إعلام الورى بأعلام الهدى الجزء ٢

إعلام الورى بأعلام الهدى0%

إعلام الورى بأعلام الهدى مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
ISBN: 964-319-011-0
الصفحات: 551

إعلام الورى بأعلام الهدى

مؤلف: أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (أمين الإسلام)
تصنيف:

ISBN: 964-319-011-0
الصفحات: 551
المشاهدات: 76875
تحميل: 6613


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 551 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76875 / تحميل: 6613
الحجم الحجم الحجم
إعلام الورى بأعلام الهدى

إعلام الورى بأعلام الهدى الجزء 2

مؤلف:
ISBN: 964-319-011-0
العربية

إبراهيم العمري ، وفلان ، وفلان ، إذ دخل علينا أبو محمد الحسنعليه‌السلام وأخوه جعفر ، فحففنا به ، وكان المتولّي لحبسه صالح بن وصيف ، وكان معنا في الحبس رجل جمحي يقول : أنّه علويّ.

قال : فالتفت أبو محمدعليه‌السلام فقال : « لو لا أنّ فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متى يفرّج عنكم » ، وأومأ إلى الجمحي أن يخرج فخرج ، فقال أبو محمدعليه‌السلام : « هذا الرجل ليس منكم فاحذروه ، فإنّ في ثيابه قصّة قد كتبها إلى السلطان يخبره بما تقولون فيه ».

فقام بعضهم ففتّش ثيابه فوجد فيها القصّة يذكرنا فيها بكلّ عظيمة.

وكان أبو الحسنعليه‌السلام يصوم فإذا أفطر أكلنا معه من طعام كان يحمله غلامه إليه في جونة مختومة ، وكنت أصوم معه ، فلمّا كان ذات يوم ضعفت فأفطرت في بيت آخر على كعكة وما شعر بي والله أحد ، ثمّ جئت فجلست معه ، فقال لغلامه : « أطعم أبا هاشم شيئا فإنّه مفطر ».

فتبسّمت ، فقال : « ما يضحكك يا أبا هاشم؟ إذا أردت القوّة فكل اللحم فإنّ الكعك لا قوّة فيه ».

فقلت : صدق الله ورسوله وأنتم ، فأكلت فقال لي : « أفطر ثلاثا ، فإنّ المنّة لا ترجع إذا انهكها الصوم في أقلّ من ثلاث ».

فلمّا كان في اليوم الذي أراد الله سبحانه أن يفرّج عنه جاءه الغلام فقال : يا سيّدي أحمل فطورك؟

فقال : « احمل ، وما أحسبنا نأكل منه ».

فحمل الطعام الظهر ، واطلق عنه عند العصر وهو صائم ، فقال : « كلوا هنّاكم الله »(1) .

__________________

(1) الخرائج والجرائح 2 : 682 / 1 ، و 683 / 2 ، وباختصار في : مناقب ابن شهرآشوب 4 :

١٤١

قال : وحدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى قال : حدّثنا عبد الله بن جعفر قال : حدّثنا أبو هاشم قال : كنت عند أبي محمدعليه‌السلام فقال : « إذا خرج القائم أمر بهدم المنائر والمقاصير التي في المساجد ».

فقلت في نفسي : لأيّ معنى هذا؟ فأقبل عليّ وقال : « معنى هذا أنّها محدثة مبتدعة لم يبنها نبيّ ولا حجّة »(1) .

وبهذا الإسناد ، عن أبي هاشم قال : سأل الفهفكي أبا محمد : ما بال المرأة المسكينة تأخذ سهما واحدا ويأخذ الرّجل سهمين؟

فقال : « إنّ المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا عليها معقلة(2) ، إنّما ذلك على الرجال ».

فقلت في نفسي : قد كان قيل لي إن ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن هذه المسألة فأجابه بمثل هذا الجواب ، فأقبل أبو محمد عليّ فقال : « نعم هذه مسألة ابن أبي العوجاء ، والجواب منّا واحد ، إذا كان معنى المسألة واحدا جرى لآخرنا ما جرى لأوّلنا ، وأوّلنا وآخرنا في العلم والأمر سواء ، ولرسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما فضلهما »(3) .

وبهذا الإسناد ، عن أبي هاشم قال : كتب إليه ـ يعني أبا محمد عليه

__________________

437 و 439 ، ودون ذيله في : كشف الغمة 2 : 432 ، ثاقب المناقب : 577 / 526 ، الفصول المهمة : 286 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 50 : 254 / 10.

(1) الغيبة للطوسي : 206 / 175 ، إثبات الوصية للمسعودي : 215 ، الخرائج والجرائح 1 : 453 / 39 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 437 ، كشف الغمة 2 : 418 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 50 : 250 / 3.

(2) المعقلة : الدية. « النهاية 2 : 279 ».

(3) الكافي 7 : 85 / 2 ، التهذيب 9 : 274 / 992 ، الخرائج والجرائح 2 : 685 / 5 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 437 ، كشف الغمة 2 : 420 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 50 : 255 / 11.

١٤٢

السلام ـ بعض مواليه يسأله أن يعلمه دعاء ، فكتب إليه : « ادع بهذا الدعاء : يا أسمع السامعين ، ويا أبصر المبصرين ، ويا أنظر الناظرين ، ويا أسرع الحاسبين ، ويا أرحم الراحمين ، ويا أحكم الحاكمين ، صلّ على محمد وآل محمد ، وأوسع لي في رزقي ، ومدّ لي في عمري ، وامنن عليّ برحمتك ، واجعلني ممّن تنتصر به لدينك ، ولا تستبدل به غيري ».

قال أبو هاشم فقلت في نفسي : اللهم اجعلني في حزبك وفي زمرتك ، فأقبل عليّ أبو محمدعليه‌السلام فقال : « أنت في حزبه وفي زمرته إن كنت بالله مؤمنا ولرسوله مصدّقا ، وبأوليائه عارفا ، ولهم تابعا ، فابشر ثمّ أبشر »(1) .

وبهذا الإسناد ، عن أبي هاشم قال : سمعت أبا محمدعليه‌السلام يقول : « من الذنوب التي لا تغفر قول الرجل ليتني لا اؤاخذ إلاّ بهذا ».

فقلت في نفسي : إنّ هذا لهو الدقيق ، وقد ينبغي للرجل أن يتفقّد من نفسه كلّ شيء.

فأقبل عليّ أبو محمد فقال : « صدقت يا أبا هاشم ، ألزم ما حدّثتك به نفسك ، فإنّ الإشراك في الناس أخفى من دبيب الذرّ على الصفا في اللّيلة الظلماء ومن دبيب الذرّ على المسح الأسود »(2) .

وبهذا الإسناد قال : سمعت أبا محمدعليه‌السلام يقول : « إنّ في الجنّة بابا يقال له المعروف لا يدخله إلاّ أهل المعروف » فحمدت الله تعالى

__________________

(1) مناقب ابن شهرآشوب 4 : 439 ، كشف الغمة 2 : 421.

(2) الغيبة للطوسي : 206 / 175 ، إثبات الوصية للمسعودي : 212 ، الخرائج والجرائح 2 : 688 / 11 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 439 ، كشف الغمة 2 : 420 ، ثاقب المناقب : 567 / 509 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 50 : 250 / 4.

١٤٣

في نفسي وفرحت ممّا أتكلّفه من حوائج الناس ، فنظر إليّ أبو محمدعليه‌السلام وقال : « نعم قد علمت ما أنت عليه ، وإنّ أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ، جعلك الله منهم يا أبا هاشم ورحمك »(1) .

وبهذا الإسناد ، عن أبي هاشم قال : دخلت على أبي محمد وأنا اريد أن أسأله ما أصوغ به خاتما أتبرّك به ، فجلست وانسيت ما جئت له ، فلمّا ودّعته ونهضت رمى إليّ بخاتم فقال : « أردت فضة فأعطيناك خاتما وربحت الفصّ والكرى ، هنّاك الله يا أبا هاشم ». فتعجّبت من ذلك فقلت : يا سيّدي ، إنّك وليّ الله وإمامي الذي أدين الله بفضله وطاعته. فقال : « غفر الله لك يا أبا هاشم »(2) .

وهذا قليل من كثير ما شاهده أبو هاشم من آياتهعليه‌السلام ودلالاته ، وقد ذكر ذلك أبو هاشم فيما روي لنا عنه بالإسناد الذي ذكرناه ، قال : ما دخلت على أبي الحسن وأبي محمدعليهما‌السلام يوما قطّ إلاّ رأيت منهما دلالة وبرهانا(3) .

محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمد ، عن إسحاق بن محمد ، عن محمد بن الحسن بن شمّون ، عن أحمد بن محمد قال : كتبت إلى أبي

__________________

(1) الخرائج والجرائح 2 : 689 / 12 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 432 ، كشف الغمة 2 : 420 ، ثاقب المناقب : 564 / 501 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 50 : 258 / 16.

(2) الكافي 1 : 429 / 21 ، كشف الغمة 2 : 421 ، ثاقب المناقب : 565 / 503 ، ودون ذيله في : الخرائج والجرائح 2 : 684 / 4 ، ومناقب ابن شهرآشوب 4 : 437 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 50 : 254 / 8.

(3) الخرائج والجرائح 2 : 684 / صدر رواية 4 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 50 : 254 / صدر رواية 8.

١٤٤

محمدعليه‌السلام حين أخذ المهتدي في قتل الموالي وقلت : يا سيّدي ، الحمد لله الذي شغله عنك ، فقد بلغني أنّه يتهدّدك ويقول : والله لأجلينّهم عن جديد الأرض.

فوقّع أبو محمدعليه‌السلام بخطّه : « ذاك أقصر لعمره ، عدّ من يومك هذا خمسة أيّام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به ».

فكان كما قالعليه‌السلام (1) .

وبإسناده ، عن أحمد بن محمد الأقرع قال : حدّثنا أبو حمزة نصير الخادم قال : سمعت أبا محمدعليه‌السلام غير مرّة يكلّم غلمانه بلغاتهم وفيهم ترك وروم وصقالبة ، فتعجّبت من ذلك وقلت : هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتّى مضى أبو الحسن ولا رآه أحد فكيف هذا؟ ـ احدّث نفسي بهذا ـ فاقبل عليّ وقال : « الله تبارك وتعالى بيّن حجّته من سائر خلقه ، وأعطاه معرفة كلّ شيء ، فهو يعرف اللغات والأنساب والحوادث ، ولو لا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق »(2) .

وبإسناده ، عن الحسن بن ظريف قال : اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب بهما إلى أبي محمدعليه‌السلام ، فكتبت أسأله عن القائم إذا قام بم يقضي؟ وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس؟ وأردت أن أكتب أسأله عن شيء لحمّى الربع فأغفلت ذكر الحمّى ، فجاء الجواب : « سألت عن القائم وإذا قام قضى في الناس بعلمه كقضاء داود لا يسأل عن بيّنة ، وكنت أردت أن تسأل عن حمّى الربع فأنسيت ، فاكتب في ورقة وعلّقها على

__________________

(1) الكافي 1 : 427 / 16.

(2) الكافي 1 : 426 / 11 ، وكذا في ارشاد المفيد 2 : 331 ، ومناقب ابن شهرآشوب 4 : 428 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 50 : 268 / 28.

١٤٥

المحموم( يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ) (1) ».

فكتبت ذلك وعلّقته على محموم لنا فأفاق وبرئ(2) .

وأمثال هذه الأخبار كثرة لا نطوّل الكتاب بذكرها.

__________________

(1) الأنبياء 21 : 69.

(2) الكافي 1 : 426 / 13 ، وكذا في ارشاد المفيد 2 : 331 ، ومناقب ابن شهرآشوب 4 : 431 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 50 : 264 / 24.

١٤٦

( الفصل الرابع )

في ذكر طرف من مناقبه وخصائصه

ونبذ من أخباره عليه السلام

محمد بن يعقوب ، عن رجاله قالوا : كان أحمد بن عبيد الله بن خاقان على الضياع والخراج بقمّ ، وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت ، فجرى في مجلسه ذكر العلويّة يوما فقال : ما رأيت ولا عرفت من العلويّة مثل الحسن بن عليّ بن محمد بن الرضا في هديه وسكونه ، وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته وبني هاشم كافّة ، وتقديمهم إيّاه على ذوي السنّ منهم والخطر ، وكذلك كانت حاله عند القوّاد والوزراء وعامّة الناس ، وأذكر أنّي كنت يوما قائما على رأس أبي إذ دخل حجّابه فقالوا : أبو محمد ابن الرضا بالباب ، فقال بصوت عال : ائذنوا له ، فتعجّبت من جسارتهم أن يكنّوا رجلا بحضرة أبي ولم يكن يكنّى عنده إلاّ خليفة أو وليّ عهد أو من أمر السلطان.

فدخل رجل أسمر ، حسن القامة ، جميل الوجه ، حديث السنّ ، له جلالة وهيئة حسنة ، فلمّا نظر إليه قام يمشي إليه خطا ـ ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم والقوّاد ـ فلمّا دنا منه عانقه وقبّل وجهه وصدّره ، وأخذ بيده وأجلسه على مصلاّه الذي كان عليه ، وجلس إلى جنبه مقبلا عليه بوجهه ، وجعل يكلّمه ويفديه بنفسه ، وأنا متعجّب ممّا أرى منه ، إذ دخل الحاجب فقال : الموفّق(1) قد جاء.

__________________

(1) أبو أحمد بن المتوكل العباسي ، تولى ثلاثة من اخوته خلافة الدولة العباسية ، وهم : المعتز ، والمهدي ، والمعتمد.

١٤٧

وكان الموفّق إذا دخل على أبي يقدمه حجّابه وخاصّة قوّاده ، فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلى أن يدخل ويخرج ، فلم يزل أبي مقبلا على أبي محمد حتّى نظر إلى غلمان الخاصّة فقال حينئذ : إذا شئت جعلت فداك ، ثمّ قال لحجّابه : خذوا به خلف السماطين لا يراه هذا ـ يعني الموفّق ـ.

فقام وقام أبي وعانقه ومضى ، فلم أزل يومي ذلك متفكّرا في أمره وأمر أبي ، وما رأيته منه حتّى كان الليل ، فلمّا صلّى العتمة وجلس جلست بين يديه وليس عنده أحد ، فقال : يا أحمد ألك حاجة؟

قلت : نعم يا أبه ، من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والتبجيل وفديته بنفسك وأبويك؟

فقال : يا بنيّ ذاك إمام الرافضة الحسن بن عليّ المعروف بابن الرضا ، ثمّ سكت ساعة وأنا ساكت ، ثمّ قال : يا بنيّ ، لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العبّاس ما استحقّها أحد من بني هاشم غيره لفضله وعفافه ، وهديه وصيانته ، وزهده وعبادته ، وجميل أخلاقه وصلاحه ، ولو رأيت أباه رأيت رجلا جزيلا نبيلا فاضلا.

فازددت قلقا وتفكّرا وغيظا على أبي ، ولم تكن لي همّة بعد ذلك إلاّ السؤال عن خبره ، فما سألت أحدا من بني هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلاّ وجدته عنده في غاية الإجلال والإعظام والمحلّ الرفيع والتقديم له على جميع أهل بيته ، فعظم قدره عندي ، إذ لم أجد له وليّا ولا عدوّا إلاّ وهو يحسن القول فيه والثناء عليه.

فقال له بعض الحاضرين : فما خبر أخيه جعفر؟

فقال : ومن جعفر فيسأل عن خبره ، أو يقرن الحسن بجعفر! [ إنّ جعفرا ] معلن الفسق ، فاجر شرّيب للخمور ، أقلّ من رأيته من الرجال وأهتكهم لنفسه.

١٤٨

ولقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن ابن عليّ ما تعجّبت منه وما ظننت أنّه يكون وذلك أنّه لمّا اعتلّ بعث إلى أبي : أنّ ابن الرضا قد اعتلّ ، فركب من ساعته فبادر إلى دار الخلافة ثمّ رجع مستعجلا ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلّهم من ثقاته وخاصّته فيهم نحرير ، وأمرهم بلزوم دار الحسن ، وتعرّف خبره وحاله ، وبعث إلى نفر من المتطبّبين وأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده صباحا ومساء.

فلمّا كان بعد يومين أو ثلاثة أخبر أنّه ضعف ، فأمر المتطبّبين بلزوم داره ، وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار عشرة ممّن يوثق بهم ، وبعث بهم إلى دار الحسن وأمرهم بلزومه ليلا ونهارا ، فلم يزالوا هناك حتّى توفّيعليه‌السلام ، فلمّا ذاع خبر وفاته صارت سرّ من رأى ضجّة واحدة ، وعطّلت الأسواق ، وركب بنو هاشم والقوّاد وسائر الناس إلى جنازته ، فكانت سرّ من رأى يومئذ شبيها بالقيامة.

فلمّا فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكّل فأمره بالصلاة عليه ، فلمّا وضعت الجنازة للصلاة دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلويّة والعبّاسيّة ، وعلى القوّاد والكتّاب والقضاة والمعدّلين فقال : هذا الحسن بن عليّ بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه ، على فراشه ، وحضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ، ومن المتطببين فلان وفلان ، ومن القضاة فلان وفلان ، ثمّ غطّى وجهه وصلّى عليه وأمر بحمله.

فلمّا دفن جاء جعفر بن عليّ إلى أبي فقال له : اجعل لي مرتبة أخي وأنا اوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار ، فزبره أبي وأسمعه ما كره وقال له : يا أحمق ، إنّ السلطان جرّد سيفه في الذين زعموا أنّ أباك وأخاك أئمّة ليردّهم عن ذلك فلم يتهيّأ له ذلك ، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماما

١٤٩

فلا حاجة بك إلى سلطان يرتّبك مراتبهم ولا غير سلطان ، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا ، ثمّ أمر أبي أن يحجب عنه ، ولم يأذن له في الدخول عليه حتّى مات أبي ، وخرجنا وهو على تلك الحال ، والسلطان يطلب أثرا لولد الحسن بن عليّ إلى اليوم ولا يجد إلى ذلك سبيلا ، وشيعته مقيمون على أنّه مات وخلّف ولدا يقوم مقامه في الإمامة(1) .

محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمد ، عن محمّد بن إسماعيل العلويّ قال : حبس أبو محمد عند عليّ بن أوتامش(2) وكان شديد العداوة لآل محمدعليهم‌السلام ، غليظا على آل أبي طالب ، وقيل له : افعل به وافعل.

قال : فما أقام إلاّ يوما حتّى وضع خدّيه له ، وكان لا يرفع بصره إليه إجلالا له وإعظاما ، وخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة وأحسنهم فيه قولا(3) .

وبهذا الإسناد أيضا قال : دخل العبّاسيّون على صالح بن وصيف عند ما حبس أبو محمدعليه‌السلام فقالوا له : ضيّق عليه ، فقال لهم صالح : ما أصنع به وقد وكّلت به رجلين شرّ من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام على أمر عظيم.

ثمّ أمر بإحضار الموكّلين فقال لهما : ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا : ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كلّه ، لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة ، وإذا نظرنا إليه أرعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من

__________________

(1) الكافي 1 : 421 / 1 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 321 ، وباختلاف يسير في كمال الدين : 40 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 50 : 329 / 2.

(2) في الكافي : نارمش.

(3) الكافي 1 : 425 / 8 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 329 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 50 : 307 / 4.

١٥٠

أنفسنا.

فلمّا سمع ذلك العبّاسيّون انصرفوا خائبين(1) .

وبهذا الإسناد ، عن جماعة من أصحابنا قالوا : سلّم أبو محمد إلى نحرير(2) وكان يضيّق عليه ويؤذيه ، فقالت له امرأته : اتّق الله فإنّك لا تدري من في منزلك ، وذكرت له صلاحه وعبادته ، فقال : والله لأرمينّه بين السباع ، ثم استأذن في ذلك فأذن له ، فرمى به إليها ، ولم يشكّوا في أكلها له ، فنظروا إلى الموضع فوجدوهعليه‌السلام قائما يصلّي وهي حوله ، فأمر بإخراجه إلى داره(3) .

وكان مرضهعليه‌السلام الذي توفّي فيه في أوّل شهر ربيع الأول سنة ستّين ومائتين ، وتوفّيعليه‌السلام يوم الجمعة لثمان خلون من هذا الشهر ، وخلّف ولده الحجّة القائم المنتظر لدولة الحقّ ، وكان قد أخفى مولده لشدّة طلب سلطان الوقت له واجتهاده في البحث عن أمره ، فلم يره إلاّ الخواصّ من شيعته على ما نذكره بعد.

وتولّى أخوه جعفر أخذ تركته ، وسعى إلى السلطان في حبس جواري أبي محمّدعليه‌السلام ، وشنّع على الشيعة في انتظارهم ولده وقطعهم بوجوده واعتقادهم لإمامته ، وجرى بسبب ذلك على مخلفة أبي محمدعليه‌السلام وشيعته كلّ بلاء ومحنة ، من حبس واعتقال وشدّة ، واجتهد جعفر في

__________________

(1) الكافي 1 : 429 / 23 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 334 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 50 : 308 / 6.

(2) نحرير : من خواصّ خدم بني العباس ، وحفظة أسرارهم.

(3) الكافي 1 : 430 / 26 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 334 ، ثاقب المناقب : 580 / 530 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 50 : 309 / 7.

١٥١

القيام مقامه فلم يقبله أحد من الطائفة ، بل تبرّءوا منه ولقّبوه الكذّاب(1) .

وله أخبار كثيرة في هذا المعنى ، مشهورة عند أصحابنا ، رأيت الإضراب عن ذكرها تحرّيا للاختصار وبالله التوفيق.

__________________

(1) انظر : ارشاد المفيد 2 : 336.

١٥٢

( الركن الرابع من الكتاب )

في ذكر إمامة الاثني عشر ، والإمام الثاني عشر

١٥٣

المطلب الأهمّ ، والغرض الأتمّ من هذا الركن : الكلام في تصحيح إمامة صاحب الزمان ، ابن الحسن ، القائم الحجّة ، مهديّ الامّة ، وكاشف الغمّة ، على الجملة والتفصيل ، بثابت البرهان ، وواضح الدليل ، ثمّ إنّ ذلك يدور على قسمين :

أحدهما : ذكر البراهين والبيّنات من جهة النصوص الدالّة على إمامة الاثني عشر الذين هو خاتمهم وقائمهم ـ عليهم أجمعين أفضل الصلاة والسلام ـ وقد رواها الخاصّة والعامّة ، وأطبق على نقلها الفرقتان المتباينتان ، والطائفتان المختلفتان عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما يؤيّد ذلك من الأدلّة التي تجملهم وتعمّهم وتشملهم.

والآخر : ذكر الدلالات الواضحة في إمامتهعليه‌السلام خاصّة على التعيين والتفصيل ، والإفراد له بالدليل بعد اشتراكهعليه‌السلام في دلالة الاعتبار ، مع ذكر طرف من الأخبار في ذكر مولده وغيبته ، وعلامات وقت قيامه ، ومدّة دولته ، وبيان سيرته.

١٥٤

( ذكر القسم الأول )

من الركن الرابع

وهو الكلام في الدلالة على إمامة الاثني عشر

من آل محمدعليهم‌السلام

١٥٥
١٥٦

( الفصل الأول )

في ذكر بعض الأخبار التي جاءت في النص

على عدد الاثني عشر من الأئمة

من طريق العامّة ، على طريق الإجمال

اعلم : أنّ الخبر إذا رواه المعترف بصحّته ، الدائن بصدقه ، ووافقه في ذلك المنكر لمضمونه ، الدافع لما اشتمل عليه ، فقد أسفر فيه الحقّ عن وجه الدلالة ، لاتّفاق المتضادّين في المقالة ، إذ لو كان باطلا لما توفّرت دواعي المنكر له في نقله وهو حجّة عليه ، بل كانت منه الدواعي متوفّرة في دفعه على مجرى العرف والعادة ، لا سيّما وقد سلم من نقل معارضة تسقط الحجّة به ، أو دعوى تكافئه في الظاهر فتمنع من العمل عليه والاعتقاد به ، وإذا كانت الأخبار الواردة في أعداد الأئمّةعليهم‌السلام بهذه الصفة فقد وجب القطع بصحّتها.

فممّا جاء من الأخبار التي نقلها أصحاب الحديث غير الإماميّة في ذلك وصحّحوها : ما رواه الإمام أبو محمد الحسن بن أحمد السمرقنديّ ـ محدّث خراسان ـ قال : أخبرنا أبو العبّاس المستغفريّ قال : حدّثنا أبو الحسين(1) نصر بن أحمد بن إسماعيل الكسائي(2) ، أخبرنا أبو حاتم جبريل ابن مجاع الكسائي ، أخبرنا قتيبة بن سعيد ، قال : وأخبرنا أبو القاسم الكاتب ، أخبرنا أبو حامد الصائغ ، أخبرنا أبو العبّاس الثقفي ، حدثنا قتيبة.

__________________

(1) في نسخة « م » : الحسن.

(2) في نسخة ق : الكشاني.

١٥٧

وأخبرنا أبو سلمة القاضي ، أخبرنا أبو القاسم النسوي ، حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة قالا : حدّثنا حاتم بن إسماعيل ، عن المهاجر بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص قال : كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع : أن أخبرني بشيء سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكتب إليّ : إنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم جمعة عشيّة رجم الأسلمي يقول : « لا يزال الدين قائما حتّى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش ، ثمّ يخرج كذّابون بين يدي الساعة ».

وسمعته يقول : « أنا الفرط على الحوض ».

رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة وقتيبة بن سعيد(1) .

قال : وأخبرنا أبو القاسم الكاتب ، أخبرنا أبو حامد الصائغ ، أخبرنا أبو العبّاس الثقفيّ ، حدّثنا محمد بن رافع ، حدّثنا ابن أبي فديك ، أخبرنا ابن أبي ذئب ، عن مهاجر بن مسمار ، عن عامر بن سعد : أنّه أرسل إلى ابن سمرة العدوي فقال : حدّثنا حديثا سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكتب : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « لا يزال الدين قائما حتّى يكون اثنا عشر خليفة من قريش ، ثمّ يخرج كذّابون بين يدي الساعة ، وأنا الفرط على الحوض ».

رواه مسلم عن محمد بن رافع(2) .

وأخبرنا عبد العزيز بن أحمد الكاتب ، حدّثنا أحمد بن محمد بن عبد الله الحارثي ، أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي ، حدّثنا قتيبة ، حدّثنا أبو عوانة ، عن سمّاك ، عن جابر بن سمرة ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(1) صحيح مسلم 3 : 1453 / 1822 ، ورواه أحمد في مسنده 5 : 89.

(2) صحيح مسلم 3 : 1454 ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 2 : 199 / 1808.

١٥٨

قال : « يكون بعدي اثنا عشر أميرا » ، وتكلّم بكلمة فلم أفهم ما قال ، فسألت القوم فزعموا أنّه قال : « كلّهم من قريش ».

رواه مسلم عن قتيبة(1) .

قال : وأخبرنا أبو سلمة القاضي ، حدّثنا أبو القاسم النسوي ، أخبرنا أبو العبّاس النسوي ، حدّثنا أبو الحصين عبد الله بن أحمد بن عبد الله اليربوعي ، حدّثنا عنبر ، حدّثنا حصين ، عن جابر بن سمرة قال : دخلت مع أبي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي : « إنّ هذا الأمر لن ينقضي ـ أو لن يمضي ـ حتّى يكون فيكم اثنا عشر خليفة » ثمّ قال : شيئا لم أسمعه ، فسألتهم ، فقالوا : « كلّهم من قريش »(2) .

قال : وأخبرنا أبو سلمة القاضي ، أخبرنا أبو القاسم النسوي ، أخبرنا أبو العبّاس النسوي ، حدّثنا أبو عمارة ، حدّثنا الفضل بن موسى ، عن وهب ، عن أبي خالد الوالبيّ قال : سمعت جابر بن سمرة يقول : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « لا يضرّ هذا الدين من ناواه حتّى يقوم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش »(3) .

قال : وأخبرنا أبو سلمة القاضي ، حدّثنا أبو القاسم النسوي ، حدّثنا أبو العبّاس النسوي ، حدّثنا جعفر بن حميد العبسي ، حدّثنا يونس بن أبي يعفور ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يزال أمر أمّتي صالحا حتّى يمضي اثنا عشر خليفة كلّهم من

__________________

(1) صحيح مسلم 3 : 1453 ، ورواه أحمد في مسنده 5 : 94 و 99 و 108 ، والترمذي في سننه 4 : 501 / 2223 ، والطبراني في المعجم الكبير 2 : 223 / 1923 و 226 / 1936.

(2) صحيح مسلم 3 : 1452 / 1821 ، المعجم الكبير للطبراني 2 : 255 / 2068.

(3) المعجم الكبير للطبراني 2 : 208 / 1852 ، ونحوه في مسند أحمد 5 : 88.

١٥٩

قريش »(1) .

وممّا ذكره الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمّد بن النعمان(2) في كتابه :

قال : ومن ذلك ما رواه محمّد بن عثمان الدهني حدّثنا عبد الله بن جعفر الرقّي ، قال : حدّثنا عيسى بن يونس ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : كنّا عند عبد الله بن مسعود فقال له رجل : أحدّثكم نبيّكمصلى‌الله‌عليه‌وآله كم يكون بعده من الخلفاء؟ فقال له عبد الله : نعم ، وما سألني عنها أحد قبلك ، وإنّك لأحدث القوم سنّا ، سمعتهعليه‌السلام يقول : « يكون بعدي من الخلفاء عدّة نقباء موسى اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش »(3) .

وروى عثمان بن أبي شيبة ، وأبو سعيد الأشج ، وأبو كريب ، ومحمود ابن غيلان ، وعليّ بن محمد ، وإبراهيم بن سعيد جميعا ، عن أبي أسامة ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن مسروق مثل الأوّل بعينه(4) .

ورواه أبو أسامة ، عن أشعث ، عن عامر الشعبي ، عن عمّه قيس بن عبد الله ، عن عبد الله بن مسعود. وذكر نحوه(5) .

__________________

(1) أخبار اصفهان 2 : 176 ، المعجم الكبير للطبراني 22 : 120 / 308 ، مجمع الزوائد 5 : 190 ، فتح الباري 13 : 180.

(2) كذا في جميع النسخ ، ولعله اشتباه وقع فيه النسّاخ ، إذ أن هذه الروايات وردت بعينها في كتاب الغيبة للشيخ محمد بن إبراهيم النعماني وليس في كتاب الشيخ المفيد كما هو مثبت أعلاه ، فتأمّل.

(3) الغيبة للنعماني : 116 / 3 ، ورواه الطوسي في الغيبة 133 / 97 ، الخصال : 468 / 10 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 36 : 298 / 132.

(4) الغيبة للنعماني : 116 / 2 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 36 : 299 / 132.

(5) الغيبة للنعماني : 117 / 3 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 36 : 299 / 132.

١٦٠