تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182573 / تحميل: 6069
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

أماكنها ، وسواء كان بينهما مسافة القصر أو لا عند علمائنا أجمع ، وبه قال عامة العلماء(١) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( في أربعين شاةً شاةٌ )(٢) .

ولأنّه ملك واحد فأشبه ما لو تقاربت البُلدان.

وعن أحمد رواية : أنّه إن كان بينهما مسافة القصر فلكلّ مالٍ حكم نفسه يعتبر على حدته ، إن كان نصاباً ففيه الزكاة وإلّا فلا ، ولا يضمّ إلى المال الذي في البلد الآخر.

قال ابن المنذر : لا أعلم هذا القول عن غير أحمد.

لقولهعليه‌السلام : ( لا يجمع بين مفترق )(٣) وهذا مفترق فلا يجمع.

ولأنّه لمـّا أثّر اجتماع مالين لرجلين في كونهما كالمال الواحد يجب أن يؤثّر افتراق مال الرجل الواحد حتى يجعله كالمالين(٤) .

وقد بيّنا أنّ المراد لا يجمع بين متفرّق في الملك ، والمقيس عليه ممنوع.

فروع :

أ - إذا كان له ثمانون شاة مضى عليها ستّة أشهر فباع منها النصف مشاعاً أو أربعين معيّنةً انقطع الحول في المبيع دون الباقي إجماعاً ، لأنّه نصاب فإذا تمّ الحول فزكاته على البائع ، وإذا حال حول المبيع كانت زكاته على المشتري.

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٣.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ و ٥٧٨ / ١٨٠٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١٦.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ / ١٨٠١ و ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩ / ٦٢١ ، مسند أحمد ١ : ١٢ و ٢ : ١٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠٥.

(٤) المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٣.

١٠١

وقال الشافعي : تكون زكاة المشتري زكاة الخلطة(١) .

ب - إذا ملك أربعين في المحرّم ، وأربعين في صفر ، وأربعين في شهر ربيع ، وحال الحول على الجميع ، فعليه في الأول شاة عندنا ، ولا شي‌ء عليه في الزائد ، لقصوره عن النصاب ، والجميع لمالك واحد ، وبه قال أحمد في رواية(٢) .

وقال الشافعي - في القديم - : عليه في كلّ أربعين ثُلث شاة ، و - على الجديد - في الاُولى شاة ، وفي الثانية نصف شاة ، لأنّها مختلطة بالأربعين الاُولى في جميع الحول ، وفي الثالثة ثلث شاة ، لاختلاطها بالثمانين في جميع الحول(٣) .

وله وجه آخر : وجوب شاة في كلّ واحدة(٤) .

ج - لو ملك ثلاثين من البقر واشترى بعد ستّة أشهر عشراً ، فعليه عند تمام حول الثلاثين تبيع ، وعند تمام حول العشر ربع مسنّة ، فإذا تمّ حول آخر على الثلاثين فعليه ثلاثة أرباع مسنّة ، وإذا حال حولٌ آخر على العشر فعليه ربع مسنّة ، وهكذا ، وبه قال بعض الشافعيّة(٥) .

وقال ابن سريج : لا ينعقد حول العشر حتّى يتمّ حول الثلاثين ثم يستأنف حول الكلّ(٦) . ولا بأس به.

ويحتمل وجوب التبيع عند تمام كلّ حول الثلاثين ، ورُبع المسنّة عند تمام كلّ حول العشرة.

وكذا لو ملك أربعين من الغنم ستّة أشهر ، ثم ملك إحدى وثمانين‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٦٣.

(٢) المغني ٢ : ٤٨٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٣٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٦٦ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٥ - ٤٥٧.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٤٥٧.

(٥ و ٦ ) المجموع ٥ : ٣٦٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٤.

١٠٢

فالأقرب أنّ عليه عند كمال حول الاُولى شاة ، وعند كمال حول الثانية شاة اُخرى ، وهكذا.

ولو ملك أربعين شاة في المحرّم ، ومائة في صفر ، ومائة في ربيع فعليه عند تمام حول الاُولى شاة، وكذا عند تمام حول الثانية والثالثة ؛ لأنّا نجعل ملكه في الإِيجاب كملكه لذلك في حال واحدة فصار كأنّه ملك مائتين وأربعين فتجب ثلاث شياه عند تمام حول كلّ مال شاة.

وقال بعض الجمهور : يجب عليه في الشهر الثاني حصّة من فرض الثالث معاً وهي شاة وثلاثة أسباع شاة ، لأنّه لو ملك المالين دفعةً كان عليه فيهما شاتان حصّة المائة منهما خمسة أسباعهما وهو شاة وثلاثة أسباع شاة ، وعليه في الثالث شاة وربع ، لأنّه لو ملك الجميع دفعة - وهو مائتان وأربعون - كان عليه ثلاث شياه حصّة الثالث ربعهنّ وسدسهنّ وهو شاة وربع(١) .

د - لو ملك عشرين من الإِبل في المحرّم وستّاً في صفر فعليه في العشرين عند تمام حولها أربع شياه ، وفي الستّ عند تمام حولها ستّة أجزاء من ستّة وعشرين جزءاً من بنت مخاض.

ولو ملك في المحرّم ستّاً وعشرين ، وفي صفر خمساً فعليه في الأول عند تمام حوله بنت مخاض ، ولا شي‌ء عليه في الخمس الزائدة.

وقال بعض الجمهور : عليه فيها شاة ، لأنّه نصاب كامل وجبت الزكاة فيه بنفسه(٢) . وهو ممنوع.

وقال آخرون : عليه سُدس بنت مخاض(٣) . بناءً على أنّ بنت المخاض تجب في خمس وعشرين.

وعلى الخلطة ، فإن ملك مع ذلك في ربيع ستّاً اُخرى فعليه في الأول‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٨٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٠.

(٢ و ٣ ) المغني ٢ : ٤٨٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤١.

١٠٣

عند تمام حوله بنت مخاض ، ولا شي‌ء في الخمس حتّى يتمّ حول الستّ فيجب فيها رُبع بنت لبون ورُبع تُسعها.

وقال بعض الجمهور : عليه في الخمس سُدس ( بنت مخاض )(١) إذا تمّ حولها ، وفي الستّ سُدس بنت لبون عند تمام حولها(٢) .

وقيل : عليه في الخمس الثانية شاة عند تمام حولها ، وفي الستّ شاة عند تمام حولها(٣) .

* * *

____________________

(١) ورد في النسخ الخطية والطبعة الحجرية بدل ما بين القوسين : ( شاة ) وما أثبتناه موافق للمصادر.

(٢ و ٣) المغني ٢ : ٤٨٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤١.

١٠٤

١٠٥

الفصل الخامس

في صفة الفريضة‌

مسألة ٥٧ : أسنان الإِبل المأخوذة في الزكاة أربع :

بنت مخاض وهي التي كملت سنةً ، ودخلت في الثانية ، وسمّيت بذلك ، لأنّ اُمّها ماخض أي حامل ، والمخاض اسم جنس لا واحد له من لفظه ، والواحدة : خلفة.

وبنت لبون : وهي التي كمل لها سنتان ، ودخلت في الثالثة ، سمّيت بذلك ، لأنّ اُمّها قد ولدت وصار بها لبن.

وحِقّة وهي التي لها ثلاث سنين ، ودخلت في الرابعة ، سمّيت بذلك ، لاستحقاقها أن يطرقها الفحل ، أو لأنْ يُحمل عليها.

وجَذَعة - بفتح الذال - وهي التي لها أربع سنين ، ودخلت في الخامسة ، وهي أكبر سنّ تؤخذ في الزكاة.

ولا توجب حقيقة بنت المخاض أو بنت اللبون ، بل ما كمل لها ما قدّر لها وإن لم تكن لها أمٌّ ، ولا يجب ما زاد على الجَذَعة في الزكاة.

ويسمّى ما دخل في السادسة ثنيّ ، وما دخل في السابعة رباع ورباعية ، وما دخل في الثامنة سديس وسدس ، وما دخل في التاسعة بازل ، لأنّه طلع‌

١٠٦

نابه ، ثم يقال : بازل عام ، وبازل عامين ، وهكذا ، والبازل والمـُخلِف واحد ، وما دون بنت المخاض يقال له : فصيل ، وحوار : أوّل ما ينفصل الولد ، ثم بنت مخاض.

وأسنان البقر : أوّلها : الجذع والجذعة وهي التي لها حول ، ويسمّى شرعاً : تبيعاً وتبيعةً ، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة )(١) .

وكذا قال الباقر والصادقعليهما‌السلام حيث فسّراهما بالحولي(٢) .

فإذا كمل سنتين ودخل في الثالثة فهو ثنيّ وثنيّة وهي المسنّة شرعاً ، فإذا دخل في الرابعة فهو رباع ورباعية ، فإذا دخل في الخامسة فهو سَدِيس وسَدَس ، فإذا دخل في السادسة فهو صالغ - بالصاد غير المعجمة والغين المعجمة - ثم لا اسم له ، بل يقال : صالغ عام وعامين وثلاثة. وهكذا.

وأمّا الغنم ، فأوّل ما تلد الشاة يقال لولدها : سخلة ، ذكراً كان أو اُنثى في الضأن والمعز ، ثم يقال بعد ذلك : بَهْمة ، ذكراً كان أو اُنثى فيهما ، فإذا بلغت أربعة أشهر ، ففي الغنم : جَفْر ، للذكر ، وجَفْرة ، للاُنثى ، وجمعهما : جِفار ، فإذا جازت أربعة أشهر فهي العَتُود ، وجمعها : عِتْدان ، وعريض ، وجمعها : عراض ، ويقال لها من حين الولادة إلى هذه الغاية : عناق ، للاُنثى ، وللذكر : جدي ، فإذا كملت سنة فالاُنثى : عنز ، والذكر : تيس ، فإذا دخلت في الثانية فهي جَذَعة ، والذكر : جَذَع ، فإذا دخلت في الثالثة فهي الثَنِيّة ، والذكر : ثَنِيّ ، فإذا دخلت في الرابعة فرَباع ورَباعِية ، فإذا دخلت في الخامسة فهي سَدِيس وسَدَس ، فإذا دخلت في السادسة فهي صالغ ، ثم صالغ عام وعامين دائماً(٣) .

____________________

(١) سنن البيهقي ٤ : ٩٩.

(٢) راجع : الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، والتهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٣) فقه اللغة - للثعالبي - : ٨٨ - ٨٩ ، حياة الحيوان - للدميري - ٢ : ١٢٣.

١٠٧

وأما الضأن فالسخلة والبهمة مثل ما في المعز سواء ، ثم هو حمل للذكر ورَخِل للْأُنثى إلى سبعة أشهر ، فإذا بلغتها ، قال ابن الأعرابي : إن كان من شابين فهو جذع ، وإن كان من هرمين فلا يقال : جذع حتى يستكمل ثمانية أشهر وهو جذع أبداً حتى يستكمل سنة ، فإذا دخل في الثانية فهو ثِنيّ وثَنِيّة(١) على ما ذكرناه في المعز سواء إلى آخرها.

وإنّما قيل في الضأن : جذع إذا بلغ سبعة أشهر ، وأجزأ في الاُضحية ، لأنّه ينزو حينئذٍ ويضرب ، والمعز لا ينزو حتى يدخل في الثانية.

مسألة ٥٨ : الشاة المأخوذة في نصب الإِبل والجبران والغنم : الجَذَعَة من الضأن ، والثَنِيّة من المعز‌ ، لقول سويد بن غفلة : أتانا مصدّق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : نهانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نأخذ من المراضع(٢) ، وأمرنا بالجذعة والثنيّة(٣) ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) .

وقال أبو حنيفة : لا يؤخذ إلّا الثَنِيّة منهما(٥) .

وقال مالك : الجذعة فيهما(٦) .

____________________

(١) راجع : لسان العرب ٨ : ٤٤.

(٢) سنن النسائي ٥ : ٣٠ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٢ / ١٥٧٩ نقلاً بالمعنى.

(٣) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٧٤ ، والشرح الكبير ٢ : ٥١٧.

(٤) الاُم ٢ : ٨ ، مختصر المزني : ٤١ ، الوجيز ١ : ٨٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٥٣ ، مغني المحتاج ١ : ٣٧٠ ، المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٦.

(٥) المغني ٢ : ٤٧٣ - ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٦ - ٥١٧ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٥٣.

(٦) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٤٣ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣١٢ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٥٣ ، المغني ٢ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٧.

١٠٨

فروع :

أ - يجزئ الذكر والاُنثى ، لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أطلق لفظ الشاة(١) ، وهو يتناول الذكر والاُنثى ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الثاني : تجب الاُنثى ، لأنّ الغنم الواجبة في نُصبها إناث(٢) .

ب - يجوز أن يخرج من غنم البلد وغيره ، ومن غنمه وغيرها ، عملاً بالإِطلاق.

وقال الشافعي : يؤخذ من غالب غنم البلد سواء كانت شامية ، أو مكيّة ، أو عربيّة ، أو نبطيّة(٣) ، واختاره الشيخ(٤) ، فإن قصد بذلك الوجوب ، منعناه عملاً بالإِطلاق.

ولا فرق بين أن يكون ما يخرجه من الغنم من جنس غالب غنم البلد أو لا ، خلافاً للشافعي(٥) .

ولو عدل من جنس بلده إلى جنس بلدٍ آخر أجزأ وإن كان أدون من غنم بلده ، خلافاً للشافعي(٦) .

ج - يجوز أن يُخرج من الضأن أو المعز سواء كان الغالب أحدهما أو لا ، وسواء كان عنده أحدهما أو لا ، لقول سويد بن غفلة : أتانا مصدّق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : أمرنا أن نأخذ الجذع من الضأن والثنيّ من‌

____________________

(١) اُنظر على سبيل المثال : سنن الدارقطني ٢ : ١١٣ / ١ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١٦.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٦ ، المجموع ٥ : ٤٢٢ ، الوجيز ١ : ٨٢ ، فتح العزيز ٥ : ٣٧٤ - ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٥٥.

(٣) المجموع ٥ : ٣٩٨ ، الوجيز ١ : ٨٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٦.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٦.

(٥ و ٦ ) المجموع ٥ : ٣٩٨ ، الوجيز ١ : ٨٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٦.

١٠٩

المعز(١) ، ولأنّ اسم الشاة يتناولهما ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال مالك : ينظر إلى الغالب فيؤخذ منه ، فإن تساويا أخرج من أيّهما شاء ، وبه قال عكرمة وإسحاق(٣) .

وما قلناه أولى ، فيُخرج من أحد النوعين ما قيمته كقيمة المخرج من النوعين ، فإذا تساويا عدداً وكانت قيمة المخرج من أحدهما اثني عشر ومن الآخر خمسة عشر أخرج من أحدهما ما قيمته ثلاثة عشر ونصف ، ولو كان الثُلث ضأناً وثُلثان ماعزاً(٤) أخرج ما قيمته ثلاثة عشر ، ولو انعكس أخرج ما قيمته أربعة عشر.

د - يجزئ إخراج البعير عن الشاة وإن كانت قيمته أقلّ من قيمة الشاة ، على إشكال - وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي(٥) - لأنّه يجزئ عن ستّ وعشرين فعن الأقلّ أولى.

وقال مالك وداود وأحمد : لا يجزئه ، لأنّه أخرج غير الواجب فلا يجزئه إلّا بالقيمة(٦) ، ولا بأس به.

وكذا يجزئ إخراج المسنّة عن التبيع.

ه- لو كانت الإِبل كراماً سماناً ففي وجوب كون الشاة كذلك إشكال ينشأ من الإِطلاق ، ومن وجوب ذلك في المأخوذ من الإِبل ، وأوجب الشافعي‌

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٧٤ ، والشرح الكبير ٢ : ٥١٧.

(٢) الاُم ٢ : ١١ ، مختصر المزني : ٤١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٥ ، المجموع ٥ : ٣٩٧ ، الوجيز ١ : ٨٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٥.

(٣) المدوّنة الكبرى ١ : ٣١٦ و ٣١٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٢٧ و ١٣٢ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، المغني ٢ : ٤٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٦.

(٤) الماعز اسم جنس وهي العنز ، والجمع : معز. لسان العرب ٥ : ٤١٠.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٣ ، المجموع ٥ : ٣٥٩ و ٣٩٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٤٠ ، المغني ٢ : ٤٤٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨١.

(٦) المجموع ٥ : ٣٩٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٤١ ، المغني ٢ : ٤٤٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨١.

١١٠

المساواة(١) .

أمّا لو كانت الإِبل مراضاً ، فللشافعيّة في الشاة قولان(٢) : صحيحة تجزئ في الاُضحية ، وشاة بقيمة المراض ، فيقال : كم قيمة الإِبل صحاحاً؟

فإذا قيل : مائة ، قيل : وكم قيمتها مراضاً؟ فإذا قيل : خمسون ، قيل : كم قيمة الشاة الصحيحة المجزئة؟ فإذا قيل : عشرة ، أخذ شاة صحيحة قيمتها خمسة ، فإن أمكن أن تُشترى بحيث تجزئ في الاُضحية بهذه الصفة وإلّا فَرَّق الدراهم.

و - يخرج عن الماشية من جنسها على صفتها ، فيخرج عن البخاتي بختية ، وعن العراب عربيّة ، وعن الكرام كريمة ، وعن السمان سمينة ، فإن أخرج عن البخاتي عربيّةً بقيمة البختية ، أو عن السمان هزيلةً بقيمة السمينة جاز ، لأنّ القصد التساوي في القيمة مع اتّحاد الجنس.

ومنع بعض الجمهور منه ، لما فيه من تفويت صفة مقصودة فلم يَجُز ، كما لو أخرج من غير الجنس(٣) .

والحكم في الأصل ممنوع ، ولو قصرت القيمة فالوجه : عدم الإِجزاء.

ولو أخرج عن اللئيمة كريمةً ، وعن الهزيلة سمينةً أجزأ بلا خلاف.

قال اُبيّ بن كعب : بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مصدّقاً ، فمررت برجل فلمـّا جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلّا بنت مخاض ، فقلت له : أدِّ بنت مخاض فإنّها صدقتك ، فقال : ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر ، ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخُذها ، فقلت : ما أنا بآخذ ما لم اُؤمر به ، وهذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منك قريب فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٤٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٥ ، المجموع ٥ : ٣٩٥ و ٣٩٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٤١ - ٤٢.

(٣) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٤٥ ، والشرح الكبير ٢ : ٥١٣.

١١١

عليَّ فافعل ، فإن قبله منك قبلته ، وإن ردّه عليك رددته ، قال : فإنّي فاعل ، فخرج معي وخرج بالناقة التي عرض عليّ حتى قدمنا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له : يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ منّي صدقة مالي ، وأيم الله ما قام في مالي رسول الله ولا رسوله قط قبله ، فجمعت له مالي ، فزعم أنّ ما عليّ فيه بنت مخاض ، وذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر ، وقد عرضت عليه ناقة فتية سمينة عظيمة ليأخذها فأبى ، وها هي ذه قد جئتك بها يا رسول الله خُذها ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ذاك الذي وجب عليك فإن تطوّعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك ) قال : فها هي ذه يا رسول الله قد جئتك بها ، قال : فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقبضها ، ودعا له في ماله بالبركة(١) .

ويحتمل إجزاء أيّ الصنفين شاء في جميع ذلك إذا كان بالصفة الواجبة.

مسألة ٥٩ : ولا تؤخذ مريضة من الصحاح ، ولا هرمة ، ولا ذات عوار‌ أي : ذات عيب ، لقوله تعالى( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (٢) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا تخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلّا ما شاء المصدِّق )(٣) أي : العامل.

فقيل : التيس لا يؤخذ ؛ لنقصه ، وفساد لحمه ، وكونه ذكراً(٤) .

وقيل : لفضيلته ، لأنّه فحلها(٥) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « ولا تؤخذ هرمة ، ولا ذات عوار ، إلّا أن يشاء المصدّق ، يعدّ صغيرها وكبيرها »(٦) .

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٠٤ / ١٥٨٣ ، مسند أحمد ٥ : ١٤٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٩٦ - ٩٧.

(٢) البقرة : ٢٦٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٧ ، الموطّأ ١ : ٢٥٩ / ٢٣ ، وسنن الدارقطني ٢ : ١١٤ / ٢.

(٤ و ٥ ) المغني ٢ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٨.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦ و ٢٣ / ٦٢.

١١٢

فروع :

أ - لو كانت الإِبل كلّها مراضاً جاز أن يأخذ مريضة ، ولا تجب صحيحة ، وبه قال الشافعي وأحمد(١) ، لأنّ المال إذا وجب فيه من جنسه لم يجب الخيار من الردي‌ء كالحبوب.

وقال مالك : تجب عليه صحيحة من غير المال(٢) ، لقولهعليه‌السلام : ( ولا ذات عوار )(٣) .

وهو محمول على ما إذا كان النصاب صحاحاً.

ولو كانت كلّها مراضاً إلّا مقدار الفرض تخيّر بين إخراجه وشراء مريضة.

ولو كان النصف صحيحاً ، والنصف مريضاً أخرج صحيحة بقيمة المريضة.

ب - لو كانت كلّها مراضاً ، والفرض صحيح لم يَجُز أن يُعطي مريضاً ، لأنّ في الفرض صحيحاً ، بل يكلّف شراء صحيح بقيمة الصحيح والمريض ، فإذا كانت بنت لبون صحيحة في ستّ وثلاثين مراض كلّف بنت لبون صحيحة بقيمة جزء من ستّة وثلاثين جزءاً من صحيحة ، وخمسة وثلاثين جزءاً من مريضة.

ج - لو كان المال كلّه صحاحاً ، والفرض مريض لم يَجُز أخذه ، وكان له الصعود والنزول مع الجبران ، أو يشتري فرضاً بقيمة الصحيح والمريض.

د - لو كانت كلّها مراضاً وليس فيها الفرض فأراد أن يصعد ويطلب‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٥ ، المجموع ٥ : ٣٩٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣٦٩ ، الوجيز ١ : ٨٢ ، المغني ٢ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠٨.

(٢) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣١ ، المغني ٢ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠٨ ، فتح العزيز ٥ : ٣٦٩.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الهامش (٣) من الصفحة ١١١.

١١٣

الجبران لم يكن له ذلك ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل الجبران بين الفرضين الصحيحين(١) ، فلا يدفعه بين المريضين ، لأنّ قيمتهما أقلّ من قيمة الصحيحين ، وكذلك قيمة ما بينهما.

ولو أراد النزول ودفع الجبران جاز ، والمعيب كالمريض في ذلك كلّه.

ه- لو كان عليه حِقّتان ، ونصف ماله مريض ، ونصفه صحيح كان له إخراج حِقّة صحيحة وحِقّة مريضة ، لأنّ النصف الذي يجب فيه إحدى الحقّتين مريض كلّه.

وقال أحمد : لا تجزئ ، لأنّ في ماله صحيحا ومريضا فلا يملك إخراج مريضة ، كما لو كان نصابا واحدا(٢) .

و - لو كانت كلّها صغاراً أخرج منها ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال مالك : تجب كبيرة(٤) .

ز - لو كان الصحيح دون قدر الواجب كمائتي شاة ليس فيها إلّا صحيحة أجزأ إخراج صحيحة ومريضة ، وهو أصح وجهي الشافعيّة.

والثاني لهم : إلزامه بصحيحتين ، لأنّ المخرجتين كما تزكّيان الباقي تزكّي كلّ واحدة منهما الاُخرى فيلزم أن تزكّي المريضة الصحيحة وهو ممتنع(٥) .

ونمنع كون كلّ منهما تزكّي الاُخرى.

____________________

(١) اُنظر : صحيح البخاري ٢ : ١٤٥ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٣ - ١١٤ / ٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٢) المغني ٢ : ٤٦٦ - ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١١.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٥ ، المجموع ٥ : ٤٢٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٥٤.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٣.

(٥) المجموع ٥ : ٤١٩ - ٤٢٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣٧١.

١١٤

ح - لو كان له أربعون بعضها صحيح ، وبعضها مريض أخرج صحيحة قيمتها ربع عُشر الأربعين التي يملكها ، لأنّ الواحد ربع عُشر الأربعين.

ولو كان عنده مائة وإحدى وعشرون منقسمة أخرج صحيحتين قيمتهما قدر جُزءين من مائة وإحدى وعشرين جزءاً من قيمة الجملة وهو يغني عن النظر في قيمة آحاد الماشية.

ويحتمل التقسيط بالنسبة ، فلو كان نصف الأربعين صحاحا ، ونصفها مراضا ، وقيمة كلّ مريضة دينار ، وقيمة كلّ صحيحة ديناران أخرج صحيحة بقيمة نصف صحيحة ونصف مريضة وهي دينار ونصف.

ط - لو كان المال كلّه معيباً أخذت معيبة ، ولو كان فيها سليم طولب بسليمة تقرب قيمتها من ربع عُشر ماله ، وإن كان الكلّ معيباً ، وبعضها أرْدأ أخرج الوسط ممّا عنده.

ولو ملك ستّاً وعشرين معيبة وفيها بنتا مخاض إحداهما أجود ما عنده لم يلزمه إخراجها ، وفي وجه للشافعي : وجوبه(١) .

والعيب المعتبر في هذا الباب ما يثبت الردّ في البيع أو ما يمنع التضحية ، والوجهان للشافعية(٢) ، والأقرب : الأول.

ي - لو كانت ماشيته ذكراناً كلّها أجزأ أن يُخرج منها ذكراً - وهو أحد وجهي الشافعي - كالمريضة ، وفي الآخر : لا يجوز - وبه قال مالك - لورود النصّ بالإِناث(٣) .

وقال بعضهم : إن أدّى أخذ الذكر في الإِبل إلى التسوية بين نصابين لم يؤخذ وإلّا أخذ ، فلا يؤخذ ابن لبون من ستّ وثلاثين ، لأنّه مأخوذ من ستّ‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٧٢ - ٣٧٣ ، المجموع ٥ : ٤٢١.

(٢) المجموع ٥ : ٤٢٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣٧٣.

(٣) المجموع ٥ : ٤٢١ ، الوجيز ١ : ٨٢ ، فتح العزيز ٥ : ٣٧٤ - ٣٧٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٠.

١١٥

وعشرين فيؤدّي إلى التسوية ، ويؤخذ حِقٌّ من ستّ وأربعين ، وجَذَع من إحدى وستّين ، وابن مخاض من ستّ وعشرين(١) .

والوجه عندي في ذلك اتّباع النصّ ، فلا يجزئ في ستّ وعشرين ابن مخاض ، ولا في ستّ وأربعين حِقّ ، ولا جَذَع في إحدى وستّين ، لورود النصّ بالاُنثى ، ويجزئ في غير ذلك كالغنم.

يا - لا يجزئ الصغار عن الكبار ، لورود النصّ بالسنّ ، نعم لو كانت كلّها صغاراً أجزأ الواحد منها - وهو متعذّر في أكثر المواشي عند أكثر الجمهور ، لاشتراط حولان الحول فيخرج إلى حدّ الإِجزاء(٢) ، ويتأتّى(٣) على مذهبنا ، ومذهب أبي حنيفة(٤) ، لأنّ الحول إنّما يبتدأ من وقت زوال الصغر - وهو أحد وجهي الشافعي(٥) .

ويتصوّر على مذهبه(٦) بأن يحدث من الماشية نتاج في الحول ، ثم تموت الاُمّهات ، ويبقى من النتاج النصاب فتجب الزكاة في النتاج إذا تمّ حول الأصل - وبه قال مالك - أو يمضي على صغار المعز حول فتجب فيها الزكاة وإن لم تبلغ سنّ الإِجزاء عنده على الأظهر ، لأن سنّ إجزاء المعز سنتان(٧) .

وفي الثاني : لا يجوز أخذ الصغيرة عن الصغار(٨) .

ومنهم من سوّغ في الغنم ، وفي الإبل والبقر ثلاثة أوجه :

المنع ، لما فيه من التسوية بين ستّ وعشرين من الإِبل وإحدى وستّين‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٧٦.

(٢) راجع : فتح العزيز ٥ : ٣٧٩ ، والمجموع ٥ : ٤٢٣.

(٣) بهامش نسخة « ن » : أي : ويتأتّى التعذّر على مذهبنا.

(٤) وهو : عدم انعقاد الحول على الصغار. راجع : بدائع الصنائع ٢ : ٣١ - ٣٢ ، وفتح العزيز ٥ : ٣٧٩.

(٥) فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، المجموع ٥ : ٤٢٣.

(٦) أي : مذهب الشافعي.

(٧ و ٨ ) فتح العزيز ٥ : ٣٧٩ - ٣٨٠ ، المجموع ٥ : ٤٢٣.

١١٦

وما بينهما من النصابين في أخذ فصيل ، وبين ثلاثين من البقر وأربعين في أخذ عجل.

الثاني : المنع من أخذ صغيرة من إحدى وستّين فما دونها ، لأنّ الواجب واحد ، وفيما جاوز ذلك يعتبر العدد كالغنم.

واُلزم على هذا أنّ الواجب في إحدى وتسعين حقّتان ، وفي ستّ وسبعين بنتا لبون ، فالأولى على هذا أن يقال : إن أدّى أخذ الصغيرة إلى التسوية لم تؤخذ وإلّا اُخذت.

الثالث - وهو الأظهر - جواز(١) أخذها كما يؤخذ من الغنم(٢) .

يب - الأقرب جواز إخراج ثنيّة من المعز عن أربعين من الضأن ، وجَذَعة من الضأن عن أربعين من المعز - وهو أحد وجهي الشافعي - لاتّحاد الجنس.

والثاني : المنع ، فيؤخذ الضأن من المعز دون العكس ، لأنّ الضأن فوق المعز(٣) .

ولو اختلف النوع جاز إخراج مهما شاء المالك ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وأظهرهما : التقسيط ، وله آخر : التخيير إذا لم يمكن إخراج الصنفين ، فإن أمكن كمائتين من الإِبل نصفها مَهْرية(٤) ، ونصفها عربية ، تؤخذ حِقّتان من هذه ، وحِقّتان من هذه ، وله رابع : الأخذ من الأجود ، وخامس : أن يؤخذا [ لـ ] وسط(٥) .

مسألة ٦٠ : لا تؤخذ الرُبّى - وهي الوالد - إلى خمسة عشر يوماً‌ ، وقيل :

____________________

(١) ورد في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : عدم جواز وما أثبتناه من المصادر.

(٢) المجموع ٥ : ٤٢٣ - ٤٢٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ - ٣٨١.

(٣) المجموع ٥ : ٤٢٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٤ ، مغني المحتاج ١ : ٣٧٤.

(٤) إبل مَهْرية : نسبة إلى قبيلة مَهْرة بن حَيْدان. لسان العرب ٥ : ١٨٦.

(٥) المجموع ٥ : ٤٢٤ - ٤٢٥ ، الوجيز ١ : ٨٢ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٥ - ٣٨٧ ، مغني المحتاج ١ : ٣٧٥.

١١٧

إلى خمسين ، لاشتغالها بتربية ولدها.

ولا الماخض - وهي الحامل - ولا الأكولة - وهي السمينة المعدّة للأكل - ولا فحل الضراب؛ لقولهعليه‌السلام : ( إيّاك وكرائم أموالهم )(١) .

ونهىعليه‌السلام أن يأخذ شافعاً(٢) أي : حاملاً ، سمّيت به ، لأنّ ولدها قد شفعها.

فإن تطوّع المالك بذلك أجزأ ، ولو اتّصفت الكلّ بالماخض وجب إخراج ماخض ، وكذا الأكولة مع السوم.

وأما الرُبّى ففي أخذها إشكال ، للخوف على الولد ، فالأقرب إلزامه بالقيمة.

فروع :

أ - إذا وجب عليه جَذَعة وكانت حاملاً لم يكن للساعي أخذها إلّا أن يتطوّع المالك وكذا إذا وجب عليه سنّ فأعطى المالك أعلى جاز وكان متطوّعاً بالفضل ، ولا نعلم فيه خلافاً إلّا من داود ، فإنّه قال : لا يجوز أخذ الحامل والأعلى من السنّ الواجب(٣) ، لأنّه عدل المنصوص فلم يجزئه.

ولقولهعليه‌السلام لمعاذ : ( إيّاك وكرائم أموالهم )(٤) .

والتنصيص على الأخفّ إرفاقاً بالمالك فلا يمنع من الأعلى.

ب - لو تعدّد الفرض في ماشيته كان الخيار إلى المالك أيّ واحدةٍ مُجزئةٍ

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ١٤٧ ، صحيح مسلم ١ : ٥٠ / ١٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٥ / ١٥٨٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١ / ٦٢٥ ، سنن النسائي ٥ : ٥٥ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٨ / ١٧٨٣ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٢ ، ومسند أحمد ١ : ٢٣٣.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٠٣ / ١٥٨١ ، سنن النسائي ٥ : ٣٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٠.

(٣) المجموع ٥ : ٤٢٧ - ٤٢٨ ، وحكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ١٥ ، المسألة ١٠.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في صدر المسألة.

١١٨

أخرجها جاز.

وقال بعض علمائنا : يقرع حتى تبقى الواجبة(١) ، وهو عندي على الاستحباب.

ج - إذا لم يظهر بالبهيمة الحمل ولكن طرقها الفحل لم يكن للساعي أخذها إلّا برضا المالك ، وكانت كالحامل ينتقل إلى ما فوقها أو دونها.

المطلب الثاني

في زكاة الذهب والفضة‌

مسألة ٦١ : الذهب والفضّة تجب فيهما الزكاة‌ بالنصّ والإِجماع.

قال الله تعالى( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) (٢) ولا يتوعّد بهذه العقوبة إلّا على ترك الواجب.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما من صاحب ذهب ولا فضّة لا يؤدّي منها حقّها إلّا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فاُحمي عليها في نار جهنم فيكوى جنبه وجبينه وظهره كلّما بردت اُعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد )(٣) .

وأجمع المسلمون كافّة على الوجوب مع الشرائط.

مسألة ٦٢ : يشترط في وجوب الزكاة في هذين أمور أربعة : الملك إجماعاً ، والحول كذلك ، والنصاب أيضاً ، وكونهما مضروبين منقوشين‌

____________________

(١) حكاه أيضاً المحقق في شرائع الإِسلام ١ : ١٤٧ ، وانظر : الخلاف للشيخ الطوسي ٢ : ٢٥ ، المسألة ٢١.

(٢) التوبة : ٣٤‌

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٦٨٠ / ٩٨٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٤ / ١٦٥٨ ، سنن البيهقي ٤ : ١٣٧.

١١٩

دراهم ودنانير عند علمائنا خاصة ، فلا زكاة في السبائك والنقار والتبر والحليّ ، لقولهعليه‌السلام : (ليس في الحليّ زكاة )(١) .

ومن طريق الخاصة قول الكاظمعليه‌السلام : « ليس في سبائك الذهب ونقار الفضّة زكاة »(٢) .

وقول الصادق والكاظمعليهما‌السلام : « ليس على التبر زكاة »(٣) .

وقال الكاظمعليه‌السلام : « كلّ مال لم يكن ركازاً فلا زكاة فيه » قلت : وما الركاز؟ قال : « الصامت المنقوش »(٤) ولأنّه يجري مجرى الأمتعة.

وأوجب الجمهور كافّة الزكاة في غير المنقوش كالتبر والنقار(٥) - وإن اختلفوا في الحُليّ على ما يأتي(٦) - للعموم ، والخاصّ مقدّم.

مسألة ٦٣ : ولكلّ منهما نصابان وعفوان‌ عندنا على ما يأتي(٧) ، فأوّل نصاب الذهب عشرون مثقالاً ، وعليه إجماع العلماء - إلّا ما حكي عن الحسن البصري(٨) وشيخنا علي بن بابويه(٩) فإنّهما قالا : لا شي‌ء في الذهب حتى يبلغ أربعين مثقالاً - لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليس في أقلّ من عشرين‌

____________________

(١) سنن الدارقطني ٢ : ١٠٧ ذيل الحديث ٤ ، وفيه عن جابر مقطوعاً.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٨ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٨ / ١٩ ، الاستبصار ٢ : ٦ / ١٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٧ / ١٨ ، الاستبصار ٢ : ٧ / ١٦.

(٤) المصادر في الهامش (٢) من هذه الصفحة.

(٥) الشرح الصغير ١ : ٢١٨ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٢٤٣ ، المجموع ٦ : ٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٩١ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦ - ١٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٤ ، اللباب ١ : ١٤٨ ، المغني ٢ : ٥٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٠.

(٦) يأتي في المسألة ٧٠.

(٧) يأتي في نفس المسألة والمسألتين ٦٦ و ٦٨.

(٨) المجموع ٦ : ١٧ ، حلية العلماء ٣ : ٩٠ ، المغني ٢ : ٥٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩٧.

(٩) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر : ١٠٣.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

اشتمال مراتب القرآن على المقدّرات الحادثة في كلّ عام:

وقال: (المسألة الثامنة) في تفسير مفردات هذه الألفاظ، أمّا قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (1) فقد قيل فيه: إنّه تعالى أنزل كلّية القرآن، يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة، ويقع الفراغ في ليلة القدر، فتُدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ونسخة الحروب إلى جبرائيل، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا، وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، انتهى كلامه.

وقال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: (في تفسير قوله تعالى: ( إنّا أَنْزَلْناهُ ) يعني القرآن، وإن لم يجرِ له ذكر في هذه السورة؛ لأنّ المعنى معلوم، والقرآن كلّه كالسورة الواحدة، وقد قال: ( شَهْرُ رَمَضانُ الَّذي اُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ ) ، وقال: ( حم وَالْكِتابِ الْمُبينِ إنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (2) يريد: في ليلة القدر.

وقال الشعبي: المعنى إنّا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر. وقيل: بل نزل به جبريل عليه‌السلام جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، إلى بيت العزّة، وأملاه جبريل على السَفَرة، ثمّ كان جبريل ينزّله على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نُجوماً نُجوماً، وكان بين أوّله وآخره ثلاث وعشرون سنة. قاله ابن عبّاس، وقد تقدّم في سورة البقرة.

وحكى الماوردي عن ابن عبّاس، قال: نزل القرآن في شهر رمضان وفي ليلة القدر، في ليلة مباركة جملة واحدة من عند اللَّه، من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجّمته السفرة الكرام الكاتبون على جبريل عشرين سنة، ونجّمه جبريل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عشرين سنة.

قال ابن العربي: وهذا باطل؛ ليس بين جبريل وبين اللَّه واسطة، ولا بين جبريل

____________________

1) سورة الدخان: 3.

2) سورة الدخان: 1 - 3.

٢٨١

ومحمّد عليهما‌السلام واسطة.

قوله تعالى: ( في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، قال مجاهد: في ليلة الحكم، ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) ، قال ليلة الحكم. والمعنى ليلة التقدير، سمّيت بذلك لأنّ اللَّه تعالى يقدّر فيها ما يشاء من أمره، إلى مثلها من السنة القابلة، من أمر الموت والأجل والرزق وغيره، ويسلّمه إلى مدبّرات الأُمور، وهم أربعة من الملائكة: إسرافيل، وميكائيل، وعزرائيل، وجبريل عليهم‌السلام .

أُمّ الكتاب في القرآن متضمّنة لتقدير كلّ شي‏ء:

وقال: وعن ابن عبّاس، قال: يكتب من أمّ الكتاب ما يكون في السنة من رزق ومطر، وحياة وموت، حتّى الحاجّ. قال عكرمة: يكتب حجّاج بيت اللَّه تعالى في ليلة القدر بأسمائهم وأسماء آبائهم، ما يغادر منهم أحد ولا يزاد فيهم.

وقاله سعيد بن جُبير، وقد مضى في أوّل سورة الدخان هذا المعنى. وعن ابن عبّاس أيضاً: إنّ اللَّه تعالى يقضي الأقضية في ليلة نصف شعبان، ويسلّمها إلى أربابها في ليلة القدر. وقيل: إنّما سمّيت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها، من قولهم: لفلان قدر، أي شرف ومنزلة) (1) .

ليلة القدر عوض للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وآلهعليهم‌السلام عن غصب الخلافة:

وقال: (وفي الترمذي عن الحسن بن علي رضي اللَّه عنهما: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) ، يعني نهراً في الجنّة، ونزلت ( إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ

____________________

1) تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، ج20، ص129 - 130، طبعة القاهرة.

٢٨٢

أَلْفِ شَهْرٍ ) ، يملكها بعدك بنو أُمية. قال القاسم بن الفضل الحدّاني: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً. قال: حديث غريب.

قوله تعالى: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) أي تهبط من كلّ سماء، ومن سدرة المنتهى، ومسكن جبريل على وسطها، فينزلون إلى الأرض ويؤمّنون على دعاء الناس إلى وقت طلوع الفجر، فذاك قوله تعالى ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) .

حقيقة الروح النازل ليلة القدر:

وقال: ( وَالرُّوحُ فِيها بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) (1) ، أي جبرئيل عليه‌السلام ، وحكى القُشيري: أنّ الروح صنف من الملائكة جُعلوا حفظة على سائرهم، وأنّ الملائكة لا يرونهم كما لا نرى نحن الملائكة. وقال مقاتل: هم أشرف الملائكة وأقربهم من اللَّه تعالى.

وقيل: إنّهم جند من جند اللَّه عزّ وجلّ من غير الملائكة، رواه مجاهد عن ابن عبّاس مرفوعاً، ذكره الماوردي، وحكى القُشيري: قيل هم صنف من خلق اللَّه، يأكلون الطعام، ولهم أيدٍ وأرجل وليسوا ملائكة.

وقيل: (الروح) خلق عظيم يقوم صفّاً، والملائكة كلّهم صفّاً. وقيل: (الروح) الرحمة ينزل بها جبريل عليه‌السلام مع الملائكة في هذه الليلة على أهلها، دليله: ( يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (2) ، أي بالرحمة، (فِيها) أي في ليلة القدر، ( بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) أي بأمره، ( مِن كُلِّ أَمْرٍ ) (3) أمر بكلّ أمر قدّره اللَّه وقضاه في تلك السنة إلى قابل.

وقيل عنه: إنّها رُفعت - يعني ليلة القدر - وإنّها إنّما كانت مرّة واحدة.

____________________

1) سورة القدر: 4.

2) سورة النحل: 2.

3) سورة القدر: 5.

٢٨٣

بقاء ليلة القدر في كلّ عام:

وقال: (والصحيح أنّها باقية... والجمهور على أنّها من كلّ عام من رمضان... وقال الفرّاء: لا يقدّر اللَّه في ليلة القدر إلاّ السعادة والنعم، ويقدّر في غيرها البلايا والنقم) (1) .

وقال الطبري في تفسيره، في ذيل سورة البروج: ( فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ) ، بسنده إلى مجاهد: في لوح، قال: ( فِي أُمِّ الْكِتَابِ ) (2) .

وقال ابن كثير في تفسيره، بعد ما نقل جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، والذي مرّ نقله، قال: (اختلف العلماء هل كانت ليلة القدر في الأُمم السالفة، أم هي من خصائص هذه الأُمّة؟

فقال الزهري:... وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأُمّة بليلة القدر. وقيل: إنّها كانت في الأُمم الماضين كما هي في أُمّتنا، ثمّ هي باقية إلى يوم القيامة وفي رمضان خاصّة) (3) .

وقال الزمخشري في الكشّاف، بعد ما ذكره جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، في ذيل قوله تعالى: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (4) قال: (وسبب ارتقاء فضلها إلى هذه الغاية ما يوجد فيها من المصالح الدينية التي ذكرها، من تنزّل الملائكة والروح، وفصل كلّ أمر حكيم).

وقال في ذيل قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (5) : أي تتنزّل من أجل كلّ أمر قضاه اللَّه لتلك السنة إلى قابل... وروي عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من قرأ سورة القدر أُعطي من الأجر كمن صام رمضان وأحيى ليلة القدر)، وذكر في هامش المطبوع: أنّ الحديث أخرجه الثعلبي، والواحدي، وابن مردويه، بسندهم إلى أُبَيّ ابن كعب.

____________________

1) تفسير القرطبي، ج20، ص133 - 137، في تفسير الجامع لأحكام القرآن طبعة القاهرة.

2) جامع البيان، ج30، ص176.

3) تفسير ابن كثير، ج4، ص 568.

4) سورة القدر: 2.

5) سورة القدر: 5.

٢٨٤

ليلة القدر عوض له صلى‌الله‌عليه‌وآله عن غصب بني أُمية خلافته، وتعدد مصادر الحديث لديهم:

وقال الآلوسي في روح المعاني: (ويستدلّ لكونها مدنية بما أخرجه الترمذي، والحاكم، عن الحسن ابن عليّ (رضي اللَّه تعالى عنهما): (أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أُري بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) (1) ، ونزلت: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (2) .. الحديث). وهو كما قال المزني: حديث منكر، انتهى.

وقد أخرج الجلال هذا الحديث في الدرّ المنثور عن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل أيضاً، من رواية يوسف ابن سعد، وذكر فيه: أنّ الترمذي (3) أخرجه وضعّفه، وأنّ الخطيب أخرج عن ابن عبّاس نحوه، وكذا عن ابن نسيب، بلفظٍ: قال نبي اللَّه: (أُريتُ بني أُمية يصعدون منبري، فشقّ ذلك عليّ فأُنزِلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، ففي قول المزني هو منكر تردّد عندي.

وقد ورد في روايات أهل البيت عليهم‌السلام ما رواه الكافي بسنده إلى أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (أُري رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه بني أُمية يصعدون على منبره من بعده ويضلّون الناس عن الصراط القهقري، فأصبح كئيباً حزيناً، قال: فهبط عليه جبرئيل فقال: يا رسول اللَّه مالي أراك كئيباً حزيناً؟ قال: يا جبرئيل إنّي رأيت بني أُمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي، يضلّون الناس عن الصراط القهقري. فقال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً إنّي ما اطّلعت عليه. فعرّج إلى السماء فلم يلبث أن نزل بآي من القرآن يُؤنسه بها، قال: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (4) ، وأُنزل عليه: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ، جعل اللَّه ليلة القدر لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

1) سورة الكوثر: 1.

2) سورة القدر: 1.

3) سنن الترمذي، ج5، ص444، ح 3350.

4) سورة الشعراء: 205 - 207.

٢٨٥

خيراً من ألف شهر ملك بني أُمية) (1) .

وروى الكُليني، عن علي بن عيسى القمّاط عن عمّه، قال: (سمعت أبا عبد اللَّه يقول: هبط جبرئيل عليه‌السلام على رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول اللَّه كئيب حزين، فقال: رأيت بني أُمية يصعدون المنابر وينزلون منها. قال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً، ما علمت بشي‏ء من هذا. وصعد جبرئيل إلى السماء، ثمّ أهبطه اللَّه جلّ ذكره بآي من القرآن يعزّيه بها قوله: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (2) .

وأنزل اللَّه جلّ ذكره: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) للقوم، فجعل اللَّه ليلة القدر (لرسوله) خير، من ألف شهر) (3) .

وفي سند الصحيفة السجّادية، عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليه‌السلام : إنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذته نَعسةٌ وهو على منبره، فرأى في منامه رجالاً ينزون على منبره نزو القردة، يردّون الناس على أعقابهم القهقري، فاستوى رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً والحزن يعرف في وجهه، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغْيَانًا كَبِيرًا ) ، يعني بني أُمية. قال: يا جبرئيل على عهدي يكونون وفي زمني؟

قال: لا، ولكن تدور رحى الإسلام من مُهاجرك فتلبث بذلك عشراً، ثمّ تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجِرَك فتلبث بذلك خمساً، ثمّ لابدّ من رحى

____________________

1) الكافي، ج4، ص159.

2) سورة الشعراء:205 - 206.

3) الكافي، ج8، ص223.

٢٨٦

ضلاله هي قائمة على قطبها ثمّ ملك الفراعنة. قال: وأنزل اللَّه تعالى في ذلك: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) يملكها بنو أُمية. فيها ليلة القدر.

قال: فأَطلع اللَّه عزّ وجلّ نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ بني أُمية تملك سلطان هذه الأُمّة وملكها طول هذه المدّة، فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها، حتّى يأذن اللَّه تعالى بزوال ملكهم، وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا. أخبر اللَّه نبيّه بما يلقي أهل بيت محمّد وأهل مودّتهم وشيعتهم منهم في أيامهم وملكهم) (1) .

وفي تأويل الآيات: (روي عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: قوله عزّ وجلّ: ( خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ ) هو سلطان بني أُمية.

وقال: ليلة من إمام عادل خير من ألف شهر ملك بني أُمية.

وقال: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ) أيّ من عند ربّهم على محمّد وآل محمّد، بكلّ أمر سلام) (2) .

وفي تفسير القمّي: بسنده، في معنى سورة: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) فهو القرآن... قوله: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) .

أقول: تكثر الروايات في غصب الخلافة من بني أُمية، وتأذّي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتعويضه بليلة القدر، وسيأتي معنى تعويضه بليلة القدر، وتسالم كثير من علماء الجمهور بهذه الروايات، هذا الأمر أحد الأدلّة على أنّ الخلافة في الشريعة الإلهية هي منصب أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فتدبّر تبصُر.

____________________

1) الصحيفة السجّادية الكاملة: 15 - 16.

2) تأويل الآيات، ج2، ص817، ح2.

٢٨٧

حقيقة النازل الذي نزل في ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) : الضمير عند الجمهور للقرآن، وادّعى الإمام فيه إجماع المفسّرين، وكأنّه لم يعتقد بقول من قال منهم برجوعه لجبرئيل عليه‌السلام أو غيره؛ لضعفه. قالوا: وفي التعبير عنه بضمير الغائب مع عدم تقدّم ذكره تعظيم له، أي تعظيم لِما أنّه يشعر بأنّه لعلوّ شأنه كأنّه حاضر عند كلّ أحد.

جهل الخلق بحقيقة ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (1) : لِما فيه من الدلالة على أنّ علوّها خارج عن دائرة دراية الخلق، لا يُعلم ذلك، ولا يَعلم به إلاّ علاّم الغيوب.

حقيقة نزول القرآن جملة واحدة:

ثمّ ذكر جملة في تعدّد نزول القرآن جملةً واحدةً ونجوماً، وذكر في ضمنها هذه الرواية، عن ابن عبّاس: (أُنزل القرآن جملةً واحدة حتّى وضع في بيت العزّة في السماء الدنيا، ونزل به جبريل عليه‌السلام على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بجواب كلام العباد وأعمالهم)... ثمّ نقل الاختلاف بين المفسّرين عندهم في قوله تعالى: ( أَنْزَلْنَاهُ ) من جهة نزول القرآن جملةً واحدة، فهل تضمّن القرآن النازل جملةً واحدة هذه العبارة أم لا؟ فلابدّ من ارتكاب المجاز في الإسناد؛ لأنّه إخبار عمّا وقع فيما مضى، فكيف يكون هذا اللفظ في ضمنه؟

____________________

1) سورة القدر: 2.

٢٨٨

فذكر قولاً للرازي في حلّ الإشكال، وللقرطبي، وابن كثير، وضعّف قولهم. ونقل عن ابن حجر في شرح البخاري أنّه أُنزل جملةً واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السماء الدنيا، بل حكى بعضهم الإجماع عليه، ثمّ نقل جواباً لحلّ الإشكال عن السيد عيسى الصفوي، ثمّ الاختلاف بين الدَّواني وغيره، وأنّه ألّف رسالة في ذلك، في الجواب عن مسألة الحذر الأصمّ.

ثمّ نقل عن الإتقان قول أبي شامة: فإن قلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) إن لم يكن من جملة القرآن الذي نزل جملة، فما نزل جملة؟ وإن كان من الجملة فما وجه هذه العبارة؟

قلت: لها وجهان:

أحدهما: أن يكون المعنى إنّا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر، وقضينا به وقدّرناه في الأزل.

والثاني: أنّ لفظ ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) ماضٍ ومعناه على الاستقبال، أي تنزّله جملة في ليلة القدر. ثمّ ذكر عدم ارتضائه لهذا القول وعدم حسنه.

ثمّ نقل أقوالاً أُخر، ثمّ قال: والمراد بالإنزال إظهار القرآن من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، أو إثباته لدى السَفَرة هناك، أو نحو ذلك ممّا لا يشكل نسبته إلى القرآن.

تقدير الأُمور في ليلة القدر على من تُنزّل؟

وقال في معنى ليلة القدر: إنّها ليلة التقدير، وسبب تسميتها بذلك لتقدير ما يكون في تلك السنة من أُمور. قال: المراد إظهار تقديره ذلك للملائكة عليهم‌السلام المأمورين بالحوادث الكونية. ثمّ نقل عن بعض تفسير ذلك: هاهنا ثلاثة أشياء:

الأوّل: نفس تقدير الأُمور، أي تعيين مقاديرها وأوقاتها، وذلك في الأزل.

٢٨٩

الثاني: إظهار تلك المقادير للملائكة عليهم‌السلام بأن تكتب في اللوح المحفوظ، وذاك في ليلة النصف من شعبان.

الثالث: إثبات تلك المقادير في نسخ وتسليمها إلى أربابها من المدبّرات، فتدفع نسخة الأرزاق، والنباتات، والأمطار، إلى ميكائيل عليه‌السلام ، ونسخة الحروب والرياح والجنود والزلازل والصواعق والخسف إلى جبرئيل عليه‌السلام ، ونسخة الأعمال إلى إسرافيل عليه‌السلام ، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، وذلك في ليلة القدر.

وقيل: يقدّر في ليلة النصف الآجال والأرزاق، وفي ليلة القدر الأُمور التي فيها الخير والبركة والسلامة. وقيل: يقدّر في هذه ما يتعلّق به إعزاز الدين وما فيه النفع العظيم للمسلمين، وفي ليلة النصف يكتب أسماء من يموت ويسلّم إلى ملك الموت، واللَّه تعالى أعلم بحقيقة الحال.

أقول: إنّ المكتوب في ليلة القدر ويقدّر يُفترض أنّ كتابته وتقديره إنّما يُكتب ويقدّر لتسليمه إلى من يوكّل إليه تدبير الأُمور بإذن اللَّه، كالملائكة الموكّلين، فالتنزّل بكلّ هذه التقديرات والكتابة إلى الأرض إلى من يسلّم؟ ومن هو الذي يطّلع على ذلك من أهل الأرض؟ وما هو التناسب بين نزول ما فيه إعزاز الدين والأُمّة، والحديث النبويّ: (إنّ الإسلام لا يزال عزيزاً إلى اثني عشر خليفة... كلّهم من قريش) (1) ؟

أقوال علماء سنّة الجماعة في عِوَضية الليلة له عن غصب الخلافة:

قال في تفسير ( أَلْفِ شَهْرٍ ) : وقد سمعت إلى ما يدلّ أنّ الألف إشارة إلى مُلك بني أُميّة، وكان على ما قال القاسم بن الفضل: ألف شهر، لا يزيد يوماً ولا ينقص

____________________

1) المعجم الكبير للطبراني، ج2، ص232. ولاحظ: إحقاق الحق، ج13، 1 - 49.

٢٩٠

يوماً، على ما قيل: ثمانين سنة، وهي ألف شهر تقريباً؛ لأنّها ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر، ولا يعكّر على ذلك ملكُهم في جزيرة الأندلس بعد؛ لأنّه ملك يسير في بعض أطراف الأرض وآخر عمارة العرب، ولذا لا يعدّ من مَلَكَ منهم هناك من خلفائهم، وقالوا بانقراضهم بهلاك مروان الحمار.

وطعن القاضي عبد الجبّار في كون الآية إشارة لما ذُكر؛ بأنّ أيام بني أُمية كانت مذمومة أي باعتبار الغالب، فيبعد أن يقال في شأن تلك الليلة إنّها خير من ألف شهر مذمومة:

ألم ترَ أنّ السيف ينقص قدره

إذا قيل إنّ السيف خيرٌ من العصا

وأُجيب: إنّ تلك الأيام كانت عظيمة بحسب السعادات الدنيوية، فلا يبعد أن يقول اللَّه تعالى: أعطيتك ليلة في السعادات الدينية أفضل من تلك في السعادات الدنيوية، فلا تبقى فائدة.

ليلة القدر مع الأنبياء في ما مضى فهي مع من في ما بقي:

الروح النازل في ليلة القدر قناة غيبية كانت مع الأنبياء، فهي مع من بعد النبيّ الخاتم؟ قال: وما أشير إليه من خصائص هذه الأُمّة هو الذي يقتضيه أكثر الأخبار الواردة في سبب النزول، وصرّح به الهيثمي وغيره.

وقال القسطَلاني: إنّه معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: (يا رسول اللَّه، أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت. قال: بل هي باقية). ثمّ ذكر أنّ عمدة القائلين بذلك الخبر الذي قدّمناه في سبب النزول من رؤيته صلى‌الله‌عليه‌وآله تقاصر أعمار أُمّته عن أعمار الأُمم، وتعقّبه بقوله هذا محتمل للتأويل، فلا يدفع الصريح في حديث أبي ذر كما قاله الحافظان: ابن كثير في تفسيره، وابن حجر في فتح الباري.

٢٩١

وقد اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافاً كثيراً، وتحصّل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولاً، كما وقع لنا نظير ذلك في ساعة الجمعة، وقد اشتركتا في إخفاء كلّ منهما ليقع الجدّ في طلبهما:

القول الأوّل: إنّها رُفعت أصلاً ورأساً. حكاه المتولّي في التتمّة عن الروافض، والفاكهاني في شرح العمدة عن الحنفية، وكأنّه خطأ منه، والذي حكاه السروجي أنّه قول الشيعة.

أقول: بل الشيعة الإمامية هم المذهب الوحيد على وجه الأرض القائلون ببقاء الاتّصال بين الأرض والسماء، وأنّ هناك سبب متّصل هو الإمام من عِترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن لم يكن هذا الاتّصال وحياً نبويّاً، وهو الذي يتنزّل عليه الروح الأعظم والملائكة كلّ عام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بينما المذاهب الإسلامية كلّها حتّى الزيدية، وإن قالوا باستمرار الإمامة السياسية وعدم حصرها بالأئمّة المنصوص عليهم وأنّ الإمامة هي لكلّ من قام بالثورة على الظلم ولا يشترط فيها العصمة، إلاّ أنّهم قائلون بانقطاع الاتّصال أيضاً بين الغيب والشهادة.

وانقطاع الاتّصال ذهبت إليه اليهود بعد النبيّ موسى عليه‌السلام ، كما ذهبت إليه النصارى بعد النبيّ عيسى عليه‌السلام .

وقال: وقد روى عبد الرزّاق من طريق داود بن أبي عاصم، عن عبد اللَّه بن يخنس: قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر رُفعت، قال: كذّب من قال ذلك. ومن طريق عبد اللَّه بن شُريك قال: ذكر الحجاج ليلة القدر فكأنّه أنكرها، فأراد زر بن حُبيش أن يحصبه فمنعه قومه.

الثاني: إنّها خاصّة بسنة واحدة وقعت في زمن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حكاه الفاكهاني أيضاً.

الثالث: إنّها خاصّة بهذه الأُمّة، ولم تكن في الأُمم قبلهم، جزم به ابن حبيب وغيره من المالكية ونقله الجمهور، وحكاه صاحب العدّة من الشافعية ورجّحه،

٢٩٢

وهو معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: قلت: يا رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت قال: لا، بل هي باقية.

وعمدتهم قول مالك في الموطأ: بلغني أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تقاصر أعمار أمّته عن أعمار الأُمم الماضية، فأعطاه اللَّه ليلة القدر، وهذا يحتمل التأويل، فلا يدفع التصريح في حديث أبي ذر (1) .

ليلة القدر يفصل فيها المقدّرات لأحداث كلّ السنة:

وقال الآلوسي في روح المعاني في تفسير قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (2) : أي من أجل كلّ أمر تعلّق به التقدير في تلك السنة إلى قابل وأظهره سبحانه وتعالى لهم، قاله غير واحد. ف)من(بمعنى اللام التعليلية متعلّقة بتنزّل، وقال أبو حاتم: (من) بمعنى الباء، أي تنزّل بكلّ أمر، فقيل: أي من الخير والبركة، وقيل: من الخير والشرّ وجعلت الباء عليه للسببية.

والظاهر على ما قالوا إنّ المراد بالملائكة المدبّرات؛ إذ غيرهم لا تعلّق له بالأُمور التي تعلّق بها التقدير ليتنزّلوا لأجلها على المعنى السابق، وهو خلاف ما تدلّ عليه الآثار من عدم اختصاصهم بالمدبّرات (3) .

ليلة القدر يتحقّقها وتتنزّل على من شاء اللَّه تعالى من عباده:

جاء في شرح صحيح مسلم للنووي قوله: (اعلم أنّ ليلة القدر موجودة... وأنّها تُرى ويتحققّها من شاء اللَّه تعالى من بني آدم كلّ سنة في رمضان، كما تظاهرت عليه الأحاديث... وأخبار الصالحين بها، ورؤيتهم لها أكثر من أن تُحصر. وأمّا قول القاضي عيّاض عن المهلّب بن أبي صُفرة: لا يمكن رؤيتها حقيقةً. فغلط فاحش

____________________

1) فتح الباري، ص262 - 263، كتاب فضل ليلة القدر.

2) سورة القدر: 6.

3) روح المعاني، ج30، ص196.

٢٩٣

نبهتُ عليه لئلاّ يُغترّ به) (1) .

وقال في ذيل سورة الدخان، في قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) (2) : أي الكتاب المبين الذي هو القرآن على القول المعوّل عليه في ( لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ) هي ليلة القدر، على ما روي عن ابن عبّاس وقتادة.

وفي تحفة المحتاج لابن حَجَر الهيتمي: (ليس لرائيها كَتْمها، ولا ينال فضلها - أي كمالها - إلاّ من أطلعه اللَّه عليها)، انتهى.

والظاهر أنّه عَنى برؤيتها: رؤية ما يحصل به العلم له بها، ممّا خُصّت به من الأنوار، وتنزّل الملائكة عليهم‌السلام ، أي: نحوٍ من الكشف ممّا لا يعرف حقيقته إلاّ أهله، وهو كالنصّ في أنّها يراها من شاء اللَّه تعالى من عباده. ثمّ حكى عن ابن شاهين: إنّه لا يراها أحد من الأوّلين والآخرين إلاّ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ قال: وفي بعض الأخبار ما يدلّ على أنّ رؤيتها مناماً وقعت لغيره صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي صحيح مسلم وغيره، عن ابن عمر: (إنّ رجالاً من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحرّياً فليتحرَّها في السبع الأواخر) (3) .

وحُكي نحو قول ابن شاهين عن غيره أيضاً، وغلّط، ففي شرح صحيح مسلم وابن جُبير ومجاهد وابن زيد والحسن، وعليه أكثر المفسّرين والظواهر معهم.. والمراد بإنزاله في تلك الليلة إنزاله فيها جملةً إلى السماء الدنيا من اللوح، فالإنزال المنجّم في ثلاث وعشرين سنة أو أقل كان من السماء الدنيا، وروي هذا عن ابن جرير وغيره، وذكر أنّ المحلّ الذي أُنزل فيه من تلك السماء البيت المعمور، وهو

____________________

1) شرح مسلم، ج8، ص66.

2) سورة الدخان: 3.

3) صحيح مسلم، ج3، ص170.

٢٩٤

مسامِت للكعبة، بحيث لو نزل لنزل عليها.

وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنّه قال: أُنزل القرآن جملةً على جبرئيل عليه‌السلام ، وكان جبرئيل عليه‌السلام يجي‏ء به بعدُ إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ليلة القدر في سورة الشورى والنزول الأول للقرآن:

وقال في ذيل قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ... ) (1) : وهو ما أُوحي إليه (عليه الصلاة والسلام)، أو القرآن الذي هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان حيث يحييها حياة أبدية. وقيل: أي ومثل الإيحاء المشهود لغيرك، أوحينا أبو القاسم إليك. وقيل: أي مثل ذلك الإيحاء المفصّل، أوحينا إليك، إذ كان عليه الصلاة والسلام اجتمعت له الطرق الثلاث، سواء فُسّر الوحي بالإلقاء، أم فُسّر بالكلام الشفاهي.

وقد ذُكر أنّه (عليه الصلاة والسلام) قد أُلقي إليه في المنام كما أُلقي إلى إبراهيم عليه‌السلام ، وأُلقي إليه عليه الصلاة والسلام في اليقظة على نحو إلقاء الزبور إلى داود عليه‌السلام . ففي (الكبريت الأحمر) للشعراني، نقلاً عن الباب الثاني من (الفتوحات المكّية): أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أُعطي القرآن مجملاً قبل جبرئيل عليه‌السلام ، من غير تفصيل الآيات والسور. وعن ابن عبّاس تفسير الروح بالنبوّة. وقال الربيع: هو جبرئيل عليه‌السلام .

وعليه، فأوحينا مضمّن معنى أرسلنا، والمعنى: أرسلناه بالوحي إليك؛ لأنّه لا يقال: أوحى الملك بل أرسله.

ونقل الطبرسي عن أبي جعفر، وأبي عبد اللَّه (رضي اللَّه تعالى عنهما): أنّ المراد بهذا الروح ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يصعد

____________________

1) سورة الشورى 52: 42.

٢٩٥

إلى السماء. وهذا القول في غاية الغرابة، ولعلّه لا يصحّ عن هذين الإمامين.

وتنوين (روحاً) للتعظيم، أي روحاً عظيماً (1) ... وقال في ذيل قوله تعالى ( وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ ) : أي الروح الذي أوحيناه إليك. وقال ابن عطية: الضمير للكتاب، وقيل للإيمان، ورجّح بالقرب، وقيل للكتاب والإيمان ووحّد؛ لأنّ مقصدهما واحد فهو نظير ( وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) (2) .

____________________

1) روح المعاني، ج25، ص 80 - 81.

2) سورة التوبة: 62.

٢٩٦

ليلة القدر

في روايات أهل سنّة الخلافة

دوام ليلة القدر في كلّ عام إلى يوم القيامة:

1 - فقد روى عبد الرزّاق الصنعاني في (المصنّف) بسنده، عن مولى معاوية، قال: (قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر قد رُفعت، قال: كذّب من قال كذلك، قلت: فهي كلّ شهر رمضان استقبله؟ قال: نعم... الحديث) (1) ، ورواه عنه بطريق آخر (2) ، ورواه كنز العمّال أيضاً (3) .

2 - وروى عبد الرزّاق الصنعاني في المصنّف بسنده، عن ابن عبّاس، قال: (ليلةٌ في كلّ رمضان يأتي، قال: وحدّثني يزيد بن عبد اللَّه بن الهاد: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله سُئِل عن ليلة القدر، فقيل له: كانت مع النبيّين ثمّ رُفعت حين قُبضوا، أو هي في كلّ سنة؟ قال: بل هي في كلّ سنة، بل هي في كلّ سنة) (4) .

3 - وروي عن ابن جرير، قال: (حُدّثت: أنّ شيخاً من أهل المدينة سأل أبا ذر بمنى، فقال: رُفعت ليلة القدر أم هي في كلّ رمضان؟ فقال أبو ذر: سألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت: يا رسول اللَّه رُفعت ليلة القدر؟ قال: بل هي كلّ رمضان) (5) .

4 - وروى ابن أبي شيبة الكوفي في المصنّف في باب ليلة القدر، بسنده إلى ابن

____________________

1) المصنّف، ج3، ص216، ح 5586.

2) المصنّف، ج3، ص255، ح 7707.

3) كنز العمّال، ج3، ص634، ح 24490.

4) المصنّف، ج4، ص255، ح 7708.

5) المصنّف، ج4، ص255، ح 7709، وأخرجه هق، ج4، ص307، والطحاوي، ج2، ص50.

٢٩٧

أبي مرثد عن أبيه، قال: (كنت مع أبي ذر عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: كان أسأل الناس عنها رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا: ليلة القدر كانت تكون على عهد الأنبياء فإذا ذهبوا رُفعت؟ قال: لا ولكن تكون إلى يوم القيامة) (1) .

5 - أخرج السيوطي في الدرّ المنثور: (عن محمّد بن نصر، عن سعيد بن المسيّب أنّه سُئل عن ليلة القدر، أهي شي‏ء كان فذهب، أم هي في كلّ عام؟ فقال: بل هي لأُمّة محمّد ما بقي منهم اثنان) (2) .

أقول: وفي هذه الرواية - وإن كانت مقطوعة - دلالةٌ على أن لو بقي في الأرض رجلٌ واحد لكان الثاني هو الحجّة وخليفة اللَّه في الأرض، الذي تنزّل عليه ليلة القدر بمقادير الأُمور، وأنّ ليلة القدر هي من حقائق وخصائص روح الحجّة في الأرض.

6 - وروى الطبري بسنده عن ربيعة بن كلثوم، قال: (قال رجل للحسن وأنا أسمع: أرأيت ليلة القدر في كلّ رمضان هي؟ قال: نعم، واللَّه الذي لا إله إلاّ هو إنّها لفي كلّ رمضان، وأنّها ليلة القدر، فيها يُفرق كلّ أمر حكيم، فيها يقضي اللَّه كلّ أجل وعمل ورزق إلى مثلها) (3) .

النزول في ليلة القدر وحي للأنبياء، واستمراره بعد الأنبياء:

قال ابن خزيمة في صحيحه (4) : باب ذكر أبواب ليلة القدر، والتأليف بين الأخبار المأثورة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيها ما يحسب كثيراً من حملة العلم، ممّن لا يفهم صناعة العلم، أنّها متهاتِرةٌ متنافية، وليس كذلك هي عندنا بحمد اللَّه ونعمته، بل هي

____________________

1) المصنّف لابن أبي شيبة، ج2، ص394، ح 5، باب 341.

2) الدرّ المنثور، ج6، ص371، في ذيل سورة القدر.

3) جامع البيان، ج25، ص139، ح24000.

4) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص320.

٢٩٨

مختلفة الألفاظ متّفقة المعنى، على ما سأبيّنه إن شاء اللَّه.

قال أيضاً: باب ذكر دوام ليلة القدر في كلّ رمضان إلى قيام الساعة، ونفي انقطاعها بنفي الأنبياء.

7 - وروى بسنده إلى أبي مرثد، قال: (قال: لقينا أبا ذر وهو عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: ما كان أحد بأَسأل لها منّي، قلت: يا رسول اللَّه ليلة القدر أُنزلت على الأنبياء بوحي إليهم فيها ثمّ ترجع؟ فقال: بل هي إلى يوم القيامة.. الحديث) (1) ، ورواه بطريق آخر أيضاً، في باب أنّ ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان (2) .

8 - وروى النسائي، والقسطلاني، والهيثمي، وابن حجر في فتح الباري، وابن كثير في تفسيره حديث أبي ذر - في ليلة القدر - قال: (يا رسول اللَّه أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت؟ قال: بل هي باقية).

9 - وروى أحمد بن محمّد بن سلمة في شرح معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده، إلى مالك ابن مرثد عن أبيه، قال: (سألت أبا ذر فقلت: أسألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ليلة القدر؟ قال: نعم، كنت أسأل الناس عنها، قال عكرمة: يعني أشبع سؤلاً، قلت: يا رسول اللَّه، ليلة القدر أفي رمضان هي أم في غيره؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : في رمضان. قلت: وتكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا رُفعوا رُفعت؟ قال: بل هي إلى يوم القيامة) (3) .

10 - وفي صحيح ابن حِبان، قال في باب ذكر البيان بأنّ ليلة القدر تكون في العشر الأواخر كلّ سنة إلى أن تقوم الساعة، ثمّ روى بسند متّصل رواية أبي ذر

____________________

1) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص320.

2) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص321.

3) شرح معاني الآثار، ج3، ص85.

٢٩٩

المتقدِّمة واللفظ فيها... (تكون في زمان الأنبياء ينزل عليهم الوحي، فإذا قُبضوا رُفعت؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل هي إلى يوم القيامة) (1) .

وروى البيهقي في فضائل الأوقات رواية أبي ذر المتقدّمة بإسناده (2) ، وقال - قبل تلك الرواية -: وليلة القدر التي ورد القرآن بفضيلتها إلى يوم القيامة وهي في كلّ رمضان... ثمّ نقل الخبر المزبور. وروى الهيثمي في موارد الظمآن رواية أبي ذر بسنده (3) .

11 - وروى أحمد بن محمّد بن سَلمة في معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده إلى سعيد بن جبير عن ابن عمر، قال: (سُئل رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أسمع عن ليلة القدر؟ فقال: في كلّ رمضان). ففي هذا الحديث أنّها في كلّ رمضان، فقال قوم هذا دليل على أنّها تكون في أوّله وفي وسطه، كما قد تكون في آخره. وقد يحتمل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (في كلّ رمضان)، هذا المعنى، ويحتمل أنّها في كلّ رمضان إلى يوم القيامة (4) ، ورواه بطرق أخرى غير مرفوعة.

أقول: هذه الروايات عند العامّة مطابقة لما يأتي من الروايات عند أهل البيت عليهم‌السلام ، من عدّة وجوه، أهمّها:

أوّلاً: ليلة القدر كانت من لَدُن آدم عليه‌السلام ، واستمرّت إلى النبيّ الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي مستمرّة إلى يوم القيامة نزولاً على خلفاء النبيّ الاثني عشر.

وثانياً: إنّ هذا الروح النازل في ليلة القدر هو قناة ارتباط الأنبياء والأوصياء مع الغيب.

وثالثاً: ممّا يدلّل على عموم الخلافة الإلهية: ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ

____________________

1) صحيح ابن حِبّان، ج8، ص438.

2) البيهقي، ص 219.

3) موارد الظمآن، ص 231.

4) شرح معاني الحديث، ج3، ص84.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460