الحكايات

الحكايات42%

الحكايات مؤلف:
المحقق: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
الناشر: كنگره شيخ مفيد
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 136

الحكايات
  • البداية
  • السابق
  • 136 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40828 / تحميل: 6598
الحجم الحجم الحجم
الحكايات

الحكايات

مؤلف:
الناشر: كنگره شيخ مفيد
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام من الاستدلالات، وفيها الكثير مما لم ينله السلفية من العامة لبعدهم عن الائمة عليهم السلام.

لكن المقلدة والسلفية يشتركون في أنهم لا يحاولون الاستدلال على شئ خارج عن النص، ولا يجتهدون في المزيد من البحث و الفكر فيما يرتبط بالعقائد.

والفرقة الثانية:

فأهل الحديث من العامة، هم " الاشاعرة " يلتزمون بالعقائد التي تدل عليها النصوص، ويفسرونها حسب ما تدل عليها العبارات من الظواهر المفهومة لهم، وبما يدركونه من المحسوسات، حتى ما ورد فيها من أسماء الاعضاء المضافة إلى اسم الله، كاليد، والرجل، والعين، والوجه، ولم يلجؤوا إلى تأويل ذلك عن ظاهره(١٤) ولذلك يسمون ب‍ " المشبهة ".

ويختلف الاشاعرة عن السلفية في تجويز هؤلاء البحث في الكلام، وقد كان أبو الحسن الاشعري - وهو زعيم الاشاعرة ومؤسس مذهبهم - من أوائل الرادين على دعوة ابن حنبل رئيس السلفية في النهي عن الكلام، إذ تصدى له في كتاب بعنوان " رسالة في استحسان الخوض في علم الكلام " قال فيه: " إن طائفة من الناس جعلوا الجهل رأس مالهم، وثقل عليهم النظر والبحث عن الدين، ومالوا إلى التخفيف والتقليد، وطعنوا على من فتش عن اصول الدين، ونسبوه إلى الضلال

____________________

(١٤) تأريخ الفرق الاسلامية - للغرابي -: ٢٩٧، و تاريخ المذاهب الاسلامية - لابي زهرة -: ١٨٦.

٢١

وزعموا أن الكلام... بدعة وضلالة " ثم تصدى لردهم بقوة(١٥)

أما أهل الحديث من الشيعة، و هم " الاخبارية " فيعتقدون بلزوم متابعة ما ورد في النصوص والاعتماد عليها، لكنهم يعتمدون على ما ورد في حديث أئمة أهل البيت عليهم السلام من تأويل و تفسير لتلك النصوص، كما يتبعون ما ورد عنهم من الاستدلالات العقلية، ولذلك فإنهم يؤولون النصوص التي ظاهرها إثبات اليد والوجه والعين لله تعالى، و ينفون التشبيه، تبعا لاهل البيت عليهم السلام(١٦) .

قال الشيخ الكركي (ت ١٠٧٦) - وهو من الاخبارية المتأخرين - عند البحث عن التقليد في اصول الدين: " والحق أنه لا مخلص من الحيرة إلا التمسك بكلام أئمة الهدى عليهم السلام، إما من باب التسليم، لمن قلبه مطمئن بالايمان، أو بجعل كلامهم أصلا تبنى عليه الافكار الموصلة إلى الحق، ومن تأمل نهج البلاغة، والصحيفة الكاملة، واصول الكافي، وتوحيد الصدوق، بعين البصيرة، ظهر له من أسرار التوحيد والمعارف الالهية ما لا يحتاج معه إلى دليل، وأشرق قلبه من نور الهداية ما يستغني به عن تكلف القال والقيل "(١٧) .

ويشترك الاشاعرة من العامة والاخبارية من الشيعة، في رفض المحاولات العقلية، والاحتجاجات الخارجة عن النص.

____________________

(١٥) وردت الرسالة كاملة في: مذاهب الاسلاميين - للبدوي - ١ / ١٥ - ٢٦.

(١٦) انظر: مقدمة " التوحيد " للصدوق: ص ١٧، طبعة طهران.

(١٧) هداية الابرار إلى طريق الائمة الاطهار: ١ - ٣٠٢.

٢٢

والفرقة الثالثة:

فالمعتمدون على العقل من العامة، وهم " المعتزلة " يفترقون عن " الفقهاء " من الشيعة، في جهات عديدة كما سيأتي، وإن اشتركوا في اعتمادهم على العقل كمصدر للعقائد.

٢٣

٤ - الخلط بين المذاهب

والتشابه الكبير بين الشيعة من كل فرقة والعامة منها، أصبح منشأ لاتهام كل منهما بالاخذ من الآخر، أو للخلط بين كل من المذهبين، أو نسبة اراء كل منهما إلى الاخر، باعتبار أن منهجهما الكلامي واحد، ويلتزمان في الفكر بمصدر واحد(١٨) .

وعلى أساس من هذا الخلط، قد يسوي البعض بين أهل الحديث من العامة، وبين أهل الحديمث من الشيعة، باعتبار اعتمادهم على الحديث مصدرا للمعتقدات الكلامية، غفلة عن الفوارق المهمة الاخرى التي ذكرناها.

فإن أهل الحديث من العامة، يرفضون التأويل في النصوص، بينما أهل الحديث من الشيعة يلتزمون بالتأويل بالمقدار الموجود في أحاديث أهل البيت عليهم السلام.

والتزامهم بالتأويل - ولو بهذا المقدار منه - سبب اتهامهم بأنهم من المعتزلة، لان هؤلاء أيضا يلتزمون بتأويل الظواهر، غفلة عن أن المعتزلة يختلفون عن أهل الحديث من الشيعة في جهات عديدة - بعد الامامة - أهمها اختلاف المنهج الفكري، حيث يعتمد أهل الحديث من

____________________

(١٨) انظر: مقدمة " أوائل المقالات " - بقلم الزنجاني - ١٢ طبعة النجف.

٢٤

الشيعة على النصوص، بينما المعتزلة يلتزمون بالعقل مصدرا للفكر والعقيدة، كما ذكرنا.

وقد تكال هذه التهم عن علم بالواقع، وعمد للامر، لغرض تشويه سمعة الفرقة المتهمة، أو إثارة الفتن والاحن بين المذاهب المختلفة.

ومن ذلك الخلط بين المعتزلة وهم العامة من الفرقة الثالثة، وبين الفقهاء وهم الشيعة.

فمن لم يحدد المناهج الفكرية، ولم يقف على اصول الانقسامات المذهبية، قد يتهم جمعا من المعتزلة بالتشيع، لما يجد من وحدة المنهج والفكر الكلامي بينهما، واعتمادهما على العقل كمصدر للعقيدة(١٩) .

وقد يتهم التشيع بالاعتزال، على ذلك الاساس نفسه.

والمعترضون المغرضون، لا يفرقون بين التهمتين، تهمة الاعتزال بالتشيع، أو تهمة التشيع بالاعتزال، فأيتهما حصلت تحقق غرضهم، من ضرب الفريقين، لانهم يجدونهما - معا - معارضين لمنهجهم الكلامي، وملتزماتهم الفكرية.

وهذا ما وقع - مع الاسف - في تأريخ الفكر الاسلامي، حيث عمد بعض الاشاعرة، إلى إلقاء تلك التهم، بغرض التشويش على سمعة المعتزلة تارة، وعلى سمعة الشيعة اخرى.

____________________

(١٩) انظر: الملل والنحل - للشهرستاني - ١ / ٨٥، ومنهاج السنة - لابن تيمية الحنبلي - ا / ٣١ طبعة بولاق.

٢٥

مع أن الاشاعرة هم الذين يشتركون مع المعتزلة في أصل المذهب، وهو الالتزام بمنهج الخلافة على طريقة العامة، وبذلك يبتعدون عن التشيع في أصل المعتقد.

وكذلك يتهم بعض الشميعة من الاخباريين، الفقهاء من الشيعة بالاعتزال، باعتبار اتخاذهم كلهم العقل مصدرا للفكر.

ناسين أن التشيع يفترق عن الاعتزال في أصل الامامة - قبل كل لقاء - كما يفترق عنه في كثير من المسائل الفكرية المهمة.

وأن مجرد التقاء التشيع مع الاعتزال في بعض المواضع والنقاط، كالتوحيد، والعدل، ليس معناه اتحادهما في كل شئ، فضلا عن أن يكون التشيع مأخوذا من الاعتزال، أو أن يكون الاعتزال مأخوذا من التشيع !

والغريب أن أشخاصا كبارا من متكلمي الشيعة نسبوا إلى الاعتزال مثل الحسن بن موسى النوبختي (ت ٣٠٠)(٢٠) !

مع أنه قد ألف كتابا باسم " النقض على المنزلة بين المنزلتين "(٢١) .

والمنزلة بين المنزلتين من أهم عنامر الفكر المعتزلي، وهو رابع الاصول الخمسة التي يبتني عليها الاعتزال(٢٢) .

قال الشيخ المفيد: " المعتزلة لقب حدث لها عند القول بالمنزلة

____________________

(٢٠) لاحظ: طبقات المعتزلة - المنية والامل - لابن المرتضى.

(٢١) رجال النجاشي: ٥٠، خاندان نوبختي: ١٣١.

(٢٢) أنظر: مذاهب الاسلاميين - للبدوي - ١ / ٦٤ - ٦٩، والشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة: ١٢٦ وبعد ها.

٢٦

بين المنزلتين(٢٣) فمن وافق المعتزلة فيما تذهب إليه من المنزلة بين المنزلتين كان معتزليا على الحقيقة، وإن ضم إلى ذلك وفاقا لغيرهم من أهل الاراء(٢٤) .

وقد تصدى جمع من متكلمي الشيعة لرد هذا الاتهام ودفع تهمة أخذ مذهب الشيعة من المعتزلة، وبينوا الفرق بين المذهبين، وفي مقدمتهم الامام الشيخ المفيد (ت ٤١٣) فقد أورد في كتبه المختلفة أبوابا ذكر فيها الفرق بين الشيعة والمعتزلة، ومن ذلك ما ورد في كتابه " أوائل المقالات " بعنوان:

باب القول في الفرق بين الشيعة والمعتزلة فيما استحقت به اسم الاعتزال(٢٥) .

وباب في ما اتفقت الامامية فيه على خلاف المعتزلة مما أجمعوا عليه من القول في الامامة(٢٦) .

وقد رد الشيخ المفيد في كتب خاصة على آراء المعتزلة وكبار أهل الاعتزال مثل كتاب " نفض فضيلة المعتزلة "(٢٧) .

ونقوضه على معتزلة البصرة:

كأبي بكر الاصئم (ت ٢٣٦) وأبي علي الجبائي (ت ٣٠٣) وأبي

____________________

(٢٣) أوائل المقالات: ٤٠ طبعة النجف.

(٢٤) أوائل المقالات: ٤٢.

(٢٥) أوائل المقالات: ٣٨.

(٢٦) أوائل المقالات: ٤٨.

(٢٧) انظر عن هذا الكتاب، وما يلي من النقوض على المعتزلة، الفصل الخاص بمؤلفات الشيخ المفيد من كتاب " أنديشه هاي كلامي شيخ مفيد ": ٣٤ - ٦٦.

٢٧

هاشم ابن الجبائي (ت ٣٢١) وأبي عبد الله البصري (ت ٣٦٧).

وردوده على معتزلة بغداد:

كجعفر بن حرب أبي الفضل الهمداني (ت ٢٣٦) وأبي القاسم البلخي الكعبي (ت ٣١٩) وعلي بن محمد بن إبراهيم الخالدي أبي الطيب (ت بعد ٣٥١).

وكتابنا هذا " الحكايات " - الذي نقدم له - خاص لعرض عدد كبير من مخالفات المعتزلة، والرد عليها، وبيان آراء الشيعة فيها.

كما رد عليهم في أثناء كتبه الاخرى، فانظر " الافصاح " في " عدة رسائل "، ص ٦٨ و ٧٠ و ٧٣ و ٧٧.

والرسالة الساروية، عدة رسائل، ص ٢٣٠، المسألة (١١).

والمسائل الصاغانية، عدة رسائل، ص ٢٣٩.

وقد كتب من أئمة الزيدية عبد الله بن حمزة المنصور بالله (ت ٦١٤) كتاب " الكاشفة للاشكال في الفرق بين التشيع والاعتزال " كما أورد ذلك السيد مجد الدين المؤيدي، في مقدمة كتاب الشافي، ص ٩.

و " حكاية الاقوال العاصمة عن الاعتزال في بيان الفرق بين الشيعة والمعتزلة " في أربعة فصول، لابي عبد الله حميدان بن يحيى القاسمي الحسني الزيدي، يوجد في دار الكتب المصرية، ضمن المجموعة ٣٤، قسم النحل، [ الذريعة ٧ / ٥٢ ].

وهناك محاولات حديثة قيمة للرد على هذه التهمة، قام بها مؤلفون معاصرون.

٢٨

مثل ما جاد به العلامة المحقق المرحوم السيد هاشم معروف الحسني العاملي الصوري في كتاب " الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة " المطبوع(٢٨) .

وجعل مارتين مكدرموت من جامعة شيكاغو الامريكية هدفه من كتابه " الاراء الكامية للشيخ المفيد " التحقيق في أوجه الشبه والاختلاف بين آراء الشيخ المفيد، وبين آراء المعتزلة(٢٩) .

____________________

(٢٨) انظر: خاصة ص ٢٧٩ - ٢٥١ وهي خلاصة الكتاب.

(٢٩) أنديشه هاي كلامي شيخ مفيد: ٥.

٢٩

٥ - موضوع الكتاب:

يتركز البحث في الكتاب في الرد على المعتزلة وتسفيه آرائهم الشاذة عن جماعة المسلمين، والتي ينفردون بها عن جميع الامة، ويتصدى للذين يتهمون الشيعة بالاخذ من المعتزلة، مع وجود البون الشاسع بين التشيع والاعتزال في أصول المنهج الكلامي الذي يتبعه كل من المذهبين.

ومع أن المتعمدين لالقاء هذه التهم - وهم الاشاعرة - هم الذين يشتركون مع المعتزلة في أصول المذهب الواحد، كالالتزام بمنهج الخلافة على طريقة العامة، دون الامامة بالنص.

ولو كان مجرد الالتقاء بين المذهبين في شئ من الاراء والافكار والنظريات دليلا على أخذ أحدهما من الاخر، أو اتحادهما في الفكر والنظر، لكان الاشاعرة هم الاخذون من المعتزلة، لاتفاقهم في مسألة الخلافة، وأنها من واجبات الامة، بينما هذا من أهم ما افترقت به العامة عن المسلمين الشيعة.

وقد ركز الشيخ المفيد في هذه (الحكايات) على أن المعتزلة بعيدون عن الشعيعة في كثير من أصول معتقداتهم وفروع ملتزماتهم، وأن نسبة التشيع إلى الاعتزال منشؤها الخطأ، وعدم المعرفة، أو قلة الدين، والغرض الحاقد.

٣٠

وعرض كثيرا مما أجمعت عليه المعتزلة، مما لا تقره الشيعة.

ثم ذكر الجواب عن بعض التهم التي اشترك العامة - معتزلة وأشاعرة - في توجيهها إلى التشيع والشيعة. وأثبت بالنصوص عراقة القدم الشيعية في الالتزام بالبحث العلمي المعتمد على الفكر والنظر، في ظل التوجيهات الاسلامية المستلهمة من تعاليم النبي والائمة عليهم السلام، والتي جاءت بها النصوص الحديثية المعتمدة، بعد القرآن الكريم الآمر بالتدبر والتفكر، والنظر والبصر.

٣١

٦ - نسبة الكتاب إلى المفيد:

اتفقت القرائن الخارجية والداخلية على نسبة هذا الكتاب إلى الشيخ المفيد رحمه الله:

فمن الاولى:

- عدم نسبته، أو شئ مما فيه إلى شخص آخر ولو السيد المرتضى الذي ورد اسمه في صدر الكتاب، وهو الذي رواه، فلم ينسب - ولو احتمالا - إلا إلى الشيخ.

- وضعه مع كتب الشيخ وآثاره في أكثر نسخه المتوفرة، فتارة مع أوائل المقالات، وأخرى مع الفصول المختارة بعنوان (فصل من حكايات الشيخ المفيد) وأما النسخ المستقلة فهي معنونة باسمه كلها.

ومن الثانية:

- وجود اسم الشيخ أو كنيته في بداية الكتاب ونهايته بعنوان صاحب الحكايات، وأنها مسموعة منه ومروية بطريقه، وفي أثناء الكتاب يكرر السيد المرتضى - الراوي لها - قوله: سمعت الشيخ، و: قلت له، وقال أبو عبد الله، مما لا ريب في إرادة المفيد منه.

- ثم إن جميع ما في الكتاب من آراء ونظريات علمية هومن آراء

٣٢

الشيخ المعروفة، ولم تنقل عن غيره.

- وقد جاء في المتن ذكر كتابين للمؤلف هما " الاركان في دعائم الدين " و " الكامل في علوم الدين " وهما مذكوران في فهرست كتب المفيد دون غيره.

- ابتداء الاحاديث الواردة في الكتاب بمشايخ المفيد المعروفين، والروايات المذكورة منها ما لم ينقل إلا بواسطة الشيخ المفيد.

- وأخيرا: فإن نفس هذا الكتاب وأسلوبه، ليس إلا نفس المفيد وأسلوبه، وهو معروف لدى المتداولين لتراثه، والمأنوسين بأعماله.

ولكن يبدو وجود ما يعارض هذا الفرض:.

مثل: ابتداء الكتاب بذكر السيد الشريف المرتضى وقوله: سمعت الشيخ، وهو في مواضع عديدة يقول: قلت للشيخ، أو: قال الشيخ، ويطرح الاسئلة، وينقل الاعتراضات، ويستدعي الاجابة عليها من الشيخ.

وكل هذا يقتضي أن يكون العمل للسيد، وإن كانت الاجابة للشيخ ومن أقواله، وأفكاره ورواياته.

ومثل: وجود هذه الحكايات، وبعنوان (فصل من حكايات الشيخ المفيد) وبرواية السيد المرتضى، ملحقا بكتاب " الفصول المختارة اللسيد.

وهذا يقتضي أن يكون فصل الحكايات، واحدأ من الفصول الكثيرة التي اختارها السيد الشريف وجمعها في ذلك الكتاب. - ومثل: أن عنوان (الحكايات) لم يرد في قائمة مؤلفات

٣٣

الشيخ المفيد، لا عند القدماء، ولا عند المتأخرين، سوى ما ذكره الشيخ الطهراني في الذريعة (٧ / ٥١ رقم ٢٦٩) والظاهر أنه اعتمد على ما وجده في بعض النسخ المتأخرة.

أقول: ولدفع هذه المعارضات، لا بد من التأمل في أمور:

فأولا: إن المادة العلمية التي تشكل قوام الكتاب، إنما هي من عبارة الشيخ المفيد وإنشائه.

فلا يمكن أن ينسب الكتاب إلى غيره، بينما جميع محتواه من كلامه وفكره.

وثانيا: إن الكتاب وإن ألحق بالفصول المختارة، في بعض نسخه، إلا أنه ملحق كذلك بكتاب أوائل المقالات، الذي يشبهه في موضوعه في نسخ أخرى، وهو موجود - مستقلا - في بعض النسخ أيضا.

وثالثا: إن الشيخ ابن إدريس الحلي، إنما نقل من هذا الكتاب، روايات، في ما استطرفه في آخر السرائر، وعنون لمصدرها ب‍ (العيون والمحاسن، للمفيد) وهذا يدل على كون (الحكايات) من (العيون والمحاسن) المعلوم النسبة إلى المفيد.

وربما يكون المرتضى هو الذي جمع فوائد الشيخ المفيد بعنوان (الفصول المختارة) وألحق بها (الحكايات) كفصل منها، وإن كتاب (العيون والمحاسن) ليس إلا هذه (الفصول...) التي جمعها السيد.

وبهذا يفسر وجود آثار السيد المرتضى بوضوح ووفرة في هذه

٣٤

الفصول وهذه الحكايات، فهو الذي رواها ونقلها عن الشيخ، وهو الذي عرض عليه الاسئلة المختلفة، ودفع الشيخ إلى الاجابة عنها، وهو الذي طلب منه أن يثيت الروايات، وأخيرا فهو الذي جمع بين شتات هذه الاجوبة والمقالات والحكايات والروايات.

ومن مجموع ما أوردنا ظهر لنا أن الانسب في حل أمر نسبة الكتاب هو:

١ - أن الكتاب ليس للمرتضى، قطعا، بل هو راويه.

٢ - أن الكتاب لم يكتبه الشيخ المفيد بيده وقلمه، وإنما هو منقول عنه شفهيا، ومروي عنه سماعا.

٣ - إذن: فالكتاب هو من إملاء الشيخ المفيد، وبيانه، أجاب فيه عن أسئلة عرضها عليه تلميذه السيد المرتضى.

ومن شأن الامالي والاجوبة، أن ينسب الكتاب الحاوي لها إلى الشيوخ المملين، أو العلماء المجيبين، لا إلى غيرهم من المستملين أو الكاتبين للامالي، أو السائلين، أو الجامعين للاجوبة، إلا باعتبارات أخر غير معتمدة علميا في فن الفهرسة المنهجية.

٣٥

٧ - نسخ الكتاب:

إن هذا الكتاب عني به النساخ، فمنهم من ألحقه بكتاب " الفصول المختارة " باعتباره فصلا منه، وعلى منهجه في التأليف، والبحث، ولعل المرتضى نفسه هو الذي وضعه هناك.

ومنهم من ألحقه بكتاب " أوائل المقالات " لاتحادهما موضوعا، ومحتوى، فكلاهما يتصديان للمعتزلة، ويحتويان على بيان الفرق بين التشيع والاعتزال فكريا وعقائديا.

ومنهم من جعله مستقلا، باعتبار اشتماله على حكايات تشكل في نفسها وحدة متكاملة، فأفردها بالاستنساخ.

وهذا الهدف الاخير هو الذي بعثنا على إفراد الكتاب بالعناية والتحقيق والتوثيق، لكونه فريدا في بابه، وجديرا بكل رعاية وعناية.

وقد توفرت لدي نسخ كثيرة منه، إلا أتي اعتمدت بعضها، للاكتفاء بها في الوصول إلى الهدف، وتيسر الوقوف عليها في مثل الظروف الراهنة، وهي:

١ - النسخة المطبوعة (مط):

طبعت ملحقة بكتاب " الفصول المختارة من العيون

٣٦

والمحاسن " المطبوع. في النجف الاشرف، بالمطبعة الحيدرية، سنة ١٣٧٠ ه‍، وقد أعادته بالافست مكتبة الداوري في قم سنة ١٣٩٦ ه‍.

ويقع كتاب " الحكايات " في الصفحات (٢٧٩ - ٢٨٩) منه، بعنوان " فصل من الحكايات ".

وهي من أجود النسخ، ورمزنا إليها برمز " مط ".

٢ - مخطوطة مجلس الشورى الاسلامي (مج):

نسخة منضمة إلى " الفصول المختارة " وتليها رسالة الشيخ المفيد حول حديث " نحن معاشر الانبياء لا نورث ".

وهي محفوظة في مكتبة مجلس الشورى الاسلامي - في طهران، بر قم (٥٣٩٢) وفي هامش آخر صفحة منها: " بلغت المقابلة بعون الله).

وجاء في آخر الرسالة المذكورة:

اتفق فراغه عصر يوم الخميس الحادي والعشرين من شهر جمادى... سنة السادسة والعشرين بعد الالف على يد أقل عباد الله وأحوجهم إلى رحمة ربه عيسى بن إبراهبم بن عبد الله لحسا منشأ ومولدا...

وقد رمزنا إليها ب‍ " مج ".

٣٧

٣ - مخطوطة السيد النجومي (ن):

ملحقة بكتاب " أوائل المقالات " للشيخ المفيد.

وهو ضمن مجموعة في مكتبة السيد الحجة النجومي، في مدينة كرمانشاه (باختران) من محافظات الجمهورية الاسلامية.

وقد سماه مفهرسها باسم " الفرق بين الشيعة والمعتزلة، والفصل بين العدلية منهما "(١) كما ذكر بهذا الاسم كتاب في قائمة مؤلفات المفيد(٢) .

ولكنه ليس إلا كتاب أوائل المقالات.

وقد رمزنا إليها ب‍ (ن).

٤ - مخطوطة مكتبة الامام الرضا عليه السلام (ضا):

ملحقة بكتاب (أوائل المقالات) أيضا، ضمن مجموع برقم (٧٤٥٤).

وفي آخرها:

" تمت الحكايات عن الشيخ أبي عبد الله المفيد قدس الله روحه، كتبه العبد الفقير عبد العزيز نجل المرحوم سعيد النجار، في سنة الالف والمائتين وثمانين

____________________

(١) دليل المخطوطات، للسيد أحمد الحسيني (ج ١ ص ٢٦١).

(٢) أمالي المفيد: المقدمة (ص ٢٢).

٣٨

من هجرة سيد الاولين والاخرين، وصلى الله عليه وعلى أولاده الطاهرين.

ولقد فرغت من تنسيخ هذه النسخة الشريفة في خمس ليال بقين من شعبان سنة ألف وثلاثمائة واثنين وخمسين من الهجرة في مشهد مولاي أمير المؤمنين عليه السلام، وأنا العبد محمد حسين بن زين العابدين الا رومية ي عفا الله عن جرائمهما.

وقد رمزنا إليها ب‍ " ضا ".

٥ - مخطوطة السيد الروضاتي (تي):

في مكتبة العلامة الحجة السيد محمد علي الروضاتي الاصفهاني دام علاه مجموعة قيمة، بخظ جده السيد محمد الاصفهاني الجهار سوقي، جاء في آخرها:

" تمت الحكايات عن الشيخ أبي عبد الله المفيد قدس الله سره، نقلا عن خظ أحمد بن عبد العالي الميسي العاملي، وكتب العبد محمد الموسوي حامدا مصليا مسلما مستغفرا.

وقد رمزنا إليها ب‍ " تي ".

والنسختان " مط " و " مج " متفقتان في الاكثر، كما أن النسخ البواقي: " ن " و " ضا " و " تي " متفقات كذلك، في إيراد النص.

٣٩

٨ - العمل في الكتاب:

تحدد عملنا في الكتاب بما يلي:

١ - التحقيق:

اعتمادا على النسخ المذكورة، قمنا باستخلاص النص الموثوق به، على أساس التلفيق بينها.

ولم نهمل ما جاء في النسخ، إذا خالف ما اخترناه للمتن، لدقة البحث، واحتمال احتوائها على معنى يختل النص بإهماله، أو ربما يستفاد منها أمر، أو تصلح للقرينتة على آخر.

وقد أضفت على النص ما وجدته ضروريا واضعا له بين المعقوفين للتمييز.

٢ - التقطيع:

عمدنا إلى النص، فقسمناه إلى عشر فقرات، تضم كل فقرة معلومات مترابطة، وحكاية لمطالب متكاملة.

والهدف من ذلك تحديد ما عرض في الكتاب، كما أن فيه تسهيلا لضبط المعلومات ويسر المراجعة والفهرسة.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

والضابط ما ذكرناه من اعتبار الاسم كالمقيس عليه ، وعلف الاُمّهات لا يسري إلى الأولاد.

ويبعد ما قيل في غنم مكّة ، لأنّها لو كانت متولّدة من جنسين لم يكن لها نسل كالسِّمع المتولّد من الذئب والضبع(١) ، وكالبغال.

وقال الشافعي : لا تجب سواء كانت الاُمّهات من الظباء أو الغنم ، لأنّه متولّد من وحشي أشبه المتولّد من وحشيّين.

ولأنّ الوجوب إنّما يثبت بنصّ أو إجماع أو قياس ، والكلّ منفي هنا ، لاختصاص النصّ والإِجماع بالإِيجاب في بهيمة الأنعام من الأزواج الثمانية وليست هذه داخلة في اسمها ولا حكمها ولا حقيقتها ولا معناها ، فإنّ المتولّد بين شيئين ينفرد باسمه وجنسه وحكمه عنهما كالبغل فلا يتناوله النصّ ، ولا يمكن القياس ، لتباعد ما بينهما واختلاف حكمهما ، فإنه لا يجزئ في هدي ولا اُضحية ولا دية(٢) ، ولا نزاع معنا إذا لم يبق الاسم.

وقال أبو حنيفة ومالك : إن كانت الاُمّهات أهليةً وجبت الزكاة وإلّا فلا ، لأنّ ولد البهيمة يتبع اُمّه في الاسم والملك فيتبعها في الزكاة ، كما لو كانت الفحول معلوفةً(٣) . ونمنع التبعيّة في الاسم.

____________________

(١) اُنظر : الصحاح ٣ : ١٢٣٢.

(٢) المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٠ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥.

٨١

الفصل الثالث

في زكاة الغنم‌

الزكاة واجبة في الغنم بإجماع علماء الإِسلام.

قالعليه‌السلام : ( كلّ صاحب غنم لا يؤدّي زكاتها بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر تمشي عليه فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلّما انقضى آخرها عاد أولها حتى يقضي الله بين الخلق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )(١) .

إذا ثبت هذا فإنّ شرائط الزكاة هنا كما هي في الإِبل والبقر بالإِجماع ، نعم تختلف في مقادير النصب ، والضأن والمعز جنس واحد بإجماع العلماء ، والظباء مخالف للغنم إجماعاً.

مسألة ٥٢ : أول نصاب الغنم : أربعون ، فلا زكاة فيما دونها‌ ، فإذا بلغت أربعين ففيها شاة.

الثاني : مائة وإحدى وعشرون فلا شي‌ء في الزائد على الأربعين حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين ففيه شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، فلا زكاة في الزائد حتى تبلغ مائتين وواحدة ففيه ثلاث شياه ، والكلّ بالإِجماع.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٦٨٢ / ٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٤ / ١٦٥٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٨١.

٨٢

وحكي عن معاذ أنّ الفرض لا يتغيّر بعد المائة وإحدى وعشرين حتى تبلغ مائتين واثنتين وأربعين ليكون مثلَي مائة وإحدى وعشرين فيكون فيها ثلاث شياه(١) .

والإِجماع على خلافه ، على أنّ الراوي لها الشعبي وهو لم يلق معاذاً(٢) .

الرابع : ثلاثمائة وواحدة وفيه روايتان : إحداهما : أنّه كالثالث ثلاث شياه ، فلا يتغيّر الفرض بعد مائتين وواحدة حتى تبلغ أربعمائة فتجب في كلّ مائة شاة ، وبه قال المفيد والسيد المرتضى(٣) ، وهو قول أكثر الفقهاء ، والشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين(٤) .

لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابه للسُّعاة : ( إنّ في الغنم السائمة إذا بلغت أربعين شاةٌ إلى مائة وعشرين ، فإذا زادت ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين ، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا زادت ففي كلّ مائةٍ شاة )(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٦٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٢) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن من أعيان الصحابة ، شهد بدراً وما بعدها ، مات بالشام سنة ١٨.

والشعبي هو : عامر بن شراحيل أبو عمرو ، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين.

اُنظر : اُسد الغابة ٤ : ٣٧٨ ، الاستيعاب بهامش الإِصابة ٣ : ٣٥٥ - ٣٦٠ ، وتهذيب التهذيب ٥ : ٥٩ / ١١٠ و ١٠ : ١٧٠ / ٣٤٩.

(٣) المقنعة : ٣٩ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ١٢٣.

(٤) المجموع ٥ : ٤١٧ - ٤١٨ ، فتح العزيز ٥ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٥٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٢ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٨ ، اللباب ١ : ١٤٢ ، المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥.

٨٣

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الأربعين شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة »(١) .

الثانية(٢) : أنّها إذا زادت على ثلاثمائة وواحدة ففيها أربع شياه ، ثم لا يتغيّر الفرض حتى تبلغ خمسمائة ، وهو اختيار الشيخ -(٣) رحمه‌الله - وأحمد في الرواية الاُخرى ، وبه قال النخعي والحسن بن صالح بن حي(٤) .

لقول الباقرعليه‌السلام في الشاة : « في كلّ أربعين شاةً شاةٌ ، وليس فيما دون الأربعين شاةً شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زاد على عشرين ومائة ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة ، فإن تمّت أربعمائة كان على كلّ مائة شاة شاة »(٥) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل ثلاثمائة حدّاً للوقص وغايةً له(٦) ؛

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢.

(٢) أي : الرواية الثانية.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٩ ، الخلاف ٢ : ٢١ ، المسألة ١٧.

(٤) المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥ - ٥١٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، وفيها عن الإِمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

(٦) اُنظر : سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٦.

٨٤

فتجب أن يتعقّبه النصاب كالمائتين.

إذا ثبت هذا ، فلا خلاف في أنّ في أربعمائة أربع شياه ، وفي خمسمائة خمس ، وهكذا بالغاً ما بلغت.

* * *

٨٥

الفصل الرابع

في الأشناق‌

الشّنق بفتح النون : ما بين الفرضين(١) ، والوقص قال الفقهاء : بسكون القاف(٢) .

وقال بعض أهل اللغة : بفتحه(٣) ، لأنّه يجمع على ( أوقاص ) و ( أفعال ) جمع ( فَعَلْ ) لا جمع ( فَعْلْ ) فإنّ ( فَعْلاً ) يجمع على ( أفْعُل ).

وقد جاء - كما قال الفقهاء - هول وأهوال ، وحوْل وأحوال ، وكبْر وأكبار ، وبالجملة فهو ما بين النصابين(٤) أيضاً.

قال الأصمعي : الشنق يختص بأوقاص الإِبل ، والوقص بالبقر والغنم(٥) .

وبعض الفقهاء يخصّ الوقص بالبقر أيضاً ، ويجعل ناقص الغنم والنقدين والغلّات عفواً ، وكلّ ذلك لفظي.

وقيل : الوقص ما بين الفرضين كما بين الثلاثين إلى الأربعين في البقر ،

____________________

(١) الصحاح ٤ : ١٥٠٣.

(٢) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

(٣ و ٤ ) الصحاح ٣ : ١٠٦١.

(٥) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

٨٦

والشنق ما دون الفريضة كالأربع من الإِبل(١) .

مسألة ٥٣ : ما نقص عن النصاب الأول لا شي‌ء فيه‌ إجماعاً ، وكذا ما بين النصابين عند علمائنا ، وإنّما تتعلّق الزكاة بالنصاب خاصّة - وبه قال الشافعي في كتبه القديمة والجديدة ، وأبو حنيفة ، والمزني(٢) - لأنّه عدد ناقص عن نصاب إذا بلغه وجبت فيه الزكاة ، فلا تتعلّق به كالأربع.

ولقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى يبلغ أربعين - إلى أن قالاعليهما‌السلام - وليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء »(٣) .

وقال الشافعي في الإِملاء : تتعلّق الزكاة بالنصاب وبما زاد عليه من الوقص ، وبه قال محمد بن الحسن.

لقولهعليه‌السلام : ( فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض )(٤) .

ولأنّه حقّ يتعلّق بنصاب فوجب أن يتعلّق به وبما زاد عليه إذا وجد معه ولم ينفرد بحكم كالقطع في السرقة(٥) .

والنصّ أقوى من المفهوم والقياس.

فعلى قولنا ، لو ملك خمسين من الغنم وتلفت العشرة الزائدة قبل‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٥٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٣٩١ و ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧ - ٣٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٩٩ ، اللباب ١ : ١٤١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ - ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٤ / ١٧٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩ و ٢٨ ، مسند أحمد ١ : ١١ و ٢ : ١٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) فتح العزيز ٥ : ٥٤٨ و ٥٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨.

٨٧

التمكّن من الأداء بعد الحول لم يسقط هنا شي‌ء ، لأنّ التالف لم تتعلّق الزكاة به ، ولو تلف عشرون سقط ربع الشاة ، لأنّ الاعتبار بتلف جزء من النصاب ، وإنّما تلف من النصاب ربعه.

فروع :

أ - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده وبعد إمكان الأداء يجب جميع الفرض ، لأنّه تلف بعد تفريطه في التأخير فضمن ، وإن تلف بعد الحول وقبل إمكان الأداء سقط عندنا من الزكاة بقدر التالف.

وللشافعي قولان بناءً على أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب أو الضمان ، فعلى الأول لا شي‌ء ، لنقصه قبل الوجوب(١) .

ب - لو كان معه تسع من الإِبل فتلف أربع قبل الحول أو بعده وبعد الإِمكان وجبت الشاة(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

وإن كان بعد الحول وقبل الإِمكان فكذلك عندنا.

وعند الشافعي كذلك على تقدير أن يكون الإِمكان شرطاً في الوجوب ، لأنّ التالف قبل الوجوب إذا لم ينقص به النصاب لا حكم له ، وعلى تقدير أن يكون من شرائط الضمان فكذلك إن لم تتعلّق بمجموع النصاب والوقص ، وإن تعلّقت بهما سقط قدر الحصّة أربعة أتساع الشاة(٤) .

وقال بعضهم - على هذا التقدير - : لا يسقط شي‌ء ، لأنّ الزيادة لمـّا لم تكن شرطاً في وجوب الشاة لم يسقط شي‌ء بتلفها وإن تعلّقت بها ، كما لو شهد ثمانية بالزنا ورجع أربعة بعد قتله لم يجب عليهم شي‌ء ، ولو رجع خمسة وجب‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ ، الوجيز ١ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) في نسخة « ط » : الزكاة.

(٣ و ٤ ) المجموع ٥ : ٣٧٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

٨٨

عليهم الضمان ، لنقص ما بقي من العدد المشترط(١) .

ج - لو ذهب خمس من التسع قبل الحول فلا زكاة ، وإن كان بعده وقبل إمكان الأداء سقط خمس الشاة ، وبه قال الشافعي على تقدير أنّ الإِمكان من شرائط الضمان وتعلّق الزكاة بالنصاب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الوجوب فكقبل الحول لنقص النصاب قبل الوجوب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الضمان وتعلّق الزكاة بالمجموع تسقط خمسة أتساع الشاة(٢) .

د - لو كان معه خمس وعشرون وأوجبنا بنت المخاض فيه فتلف منها خمسة قبل إمكان الأداء وجب أربعة أخماس بنت مخاض - وبه قال الشافعي على تقدير كونه شرطاً في الضمان(٣) ، وأبو يوسف ومحمد(٤) - لأنّ الواجب بحؤول الحول بنت مخاض ، فإذا تلف البعض لم يتغيّر الفرض ، بل كان التالف منه ومن المساكين.

وقال أبو حنيفة : تجب أربع شياه(٥) . فجعل التالف كأنّه لم يكن.

قال الشيخ : لو كان معه ستّ وعشرون فهلك خمس قبل الإِمكان فقد هلك خُمس المال إلّا خُمس الخُمس فيكون عليه أربعة أخماس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها ، وعلى المساكين خُمس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها(٦) .

ه- حكم غير الإِبل حكمها في جميع ذلك ، فلو تلف من نصاب الغنم‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٥ و ٣٩٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٢) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨ - ٣٩.

(٤ و ٥ ) حلية العلماء ٣ : ٣٩.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٤‌

٨٩

شي‌ء سقط من الفريضة بنسبته.

وهل الشاتان في مجموع النصاب الثاني أو في كلّ واحد شاة؟

احتمالان(١) ، فعلى الأول لو تلف شي‌ء بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب في النصب بقدر التالف ، وعلى الثاني يوزّع على ما بقي من النصاب الذي وجب فيه التالف.

مسألة ٥٤ : لا تأثير للخلطة عندنا في الزكاة‌ سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف ، بل يزكّى كلٌّ منهما زكاة الانفراد ، فإن كان نصيب كلّ منهما نصاباً وجب عليه زكاة بانفراده.

وإن كان المال مشتركاً كما لو كانا مشتركين في ثمانين من الغنم بإرث أو شراء أو هبة فإنّه يجب على كلّ واحد منهما شاة بانفراده.

ولو كانا مشتركين في أربعين فلا زكاة هنا ، وبه قال أبو حنيفة والثوري(٢) ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فلا شي‌ء فيها )(٣) .

وقال : ( ليس على المرء في ما دون خمس ذود من الإِبل صدقة )(٤) ولم يفصّل.

وقالعليه‌السلام : « في أربعين شاةً شاةٌ »(٥) .

____________________

(١) ورد في النُسخ الخطية : احتمال. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية هو الصحيح.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٤ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٣.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥ ، و ١٠٠ بتفاوت يسير.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ / ٩٨٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٤ و ١٠٧ و ١٢٠.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ و ٥٧٨ / ١٨٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١٦.

٩٠

فإذا ملكا ثمانين وجب شاتان.

ولأنّ ملك كلّ واحد منهما ناقص عن النصاب فلا تجب عليه الزكاة ، كما لو كان منفرداً.

وقال الشافعي : الخلطة في السائمة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في الزكاة سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف بأن يكون ملك كلّ منهما متميّزاً عن الآخر ، وإنّما اجتمعت ماشيتهما في المرعى والمسرح - على ما يأتي(١) - سواء تساويا في الشركة أو اختلفا بأن يكون لرجل شاة ولآخر تسعة وثلاثون ، أو يكون لأربعين رجلاً أربعون شاةً لكلّ منهم شاة ، وبه قال عطاء والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع )(٣) أراد إذا كان لجماعة لا يجمع بين متفرّق فإنّه إذا كان للواحد يجمع للزكاة وإن تفرّقت أماكنه ، وقوله : ( ولا يفرّق بين مجتمع ) يقتضي إذا كان لجماعة لا يفرّق ، ونحن نحمله على أنّه لا يجمع بين متفرّق في الملك ليؤخذ منه الزكاة زكاة رجل واحد فلا يفرّق بين مجتمع في الملك فإنّ الزكاة تجب على الواحد وإن تفرّقت أمواله.

وقال مالك : تصحّ الخلطة إذا كان مال كلّ واحد منهما نصاباً(٤) .

____________________

(١) يأتي في المسألة اللاحقة (٥٥).

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٢ - ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٩ - ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦٠ - ٦١ ، الاُم ٢ : ١٤ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ / ١٨٠١ و ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٣ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠٥.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

٩١

وحكى بعض الشافعيّة عن الشافعي وجها آخر : أنّ العبرة إنّما هي بخلطة الأعيان دون خلطة الأوصاف(١) .

مسألة ٥٥ : قد بيّنا أنّه لا اعتبار بالخلطة بنوعيها‌ - خلافاً للشافعي ومن تقدّم(٢) - فلا شرط عندنا وعند أبي حنيفة ، لعدم الحكم.

أمّا الشافعي فقد شرط فيها أموراً :

الأول : أن يكون مجموع المالين نصاباً.

الثاني : أن يكون الخليطان معاً من أهل فرض الزكاة ، فلو كان أحدهما ذمّيّاً أو مكاتباً لم تؤثّر الخلطة ، وزكّى المسلم والحرّ كما في حالة الانفراد ، وهذان شرطان عامّان ، وفي اشتراط دوام الخلطة السنة؟ ما يأتي.

وتختصّ خلطة الجوار باُمور :

الأول : اتّحاد المسرح ، والمراد به المرعى.

الثاني : اتّحاد المراح ، وهو مأواها ليلاً.

الثالث : اتّحاد المشرع وهو أن يرد غنمهما ماءً واحداً من نهر أو عين أو بئر أو حوض.

وإنّما شرط(٣) اجتماع المالين في هذه الاُمور ليكون سبيلها سبيل مال المالك [ الواحد ](٤) وليس المقصود أن لا يكون لها إلّا مسرح أو مرعى أو مراح واحد بالذات ، بل يجوز تعدّدها لكن ينبغي أن لا تختص ماشية هذا بمسرح ومراح ، وماشية الآخر بمسرح ومراح.

الرابع : اشتراك المالين في الراعي أو الرعاة - على أظهر الوجهين عنده - كالمراح.

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٩٠ - ٣٩١ ، المجموع ٥ : ٤٣٣.

(٢) تقدّم ذكرهم في المسألة السابقة (٥٤).

(٣) في نسختي « ن وف » : شرطوا.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

٩٢

الخامس : اشتراكهما في الفحل ، فلو تميّزت ماشية أحدهما بفحولة ، وماشية الآخر باُخرى فلا خلطة - على أظهر الوجهين - عنده.

السادس : اشتراكهما في موضع الحلب ، فلو حلب هذا ماشيته في أهله ، والآخر في أهله فلا خلطة(١) .

وهل يشترط الاشتراك في الحالب والمحلب؟ أظهر الوجهين عنده عدمه ، كما لا يشترط الاشتراك في الجازّ وآلات الجزّ(٢) .

وإن شرط الاشتراك في المحلب فهل يشترط خلط اللبن؟ وجهان ، أصحهما عنده : المنع ، لأدائه إلى الربا عند القسمة إذ قد يكثر لبن أحدهما(٣) .

وقيل : لا ربا كالمسافرين يستحب خلط أزوادهم وإن اختلف أكلهم(٤) .

وربما يفرّق بأنّ كلّ واحد يدعو غيره إلى طعامه فكان إباحةً ، بخلافه هنا.

وهل يشترط نيّة الخلطة؟ وجهان عندهم : الاشتراط ، لأنّه معنى يتغيّر به حكم الزكاة تخفيفاً كالشاة في الثمانين ، ولو لا الخلطة لوجب شاتان ، وتغليظاً كالشاة في الأربعين ، ولولاها لم يجب شي‌ء فافتقر إلى النيّة ، ولا ينبغي أن يغلظ عليه من غير رضاه ، ولا أن ينقص حقّ الفقراء إذا لم يقصده.

والمنع ، لأنّ تأثير الخلطة لخفّة المؤونة باتّحاد المرافق وذلك لا يختلف‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٢ - ٣٩٤ ، الاُم ٢ : ١٣ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٨ - ٥٣٠.

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٧ - ٣٩٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٨ - ٣٩٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ - ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩.

٩٣

بالقصد وعدمه(١) .

وهل يشترط وجود الاختلاط في أول السنة واتّفاق أوائل الأحوال؟

قولان(٢) .

وفي تأثير الخلطة في الثمار والزرع ثلاثة أقوال له : القديم : عدم التأثير ، وبه قال مالك وأحمد في رواية.

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والرعي )(٣) وإنّما تتحقّق في المواشي.

والجديد : عدمه(٤) ، وتأثير خلطة الشيوع دون الجوار(٥) ، فعلى الجديد تؤثّر ، لحصول الاتّفاق باتّحاد العامل والناطور(٦) والنهر الذي تسقى منه.

وقال بعض أصحاب مالك : لا يشترط من هذه الشروط شي‌ء سوى الخلطة في المرعى ، وأضاف بعض أصحابه إليه الاشتراك في الراعي أيضاً(٧) ، والكلّ عندنا باطل.

فروع على القول بشركة الخلطاء :

أ - إذا اختلطا خلطة جوار ولم يمكن أخذ مال كلّ منهما من ماله كأربعين لكُلٍّ عشرون ، أخذ الساعي شاةً من أيّهما كان ، فإن لم يجد الواجب إلّا في‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩ - ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٠٢ - ٤٠٣.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٠٤ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٦ وفيهما : ( الراعي ) بدل ( الرعي ).

(٤) أي عدم عدم التأثير الملازم للثبوت.

(٥) المجموع ٥ : ٤٥٠ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٧١ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٣ ، بلغة السالك ١ : ٢١٠ - ٢١١ ، المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٤.

(٦) الناطور : حافظ الزرع والثمر والكرم. لسان العرب ٥ : ٢١٥ « نطر ».

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٧ و ١٣٨ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٣١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢.

٩٤

مال أحدهما أخذ منه.

وإن أمكن أخذ ما يخصّ كلّ [ واحد ](١) منهما لو انفرد فوجهان : أن يأخذ من كلّ منهما حصّة ماله ليغنيهما عن التراجع ، وأن يأخذ من عرض المال ما يتّفق ، لأنّهما مع الخلطة كمال واحد ، والمأخوذ زكاة جميع المال(٢) .

فعلى هذا لو أخذ من كلّ منهما حصّة ماله بقي التراجع بينهما ، فإذا أخذ من هذا شاةً ، ومن هذا اُخرى رجع كلٌّ منهما على صاحبه بنصف قيمة ما اُخذ منه.

ولو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لأحدهما ، وثلاثون للآخر ، فالتبيع والمسنّة واجبان على الشيوع ، على صاحب الأربعين أربعة أسباعهما ، وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما.

فإن أخذهما من صاحب الأربعين رجع على صاحب الثلاثين بثلاثة أسباعهما وبالعكس.

ولو أخذ التبيع من صاحب الأربعين والمسنّة من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع التبيع على الآخر ، والآخر بقيمة أربعة أسباع المسنّة على الأول.

وإن أخذ المسنّة من صاحب الأربعين والتبيع من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع المسنّة على الآخر ، والآخر عليه بقيمة أربعة أسباع التبيع ، هذا كلّه في خلطه الجوار.

أمّا خلطة الأعيان فالأخذ منه يقع على حسب ملكهما ، فلو كان لهما ثلاثمائة من الإِبل فعليهما ستّ حقاق ولا تراجع.

ولو كان لأحدهما ثلاثمائة وللآخر مائتان فله عشر حقاق بالنسبة ، وهذا‌

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) الوجهان للشافعية ، راجع فتح العزيز ٥ : ٤٠٨.

٩٥

يأتي على مذهبنا.

ب - لو ورثا أو ابتاعا شائعاً وأداما الخلطة زكّيا - عندهم - زكاة الخلطة ، وكذا لو ملك كلٌّ منهما دون النصاب ثم خلطا وبلغ النصاب(١) .

ولو انعقد الحول على مال كلّ منهما منفرداً ثم طرأت الخلطة ، فإن اتّفق الحولان بأن ملكا غرّة المحرّم وخلطا غرّة صفر ، ففي الجديد : لا يثبت حكم الخلطة في السنة الاُولى - وبه قال أحمد - لأنّ الأصل الانفراد ، والخلط عارض فيغلب حكم الحول المنعقد على الانفراد ، وتجب على كلّ منهما شاة إذا جاء المحرّم(٢) .

وفي القديم - وبه قال مالك - ثبوت حكم الخلطة نظراً إلى آخر الحول ، فإنّ الاعتبار في قدر الزكاة بآخر الحول ، فيجب على كلّ منهما نصف شاة إذا جاء المحرّم(٣) .

ولو اختلف الحولان ، فملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر وخلطا غرّة ربيع ، فعلى الجديد ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني شاة.

وعلى القديم ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول نصف شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني نصف شاة.

ثم في سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين ، فعلى الأول عند غرّة كلّ محرّم نصف شاة ، وعلى الثاني عند غرّة كلّ صفر كذلك ، وبه قال مالك وأحمد(٤) .

وقال ابن سريج : إنّ حكم الخلطة لا يثبت في سائر الأحوال ، بل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٤٤١.

(٢ و ٣ ) المجموع ٥ : ٤٤٠ ، الوجيز ١ : ٨٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٣ - ٤٤٦ ، المغني ٢ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٤٤٧ - ٤٤٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٠ - ٤٤١.

٩٦

يزكّيان زكاة الانفراد أبداً(١) .

ولو انعقد الحول على الانفراد في حق أحد الخليطين دون الآخر كما لو ملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر ، وكما ملك خلطا ، فإذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة في الجديد ، ونصف شاة في القديم(٢) .

وأمّا الثاني فإذا جاء صفر فعليه نصف شاة - في القديم - وفي الجديد ، وجهان : شاة ، لأنّ الأول لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بخلطة الأول ، وأظهرهما : نصف شاة ، لأنّه كان خليطاً في جميع الحول ، وفي سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين إلّا عند ابن سريج(٣) .

ولو طرأت خلطة الشيوع على الانفراد كما لو ملك أربعين شاة ، ثم باع بعد ستّة أشهر نصفها مشاعاً ، فالظاهر أنّ الحول لا ينقطع ، لاستمرار النصاب بصفة الاشتراك ، فإذا مضت ستّة أشهر من وقت البيع فعلى البائع نصف شاة ولا شي‌ء على المشتري إن أخرج البائع واجبة من المشترك ، لنقصان النصاب.

وإن أخرجها من غيره ، وقلنا : الزكاة في الذمة ، فعليه أيضاً نصف شاة عند تمام حوله ، وإن قلنا : تتعلّق بالعين ففي انقطاع حول المشتري قولان : أرجحهما : الانقطاع ، لأنّ إخراج الواجب من غير النصاب يفيد عود الملك بعد الزوال لا أنّه يمنع الزوال(٤) .

ج - إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة ، واُخرى من جنسها منفردة كما لو خلط عشرين شاة بمثلها لغيره وله أربعون ينفرد [ بها ](٥) ففيما يخرجان الزكاة؟ قولان مبنيّان على أنّ الخلطة خلطة ملك أي يثبت حكم الخلطة في‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٨٣ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٩.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٣.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٩ - ٤٦٢.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

٩٧

كلّ ما في ملكه ؛ لأنّ الخلطة تجعل مال الاثنين كمال الواحد ، ومال الواحد يضمّ بعضه إلى بعض وإن تفرّقت أماكنه ، فعلى هذا كان صاحب الستّين خلط جميع ماله بعشرين ، فعليه ثلاثة أرباع شاة ، وعلى الآخر ربعها.

أو أنّها خلطة عين أي يقتصر حكمها على عين المخلوط ، لأنّ خفّة المؤونة إنّما تحصل في القدر المخلوط وهو السبب في تأثير الخلطة ، فعلى صاحب العشرين نصف شاة ، لأنّ جميع ماله خليط عشرين ، وفي أربعين شاة ، فحصّة العشرين نصفها(١) .

وفي صاحب الستّين وجوه : أصحّها عنده : أنه يلزمه شاة ، لأنّه اجتمع في ماله الاختلاط والانفراد فغلّب حكم الانفراد ، كما لو انفرد بالمال في بعض الحول فكأنّه منفرد بجميع الستّين ، وفيها شاة.

والثاني : يلزمه ثلاثة أرباع شاة ، لأنّ جميع ماله ستّون ، وبعضه مختلط حقيقةً ، وملك الواحد لا يتبعّض حكمه فيلزم إثبات حكم الخلطة للباقي ، فكأنّه خلط جميع الستّين بالعشرين ، وواجبها شاة حصّة الستّين ثلاثة أرباعها.

الثالث : يلزمه خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، ففي الأربعين حصّتها من الواجب لو انفرد بالكلّ وهو شاة حصّة الأربعين ثُلثا شاة ، وفي العشرين حصّتها من الواجب لو خلط الكلّ وهي ربع شاة لأنّ الكلّ ثمانون ، وواجبها شاة.

الرابع : أنّ عليه شاة وسدس شاة من ذلك نصف شاة في العشرين المختلطة ، كما أنّه واجب خليطه في ماله ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة وذلك حصة الأربعين لو انفرد بجميع ماله.

الخامس : أنّ عليه شاة في الأربعين ونصف شاة في العشرين ، كما لو‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٦٩ - ٤٧٠.

٩٨

كانا لمالكين(١) .

ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ولكلّ منهما أربعون منفردة ، إن قلنا بخلطة الملك فعليهما شاة ، لأنّ الكلّ مائة وعشرون

وإن قلنا بخلطة العين فوجوه : أصحها : أنّ على كلّ منهما شاة.

الثاني : ثلاثة أرباع ، لأنّ كلّاً منهما يملك ستّين بعضها خليط عشرين فيغلب حكم الخلطة في الكلّ ، والكلّ ثمانون ، حصّة ستّين ما قلنا.

الثالث : على كلّ منهما خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين الاعتبارين ، فيقدّر كلّ واحد منهما كأنّه منفرد بالستّين ، وفيها شاة ، فحصّة الأربعين منها ثُلثا شاة ، ثم يقدّر أنّه خلط جميع الستّين بالعشرين والمبلغ ثمانون ، وفيها شاة ، فحصّة العشرين منها ربع شاة.

وقيل : على كلّ واحد خمسة أسداس شاة بلا زيادة تجب في العشرين بحساب ما لو كان جميع المالين مختلطاً وهو مائة وعشرون وواجبها شاة ، فحصة العشرين سدس شاة وفي الأربعين ثُلثا شاة(٢) .

الرابع : على كلّ منهما شاة وسدس شاة ، نصف شاة في العشرين المختلطة قصراً لِحكم الخلطة على الأربعين ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة.

الخامس : على كلّ واحد شاة ونصف شاة ، شاة للأربعين المنفردة ، ونصف للعشرين المختلطة(٣) .

د - لو خالط الشخص ببعض ماله واحداً وببعضه آخر ولم يتشارك الآخران بأن يكون له أربعون فخلط منها عشرين بعشرين لرجل لا يملك غيرها ،

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، الوجيز ١ : ٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧١ - ٤٧٣.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٧٤.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ - ٤٧٥.

٩٩

وعشرين بعشرين لآخر كذلك ، فإن قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الأربعين نصف شاة ، لأنّه خليطهما ومبلغ الأموال ثمانون ، وحصّة الأربعين منها النصف ، وكلّ واحد من خليطيه يضمّ ماله إلى جميع مال صاحب الأربعين.

وهل يضمّه إلى مال الآخر؟ وجهان : الضمّ ، لينضمّ الكلّ في حقّهما كما انضمّ في حق صاحب الأربعين ، فعلى كلّ واحد منهما ربع شاة.

والعدم ، لأنّ كلّاً منهما لم يخالط الآخر بماله بخلاف صاحب الأربعين فإنه خالط لكلِّ واحد منهما ، فعلى كلّ واحد ثُلث شاة.

وإن قلنا بخلطة العين فعلى كلّ من الآخَرَين نصف شاة ، لأنّ مبلغ ماله وما خالط ماله أربعون(١) .

وفي صاحب الأربعين وجوه :

أحدها : تلزمه شاة تغليباً للانفراد وإن لم يكن منفرداً حقيقةً لكن ما لم يخالط به أحدهما فهو منفرد عنه فيعطى حكم الانفراد ، ويغلب حتى يصير كالمنفرد بالباقي أيضاً ، وكذا بالإِضافة إلى الخليط الثاني فكأنّه لم يخالط أحداً.

الثاني : يلزمه نصف شاة ، تغليباً للخلطة ، فإنّه لا بدّ من إثبات حكم الخلطة حيث وجدت حقيقةً ، واتّحاد المال يقتضي ضمّ أحد ماليه إلى الآخر ، فكلّ المال ثمانون ، فكأنّه خلط أربعين بأربعين.

الثالث : يلزمه ثُلثا شاة جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، بأن يقال : لو كان جميع ماله مع [ مال ](٢) زيد لكان المبلغ ستّين وواجبها شاة ، حصّة العشرين الثُلث ، وكذا يفرض في حقّ الثاني فيجتمع عليه ثُلثان(٣) .

مسألة ٥٦ : قد بيّنا أنّه إذا ملك أربعين وجب عليه الشاة وإن تعدّدت‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٦ - ٤٧٧.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٧ - ٤٧٨.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136