الحكايات

الحكايات42%

الحكايات مؤلف:
المحقق: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
الناشر: كنگره شيخ مفيد
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 136

الحكايات
  • البداية
  • السابق
  • 136 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40820 / تحميل: 6598
الحجم الحجم الحجم
الحكايات

الحكايات

مؤلف:
الناشر: كنگره شيخ مفيد
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

حول الكعبة، فقال: (هكذا كانوا يطوفون في الجاهليّة، إنما أُمروا أن يطوفوا بها ثم ينفروا إلينا، فيعلمونا ولايتهم ومودّتهم ويعرضوا علينا نصرتهم)، ثم قرأ هذه الآية ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِم ) (1) .

وهذا برهان تاريخي وأدياني يؤكّد ضرورة الواسطة في صحّة العبادة وقبولها.

والواسطة هي الطاعة لوليّ اللَّه تعالى، بكلّ ما للطاعة من معنى وتداعيات ومعطيات ومقتضيات تقتضيها تلك الطاعة وعلى جميع مستوياتها، فكما أن بدء التوحيد متوقّف على الشهادتين كذلك بقاؤه في كلّ الأبواب الاعتقادية والعبادية متوقّف على بقاء الشهادتين إلى آخر المطاف.

____________________

(1) السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان، ج4، ص337.

٤١

٤٢

الأدلّة التحليلية

نرمي في استعراض هذه الأدلّة تحليل بعض المفاهيم الدينية والاعتقادية، ويكون ذلك بدوره دالّاً على مشروعية التوسّل وضرورته.

1 - مفهوم العبادة:

(مفهوم العبادة ينفي الوسائط المقترحة)

يمكننا عن طريق تحديد المفهوم الاصطلاحي للعبادة وبيان العبادة الخالصة للَّه تعالى والعبادة غير الخالصة استكشاف مشروعية نظرية الوسائط، وأن المستنكَر منها هي الوسائط المقترحة فحسب؛ وذلك بالبيان التالي:

ذُكر للعبادة في اللغة معانٍ متعدّدة، أهمّها: أنها بمعنى الطاعة والخضوع.

والقرآن الكريم أيضاً استعمل مفهوم العبادة في عدّة معان، منها ما يلي:

1 - مملوكية المنفعة.

كقوله تعالى: ( عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْ‏ءٍ ) (1) .

____________________

(1) النحل: 75.

٤٣

وقوله تعالى: ( وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ) (1) .

2 - سيادة الطاعة؛ وإن لم تكن أصالة للمطاع.

كقوله تعالى: ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) (2) .

3 - الطاعة والخضوع والانقياد للمعبود على وجه التعظيم والتقديس، وأنه الغني بالذات ومصدر جميع الخيرات والنعم والكمالات مبدءاً وأصالة.

كقوله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ ) (3) .

وقوله تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (4) .

وكقوله تعالى لموسى عليه‌السلام : ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاة لِذِكْرِي ) (5) .

وقوله تعالى: ( وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (6) .

إلى غير ذلك من الآيات القرآنية المباركة، الدالّة على إرادة الانقياد إلى المعبود على وجه التعظيم، وأنه الغني بالذات من مفهوم ومعنى العبادة.

____________________

(1)البقرة: 221

(2). يس: 60.

(3) الرعد: 36.

(4)الذاريات: 56.

(5) طه: 14.

(6)هود: 123.

٤٤

وهذا هو المعنى الاصطلاحي لمفهوم العبادة.

وإذا كان هذا هو المعنى الاصطلاحي للعبادة، فكيف كان توجّه المشركين إلى الوسائط شركاً مع أنهم لا يتوجّهون إليها بما هي مصدر الخيرات أصالة، بل بما هي شفيعة ووسيطة؟ وكيف تتحقّق العبادة لغير اللَّه تعالى؟ وكيف تتحقّق العبادة للَّه عزّ وجل؟

والجواب هو ما تقدم؛ من أن الإنكار ليس إنكاراً للوسيلة بما هي وسيلة، بل بما هي مقترحة ومخترعة من قبل العبيد. وأمَّا إذا كانت الواسطة بجعل من اللَّه تعالى وإرادته وتحكيماً لسلطانه، فلا محالة يكون التوسّل والخضوع لتلك الوسيلة طاعة للباري تعالى؛ لأنه يكون انقياداً له تعالى على وجه الرغبة والخضوع وأنه مصدر الخيرات مبدءاً وأصالة. فأي فعل يكون منطلقه من أمر اللَّه عزّ وجلّ لا يكون شركاً وإن كان ذلك الفعل بالتوجّه والتوسّل بالوسائط، ومن ثمّ يكون سجود الملائكة لآدم - كما سيأتي - عبادة للَّه لا لآدم؛ لأنه خضوع للَّه تعالى وامتثالاً لأمره بما أنه مصدر الخيرات.

إذن المدار في تحقّق العبادة وعدمه ليس على ارتباط الطقوس العبادية بغير اللَّه وعدم الارتباط بغيره، بل المدار في العبادة الخالصة وقوام التوحيد في العبادة على وجود الأمر الإلهي والإرادة الإلهية، وقوام الشرك في العبادة ليس على تعلّق الفعل العبادي بغير اللَّه، بل الشرك في العبادة يتقوّم بعدم وجود الأمر والإرادة الإلهية، وإنما باقتراح من العبد نفسه.

ومن ثمّ لا يكون التوجّه بالكعبة إلى اللَّه عزّ وجلّ في الصلاة شركاً، بل هو شعار التوحيد.

٤٥

فنحن في صلاتنا نتوجّه إلى الكعبة الشريفة - مع أنها حجر - ومع ذلك تكون عبادة للَّه تعالى، وفي صلاة الطواف نتوجّه إلى مقام إبراهيم عليه‌السلام ، وكذا في الطواف نتوجّه إلى الكعبة ونتبرّك بالحجر الأسود ونتمسّح به مع أن ذلك كلّه لم يجعل من الكعبة صنماً ولا من الحجر الأسود وثناً يُعبد من دون اللَّه؛ كلّ ذلك لوجود الأمر الإلهي بالصلاة والطواف حول الكعبة والتمسّح بالحجر الأسود، فيكون الامتثال تحكيماً لسلطان اللَّه تعالى على إرادة العبيد، وذلك بخلاف أصنام الوثنيين، وهذا ممّا اتفق عليه علماء الأصول؛ حيث قرّروا أن العبادة لا تتحقّق إلّا بقصد امتثال الأمر وكون العبد ماثلاً طيّعاً أمام مولاه.

فإن وُجد الأمر تحقّق التوحيد في العبادة ولو مع الواسطة، وإن فقد الأمر كان الإتيان بالفعل شركاً ولو مع نفي الواسطة.

2 - القول بالتجسيم من أسباب جحود التوسّل:

إنّ إنكار التوسّل ورفض الوسائط ناتج إمَّا من القول بالتجسيم أو القول بالنبوءة والتنبُّؤ.

وأمَّا مَن لا يدّعي النبوءة لنفسه وينكر الجسمية في الباري عزّ وجلّ، فلا محالة له من قبول الوسائط والوسائل في كلّ العوالم والنشئآت.

وقبل البرهنة على هذا المدعى لابدّ من بيان بعض الأمور:

الأول: ليس المقصود من دعوانا (إن إنكار التوسّل ناتج من التجسيم أو دعوى النبوءة) هو أن يكون القائل بذلك قد قال بأحدهما عنواناً

وقولاً؛ بل قد يكون في

٤٦

واقعه متبنّياً لحقيقة التنبُّؤ أو التجسيم من دون أن يُسمّيه تنبؤاً أو تجسيماً؛ وذلك لأنهما لا يدوران مدار العنوان والشعار، فالحقائق أو الأمور العدمية الباطلة تدور مدار واقعها، سواء واقعها العدمي في الأمور الباطلة أو واقعها الوجودي في الأمور الوجودية، فمَن ينفي الوسائط فهو لا محالة إما يبني على التجسيم أو يدّعي التنبُّؤ كما سيتّضح، وهذا نظير ما ذكره الفقهاء في بحوث المعاملات؛ من أن الشخص ربّما يقصد ماهية معاملية معيّنة ويسمّيها باسم تلك الماهية المقصودة، ولكنها في واقعها قرض ربويّ أو بالعكس.

الثاني: أن هناك دعاءاً يؤكّد مضمون ما نريد الخوض فيه، وهو من الأدعية المأثورة لتعجيل الفرج، وهو: (اللّهمّ عرّفني نفسك، فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف رسولك، اللّهمّ عرّفني رسولك، فإنك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللّهمّ عرّفني حجّتك، فإنك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني) (1) .

ومفاد هذا الدعاء هو أن منظومة المعارف إنما تصحّ وتكون صائبة مع صوابية وحقّانية معرفة الإنسان بربّه، وأن الخلل الناشئ في معرفة الأنبياء والرسل منبعه الخلل في معرفة اللَّه تعالى الصحيحة والتامة، كما أن الخلل في معرفة الحجج والأوصياء والأئمّة منشأه الخلل في معرفة الرسول، وبالتالي يكون ناشئاً من الخلل والنقصان في المعرفة المتعلّقة باللَّه تعالى، كما تشير إلى هذه الحقيقة مجموعة من الآيات القرآنية، منها:

قوله تعالى: ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ

____________________

(1) الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص342.

٤٧

شَيْ‏ءٍ ) (1) ، فإنكار الرسل وعدم الإيمان بهم ناشئ من جهلهم بقدر الباري وقدرته وعظيم حكمته وتدبيره، ومِن خلل المعرفة في أفعال اللَّه عزَّ وجل.

ومن ثَمّ هذا يؤكّد أن الذي ينفي الوسائط والوسائل والرسل والحجج، منشأ نفيه نقصان معرفته باللَّه تعالى؛ إمَّا بالقول بالتجسيم أو القول بالتنبؤ.

والغريب من أصحاب هذه المقالة قولهم بأن التجسيم باطل في النشأة الدنيوية فقط. وأمَّا في الآخرة، فنلاقيه - والعياذ باللَّه - بصورة شابّ أمرد؛ ويستدلّون على ذلك بقوله تعالى: ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) (2) ، وبقوله تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (3) ، وبقوله تعالى: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (4) ، فيصوّرون الفوقية على العرش فوقية مكانية، لا فوقية قدرة وهيمنة.

فهم يفترضون أن اللَّه عزّ وجل في الآخرة جسم، وهذا نتاج ضعفهم وقصورهم في المسائل العقلية والاعتقادية؛ إذ لم يلتفتوا إلى أن قولهم هذا يلزم منه كون اللَّه تعالى مادّياً، وكلّ أمر مادّي قابل للانقسام، فله أجزاء متولّدة من جسمه، وهو منافٍ لِمَا نصّت عليه سورة التوحيد التي نفت التولّد والانقسام والتجسيم والمادّية.

ثُم إن الجسم محدود، وهو تعالى خالق الجسم ومهيمن عليه لا يحدّه حدّ.

وأهل البيت عليهم‌السلام يثبتون الرؤية القلبية للَّه عزّ وجلّ، وهو ما أكَّدته الآيات

____________________

(1) الأنعام: 91.

(2) القلم: 42.

(3) القيامة 75: 23 - 22.

(4) طه: 5.

٤٨

القرآنية كقوله تعالى: ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ) (1) ، وهم عليهم‌السلام ينفون الرؤية البصرية التي يشترط فيها المحاذاة والمقابلة

الجسمانية، واللَّه عزّ وجلّ منزّه عن الجسم والجسمية في جميع النشآت.

لقاء اللَّه يوم الحساب بآياته وحججه:

وحيث إن حشر الخلائق بأجسامهم، فإن ملاقاة العباد لربّهم تكون بالوسائط والوسائل والآيات، وإلّا للزم أن تكون المقابلة والملاقاة

جسمية؛ أي أن الباري - والعياذ باللَّه - يلاقي أجسام الخلائق بجسمه، وهو باطل بالضرورة.

فإياب الخلائق وحسابهم لابدّ أن يكون عبر الوسائل والوسائط والآيات، وإلّا فإن اللَّه عزّ وجلّ معنا أينما كنّا. وذلك ديدن قرآني في الإسناد، كإسناد الإماتة إلى اللَّه عزّ وجلّ وإلى ملك الموت وإلى الرسل التي يديرها ملك الموت، فإياب الخلق وحسابهم على اللَّه عزّ وجل، ولكن عبر آياته ووسائطه، قال تعالى: ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ) (2) ، وقال تعالى: ( وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (3) .

فإذا ثبت أن اللَّه عزّ وجلّ ليس بجسم، ونحن أجسام في شطر من ذواتنا وشطر من إدراكاتنا التي تتحقق عبر الارتباط بالأجسام، سواء في الدنيا أو البرزخ أو الآخرة، فلا يمكن الارتباط مباشرة بربّ العزّة والجلال، وحيث إن الارتباط باللَّه عزّ وجلّ في الدنيا أو البرزخ أو في الآخرة ليس منقطعاً تماماً؛ لأن

____________________

(1) النجم: 11.

(2) الأنفال: 17.

(3) التوبة: 74.

٤٩

معناه التعطيل في قدرة الباري تعالى، وحيث ثبت بطلان التعطيل، وأنه لا تعطيل لمعرفة ذاته تعالى ولا لصفاته ولا لأفعاله ولا لعبادته ولا للقائه عزّ وجل، فلابدّ من القول إما بالوسائط أو النبوءة.

والمجسّمة قالوا بالتجسيم لأنهم أنكروا الوسائط وخافوا من الوقوع في التعطيل أو دعوى النبوءة، فلا محيص لهم عن القول بالتجسيم.

هذا كلّه على المستوى التحليلي لِمَا ادّعيناه أولاً.

وأمَّا الدليل القرآني على ذلك، فهو قوله تعالى: ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (1) .

فقوله تعالى: ( لِبَشَرٍ ) للإشارة إلى الجسم والخصوصيات الجسمانية.

وقوله تعالى: ( إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) بمثابة البرهان والاستدلال على مضمون الآية المباركة.

وقوله تعالى: ( مَا كَانَ ) لنفي الشأنية والإمكان، لا لبيان عدم الوقوع فقط، وإلّا لكان حقّ التعبير أن يقال: إن اللَّه لا يكلّم أحداً إلّا بالطرق الثلاثة المذكورة في الآية.

ومعنى الآية الكريمة أنه لا توجد أي مجابهة جسمانية بين اللَّه عزّ وجلّ وبين البشر، المحكومين بأحكام المادّة والجسمية، فتكليمه عزّ وجلّ للبشر إمَّا وحياً؛ أي عن طريق جانب الروح في البشر، أو من وراء حجاب؛ أي عن طريق خلق الصوت وإيجاده في الأمور المادّية، كما في تكليم اللَّه عزّ وجلّ

____________________

(1) الشورى: 51.

٥٠

لموسى عليه‌السلام ، أو يرسل رسولاً؛ أي إرسال الملائكة أو الأنبياء والحجج، بل وكذا التكلّم مع الملائكة، فإنه يكون عن طريق الوحي كما في قوله تعالى: ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ) (1) .

إذن لا وجه للمواجهة الجسمانية مطلقاً؛ سواء في الدنيا أو البرزخ أو في الآخرة.

ثم قال تعالى: ( إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) أي متعال أن يكون جسماً محاطاً ومحدوداً، فإن العلو يستلزم نفي الجسمية، وهو عزّ وجلّ حكيم، أي غير معطّل، فمن حكمته أن يرسل رسلاً ويقيم أئمة ويوسّط وسائط، فلا تجسيم ولا تعطيل.

وهذه الآية ليست دلالتها مقصورة على دار الدنيا فقط، بل هي بلحاظ كلّ النشآت الوجودية والتكونيية، فهو تعالى عليّ متعال على الجسمية ومقابلة الأجسام، وحكيم غير معطّل بينه وبين خلقه عن طريق الوسائط والرسل، فهو عزّ وجلّ يُعرِّف برسله وأدلّته وحُججه.

وبعضهم حيث أنكر التجسيم وفرّ من مغبّة التعطيل ورفض الوسائط - بدعوى أنها صنمية منافية لروح التحرّر - وقع في القول بالتنبؤ، ولجأ إلى الإيمان بقدسية العقل وسعة مدياته وحدوده، وأنه يصيب كلّ صغيرة وكبيرة كما هي مقالة بعض المتعلمنين من الإسلاميين.

وحيث إن التنبؤ والإيحاء إلى الجميع باطل بنصّ القرآن الكريم، وثبت أن التشبيه والتجسيم وكذا التعطيل باطل، فلابدّ من الإيمان بالوسائط والوسائل، ويكون إنكار وليّ اللَّه وحجته تجسيماً أو تعطيلاً أو استكباراً وإكباراً للنفس وصنميّة للعقل، وهي النبوءة المرفوضة في الكتاب والسنّة.

____________________

(1) الأنفال: 12.

٥١

إذن الوسيلة والواسطة أمر برهاني وضروري في كلّ النشئآت، ولذا ورد في الروايات أن الذي بُعث في عالم الذرّ بين اللَّه تعالى وبين باقي الأنبياء هو النبيّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله . وهذا هو ما قلناه من أن الشهادة الأولى كما أنها مطلوبة في جميع النشئآت، كذلك الشهادة الثانية وأن محمّداً رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله باقية في كلّ النشئآت أبديّة وأزلية، فوصف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة ليس خاصاً بالدنيا فقط، وإنما النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رسول في إنزال القرآن، وآياته غير مختصّة بالدنيا، بل تحكي كلّ النشئآت وعالم الربوبية والصفات وعالم الذات، بما لم يُنبّئ به نبيّ من الأنبياء، وهذا معنى واسطته صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلّ العوالم والنشئآت.

والحاصل: إن لم يكن في البين تشبيه ولا تعطيل، فلابدّ من النبوءة أو قبول الوسائط والحجج، وحيث إن التنبؤ للكلّ باطل؛ فلابدّ من الإيمان والإقرار بالوسائط بين اللَّه تعالى وبين مخلوقاته في كلّ العوالم، فاللَّه عزّ وجلّ لا يُتوجّه إليه باتجاه جسماني، بل يُتوجّه إليه بالمعاني والآيات والحجج.

ومن ذلك كلّه يعلم عظم مكانة الآية والحجّة الإلهية، وأن إنكارها في الحقيقة بمنزلة إنكار الباري عزّ وجل كما ورد ذلك في قوله تعالى: ( فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ) (1) ، فإنكار خلافة خليفة اللَّه في الأرض ليس ينصبّ على الوسيلة بما هي هي، بل يرجع إلى الكفر باللَّه تعالى ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْ‏ءٍ ) (2) ؛ وذلك لأن

____________________

(1) الأنعام: 33.

(2) الأنعام: 91.

٥٢

الذات المقدّسة إذا لم يكن بينها وبين المخلوقات أي ارتباط، فإن معناه التعطيل، وهو بمنزلة الإنكار للَّه عزّ وجل؛ لأنه إنكار لقدرة تعالى وتدبيره. فعظمة الوسائط والحجج والآيات بعظمة ذي الآية التي أضيفت إليه، ويكون الاستخفاف بها استخفافاً باللَّه عزّ وجل، فلابدّ من تعظيمها وإجلالها.

ووظيفة الخليفة هي الواسطة والوساطة في تدبير شؤون العباد، وهذا النظر والاعتقاد الحقّ ممَّا امتاز به مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، وهو أن العوالم بجميع نشئآتها لا تخلو عن حجّة وخليفة وواسطة.

والنقطة الأخرى التي ينبغي الإشارة إليها في المقام، هي أن التوسّل والشفاعة والتوسّط والوسيلة تحمل في داخلها عدم المحورية الذاتية للشفيع والوسيط، أي ليس للوسيط والشفيع والوسيلة؛ أي استقلالية عن اللَّه عزّ وجل، وذلك لأن الواسطة معناه أن النظرة إليها آلية وحرفية، ليس لها من ذاتها إلّا الفقر والحاجة إلى سلطان اللَّه وإرادته؛ ولذا نجد أن الوسائط التي اتخذت من دون اللَّه عزّ وجلّ أخفقت في وساطتها ووجاهتها وكانت شركاً باللَّه عزّ وجل، لأنها استقلّت عن سلطانه وإرادته وإذنه.

والغريب في هذا المجال هو أن أصحاب هذه المقالة والجاحدين للتوسل آمنوا بأن الشفاعة والتشفّع بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الآخرة ليس شركاً، وكذا التشفّع بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حال حياته. وأمَّا التشفّع به صلى‌الله‌عليه‌وآله حال موته، فزعموا أنه من الشرك الأكبر.

ويرد عليهم السؤال التالي: إن دائرة الشرك من أين نتجت؟ هل مِن حدّ معنى الشفاعة والواسطة، أو من حدّها التعبّدي، أو من خلال المعنى العقلي؟

٥٣

فإذا كان المعنى عقلياً، فالغيرية إذاً أوجبت الشرك، فإنها توجبه في كلّ نشأة، سواء نشأة الدنيا أو الآخرة، وإذا لم توجب الغيرية الشرك لجهة الوساطة، فما هو الفرق بين أنواع التشفّع في الدنيا والآخرة، أو حال الموت وحال الحياة؟!

لا سيما وأن الشرك الأكبر (1) معنىً عقلي يدركه العقل، ونفيه وإثباته في متناول الأحكام العقلية، وهي لا تقبل التخصيص والاستثناء، لا سيما وأنها من الأحكام التي تقرُب من البداهة.

وبعبارة أخرى: إن الوسيلة والوساطة تعني تقوّم الواسطة والوسيلة باللَّه، وكونها مظهر فعله وظهوره، وهذا عين التوحيد في الأفعال والصفات، فكيف يُجحد تحت قناع أنه الشرك الأكبر، وتسمية ذلك الجحود بأنه توحيد؟! فإن ذلك من التلبيس لأحد العنوانين مكان الآخر، خصوصاً وأنه قد مرّ أن إنكار الوسيلة والتوسّل يؤول إلى إنكار الشهادة الثانية؛ لأنه يؤول إلى إنكار ركنية ودخالة رسالة ومقام خاتم الأنبياء في التوحيد.

____________________

(1) المقصود من الشرك الأكبر أو الشرك الصريح هو الذي يوجب ردّة عن الدين. أمَّا الشرك الأصغر أو الشرك الخفي غير الصريح، فهو الذي لا يوجب ردّة، وهو قلّما ينجو منه أحد إلّا المخلَصين. والشرك الصريح إنما يوجب الردّة؛ لأنه منافٍ لمقررات الدين الإسلامي وثوابته وأولياته والإذعان والإقرار بما هو مناف صراحة لأوليات الدين الإسلامي، وهذا نوع إنشاء فسخ وخروج عن عهود ومواثيق الشهادتين؛ وذلك لأن التشهُّد بالشهادتين لحصول الإسلام أو بالشهادة الثالثة لحصول الإيمان - كما هو عند الإمامية - يلزم منه الالتزام بعدّة عهود ومواثيق، فلو أنشأ الشهادات الثلاث والتزم بما هو منافٍ لها صريحاً، فإنه يخرج عن العهد والميثاق الذي التزم به. وأمَّا عدم إيجاب الشرك الأصغر ردّة في الدين؛ فلأن المتكلم والمدّعي لأمر لا يعي تناقض ذلك الأمر مع الشهادتين، ولا يكون ظاهراً عرفاً في الفسخ للعهود والمواثيق.

٥٤

الفصل الثاني:

الأدلّة القرآنية

٥٥

1 - حقيقة التوسّل في أربع طوائف قرآنية

2 - قصة آدم مع إبليس

3 - الآيات البيّنات في المسجد الحرام

4 - التوجه إلى القبلة طاعة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

5 - المودة لذرية إبراهيم عليه‌السلام من شرائط الحجّ وغاياته

6 - الولاية من شرائط المغفرة

7 - الوفود على ولي اللَّه من شرائط الحجّ

8 - الأنبياء مصدر البركة

9 - البقعة المباركة

10 - وجوب تعظيم الأنوار الإلهية

11 - بناء المساجد على قبور الأولياء

12 - حبط الأعمال وقبولها

13 - آيات القسَم بشخص النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله

14 - الآيات الآمرة بالتوسل بالنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله

15 - آيات التوسّل بمخلوقات كريمة أُضيفت إلى الأنبياء والأولياء عليهم‌السلام

خاتمة في:

أ - الروايات الواردة في مشروعية التوسّل.

ب - آراء أعلام السنّة في التوسّل.

٥٦

الأدلة القرآنية

1 - (حقيقية التوسّل في أربع طوائف قرآنية):

إنّ الآيات القرآنية المباركة الدالّة على أنّ الإنكار على المشركين مُنصبّ على الوسائط المقترحة دون الوسائط الإلهيّة على طوائف متعدّدة:

الطائفة الأولى: وهي ما كانت بلسان استنكار الأسماء المقترحة من قبل العبيد ومن سلطانهم وهوى أنفسهم.

1 - قوله تعالى: ( أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) (1) .

وهذا الكلام يسجّله اللَّه عزّ وجلّ في قرآنه الكريم على لسان نبيّه هود عليه‌السلام ، حيث يحاجج عاداً قومه وينكر عليهم الوسائط المقترحة من عند أنفسهم والتي لم ينزل اللَّه عزّ وجلّ بها سلطاناً.

وقد تقرّر في علم أصول الفقه أن النهي أو النفي إذا ورد على طبيعة مقيّدة بقيد، فإنما يقع ذلك النفي أو النهي على القيد، لا على ذات

المقيَّد، كقولك: لا رجل طويل في الدار، فإنّ النفي في هذا المثال متوجّه إلى القيد وهو الطول،

____________________

(1) الأعراف:71.

٥٧

وليس المراد نفي أصل وجود الرجل في الدار، وبالنتيجة يكون المنفي الصنف والقيد، وهو الرجل الطويل، لا ذات الطبيعة المقيّدة، وهو عموم الرجل.

كذلك في المقام، فالآية في قوله تعالى: ( مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) تنفي صنفاً خاصّاً من الوسائط والوسائل، وهي الوسائط التي لم ينزّل بها اللَّه تعالى سلطاناً، والأسماء المقترحة والمجعولة من قبل أنفسهم وآبائهم.

فمصبّ الإنكار والتقريع والتخطئة هو كون تلك الأسماء والوسائط مقترحة من غير إذنٍ وسلطان إلهي. ولم تنفِ الآية المباركة أصل وجود الوسائط والوسائل، وإلّا فلو كان أصل الوساطة والتوسيط أمراً مستنكراً، فلا معنى لذكر القيد، بل يكون ذكره لغواً ومخلّاً بالغرض والمراد، مع أن الآية ركّزت على ذكر القيد، وأكّدت على أنّ الأسماء المستنكرة هي التي ( مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) ، لا مطلق طبيعة الأسماء والوسائط. فليس الإشكال في أصل الاسم والوساطة، بل الإشكال في كونها مقترحة منهم ومسندة إليهم، من دون أن يُسمّها اللَّه عزّ وجلّ أو يجعلها واسطة بينه وبين خلقه.

وفي الآية المباركة إشارة لطيفة؛ حيث لم يطلق فيها الاسم على ذات الباري عزّ وجلّ، بل أطلق على ذات الواسطة بينه تعالى وبين عبيده، أي واسطة في النداء ووسيلة في التوجّه، فالاسم الذي يُدعى به هو الوسيلة أو الواسطة التي يُتوسّل بها إليه.

2 - قوله تعالى: ( إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ

٥٨

سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ) (1) .

وتقريب الاستدلال بهذه الآية الكريمة بنفس ما تقدّم في الآية السابقة؛ حيث إنها تجعل مركز التخطئة والاستنكار هو التصرّف الاقتراحي من العبيد في سلطان اللَّه تعالى، وليست التخطئة لأصل مقالة الحاجة والضرورة إلى الوسائط.

الطائفة الثانية: وهي ما كانت بلسان حصول الشرك بغير اللَّه عزّ وجلّ بسبب الوسائط التي لم تكن بسلطان اللَّه وحكمه وإرادته.

1 - قوله تعالى: ( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ) (2) .

2 - قوله تعالى: ( وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ) (3) .

3 - قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِْثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (4) .

فسبب الشرك الذي وقعوا فيه هو تحكيم سلطانهم ورغبتهم وهواهم وإرادتهم على إرادة اللَّه تعالى وسلطانه، لا أن أصل الوساطة هو المرفوض في منطق القرآن الكريم.

الطائفة الثالثة: وهي ما كانت بلسان العبادة من دون اللَّه تعالى، وأن التوسّل

____________________

(1) النجم: 23.

(2) آل عمران: 151.

(3) الأنعام: 81.

(4) الأعراف: 33.

٥٩

بالوسائط والشفعاء بغير سلطان وإذن من اللَّه عزّ وجلّ يوجب عبادة مَنْ هو دونه، وهي الوسائط المقترحة.

1 - قوله تعالى: ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ ) (1) .

2 - قوله تعالى: ( مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ) (2) .

لا يقال: إذا كانت العبادة المرفوضة هي عبادة المعبود الذي لم ينزّل اللَّه به سلطاناً، فهل هذا يعني أن العبادة لغير اللَّه تعالى تكون جائزة فيما إذا نزّل به اللَّه عزّ وجلّ سلطاناً؟!

لأننا نقول: العبادة لغير اللَّه تعالى ممنوعة مطلقاً، والباري تبارك وتعالى لا يأمر بعبادة غيره، ومضمون هذه الطائفة من الآيات عين المضمون الذي تقدّم في الطوائف السابقة من الآيات؛ وهو أن العبادة من دون اللَّه تعالى تتحقّق فيما إذا كانت الوسيلة بإرادة العبيد واقتراحهم. وأما إذا لم تكن كذلك، فلا تكون عبادة من دون اللَّه، بل هي عبادة للَّه عزّ وجل كما جاء ذلك في سجود الملائكة لآدم؛ فهو سجود وطاعة للَّه تعالى وامتثالٌ لأمره، لا أن السجود لآدم بنحو الاستقلال لكي يكون عبادة وخضوعاً له من دون اللَّه عزّ وجل.

فهذه الطائفة من الآيات تبيّن أن العبادة من دون اللَّه تعالى إنما تتحقّق فيما إذا كان التوجّه إلى الوسائط المقترحة من قبل العبيد، من دون أن ينزّل بها اللَّه

____________________

(1) الحج: 71.

(2) يوسف: 40.

٦٠

و " الاختراع "(١٣) مع مذهبهم في الجواهر والاعراض !

واصحاب بر قلس(١٤) ومن دان(١٥) بالهيولى(١٦) وقدم الطبيعة(١٧) أعذر من هؤلاء القوم، إن كان لهم عذر !

ولا عذر للجميع فيما ارتكبوه من الضلال، لانهم يقولون: إن الهيولى هو أصل العالم، وإنه لم يزل قديما، وإن الله تعالى محدث له(١٨) كما يحدث الصائغ(١٩) من السبيكة خاتما، والناسج من الغزل ثوبا، والنجار(٢٠) من الشجرة لوحا.

____________________

(١٣) كلمة " والاختراع " من " مط " و " مج ".

(١٤) برقلس:

فيلسوف يوناني، من أصحاب الافلاطونية الجديدة (٤١٢ - ٤٨٥ م) ترجمه في فرهنك معين (٥ / ٢٥٦) واقرأ آراءه في الملل والنحل (٢ / ٢٠٨ - ٢١٢).

وكتب برقلس كتاب " العلل " في الحجج التي أدلى بها لاثبات قدم العالم، لاحظ مذاهب الاسلاميين للبدوي (١ / ١١ - ٥١٢).

وقد اختلفت النسخ في هذا الاسم، وصوابه في " مج " وفي " مط " ابر قلس.

(١٥) في " ن " و " ضا " و " تي ": وقروان والقول، بدل " ومن دان ".

(١٦) الهيولى:

قال الجرجاني: لفظ يوناني، بمعنى الاصل والمادة، وفي الاصطلاح هي: " جوهر في الجسم، قابل لما يعرض لذلك الجسم من الاتصال والانفصال، محل للصورتين الجسمية، والنوعية ": التعريفات (ص ١١٣).

وانظر: الحدود، لابن سينا (ص ١٧) رقم (٦).

(١٧) في " ن " و " مج ": الطينة.

(١٨) كلمة له من " مط " وفي " تي " يحدث.

(١٩) في " ن " الصانع.

(٢٠) في " مط " و " مج ": الناجر.

٦١

فأضافوا إلى الصانع الاعيان، لصنعه(٢١) ما أحدث فيها(٢٢) من التغيرات.

والبصريون من المعتزلة، ومن وافقهم فيما ذكرناه، أضافوا إلى الفاعل الجواهر والاعراض، ولم يحصلوا في باب الاضافة معنى يتعلق به.

ومن تأمل (قول(٢٣) هذا الفريق علم: أنه)(٢٤) قول أصحاب الهيولى، في معنى قدم أصل العالم، بعينه، وإن فارق أهله في العبارة التي يلحقها الخلل، ويسلم أولئك منه، ومن المناقضات، لكشمفهم القناع، ومجمجة(٢٥) هؤلاء للتمويهات.

____________________

(٢١) في " ن ": لصنعة، وفي " ضا " و " تي ": لصنعته.

(٢٢) كذا في " مط " وفي " ن " و " ضا " و " تى ": ما شكلها، وكلمة " أحدث " لم ترد في " مج ".

(٢٣) أضاف في " مط " و " ضا " هنا كلمة: أصحاب.

(٢٤) ما بين القوسين ليس في " ن ".

(٢٥) في " ن ": ومحجمة، وفي " ضا " و " تي ": ومحجة.

٦٢

[ ٥ ]

[ مفاسد قول المعتزلة في الوعيد ]

قال الشيخ (أدام الله عزه)(١) :

وقول جميع المعتزلة في الوعيد، تجوير(٢) لله تعالى، وتظليم له، وتكذيب لاخباره(٣) .

لانهم يزعمون، أن من أطاع الله (عزوجل)(٤) ألف سنة، ثم قارف(٥) ذنبا محرما له، مسوفا(٦) للتوبة منه، فمات على ذلك، لم يثبه على شئ من طاعاته(٧) وأبطل جميع أعماله، وخلده بذنبه في

____________________

(١) ما بين القوسين ليس في " ن " و " ضا " و " تي ".

(٢) في " ن " و " تي ": تجويز.

(٣) الوعيد عند المعتزلة:

هو الاصل الثالث، من الاصول الحمسة للمعتزلة، وفسروه بأنه: كل خبر يتضمن إيصال ضرر إلى الغير، أو تفويت نفع عنه في المستقبل، ولا فرق عندهم بين أن يكون حسنا مستحقا، أو لا يكون كذلك.

أنظر، مذاهب الاسلاميين (١ / ٥٥ و ٦٢ - ٦٤) وأوائل المقالات (ص ٩٩) والشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة (ص ٢٦٨).

(٤) ما بين القوسين ليس في " ن " ولا في " تي ".

(٥) في " ن ": فارق.

(٦) في " ن " مسوقا.

(٧) في " مج ": طاعته.

٦٣

نار جهنم أبدا، لا يخرجه منها برحمة منه، ولا بشفاعة مخلوق فيه.

وأبو هاشم منهم - خاصة - يقول: إن الله تعالى يخلد في عذابه من لم يترك شيئا من طاعاته(٨) ، ولا ارتكب شيئا من خلافه، ولا فعل قبيحا نهاه عنه، لانه زعم وقتا من الاوقات أنه(٩) لم يفعل ما وجب عليه، ولا خرج عن الواجب باختياره له(١٠) ولا بفعل يضاده(١١) .

هذا،

والله تعالى يقول:( وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) (١٢) [ الاية (٥٦) سورة يوسف (١٢) ].

ويقول:( إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ) [ الاية (٣٠) سورة الكهف (١٨) ].

ويقول:( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) [ الآية (٧ و ٨) من سورة الزلزلة (٩٩) ].

ويقول:( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ) [ الاية (١٦٠) سورة الانعام (٦) ].

____________________

(٨) في " مط " و " ن " و " تي ": طاعته.

(٩) كلمة " أنه " من " تي ".

(١٠) في " مط ": باختيار له، وفي " ن " و " ضا ": وله.

(١١) في " ضا " و " تي ": ولا يعقل تضاده.

(١٢) هذه الاية لم ترد في " مط " ولا " مج ".

٦٤

ويقول:( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ ) [ الاية (١١٤) سورة هود (١١) ].

٦٥

٦٦

[ ٦ ]

[ مخالفات أخرى للمعتزلة ]

هذا، وهم بأجمعهم:

[ ١ ] يبطلون الشفاعة(١) ، وقد أجمعت الامة عليها.

[ ٢ ] ويدفعون نزول الملائكة على أهل القبور(٢) ، ولا خلاف بين المسلمين في ذلك.

____________________

(١) في " مط " و " ضا ": مبطلون للشفاعة.

الشفاعة في رأي المعتزلة:

أنظر رأي المعتزلة في الشفاعة، في أوائل المقالات (ص ٥٢ و ٩٦) وكشف المراد (ص ٤١٦ - ٤١٧) والشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة (ص ٢٤٧ - ٢٥٠).

واقرأ عن رأي الجهمية في ذلك، التنبيه والرد، للملطي (ص ١٣٤).

وللشيخ المفيد كلام حول الشفاعة في الفصول المختارة (ص ٤٧ - ٥٠).

وراجع أحاديث الشفاعة في: كتاب " الزهد " للحسين بن سعيد (ص ٩٤) الحديث (٢٦٠) و (ص ٩٧) الحديث (٢٦٤) ومسند شمس الاخبار (٢ / ٣٨٥) الباب (١٩٢).

(٢) نزول الملائكة على أهل القبور:

وهو المعروف بين المسلمين بنزول منكر ونكير ومحاسبتهما للميت.

اقرأ عن ذلك: أوائل المقالات (ص ٩٢ - ٩٣) وتصحيح الاعتقاد، للمفيد (ص ٢٣٨ - ٢٤٠). =

٦٧

[ ٣ ] ويستهزؤون بمن أثبت عذاب القبر(٣) ، وكافة أهل الملة عليه.

[ ٤ ] وينكرون خلق الجنة والنار، الان(٤) ، والمسلمون - بأجمعهم - على إثباته.

____________________

= وعن إنكار الجهمية لذلك راجع: التنبيه والرد (ص ١٢٤).

وراجع أحاديثه في كتاب الزهد، للاهوازي (ص ٨٦) الباب (١٦) الحديث (٢٣١) و (ص ٨٨) الحديث (٢٦٣ و ٢٣٨).

وانظر: الايضاح، لابن شاذان (ص ٥).

(٣) عذاب القبر عند المعتزلة:

نقل عن ضرار بن عمرو - من المعتزلة - إنكار عذاب القبر، في كشف المراد (ص ٤٢٤ - ٤٢٥)، وأنكره كذلك جهم، كما في التنبيه والرد للملطي (ص ١٢٤).

واقرأ عن هذا الموضوع، أوائل المقالات (ص ٩٣ - ٩٤) ومن كتب الحديث: كتاب الزهد، للاهوازي (ص ٧ - ٨٨) رقم (٢٣٣ و ٢٣٤ و ٢٣٥) وانظر الايضاح، لابن شاذان (ص ٥).

وقد تحدث الشيخ المفيد عن عذاب القبر في جواب المسألة الخامسة من المسائل الساروية، المطبوعة في " عدة رسائل للشيخ المفيد " (ص ٢١٨ - ٢٢١). وأورد الشيخ الطهراني كتابا باسم " مسألة في عذاب القبر وكيفيته " للشيخ المفيد، وقال:

موجود عند السيد شهاب الدين، بقم، فلاحظ: الذريعة (ج ٢٠ ص ٣٩٠).

وعقد في مسند شمس الاخبار - من كتب الزيدية - الباب (١٨٣) من الجزء الثاني (ص ٣٤٨) لذكر ما ورد في عذاب القبر.

ولاحظ ما نقله القاسمي في: تاريخ الجهمية والمعتزلة (ص ٣٣ - ٣٤) عن المقبلي في " العلم الشامخ في الرد على الاباء والمشايخ " من الدفاع عن المعتزلة في هذا الموضوع، واعتباره منكر عذاب القبر من شذوذ المعتزلة مثل بشر المريسي، وضرار

(٤) خلق الجنة والنار عند المعتزلة:

خالف المعتزلة والخوارج في خلق الجنة والنار " ولابي هاشم في ذلك كلام ذكره الشيخ المفيد =

٦٨

[ ٥ ] وجمهورهم يبطل المعراج، ويزعمون: أن ذلك كان مناما من جملة المنامات(٥) .

[ ٦ ] و مشايخهم يجحدون انشقاق القمر في معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم(٦) .

[ ٧ ] وكثير منهم ينكر نطق الذراع(٧) .

[ ٨ ] وشيخهم عباد(٨) يدفع الاعجاز في القران(٩) .

____________________

= في أوائل المقالات (ص ١٥٧ - ١٥٨) وانظر الملل والنحل (١ / ٧٣).

وإنكار خلق الجنة والنار - الان - نقل عن الاشاعرة - أيضا - في كتاب الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة (ص ٢٤٥) وعن بعض الجهمية في التنبيه والرد (ص ٩٨) وإنكار جهم بن صفوان له في (ص ١٣٧ - ١٤٠).

واقرأ عن الجنة والنار: الايضاح، لابن شاذان (ص ٥ - ٦) وتصحيح الاعتقاد للمفيد (ص ٢٤٨ - ٢٥٠) وصفة الجنة والنار لسعيد بن جناح المطبوع مع كتاب الاختصاص المنسوب إلى الشيخ المفيد (ص ٣٥٤). وصفة الجنة، لابي نعيم الاصفهاني.

(٥) المعراج عند المعتزلة:

تحدث عن ذلك القاضي عبد الجبار المعتزلي في: تثبيت دلائل النبوة، الجزء الاول.

(٦) انشقاق القمر، عند المعتزلة:

اقرأ عن ذلك: تثبيت دلائل النبوة، الجزء الاول.

(٧) نطق الذراع عند المعتزلة:

اقرأ عن ذلك: تثبيت دلائل النبوة، الجزء الاول.

(٨) عباد:

هو ابن سليمان الصيمري، من شيوخ المعتزلة من طبقة الجاحظ.

اقرأ عنه شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (٤ / ١٥٩) ومقالات الاسلاميين للاشعري (ص ٢٢٥).

(٩) إعجاز القرآن:

أنكره النظام من المعتزلة في " النظم والتأليف " أنظر: مذاهب الاسلاميين (١ / ٢١٣ - =

٦٩

[ ٩ ] وسائرهم - إلا من شذ منهم - يزعم: أن طريق المعجزات التي(١٠) للنبي صلى الله عليه واله وسلم - سوى القران - أخبار الآحاد(١١) ، ليطرق بذلك إلى(١٢) إنكارها، والطعن في الاحتجاج بها على الكفار.

[ ١٠ ] وأما قولهم في الانبياء عليهم السلام، فإنهم يصفونهم بالمعاصي، والسهو، والنسيان، والخطأ، والزلل في الرأي(١٣) .

[ ١١ ] ويقولون: إن الامام - الذي يخلف النبي صلى اله عليه وآله وسلم - قد يكون إماما لجميع أهل الاسلام، وإن كان في زنديقا، كافرا بالله العظيم، في الباطن، جاهلا بكثير من علم الدين، في الظاهر(١٤) مجوزا عليه السهو، والنسيان، وتعمد(١٥) الضلال، وإظهار الكفر والارتداد(١٦) .

____________________

= ٢٢٠) ومقالات الاسلاميين (ص ٢٢٥) وأنظر كشف المراد للعلامة (ص ٣٥٧).

وراجع الرد عليه في الكتب الخاصة بذلك، وللاستاذ الدكتور مصطفى محمود - الكاتب المصري - نظرية قيمة في الاعجاز أثبتها بأسلوبه الشيق في كتاب " القرآن محاولة لفهم عصري ".

(١٠) كلمة " التي " لم ترد في " تي ".

(١١) أنظر حول إنكارهم للمعجزات: مذاهب الاسلاميين (ج ١ ص ٤٧٥ - ٤٧٨).

(١٢) في " تي " ليطرف بذلك إنكارها، وفي " مط ": يتطرق بذلك إنكارها.

(١٣) عصمة الانبياء عليهم السلام:

إقرأ عن هذا، كتاب تنزيه الانبياء، للسيد المرتضى، وعصمة الانبياء للرازي، وبحثا مفصلا في كتاب حجية السنة، للشيخ عبد الغني عبد الخالق بعنوان " المقدمة الثانية: في عصمة الانبياء " (ص ٨٥ - ٢٣٩).

(١٤) " في الظاهر " لم ترد في " ن " ولا في " تي ".

(١٥) في " ن، ضا، تي ": ويتعمد.

(١٦) عصمة الائمة:

إقرأ عن ذلك: تنزيه الانبياء، للمرتضى، وكشف المراد، للعلامة المقصد الخامس، =

٧٠

ومع هذا، فإن الامة - التي تحتاج إليه - عندهم - ولا تستغني عنه في وقت من الاوقات - أشرف من الانبياء كلهم، في صفات الكمال، لانها معصومة من الصغائر، والكبائر، والسهو، والغفلة، والغلط، عالمة بجميع الاحكام، لا يجوز اجتماعها على شئ من الضلال، ولا يسوغ لاحد مخالفتها فيما اتفقت عليه، وإن كان من جهة الرأي(١٧) .

وهذه الاقوال - كلها - ظاهرة الاختلال(١٨) بينة التناقض والفساد، مخالفة لادلة العقول، ومقتضى السنة والكتاب.

والله نسأل العصمة مما يسخطه، والتوفيق لمرضاته، وإياة نستهدي إلى سبيل الرشاد.

____________________

= المسألة (٢، ٣) ص (٣٦٢ - ٣٦٦) والشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة (ص ٢٣٤) وما بعدها.

(١٧) كلمة " الرأي " ساقطة من " ن، ضا، تي ".

عصمة الامة:

التزم بعض بها، وصرح به منهم ابن قدامة المقدسي، في روضة الناظر في بحث الاجماع (ص ١١٨).

(١٨) في " مط " و " مج ": الاختلاف.

٧١

٧٢

[ ٧ ]

فصل(١)

[ المناظرة من أصول الامامية ]

ومن الحكايات (أيضا عنه)(٢) :

قلت للشيخ (أبي عبد الله، أدام الله عزه)(٣) :

إن المعتزلة(٤) والحشوية(٥) يزعمون: أن الذي نستعمله من

____________________

(١) كلمة " فصل " وردت في " مج " و " تي ".

(٢) ما بين القوسين من " مط " و " مج ".

(٣) ما بين القوسين من " مط ".

(٤) المعتزلة:

فرقة من العامة تعتمد العقل في التفكير وتستر شده للوصول إلى الحق، وأهم عنامر فكرهم الاصول الخمسة التي يبتني عليها الاعتزال، وأهمها المنزلة بين المنزلتين.

إقرأ عنها: شرح الاصول الخمسة، للقاضي، وتاريخ المذاهب الاسلامية (ص ١٤٨ و ١٤٩) ومذاهب الاسلاميين (١ / ٦٤ - ٦٩) والشيعة بين الاشاعر والمعتزلة (ص ١٢٦) وبعدها. ولاحظ: أوائل المقالات (ص ٤٢).

(٥) الحشوية:

فرقة من أصحاب الحديث من العامة، ذكرها الشيخ المفيد في كتبه، لاحظ: أوائل المقالات (ص ٦٨) والايضاح، لابن شاذان (ص ٣٦ و ٤٢).

وجاء اسم الحشوية في كتاب الاقتصاد للغزالي (ص ٣٥).

٧٣

المناظرة شئ يخالف أصول الامامية(٦) ويخرج عن إجماعهم، لان القوم لا يرون المناظرة دينا(٧) وينهون عنها، ويروون عن أئمتهم عليهم السلام تبديع فاعلها(٨) وذم مستعملها !

فهل معك رواية عن أهل البيت عليهم السلام في صحتها ؟ أو(٩) تعتمد على حجج العقول، ولا تلتفت إلى ما(١٠) خالفها وإن كان عليه(١١) إجماع العصابة ؟ !

فقال: قد أخطأت المعتزلة والحشوية، فيما ادعوه علينا من خلاف جماعة أهل مذهبنا، في استعمال المناظرة.

وأخطأ من ادعى ذلك - أيضا - من الامامية، وتجاهل.

لان فقهاء الامامية، ورؤساء هم في علم الدين، كانوا يستعملون المناظرة، ويدينون بصحتها، وتلقى ذلك عنهم الخلف، ودانوا به(١٢) .

____________________

(٦) الامامية:

فرقة من المسلمين، تلتزم بالتوحيد والعدل، ونبوة النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم، والمعاد الجسماني، وبإمامة الائمة الاثني عشر من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

إقرأ عنها: عقائد الامامية للمظفر، وأصل الشيعة وأصولها لكاشف الغطاء.

وراجع: تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد.

(٧) أضاف في " ضا " كلمة: إلا.

(٨) في " مج ": فاعليها.

(٩) في " مط " و " مج ": أم.

(١٠) في " مط ": من.

(١١) كلمة " عليه " لم ترد في " تي ".

(١٢) موقف السلفية العامة بن علم الكلام:

وقف السلفية أهل السنة من علم الكلام الاسلامي موقفا معاديا فكان مالك بن أنس =

٧٤

وقد أشبعت القول في (هذا الباب [ وذكرت أسماء المعروفين بالنظر، وكتبهم، ومدائح الائمة عليهم السلام لهم ](١٣) في كتابي: الكامل في علوم الدين، وكتاب: الاركان في دعائم الدين.

وأنا أروي لك - في هذا الوقت - حديثا من)(١٤) جملة ما أوردت في ذلك(١٥) :

أخبرني أبو الحسن، أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن - مولى آل يقطين - عن أبي جعفر، محمد بن النعمان: عن أبي عبد الله، الصالق جعفر بن محمد عليه السلام:

قال: قال لي: خاصموهم وبينوا لهم الهدى الذي أنتم عليه (وبينوا لهم ضلالهم)(١٦) وباهلومم في علي عليه السلام(١٧) .

____________________

= يقول: " الكلام في الدين أكرهه، ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل... " الاعتصام، للشاطبي (٢ / ٢ - ٣٣٤) ومناهج الاجتهاد في الاسلام (ص ٦٢٤ - ٦٢٥).

وكان أحمد بن حنبل يقول: " لست صاحب كلام، وإنما مذهبي الحديث " المنية والامل، لابن المرتضى (ص ١٢٥) ومناهج الاجتهاد في الاسلام (ص ٧ - ٥٠٨ و ٦٧٩) وألف الخطابي منهم كتاب: الغنية عن الكلام وأهله.

لكن الاشاعرة من العامة تصدوا لهم فألف الاشعري " رسالة في استحسان الحوض في علم الكلام " لاحظ مذاهب الاسلاميين (١ / ١٥ - ٢٦).

(١٣) ما بين المعقوفين لم يرد في " ن ".

(١٤) ما بين القوسين لم يرد في " ضا " ولا في " تي ".

(١٥) زاد في " مط " و " مج ": إن شاء الله.

(١٦) ما بين القوسين ليس في " ن " ولا في " تي ".

(١٧) الحديث ذكره المفيد مرسلا في تصحيح الاعتقاد (ص ٢١٨).

٧٥

٧٦

[ ٨ ]

[ اتهام التشبيه ]

[ وقول هشام بالتجسيم اللفظي ]

قلت: فإني لا أزال أسمع المعتزلة يدعون على أسلافنا(١) : أنهم كانوا - كلهم - مشبهة.

وأسمع المشبهة من العامة(٢) يقولون مثل ذلك.

وأرى جماعة من أصحاب الحديث من الامامية يطابقونهم على هذه الحكاية، ويقولون: إن نفي التشبيه إنما أخذناه من المعتزلة !

فأحب(٣) أن تروي لي حديثا يبطل ذلك.

فقال: هذه الدعوى كالاولى(٤) .

ولم يكن في سلفنا رحمهم الله من يدين بالتشبيه من طريق

____________________

(١) في " ن، ضا، وتي ": أسلافكم.

(٢) في " ن " و " ضا " و " تي ": من العالم.

(٣) في " ن ": فأوجب.

(٤) في " مج ": كالاولة.

٧٧

المعنى(٥) .

وإنما خالف هشام(٦) وأصحابه، جماعة أبي عبد الله عليه

____________________

(٥) يعتقد الشيعة الامامية بالتوحيد، ونفي التجسيم، ونفي الرؤية، وقد أقاموا على ذلك الادلة، من العقل والنقل، وألفوا في ذلك الكتب، لكن المخالفين - ولاغراض أو شبه - اتهموهم بخلاف ذلك، فتصدى لهم كبار الطائفة بالرد والتفنيد.

قال الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين القمي (ت ٣٨١) في مقدمة كتابه " التوحيد ": إن الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا أني وجدت قوما من المخالفين لنا ينسبون عصابتنا إلى القول بالتشبيه والجبر، لما وجدوا في كتبهم من الاخبار التي جهلوا تفسيرها، ولم يعرفوا معانيها... فقبحوا لذلك عند الجهال صورة مذهبنا، ولبسوا عليهم طريقتنا، وصدوا الناس عن دين الله، وحملوهم على جحود حجج الله، فتقربت إلى الله تعالى ذكره بتصنيف هذا الكتاب في التوحيد، ونفي التشبيه والجبر. لاحظ: التوحيد (ص ١٧ - ١٨).

هذا، والشيخ الصدوق يعد في أهل الحديث من الشيعة.

وقد ألف أخوه الحسين بن علي بن الحسين القمي كتابا باسم " التوحيد ونفي التشبيه ".

وأنظر حول اعتقادنا في التوحيد: نهج الحق، للعلامة (ص ٥٥ - ٥٦) وكشف المراد، له (ص ٢٩٣ - ٢٩٤).

والغريب أن لالعامة - وخاصة الحشموية منهم - مقالات منكرة في التجسيم والتشبيه والرؤية، تقشعر منها الجلود، وقد فصلنا البحث معهم والرد على شبهاتهم، والكشف عن أغلاطهم وما إلى ذلك، في مقال مستقل، أعاننا الله على تكميله. ولاحظ التعليقين رقمي (٢١) و (٣٥) من الفقرة [ ٩ ] فيما يأتي.

(٦) هشام بن الحكم، أبو محمد، الكندي - مولاهم - البغدادي، الكوفي:

متكلم شيعي، من أصحاب الامامين الصالق والكاظم عليهما السلام، ولد في الكوفة، ونشأ في واسط، وانتقل إلى بغداد، له روايات كثيرة في العقائد والاحكام، وألف كتبا عديدة، أكثرها في الكلام، منها: التوحيد، والكلام على حدث الاجسام، والرد على الزنادقة، والرد على أصحاب الاثنين، والرد على أصحاب الطبائع، وكتاب الشيخ والغلام في التوحيد، الرد على المعتزلة، والرد على ارطاطا لس في التوحيد، والمجالس في التوحيد، وكتب كثيرة في الامامة. =

٧٨

السلام بقوله(٧) في الجسم، فزعم أن الله تعالى: " جسم لا(٨) كالا جسام "(٩) .

وقد روي: أنه رجع (عن هذا القول بعد ذلك.

وقد اختلفت الحكايات)(١٠) عنه، ولم يصح - منها - إلا ما ذكرت(١١) .

وأما الرد على هشام، والقول بنفي التشبيه، فهو أكثر من أن

____________________

= ترجم له أصحاب الكتب الرجالية الشيعية كافة، وأثنوا عليه بالثقة والتحقق بهذا الامر، والتقدم في الكلام، كما جرحه العامة، وخاصة المعتزلة لشدته عليهم، ولعجزهم عن مقارعة حججه.

وقد تحدثنا عنه في مقالنا عن مقولته " جسم لا كالاجسام " كما سيأتي.

وانظر ترجمته في رجال النجاشي (ص ٤٣٣) رقم (١١٦٤) والفهرست للطوسمي (ص ٢٠٣) رقم (٧٨٢) ورجال الكشي، الارقام (٤٧٥ - ٥٠٣) و (١٠٢٥).

(٧) يدل هذا التعبير على أن لهشام رأيا في التعبير بالجسم، وهو إطلاقه على البارئ بلفظه، لا بمعناه المعروف، بل بمعنى " الشئ " الذي اصطلحه هشام، وكان متداولا في عصره، واستدل عليه بالحصر العقلي، وقد أوضحنا كل هذه الجوانب في مقالنا عن " جسم لا كالاجسام ".

(٨) كذا في " مط " و " مج " لكن في " ن، ضا، تي ": ليس، بدل " لا ".

(٩) هذه المقولة المعروف عن هشام إطلاقها، له إن نقلت عن غيره أيضا، وقد تحدثنا عن مدلولها وعن دليلها عند هشام، بنحو مفصل جدا في مقال بعنوان " مقولة جسم لا كالاجسام بين موقف هشام بن الحكم ومواقف سائر أهل الكلام " نشر في مجلة (تراثنا) العدد التاسع عشر (ص ٧ - ١٠٧).

(١٠) ما بين القوسين ورد في " مط " و " مج ".

(١١) لاحظ مقالنا المذكور آنفا، فقد ذكرنا بتفصيل ما يصح نسبته إلى هشام من القول، في باب التجسيم، وأن أعداءه من العامة - خاصة المعتزلة - قد نسبوا إليه أمورا باطلة اتهموه بها زورا وبهتانا، فلاحظ.

٧٩

يحصى من الرواية عن آل محمد عليهم السلام.

أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه (رحمه الله)(١٢) ، عن محمد بن يعقوب(١٣) ، عن محمد بن(١٤) أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح والحسن(١٥) ابن سعيد، عن عبد الله بن المغيرة، عن محمد بن زياد، قال: سمعت يونس بن ظبيان، يقول: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام، فقلت له: إن هشام بن الحكم يقول في الله عزوجل(١٦) قولا عظيما،

____________________

(١٢) الترحم لم يرد في " ن " ولا في " تي ".

(١٣) روى الكليني محمد بن يعقوب هذا الحديث بنفس السند الذي جاء في كتابنا (الحكايات) إلا أن فيه: "... بكربن صالح، عن الحسن بن سعيد... " في الكافي (ج ١) كتاب التوحيد، باب النهي عن الجسم والصورة، الحديث (٦) تسلسل (٢٨٣).

وقد رواه الصدرق، بعين السند، إلا أن فيه: "... الحسين بن الحسن والحسن بن علي، عن صالح بن أبي حماد، عن بكربن صالح، عن الحسين بن سعيد... " في كتاب التوحيد، الباب (٦) الحديث (٧) (ص ٩٩).

وبعد المتابعة والفحص في الاسانيد توصلنا إلى أن الصحيح ما جاء في كتابنا من عطف الحسن بن سعيد بالواو، على الحسين بن الحسن - وهو ابن بردة - لانه في طبقته، وما يرويان عن بكر بن صالح، وبكر يروي عن محمد بن زياد.

وأما الحسين بن سعيد - فهو الكوفي الخزاز، وهو الذي يروي عنه بكر بن مالح، وهو غير الاهوازي المعروف، بل أقدم منه طبقة.

والاستدلال على كل هذه الدعاوي، والاستشهاد لها، يطول جدا وليست هذه التعليقات متسعة لذلك، وسنوردها في بعض بحوثنا الرجالية، بعونه تعالى.

(١٤) في " ن " زيادة: أحمد بن.

(١٥) في " مط " و " مج ": الحسين، ولاحظ التعليقة (١٣) السابقة هنا.

(١٦) قوله: " عزوجل " لم يرد في " تي ".

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136