرابع الهجري، وكذلك عمد الاعلام من معاصريه بتأليف النصوص وتجميعها، لتكون نواة لاستنباط الاحكام، والتفريع على أساسها.

ومن هذا ارتأينا في بعض بحوثنا أن يسمى هذا العصر بعصر " تحديد النصوص ".

ومن ناحية سياسية: فإن هذا القرن شهد انفراجا امام الطائفة الشيعية ليظهروا قابلياتهم على الساحة، فتمكن العديد من أبنائها بجهودهم من الفوز بمواقع هامة، والاحتواء على حقائب وزارية - باصطلاح عصرنا - أو تولي إمارات البلدان الكبرى في الدولة العباسية، كما تغلبت بعض الطوائف الشيعية على مقاطعات من الامبراطورية الاسلامية بالنضال والحرب، كما كان بالنسبة إلى الزيدية في اليمن، والفاطميين في المغرب.

وكان لهذا، ولوجود الامراء الشيعة ضمن الدولة المتمثلة في نظام الخلافة العباسية في بغداد - كالحمدانيين في الموصل وحلب الشهباء والبويهيين في الري وفارس وأصبهان - أثره الفعال في انعطاف السياسة الحكومية السنية - ظاهرا - تجاه الطائفة الشيعية والمذهب الشيعي، واتخاذ مواقف أكثر مرونة، أو ديمقراطية - إن صح التعبير -.

وتمكن الشيعة في ظل هذه الظروف من التنفس والتواجد في الساحة بحرية، بالرغم من المشاغبات الطائفية التي كان يثيرها الجهلة

١١

من العوام، أو بتدخل بعض المتعصبين من علماء السوء أو المغفلين، وحتى بفعل الحكام المنتهزين للفرص.

فكان على علماء المذهب أن يعلنوا عن مواقفهم الصريحة والمحددة تجاه المسائل المعروضة على الساحة، ويدافعوا بكل ما اوتوا من قوة، كي يتموا الحجة على من لا يعرف، ويدحروا اتهامات المغرضين، فكان أن انبرى أعلام الطائفة ببياناتهم وتأليفاتهم، بعرض تفاصيل العقائد الحقة، وبصورتها المتكاملة والمتطورة، في هذا القرن.

والذي تزعم هذه الحركة الخطيرة ومع اتم الصلاحية وكل العزم وأشد القوة، هو الشيخ الامام أبو عبد الله المفيد محمد بن محمد بن النعمان، البغدادي، العكبري (ت ٤١٣)

لقد تمكن هذا الشيخ العظيم من تحديد ما يجب اعتقاده للشيعة الامامية، مميزا لعقائدهم الحقة من بين مقالات الفرق الشيعية الاخرى.

أما الفرق غير الشيعية، فإن له معها مواقف حاسمة في مجالسه، ومناظراته، وبحوثه، وكتبه، حول المواضيع المطروحة على الساحة يومئذ، وهي معروفة من خلال قائمة مؤلفاته وعناوين مناظراته.

والحق أن الشيخ المفيد، قد استفاد من الاوضاع التي عاصرها، والتى كانت ملائمة إلى حد ما، في المجالات السياسية والاجتماعية والعلمية، فائدة كبيرة وفخمة، وبجودة ودقة فائقة حتى اعتبر - بحق - مرسي قواعد المذهب، ومشيد صرح الدين ورافع أعلام الحق، ومناصر المؤمنين، فله على كل الطائفة " منة " مدى القرون.

١٢

إنه تمكن - بقدرته الفائقة في العلم والبيان، وموقعه الرفيع بين أعلام الامة - من تشييد اصول المذهب، والاستدلال على عقائده الحقة بأقوى ما لدى المسلمين من أدلة معتمده على مصادر المعرفة من قرآن، وحديث، وإجماع، ومناهج عقلية، ومسالك عرفية مسلمة، وعلى أسس علمية رصينة، بعد ان كانت قد غمرتها ترسبات سياسات الخلافة الظالمة، وتعصبات الطائفية الجاهلية، وتعديات الاعداء الحاقدين، فصمت الاذان عن سماعها، وعمهت قلوب وعقول عن تعقلها والانتعاش بحقها.

فكان الشيخ المفيد البطل الذي اقتحم أهوال الميدان، فأعلن عن حق أئمة أهل البيت عليهم السلام في الدين ومعارفه، وفي الدنيا وولايتها، وفي الاخرة وشفاعتها.

ولقد قام الشيخ بهذا كله، إلى جانب ما كان يتمتع به من مرجعية عامة في الاحكام، وموسوعية تامة في العلوم، وبتدبير وحنكة، وإلى جانب ما كان يبذله من جهود جبارة في تربية جيل من الاعلام، فكان العملاقان: السيد المرتضى، والشيخ الطوسي من تلامذة مدرسته العظيمة.

فلكل ذلك استحق بجدارة وسام " التجديد " في مطلع القرن الخامس، وأكرم به(١) .

____________________

(١) للتوسع، لاحظ الحضارة الاسلامية في القرن الرابع، لادم متز، وأوائل المقالات، المقدمة بقلم الزنجاني، والكشكول للشيخ البحراني (١ / ٢٨٣) ومقدمة شرح عقائد الصدوق، للسيد الشهرستاني.

١٣

٢ - أقسام التعاليم الاسلامية

تنقسم تعاليم الاسلام إلى قسمين رئيسيين:

الاول: الاحكام الشمرعية المرتبطة بتحديد أفعال المكلفين من عبادات ومعاملات، والحكم عليها بأحد الاحكام الخمسة.

الثاني: العقائد، والالتزامات الفكرية للانسان المسلم.

وقد اختلفت الفرق والمذاهب الاسلامية في تحديد مصادر هذه التعاليم.

أما القسم الاول:

فقد قال قوم بأن مصدره هو خصوص الطرق المقررة من قبل، الشارع نفسه، ولا يمكن أن يتدخل العقل - بأي شكل - في تحديد التكليف الشرعي، وهؤلاء هم " المحدثون ".

وقال قوم بأن مصدره هو الطرق المقررة: إن وجدت، وإلا فإن الدليل العقلي يكشف عن وجود التزام شرعي على طبقه، وهم " المجتهدون ".

ومحل تفصيل هذين القولين، بما لهما من الخصوصيات، والمضاعفات، واللوازم، هو علم اصول الفقه.

١٤

وأما القسم الثاني:

فقد تكفل ببيان مسائله علم (الكلام) لكن المسلمين اختلفوا اختلافا كبيرا في تحديد مصدر أساسي لهذا العلم، بعد اتفاقهم على أن مسائله جز من أهم تعاليم الاسلام.

وبذلك يمكن القول بأن من المجمع عليه بين الامة وجود بذور علم الكلام مع بزوغ الاسلام ومنذ بداية ظهوره، فإن من مهمات المسائل الكلامية، هي مسألتا " التوحيد " و " النبوة " وهما من المعتقدات التي أكد عليها الاسلام منذ البداية.

فيتضح خطأ من أخر عهد نشوء علم الكلام إلى عهد متأخر(٢) .

وإذا قارنا بين العلوم الاسلامية، وجدنا أن علم الكلام، أكثرها أهمية من حيث ما يحتويه من بحوث عميقة ضرورية، كما هو أسبق رتبة من غيره، وأشرف موضوعا، لانه يبحث عن أساس ما على المسلم من التزامات فكرية وعقائد، من المبدأ، والمعاد، وما بينهما، وعلى ذلك تبتني كل تصرفاته وشؤون حياته الدنيوية والاخروية(٣) .

وبالرغم من اتحاد المسلمين على عهد الرسالة في الالتزام بما يتعلق بالقسمين من تعاليم الاسلام معا، فإن عنصرا جديدا طرأ بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فأدى إلى حدوث خلاف بينهم، وهو " الخلافة " وسبب البحث حولها انقسام الامة إلى فرقتين:

____________________

(٢) الرسائل العشر - للشيخ الطوسي -: المقدمة ص ١١٦، وقارن: تاريخ المذاهب الاسلامية - لابي زهرة -: ١٥٤.

(٣) لاحظ: تلخيص المحصل - للمحقق الطوسي -: ١.

١٥

١ - الفرقة الاولى: تقول بوجوب الامامة على الله تعالى، كما هو الاعتقاد في النبوة، وأن الامام يتعين بتعيين الله تعالى، وهم " الشيعة ".

وعلى رأيهم يكون بحث الامامة، من صميم المباحث الكلامية.

٢ - الفرقة الثانية: تقول بأن الامامة واجب تكليفي على الامة، فيجب على المسلمين كافة تعيين واحد منهم لان يلي أمر الامة، وهؤلاء هم " العامة ".

وعلى رأيهم يكون بحث الامامة، من مباحث الاحكام الشرعية، وهذا النزاع مع أنه لم يمس - ظاهرا - العقائد المشتركة التي كانت على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وكان الانسان بها مسلما إلا أنه أدى إلى تصديع الحق الذي كانوا عليه في ذلك العهد، وسبب بعد إحدى الفرقتين عن الاخرى، فوجود مدرستين منفصلتين، لكل منهما طريقتها الخاصة في التدليل والتحليل، إلى حد دخل بحث الامامة في صلب مباحث علم الكلام، بعد حين(٤) .

ولئن كانت العقائد الاسلامية في بداية عصر الاسلام محدودة كما، وواضحة سهلة كيفا، لتحددها بالتوحيد والتنزيه، وإثبات الرسالة بالمعاجز المشهودة عينأ، والوعد والوعيد، فإنها كانت تعتمد على القرآن المجيد كنص ثابت، وعلى السنة النبوية كنص حي، فقد كانت بعيدة عن البحوث المعقدة المطروحة على طاولة علم الكلام فيما بعده من الفترات، كما أن تلك البحوث لم تمس تلك الاصول الواضحة،

____________________

(٤) لاحظ: المقالات والفرق - للاشعري القمي -: ص ٢ وبعدها، وخاندان نوبختي: ٥ - ٧٦، وقارن: تاريخ المذاهب الاسلامية - لابي زهرة -: ٢٠ و ٢٥ و ٨٨.

١٦

ولم تؤثر عليها بشئ(٥) .

وطرحت في العقود الاولى لتأريخ الاسلام، بحوث كلامية مستجدة، كانت مسرحا للنزاعات الفكرية بين المسلمين، أدت بالتالي إلى تأسيس مدارس كلامية متعددة، ومن أهم تلك البحوث:

١ - الجبر والاختيار، وما يرتبط بمبحث العدل.

٢ - القضاء والقدر.

٣ - صفات الله تعالى، وما يرتبط بمبحث التوحيد.

٤ - الايمان، والفسق، وارتكاب المعاصي، وما يرتبط بمبحث المعاد.

وغير ذلك مما لم يطرح من ذي قبل، أو كان مطروحا بشكل بدائي جدا، من دون تفصيل.

ومع ذلك، فإن هذه البحوث - أيضا - لم تثر اختلافا يؤدي إلى حدوث فرق مذهبية منفصلة، إلا بعد فترة، وإن لم تتجاوز القرن الاول الهجري(٦) على الاكثر.

____________________

(٥) لاحظ: تأريخ المذاهب الاسلامية: ١٠ و ١١٤.

(٦) لاحظ: تأريخ المذاهب الاسلامية: ١٠٩ و ١٤٨.

١٧

٣ - نشوء الفرق الكلامية

واختلف المسلمون في تحديد المصادر الاساسية للتعاليم الاسلاسية في مجال العقائد، فكانوا فرقا ثلاثا:

١ - فرقة تقول بأن المصدر الوحيد هو النص الشرعي، من الكتاب والسنة، وأن المسائل الاعتقادية توقيفتة، فلا يتجاوزون ما ورد في النصوص موضوعا، وتعبيرا، ولا يتصدون لشرح ما ورد فيها أيضا، ولا لتوضيحه أو تأويله، ويلتزمون بعد القلب على تلك الالفاظ بما لها من المعاني التي لم يفهموها ولم يدركوها(٧) .

٢ - وفرقة تقول بأن المصدر هو النص، لكن ما ورد فيه من ألفاظ وتعابير لا بد من حملها على ظواهرها المنقولة، لا المعقولة، والالتزام بها على أساس التسليم بما ورد النص بتفسيره، وقد التزم بهذا من ليس له حظ من العلوم العقلية، وهم " أصحاب الحديث "(٨) .

٣ - وفرقة تقول بأن طريق المعرفة بالعقائد الحقة والمسائل الكلامية هو العقل، إذ به يعرف الحق، ويميز عن الباطل، ولا منافاة بين الشرع والعقل في ذلك، فالنص إنما يرشد إلا الحق الذي يدل

____________________

(٧) لاحظ: تأريخ المذاهب الاسلامية: ١٢ - ٢١٣.

(٨) تلبيس إبليس - لابن الجوزي -: ١١٦.

١٨

عليه العقل، ولو ورد ما ظاهره مناف لما قرره العقل، فلابد من تأويل ذلك الظاهر إلى ما يوافق العقل ويدركه(٩) .

فالفرقة الاولى: تسمى من العامة ب‍ " السلفية " وهم " المقلدة " من الشيعة.

والفرقة الثانية: تسمى من العامة ب‍ " الاشاعرة " وهم " الاخبارية " من الشيعة.

والفرقة الثالثة: تسمى من العامة ب‍ " المعتزلة " وهم " الفقهاء " المجتهدون من الشيعة.

ويلاحظ في كل فرقة، شبه كبير بين شيعتها، وبين العامة منها.

فالسلفية من العامة، يشبهون في المحاولات الفكرية والالتزامات العقائدية المقلدة من الشيعة.

والاشاعرة من العامة - وهم أهل الحديث عندهم - يقربون في الطريقة والاسلوب من الاخبارية الذين هم أهل الحديث من الشيعة.

والمعتزلة من العامة، تشبه طريقتهم في التفكير والاستدلال طريقة الفقهاء المجتهدين من الشيعة.

وقد يتصور البعض أن الفرق بين شيعة كل فرقة وبين العامة منها، هو مجرد الاختلاف في الامامة، وتعيين أشخاص الائمة، ذلك الخلاف الاول الذي أشرنا إليه.

____________________

(٩) تاريخ المذاهب الاسلامية: ١٤٨ و ١٤٩.

١٩

لكن الواقع أن الخلاف بين الشيعة والعامة من كل فرقة واسع، مضافا على ذلك الخلاف في الامامة والامام.

فالفرقة الاولى:

يعتمد العامة منهم - وهم " السلفية "(١٠) - على ما جاء في الكتاب والسنة من العقائد، وإذا تعذر عليهم فهم شئ من النصوص توقفوا فيه، كما أنهم يلتزمون بالنصوص حرفيا، فيكررون ألفاظها، ويفوضون أمر واقعها إلى الشرع.

وكانوا يقفون من " علم الكلام " المصطلح، موقفا سلبيا، فكان مالك بن أنس يقول: " الكلام في الدين أكرهه، ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل... أما الكلام في الدين وفي الله تعالى فالكف أحب إلى "(١١) .

وكان يقول زعيمهم أحمد بن حنبل: " لست صاحب كلام، وإنما مذهبي الحديث "(١٢) .

لكن الشيعة من هذه الفرقة، وهم " المقلدة "(١٣) كانوا يأخذون العقائد من الكتاب وسنة النبي صلى الله عليه واله وسلم، مع

____________________

(١٠) لاحظ: تاريخ المذاهب الاسلامية: ٢١٢ - ٢١٣.

(١١) الاعتصام - للشاطبي -: ٢ / ٢ - ٣٣٤، وانظر: مناهج الاجتهاد في الاسلام: ٦٢٤

(١٢) المنية والامل - المطبوع باسم " طبقات المعتزلة " لابن المرتضى -: ١٢٥، وانظر: مناهج الاجتهاد في الاسلام: ٧ - ٥٠٨، ٦٧٩

(١٣) لاحظ عن " المتلدة ": الفصول المختارة: ٨ - ٧٩، وتصحيح الاعتقاد - للمفيد -: ٢١٩، ٢٢٠ طبعة النجف، وعدة الاصول - للطوسي - ١ / ٧ - ٣٤٨.

٢٠