- ا -
- ب -
المباهلة
الإهداء
بسم الله الرحمن الرحيم
يا رسول الله
هذه أجيال تمرّ على يوم المباهلة - ذلك اليوم الذي شعّ منه نور للإسلام، وانبعث في الآفاق متألّقاً منيراً - والناس لا تكاد تحسّ بمروره، حتّى أنّ بعض الناس لا يعرفون عنه شيئاً، أو أنّهم شاءوا أن لا يعرفوا عنه شيئاً. إنّ هذا شيء يغيضك ولابد. فإنك قد أوضحت بيومك ذاك طريقاً لاحبا سويّاً، لو سار عليه المسلمون لكانوا على خير عظيم. وإنّ يومك ذاك قد أهّلته ليكون عيداً من أعظم أعياد أمتك، ويوماً من أكبر الأيّام وأكرمها.
لقد مرّ الناس عليه مروراً عابراً...
ولكنّ علماً من أعلام أمتك، وحملة مواريثك، وفرعاً من دوحتك الضاربة في السماء وأعني به الإمام السيّد عبد الحسين شرف الدين، وهو أحد أولئك الذين خلّفتهم للسير بأمتك على الطريق الذي رسمته، ولينهجوا بها على الصراط الذي نهجته. قد رفع صوته في يوم من الأيام، داعياً لإذاعة فضل هذا اليوم المبارك في الناس، وإخراج قصّة مؤتمر نجران ليعرفوه.
وها أني طلباً لرضاكم، وإجابة لنداء شبلكم، وحامل لوائكم، أتقدم بمجهودي الضئيل هذا، فأرفعه بكلتا يديّ إلى سدّتكم الرفيعة راجياً منكم القبول، ومن شبلكم الرضا.
عبد الله السبيتي
- ج -
المقدمة
بقلم: السيّد صدر الدين شرف الدين
إنّنا نقرأ الآن كتابا جديداً للعلاّمة السبيتي، وما أدري أين يقع رقم هذا الكتاب من السلسلة التي أفرغها مؤلّفه في بضع سنين، أهو الكتاب الخامس، أم هو الكتاب السادس؟ ما أدري ولا يهمّني أن أدري، ولكنّ الذي أهتمّ به من هذا إنّه يدلني على أنّ للشيخ عبد الله بلاءاً حسناً في ميادين البحث، وجهداً متواصلاً في مجالات القلم، يتجاوز به صفوف المتخلفين من رجال الدين، المطمئنّين إلى دعة الفتور، المفتونين بحب السلامة، ويشمر به بعيداً، حيث يشارك بالحياة، ويساير مواكبها السائرة نحواً من المشاركة والمسايرة، أقلّ ما يثبت له إنّه جندي يجد من إيمانه ووعيه صارفاً عن الفرار من الساحة، ووازعاً يأبى له تسليم (البدل)، أو التماس المعاذير.
وأعظم بهذه مزيّة قبل أن نعرف ما وراءها من شمائل الفروسيّة في هذا الجندي النامي، وقبل أن نستوثق من سلامة عدّته، وجدة سلاحه في أداتي التفكير والتعبير، اللذين يسموان بالإيمان سموّاً، يتفاوت بنسب الهبات والثقافات من نفوس هؤلاء المجاهدين في العلم والعقيدة والحياة.
هذه ميزة الرجل دائب في غير فتور، ماضٍ في غير تقهقر.
- د -
وكثيرون من رجال العلم فاترون، دائبون على الفتور متقهقرون، ماضون في التقهقر في حال تنذر بوخامة العاقبة التي ينظرون إليها كالمكتوف المهمل، يستهول عمق الهوّة، دون أن يفكر بوسيلة تحميه من هول الانحدار.
وأفضل ما يوضح ميزة الشعور بالواجب، أن يمضي الرجل منّا في قوم واقفين، إن لم نقل في قوم راجعين.
ولا يصحّ اعتبار هذه الميزة ميزة - كما هو واضح - إلاّ حين يستمد بحث الباحث في التاريخ، والمسائل النظرية القديمة من الحياة الحاضرة جدة في تبسيط الموضوع, وأسلوب عرضه على نحو يحييه إحياءً يلائم مناحي التفكير الحاضر. وقد عرفنا رجالاً مكثرين، لا يغنيهم الإكثار شيئاً وراء تضييع الأيام في إنفاقها، على نسخ كتب قديمة ينشرونها من أجداثها كما تنشر العظام البالية من أجداثها، مشوّهة شائهة، دون أن يسبلوا عليها رداءً، أو يكسوها بعمل فنيٍّ حديث يجعل نشرها عملاً مشروعاً.
فنحن حين نسجّل للشيخ عبد الله ميزة في مؤلفاته المستمدّة من الفكر الإسلامي وتاريخه، نحافظ على الدقّة بالتعبير، ونلمح به إلى صنعه الخاص في أبحاثه التي لبسها من فكره، وجهده، ورأيه، ما يشفع بالعودة إليها باعتبارها فكرة متّصلة بحياتنا اتصالاً مركّزاً بنظر المتجردين الأحرار.
ولي كلمة أحبُّ أن أقولها في هذا السياق بهذه المناسبة، وهي أنّ التاريخ - بأشمل مداليله - من كلّ أمّة جزء من حاضر كلّ أمّة، والعودة إليه عمل لا غنىً عنه في بناء النهضات، أو صنع استمرارها. وعلى ذلك فمغالجوه طبقة لابد منها حين توزع أعمال الحياة الحاضرة؛ لأن حذفها حذفٌ لحلقة من
- هـ -
حلقات الحياة الحاضرة الأساسيّة.
ولكن يجب اختيار هذه الطبقة اختياراً على أساس الشروط الصحيحة لهذه البحوث ؛ ليصبح وجود هذه الطبقة مصادفاً موقعه من التضامن مع الحياة، وطريقة البحث، وأسلوب التفكّير، وصحّة الضمير، وحسن الانتقاء، كلّ أولئك من الشروط. أمّا النقل الصرف دون تحقيق ولا تعليق، أو معهما تافهين غثيثين، أمّا ذلك فثرثة ميسرة لطلب الشهرة فقط، وذلك من أعبائنا الثقيلة التي يجب أن نتخفف منها، ونتحرّر ممن يحمّلنا إيّاها بصراحة وشجاعة.
وبعد فهذا كتاب يبحث في آية قرآنية كريمة كانت ولا تزال موضعاً للأخذ والعطاء بين المسلمين. وكثرة الرد والبدل بمجردها في هذه الآية الكريمة تدل على أنّها ذات أثر بالغ في الحياة الواقعة التي لن تتغيّر ما دام للإسلام لواء يخفق، وما دام اسم محمّد ينطلق في الفضاء البعيد، والأفق الواسع، تذيعه منائر الدين الحنيف كلّ يومٍ ثلاث مرّات.
أمّا الآية التي اختصّ بها هذا الكتاب فهي آية المباهلة. وهي من الآيات الفواصل في مراحل الإسلام، وأدوار نشئه، ولعظيم أثرها هذا كانت مدار بحث طويل بين المفسرين والفلاسفة من أعلام المسلمين حتّى اليوم؛ ذلك لأنها قاعدة من قواعد الإمامة التي شطبتها السياسة متجنّية على المفكرين والعلماء منذ تحكّمت مطامع السياسيين بأصول الدين، تخضعها لأهوائهم، وتسيّرها برغباتهم، حتّى جعلتها آخر الأمر أداة للإقطاع، والإثراء، والإرهاب على نحو ما عرفناه في أكثر أدوار الحكم الإسلامي منذ صدره، الأمر الذي أورده الخاتمة المعروفة.
ولا أريد أن أشارك المؤلف بتأليفه بهذه الكلمة فذلك جهد قد لا
- و -
يقنع منّي بالقليل من وقتي الضيق. بل ذلك تجنٍّ على المؤلّف في جهد أنفق فيه ليالي طوالاً، وخرج منه موفقاً توفيق الباحث العصري الأمين. فجاءت دراسته مستوفية لعناصر الدراسات الحديثة القيّمة. قائمة على أصول البحث الجديد.
فالكتاب صدى لرغبة تقدّم بها إليه جماعة في إحياء (قصّة المباهلة) المطمورة في كتاب قديم بعد أن كان هو متحفّزاً لإحياء هذه القصّة، آخذاً بنصيحة (الكلمة الغرّاء)(1)
إذن فأساس الفكرة تجديد طبع (رواية قديمة)، وتحقيقها في مذهب من مذاهب النشر الحديثة النافعة، غير إنّه بدأ له أن يلقي بين يدي (الرواية القديمة) كلمة تجمع بين التحقيق والإيضاح، ثمّ توسعت الكلمة فكانت بحثاً يفصل القول في ظروف يوم المباهلة وعوامله وآثاره.
هكذا تكوّنت هذه الدراسة لتكون حلقة من حلقات قلم العلامة السبيتي، التي نحمدها له، ونتمنّى عليه اطراد النشاط، داعين الفرسان من جبهته إلى مثل هذا الإثمار النافع.
صدر الدين شرف الدين
____________________
(1) الكلمة الغرّاء رسالة لسيدنا الوالد، ولعلها أوفى بحث تناول (تفضيل الزهراء) بحريّة وعمق واستقلال.