تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 181958 / تحميل: 6063
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

تذكرة الفقهاء الجزء الخامس

العلامة الحلي

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

٥

كتاب الزكاة

وفيه أبواب :

الباب الأول : في زكاة المال ،

وفيه مقاصد :

المقصد الأول : في الشرائط

٦

٧

مقدّمة :

الزكاة لغةً : النموّ والطهارة ، وشرعاً : الحقّ الواجب في المال الذي يعتبر فيه النصاب ، وسمّي زكاةً ؛ لازدياد الثواب وإثمار المال وطهارته من حقّ المساكين.

ووجوبها معلوم من الكتاب والسُنّة والإِجماع.

قال الله تعالى( وَآتُوا الزَّكاةَ ) (١) .

ولمـّا بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله معاذاً إلى اليمن ، فقال : ( أعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم )(٢) .

وأجمع المسلمون كافّة على وجوبها في جميع الأعصار ، وهي أحد أركان الإِسلام الخمسة.

إذا عرفت هذا ، فمن أنكر وجوبها ممّن ولد على الفطرة ، ونشأ بين المسلمين فهو مرتدّ يقتل من غير أن يستتاب.

وإن لم يكن عن فطرة ، بل أسلم عقيب كفر استتيب - مع علم وجوبها -

______________________

(١) البقرة : ٤٣.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٣٠ ، صحيح مسلم ١ : ٥٠ / ١٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٤ - ١٠٥ / ١٥٨٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١ / ٦٢٥ ، سنن النسائي ٥ : ٣ - ٤ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٦.

٨

ثلاثاً ، فإن تاب وإلّا فهو مرتد وجب قتله.

وإن كان ممّن يخفى وجوبها عليه ؛ لأنّه نشأ بالبادية ، أو كان قريبَ العهد بالإِسلام عُرّف وجوبها ولم يحكم بكفره.

مسألة ١ : ولو اعتقد وجوبها ، ومنعها فهو فاسق‌ يضيّق الإِمام عليه ويقاتله حتى يدفعها ؛ لأنّه حق واجب عليه ، فإن أخفى ماله حبسه حتى يظهره ، فإذا ظهر عليه أخذ منه قدر الزكاة لا أزيد عند علمائنا أجمع ، بل يعزّره - وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي في الجديد(١) - لقولهعليه‌السلام : ( ليس في المال حقّ سوى الزكاة )(٢) .

ولأنّ منع العبادة لا يوجب عليه مالاً كسائر العبادات والكفّارات.

وقال الشافعي - في القديم - وإسحاق بن راهويه ، وأبو بكر بن عبد العزيز : يأخذ مع الزكاة شطر ماله(٣) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( ومن منعها فأنا آخذها وشطر ماله عزمة من عزمات ربّنا ليس لآل محمّد فيها شي‌ء )(٤) .

ولو سلّم ، فإنّه منسوخ فإن العقوبات في ابتداء الإِسلام كانت في المال ثم نسخ.

مسألة ٢ : ولا يحكم بكفر المانع مع اعتقاد وجوبها‌ عند علمائنا ، وبه قال عامّة أهل العلم(٥) .

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٣٦ - ٣٣٧ ، المغني ٢ : ٤٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ١١ ، الشرح الصغير ١ : ٢٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٤ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٩٤.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٠ / ١٧٨٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٨٤.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٨ ، المجموع ٥ : ٣٣٤ و ٣٣٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٢ ، المغني ٢ : ٤٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٨.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١٠١ / ١٥٧٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٦ - ١٧ و ٢٥ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٥ ، مسند أحمد ٥ : ٢ و ٤ ، المستدرك للحاكم ١ : ٣٩٨.

(٥) المغني ٢ : ٤٣٤ و ٤٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٨ و ٦٦٩ ، المجموع ٥ : ٣٣٤.

٩

وقال أحمد في رواية : إنّه يكفّر لقتاله عليها(١) .

وهو لا يدلّ على الكفر بل على ارتكاب المحرّم ، ولأنّ الزكاة من فروع الدين فلا يكفّر تاركها كالحج.

وقال عبد الله بن مسعود : ما تارك الزكاة مسلم(٢) . وهو محمول على الترك مستحلّاً.

وعليه يحمل قول الصادقعليه‌السلام : « من منع قيراطاً من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم ، وهو قوله عزّ وجلّ :( قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ) (٣) »(٤) وفي رواية اُخرى : « لا تقبل له صلاة »(٥) .

مسألة ٣ : ومنعها مع المكنة واعتقاد التحريم يشتمل على إثم كبير ، ولا تقبل صلاته في أول الوقت‌.

قال الباقرعليه‌السلام : « بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد إذ قال : قم يا فلان قم يا فلان حتى أخرج خمسة نفر ، فقال : اخرجوا من مسجدنا لا تصلّوا فيه وأنتم لا تزكّون »(٦) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ما من رجل منع درهماً في حقّه إلّا أنفق اثنين في غير حقّه ، وما من رجل يمنع حقّاً في ماله إلّا طوّقه الله عزّ وجلّ حيّةً من نار يوم القيامة »(٧) .

____________________

(١و٢) المغني ٢ : ٤٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٩.

(٣) المؤمنون : ٩٩ و ١٠٠‌

(٤) التهذيب ٤ : ١١١ / ٣٢٥ ، الكافي ٣ : ٥٠٣ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٧ / ١٨ ، المقنعة : ٤٣.

(٥) التهذيب ٤ : ١١١ / ٣٢٦ ، الكافي ٣ : ٥٠٣ ذيل الحديث ٣ ، الفقيه ٢ : ٧ / ١٩ ، المقنعة : ٤٣.

(٦) التهذيب ٤ : ١١١ / ٣٢٧ ، الكافي ٣ : ٥٠٣ / ٢ ، والفقيه ٢ : ٧ / ٢٠.

(٧) التهذيب ٤ : ١١٢ / ٣٢٨ ، الكافي ٣ : ٥٠٤ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٦ / ١٥ ، المقنعة : ٤٣.

١٠

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما حبس عبد زكاة فزادت في ماله )(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « صلاة مكتوبة خير من عشرين حجّة ، وحجة خير من بيت مملوء ذهباً ينفقه في بِرّ حتى ينفد - ثم قال - ولا أفلح من ضيّع عشرين بيتاً من ذهب بخمسة وعشرين درهماً » فقيل له : وما معنى خمسة وعشرين؟ قال : « من منع الزكاة وقفت صلاته حتى يزكي »(٢) .

وقالعليه‌السلام : « ما ضاع مال في بَرّ ولا بحر إلّا بتضييع الزكاة ، ولا يصاد من الطير إلّا ما ضيّع تسبيحه »(٣) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « ما من عبد منع من زكاة ماله شيئاً إلّا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعباناً من نار مطوّقاً في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب ، وهو قول الله عزّ وجل( سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) (٤) يعني ما بخلوا به من الزكاة »(٥) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ما من ذي مال ذهب أو فضة يمنع زكاة ماله إلّا حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر ، وسلّط عليه شجاعاً أقرع يريده وهو يحيد عنه ، فإذا رأى أنه لا يتخلّص منه أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفجل ، ثم يصير طوقاً في عنقه ، وذلك قول الله عز وجلّ( سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) وما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله إلّا حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر يطأه كل ذات ظلف بظلفها ، وينهشه كل ذات ناب بنابها ، وما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاة ماله إلّا طوّقه الله عز وجلّ ريعة أرضه‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١١٢ / ٣٢٩ ، الكافي ٣ : ٥٠٦ / ٢٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥٠٤ / ١٢ ، الفقيه ٢ : ٧ / ٢٢ ، التهذيب ٤ : ١١٢ / ٣٣٠.

(٣) الكافي ٣ : ٥٠٥ / ١٥ ، الفقيه ٢ : ٧ / ٢٣.

(٤) آل عمران : ١٨٠.

(٥) الكافي ٣ : ٥٠٢ / ١ ، الفقيه ٢ : ٦ / ١٤ ، ثواب الأعمال : ٢٧٨ / ١.

١١

إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة »(١) .

مسألة ٤ : ليس في المال حقّ واجب سوى الزكاة والخمس‌ ، وهو قول أكثر العلماء(٢) لقولهعليه‌السلام : ( ليس في المال حقّ سوى الزكاة )(٣) .

وقال الشعبي ومجاهد : يجب عليه يوم يحصد السنبل أن يلقي لهم شيئاً منه وكذا إذا صرم النخل طرح لهم شيئاً من الشماريخ(٤) .

ويخرج الزكاة عند الكمال ؛ لقوله تعالى( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) (٥) والزكاة لا تخرج يوم الحصاد ، وهي متأولة بالزكاة.

والمراد إيجاب الحق يوم الحصاد ، أو أنه محمول على الاستحباب ، فقد ورد عن أهل البيتعليهم‌السلام استحباب إعطاء الحفنة والحفنتين ، والعذق والعذقين يوم الحصاد والجذاذ(٦) ؛ لهذه الآية.

والشيخرحمه‌الله أوجب ذلك أيضاً في الخلاف ، واستدلّ بالإِجماع من الفرقة والآية - ونمنع الإِجماع - ونقله الشيخ عن الشافعي(٧) أيضاً.

وإذ قد تمهّدت هذه المقدّمة ، فنقول : الشروط إمّا عامّة أو خاصة ، أمّا العامّة فأربعة : البلوغ والعقل والحريّة والملك التام.

مسألة ٥ : البلوغ شرط في وجوب الزكاة‌ ، فلا تجب في مال الطفل مطلقاً ، وبه قال ابن شبرمة ، والحسن البصري ، وسعيد بن المسيّب ، وسعيد‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٠٥ - ٥٠٦ / ١٩ ، الفقيه ٢ : ٥ / ١٠ ، معاني الأخبار : ٣٣٥ / ١ ، ثواب الأعمال : ٢٧٩ / ٣ ، المحاسن : ٨٧ / ٢٦.

(٢) المجموع ٥ : ٥٩٣ ، المغني ٢ : ٥٥٢.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٠ / ١٧٨٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٨٤.

(٤) المجموع ٥ : ٥٩٣ - ٥٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٢ ، المغني ٢ : ٥٥٢.

(٥) الأنعام : ١٤١.

(٦) الكافي ٣ : ٥٦٥ / ٢ و ٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٦ / ٣٠٣ و ٣٠٤.

(٧) الخلاف ٢ : ٥ ، المسألة ١.

١٢

ابن جبير ، وأبو وائل ، والنخعي ، وأصحاب الرأي(١) .

لقولهعليه‌السلام : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق )(٢) .

ومن طريق الخاصة قول أحدهماعليهما‌السلام وقد سأله محمد بن مسلم عن مال اليتيم : « ليس فيه زكاة »(٣) .

وعن الباقرعليه‌السلام : « ليس في مال اليتيم زكاة »(٤) .

وعن الصادقعليه‌السلام : « كان أبي يخالف الناس في مال اليتيم ليس عليه زكاة »(٥) .

ولأنّ شرط التكليف البلوغ وهو منفي فينتفي المشروط ، ولأنّها عبادة محضة فلا تجب عليه كالصوم والحج.

وقال الشافعي ، ومالك ، وأحمد : تجب في مال الطفل. وأطلقوا.

ورووه عن عليعليه‌السلام ، وعن الحسن بن عليعليهما‌السلام ، وعن عمر ، وابن عمر ، وعائشة ، وجابر بن عبد الله ، وجابر بن زيد ، وابن سيرين ، وعطاء ، ومجاهد ، وربيعة ، والحسن بن صالح بن حي ، وابن أبي ليلى ، وابن عيينة ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، وأبي ثور(٦) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٠ ، المجموع ٥ : ٣٣١ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٠ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٢ ، اللباب ١ : ١٣٧.

(٢) مسند أحمد ٦ : ١٠٠ - ١٠١ ، الخصال ١ : ٩٤ / ٤٠ ، عوالي اللئالي ١ : ٢٠٩ / ٤٨.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٦ / ٦١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٦ / ٦٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٧ / ٦٣.

(٦) الأُم ٢ : ٢٨ ، المجموع ٥ : ٣٢٩ و ٣٣١ ، حلية العلماء ٣ : ٩ ، الميزان للشعراني ٢ : ٣ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٢٤٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٨٨ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٥ ، بلغة السالك ١ : ٢٠٦ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٢ ، عمدة القارئ ٨ : ٢٣٧ ، المغني ٢ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٠.

١٣

وحكي عن ابن مسعود ، والثوري ، والأوزاعي أنّها تجب ولا تخرج حتى يبلغ(١) .

وقال ابن مسعود : أحص ما يجب في مال اليتيم من الزكاة ، فإذا بلغ أعلمه ، فإذا شاء زكّى وإن شاء لم يزكّ(٢) .

احتجّوا بقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من ولي يتيماً له مال فليتّجر له ، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة»(٣) .

وإنّما تأكله الصدقة بإخراجها ، وإنّما يجوز إخراجها لو كانت واجبةً.

ولأنّ عليّاًعليه‌السلام كان عنده مال لأيتام بني أبي رافع ، فلمـّا بلغوا سلّمه إليهم ، وكان قدره عشرة آلاف دينار ، فوزنوه فنقص فعادوا إلى عليعليه‌السلام ، وقالوا : إنّه ناقص. قال : « أفحسبتم الزكاة؟ » قالوا : لا. قال : « فاحسبوها » فحسبوها فخرج المال مستوياً ، فقالعليه‌السلام : « أيكون عندي مال لا اُؤدّي زكاته! »(٤) .

ولأنّ من يجب العشر في زرعه يجب ربع العشر في ورقه كالبالغ.

والحديثان محمولان على الاستحباب ، ونمنع وجوب العشر.

تذنيب : لا زكاة في المال المنسوب إلى الجنين ؛ لعدم التكليف ، وعدم الوثوق بحياته ووجوده ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : يجب كمال الصبي(٥) . والأصل ممنوع.

مسألة ٦ : لو اتّجر في مال الطفل من له ولاية في ماله‌ نظراً للطفل وشفقةً‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٣١ ، حلية العلماء ٣ : ٩ ، الميزان للشعراني ٢ : ٣ ، المغني ٢ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٠.

(٢) المجموع ٥ : ٣٢٩ ، المغني ٢ : ٤٨٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٢ ، والاُم ٢ : ٢٩.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٣٢ / ٦٤١ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٠٩ - ١١٠ / ١.

(٤) سنن الدارقطني ٢ : ١١٠ - ١١١ / ٥ و ٦ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٧ - ١٠٨ بتفاوت.

(٥) المجموع ٥ : ٣٣٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٨.

١٤

عليه استحب له إخراج الزكاة.

لقول الصادقعليه‌السلام : « ليس في مال اليتيم زكاة إلّا أن يتّجر به »(١) .

ولو ضمن الولي المال واتّجر به لنفسه ، وكان مليّا بالمال كان الربح له والزكاة عليه استحبابا ، لأنّ الولاية تسيغ التصرّفات ، وتضمين المليّ سائغ.

ولأنّ منصور الصيقل سأل الصادقعليه‌السلام عن مال اليتيم يعمل به؟

قال ، فقال : « إذا كان عندك مال وضمنته فلك الربح وأنت ضامن للمال ، وإن كان لا مال لك وعملت به فالربح للغلام وأنت ضامن للمال »(٢) .

إذا ثبت هذا ، فإذا لم يكن مليّاً وإن كان وليّاً ، وضمن المال ، واتّجر به لنفسه كان الربح لليتيم ، وعليه ضمان المال ولا زكاة ؛ لأنّه تصرّف غير سائغ فلا يملك ربحه بل صاحب المال.

ولقولهعليه‌السلام : « وإن كان لا مال لك وعملت به فالربح للغلام وأنت ضامن للمال »(٣) .

وكذا إذا كان مليّاً ولم يكن وليّاً ؛ لانتفاء ولايته عن المال.

ولأنّ سماعة سأل الصادقعليه‌السلام عن الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتّجر به أيضمنه؟ قال : « نعم » قلت : فعليه زكاة؟ قال : « لا ، لعمري لا أجمع عليه خصلتين : الضمان والزكاة »(٤) .

مسألة ٧ : وتستحب في غلّات الطفل ومواشيه من غير وجوب‌ ؛ لعدم التكليف في حقّه ، ولأنّها عبادة يفتقر أداؤها إلى النية ، فلا تجب على من يتعذّر عليه.

ولأنّ أبا بصير سمع الصادقعليه‌السلام يقول : « ليس في مال اليتيم‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤١ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٢٧ / ٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٩ / ٨٣.

(٢و٣) التهذيب ٤ : ٢٩ / ٧١ ، الاستبصار ٢ : ٣٠ / ٨٩.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٨ / ٦٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٠ / ٨٧.

١٥

زكاة ، وليس عليه صلاة ، وليس على جميع غلّاته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة ، وإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة ، ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك ، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة ، وكان عليه مثل ما على غيره من الناس »(١) .

وأمّا الاستحباب : فلقول الباقرعليه‌السلام والصادقعليه‌السلام : « مال اليتيم ليس عليه في العين والصامت شي‌ء ، فأمّا الغلّات فإنّ عليها الصدقة واجبة »(٢) والمراد تأكيد الاستحباب جمعاً بين الأدلّة.

وقال الشيخ : تجب في غلّاته ومواشيه(٣) ؛ لهذا الحديث. وقد بيّنا جوابه.

وقال أبو حنيفة : تجب الزكاة في غلّات الأطفال(٤) .

مسألة ٨ : العقل شرط في وجوب الزكاة‌ ، فلا زكاة على المجنون المطبق ، والخلاف فيه كالخلاف في الطفل سواء.

وكذا حكمه حكم الطفل في استحباب الزكاة لو اتّجر له الولي بماله لأجله.

ولو اتّجر لنفسه ، وضمن المال ، وكان مليّاً ضمن ، والربح له ، وزكاة التجارة عليه.

ولو انتفى أحدهما ضمن ، والربح للمجنون ، ولا زكاة ، كما تقدّم في الطفل.

وسأل موسى بن بكر أبا الحسنعليه‌السلام عن امرأة مصابة ولها مال في يد أخيها هل عليه زكاة؟ فقال : « إن كان أخوها يتّجر به فعليه زكاة »(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٩ - ٣٠ / ٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٣١ / ٩١ ، الكافي ٣ : ٥٤١ / ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤١ - ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٩ / ٧٢ ، الاستبصار ٢ : ٣١ / ٩٠.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٣٤.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ٥٦ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٤ ، المجموع ٥ : ٣٢٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٥.

(٥) الكافي ٣ : ٥٤٢ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٣٠ / ٧٦.

١٦

وسأل عبد الرحمن بن الحجاج ، الصادقعليه‌السلام عن امرأة مختلطة عليها زكاة؟ فقال : « إن كان عُمل به فعليها زكاة ، وإن لم يُعمل به فلا زكاة »(١) .

تذنيب : لو كان الجنون يعتوره اشترط الكمال طول الحول ، فلو جنّ في أثنائه سقط ، واستأنف من حين عوده.

وتجب الزكاة على النائم والساهي والمغفل دون المغمى عليه ؛ لأنّه تكليف وليس من أهله.

وهل تجب على السفيه؟ الوجه : ذلك ؛ لوجود الشرط ، وحجر الحاكم لمصلحته لا ينافي تمكّنه ؛ لأنّه كالنائب عنه.

مسألة ٩ : الحريّة شرط في الزكاة فلا تجب على العبد‌ بإجماع العلماء ، ولا نعلم فيه خلافاً إلّا عن عطاء وأبي ثور فإنّهما قالا : على العبد زكاة ماله(٢) .

وهو خطأ ؛ لأنّه غير مالك ولا متمكن.

ولو ملّكه مولاه ، ففي تملّكه قولان : المنع ، وهو الأقوى ؛ لقوله تعالى( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٣) .

وقوله تعالى( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ ) (٤) .

ولأنّه مال فلا يملك المال كالبهائم ، فعلى هذا الزكاة على السيد ؛ لعدم خروجه عن ملكه ، فأشبه المال في يد المضارب والوكيل ، وهو أحد قولي الشافعي ، وبه قال سفيان ، وإسحاق ، وأحمد - في رواية - وأصحاب‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٢ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٠ / ٧٥.

(٢) المجموع ٥ : ٣٣١ ، المغني ٢ : ٤٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٨.

(٣) النحل : ٧٥.

(٤) الروم : ٢٨.

١٧

الرأي(١) .

والثبوت - وهو القول الثاني للشافعي(٢) - فلا تجب الزكاة على السيد ؛ لأنّه لا يملك ، ولا على العبد لنقص ملكه وضعفه ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وبه قال ابن عمر ، وجابر ، والزهري ، وقتادة ، ومالك ، وأبو عبيد(٣) .

تذنيب : المدبّر وأمّ الولد كالقِنّ ؛ لأنّه لا حريّة فيهما ، وأمّا من انعتق بعضه فإن بلغ نصيب الحرية نصاباً وجب عليه فيه الزكاة وإلّا فلا - وبه قال أحمد(٤) - لتماميّة الملك فيه.

وقال الشافعي : لا زكاة فيه ؛ لأنّ الرقّ الذي فيه يمنع من تمام ملكه(٥) .

وهو ممنوع ، ولهذا أوجبنا عليه الفطرة في نصفه الحرّ.

مسألة ١٠ : المكاتب لا زكاة عليه إذا لم ينعتق بعضه‌ ، سواء كان مشروطاً أو مطلقاً لم يؤدّ ، لا في المال الذي كسبه ولا عشر أرضه عند علمائنا ، وبه قال مالك ، والشافعي ، وأحمد(٦) .

لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا زكاة في مال المكاتب )(٧) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٧ ، المجموع ٥ : ٣٢٧ ، المغني ٢ : ٤٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٦ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٥ ، المحلّي ٥ : ٢٠٢.

(٢) المجموع ٥ : ٣٢٧ ، المغني ٢ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٩.

(٣) المغني ٢ : ٤٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٥ ، بلغة السالك ١ : ٢٠٦ ، المحلّى ٥ : ٢٠٢.

(٤) المغني ٢ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٩.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٧ ، المجموع ٥ : ٣٢٦.

(٦) الكافي في فقه أهل المدينة : ٨٨ ، المجموع ٥ ، ٣٢٦ و ٣٣٠ ، الوجيز ١ : ٨٧ ، المغني ٢ : ٤٩٠.

(٧) أورده ابن قدامة في المغني ٢ : ٤٩١ ، وكذا أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٢ ، المسألة ٤٣ عن ابن عمر وجابر قالا : لا زكاة =

١٨

ولأنّ الزكاة تجب على طريق المواساة فلا تجب في مال المكاتب كنفقة الأقارب.

وقال أبو ثور : يجب ذلك كلّه ؛ لأنّ الحجر من السيد لا يمنع وجوب الزكاة كالحجر على الصبي والمجنون(١) . ونحن نمنع الأصل.

وحكي عن أبي حنيفة أنّه يجب العُشر في الخارج من أرضه ؛ بناءً على أصله من أنّ العشر مؤونة الأرض وليس بزكاة(٢) .

إذا عرفت هذا ، فلا زكاة على السيد أيضاً ؛ لانقطاع تصرّفاته عن ماله ، فإن عجز واسترقّه مولاه ، صار ما في يده لمولاه ، يستأنف له الحول ، وإن عتق مَلك المكاتب ما في يده ، واستأنف الحول من حين العتق.

مسألة ١١ : يشترط في وجوب الزكاة تماميّة الملك‌ ، وأسباب النقص ثلاثة : منع التصرف ، وتسلّط الغير ، وعدم قرار الملك ، فلا تجب الزكاة في المغصوب ، ولا الضالّ ، ولا المجحود بغير بيّنة ، ولا المسروق ، ولا المدفون مع جهل موضعه عند علمائنا أجمع ، فإذا عاد صار كالمستفاد يستقبل به حولاً من حين عوده ، وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي - في القديم - وأحمد في إحدى الروايتين(٣) ؛ لأنّه خرج عن يده وتصرّفه ، فصار ممنوعاً منه ، فلا زكاة عليه فيه ، كمال المكاتب.

____________________

= ورواه الدارقطني في سننه ٢ : ١٠٨ / ١ وكذا البيهقي في سننه ٤ : ١٠٩ بلفظ : ( ليس في مال المكاتب زكاة ) إلّا أنّه في الأوّل عن جابر عن النبي ( ص ) وفي الثاني موقوف على جابر.

(١) المجموع ٥ : ٣٣٠ ، المغني ٢ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٨.

(٢) المغني ٢ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٨ ، المجموع ٥ : ٣٣٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٦.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٩ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٤٩ ، المجموع ٥ : ٣٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٥ ، الميزان للشعراني ٢ : ٣ ، المغني ٢ : ٦٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٤٥.

١٩

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا صدقة على الدَّين ، ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك »(١) .

وقال الشافعي في الجديد : تجب فيها الزكاة ، فإذا وجدها زكّاها لما مضى(٢) ، وهو رواية عن أحمد ؛ لأنّ الحيلولة بينه وبين المال لا تسقط الزكاة ، كما لو اسر أو حبس وحيل بينه وبين ماله(٣) .

ونمنع حكم الأصل إذا لم يكن في يد وكيله وإن كان ظهر الفرق ، وعلى كلا القولين لا زكاة قبل قبضه.

وللشافعي قول ثالث : إن عاد المغصوب بجميع نمائه زكّاه لما مضى(٤) .

وقال مالك : إذا قبضه زكّاه لحول واحد(٥) . وهو على الاستحباب عندنا.

لقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله رفاعة عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ثم يأتيه ولا يدر على كم يزكّيه؟ قال : « سنة واحدة »(٦) .

فروع :

أ - لو ضلّت واحدة من النصاب أو أكثر ، أو سرقت ، أو غصبت فنقص النصاب فالحكم كما لو ضلّ جميعه ، ومن أوجب الإِخراج هناك أوجب الإِخراج عن الموجود ، وإذا رجع الضالّ أخرج عنه.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٣١ / ٧٨.

(٢) أي : لِما مضى من الزمان الذي كان المال بيد الغاصب مثلاً.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ١٤٩ ، المجموع ٥ : ٣٤١ ، حلية العلماء ٣ : ١٥ ، الميزان للشعراني ٢ : ٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٩ ، وانظر : المغني ٢ : ٦٤١.

(٤) المجموع ٥ : ٣٤١ ، الوجيز ١ : ٨٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٩.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٢٤٧ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٩ ، المغني ٢ : ٦٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٤٥.

(٦) الكافي ٣ : ٥١٩ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٣١ / ٧٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٨ / ٨٢.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

تجزئ عنه عند الشافعي وأحمد(١) .

أمّا عندنا فإن كان المدفوع قرضاً سقطت الزكاة ، لأنّها تتمة النصاب ، وإن كان زكاةً معجَّلة لم تقع ، وكانت باقيةً على ملك صاحبها إن كان المال بحاله جاز أن يحتسبه من الزكاة وأن يعدل بها إلى غيره.

وأمّا عندهما : فلأنّه نصاب تجب فيه الزكاة بحلول الحول ، فجاز تعجيلها منه ، كما لو كان أكثر من أربعين ، ولأنّ المعجَّل في حكم الموجود(٢) .

وقال أبو حنيفة : لا تجب الزكاة ، ولا يكون ما عجّله زكاة ؛ لأنّ المعجَّل زال ملكه عنه فلم يحتسب من ماله ، كما لو باعه أو أتلفه(٣) .

الثانية : لو كان معه مائة وعشرون فعجَّل منها شاةً ثم نتجت شاة ثم حال الحول لم يكن عليه شاة اُخرى عندنا ؛ لعدم ضمّ السخال إلى الاُمّهات عند علمائنا ، فالنصاب لا يجب فيه أكثر من شاة ، فله الاحتساب والدفع إلى غير الآخذ.

وقال الشافعي وأحمد : تجب عليه شاة اُخرى(٤) .

وقال أبو حنيفة : لا تجب اُخرى(٥) ، كما قلناه.

الثالثة : لو كان معه مائتا شاة فعجَّل منها شاتين ثم نتجت شاة ، وحال عليها الحول لم تجب عليه شاة اُخرى عندنا ، وبه قال أبو حنيفة(٦) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣١ ، المغني ٢ : ٤٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٢.

(٢) اُنظر : المغني ٢ : ٤٩٩ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٨٢.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٢ ، المغني ٢ : ٤٩٩ ، المجموع ٦ : ١٤٨.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٧ - ١٤٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٤ - ١٣٥ ، المغني ٢ : ٤٩٩.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٥١ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٥ ، المغني ٢ : ٤٩٩.

(٦) شرح فتح القدير ٢ : ١٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٢ ، المجموع ٦ : ١٤٨.

٣٠١

وقال الشافعي وأحمد : تجب عليه شاة أخرى ، لأنّه لو لم يعجّل الشاتين وجب عليه ثلاث شياه ، والتعجيل رفق بالمساكين ، فلا يكون سببا في إسقاط حقوقهم(١) .

وينتقض بالبيع والإتلاف.

مسألة ٢١٢ : لو كان معه خمس من الإِبل فعجّل زكاتها‌ وله أربعون من الغنم فهلكت الإِبل فأراد أن يجعل الشاة معجَّلة عن الغنم ابتني على ما إذا عيّن الزكاة من مال هل له أن يصرفه إلى غيره؟ الأقرب ذلك ؛ لأنّها لم تصر زكاةً بعدُ ، وسيأتي.

مسألة ٢١٣ : وكما لا يجوز تقديم الزكاة في النقدين والمواشي فكذا في الزروع والثمار‌ - وهو قول بعض الشافعية(٢) - لأنّ زكاتها متعلّقة بسبب واحد وهو الإِدراك ، فإذا قدّم الزكاة فقد قدّمها قبل وجود سببها.

وقال ابن أبي هريرة منهم : يجوز(٣) ؛ لأنّ وجود الزرع سبب فيها ، وإدراكه بمنزلة حؤول الحول فجاز تقديمها.

مسألة ٢١٤ : وكما لا يجوز تقديم الزكاة عندنا لحول واحد فالحولان فصاعداً أولى بالمنع‌.

واختلف المـُجوّزون في الأول هل يجوز تعجيل أكثر من زكاة حول واحد فقال الحسن البصري : يجوز لسنتين وثلاث - وهو المشهور عند الشافعية ، وهو قول أبي إسحاق منهم - لأنّ النصاب سبب في إيجاب الزكاة في هذين العامين فجاز تقديم الزكاة كالعام الأول ( ولأنّ العباس استلف صدقة عامين‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٢.

(٢ و ٣ ) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٩.

٣٠٢

من الناس )(١) (٢) .

وقال بعض الشافعية : لا يجوز - كما قلناه - لأنّه قدّم الزكاة على الحول الثاني ( فلم يجز )(٣) كما لو قدّمه على الحول الأول(٤) .

وفرّق الأولون : بأنّ التقديم على الحول الأول تقديم على النصاب ، بخلاف صورة النزاع.

إذا ثبت هذا فإن كان معه نصاب لا غير لم يجز له أن يعجّل أكثر من صدقة سنة واحدة إجماعاً منهم ؛ لأنّه إذا عجّل أكثر من ذلك نقص النصاب في الحول الثاني بوقوع زكاة الحول الأول موقعها ، وانقطاع حكمها عن ماله.

وعلى قولنا إن احتسب عند الحول الأول المدفوع من الزكاة سقطت في الثاني ، وإن لم يحتسب سقطت أيضاً ؛ لتعلّق الزكاة بالعين فينقص عن النصاب حكماً في الثاني.

مسألة ٢١٥ : إذا مات المالك قبل الحول انتقل المال إلى الوارث‌ ، واستأنف الحول ، وبطل حكم الأول ، وانقطع الحول بموت المالك عند علمائنا - وهو الجديد للشافعي(٥) - لأنّه بموته خرج عن أهلية التملّك ، وبقاء مال بغير مالك محال ، فينتقل إلى الوارث ، فيستأنف الحول كما لو باعه.

____________________

(١) كذا في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، والطبعة الحجرية ، خلافاً لما في المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، وفتح العزيز ٥ : ٥٣١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١١ ، حيث ورد فيها : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تسلّف من العباس صدقة عامين. فلاحظ.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣١ - ٥٣٢ ، والمغني ٢ : ٤٩٨.

(٣) في « ط » : فلم يجزئه.

(٤) راجع المصادر في الهامش (٢)

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦ - ٢٧.

٣٠٣

ولقوله تعالى :( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (١) أضاف بلام التملّك.

وقال في القديم : لا ينقطع بموته ، ويبنى حول الوارث على حول الموروث(٢) .

إذا عرفت هذا ، فلو عجّل زكاة ماله قبل الحول ثم مات ، وانتقل المال إلى ورثته ، لم يجزئه التعجيل عندنا ؛ لما مرّ ، وهو قول بعض الشافعية ؛ لأنّه يؤدّي إلى أن تكون الزكاة معجّلةً قبل ملك النصاب.

وعلى القديم يجزئه ما عجّله ؛ لأنّه لمـّا قام الوارث مقام الميت في ملكه قام مقامه في حقّه ، ولهذا يرث منه الشفعة ( فيأخذها )(٣) بسبب ملك متجدّد(٤) .

وهو ممنوعٌ ؛ لأنّه يأخذها إرثاً لا بسبب ملكه.

إذا ثبت هذا ، فإن كان المالك حين الدفع شرط التعجيل رجع بها الوارث ، وإلّا فلا.

وفرّع الشافعي على الإِجزاء إن كان نصيب كلّ واحد يبلغ نصابا أجزأت عنهم إذا حال الحول ، وإن قصر فإن اقتسموا بطل الحول ، وكان لهم ارتجاع الزكاة إن شرط فيها التعجيل ، وإن لم يقتسموا وبقي مختلطاً إلى آخر الحول ، فإن كانت ماشيةً أجزأت عنهم الزكاة ، وإن كان غيرها ( بني )(٥) على القولين في الخلطة فيه ، إن جوّزناها كان كالماشية ، وإلّا كان كما لو اقتسموا(٦) .

____________________

(١) النساء : ١١.

(٢) الاُم ٢ : ٢١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧.

(٣) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، والطبعة الحجرية : فيأخذ.

وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤) المجموع ٦ : ١٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٥ و ٥٣٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٩.

(٥) في « ط » : يبنى.

(٦) اُنظر : المجموع ٦ : ١٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٦.

٣٠٤

مسألة ٢١٦ : إذا تسلّف الساعي أو الإِمام الزكاة‌ ، فإن كان بغير مسألة أهل السُّهمان ولا أرباب الأموال فتلفت في يده ضمن - وبه قال الشافعي(١) - لأنّهم أهل رشد لا يولّى عليهم ، فإذا قبض لهم بغير إذنهم كان ضامناً ، كالأب يقبض لابنه الكبير بغير إذنه.

لا يقال : الأب ليس له القبض ، وهنا يجوز لحاجتهم.

لأنّا نقول : جواز القبض لا يدفع الضمان.

وقال أبو حنيفة وأحمد : لا يضمن ، لأنّ للإِمام ولاية على أهل السُّهمان ، فإذا استقرض لهم وتلف في يده من غير تفريط لم يضمن كولي اليتيم(٢) .

ونمنع ولاية الإِمام إذا لم يكن المالك مانعاً ، ويخالف ولي اليتيم ؛ لأنّه لا إذن للمولّى عليه ، بخلاف أهل السُّهمان.

وإن قبضها بسؤال أهل السُّهمان فتلفت ( في يده )(٣) من غير تفريط لم يضمن ، وأجزأت عن رب المال ؛ لأنّ يده كيدهم إذا نوى في القبض ، والمالك مأمور بالدفع إليه ، فحصل الإِجزاء؛ للامتثال.

وإن قبضها بسؤال أرباب الأموال فلا ضمان عليه ؛ لأنّه أمين قبض المال بإذن ربه على سبيل الأمانة ولا تجزئ عن أربابها ، بل تكون من أموالهم ؛ لأنّه وكيل لهم فيها.

وإن كان بسؤالهما معاً قال الشيخ : الأولى أن يكون منهما ؛ لأنّ كلّ واحد منهما له إذن في ذلك ، ولا ترجيح لأحدهما على صاحبه في ذلك(٤) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٧ ، المغني ٢ : ٥٠٢.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٥٢ ، المغني ٢ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٧.

(٣) ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٢٨.

٣٠٥

وللشافعي وجهان : أحدهما : يكون من ضمان أرباب الأموال ؛ لأنّهم أقوى جنبة فإنّهم المالكون للمال. والثاني : يكون من ضمان الفقراء ، لأنّه قبضه لمنفعتهم بإذنٍ ، فكان من ضمانهم. وهو أصحّهما عند الشافعية(١) .

مسألة ٢١٧ : ما يتعجّله الوالي من الصدقة يقع متردّداً بين أن يقع زكاةً أو يستردّ‌ - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّا قد بيّنّا أنّه لا يجوز تقديم الزكاة إلّا على جهة القرض ، فإذا حال الحول فإن تمّت الشرائط والدافع والمدفوع إليه على الصفات ، كان للمالك احتسابه من الزكاة والاسترداد على ما اخترناه نحن.

وعند الشافعي يقع زكاةً معجّلة ، فإن تغيّرت الأحوال لم يسقط عنه الدّين ، بل يتأكّد قضاؤه عليه(٣) .

وقال أبو حنيفة : إنّه متردّد بين أن يقع زكاةً أو تطوّعاً(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ المالك لم يقصد التطوّع ، فلا ينصرف إلى غير ما قصده.

مسألة ٢١٨ : إذا تسلّف الساعي الزكاة‌ ، فبعد الحول إن لم يتغيّر الحال في المال والدافع والمدفوع إليه ، فعلى ما اخترناه نحن من أنّها قرض لا زكاة معجّلة ، للمالك استرجاعها منه ، ودفعها إلى غيره ، أو دفع عوضها ، أو احتسابها من الزكاة ، وللمدفوع إليه دفع المثل أو القيمة وإن كره المالك ؛ لأنّه قرض.

وعند القائلين بأنّها زكاة معجّلة يقع الدفع موقعه ويجزئ ، وليس للمالك انتزاعها منه(٥) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥٩ ، و ٥ : ٥٣٧ و ٥٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٨ ، المغني ٢ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٤.

(٢) حلية العلماء ٣ : ١٣٧.

(٣) حلية العلماء ٣ : ١٣٦.

(٤) حلية العلماء ٣ : ١٣٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥٢.

(٥) المغني ٢ : ٥٠٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٨٣.

٣٠٦

وإن تغيّرت حال المالك فمات قبل الأجل أو نقص النصاب أو ارتدّ لم يقع ما دفعه زكاةً ، وله استرجاعه - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - لأنّه مال دفعه عمّا يستحقّه القابض في الثاني(٢) ، فإذا طرأ ما يمنع الاستحقاق وجب الردّ ، كما لو دفع اُجرةً في سكنى دار فانهدمت. ولأنّه دفع على أنّها زكاة واجبة وقد ظهر البطلان.

وقال أبو حنيفة : ليس له استرجاعه إلّا أن يكون في يد الإِمام أو الساعي ؛ لأنّها وصلت إلى يد الفقير ، فلم يكن له استرجاعها ، كما لو لم يشترط ؛ لأنّه زكاة معجّلة(٣) .

والفرق أنّه إذا لم يشترط التعجيل احتمل أن يكون تطوعاً ، فلم يقبل قوله في الرجوع.

وإن تغيّرت حال الفقير بأن يستغني بغير الزكاة ، أو يرتدّ ، فإنها لا تجزئ ، ويجب استرجاعها ليدفعها إلى مستحقّها - وبه قال الشافعي(٤) وأحمد(٥) - لأنّ ما كان شرطاً في إجزاء الزكاة إذا ( عدم )(٦) قبل حلول الحول لم يجزئ كما لو مات رب المال.

وقال أبو حنيفة : وقعت موقعها ؛ لأنّ تغيّر حال الفقير بعد وصول الزكاة‌

____________________

(١) المجموع ٦ : ١٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٥ ، المغني ٢ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٤.

(٢) أي : في العام القابل.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٥٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٥.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٥ ، المغني ٢ : ٥٠٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٣.

(٥) يظهر من المغني ٢ : ٥٠٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٨٣ ، أنّ قول أحمد موافق لقول أبي حنيفة ومخالف لرأي المصنّف ، والشافعي. فلاحظ.

(٦) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، والطبعة الحجرية : ( تقدّم ) والصحيح - كما يقتضيه السياق - ما أثبتناه.

٣٠٧

إلى يده لا يمنع من إجزائها ، كما لو استغنى بها(١) .

والفرق : أنّه إذا استغنى بها حصل المقصود بالدفع ، فلم يمنع ذلك من إجزائها.

فروع :

أ - لو مات المدفوع إليه جاز الاحتساب من الزكاة بعد الحول ؛ لأنّ قضاء الدَّين عن الميت من الزكاة سائغ على ما أوضحناه. ولأنّه من سبيل الله.

ومنع الشافعي من ذلك(٢) . وليس بمعتمد.

ب - قال الشيخ : إذا عجّل الزكاة لمسكين ثم حال الحول وقد أيسر ، فإن كان من هذا المال مثل أن كانت ماشيةً فتوالدت ، أو مالاً فاتّجر به وربح ، وقعت موقعها ، ولا يجب استرجاعها ؛ لأنّه يجوز أن يعطيه ما يغنيه ، لقول الصادقعليه‌السلام : « أعطه وأغنه »(٣) .

ولأنّا لو استرجعناها منه افتقر وصار مستحقّاً للإِعطاء ، ويجوز أن تردّ عليه ، وإذا جاز ذلك جاز أن يحتسب به.

وإن كان قد أيسر بغير هذا المال بأن ورث أو غنم أو وجد كنزاً ، لم تقع موقعها ، ووجب استرجاعها ، أو إخراج عوضها ؛ لأنّ ما أعطاه كان دَيْناً عليه ، وإنّما تحتسب عليه بعد حوؤل الحول ، وفي هذه الحال لا يستحق الزكاة ، لغنائه ، فلا تحتسب له(٤) .

وفي قول الشيخ إشكال ، أمّا أوّلاً : فلأنّ نماء المدفوع يقع ملكاً

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٥٢ ، المغني ٢ : ٥٠٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٧.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٦.

(٣) نقله الشيخ الطوسي بالمعنى ، وانظر : الكافي ٣ : ٥٤٨ / ٣ و ٤ ، والتهذيب ٤ : ٦٣ / ١٧٠ و ٦٤ / ١٧٤.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٣٠.

٣٠٨

للقابض ؛ لأنّه قرض على ما تقدّم ، ونماء القرض لمالكه ، فإذا كان النماء موجباً للغناء لم يجز صرف الزكاة إليه كما لو كان غنياً بغيره.

وأمّا ثانياً : فلأنّ ما يأخذه على سبيل القرض يملكه المقترض ، ويخرج عن ملك الدافع ، فلا يكون محسوباً من النصاب ، فيجب على المالك زكاة ما في يده إن كان نصاباً ، ولا يضمّ إليه ما أخذه القابض.

ج - إنّما يكون له الرجوع في موضعه إذا شرط حالة الدفع ثم ظهر الخلاف على ما يأتي.

مسألة ٢١٩ : إذا تسلّف الساعي الزكاة ، وتغيّرت الحال‌ ، وحكمنا باسترداد المدفوع ، فإن كان باقياً بحاله استرجعه إن شرط حالة الدفع أنّها زكاة معجّلة ؛ لفساد الدفع عندنا ، ولفوات شرط الاستحقاق عند من سوّغه.

وإن كان قد زاد زيادةً متصلةً كالسمن ردّ العين مع الزيادة ، لأنّها تابعة لها ، وإن كانت منفصلةً كالولد ردّه أيضاً مع العين ؛ لفساد الدفع.

وقال الشافعي : لا يستردّ النماء ؛ لأنّها حدثت في ملك الفقير(١) . وهو ممنوع.

نعم لو دفعها قرضاً ملكها الفقير ، ولم يكن له الرجوع في العين ، بل يطالب بالمثل أو القيمة سواء زادت أو لا ، والنماء المنفصل للفقير حينئذٍ ؛ لأنّه نماء ملكه.

ولو كانت العين ناقصةً لم يضمن النقصان لفساد الدفع ، فكانت العين أمانةً في يده ، أمّا لو قبضها قرضاً فإنّه يضمن النقصان.

وقال الشافعي في الاُم : لا يضمنها ؛ لأنّ النقص حدث في ملكه فلا يضمنه(٢) .

____________________

(١) الاُم ٢ : ٢١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٣.

(٢) الاُم ٢ : ٢١ وعنه في فتح العزيز ٥ : ٥٤٣.

٣٠٩

وله آخر : الضمان ؛ لأنّ من ضمن القيمة عند التلف ضمن النقص(١) .

ولو كانت العين تالفةً ، فإن كان لها مثل وجب المثل وإلّا القيمة.

ومتى يعتبر؟ قال الشيخ : يوم القبض ؛ لأنّه قبض العين على جهة القرض ، فيلزمه قيمة يوم القبض(٢) .

وهو حقّ إن دفعها على جهة القرض ، أمّا لو دفعها على أنّها زكاة معجّلة فإنّ الدفع يقع فاسداً ، والملك باقٍ على مالكه.

وللشافعي قولان : أحدهما : أنّه تعتبر القيمة يوم القبض - وبه قال أحمد - لأنّ ما زاد بعد ذلك أو نقص فإنّما كانت في ملكه فلم يضمنه ، كما لو تلف الصداق في يد المرأة ثم طلّقها فإنّها تضمن نصيبه يوم القبض.

والثاني : يضمنه يوم التلف(٣) ، لأنّ حقّه انتقل من العين الى القيمة بالتلف ، فاعتبر يوم التلف كالعارية ، بخلاف الصداق ؛ فإنّ حقّه في المسمّى خاصة ، ولهذا لو زاد الصداق لم يرجع في العين مع الزيادة المتصلة والمنفصلة ، فافترقا.

إذا عرفت هذا ، فإن استرجع المدفوع بعينه ضمّ إلى ماله ، وأخرج زكاته إن كان قد دفع على أنّها زكاة معجّلة ؛ لبقاء الملك على ربّه ، وتمكّنه من أخذه ، وبه قال الشافعي(٤) .

وبعض أصحابه قال : إن كان غير الحيوان ضمّه كما يضمّ الدَّين الى ماله ، وإن كان حيواناً لم يضمّه ؛ لأنّه لمـّا استغنى الفقير زال حكم الزكاة فيها ،

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٦.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٢٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٦ ، المغني ٢ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٦.

٣١٠

وتعلّق حقّه بعينها ، ولم يملكها إلا بالرجوع فيها ، فانقطع حكم الحول فيها(١) .

وإن استرجع القيمة لم يضمّها الى ماله ؛ لأنّه تجدّد ملكه عليها ، ولم يكن حكمها حكم ماله.

مسألة ٢٢٠ : إذا عجّل الزكاة إلى فقير حال الدفع ثم استغنى بغير الزكاة ثم افتقر‌ فحال الحول وهو فقير ، جاز له أن يحتسب من الزكاة ؛ لأنّ الاعتبار بحال الدفع وحال الحول ، وإذا كان حال الدفع فقيراً حصل المقصود بالدفع ، وإذا كان فقيرا حال الحول فهو ممّن يجوز دفع الصدقة إليه فيجزئه ، ولا اعتبار بما بينهما ، وهو أحد وجهي الشافعي(٢) .

وفي الثاني : لا يجزئ(٣) ، لأنّه بالاستغناء بطل قبضه ، فصار كما لو دفعها إلى غني ثم صار فقيراً عند الحول.

ونمنع الحكم في الأصل.

ولو دفعها إلى غني إلّا أنّه افتقر حال الحول ، فالوجه الإِجزاء ؛ لأنّ الاعتبار إنّما هو بالحول ، وهو حينئذٍ ممّن يستحقّ الزكاة.

وقال الشافعي : لا يجوز(٤) ؛ لأنّ التعجيل جاز للإِرفاق ، فإذا لم يكن من أهله لم يصح التعجيل.

وينتقض عليهم : بما لو أوصى لوارث ثم تغيّرت حاله(٥) فمات وهو غير وارث ، فإنّها تصح الوصية عندهم(٦) اعتباراً بحال نفاذها. ولأنّه لا فائدة في‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٦.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٧.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٧.

(٤) المجموع ٦ : ١٥٦.

(٥) بارتداد مثلاً.

(٦) لم نعثر عليه في مظانّه.

٣١١

استعادتها منه ثم دفعها إليه.

مسألة ٢٢١ : إذا عجّل الزكاة ثم تلف ماله قبل الحول‌ بطل الحول ، وسقطت الزكاة عنه ، وله الرجوع فيما دفعه إن كان حين الدفع قال : هذه صدقة مالي عجّلتها أو زكاة مالي عجّلتها ؛ لأنّه دفع دفعاً مشروطاً لا مطلقاً ، وقد ظهر بطلانه ، فله الاستعادة.

وإن قال : هذه زكاة مالي ، أو صدقة مالي ، وأطلق ، لم يكن له أن يرجع فيها ، قاله الشيخ(١) - وهو مذهب الشافعي(٢) - لأنّه إذا قال : هذه زكاة مالي ، كان الظاهر أنّها واجبة عليه ، واحتمل أن يكون عن هذا المال وعن غيره.

وإذا قال : هذه صدقة ؛ كان الظاهر أنّها صدقة في الحال إمّا واجبة أو تطوّع.

فإن ادّعى علم المدفوع إليه أنّها معجّلة ، كان له إحلافه ؛ لأنّ المدفوع إليه منكر لو اعترف بما قاله الدافع وجب عليه ردّ ذلك ، فإذا أنكره وادّعى علمه اُحلف ، كمن يدّعي على ورثة الميت دَيناً عليه ، وهو أحد وجهي الشافعي.

وفي الثاني : لا يحلف ؛ لأنّ دعوى الدافع يخالف ظاهر قوله فلم يسمع(٣) .

لا يقال : ألا جعلتم القول قول الدافع ؛ لأنّه أعلم بنيّته ، كما لو دفع مالا وقال : إنّه قرض ، وقال المدفوع إليه : إنّه هبة ، فالقول قول الدافع ، وكما لو قضى أحد الدينين وادّعى القابض قضاء الآخر ، قدّم قول الدافع.

لأنّا نقول : إنّما كان القول في هاتين قول الدافع ؛ لأنّه لا يخالف الظاهر ، فكان أولى ، وفي مسألة الزكاة قول الدافع يخالف الظاهر ؛ لأنّ الزكاة‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٣١.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ - ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥٠ ، مغني المحتاج ١ : ٤١٧.

(٣) المجموع ٦ : ١٥٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٠.

٣١٢

ظاهرة في الوجوب ، والمعجّلة ليست زكاةً في الحال ، فلم يقبل قوله.

أمّا الوالي إذا أطلق وكانت معجّلةً ، فإنّ له الرجوع ؛ لأنّه نائب عن الفقراء ، فيقبل قوله عليهم ، ورب المال يدّعيها لنفسه ، فلم يقبل قوله.

إذا ثبت هذا ، فالدافع أعرف بنيّته إن كان صادقاً وتمكّن من الاستيفاء ، كان له ذلك ، وإلّا فلا. ولو علم الفقير ذلك وجب عليه الردّ مع الطلب وإن كان مستحقّاً ولم يتغيّر الحال.

مسألة ٢٢٢ : قد بيّنا أنّه لا يجوز أن يعجّل الزكاة قبل إكمال النصاب‌ عند المجوّزين ، فلو كان معه مائتا شاة فعجّل زكاة أربعمائة عن المائتين الموجودة وعمّا تتوالد ، فتوالدت وبلغت أربعمائة لم تجزئ إلّا عن المائتين عند القائلين منّا بالتعجيل - وهو أحد وجهي الشافعي(١) - لأنّها لم توجد في ملكه ، فأشبه ما إذا زكّى مائتي درهم قبل حصولها.

والثاني : الإِجزاء ؛ لأنّ السخال تابعة للاُمّهات ، فإذا سلف عنها مع وجود الاُمّهات صار ذلك كوجودها(٢) .

ولو كان عنده عشرون من الغنم حوامل ، فعجّل شاةً عنها وعن أولادها ، فتوالدت وبلغت أربعين ، لم تجزئ ؛ لأنّها لا تتبع ما دون النصاب ، وبه قال الشافعي(٣) .

ولو كان معه سلعة للتجارة قيمتها مائتان ، فأخرج زكاة أربعمائة ، ثم زادت قيمتها ، وصارت أربعمائة عند الحول ، لم يجزئه عندنا ، لما تقدّم.

وقال الشافعي : يجزئه ؛ لأنّ الواجب في قيمة العرض ، والاعتبار بالقيمة في آخر الحول دون غيره ، ولهذا لو نقصت القيمة ثم زادت لم ينقطع الحول(٤) .

____________________

(١ و ٢ ) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٤.

(٣) اُنظر : فتح العزيز ٥ : ٥٣١ ، والمجموع ٦ : ١٤٦.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٥٣٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣.

٣١٣

وكذا لو كان معه أقلّ من نصاب للتجارة ، فأخرج خمسة دراهم ، وزادت القيمة ، وبلغت نصاباً ، أجزأه(١) .

وعندنا أنّ النصاب معتبر في أول الحول إلى آخره في القيمة ، فلهذا قلنا بعدم الإِجزاء.

ولو كان معه مائتا درهم فعجّل منها خمسة ، فلمـّا دنا الحول أتلف منها درهماً انقطع الحول ، وسقطت الزكاة عنه ؛ لقصور المال عن النصاب ، وله أن يرجع فيما عجّله إذا شرط أنّه زكاة معجّلة ؛ لأنّ الزكاة لم تجب عليه.

ولا فرق في النقصان قبل الحول بين التفريط وعدمه ، ولهذا نمنع وجوب الزكاة ، وهو أحد وجهي الشافعية.

والثاني : ليس له ، لأنّه مفرط في ذلك ، قاصد لاسترجاع ما عجّله ، فلم يكن له الرجوع(٢) .

وقد تقدّم أنّ التفريط لا يمنع الرجوع.

* * *

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٦ و ١٤٨.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٥٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٦.

٣١٤

٣١٥

الفصل الثالث

في المُخرج‌

مسألة ٢٢٣ : يجوز أن يتولّى المالك الإِخراج بنفسه في الأموال كلّها‌ ، سواء كانت ظاهرةً أو باطنةً ، وإن كان الأفضل في الظاهرة صرفها إلى الإمام أو الساعي ؛ ليتولّيا تفريقها ، عند علمائنا - وبه قال الحسن ومكحول وسعيد بن جبير وميمون بن مهران والثوري وطاوس وعطاء والشعبي والنخعي وأحمد والشافعي في أحد القولين(١) - لأنّها حق لأهل السُّهمان ، فجاز دفعه إليهم ؛ لأنّهم المستحقّون كسائر الحقوق ، وكالدَّين إذا دفعه إلى مالكه ، وكالزكاة الباطنة. ولأنّه أحد نوعي الزكاة ، فأشبه الآخر.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لو أنّ رجلاً حمل زكاته على عاتقه فقسّمها علانيةً كان ذلك حسناً جميلاً »(٢) .

وقال مالك : لا يفرّق الأموال الظاهرة إلّا الإِمام - وبه قال أبو حنيفة‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٠٥ و ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٤١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٠١ / ١٦ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ / ٢٩٧.

٣١٦

والشافعي في أحد القولين(١) - لقوله تعالى( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ ) (٢) .

ولأنّ أبا بكر طالبهم بالزكاة وقاتلهم عليها ، وقال : لو منعوني عناقاً كانوا يؤدّونه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقاتلتهم عليها. ووافقه الصحابة على هذا(٣) .

ولأنّ ما للإِمام قبضه بحكم الولاية لا يجوز دفعه إلى المولّى عليه كولي اليتيم(٤) .

والجواب : نقول بموجب الآية ، فإنّها تدلّ على أنّ للإِمام أخذها ، ولا خلاف فيه.

ومطالبة أبي بكر ؛ لمنعهم ، ولو أدّوها إلى مستحقّها لم يقاتلهم.

وإنّما يطالب الإِمام بحكم الولاية والنيابة عن مستحقّها ، وإذا دفعها إليهم جاز ، لأنّهم أهل رشد ، فجاز الدفع إليهم ، بخلاف اليتيم.

إذا ثبت هذا ، فإنّ المالك يتخيّر في الصرف إلى الإِمام أو العامل أو المساكين أو الوكيل ؛ لأنّه فِعْلٌ تدخله النيابة فجاز التوكيل فيه.

مسألة ٢٢٤ : الأفضل أن تدفع زكاة الأموال الظاهرة إلى الإِمام العادل‌ ، وبه قال الباقرعليه‌السلام والشعبي والأوزاعي وأحمد(٥) - لأنّ الإِمام أعلم بمصارفها ، ودفعها إليه يبرئه ظاهراً وباطناً ؛ لاحتمال أن يكون الفقير غير مستحق ، ويزيل التهمة عنه في منع الحق ، ولأنّه يخرج من الخلاف.

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٣٥ ، المغني ٢ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٤١.

(٢) التوبة : ١٠٣.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٣١ ، سنن البيهقي ٤ : ١١٤.

(٤) المنتقى - للباجي - ٢ : ٩٤ ، المغني ٢ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٤١.

(٥) المغني ٢ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧١ - ٦٧٢.

٣١٧

وقال بعض الجمهور : الأفضل أن يفرّقها بنفسه ؛ لما فيه من توفير أجر العمالة وصيانة الحق عن خطر الخيانة ومباشرة تفريج كربة مستحقّها وإغنائه بها ، مع إعطائها الأولى بها من محاويج أقاربه وذوي رحمه وصلة الرحم بها فكان أفضل(١) .

ولو تعذّر الصرف إلى الإِمام حال الغيبة استحب دفعها إلى الفقيه المأمون من الإِمامية ؛ لأنّه أبصر بمواقعها. ولأنّه إذا دفعها إلى الإِمام أو الفقيه برئ لو تلفت قبل التسليم ؛ لأنّ الإِمام أو نائبه كالوكيل لأهل السُّهمان ، فجرى مجرى قبض المستحقّ.

مسألة ٢٢٥ : لو طلب الإِمام الزكاة منه وجب دفعها إليه‌ إجماعاً منّا ؛ لأنّه معصوم تجب طاعته وتحرم مخالفته ، فلو دفعها المالك إلى المستحقّين بعد طلبه وإمكان دفعها إليه فقولان لعلمائنا : الإِجزاء - وهو الوجه عندي - لأنّه دفع المال إلى مستحقّه ، فخرج عن العهدة ، كالدَّين إذا دفعه الى مستحقّه.

وعدمه ؛ لأنّ الإِخراج عبادة لم يوقعها على وجهها ؛ لوجوب الصرف إلى الإِمام بالطلب ، فيبقى في عهدة التكليف. ولا خلاف في أنّه يأثم بذلك.

مسألة ٢٢٦ : الطفل والمجنون إن أوجبنا الزكاة في مالهما أو قلنا باستحبابها فالولي هو المتولّي للإِخراج‌ ، وحكم الولي هنا حكم المالك ، إن شاء فرّقها بنفسه ، وإن شاء دفعها إلى الساعي أو إلى الإِمام ، وكذا الوكيل في الدفع له أن يدفع إلى الفقراء وإلى الإِمام وإلى الساعي.

ولو أمره المالك بالمباشرة ، فإن دفع الى الإِمام العادل برئ ؛ لأنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وإن دفعها إلى الساعي فالوجه الضمان ؛ للمخالفة.

مسألة ٢٢٧ : يجب أن ينصب الإِمام عاملاً لقبض الصدقات‌ ؛ لأنّه من الأمر بالمعروف ، ومن المصالح التي تشتد الحاجة إليها من الفقراء‌

____________________

(١) قاله ابنا قدامة في المغني ٢ : ٥٠٦ - ٥٠٧ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٧٢.

٣١٨

للانتفاع ، ومن المالك لتخليص ذمته من الحقّ.

ويجب الدفع إليه مع طلبها ؛ لأنّه كالنائب للإِمام ، وأمره مستند إلى أمره ولمـّا كان امتثال أمر الإِمام واجباً فكذا أمر نائبه.

ولقوله تعالى( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ) (١) والأمر بالأخذ يستلزم الأمر بالإِعطاء.

مسألة ٢٢٨ : وليس للعامل أن يتولّى تفريق الصدقة إلّا بإذن الإِمام‌ ؛ لأنّه لا ولاية له إلّا من قِبَلهعليه‌السلام ، فتختص ولايته بما قصرها عليه ، فإن فوّض إليه ذلك جاز.

ثم إن عيّن له الإِمام الصرف إلى أقوام معيّنين على التفضيل أو التسوية ، لم يجز التخطّي(٢) ، فإن تخطّى الى غيرهم أو فضّل وقد اُمر بالتسوية أو بالعكس ، ضمن القدر الذي فرّط فيه خاصة، وإن أطلق تصرّف هو كيف شاء ممّا يبرئ المالك.

ولو عيّن له المالك وعيّن له الإِمام أيضاً ، واختلف المحل أو التقسيط اتّبع تعيين الإِمام خاصة.

ومع إطلاق الإِمام وتعيين المالك هل يجوز له التخطّي(٣) الى غير من عيّنه المالك؟ إشكال ينشأ من أنّ للمالك التخيير لا لغيره ، ومن زوال ولايته بالدفع إلى الساعي.

إذا عرفت هذا ، فإذا أذن الإِمام في التفريق وأطلق ، جاز أن يأخذ نصيبه من تحت يده ؛ لأنّه أحد المستحقّين وقد أذن له في الدفع إليهم ، فيندرج تحت الإِذن كغيره.

مسألة ٢٢٩ : واذا بعث الإِمام الساعي لم يتسلّط على أرباب المال‌ ، بل يطلب منهم الحقّ إن كان عليهم ، فإن قال المالك : أخرجت الزكاة ، أو‌

____________________

(١) التوبة : ١٠٣.

(٢ و ٣ ) في النسخ الخطيّة والحجرية : التخطية. والصحيح ما أثبتناه.

٣١٩

لم يَحُلْ على مالي الحول ، أو أبدلته ؛ صدَّقه من غير يمين ، خلافاً للشافعي(١) ، على ما تقدّم.

ولا يلزم المالك أن يدفع من خيار ماله ، ولا يقبل منه الأدون ، بل يؤخذ الأوسط ، ويقسّم الشياه قسمين عندنا ، ويخيّر المالك حتى تبقى الفريضة.

وقال بعض الجمهور : يقسّم ثلاثة أقسام : أجود وأدون وأوسط ، وتؤخذ الفريضة من الأوسط(٢) .

وقولنا أعدل ؛ لأنّ فيه توصّلاً إلى الحقّ من غير تسلّط على أرباب الأموال.

مسألة ٢٣٠ : وينبغي أن يخرج العامل في أخذ صدقة الثمار والغلّات عند كمالها وقطفها‌ وجذاذها وتصفيتها ، والناحية الواحدة لا تختلف زروعها اختلافاً كثيراً ، وأمّا ما يعتبر فيه الحول فيخرج في رأس الحول استحباباً ؛ لتنضبط الأحوال.

فإذا قدم العامل فإن كان حول الأموال قد تمّ ، قبض الزكاة ، وإن كان فيهم من لم يتمّ حوله وصّى عدلاً ثقةً يقبض الصدقة منه عند حلولها ، ويفرّقها في أهلها إن أذن له الإِمام دفعاً لحرج العود.

وإن رأى أن يكتبها ديناً عليه ليأخذ من قابل ، فالوجه المنع ، خلافاً للشافعي(٣) .

وإن أراد أن يرجع في وقت حلولها لقبضها كان أولى.

ولا يكلّف أرباب الأموال أن يجلبوا المواشي إليه ليعدّها ، ولا يكلّف الساعي أن يتبعها في مراتعها ؛ لما فيه من المشقة ، بل يقصد الساعي موارد‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٦ ، المجموع ٦ : ١٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٢.

(٢) حكاه المحقق في المعتبر : ٢٧٦.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٦ ، المجموع ٦ : ١٧٣.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460