المسائل الصاغانية

المسائل الصاغانية0%

المسائل الصاغانية مؤلف:
الناشر: كنگره شيخ مفيد
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 177

المسائل الصاغانية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبرى البغدادى (الشيخ المفيد)
الناشر: كنگره شيخ مفيد
تصنيف: الصفحات: 177
المشاهدات: 47579
تحميل: 3950

توضيحات:

المسائل الصاغانية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 177 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 47579 / تحميل: 3950
الحجم الحجم الحجم
المسائل الصاغانية

المسائل الصاغانية

مؤلف:
الناشر: كنگره شيخ مفيد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فصل

ثم قال هذا الشيخ الضال: فأدَّى قولهم هذا إلى أن الرجل يخلف ضياعاً و بساتين، فيها أنواع من الشجر والنخيل والزروع، تكون قيمتها من مائة ألف دينار إلى أكثر من ذلك، فلا يعطون الزوجات منها شيئاً.

فهذا قول لم يقله كافر فضلاً عن أهل الإسلام.

فصل

فيقال له: زادك الله ضلالاً على ضلالك، وأعمى عينيك كما أعمى قلبك، من أين أدَّى قولهم إلى ما وصفت؟ إما(1) لأن الضياع - عندك - والأشجار والنخيل والنبات(2) ، هي(3) الرباع؟ أم لغير ذلك؟.

فإن كان يؤدِّي إلى ما وصفت لأن الضياع من الرباع، والأشجار والأثمار منها؟ فهذا بلغة الترك - لعلَّه - أو الزنج؛ وأما بلغة العرب فليس ذلك فيها، بل ليس ذلك لغة من اللغات؛ وأنت بتهمتك ظننت أن الرباع لما ذكرت من الضياع.

ولو عرفت فائدة هذه اللفظة، وما وضعت له، لما أوردت ذكر الضياع والأشجار والبساتين فيما أنكرته على القوم من منع الزوجات تملك الرباع.

____________________

(1) «إما» ساقطة من أ.

(2) في ب: الثياب.

(3) «هي» ساقطة من أ.

١٠١

وقد كان ينبغي أن تسأل بعض أهل اللسان عن معنى هذه اللفظة، وعلى ما وضعت، ثم تتكلَّم على بصيرة؛ لكنك لم توفَّق لذلك، وأراد الله تخييبك، و إيضاح جهلك، خذلاناً منه لعنادك في الدين.

والرباع عند أهل اللغة: هي الدور والمساكن خاصَّة(1) ، فليس لما سواها مدخل فيها.

فافهم ذلك إن كان لك عقل تفهم به الأشياء.

____________________

(1) العين للخليل 2: 133، لسان العرب 8: 102، القاموس المحيط 3: 24.

١٠٢

مسألة أخرى ثامنة

قال الشيخ المتعصب: ومن عجائب قولهم في الميراث: أن الرجل إذا مات، وخلَّف بنين وبنات وزوجات، وكان في البنين(1) واحد منهم أكبرهم، اختصَّ بثياب بدنه وسلاحه وخاتمه ومصحفه، ثم ورث بعد ذلك مع الجماعة مما تبقَّى، ربما كانت ثياب بدن الرجل وسلاحه وخاتمه ومصحفه معظم تركته، بل ربما لم يخلف غير ذلك، فيقون به الولد الأكبر، ويحرم الباقون ميراثه.

وهذا أقبح من قولهم الأول، الذي بيَّنا خروجهم به من الإجماع؛ مع رده القرآن من قوله تعالى:(لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا) (2) .

فصل

فيقال له: الجواب عن هذه المسألة كالجواب عن الأولى، والقول فيهما

____________________

(1) في «أ»: البين.

(2) النساء: 7.

١٠٣

واحد، وقد حرَّف - مع ذلك - قول القوم، ولم يفهمه، وشنعتك بباطل لم تعلمه.

الذي تذهب إليه الشيعة في هذه المسألة: أن للولد الذكر الأكبر من جملة ثياب الرجل ما مات وكانت عليه، أو معدَّة للباسه، دون جميع ثياب بدنه؛ و من جملة سلاحه سيفه، ومصحفه الذي كان يقرء فيه، وخاتمه(1) .

خصَّه الله بذلك على لسان نبيه (صلى الله عليه وآله) وفي سنَّته؛ وليس يمتنع تخصيص القرآن بالسنة الثابتة.

ولو منع القوم أن يكون ما عددناه من تركة الميت - لاستحقاق الولد له بالسنة - خارجاً عن الميراث؛ لم يكن للخصم حجة فيما تعلق به من العموم.

وإنما جعل الله سبحانه ما سميناه للولد الأكبر، لأنه ألزمه قضاء الصوم عن أبيه، إذا مات وعليه صوم قد فرَّط فيه، وقضاء ما فرَّط فيه من الصلاة أيضاً.

والعقل يجوّز ما ذكره القوم، ولا يمنع منه، وقد جاء به الشرع على ما بيناه، وأي عجب في ذلك، وأي منكر فيه.

مع أنا قد ذكرنا فيما تقدَّم أنكم حرمتم الأولاد والزوجات جملة الميراث، مع حكم القرآن بوجوب ذلك لهم، وأخرجتم أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأزواجه، وعصبته، من استحقاق ميراثه، وحرمتموهم تركاته، والقرآن شاهد بضد ذلك؛ وظاهره قاض بخلافه.

فأما ما توهَّمه علينا أنه إذا لم يترك الرجل إلا ثياب بدنه، وسيفه و مصحفه وخاتمه فإن الولد الأكبر يحوزه، فليس كما توَّهم، وإنما للولد ذلك إذا كانت هناك تركات سواه، وكان يسيراً في جنب ما خلَّف الوالد ولو كان في

____________________

(1) انظر: فروع الكافي 7: 85، تهذيب الأحكام 9: 276.

١٠٤

جملة من هذه الأشياء ماله قدر يعظم، فيصير جملة وافرة من تركته، لما استبدَّ به دون الورثة، والقول في هذا على العادة، وهو أن يترك الرجل تركة، فيكون منها للأكبر ما عددناه لما ذكرناه، من قيامه بما سميناه من الصوم والصلاة عنه إذا فرَّط فيه قبل وفاته، عوضاً له عن ذلك، ولا يكون له إذا لم يترك غيره.

فتوهَّم الشيخ الضال خلاف ما ذكرناه، تيهاً عن الحق فيه.

فصل

ويقال له: قد أنكر ضعفاء من أهل القبلة، وكل من خالف الملَّة، حكم الله عزّوجلّ في العاقلة، وقالوا: كيف يجوز أن يحكم الله على قوم لما يقتلوا و لم يرضوا بالقتل، ولا شاركوا فيه، بالدية؛ ويعفى القاتل(1) منها؟! ونسبوا ذلك إلى الظلم، وتعلَّقوا بقوله تعالى:(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ) (2) ، وقوله:(وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ) (3) ؛ وكانت الحجة عليهم كالحجة عليك فيما أنكرت، والشناعة منهم بالباطل، كالشناعة منك على الشيعة عما وقعت، و تخرَّصت فيه الباطل، وتوهمت غير الحق في معناه وظننت.

وهذا العذر كاف في بطلان ما تعلَّق به الشيخ الناصب في هذه المسألة، و ما تقدَّم في الأولى من الكلام متوجه عليه في الجميع(4) ... والمنة لله ...

____________________

(1) في جميع النسخ «العاقل»، وما أثبته أنسب.

(2) الأنعام: 164.

(3) النجم: 39.

(4) في جميع النسخ: الجمع؛ وما أثبته أنسب.

١٠٥

١٠٦

مسألة أخرى تاسعة

قال الشيخ الضال: ومثل بدعهم التي حكيناها فيما بيّنّاه عنهم، قولهم في(1) الديات، وهو إذا قتل الرجلُ المرأةَ، زعموا أن لأهلها أن يقتلوه، وعليهم نصف الدية.

فخالفوا بذلك ظاهر القرآن من قوله تعالى:(النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (2) ، و خرجوا به من الإجماع.

فصل(3)

فيقال له: إن ظاهر القرآن(4) مع القوم، وما ظننت من حكمه معك، فهو ظن باطل، قال الله عزّوجلّ:(الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ) (5)

____________________

(1) (في) ساقطة من أ.

(2) المائدة: 45.

(3) ساقطة من أ.

(4) في جميع النسخ: (ظاهر القرآن مع القوم).

(5) البقرة: 178.

١٠٧

فجعل القصاص في التماثل بالأنفس ما تستحقُّ بها من الديات؛ وقد علمنا أن دية الذكر ألف دينار، ودية الأنثى خمسمائة دينار؛ وهذا يمنع التماثل فيما يوجب القصاص.

كما أن العبد لما كان لا يماثل الحرَّ في ديته، امتنع القصاص بينهما، وكان ظاهر القرآن يقضي بوجوب القصاص لمماثله بما تلوناه.

فأما قوله تعالى:(النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (1) فهو خاص بالإجماع والاتفاق، لأنه لا يقتل السيد بعبده(2) ولا المؤمن بالحربي الكافر، ولا يقتل المسلم عند جمهور الفقهاء بالذمي(3) ، ولا يقتل الإنسان بالبهيمة، باتفاق أهل الملل كافة، فضلاً عن ملة الإسلام، ونفس البهيم نفس، كما أنَّ نفس الإنسان نفس.

وإذا ثبت خصوص هذه الآية بالإجماع، بطل التعلق بعمومها على ما ذكرناه.

فأما تسويغنا أولياء المرأة أن تقتل الرجل بشرط أن يؤدوا نصف الدية إلى أوليائه؛ فمأخوذ مما ذكرناه في حكم القصاص، وبالسنة الثابتة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، المأثورة بعمل أمير المؤمنين (عليه السلام)، وليس يختلف العامة أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى بذلك، وعمل به(4) .

____________________

(1) المائدة: 45.

(2) المغني 9: 360، الشرح الكبير 9: 362، كشاف القناع 5: 525، الإنصاف 9: 469، حاشية الجمل على شرح المنهج 5: 21، حلية العلماء 7: 450، الكافي لابن عبد البر: 588، التفريع 2: 216، القوانين الفقهية: 340.

(3) المغني 9: 342، الشرح الكبير 9: 361، كشاف القناع 5: 524، الإنصاف 9: 469، الأم 6: 25، المهذب 2: 173، حاشية الجمل 5: 20، الكافي لابن عبد البر: 588، التفريع 2: 216، القوانين الفقهية: 340، حلية العلماء 7: 448.

(4) الأم للشافعي 7: 176، فتح الباري 12: 180، المغني لابن قدامة 9: 378، الشرح الكبير 9: 359.

١٠٨

وقد ثبت الخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: علي أقضاكم(1) .

وقال: علي مع الحقِّ والحقُّ مع علي، اللهمَّ أدر الحق مع علي حيثما دار(2) .

وإذا كان الأمر على ما ذكرناه، بطل ما ادعاه الشيخ الضال من خلاف الإجماع في ذلك، إلّا أن يُخرِجَ أمير المؤمنين (عليه السلام) من الإجماع، و يحكم على قوله بالشذوذ والخروج عن الإيمان. فينكشف أمره لسائر العقلاء، و تظهر ردّته لكافّة العلماء، ويبين من جهله ما لا يخفى على أحد من الفقهاء؛ و كفاه بذلك خزياً.

____________________

(1) فتح الباري 8: 136، كشف الخفاء للعجلوني 1: 184.

(2) مجمع الزوائد 7: 235، ربيع الأبرار 1: 528، تاريخ بغداد 14: 321، التفسير الكبير للرازي 1: 205.

١٠٩

١١٠

مسألة عاشرة

قال الشيخ الجاهل: ومن عجيب قولهم أيضاً في هذا الباب أنهم زعموا: أن الإنسان إذا قطع رأس ميت من الناس، وجبت عليه ديته مائة دينار؛ وهذا قول لا يعرف له أصل في كتاب ولا سنة ولا قياس، ولا قال به أحد من فقهاء الإسلام.

فصل

فيقال له: ليس تعجُّبك من هذا المقال ببدع من جهالاتك، أي منكر فيما حكيت، ولأي أصل خالف من قال هذا، الكتاب أو السنة؟! وكيف يكون رداً للإجماع، وعترة الرسول (عليهم السلام) وأشياعهم في شرق الأرض وغربها قائلون به ومسندون إلى صاحب الشريعة (عليه السلام)؟!.

فأما القياس بالشريعة فليس بأصل عندنا، ولا مثمر علماً، ولو كان أصلاً شاهداً بما ذكرناه في هذا المعنى ووصفناه؛ وذلك أن في الجنين مائة دينار، وهو

١١١

الصورة قبل أن تلجها الروح، فإذا مات الإنسان صار إلى حال الجنين في كونه صورة لا روح فيها، وكان حكمها في الدية حكم الجنين.

هذا مع ثبوت الخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قضى بذلك في الميت خاصة، ورواه عنه عترته الصّادقون (عليهم السلام)(1) .

كما رووا عنه في الجنين مائة دينار، ورووا عنه في النطفة إذا ألقتها المرأة من الضرب ونحوه عشرون ديناراً، وفي العلقة أربعون، وفي المضغة ستون ديناراً، وفي العظم المكسي لحماً ثمانون، وفي الصورة قبل أن تلجها الروح مائة(2) .

وهذه أخبار ظاهرة مستفيضة عن النبي (صلى الله عليه وآله) من طريق عترته (عليهم السلام)، إنما ضللت عنها وأئمتك لعدولكم عن معدن الحق، و مصيركم إلى الباطل وأهله، واشتغالكم عن حمل الآثار بالرأي والاستحسان، و هجرانكم أمر الله تعالى بصلته وأخذ معالم الدين عنه من عترة نبيكم (عليهم السلام) وتقليدكم الضلّال من أعدائهم المتولّين للرجال، ولو نظرتم لأنفسكم لما خفي عليكم الصواب.

فصل

ثم يقال له: أكلُّ أحكام الشريعة مسطورة في ظاهر القرآن، والسنة المجمع

____________________

(1) فروع الكافي 7: 347، 348، من لا يحضره الفقيه 4: 121، تهذيب الأحكام 10: 272.

(2) فروع الكافي 7: 242، من لا يحضره الفقيه 4: 111، تهذيب الأحكام 10: 281.

١١٢

عليها عن النبي (صلى الله عليه وآله)؟ فإن قال: نعم، بهت وكابر، وردَّ على كافة العلماء.

وإن قال: لا؛ قيل: فلم أنكرت الحكم في قطع رأس الميت، وإن لم يكن منصوصاً في القرآن والسنة المجمع عليها بين أهل الإسلام؟! فلا يجد لذلك دفعاً.

فهذه أيدك الله جملة ما انطوى عليه كتابك من المسائل التي حكيتها(1) عن هذا الشيخ الناصب وقد أوردتها على وجهها، وبيَّنت جهالاته فيما شنع به منها، وكشفت عن وهي شبهاته فيها؛ ولو أورد شبهات غير التي احتوى على ذكرها كتابك في الحكاية عنه لنقضناها بحسب ما أبطلنا به الشبهات التي قد وقفنا عليها من كلامك، وفيما أثبتناه من ذلك كفاية لمن تأمله من ذوي العقول والمنة لله...

فصل

وأنا بمشيئة الله وعونه أذكر جملاً من خلاف إمام هذا الشيخ الناصب على الأمة، وخروجه بها من أحكام الشريعة، وردِّه بقوله فيها على الكتاب والسنة؛ ومعتمد في ذلك الإيجاز والاختصار؛ إذ كان في استيفاء حكاية مذاهب ما ذكرناه مما هو خلاف الإجماع، ومضادّ لحكم القرآن، انتشار في المقال، وإضجار لمن قرأه وإملال، وبالله أعتصم من الضلال.

فأوَّل ما أبدأ به الخبر عن بدعه في المياه التي يكون بها الطهارات؛ ثم

____________________

(1) في جميع النسخ «حكينا»، وما أثبته أنسب.

١١٣

أحكام الوضوء، والاغتسال، وما يتصل بذلك من أحكام شريعة الإسلام.

قال الله سبحانه في ذكر ما يتطهر به العباد لإداء القرب المفترضات، و الطاعات المندوب إليها بالأحكام المشروعات(وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) (1) فأخبر أن الذي جعله طهوراً للعباد من الأنجاس والأدناس لأداء الصلوات، وإقامة العبادات في الطهارات، هو الماء المنزل من السماء، دون ما سواه مع الاختيار.

فزعم إمام الشيخ الضال المعروف بأبي حنيفة النعمان بن ثابت الخزاز أن الطهور قد يكون بالنبيذ المسكر(2) ، والموجب على شاربه الحد في ملة الإسلام، النجس العين بحكم القرآن، حيث يقول الله جلّ اسمه:(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْـسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (3) فحكم على الخمر بالنجاسة، نصاً لا يختل فهم معناه على ذوي الألباب؛ وكل مسكر خمر بحكم اللغة التي نزل بها القرآن، والسنة الثابتة عن النبي (صلى الله عليه وآله) حيث يقول: كل مسكر خمر، وكل خمر حرام(4) .

فقصد النعمان إلى ما أمر الله باجتنابه لرجاسته، وسوء عاقبته، فدعا إلى القرب به إليه من الطهارات، وإقامة الصلوات والعبادات، وكان بذلك مناقضاً لحكم القرآن، وخارجاً بما قال فيه عن شريعة الإسلام، وشاذّاً به عن إجماع العلماء.

____________________

(1) الفرقان: 48.

(2) الجامع الصغير: 74، المبسوط للسرخسي 1: 88، بدائع الصنائع 1: 15، حلية العلماء 1: 74.

(3) المائدة: 90.

(4) صحيح مسلم: 1587، سنن أبي داود 3: 327، الجامع الصحيح للترمذي 4: 290، سنن ابن ماجة: 1124.

١١٤

فصل

مع أنه لا يختلف أهل التفسير في قوله:(وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) (1) أنه أراد شراباً لا يسكر(2) ؛ وزاد ذلك على أن كل مسكر فهو نجس، خارج عن حكم الطهارة.

وحكم أبو حنيفة على العلماء بتفسير القرآن، مناقضاً لمعنى الآية على ما بيناه.

فصل

ثم قال الله سبحانه: في التيمم(وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) (3) فأمر بالتيمم عند عدم الماء والضرورة.

وزعم النعمان أن من لم يجد الماء، ووجد الخمر الذي هو النبيذ المسكر توضأ به، فأجزاه ذلك عنه(4) .

وهذا نقيض أمر الله وضدِّه، بلا ارتياب.

____________________

(1) الإنسان: 21.

(2) انظر: الكشاف للزمخشري 4: 200، التفسير الكبير للرازي 30: 254، معالم التنزيل للبغوي 5: 501، زاد المسير 8: 440.

(3) المائدة: 6.

(4) الجامع الصغير: 74، المبسوط للسرخسي 1: 88، بدائع الصنائع 1: 15، شرح فتح القدير 1: 103، حلية العلماء 1: 74.

١١٥

فصل

وذكر الله التيمم، وحكم ما يتيمم به الإنسان، فقال سبحانه:(فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) (1) ، والصعيد بإجماع أهل اللغة ما علا وجه الأرض من التراب(2) .

فخالف النعمان هذا النص، وقال: للإنسان أن يتيمم بالنورة والزرنيخ وأشباههما(3) ، مما لا يقع عليه اسم الصعيد في اللغة التي نزل بها القرآن، ولم يحتشم من إظهار الخلاف على الله عزّوجلّ، والرد لما تضمنه حكم القرآن.

فصل

وزعم هذا الرجل: أن الثوب إذا أصابته النجاسة، طهر بغير الماء من المائعات، رداً على الله سبحانه قوله:(وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) (4) ، فجعل الطهر بما لم ينزل من السماء، ولم يستحق سمه الماء، وهذا من الجرأة الظاهرة على الله تعالى، والإقدام المنكر في خلاف ما حكم به في الكتاب والسنة، و شرَّعه من الحكم للعباد.

____________________

(1) المائدة: 6.

(2) انظر: الصحاح للجوهري: 489، المفردات للراغب الأصفهاني: 280، لسان العرب 3: 254.

(3) تحفة الفقهاء 1: 40، المبسوط للسرخسي 1: 108، بدائع الصنائع 1: 54، حلية العلماء 1: 232.

(4) الفرقان: 48.

١١٦

فصل

وقال تعالى في الطهارة التي فعلها مفتاح الصلاة:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (1) فرتَّب الله الطهارة في كتابه، وأدَّى ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتعليم أصحابه الطهارة، فبدأ بغسل وجهه و يده اليمنى ثم اليسرى، ومسح برأسه ورجليه، وقال: هذا وضوء لا تقبل الصلاة إلّا به.

فردَّ النعمان ذلك وناقضة، وقال: من توضأ فبدأ بغسل رجليه، وثنَّى بمسح رأسه، ثم غسل يديه ثم ختم بغسل وجهه، فخالف بذلك ترتيب الله، إذ قدّم المؤخر من هذه الأعضاء، وخلط في الترتيب، وغيّر بعضه أو جميعه، فقد أدَّى ما وجب عليه، وامتثل أمر الله له فيه، ووافق سنة النبي (صلى الله عليه وآله)(2) ، فعاند بذلك في المقال، وردَّ صريح القرآن، وخالف السنة بلا ارتياب.

فصل

ثم زعم بعد الذي ذكرناه أنه من كان محدثاً ما يوجب الطهارة بالوضوء أو الغسل، فاغتسل عن طريق التبرد أو اللعب، ولم يقصد بذلك الطهارة، ولا نوى

____________________

(1) المائدة: 6.

(2) اللباب 1: 11، الهداية 1: 13، تحفة الفقهاء 1: 12، بدائع الصنائع 1: 18، شرح فتح القدير 1: 30.

١١٧

به القربى؛ أو غسل وجهه على طريق الحكاية، أو اللعب، وغسل يديه لذلك، و مسح رأسه، وغسل رجليه، أو جعل ذلك، علامة بينه وبين امرأة في الاجتماع معه للفجور، أو أمارة على قتل مؤمن أو استهزاء به، فإن ذلك على جميع ما ذكرناه مجز له عن الطهارة(1) التي جعلها الله قربة إليه، وفرض على العبد أن يعبده، ويخلص له النية فيها، بقول جلّ اسمه:(مَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) (2) فخالف القرآن نصاً، وردَّ على النبي (صلى الله عليه وآله) في قوله: إنَّما الأعمال بالنيات، وإنَّما لكل امرء ما نوى(3) . وخالف بذلك العلماء، وشذَّ عن الإجماع.

فصل

وفرض الله تعالى الصلاة قربة إليه، وعبادة له، فقال جلَّ اسمه:(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّـهِ قَانِتِينَ) (4) ، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الصلاة عماد الدين(5) .

ثم رتَّب فعلها وعلَّم أمته صفتها، وسنَّ فيه سنناً، وفرض فيها فرائض، وألزم القيام بها بحدودها، ودعا إلى البدار بإتيانها(6) في أول أوقاتها، فقال (عليه

____________________

(1) المبسوط للسرخسي 1: 117، بدائع الصنائع 1: 18، حلية العلماء 1: 128.

(2) البينة: 5.

(3) صحيح البخاري 1: 2، صحيح مسلم: 1516، سنن أبي داود 2: 262، سنن النسائي 1: 58.

(4) البقرة: 238.

(5) فردوس الأخبار 2: 56 3، كشف الخفاء للعجلوني 2: 40، كنز العمال 7: 284.

(6) في أ: باديانها، وما أثبته من ب.

١١٨

السلام): الصلاة في أول الوقت رضوان، وفي وسطه غفران وفي آخره عفو الرَّب(1) .

فزعم النعمان: أن فرض الصلاة في أواخر الأوقات(2) ، ردّاً على النبي (صلى الله عليه وآله)، وهذا فيما رسمه لأمته وحدَّه.

وقال (عليه وآله السلام) في ذكر الصلاة تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم(3) .

فزعم النعمان: أن تحريمها التهليل أو التسبيح أو التحميد(4) ، وتحليلها إحداث البول أو الغائط على التعمد أو الريح(5) . استهزاءاً بالشريعة، وردّاً على صاحب الملة.

فصل

وقال (عليه السلام): كل صلاة لا يُقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج فهي خداج، يقولها ثلاث مرات(6) .

____________________

(1) الجامع الصحيح للترمذي: 321، بأدنى تفاوت.

(2) بدائع الصنائع 1: 124، اللباب 1: 58، الهداية 1: 40، تحفة الفقهاء 1: 10 2، وفيها: الا في المغرب والظهر في الشتاء.

(3) الجامع الصحيح للترمذي 1: 32 1.

(4) اللباب 1: 67، الهداية 1: 47 تحفة الفقهاء 1: 123، المبسوط للسرخسي، 1: 3 5، شرح فتح القدير 1: 246.

(5) اللباب 1: 85، الهداية 1: 60، شرح فتح القدير 1: 334.

(6) صحيح مسلم: 296، 297، سنن أبي داود 1: 216، الجامع الصحيح للترمذي 2: 120، سنن النسائي 2: 135.

١١٩

فزعم النعمان: أنه لا حاجة بالإنسان في صلاة إلى قراءة أم الكتاب، وأنه إذا قال في كل ركعة من صلاة كلمة من القرآن أجزأته صلاته على التمام(1) ، ردّاً على النبي (صلى الله عليه وآله).

فصل

هذا مع قوله: أن الصلاة قد تكون تامَّة إن لم يقرأ فيها شيء من القرآن، مع ما قدمناه من قول النبي (صلى الله عليه وآله) في إيجاب قراءة القرآن في الصلاة، وقول الله عزّوجلّ:(فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) (2) وقوله:(فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) (3) يريد به في الصلاة على ما أجمع عليه أهل الإسلام(4) .

فصل

وقال الله عزّوجلّ:(قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) (5) فوصف القرآن بالعربية والفصاحة والبيان، وقال:(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ

____________________

(1) اللباب 1: 77، الهداية 1: 48، تحفة الفقهاء 1: 96، شرح فتح القدير 1: 289.

(2) المزمل: 20.

(3) المزمل: 20.

(4) انظر: الكشاف للزمخشري 4: 179، التفسير الكبير للرازي 30: 187، معالم التنزيل للبغوي 5: 474، زاد المسير 8: 396.

(5) الزمر: 28.

١٢٠