تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء17%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 181928 / تحميل: 6061
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وجاء به فقال: أخاف أن يكون الواثق لم يمت، قال: فمرَّ به فنظر إليه مُسَجَّىً، فجاء فجلس فألبسه أحمد بن أبي دؤاد الطويلة وعممه وقبَّله بين عينيه، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. ثم غُسِّلَ الواثق وصُلِّيَ عليه ودفن، ثم صاروا من فورهم إلى دار العامة ولم يكن لُقَّبَ المتوكل. وذكر أنه كان يوم بويع له ابن ست وعشرين سنة، ووضع العطاء للجند لثمانية أشهر، وكان الذي كتب البيعة له محمد بن عبد الملك الزيات، وهوإذ ذاك على ديوان الرسائل واجتمعوا بعد ذلك على اختيار لقب له، فقال ابن الزيات: نسميه المنتصر بالله وخاض الناس فيها حتى لم يشكوا فيها، فلما كان غداة يوم بَكَّرَ أحمد بن أبي دؤاد إلى المتوكل فقال: قد رَوِيتُ « وصلتُ اليه بعد رَوِيَّة » في لقب أرجوأن يكون موافقاً حسناً إن شاء الله وهو: المتوكل على الله. وأمر بإمضائه، وأحضر محمد بن عبد الملك فأمر بالكتاب بذلك إلى الناس فنفذت إليهم الكتب نسخة ذلك: بسم الله الرحمن الرحيم أَمَرَ، أبقاك الله، أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، أن يكون الرسم الذي يجرى به ذكره على أعواد منابره، وفى كتبه إلى قضاته وكتابه وعماله وأصحاب قضاته وكتابه وعماله وأصحاب دواوينه، وغيرهم من سائر من تجرى المكاتبة بينه وبينه: من عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين. فرأيك في العمل بذلك، وإعلامي بوصول كتابي إليك، موفقاً إن شاء الله.

وذُكر أنه لما أمر للأتراك برزق أربعة أشهر، وللجند والشاكرية ومن يجرى مجراهم من الهاشميين برزق ثمانية أشهر، أمر للمغاربة برزق ثلاثة أشهر، فأبوا

٢١

أن يقبضوا فأرسل إليهم من كان منكم مملوكاً فليمض إلى أحمد بن أبي دؤاد حتى يبيعه، ومن كان حراً صيرناه أسوة الجند، فرضوا بذلك، وتكلم وصيف فيهم « مع المتوكل » حتى رضيَ عنهم فأعطوا ثلاثة، ثم أجروا بعد ذلك مجرى الأتراك.

وبويع للمتوكل ساعة مات الواثق بيعة الخاصة، وبايعته العامة حين زالت الشمس من ذلك اليوم ».

وفي وفيات الأعيان « 5 / 99 » : « لما مات الواثق بالله أخ المتوكل، أشار محمد المذكور « الزيات » بتولية ولد الواثق، وأشار القاضي أحمد بن أبي دواد المذكور بتولية المتوكل وقام في ذلك وقعد حتى عممه بيده وألبسه البُرْدَة، وقبَّله بين عينيه ».

وقال الخطيب البغدادي في تاريخه « 3 / 145 »: « كان بين محمد بن عبد الملك وبين أحمد بن أبي دؤاد عداوةٌ شديدةٌ، فلما وليَ المتوكل دارَ ابن أبي داود على محمد، وأغرى به المتوكل حتى قبض عليه وطالبه بالأموال ».

وقال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 3 »: « فلما كان في اليوم الثاني لقبه أحمد بن أبي داود المتوكل على الله ».

أقول: لكن روايتنا تدل على أنه كان يوجد صراع على الخلافة بعد الواثق، بين رئيس وزرائه ابن الزيات من جهة، وبين إيتاخ القائد التركي الذي ربى المتوكل ومعه القائد التركي وصيف، ومعهما القاضي ابن أبي دؤاد من جهة أخرى. وكان المتوكل في السجن فتمكن وصيف وابن دُؤاد من إخراجه، وعقدوا له البيعة ولقَّبَوه بالمتوكل!

٢٢

قال خيران الأسباطي: « قدمت على أبي الحسن « الإمام الهادي (ع) » المدينة فقال لي: ما خبر الواثق عندك؟ قلت: جعلت فداك خَلَّفْتُهُ في عافية، أنا من أقرب الناس عهداً به، عهدي به منذ عشرة أيام. قال فقال لي: إن أهل المدينة يقولون: إنه مات. فلما أن قال لي: الناس، علمت أنه هو. ثم قال لي: ما فعل جعفر « المتوكل »؟ قلت: تركته أسوأ الناس حالاً في السجن. قال فقال: أما إنه صاحب الأمر!

ما فعل ابن الزيات؟ قلت: جعلت فداك الناس معه، والأمر أمره. قال فقال: أما إنه شؤم عليه. قال: ثم سكت وقال لي: لابد أن تجري مقادير الله تعالى وأحكامه. يا خيران، مات الواثق وقد قعد المتوكل جعفر، وقد قتل ابن الزيات. فقلت: متى جعلت فداك؟ قال: بعد خروجك بستة أيام ». « الكافي: 1 / 498 ».

وقد كتبنا فقرات عن ابن دؤاد في سيرة الإمام الهادي (ع)، وسنكتب عنه وعن القادة الأتراك، فقرات في هذه السيرة.

وكان لحضرة الخليفة ندماء مخانيث!

في الإكمال لابن ماكولا العجلي « 6 / 28 »: « وأما عَبَّادَة بفتح العين وتشديد الباء، فهوعبادة المخنث، كان ينادم المتوكل، له نوادر ومضاحيك ».

وفي تاريخ الذهبي « 18 / 304 »: « قال البخاري: مات في شوال سنة خمسين ومئتين عَبَّادة المخنث ».

وفي كتاب الديارات « 1 / 44 »: « قال المتوكل لعَبَّادة ذات يوم: دع التخنث حتى أزوجك. قال: أنت خليفة أودلَّالة؟ وقال له ابن حمدون: يا عبَّادة، لوحججتَ

٢٣

لاكتسبت أجراً ورآك الناس في مثل هذا الوجه المبارك. فقال: إسمعوا ويلكم إلى هذا العيار: يريد أن ينفيني من سامراء على جمل »!

وفي تذكرة ابن حمدون « 3 / 164 »: « كان المتوكل على بِرْكة يصيد السمك، وعنده عبادة المخنث، فتحرك المتوكل فخرجت منه ريح، فقال لعبادة: أكتمها عليَّ فإنك إن ذكرتها ضربت عنقك! ودخل الفتح فقال: أي شئ صدتم اليوم؟ فقال له عبادة: ما صدنا شيئاً، والذي كان معنا أفلت »!

وفي العقد الفريد « 6 / 437 »: « كنا عند المتوكل يوماً وبين يديه عبادة المخنث، فأمر به فألقي في بعض البرك في الشتاء فابتل وكاد يموت برداً، قال: ثم أخرج من البركة وكسي وجعل في ناحية في المجلس، فقال له: يا عبادة كيف أنت وما حالك؟ قال: يا أمير المؤمنين جئت من الآخرة. فقال له: كيف تركت أخي الواثق؟ قال: لم أجُزْ بجهنم! فضحك المتوكل وأمر له بصلة ».

وفي تاريخ دمشق « 26 / 222 »: « كان لرجل على عبادة المخنث دينٌ، فكان يتردد إليه كل يوم فيقال ليس هو في البيت، فغلس عليه يوماً في الثلث الأخير فدق الباب، فقيل ليس هو هاهنا. فصاح الرجل واستغاث بالجيران، فلما اجتمعوا قال يا معشر الناس في الدنيا أحد ليس هو في بيته الساعة، فأشرف عليه عبادة من طاق له قال: نعم يا ابن الفاعلة هو ذا أنت ليس في بيتك الساعة ».

وفي جمع الجواهر للحصري « 1 / 68 »: « كان المتوكل قد بسط من عبادة المخنث للدخول معه على كل حال، فدخل عليه وهونائم مع سوداء كان يحبها، فلما رآه

٢٤

أمرها أن تغطي وجهها. فقال: يا أمير المؤمنين ومن معك؟ قال: ويلك، وبلغ فضولك إلى هذا الموضع! ومدت الجارية رجلها فبانت سوداء. فقال: يا أمير المؤمنين تنام ورجلك في الخف!

فقال المتوكل: قم عليك لعنة الله، وضحك وأمر له بصلة، فأخذها وانصرف. وكان عبادة يشرب بين يديه ويترك في القدح فضلة، فقال: يا عبادة ما تدري ما يقول الناس؟ قال: وما هو؟ قال: يقولون إن شارب النبيذ إذا شرب وعبس وجهه وفضلت في القدح فضلة فإن إبليس يضرب قفاه، ويقول: إشرب فضلة ما استطبت. فمضت الأيام واصطبح المتوكل وعبادة حاضر، وشرب قدحاً كان في يديه وفضلت فضلة. فقال: يا أمير المؤمنين، جاءك الرجل!

وتجارى الجواري بحضرة المتوكل فسبقتهن جارية ممشوقة، فقال المتوكل لعبادة: إجْرِ معها حتى ننظر من يسبق صاحبه. فقال عبادة: إن سبقتها فما لي؟ قال: هي لك، وإن سَبَقَتْكَ صَفَعَتْكَ ».

وفي كتاب الديارات لأبي الحسن الشايستي « 1 / 45 »: « خرج عَبَّادة يوماً في السحر إلى الحمام، فلقي غلاماً من أولاد الأتراك، فأعطاه عشرة دراهم وقال: إقطع أمر عمك! فبينا الغلام فوقه خلف الدرب، إذ أشرفت عجوز من غرفة لها فرأتهما فصاحت: اللصوص! فقال عبادة: يا عجوز السوء النَّقْبُ في إستي، صياحك أنت من أيش »!

٢٥

وفي جمع الجواهر للحصري « 1 / 129 »: « وركب المتوكل زُلالاً « قارباً » ومعه قَطَّاطة وعبَّادة المخنثان، وكان قطاطة طويلاً جداً فجعل يغني إلى أن هبت ريح »

وفي نثر الدرر « 5 / 194 »: ركب يوماً زلالاً ومعه جماعة، فيهم كنيز المخنث! وسيأتي أن شاعر المتوكل ومستشاره علي بن جهم كان مخنثاً أيضاً!

وكان حضرة الخليفة خَمَّاراً يهوى الغلمان!

وقد شاع ذلك عنه وذاع، وروت المصادر أنه أراد أن إجبار الإمام الهادي (ع) على أن يشرب معه فامتنع، ووعظه بشعر فأبكاه!

وممن رواه الذهبي في تاريخه « 18 / 199 » قال: « كان قد سُعِيَ بأبي الحسن إلى المتوكل وأن في منزله سلاحاً وكتباً من أهل قم، ومن نيته التوثب. فكَبَسَ بيته ليلاً، فوُجد في بيت عليه مِدْرَعَةُ صوف، متوجهٌ إلى ربه، يترنمُ بآيات، فأُخذ كهيئته إلى المتوكل وهويشرب، فأعظمه وأجلسه إلى جانبه وناوله الكأس، فقال: ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفني منه، فأعفاه وقال: أنشدني شعراً، فأنشده:

باتوا على قُلَلِ الأجبال تحرسهمْ

غُلْبُ الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ

واستُنْزِلُوا بعد عِزٍّ عن مَعَاقِلهمْ

فأُودعُوا حُفَراً يا بِئسَ ما نَزلوا

ناداهُمُ صارخٌ من بعد ما قُبروا

أينَ الأسِرَّةُ والتيجانُ والحُلَلُ

أينَ الوجوهُ التي كانت مُنَعَّمَةً

من دونها تُضرُب الأستارُ والكِللُ

فأفصحَ القبرُ عنهمْ حين ساءلهمْ

تلكَ الوجوهُ عليها الدُّودُ يَقْتَتِل

قد طالَ ما أكلُوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكِلوا

٢٦

وطالما عَمروا دوراً لتحصنهمْ

ففارقوا الدورَ والأهلينَ وانتقلوا

وطالما كنزوا الأموالَ وادَّخروا

فخلَّفُوها على الأعداء وارتحلوا

أضحت مَنازِلُهم قَفْراً مُعَطَّلَةً

وساكِنُوهَا إلى الأجْدَاثِ قد رَحَلُوا »

لكن بكاء المتوكل من ذكر الموت وخوفه من الله تعالى كان آنياً، فقد بقي كل عمره يشرب ويسرف في الشرب، حتى قُتل وهوسكران!

قال نديمه علي بن الجهم: « كنت يوماً عند المتوكل وهويشرب ونحن بين يديه، فدفع إلى محبوبة تفاحة مغلَّفة فقبَّلتها، وانصرفت عن حضرته إلى الموضع الذي كانت تجلس فيه إذا شرب ». « الأغاني: 22 / 408 ».

وقال الثعالبي في ثمار القلوب « 1 / 155 »: « كان بنانُ وزَنَامُ مُطْرِبَيْ المتوكل، وكان كل منهما منقطع القرين فى طبقته، فإذا اجتمعا على الضرب والزمر أحسنا وفَتَنَا وأعْجَبَا وعَجَّبا، وكان المتوكل لا يشرب إلا على سماعهما ».

وقال ابن كثير الناصبي في النهاية « 10 / 343 »: « شرب ليلةً مع المتوكل، فعربد عليه المتوكل فهمَّ إيتاخ بقتله، فلما كان الصباح اعتذر المتوكل إليه وقال له: أنت أبي وأنت ربيتني، ودسَّ اليه من يشير إليه بأن يستأذن للحج ».

وروى الشابستي في الديارات خبر مجالس خمر كثيرة للمتوكل، قال « 1 / 37 »: « اجتمع مشايخ الكتاب بين يدي المتوكل، وكان فيهم يحيى بن خاقان، وابنه عبيد الله إذ ذاك الوزير، وهوواقف موقف الخدم بقباء ومنطقة، وكان يحيى لايشرب النبيذ فقال المتوكل لعبيد الله: خذ قدحاً من تلك الأقداح واصبب فيه نبيذاً وصيَّر على

٢٧

كتفك منديلاً، وامض إلى أبيك يحيى فضعه في كفه. قال ففعل، فرفع يحيى رأسه إلى ابنه فقال المتوكل: يا يحيى لاترده. قال: لا يا أمير المؤمنين، ثم شربه وقال: قد جَلَّتْ نعمتك عندنا يا أمير المؤمنين فهنأك الله النعمة ولاسلبنا ما أنعم به علينا منك. فقال: يا يحيى، إنما أردت أن يخدمك وزير بين يدي خليفة ».

وفي تاريخ بغداد « 13 / 454 »: « حدثني أبوالعباس بن طومار قال: كنتُ أنادمُ المتوكل فكنت عنده يوماً ومعنا البحتري وكان بين يديه غلام حسن الوجه يقال له راحْ. فقال المتوكل للفتح: يا فتح إن البحتري يعشق راحاً، فنظر إليه الفتح وأدمن النظر، فلم يره ينظر إليه، فقال له الفتح: يا أمير المؤمنين أرى البحتري في شغل عنه، فقال: ذاك دليلي عليه، ثم قال المتوكل: يا راح خذ رطل بلور فاملأه شراباً وادفعه إليه، ففعل ».

وفي ديوان الصبابة « 1 / 21 »: « كان للمتوكل غلامٌ إسمه شفيع، وكان من أحسن الفتيان، فكان المتوكل يجن به جنوناً، فأحب يوماً أن ينادم حسين بن الضحاك وأن يرى ما بقي من شهوته، وكان قد أسن فأحضره فسقاه حتى سكر، وقال لشفيع: إسقه فسقاه وحياه بوردة، وكانت على شفيع ثياب موردة، فمد حسين يده إلى ذراع شفيع فقال المتوكل: أتخمش أخمص قدمي بحضرتي، فكيف لوخلوت به، ما أحوجك إلى الأدب. وكان المتوكل قد غمز شفيعاً على العبث به فدعا بدواة فكتب ».

٢٨

وفي جمع الجواهر للحصري « 1 / 114 »: « شرب ابن حمدون النديم مع المتوكل وبحضرته غلامٌ مليح الوجه، فتأمله ابن حمدون تأملاً شديداً، وقد حمل الشراب إليه. فقال المتوكل: يا ابن حمدون، ما الحكم في الرجل إذا نظر إلى غلامِ فتى؟ قال: أن تقطع أذنه. قال: ليُحكم عليك بحكمك ».

أقول: يقصد المتوكل أن غلامه كزوجته، والناظر اليه ناظر الى عرضه! فاعجب لمن يدعي أنه خليفة النبي (ص) ويتجاهر بالفاحشة، ويطبق شرائع الجاهلية في الغلمان!

وكان لحضرة الخليفة أربعة آلاف جارية!

1. قال السيوطي في تاريخ الخلفاء / 377: « وكان منهمكاً في اللذات والشراب، وكان له أربعة آلاف سرية، ووطأ الجميع »!

وقال الوائلي في فقه الجنس / 239: « الخليفة جعفر المتوكل ـ محيي السنة ومميت البدعة ـ كان له أربعة آلاف سرية، وإنه كما يقولون وطأ الجميع، وهو أمر لو أردنا تصديقه وقلنا إنه يقوى على الوطأ مرتين في اليوم، فلا يلحق الجارية إلا حصة واحدة كل خمس سنوات أو أكثر!

وليت شعري كيف يتسع وقت الخليفة المتوكل بالإضافة إلى مهام الخلافة، وسهره المتواصل ليلاً يَعُبُّ الخمر حتى الصباح، وكان سكيراً شديد السكر!يقول عنه المؤرخون: كان يبغض علياً (ع) وينتقصه ويغلو في بغض علي ويكثر الوقيعة والإستخفاف به ولي سؤال واحد في نهاية هذه الخاطرة: لو أن المتوكل كان يبغض عمر بن الخطاب ويشتمه، فهل سيبقى محيي السنة ومميت البدعة؟!

٢٩

إن هذا العدد من الجواري والمحظيات ترك في تاريخنا صوراً مشوهةً، وعكسَنَا أمام الناس بأننا جنسٌ متجسد، وسعارُ نهمٍ لا حدود لاستشرائه، فما جاء الإسلام ليحيل الدنيا إلى حمئة من الجنس يغرق فيها الإنسان ويجمع من الجواري ما لايستطيع تغطية حاجاته من النكاح، وبالتالي يوفر له سبل الإنحراف »!

2. وفي نهاية الإرب « 5 / 112 »: « وقال علي بن الجهم: كانت محبوبةُ لعبد الله بن طاهر، أهداها إلى المتوكل في جملة أربع مائة جارية، وكانت بارعة الحسن والظَّرف والأدب، مغنيةً محسنةً، فحظيت عند المتوكل حتى كان يجلسها خلف الستارة وراء ظهره، إذا جلس للشرب، فيدخل رأسه إليها فيراها ويحدثها في كل ساعة ».

وفي مروج الذهب « 4 / 42 »: « لما أفضت الخلافة الى أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله، أهدى اليه الناس على أقدارهم، وأهدى اليه ابن طاهر هدية فيها مائتا وصيفة ووصيف، وفي الهدية جارية يقال لها محبوبة كانت لرجل من أهل الطائف، قد أدبها وثقفها وعلمها من صنوف العلم، وكانت تقول الشعر وتلحنه وتغني به على العود، وكانت تحسن كل ما يحسنه علماء الناس، فحسن موقعها من المتوكل، وحلت من قلبه محلاً جليلاً، لم يكن أحد يعدلها عنده.

قال علي « بن الجهم نديمه »: فدخلت عليه يوماً للمنادمة، فلما استقر بي المجلس قام فدخل بعض المقاصير، ثم خرج وهو يضحك، فقال لي: ويلك يا علي، دخلت

٣٠

فرأيت قيْنةً قد كتبت في خدها بالمسك جعفراً فما رأيت أحسن منه، فقل فيه شيئاً، فقلت: يا سيدي، وحدي أو أنا ومحبوبة ».

3. وفي مطالع البدور للبهائي الدمشقي « 1 / 215 »: « ومن ظرائف الهدايا ما أهدته شجرة الدر جارية المتوكل، وكان يميل إليها ميلاً كبيراً، ويفضلها على سائر حظاياه، فلما كان يوم المهرجان أهدى إليه حظاياه هدايا نفيسة، واحتفلن في ذلك، فجاءت شجرة الدر بعشرين غزالاً تربيةً، عليهن عشرون سراجاً صينياً على كل غزال خرج صغير مشبك حرير، فيه المسك والعنبر والغالية، وأصناف الطيب، ومع كل غزال وصيفة بمنطقة ذهب، وفي يدها قضيب ذهب، وفي رأسه جوهرة، فقال المتوكل لحظاياه وقد سر بالهدية: ما فيكن من تحسن مثل هذا وتقدر عليه! فحسدنها وعملن على قتلها بشئ سقينه لها، فماتت »!

4. وفي مسالك الأبصار للعدوي العمري « 10 / 468 »: « بنان: جارية المتوكل وكانت تخجل القمر بصفحتها، والغزال بلمحتها، والقضيب المتأود بقدها، والتفاح الجني بخدها، وتغير القلائد بنظمها الذي لا يحليه إلا مبسمها، ولا يضاهيه إلا الثريا لمن يتوسمها، لا تجئ عريبٌ لها بإصبع من بنان، ولا دنانيرُ إلا مما لا يُدخر للإمتنان، ولا سابقة تلحق إلا وهي معها في طيِّ عنان ».

5. وفي نهاية الأرب « 4 / 18 »: « قال المتوكل لجارية استعرضها: أنت بكر أم إيش؟ قالت: أنا إيش يا أمير المؤمنين. فضحك وابتاعها ».

٣١

6. وفي نثر الدر للآبى « 4 / 186 »: « عرضت على المتوكل جارية فقال لها: إيش تحسنين؟ قالت: عشرين لوناً رهزاً. فأعجبته فاشتراها ».

7. وفي منتخب ربيع الأبرار للأماسي / 99: « طلب المتوكل جارية الدقاق بالمدينة، [ وكان من أقران الجنيد ومن أكابر مصر ] فكاد يزول عقله لفرط حبها! فقالت لمولاها: أحسن الظن بالله وبي، فإني كفيلة لك بما تحب. فحملت اليه، فقال لها المتوكل: إقرئي، فقرأت: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة! ففهم المتوكل ما أرادت فردها ».

8. وفي الجماهر للبيروني « 1 / 6 »: « حُكِيَ عن المتوكل أن أعضاؤه ضعفت عن حركات الرهز، ولم يشبع من الجماع، فملئ له حوض من الزئبق، وبُسط عليه النطع ليحركه الزئبق من غير أن يتحرك، فاستلذه. وسأل عن معدنه فأشير إلى الشيز بآذربيجان، فولى حمدون النديم ثَمَّ، ليجهز إليه الزئبق »!

عنده آلاف الجواري واغتصب بنت رئيس وزرائه!

روى الجاحظ في المحاسن / 118، والتنوخي في نشوار المحاضرة « 6 / 323 » قصةً تدل على فسق المتوكل وتجبره،حيث أمر وزيره الرخجي في الليل أن يأتيه بابنته! قالا:

« وُصِفت للمتوكل عائشة بنت عمر بن فرج الرخجي، فوجه في جوف الليل والسماء تهطل، إلى عمر أن احمل إليَّ عائشة، فسأله أن يصفح عنها فإنها القيمة بأمره، فأبى! فانصرف عمر وهويقول: اللهم قني شرعبدك جعفر، ثم حملها بالليل فوطأها، ثم ردها إلى منزل أبيها ».

٣٢

دخل جِنِّيٌ في جارية المتوكل فأخرجه ابن حنبل بالقبقاب!

روى أبو يعلى في طبقات الحنابلة « 1 / 233 »: « حدثني أبي عن جدي قال: كنت في مسجد أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، فأنفذ إليه المتوكل بصاحب له يعلمه أن له جارية بها صَرَعٌ، وسأله أن يدعوالله لها بالعافية، فأخرج له أحمد نعل خشب بشراك خوص للوضوء، فدفعه إلى صاحب له وقال له: تمضي إلى دار أمير المؤمنين وتجلس عند رأس الجارية وتقول له: يقول لك أحمد: أيما أحب إليك تخرج من هذه الجارية أوأصفع الآخر بهذه النعل! فمضى إليه وقال له مثل ما قال أحمد، فقال المارد على لسان الجارية: السمع والطاعة، لو أمرنا أحمد أن لا نقيم في العراق ما أقمنا به! إنه أطاع الله، ومن أطاع الله أطاعه كل شئ، وخرج من الجارية وهدأت، وزوجت ورزقت أولاداً.

فلما مات أحمد عاودها المارد، فأنفذ المتوكل إلى صاحبه أبي بكر المروذي وعرفه الحال، فأخذ المروذي النعل ومضى إلى الجارية فكلمه العفريت على لسانها: لا أخرج من هذه الجارية ولا أطيعك ولا أقبل منك، أحمد بن حنبل أطاع الله فأُمرنا بطاعته »!

أقول: المروزي المذكور أقرب تلاميذ أحمد، وهوإمام عندهم، لكن قبقابه لم يعمل!

وفي شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي « 2 / 115 »: « وروى علي بن الجهم قال: لما أفضت الخلافة إلى المتوكل أهدى له الناس على أقدارهم فأهدى له محمد بن عبد الله بن طاهر ثلاث مائة جارية من أصناف الجواري، وكان فيهن جارية يقال لها

٣٣

محبوبة، وقد نشأت بالطائف فوقعت من قلب المتوكل موقعاً عظيماً وحلت من نفسه محلاً جسيماً، وكانت تسامره ولا تفارقه، فغاضبها يوماً وأمرها بلزوم مقصورتها، وأمر أن لا يدخل الجواري عليها.

قال علي بن الجهم: فبينا أنا عنده جالسٌ يوماً إذ قال لي: يا علي رأيت البارحة كأنني صالحتُ محبوبة! فقلت: أقر الله عينيك وجعله حقيقة في اليقظة.

وإنا لفي ذلك إذ أقبلت وصيفة كانت تقف على رأسه فقالت: يا أمير المؤمنين سمعت الساعة في منزل محبوبة غناءً، فقال لي: يا علي قم بنا الساعة، فإنا سنرد على بوادر ظريفة، فأخذ بيدي وجعلنا نمشي رويداً لئلا يُسْمَعَ حِسُّنَا، فوقف على باب المقصورة، وإذا بها تضرب بالعود وتغني:

أدورُ في القصر لا أرى أحداً

أشكو إليه ولا يكلمني

حتى كأني جنيتُ معصيةً

ليست لها توبةٌ تُخلصني

فهل شفيعٌ لنا إلى ملكٍ

قد زارني في الكرى وصالحني

حتى إذا ما الصباح لاحَ لنا

عاد إلى هَجْره فصارمني

فنفر المتوكل طرباً ونفرتُ معه لنفيره، فأحسَّت بنا فخرجت حافية، ثم أكبَّت على رجلي أمير المؤمنين ويديه ورأسه، ثم قالت: يا أمير المؤمنين رأيت البارحة في النوم كأني قد صالحتك! فقال لها: وأنا والله رأيت مثل ذلك.

٣٤

قالت: فإن رأى أمير المؤمنين أن يتمم المنة فهو المنعم على كل حال. فقال: أدخلي فإنا سنرد على ما نحب. قال: فمكثنا ثلاثة أيام ونحن كأننا في بعض رياض الجنة، ووصلني بعد ذلك ببدرة، فأخذتها وانصرفت »!

وكان حضرة الخليفة مسرفاً مبذراً لأموال المسلمين

قال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 40 »: « وقد قيل: إنه لم تكن النفقات في عصر من الأعصار ولا وقت من الأوقات، مثلَها في أيام المتوكل!

ويقال: إنه أنفق على الهاروني والجوسق الجعفري أكثر من مائة ألف ألف درهم، هذا مع كثرة الموالي والجند والشاكرية، ودُور العطاء لهم، وجليل ما كانوا يقبضونه في كل شهر، من الجوائز والهبات ».

وفي كتاب الديارات « 1 / 38 »: « القادسية، من أحسن المواضع وأنزهها، وهي من معادن الشراب ومناخات المتطربين. جامعة لما يطلب أهل البطالة والخسارة.

وبالقادسية بنى المتوكل قصره المعروف بِبُرْكَوَار، ولما فرغ من بنائه وهبه لابنه المعتز وجعل إعذاره « ختانه » فيه، وكان من أحسن أبنية المتوكل وأجلها، وبلغت النفقة عليه عشرين ألف ألف درهم.

قال: ولما صح عزمه على إعذار « ختان » أبي عبد الله المعتز، أمر الفتح بن خاقان بالتأهب له، وأن يلتمس في خزائن الفرش بساطاً للإيوان في عرضه وطوله، وكان طوله مائة ذراع وعرضه خمسون ذراعاً، فلم يوجد إلا فيما قبض عن بني أمية، فإنه وجد في أمتعة هشام بن عبد الملك على طول الإيوان وعرضه، وكان

٣٥

بساطاً إبريسماً غَرْزٌ مُذَهَّبٌ مفروز مبطَّن، فلما رآه المتوكل أعجب به وأراد أن يعرف قيمته، فجمع عليه التجار فذكر أنه قُوَّم على أوسط القيم عشرة آلاف دينار. فبسط في الإيوان وبسط للخليفة في صدر الإيوان سرير، ومُدَّ بين يديه أربعة آلاف مرفع ذهب مرصعة بالجوهر، فيها تماثيل العنبر والنِّد والكافور المعمول على مثل الصور، منها ما هومرصع بالجوهر مفرداً، ومنها ما عليه ذهب وجوهر، وجعلت بساطاً ممدوداً، وتغدى المتوكل والناس.

وجلس على السرير، وأحضر الأمراء والقواد والندماء وأصحاب المراتب، فأجلسوا على مراتبهم، وجعل بين صوانيهم والسماط فُرْجة.

وجاء الفراشون بزُبُل « جمع زنبيل » قد غُشِّيت بأدَم مملوءة دنانير ودراهم نصفين، فصبت في تلك الفرج حتى ارتفعت، وقام الغلمان فوقها، وأمروا الناس عن الخليفة بالشرب، وأن يَتَنَقَّلَ « من النُّقْل وهوما يؤكل مع الخمر » كل من يشرب بثلاث حفنات، ما حملت يداه من ذلك المال. فكان إذ أثقل الواحد منهم ما اجتمع في كمه أخرجه إلى غلمانه فدفعه إليهم وعاد إلى مجلسه، وكلما فرغ موضع أتى الفراشون بما يملؤونه به حتى يعود إلى حاله.

وخلع على سائر من حضر ثلاث خلع كل واحد، وأقاموا إلى أن صليت العصر والمغرب، وحملوا عند انصرافهم على الأفراس والشهاري « البغال ».

وأعتق المتوكل عن المعتز ألف عبد، وأمر لكل واحد منهم بمائة درهم وثلاثة أثواب. وكان في صحن الدار بين يدي الإيوان أربع مائة بلية « بالة » عليهن أنواع

٣٦

الثياب، وبين يديهن ألف نبيجة « صينية » خيزران، فيها أنواع الفواكه من الأترج والنارنج على قلته كان في ذلك الوقت، والتفاح الشامي والليموه، وخمسة آلاف باقة نرجس، وعشرة آلاف باقة بنفسج.

وتقدم إلى الفتح بأن ينثر على البليات وخدم الدار والحاشية، ما كان أعده لهم وهوعشرون ألف ألف درهم، فلم يُقدم أحد على التقاط شئ، فأخذ الفتح درهماً، فأكبت الجماعة على المال فنهب.

وكانت قبيحة « أم المعتز » قد تقدمت بأن تُضرب دراهم عليها: بركةٌ من الله، لإعذار أبي عبد الله المعتز بالله. فضرب لها ألف ألف درهم، نُثرت على المزين ومن في حيزه والغلمان والشاكرية وقهارمة الدار والخدم الخاصة، من البيضان والسودان. وكان ممن حضر المجلس ذلك اليوم، محمد المنتصر وأبو أحمد وأبوسليمان ابنا الرشيد، وأحمد والعباس ابنا المعتصم، وموسى بن المأمون، وابنا حمدون النديم وأحمد بن أبي رؤيم، والحسين بن الضحاك، وعلي بن الجهم، وعلي بن يحيى المنجم، وأخوه أحمد.

ومن المغنين: عمروبن بانة، أحمد بن أبي العلاء، ابن الحفصي، ابن المكي، سلمك الرازي، عثعث، سليمان الطبال، المسدود، أبوحشيشة، ابن القصار، صالح الدفاف، زنام الزامر، تفاح الزامر.

ومن المغنيات: عريب، بدعة جاريتها، سراب، شارية وجواريها، ندمان، منعم، نجلة، تركية، فريدة، عرفان.

٣٧

وقال إبراهيم بن العباس: سألت أبا حرملة المزين في هذا اليوم، فقلت: كم حصل لك إلى أن وضع الطعام؟ فقال: نيف وثمانون ألف دينار، سوى الصياغات والخواتيم والجواهر العتيدات.

قال: وأقام المتوكل ببركوارا ثلاثة أيام، ثم أصعد إلى قصره الجعفري. وتقدم بإحضار إبراهيم بن العباس، وأمره أن يعمل له عملاً بما أنفق في هذا الإعذار ويعرضه عليه ففعل ذلك، فاشتمل العمل على ستة وثمانين ألف ألف درهم.

وكان الناس يستكثرون ما أنفقه الحسن بن سهل في عرس ابنته بوران، حتى أرخ ذلك في الكتب، وسميت دعوة الإسلام، ثم أتى من دعوة المتوكل ما أنسى ذلك. وكانت الدعوات المشهورة في الإسلام ثلاثاً لم يكن مثلها، فمنها: دعوة المعتز هذه المذكورة، ومنها عرس زبيدة بن جعفر بن أبي جعفر، فإن المهدي، زوج ابنه الرشيد بأم جعفر ابنة أخيه، فاستعد لها ما لم يستعد لامرأة قبلها من الآلة وصناديق الجوهر والحلي والتيجان والأكاليل وقباب الفضة والذهب والطيب والكسوة ولم يُرَ في الإسلام مثلها، وحشر الناس من الآفاق، وفُرق فيهم من الأموال أمر عظيم. فكانت الدنانير تجعل في جامات فضة، والدراهم في جامعات ذهب، ونوافج المسك وجماجم العنبر والغالية في بواطي زجاج، ويفرق ذلك على الناس، ويخلع عليهم خلع الوشي المنسوجة، وأوقد بين يديه في تلك الليلة شمع العنبر في أتوار الذهب. وأحضر ـ نساء بني

٣٨

هاشم، وكان يدفع إلى كل واحدة منهن كيس فيه دنانير وكيس فيه دراهم وصينية كبيرة وفضة فيها طيب، ويخلع عليها خلعة وشي مثقل.

وبلغت النفقة في هذا العرس من بيت مال الخاصة، سوى ما أنفقه الرشيد من ماله، خمسين ألف ألف درهم ...

ومنها عُرْسُ المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل، بفم الصلح « قرب واسط ». وكانت النفقة عليه أمراً عظيماً. وسأل المأمون زبيدة عن تقدير النفقة في العرس، فقالت: ما بين خمسة وثلاثين ألف ألف إلى سبعة وثلاثين ألف ألف.

ذكر ابن خرداذبه: أن المتوكل، أنفق على الأبنية التي بناها، وهي: بركوارا، والشاه، والعروس، والبركة، والجوسق، والمختار، والجعفري، والغريب، والبديع، والصبيح، والمليح، والسندان، والقصر، والجامع، والقلاية، والبرج، وقصر المتوكلية، والبهو، واللؤلؤة: مائتي ألف ألف وأربعة وسبعين ألف ألف درهم. ومن العين مائة ألف ألف دينار.

تكون قيمة الورق عيناً بصرف الوقت مع ما فيه من العين ثلاثة عشر ألف ألف دينار، وخمس مائة ألف دينار، وخمسة وعشرين ألف دينار.

قال: شرب المتوكل يوماً في بركوارا، فقال لندمائه: أرأيتم إن لم يكن أيام الورد لا نعمل نحن شاذكلاه « فارسية بمعنى: طربوش الفرح » قالوا: يا أمير المؤمنين، لا يكون الشاذكلاه إلا بالورد. فقال: بلى. أدعوا لي عبيد الله بن يحيى، فحضر فقال: تقدم بأن تضرب لي دراهم، في كل درهم حبتان. قال: كم المقدار يا أمير

٣٩

المؤمنين؟ قال: خمسة آلاف ألف درهم. فتقدم عبيد الله في ضربها فضربت، وعرفه الخبر. فقال: إصبغ منها بالحمرة والصفرة والسواد، واترك بعضها على حاله. ففعل. ثم تقدم إلى الدم والحواشي، وكانوا سبع مائة، أن يعد كل واحد منهم قباءً جديداً وقلنسوةً على خلاف لون قباء الآخر وقلنسوته، ففعلوا.

ثم عمد إلى يوم تحركت فيه الريح، فنصبت له قبة لها أربعون باباً، فاصطبح فيها، والندماء حوله. ولبس الخدم الكسوة التي أعدها، وأمر بنثر الدراهم كما ينثر الورد. فنثرت أولاً أولاً، فكانت الريح تحمل الدراهم فتقف بين السماء والأرض كما يقف الورد. فكان من أحسن أيام المتوكل وأظرفه.

وكان البرج من أحسن أبنيته، فجعل فيه صوراً عظاماً من الذهب والفضة، وبركة عظيمة جعل فرشها ظاهرها وباطنها صفائح الفضة، وجعل عليها شجرة ذهب، فيها كل طائر يصوت ويصفر، مكللة بالجوهر، وسماها طوبى. وعمل له سرير من الذهب كبير، عليه صورتا سَبْعَيْن عظيمين، ودرج عليها صور السباع والنسور وغير ذلك، على ما يوصف به سرير سليمان بن داود (ع). وجعل حيطان القصر من داخل وخارج ملبسة بالفسيفساء والرخام المذهب. فبلغت النفقة على هذا القصر ألف ألف وسبعمائة ألف دينار.

وجلس فيه على السرير الذهب، وعليه ثياب الوشي المثقلة، وأمر ألا يدخل عليه أحد إلا في ثياب وشي منسوجة، أوديباج ظاهرة.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

دنانير وتسعين(١) درهماً قيمتها عشرة دنانير وجبت الزكاة فيهما - وهو رواية عن أحمد - لأنّ كلّ نصاب وجب فيه ضمّ الذهب إلى الفضّة ضمّ بالقيمة كنصاب القطع في السرقة(٢) . والكلّ باطل عندنا ، لما تقدّم.

مسألة ٧٦ : يجوز إخراج أحد النقدين عن الآخر بالقيمة‌ - وهو أصحّ الروايتين عن أحمد(٣) - لأنّ المقصود من أحدهما حاصل بإخراج الآخر فأجزأ ، فإنّ المقصود منهما جميعاً الثمنية ، والتوصّل بهما إلى المقاصد ، وهما يشتركان فيه على السواء فأشبه إخراج الجنس ، وإذا كان المقصود حاصلاً وجب الإِجزاء ، إذ لا فائدة في اختصاص الإِجزاء بعين مع مساواة غيرها لها في الحكمة.

ولأنّه قد يكون أرفق بالمعطي والفقير ، وأنفع لهما ، ويندفع به الضرر عنهما ، فإنّ إخراج العين قد يشقّ على من يملك عشرين مثقالا بإخراج جزء من دينار ، ويحتاج إلى التشقيص ، ومشاركة الفقير له في دينار من ماله ، أو بيع أحدهما نصيبه فيتضرّر المالك والفقير ، فإذا أخرج الدراهم عنها اندفعت حاجة الفقير ، وسهل ذلك عليه ، وانتفع من غير كلفة ولا ضرر.

ولأنّه لو دفع إليه قطعة من ذهب في موضع لا يتعامل بها فيه لم يقدر على قضاء حاجته ، ولو أراد بيعها بجنس ما يتعامل بها احتاج إلى كلفة البيع وربّما لا يقدر عليه فلا يفيده شيئا ، وربّما نقص عوضها عن قيمتها.

والرواية الثانية لأحمد : المنع من الجواز ، لأنّ أنواع الجنس لا يجوز إخراج أحدهما عن الآخر إذا كان أقلّ في المقدار فمع اختلاف الجنس‌

____________________

(١) في المغني والشرح الكبير : سبعين.

(٢) المغني ٢ : ٥٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٩.

(٣) المغني ٢ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٦.

١٤١

أولى(١) .

والاُولى ممنوعة على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

وعلى ما قلناه ، لا يجوز الإِبدال في موضع يلحق الفقير ضرر ، مثل أن يدفع إليه ما لا ينفق عوضاً عمّا ينفق ، لأنّه كالمعيب.

ولو اختار المالك الدفع من الجنس واختار الفقير الأخذ من غيره لضرر يلحقه في ( أخذ الجنس)(٢) لم يلزم المالك إجابته ، لأنّه أدّى فرض الله عليه فلا يكلّف غيره.

المطلب الثالث

في زكاة الغلّات والثمار‌

وفيه بحثان :

الأول : فيما تجب الزكاة فيه منها.

مسألة ٧٧ : الزكاة في الغلّات والثمار واجبة‌ بالنصّ والإِجماع :

قال الله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) (٣) والزكاة تسمّى نفقةً ، لقوله تعالى( وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ ) (٤) .

وقال تعالى( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) (٥) قال ابن عباس : حقّه :

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٥.

(٢) ورد في النسخ الخطية : أحد الجنسين. وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٣) البقرة : ٢٦٧.

(٤) التوبة : ٣٤.

(٥) الأنعام : ١٤١.

١٤٢

الزكاة المفروضة(١) .

وأجمع علماء الإِسلام على وجوب الصدقة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

مسألة ٧٨ : ويشترط في الزكاة في هذه الأنواع اُمور ثلاثة : النصاب ، وبدوّ الصلاح ، وتملّك الغلّة بالزراعة لا بغيرها كالابتياع والاتّهاب.

والنصاب في الأربعة واحد وهو خمسة أوسق ، فلا يجب فيما دونها شي‌ء بإجماع علمائنا ، وهو قول أكثر أهل العلم منهم : ابن عمر وجابر وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد والحسن البصري وعطاء ومكحول والنخعي ومالك وأهل المدينة والثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )(٣) .

ومن طريق الخاصة قول أحدهماعليهما‌السلام : « ليس فيما دون خمسة أوساق زكاة »(٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ليس في النخل صدقة حتى تبلغ خمسة‌

____________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٣٧٥ ، تفسير الطبري ٨ : ٤٣ ، تفسير التبيان ٤ : ٢٩٥ ، التفسير الكبير للرازي ١٣ : ٢١٣ ، والمغني ٢ : ٥٤٧.

(٢) المغني ٢ : ٥٥٢ - ٥٥٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٠ - ١٠١ و ١٠٣ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٩١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٥ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٣ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٨ و ٥٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٥٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ٩٧٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ و ١٥٥٩ ، سنن النسائي ٥ : ٤٠ - ٤١ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٤ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢١.

(٤) التهذيب ٤ : ١٤ / ٣٥ ، الاستبصار ٢ : ١٤ / ٤١.

١٤٣

أوساق ، والعنب مثل ذلك »(١) .

ولأنّه مال تجب فيه الصدقة فلا تجب في يسيره كسائر الأموال الزكوية.

وقال أبو حنيفة ومجاهد : تجب الزكاة في قليل ذلك وكثيره(٢) ، لعموم قولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العشر )(٣) .

ولأنّه لا يعتبر له حول فلا يعتبر له نصاب والخاصّ مقدّم ، ولم يعتبر الحول ، لأنّ نماءه يكمل باستحصاده لا ببقائه ، واعتبر الحول في غيره ، لأنّه مظنّة لكمال النماء في سائر الأموال ، والنصاب اعتبر ليبلغ حدّاً يحتمل المواساة.

مسألة ٧٩ : الوَسْق ستّون صاعاً‌(٤) بالإِجماع والنصّ ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الوَسْق ستّون صاعاً )(٥) .

ومن طريق الخاصة قول أحدهماعليهما‌السلام : « الوَسْق ستّون صاعاً فذلك ثلاثمائة صاع بصاع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٦) .

وأمّا الصاع فإنّه أربعة أمداد عند علمائنا ، والمـُدّ رطلان ورُبع بالعراقي يكون قدر النصاب ألفين وسبعمائة رطل.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨ / ٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٨ / ٥٢.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٤٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥٩ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٩ ، المغني ٢ : ٥٥٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٤ ، المجموع ٥ : ٤٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٥٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٨ / ١٥٩٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٠ / ١٨١٦ و ٥٨١ / ١٨١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٤١ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٧ / ٩ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٠.

(٤) اُنظر : النهاية - لابن الأثير - ٥ : ١٨٥.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٦ / ١٨٣٢ و ٥٨٧ / ١٨٣٣ ، مسند أحمد ٣ : ٨٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢١.

(٦) التهذيب ٤ : ١٤ / ٣٥ ، الاستبصار ٢ : ١٤ / ٤١.

١٤٤

ولتعارض رواياتهم فسقط الاحتجاج بها ، لعدم الأولويّة ، ويصار إلى الأصل وهو البراءة ، وصيانة مال المسلم عن التسلّط.

ولأنّ النصاب شرط لما بيّنا ، ولا نعلم حصوله إلّا مع التقدير الأعلى فيقف الوجوب عليه.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « الصاع أربعة أمداد »(١) .

وقول أبي الحسنعليه‌السلام : « الصاع ستّة أرطال بالمدني ، وتسعة أرطال بالعراقي »(٢) .

وقول الباقرعليه‌السلام : « والمدّ رطل ونصف ، والصاع ستّة أرطال »(٣) بأرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي(٤) .

وقال الشافعي وأحمد : وزن المـُدّ رطل وثلث ، والصاع : خمسة أرطال وثلث(٥) ، لأنّ مالكاً أحضر لأبي يوسف أولاد المهاجرين والأنصار ، فشهدوا أنّ آباءهم أخبروهم أنّهم كانوا يؤدّون الصدقة إلى النبيعليه‌السلام بهذا الصاع(٦) .

وهو ممنوع ، فإنّه لو كان مشتهراً في المدينة لم يَخْف عن أهلها ، مع‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٨١ / ٢٣٣ ، الاستبصار ٢ : ٤٧ / ١٥٤.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٢ / ٩ ، التهذيب ٤ : ٨٣ / ٢٤٣ ، الفقيه ٢ : ١١٥ / ٤٩٣ ، معاني الأخبار : ٢٤٩ / ٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٦ - ١٣٧ / ٣٧٩.

(٤) قوله : بأرطال - إلى - بالعراقي ، من كلام الشيخ الطوسي في التهذيب ١ : ١٣٧ ذيل الحديث ٣٧٩ ، فلاحظ.

(٥) المجموع ٦ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥ و ٦ : ١٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤ و ١٢٩ ، مغني المحتاج ١ : ٣٨٢ و ٤٠٥ ، المغني ١ : ٢٥٥ و ٢ : ٥٥٨ و ٦٥٧ ، الشرح الكبير ١ : ٢٥٤ ، و ٢ : ٦٦٠.

(٦) أورده كما في المتن ، المحقّق في المعتبر ٢٦٨ ، وانظر أيضاً : المغني والشرح الكبير ١ : ٢٥٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٧٠ - ١٧١.

١٤٥

أنّ الباقرعليه‌السلام سيّدهم وقد أخبر بخلاف ذلك وهو أعرف من عوامهم ، ولما أخبر مالك أنّ عبد الملك تحرّى صاع عمر(١) ، فإنّ صاع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أولى بالتحرّي.

وقال أبو حنيفة : المـُدّ رطلان ، فالصاع ثمانية أرطال(٢) ، لأنّ أنساً روى أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتوضّأ بمُدّ ويغتسل بصاع ثمانية أرطال(٣) .

وهي معارضة برواية الشافعي فتساقطا.

مسألة ٨٠ : هذا التحديد تحقيق لا تقريب‌ ، وهو أحد قولي الشافعيّة(٤) ، لقولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة )(٥) .

ولأنّه نصاب يتعلّق به وجوب الفرض فكان محدّداً كسائر الأوقاص ، ولأنّ نقصان القليل مجهول لا يمكن تعليق الحكم به فلم يكن بدٌّ من حدّ فاصل.

وقال بعضهم : إنّه تقريب ، فإن نقص قليلاً وجبت الزكاة ؛ لأنّ الوَسْق في اللغة : الحِمْل(٦) . وهو يزيد وينقص(٧) ، ونحن إنّما اعتبرنا التّقدير الشرعي لا اللغوي.

____________________

(١) نقله المحقق في المعتبر : ٢٦٨.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٧٣ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١١٧ ، اللباب ١ : ١٦٠ ، المغني والشرح الكبير ١ : ٢٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٢٩.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٥٣ / ٧٢ و ١٥٤ / ٧٣ ، وانظر : المغني والشرح الكبير ١ : ٢٥٥ ، وبدائع الصنائع ٢ : ٧٣.

(٤) المجموع ٥ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥ - ٥٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٤٧ - ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ / ٩٨٠ ، سنن النسائي ٥ : ٣٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٣ / ٥ وسنن البيهقي ٤ : ١٢٠.

(٦) اُنظر : الصحاح ٤ : ١٥٦٦ ، القاموس المحيط ٣ : ٢٨٩.

(٧) المجموع ٥ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥.

١٤٦

فروع :

أ - لو تساوت الموازين في النقص اليسير فلا زكاة ، لقولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )(١) وهو قول بعض الشافعية.

وقال آخرون : لا اعتبار باليسير منه(٢) .

ب - لو اختلفت الموازين الصحيحة لم يعمل على النقصان اليسير الذي اختلفت به كالأوقية؛ لأنّ العادة أسقطت اعتباره.

ج - النصاب يعتبر بالكيل ، لأنّ الأوساق مكيلة ، وإنّما نقلت إلى الوزن لتضبط وتحفظ.

د - لا وقص في نصاب الحبوب والثمار بل مهما زاد على النصاب اُخرج منه بالحساب لانتفاء الضرر في تبعيضه بخلاف الماشية.

ولعموم قولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(٣) .

مسألة ٨١ : إذا وجب العُشر مرّة لم يجب عليه عُشر آخر وإن بقيت عنده أحوالاً‌ إجماعاً - إلّا من الحسن البصري(٤) - لأنّ هذه الأموال غير مرصدة للنماء في المستقبل ، بل هي إلى النقص أقرب.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « أيّما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدّقها فليس عليه شي‌ء ولو بقيت ألف عام إذا كان بعينه وإنّما عليه صدقة العشر ، فإذا أدّاها مرّة فلا شي‌ء عليه »(٥) .

ولأنّها غير معدّة للنماء فأشبهت أمتعة القنية ، فإن اشترى من ذلك شيئاً

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٢) راجع : المجموع ٥ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥ - ٥٦٦ ، وتعرّض لخلاف الشافعية أيضاً ، المحقّق في المعتبر : ٢٦٨.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) المجموع ٥ : ٥٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٥ / ١ ( باب أنّ الصدقة في التمر مرّة واحدة ) التهذيب ٤ : ٤٠ / ١٠٢ بتفاوت.

١٤٧

للتجارة صار عرضاً تتعلّق به زكاة التجارة استحباباً أو وجوباً على الخلاف ، وكذا لو باعها بنصاب زكوي غير الغلّة والثمار وحال عليه الحول وجبت وإلّا فلا.

مسألة ٨٢ : وقت وجوب الزكاة في الحَبّ إذا اشتدّ ، وفي الثمرة إذا بدا صلاحها‌ على الأقوى ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(١) .

ولأنّ أهل اللغة نصّوا على أنّ البُسر ( نوع )(٢) من التمر ، ومن أوجب في الثمرة أوجبها في الحَبّ.

وقال بعض علمائنا : إنّما تتعلّق الزكاة به إذا صار تمراً أو زبيباً أو حنطة أو شعيراً ؛ لتعلّق الحكم على الاسم(٣) .

وقد بيّنا أنّ الاسم يتعلّق بما قلناه.

وعلى كلا القولين ، إنّما يجب الإِخراج ويستقرّ الوجوب حين يصير التمر في الجرين(٤) ، والزرع في البيدر(٥) بعد التصفية من التبن والقشر ، فلو تلف قبل ذلك بغير تفريط فلا زكاة عليه.

وإنّما فائدة الخلاف أنّه لو تصرّف في الثمرة بعد بدوّ الصلاح إمّا بأكل أو بيع لم تسقط عنه الزكاة ، لأنّه تصرّف بعد تعلّق الوجوب فلا تسقط.

وعلى القول الآخر لا شي‌ء عليه ؛ لأنّه تصرّف فيها قبل الوجوب فأشبه‌

____________________

(١) راجع المصادر في المسألة ٧٨.

(٢) كذا ، ولعلّ المصنّفرحمه‌الله يقصد مرحلة من مراحل نضوج التمر. وانظر : الصحاح ٢ : ٥٨٩.

(٣) هو المحقّق في المعتبر : ٢٦٨.

(٤) الجرين : موضع التمر الذي يجفّف فيه. الصحاح ٥ : ٢٠٩١ « جرن ».

(٥) البيدر : الموضع الذي يداس فيه الطعام. الصحاح ٢ : ٥٨٧ ، القاموس المحيط ١ : ٣٦٩ « بدر ».

١٤٨

ما لو أكل السائمة أو باعها قبل الحول.

ولو تلف البعض بغير تفريط بعد البدوّ وقبل الكمال سقط من الزكاة بقدر التالف ، ووجب في الباقي بقدره وإن نقص عن النصاب إذا كان الجميع نصاباً.

مسألة ٨٣ : والنصاب المعتبر - وهو خمسة أوسق‌ - إنّما يعتبر وقت جفاف التمر ، ويُبس العنب والغلّة ، فلو كان الرطب خمسة أوسق ، أو العنب ، أو الغلّة ولو جفّت تمراً أو زبيباً أو حنطة أو شعيراً نقص ، فلا زكاة إجماعاً وإن كان وقت تعلّق الوجوب نصاباً.

أمّا ما لا يجفّ مثله وإنّما يؤكل رطباً كالهلْباث(١) والبُرني وشبههما من الدّقل(٢) الرقيق الثمرة فإنّه تجب فيه الزكاة أيضاً ؛ لقولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(٣) وإنّما تجب فيه إذا بلغ خمسة أوسق تمراً.

وهل يعتبر بنفسه أو بغيره من جنسه؟ الأقرب : الأول وإن كان التمر يقلّ كغيره.

وللشافعي وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : يعتبر بغيره ، فإذا كان ممّا يجفّ يبلغ خمسة أوسق تمراً ، وكان هذا مثله رطباً ، وجبت فيه الزكاة ، فيعتبر بأقرب الأرطاب إليه مما يجفّ(٤) .

مسألة ٨٤ : لو اشترى الثمرة قبل بدوّ صلاحها فتركها حتى بدا صلاحها وجبت الزكاة على المشتري‌ لحصول السبب في ملكه ، ولو كان بعد بدوّ الصلاح فالزكاة على البائع.

____________________

(١) الهلْباث : ضرب من التمر. لسان العرب ٢ : ١٩٨ « هلبث ».

(٢) الدّقل : أردأ التمر. الصحاح ٤ : ١٦٩٨ ، القاموس المحيط ٣ : ٣٧٦.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) المجموع ٥ : ٤٥٨ - ٤٥٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٨.

١٤٩

ومن أبطل بيع الثمرة قبل البدوّ لو فعله منفرداً لا بشرط القطع كان الملك باقياً على البائع فالزكاة عليه عند بدوّ الصلاح.

مسألة ٨٥ : لو مات وعليه دين مستوعب‌ ، فإن كان بعد بدوّ الصلاح وجبت الزكاة ؛ لتعلّقها بالعين ومحلّ الدَّين الذمّة وكان حقّ الزكاة مقدّماً وإن ضاع على صاحب الدَّين دَيْنه.

ولو مات قبل بدوّ الصلاح ، فلا زكاة على الوارث ولا على الميّت ، أمّا على الميّت : فلانتقاله عنه قبل بدوّ الصلاح ، وأمّا على الوارث : فلعدم الانتقال إليه إلّا بعد قضاء الدَّين عند قوم ، ولاشتغاله بتعلّق الدَّين به كالرهن إن قلنا بالانتقال إليه ، وقد بيّنّا أنّ التمكّن من التصرّف شرط في الوجوب.

أمّا لو لم يكن الدَّيْن مستوعباً ، فإن فضل قدر النصاب وجبت الزكاة فيه خاصّة وإلّا فلا.

مسألة ٨٦ : قد بيّنا أنّه لا تجب الزكاة في الغلّات والثمار إلّا إذا نمت في الملك‌ ، لا ما يبتاع(١) ثمراً ، ولا ما يستوهب إجماعاً.

وأمّا عامل المساقاة والمزارعة فإنّه تجب عليه في نصيبه الزكاة إن بلغ النصاب وإلّا فلا عند أكثر علمائنا(٢) ؛ لأنّه ملك الحصّة قبل النماء.

وقال بعض علمائنا : لا زكاة عليه ؛ لأنّه ملكه اُجرةً(٣) ؛ وليس بمعتمد.

وأمّا حصّة المالك فإنّها تجب الزكاة فيها أيضاً إن بلغت النصاب إجماعاً.

مسألة ٨٧ : الواجب في هذه الغلّات والثمار العُشر‌ إن لم يفتقر سقيه‌

____________________

(١) ورد في النُسخ الخطية والطبعة الحجرية : لا ما يباع. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ، كتاب المساقاة ، المسألة ١٣ ، والمبسوط ٣ : ٢٢٠ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٦٥ و ٢٦٨ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإِسلام ٢ : ١٦٠.

(٣) هو السيد ابن زهرة العلوي في الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥٤٠ ( فصل : في المزارعة والمساقاة ).

١٥٠

إلى مؤونة كالذي يشرب من السماء بمطر أو ثلج ، أو تسقيه الأنهار بغير آلة وإنّما تفيض إليها في زيادتها ، أو بحبس الماء عليه ، أو يشرب بعلاً وهو ما يشرب بعروقه في الأرض التي يقرب ماؤها من وجهها فتصل إليه عروق الشجر فيستغني عن سقي ، أو كانت عروقه تصل إلى نهر أو ساقية.

وأمّا ما يفتقر إلى مؤونة كالذي يشرب بالدوالي والدواليب وما أشبه ذلك فإنّه يجب فيه نصف العُشر ، ولا خلاف في ذلك بين العلماء.

لقولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بَعْلاً(١) العُشر ، وفيما سقي بالسواني والنّضح نصف العشر )(٢) والسواني : النواضح وهي الإبل يستقى بها الماء لشرب الأرض(٣) .

وقالعليه‌السلام : ( فيما سقت العيون أو كان عَثَريّاً العُشر ، وما سقي بالنَّضْح نصف العشر )(٤) والعَثَرِي : ما تسقيه السماء وهو العِذْي(٥) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « وما كان منه يسقى بالرشاء(٦) والدوالي(٧) والنواضح ففيه نصف العُشر ، وما سقت السماء والسيح أو كان بَعْلاً ففيه العُشر تامّاً »(٨) .

ولأنّ للكلفة تأثيراً في إسقاط الزكاة جملة كالمعلوفة فبأن تؤثّر في التخفيف أولى.

____________________

(١) البَعْل : ما شرب بعروقه من الأرض بغير سقي. لسان العرب ١١ : ٥٧.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٠٨ / ١٥٩٦ ، سنن النسائي ٥ : ٤١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨١ / ١٨١٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٠.

(٣) اُنظر : الصحاح ٦ : ٢٣٨٤ « سنا ».

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٥٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٠.

(٥) قاله أبو عبيد. راجع : الأموال : ٤٨٠ ، وانظر : لسان العرب ٤ : ٥٤١.

(٦) الرشا : الحَبْل. والجمع : أرشية. لسان العرب ١٤ : ٣٢٢.

(٧) الدوالي ، جمع دالية. وهي : الناعورة يديرها الماء. لسان العرب ١٤ : ٢٦٦.

(٨) التهذيب ٤ : ١٣ - ١٤ / ٣٤ ، الاستبصار ٢ : ١٤ / ٤٠.

١٥١

فروع :

أ - لا يؤثّر حفر الأنهار والسواقي في نقصان الزكاة ؛ لأنّ المؤونة تقلّ ، ولأنّه من جملة إحياء الأرض ، ولا يتكرّر ، ولأنّه يجري مجرى الكراب(١) .

ب - لو كان الماء يجري من النهر في ساقية إلى الأرض ويستقرّ في مكان قريب من وجهها لا يصعد إلّا بدولاب وشبهه فهو من الكُلفة المسقطة لنصف الزكاة ؛ لأنّ مقدار الكُلفة وقُرب الماء وبُعده لا يعتبر.

والضابط لذلك هو احتياج ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة من دولاب ، أو دالية ، أو ناضح أو نحو ذلك.

ج - الزكاة في القسمين إنّما تجب بعد إخراج الـمُؤَن ، والفرق بينهما باقٍ ؛ إذ تقديم المؤونة من الكُلفة فلهذا وجب نصف العُشر.

مسألة ٨٨ : لو سقي بعض المدّة بالسيح ، وبعضها بالآلة‌ ، فإن تساويا اُخذت الزكاة بحساب ذلك فاُخذ للسيح نصف العُشر ، وللدوالي رُبع العُشر ، فتجب ثلاثة أرباع العُشر - وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٢) ، ولا نعلم فيه خلافاً - لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل الأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء وتسقى سيحاً : « النصف والنصف نصف بنصف العُشر ونصف بالعُشر »(٣) .

ولأنّ كلّ واحد منهما لو وجد في جميع السنة لأوجب مقتضاه فإذا وجد في نصفها أوجب نصفه.

وإن تفاوتا كان الحكم للأغلب عند علمائنا ، وبه قال عطاء والثوري وأبو‌

____________________

(١) كرب الأرض يكربها كرباً وكراباً : قلبها للحرث. لسان العرب ١ : ٧١٤ - ٧١٥ « كرب ».

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٣ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٤ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٧٦ ، المغني ٢ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٤ / ٦ ، التهذيب ٤ : ١٦ / ٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٥ / ٤٤.

١٥٢

حنيفة والشافعي - في أحد القولين - وأحمد في إحدى الروايتين(١) .

لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الأرض تسقى بالدوالي فتسقى السقية والسقيتان سيحاً ، فقال : « وكم تسقى السقية والسقيتان سيحاً؟ » قلت : في ثلاثين ليلة أربعين ليلة ، وقد مكث [ قبل ](٢) ذلك في الأرض ستّة أشهر سبعة أشهر ، قال : « نصف العُشر »(٣) .

ولأنّ اعتبار مقدار السقي وعدد مرّاته وقدر ما يشرب في كلّ سقية ممّا يشقّ ويتعذّر ، فجعل الحكم للغالب كالطاعة إذا كانت أغلب على الإِنسان كان عدلاً وإن ندرت منه المعصية.

وقال الشافعي - في الثاني - : يعتبر قدرهما وتقسَّم الزكاة عليهما بالحصّة ، فإن كان السيح الثلثان اُخذ ثلثا العُشر ، وكذا إن زاد ؛ لأنّهما لو كانا نصفين وجب الحصّة فيهما فكذا إذا زاد أحدهما كزكاة الفطرة في العبد المشترك(٤) . والفرق : عدم مشقّة اعتبار الملك هنا.

فروع :

أ - إذا سقي بهما ولم يعلم الغالب رجّح أصالة التساوي ، واُخرج من كلّ واحد بالحصّة.

ب - لو شرب أحد القراحين(٥) سيحاً ، والآخر ناضحاً ضمّ أحدهما إلى الآخر في النصاب واُخرج من السيحي العُشر ومن النضحي نصف العُشر.

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٦٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٠ ، اللباب ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٤٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٧٦ ، المغني ٢ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٣.

(٢) ما بين المعقوفين مثبَت من المصدر.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٤ / ٦ ، التهذيب ٤ : ١٦ - ١٧ / ٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٥ - ١٦ / ٤٤‌.

(٤) المجموع ٥ : ٤٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٧٦.

(٥) القراح : المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر. الصحاح ١ : ٣٩٦ « قرح ».

١٥٣

ج - هل الاعتبار في الأغلبية بالأكثر عدداً أو نفعاً ونموّاً؟ الأقرب : الثاني ؛ لاقتضاء ظاهر النصّ(١) أنّ النظر إلى مدّة عيش الزرع ونمائه أهو بأحدهما أكثر أو لا.

ويحتمل الأول ؛ لأنّ المؤونة تقلّ وتكثر بهما ، فلو كانت المدّة من يوم الزرع إلى الإِدراك ثمانية أشهر واحتاج في ستّة أشهر زمان الشتاء والربيع إلى سَقْيَتَيْن ، وفي شهرين في الصيف إلى ثلاث سقيات فسقي السقيتين بماء السماء والثلاث بالنضح ، فإن اعتبر العدد وجب نصف العُشر.

وعلى أحد قولي الشافعي بالتقسيط يجب خُمسا العُشر وثلاثة أخماس نصف العُشر(٢) .

وإن اعتبر مدّة العيش وجب العُشر ؛ لأنّ مدّة السقي بماء السماء أطول ، وعلى التقسيط يجب ثلاثة أرباع العُشر ورُبع نصف العُشر.

ولو اعتبر الأنفع لا المدّة فإن علم الأغلب فيه حكم له وإلّا فبالتساوي.

د - لو أنشأ الزرع على إحدى السقيتين ، ثم اتّفق خلافه تغيّر الحكم فيه ، وهو أحد وجهي الشافعي ، والثاني : الاستصحاب(٣) ، وعلى التقديرين يضمّ ما سقي بهذا إلى ما سقي بذاك في حقّ النصاب وإن اختلف قدر الواجب.

مسألة ٨٩ : الزكاة في الغلّات والثمار إنّما تجب بعد المؤونة‌ كاُجرة السقي والعمارة والحافظ والحاصد ومصفّى الغلّة وقاطع الثمرة وغير ذلك من الـمُؤَن.

____________________

(١) قوله : لاقتضاء ظاهر النص. إلى آخره.

هذا دليل بعض الشافعية أيضاً على الرأي الثاني لهم المذكور في نفس الفرع ، والمراد من النصّ ، نصّ الشافعي ؛ لاحظ فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، والمجموع ٥ : ٤٦٣.

(٢) راجع : المجموع ٥ : ٤٦٣ - ٤٦٤ ، وفتح العزيز ٥ : ٥٧٩.

(٣) المجموع ٥ : ٤٦٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٠.

١٥٤

وقال عطاء(١) : إنّ المؤونة سبب زيادة المال فيكون على الجميع كالخرج على غيره من الأموال المشتركة ، ولأنّ إلزام المالك خاصة حيف عليه وإضرار به فيكون منفيّاً.

وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط : إنّها على المالك خاصة ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد(٢) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(٣) فلو لزم الفقراء فيها نصيب قصر نصيبهم عن الفرض(٤) .

ولا يتناول محلّ النزاع ، لأنّ العشر فيما يكون نماء وفائدة.

فروع :

أ - الأقرب أنّ المؤونة لا تؤثّر في نقصان النصاب وإن أثّرت في نقصان الفرض ، فلو بلغ الزرع خمسة أوسق مع المؤونة ، وإذا اُسقطت المؤونة منه قصر عن النصاب وجبت الزكاة لكن لا في المؤونة بل في الباقي.

ب - الأقوى أنّ البذر من المؤونة فلا تجب فيه زكاة ، ولأنّه لو وجبت لأدّى إلى تثنية الزكاة وتكرّرها في الغلّات.

ج - ثمن الثمرة من المؤونة ، أمّا ثمن أصل النخل أو الدولاب أو الدوابّ فلا.

د - إنّما تجب الزكاة بعد إخراج حصّة السلطان.

مسألة ٩٠ : تجب الزكاة في زرع أرض الصلح ومن أسلم أهلها عليها‌ بإجماع العلماء.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٦٧.

(٢) المجموع ٥ : ٤٦٧ و ٥٣٢ و ٥٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٣٨٦ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١١٠ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٩٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠١ ، المغني ٢ : ٥٧٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٦.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) الخلاف ٢ : ٦٧ ، المسألة ٧٨ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢١٧.

١٥٥

أمّا ما فتح عنوةً فإنّها للمسلمين ويقبلها الإِمام ممّن شاء ، فإذا زرعها وأدّى مال القبالة وجب في الباقي الزكاة إن بلغ النصاب.

ولا تسقط الزكاة بالخراج عند علمائنا أجمع ، وبه قال عمر بن عبد العزيز والزهري ويحيى الأنصاري وربيعة والأوزاعي ومالك والثوري والمغيرة والليث والحسن بن صالح بن حي ، وابن أبي ليلى ، وابن المبارك ، والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأحمد(١) .

لقوله تعالى( وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) (٢) .

وقولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(٣) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « كلّ أرض دفعها إليك السلطان فعليك فيما أخرج الله منها ما قاطعك عليه ، وليس على جميع ما أخرج الله منها العُشر ، وإنّما العُشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك »(٤) .

ولأنّهما حقّان يجبان لمستحقّين يجوز وجوب كلّ منهما على المسلم ولا تنافي بينهما ، فجاز اجتماعهما كالكفّارة والقيمة في صيد الحرم المملوك.

وقال أصحاب الرأي : لا عُشر في الأرض الخراجية ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا يجتمع العُشر والخراج في أرض مسلم )(٥) .

____________________

(١) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٥ ، المجموع ٥ : ٥٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٦ و ٥٤٣ - ٥٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، الأموال - لأبي عبيد - : ٩٥ ، المغني ٢ : ٥٨٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٦.

(٢) البقرة : ٢٦٧.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٣ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٦ / ٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٥ / ٧٠.

(٥) اُنظر : سنن البيهقي ٤ : ١٣٤ ، والكامل في ضعفاء الرجال ٧ : ٢٧١٠.

١٥٦

ولأنّهما حقّان سبباهما متنافيان ولا يجتمعان كزكاة السائمة والتجارة(١) .

والحديث يرويه يحيى بن عنبسة - وهو ضعيف - عن أبي حنيفة ، وأيضاً الخراج إذا كان جزية لا يجامع العشر ، والقياس ضعيف ؛ لأنّ التجارة وزكاة السوم زكاتان فلا تجتمعان في المال الواحد بخلاف الخراج والزكاة ؛ لأنّ الخراج يجب في الأرض ، والزكاة في الزرع ، والمستحقّان متغايران.

قال ابن المبارك : يقول الله تعالى( وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) (٢) فلا نتركه لقول أبي حنيفة(٣) .

تذنيب : لو ضرب الإِمام على الأرض الخراج من غير حصة فالأقرب وجوب الزكاة في الجميع ؛ لأنّه كالدَّين.

ولو جعله ممّا يخرج من الأرض فزرع ما لا عُشر فيه وما فيه العُشر قسّط الخراج عليهما بالنسبة.

وقال بعض الجمهور : يجعل الخراج فيما لا زكاة فيه إن كان وافياً بالخراج ، وبه قال عمر بن عبد العزيز(٤) .

مسألة ٩١ : لو استأجر أرضاً فزرعها ، فالعُشر على الأجير دون مالك الأرض‌ عند علمائنا ، وبه قال مالك والثوري وشريك وابن المبارك والشافعي وأحمد وابن المنذر(٥) ؛ لأنّه واجب في المزروع فكان على مالكه.

وقال أبو حنيفة : إنّه على مالك الأرض ؛ لأنّه من مؤونتها فأشبه‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥٧ ، المغني ٢ : ٥٨٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٦ - ٥٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦.

(٢) البقرة : ٢٦٧.

(٣) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٥٨٧ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٧٧.

(٤) المغني ٢ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٧.

(٥) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٥ : ٥٦٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٧ ، المغني ٢ : ٥٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٥.

١٥٧

الخراج(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه لو كان من مؤونة الأرض لوجب فيها وإن لم تزرع كالخراج ، ولتقدّر بقدر الأرض لا بقدر الزرع ، ولوجب صرفه إلى مصارف الفي‌ء دون مصرف الزكاة ، إذا ثبت هذا فإنّ مال الإِجارة من المؤونة يندر(٢) كثمن الثمرة.

فروع :

أ - لو استعار أرضاً فزرعها فالزكاة على صاحب الزرع ؛ لأنّه مالكه.

ب - لو غصبها فزرعها وأخذ الزرع فالعُشر عليه أيضاً ؛ لأنّه المالك ، وعليه اُجرة الأرض وتحسب من المؤونة.

ج - لو زارع مزارعة فاسدة فالعُشر على من يجب الزرع له ، فإن وجب لصاحب الأرض أندر اُجرة العامل من المؤونة ، وإن وجب للعامل أندر اُجرة مثل الأرض.

مسألة ٩٢ : يكره للمسلم بيع أرضه من ذمّي وإجارتها منه‌ لأدائه إلى إسقاط عُشر الخارج منها ، فإن باعها من ذمّي أو آجره وكانت من أرض الصلح أو من أرض أسلم أهلها طوعاً صحّ البيع والإِجارة ، وبه قال الثوري والشافعي وأحمد(٣) .

وقال مالك : يمنعون من شرائها ، فإن اشتروها ضوعف عليهم العُشر فاُخذ منهم الخُمس - وهو رواية عن أحمد(٤) - لأنّ في إسقاط العشر من غلّة‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ٥ ، اللباب ١ : ١٥٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٥ : ٥٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، المغني ٢ : ٥٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٥.

(٢) الإِندار : الإِسقاط. لسان العرب ٥ : ١٩٩.

(٣) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٨.

(٤) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٧ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦.

١٥٨

هذه الأرض إضراراً بالفقراء وتقليلاً لحقّهم ، فإذا تعرّضوا لذلك ضوعف عليهم العُشر. وهذا قول أهل البصرة وأبي يوسف والحسن وعبيد الله بن الحسن العنبري(١) .

وعند علمائنا قريب منه ، فإنّهم أوجبوا على الذمّي الخُمس إذا اشترى أرضاً من مسلم سواء وجب فيها الخُمس كالمفتوحة عنوةً أو لا كأرض من أسلم أهلها طوعاً وأرض الصلح.

وقال محمد بن الحسن : العُشر بحاله(٢) .

وقال أبو حنيفة : تصير أرض خراج(٣) .

وإنّما أوجب أصحابنا الخُمس لإِجماعهم ، ولقول الباقرعليه‌السلام : « أيّما ذمي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس »(٤) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ مستحقّ هذا الخُمس على مقتضى قول علمائنا مستحقّ خُمس الغنائم.

ويحتمل أن يكون لمستحقّي الزكاة ، وعليه قول من أوجبه من الجمهور ؛ لأنّها زكاة تضاعفت عليه فلا تخرج بالزيادة عن مستحقّها ؛ ونمنع العلّة.

وقال الشافعي : لا عُشر عليه ولا خراج(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٧ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٨٧ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ - ٥٦١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦ ، المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩.

(٣) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢ / ٨١ ، التهذيب ٤ : ١٢٣ - ١٢٤ / ٣٥٥ و ١٣٩ / ٣٩٣.

(٥) المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٨.

١٥٩

فروع :

أ - إذا كان لمسلم زرع فقبل أن يبدو صلاحه باعه من ذمّي بشرط القطع فتركه حتى اشتدّ فإنّه لا عُشر عليه ؛ لكفره لا بمعنى سقوطها عنه بل بمعنى تعذيبه عليها ، ولا على البائع ؛ لانتقالها عنه ، فإن ردّه الكافر عليه بعيب بعد بدوّ الصلاح لم تجب الزكاة عليه.

ب - لا يجب العُشر في زرع المكاتب - خلافاً لأبي حنيفة(١) - وبه قال الشافعي(٢) ، هذا إن كان مشروطاً أو مطلقاً لم يؤدِّ ، ولو أدّى تحرّر بقدره ، فإن بلغ نصيبه نصاباً وجبت ، ولم يعتبر الجمهور هذا التقييد.

ج - إذا باع تغلبي - وهم نصارى العرب - أرضاً من مسلم وجب على المسلم فيها العُشر أو نصف العشر ولا خراج عليه ، لأنّه ملك قد حصل لمسلم فلا يجب عليه أكثر من العُشر.

وقال الشافعي : عليه العُشر(٣) .

وقال أبو حنيفة : يؤخذ منه عُشران(٤) .

فإن اشترى تغلبي من ذمّي أرضاً لزمته الجزية كما تلزم الذمّي ، لأنّه ملك قد حصل لذمّي فوجبت فيه الجزية كاملة كما في سائر أهل الذمة.

وقال أبو حنيفة وأصحابه : عليه عُشران وهما خراج يؤخذ باسم الصدقة(٥) .

وقال الشافعي : لا عُشر عليه ولا خراج(٦) .

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ٤ ، المغني ٢ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٨ ، المجموع ٥ : ٣٣٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٨.

(٢) الاُم ٢ : ٢٧ ، المجموع ٥ : ٣٣٠ و ٥٦٤ ، الوجيز ١ : ٩٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٨.

(٣و٤) حكى قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٧٤ ، المسألة ٨٦.

(٥و٦) حكى قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٧٤ ، المسألة ٨٧.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460