تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182138 / تحميل: 6068
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وزكرياء، وميمون بن إبراهيم، ومحمد بن موسى المنجم، وأخاه أحمد بن موسى، وعلي بن يحيى بن أبي منصور، وجعفر المعلوف مستخرج ديوان الخراج وغيرهم نحواً من عشرين رجلاً، فوقع ذلك من المتوكل موقعاً أعجبه وقال له: أغد غدوةً فلما أصبح لم يشك في ذلك، وناظر عبيد الله بن يحيى المتوكل فقال له: يا أمير المؤمنين أراد أن لا يدع كاتباً ولا قائداً ولا عاملاً إلا أوقع بهم، فمن يقوم بالأعمال يا أمير المؤمنين!

وغدا نجاح فأجلسه عبيد الله في مجلسه ولم يؤذن له، وأحضر موسى بن عبد الملك والحسن بن مخلد، فقال لهما عبيد الله: إنه إن دخل إلى أمير المؤمنين دفعكما إليه فقتلكما، وأخذ ما تملكان، ولكن اكتبا إلى أمير المؤمنين رقعة تقبلان به فيها بألفي ألف دينار، فكتبا رقعة بخطوطهما وأوصلها عبيد الله بن يحيى وجعل يختلف بين أمير المؤمنين، ونجاح وموسى بن عبد الملك والحسن بن مخلد، فلم يزل يدخل ويخرج ويعين موسى والحسن، ثم أدخلهما على المتوكل فضمنا ذلك وخرج معهما فدفعه إليهما جميعاً والناس جميعا الخواص والعوام، وهما لا يشكان أنهما وعبيد الله بن يحيى مدفوعون إلى نجاح للكلام الذي دار بينه وبين المتوكل فأخذاه وتولى تعذيبه موسى بن عبد الملك، فحبسه في ديوان الخراج بسامرا وضربه درراً وأمر المتوكل بكاتبه إسحاق بن سعد، وكان يتولى خاص أموره وأمر ضياع بعض الوُلد، أن يغرم واحداً وخمسين ألف دينار، وحلف على ذلك وقال إنه أخذ مني في أيام الواثق، وهويخلف عن عمر بن فرج خمسين ديناراً

٦١

حتى أطلق أرزاقي، فخذوا لكل دينار ألفاً وزيادة ألف فضلاً، كما أخذ فضلاً فحبس، ونُجِّمَ عليه في ثلاثة أنجم، ولم يطلق حتى أدى تعجيل سبعة عشر ألف دينار، وأطلق بعد أن أخذ منه كفلاء بالباقي، وأخذ عبد الله بن مخلد فأغرم سبعة عشر ألف دينار، ووجه عبيد الله الحسين بن إسماعيل وكان أحد حجاب المتوكل، وعتاب بن عتاب عن رسالة المتوكل، أن يضرب نجاح خمسين مقرعة إن هولم يقر ويؤدِّ ما وصف عليه، فضربه ثم عاوده في اليوم الثاني بمثل ذلك، ثم عاوده في اليوم الثالث بمثل ذلك، فقال: أبلغ أمير المؤمنين أني ميت، وأمر موسى بن عبد الملك جعفراً المعلوف ومعه عونان من أعوان ديوان الخراج، فعصروا مذاكيره حتى برد فمات، فأصبح فركب إلى المتوكل فأخبره بما حدث من وفاة نجاح، فقال لهما المتوكل: إني أريد مالي الذي ضمنتماه، فاحتالاه فقبضا من أمواله وأموال ولده جملة، وحبسا أبا الفرج وكان على ديوان زمام الضياع من قبل أبي صالح بن يزداد، وقبضا أمتعته كلها، وجميع ملكه، وكتبا على ضياعه لأمير المؤمنين، وأخذا ما أخذا من أصحابه الخ. ».

أقول: هذه صورة لإدارة دولة الخلافة الإسلامية، وتكالب خليفتها وكبار وزرائه على أموال المسلمين المستضعفين! فكيف يجوز تسميته خليفة رسول الله (ص)، وتلقيبه المتوكل على الله! وأي إدارة هذه؟ وأي خلافة لرسول الله هذه؟!

٦٢

نكب كاتب إيتاخ سليمان بن وهب ثم احتاج اليه!

روى التنوخي في كتابه الفرج بعد الشدة « 1 / 51 » كيف أخذ المتوكل كاتب إيتاخ، قال: « سمعت عبيد الله بن سليمان بن وهب يقول: كان المتوكل من أغلظ الناس على إيتاخ، فذكر فيه حديثاً طويلاً، وصف فيه كيف قبض المتوكل على إيتاخ وابن وهب ببغداد لما رجعا من الحج بيد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب.

قال سليمان بن وهب: وساعة قبض على إيتاخ ببغداد قبض عليَّ بسر من رأى، وسُلِّمْتُ إلى عبيد الله بن يحي. وكتب المتوكل إلى إسحاق بن إبراهيم بدخوله بسر من رأى، ليتقوى به على الأتراك، لأنه كان معه بضعة عشر ألفاً لكثرة الظاهرية بخراسان، وشدة شوكتهم، فلما دخل إسحاق أمر المتوكل بتسليمي إليه وقال: هذا عدوي ففصل عظامه! هذا كان يلقاني في أيام المعتصم فلا يبدأني بالسلام، وأبدأه لحاجتي فيرد عليَّ كما يرد المولى على عبده، وكل ما دبره إيتاخ فعن رأيه! فأخذني إسحاق وقيدني بقيد ثقيل، وألبسني جبة صوف، وحبسني في كنيف وأغلق على خمسة أبواب، فكنت لا أعرف الليل من النهار، فأقمت كذلك نحوعشرين يوماً لايفتح على الباب إلا حملةً واحدة في كل يوم وليلة، ويدفع إلى فيهما خبز شعير وملح وماء حار، فكنت آنس بالخنافس وبنات وردان، وأتمنى الموت لشدة ما أنا فيه » ثم روى كيف اضطر المتوكل للإفراج عنه لخبرته في تحصيل مالية البلاد التي كان يحكمها إيتاخ، وهي: مصر، والكوفة، والحجاز، وتهامة، ومكة، والمدينة. « النجوم الزاهرة: 2 / 275 ».

٦٣

قال: « فحُملت إلى مجلس إسحاق فإذا فيه موسى بن عبد الملك صاحب ديوان الخراج، والحسن بن محمد صاحب ديوان الضياع، وأحمد بن إسرائيل الكاتب، وأبو نوح، وعيسى بن إبراهيم، كاتب الفتح بن خاقان، وداود بن الجراح صاحب الزمام، فطُرحت في آخر المجلس، فشتمني إسحاق بن إبراهيم أقبح شتم، وقال: يا فاعل يا صانع تعرضني لاستبطاء أمير المؤمنين، والله لأُفَرِّقن بين لحمك وعظمك، ولأجعلن بطن الأرض أحب إليك من ظهرها، أين الأموال التي جمعتها من غير وجهها الرأي أن تكتب خطك بالتزام عشر ـ ة آلاف ألف درهم، تؤديها في عشرة أشهر، كل شهر ألف ألف درهم، وتَتَرَفَّهُ عاجلاً مما أنت فيه! فأمر إسحاق بأخذي في الحال وإدخالي الحمام، وجاؤني بخلعة نظيفة فلبستها، وبخور طيب فتبخرت، واستدعاني إسحاق ..

فلما كان من غد حولني إلى دار كبيرة حسنة مفروشة، ووكل على فيها بإحسان وإجلال، واستدعيتُ كل من أردت، وتسامع الناس بأمري، وجاؤني ففرج عني، ومضت سبعة وعشرون يوماً، وقد أعددت ألف ألف درهم الخ. »!

٦٤

الفصل الثالث:

سياسة المتوكل مع الإمام الهادي (ع)

من ثوابت سياسة الخلفاء تصفية مخالفيهم!

من ثوابت الخليفة القرشي: أن يعمل للتخلص من خصومه بقتلهم بالسم، أوبالمكيدة، ليكون قتلاً ناعماً مسكوتاً عنه عند الناس!

وكان شعار معاوية المعروف: إن لله جنوداً من عسل! قاله عندما نجح في دسَّ السُّمَّ لمالك الأشتر حاكم مصر (رحمه الله). كما في المستطرف / 352، وغيره .

وقال معاوية: لاجدَّ إلا ما أقْعَصَ عنك من تكره. أي العمل الجدِّي المهم هو: أن تقتل عدوك وتخمده في مكانه، فتزيحه من طريقك! « محاضرات الراغب: 1 / 531 ».

قال في جمهرة الأمثال « 2 / 376 »: « والمثل لمعاوية رضي الله عنه » قاله بعد قتله عبد الرحمن بن خالد، لأنه كان يعارض توليته لولده يزيد! « ورواه في الأمثال للميداني: 1 / 630، والمستقصى للزمخشري / 334، وطبقات الأطباء: 1 / 154: والمنمق في أخبار قريش لابن حبيب: 1 / 172، والتذكرة الحمدونية / 1497، وتاريخ دمشق: 19 / 189 ».

وعلى هذه السياسة مشى خلفاء بني أمية وبني العباس، وكان المتوكل يعمل لقتل الإمام الهادي (ع) وهويعلم أنه إمام رباني، وأنه لا يعمل للسلطة! ولاحجة للمتوكل إلا خوفه من إيمان الناس بالإمام (ع)، فقد رأى أمه تطلب دعاءه، وتنذر له النذور!

٦٥

1. سَجَنَ المتوكل الإمام (ع) ليقتله فنجاه الله:

روى الصدوق في الخصال / 395: « عن الصقر بن أبي دلف الكرخي، قال: لما حمل المتوكل سيدنا أبا الحسن العسكري (ع) جئتُ أسأل عن خبره قال: فنظر إليَّ الزُّرَافي وكان حاجباً للمتوكل، فأمر أن أدخل إليه فأدخلت إليه، فقال: يا صقر ما شأنك؟ فقلت: خيرٌ أيها الأستاذ. فقال: أقعد، فأخذني ما تقدم وما تأخر وقلت: أخطأت في المجئ! قال: فوحى الناس عنه، ثم قال لي: ما شأنك وفيم جئت؟ قلت: لخير ما، فقال: لعلك تسأل عن خبر مولاك؟ فقلت له: ومن مولاي؟ مولاي أمير المؤمنين! فقال: أسكت، مولاك هو الحق فلا تحتشمني فإني على مذهبك، فقلت: الحمد لله. قال: أتحب أن تراه؟ قلت: نعم. قال: أجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده. قال: فجلست فلما خرج قال لغلام له: خذ بيد الصقر وأدخله إلى الحجرة التي فيها العلوي المحبوس وَخَلِّ بينه وبينه، قال: فأدخلني إلى الحجرة، فأومأ إلى بيت فدخلت فإذا به (ع) جالس على صدر حصير وبحذاه قبر محفور! قال: فسلمت فرد، ثم أمرني بالجلوس، ثم قال لي: يا صقر ما أتى بك؟ قلت: يا سيدي جئت أتعرف خبرك؟ قال: ثم نظرت إلى القبر فبكيت! فنظر إلي فقال: يا صقر لا عليك، لن يصلوا إلينا بسوء الآن، فقلت: الحمد لله.

ثم قلت: يا سيدي حديث يروي عن النبي (ص) لا أعرف معناه، قال وما هو؟ فقلت قوله: لا تعادوا الأيام فتعاديكم، ما معناه؟ فقال: نعم، الأيام نحنُ ما

٦٦

قامت السماوات والأرض، فالسبتُ إسم رسول الله (ص) والأحدُ كنايةٌ عن أمير المؤمنين (ع)، والإثنين الحسن والحسين، والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد، والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا، والخميس ابني الحسن بن علي، والجمعة ابن ابني، وإليه تجتمع عصابة الحق، وهو الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

فهذا معنى الأيام، فلا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة. ثم قال (ع): وَدِّعْ واخرج، فلا آمن عليك ».

قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: الأيام ليست بأئمة ولكن كنى بها (ع) عن الأئمة لئلا يدرك معناه غير أهل الحق. كما كنى الله عز وجل بالتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين عن النبي (ص) وعلي والحسن والحسين (ع) وكما كنى بالسير في الأرض عن النظر في القرآن، سئل الصادق (ع) عن قول الله عز وجل: أو لم يسيروا في الأرض، قال: معناه أو لم ينظروا في القرآن ».

ملاحظات

1. يظهر أن سجن الإمام (ع) في سامراء كان في إحضاره الأول الى سامراء، في أوائل خلافة المتوكل، ولم يسجن في سامراء بعدها.

2. أما الصقر بن أبي دلف، فهو من الكرخ وكان فيها شيعة لأهل البيت (ع) من زمن الإمام الصادق (ع) , وكانت بغداد: الكرخ وبراثا، ثم أسس المنصور بينهما بغداد المدورة، وقد وثقنا ذلك في سيرة الإمام الكاظم (ع).

٦٧

والحديث يدل على أن الحاجب زرافة كان يعرف الصقر ويحترمه، وكان يميل الى الشيعة، وقيل يكتم تشيعه عن المتوكل، وقد روى مدحه في الهداية الكبرى.

3. لايبعد أن يكون الصقر من أولاد أبي دلف العجلي القائد المعروف الذي خرج على هارون الرشيد، ثم اتفق معه وصار والياً على بلاد الجبل من إيران، وأسس مدينة كرج. وقد كتبنا عنه في القبائل العراقية: قبيلة عِجل بن لُجَيْم.

وكان أبو دلف شيعياً متشدداً، وسكن قسم من أولاده في بغداد وآخرون في الحلة، وبقي قسم منهم في الجبل، ويشمل همدان وأصفهان وغيرهما، ومنهم ولاة في زمن الواثق والمتوكل.

4. سؤال الصقر عن معنى الأيام في الحديث النبوي، يدل على تعمقه في التشيع فقد كان مطروحاً وقتها موقع الأئمة (ع) التكويني، وتفسير قوله تعالى: ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) . « التوبة: 36 ».

وكان في عصره بوادر ظهور مذاهب الغلو في بغداد، وأشهرها مذهب الحلاج والشلمغاني، وبشار الشعيري الذي عرف أتباعه بالكرخية المخمسة، وهو مذهب مأخوذ من مذهب الحلول المجوسي، قالوا: « إن سلمان الفارسي والمقداد وعماراً وأبا ذر وعمر بن أمية الضمري، هم الموكلون بمصالح العالم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ». « خلاصة الأقوال للعلامة / 364 ».

٦٨

ولعل أول من أشاع ذلك في بغداد أحمد بن هلال الكرخي، الملعون على لسان الإمام المهدي (ع)، فسُمِّيَ أتباعه بالكرخية والكرخيين.

قال الطوسي في الغيبة / 414: « وكان الكرخيون مُخمسة، لايشك في ذلك أحدٌ من الشيعة، وقد كان أبو دلف يقول ذلك ويعترف به وجنون أبي دلف وحكايات فساد مذهبه، أكثر من أن تحصى، فلا نطول بذكرها الكتاب ها هنا ».

أقول: أبو دلف المغالي بعد الصقر بن أبي دلف بسنين كثيرة، وقد يكون من آل أبي دلف أو على اسمه. ولم يكن الصقر من أهل الغلو، وسؤاله عن معنى الأيام وتفسيرها ليس من الغلو، لأن الآية تدل على أن مخطط الكون مبني على عدة الشهور الإثني عشر، وعدة أوصياء الأنبياء (ع) ونقبائهم، فهو قانون المنظومة العددية في تكوين الكون، وفي هداية المجتمع. وبحثه خارج عن غرضنا.

2. واتهم المتوكل الإمام (ع) بجمع السلاح للثورة عليه:

وقد أحضره ليلاً فأدخلوه على المتوكل وهو يشرب الخمر وأراد منه أن يشرب معه فأبى، بل وعظه فبكى المتوكل، وأمر برفع مائدة الخمر من مجلس الخلافة!

وقد روت ذلك عامة المصادر، ومنها المسعودي في مروج الذهب « 4 / 10 » بسنده عن محمد بن عرفة النحوي قال: حدثنا محمد بن يزيد المبرد: « وقد كان سُعِيَ بأبي الحسن علي بن محمد إلى المتوكل، وقيل له: إن في منزله سلاحا وكتباً وغيرها من شيعته، فوجه إليه ليلًا من الأتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله على غفلة ممن في داره فوجده في بيت وحده مغلق عليه، وعليه مَدْرَعة من شَعَرٍ، ولا بساط في البيت

٦٩

إلا الرمل والحصى، وعلى رأسه مَلْحَفة من الصوف متوجهاً إلى ربه، يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، فأُخذ على ما وجد عليه، وحُمل إلى المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه والمتوكل يشرب وفي يده كأس، فلما رآه أعظمَه وأجلسه إلى جنبه، ولم يكن في منزله شئ مما قيل فيه، ولا حالة يتعلل عليه بها. فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال: يا أمير المؤمنين، ما خامر لحمي ودمي قط فأعْفِنِي منه، فأعفاه، وقال: أنشدني شعراً أستحسنه، فقال: إني لقليل الرواية للأشعار، فقال: لا بد أن تنشدني. فأنشده:

باتوا على قُلَلِ الأجبال تحرسهمْ

غُلْبُ الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ

واستُنْزِلُوا بعد عِزٍّ عن مَعَاقِلهمْ

فأُودعُوا حُفَراً يا بِئسَ ما نَزلوا

ناداهُمُ صارخٌ من بعد ما قُبروا

أينَ الأسِرَّةُ والتيجانُ والحُلَلُ

أينَ الوجوهُ التي كانت مُنَعَّمَةً

من دونها تُضرُب الأستارُ والكِللُ

فأفصحَ القبرُ عنهمْ حين ساءلهمْ

تلكَ الوجوهُ عليها الدُّودُ يَقْتَتِل

قد طالَ ما أكلُوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكِلوا

وطالما عَمروا دوراً لتحصنهمْ

ففارقوا الدورَ والأهلينَ وانتقلوا

وطالما كنزوا الأموالَ وادَّخروا

فخلَّفُوها على الأعداء وارتحلوا

أضحت مَنازِلُهم قَفْراً مُعَطَّلَةً

وساكنوهَا إلى الأجْدَاثِ قد رَحَلُوا

قال: فأشفق كل من حضر على علي، وظنوا أن بادرة تبدر منه إليه، قال: والله لقد بكى المتوكل بكاء طويلًا حتى بلت دموعه لحيته، وبكى من حضره، ثم أمر

٧٠

برفع الشراب، ثم قال له: يا أبا الحسن، أعليك دَينٌ؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها إليه، ورده إلى منزله من ساعته مكرماً ».

ورواها الذهبي في تاريخ الإسلام « 18 / 199 » ، فقال: « سُعِيَ بأبي الحسن إلى المتوكل وأن في منزله سلاحاً وكتباً من أهل قم، ومن نيته التوثب، فكَبَسَ بيته ليلاً فوجده في بيت عليه مدرعة صوف، متوجهاً إلى ربه يترنم بآيات، فأُخذ كهيئته إلى المتوكل وهويشرب ». واليافعي في مرآة الجنان: 2 / 119، والقلقشندي في معالم الخلافة: 1 / 232، والأبشيهي في المستطرف: 2 / 874، وغيرهم، وغيرهم .

3. وكان يقول: أعياني أمرُ ابن الرضا!

كان المتوكل ذات يوم غاضباً متوتراً، لأنه عجز أن يجرَّ الإمام الهادي (ع) الى شرب الخمر، ثم يُظهره للناس سكراناً لتسقط عقيدتهم به!

وهذه لجاجةٌ منه لأنه يعرف أن الإمام (ع) من العترة الذين طهرهم الله تعالى! روى في الكافي « 1 / 502 »: « حدثني أبوالطيب المثنى يعقوب بن ياسرقال: كان المتوكل يقول: ويحكم قد أعياني أمر ابن الرضا! أبى أن يشرب معي أوينادمني أوأجد منه فرصة في هذا! فقالوا له: فإن لم تجد منه، فهذا أخوه موسى قَصَّافٌ عَزَّاف، يأكل ويشرب ويتعشق. قال: إبعثوا إليه فجيئوا به حتى نُمَوِّهَ به على الناس ونقول ابن الرضا! فكتب إليه وأشخص مكرماً وتلقاه جميع بني هاشم والقواد والناس على أنه إذا وافى أقطعه قطيعة، وبنى له فيها، وحول الخمارين والقيان إليه، ووصله وبره وجعل له منزلاً سرياً، حتى يزوره هوفيه!

٧١

فلما وافى موسى تلقاه أبوالحسن (ع) في قنطرة وصيف، وهو موضع يتلقى فيه القادمون، فسلم عليه ووفاه حقه، ثم قال له: إن هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك ويضع منك، فلا تقر له أنك شربت نبيذاً قط.

فقال له موسى: فإذا كان دعاني لهذا فما حيلتي؟ قال: فلا تضع من قدرك ولا تفعل، فإنما أراد هتكك، فأبى عليه، فكرر عليه. فلما رأى أنه لا يجيب قال: أما إن هذا مجلس لا تجمع أنت وهوعليه أبداً!

فأقام ثلاث سنين، يبكر كل يوم فيقال له: قد تشاغل اليوم فَرُحْ فَيروح. فيقال: قد سكر فبكِّر، فيبكر. فيقال: شرب دواءً! فما زال على هذا ثلاث سنين حتى قتل المتوكل، ولم يجتمع معه عليه ».

أقول: لما رأى الإمام (ع) إصرار أخيه على المنكر، وعلى إعطاء المتوكل مبرراً للطعن بإمامة العترة النبوية (ع)، دعاعليه بأن لا يلتقي بالمتوكل أبداً، وهو يعلم أن الله تعالى لا يردُّ له طلبة، فأخبره بأنه لن يجتمع مع صاحبه الخليفة الخمَّار أبداً!

هذا، وقد روي أن موسى المبرقع تاب بعد ذلك وأناب واستقام. وله ذرية كثيرة، وفيهم أبرار وعلماء أجلاء.

4. يتفاءل المتوكل بنفسه ويتشاءم بالإمام (ع):

« عن فارس بن حاتم بن ماهويه قال: بعث يوماً المتوكل إلى سيدنا أبي الحسن (ع) أن اركب وأخرج معنا إلى الصيد لنتبرك بك، فقال للرسول: قل له إني راكب، فلما خرج الرسول قال لنا: كذب، ما يريد إلا غير ما قال! قالا: قلنا: يا

٧٢

مولانا فما الذي يريد؟ قال: يظهر هذا القول فإن أصابه خير نسبه إلى ما يريد بنا ما يبعده من الله، وإن أصابه شرٌّ نسبه إلينا، وهويركب في هذا اليوم ويخرج إلى الصيد فيرد هو وجيشه على قنطرة على نهر، فيعبر سائر الجيش ولا تعبر دابته، فيرجع ويسقط من فرسه فتزل رجله وتتوهن يداه، ويمرض شهراً.

قال فارس: فركب سيدنا وسرنا في المركب معه والمتوكل يقول: أين ابن عمى المدني؟ فيقول له: سائرٌ يا أمير المؤمنين في الجيش، فيقول: ألحقوه بنا، ووردنا النهر والقنطرة، فعبر سائر الجيش وتشعثت القنطرة وتهدمت، ونحن نسير في أواخر الناس مع سيدنا، ورُسل المتوكل تحثُّه، فلما وردنا النهر والقنطرة امتنعت دابته أن تعبر، وعبر سائر الجيش ودوابنا، فاجتهدت رسل المتوكل عبور دابته فلم تعبر، وعثر المتوكل فلحقوا به، ورجع سيدنا، فلم يمض من النهار إلا ساعات حتى جاءنا الخبر أن المتوكل سقط عن دابته وزلت رجله وتوهنت يداه، وبقي عليلاً شهراً! وعتب على أبي الحسن (ع) قال: أبوالحسن (ع) إنما رجع عنا لئلا تصيبنا هذه السقطة فنشأم به، فقال أبو الحسن (ع): صدق الملعون ».

5. وكانت أم المتوكل تعتقد بالإمام (ع) وتنذر له:

روى في الكافي « 1 / 499 »: « عن إبراهيم بن محمد الطاهري قال: مرض المتوكل من خَرَّاجٍ خرج به وأشرف منه على الهلاك، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة، فنذرت أمه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن علي بن محمد مالاً جليلاً من مالها. وقال له الفتح بن خاقان: لو بعثت إلى هذا الرجل فسألته فإنه لا يخلوأن يكون

٧٣

عنده صفة يفرج بها عنك، فبعث إليه ووصف له علته، فرد إليه الرسول بأن يؤخذ كُسْبُ الشاة « بالضم عُصارة الدهن » فيداف بماء ورد، فيوضع عليه.

فلما رجع الرسول فأخبرهم أقبلوا يهزؤون من قوله، فقال له الفتح: هو والله أعلم بما قال. وأحضر الكسب وعمل كما قال ووضع عليه فغلبه النوم وسكن، ثم انفتح وخرج منه ما كان فيه وبشرت أمه بعافيته، فحملت إليه عشرة آلاف دينار تحت خاتمها. ثم استقل من علته فسعى به البطحائي العلوي، بأن أموالاً تحمل إليه وسلاحاً، فقال لسعيد الحاجب: أُهْجُمْ عليه بالليل وخذ ما تجد عنده من الأموال والسلاح، واحمله إليَّ.

قال إبراهيم بن محمد: فقال لي سعيد الحاجب: صرت إلى داره بالليل ومعي سلم فصعدت السطح، فلما نزلت على بعض الدرج في الظلمة، لم أدر كيف أصل إلى الدار، فناداني: يا سعيد مكانك حتى يأتوك بشمعة، فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت فوجدته: عليه جبة صوف وقلنسوة منها وسجادة، على حصير بين يديه، فلم أشك أنه كان يصلي، فقال لي: دونك البيوت فدخلتها وفتشتها فلم أجد فيها شيئاً، ووجدت البدرة في بيته مختومة بخاتم أم المتوكل وكيساً مختوماً وقال لي: دونك المصلى، فرفعته فوجدت سيفاً في جفن غير ملبس.

فأخذت ذلك وصرت إليه، فلما نظر إلى خاتم أمه على البدرة بعث إليها فخرجت إليه، فأخبرني بعض خدم الخاصة أنها قالت له: كنت قد نذرت في علتك لما آيست منك إن عوفيت حملت إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه، وهذا خاتمي على الكيس، وفتح الكيس الآخر فإذا فيه أربعمائة دينار، فضم إلى البدرة بدرة أخرى وأمرني بحمل ذلك إليه فحملته، ورددت السيف

٧٤

والكيسين وقلت له: يا سيدي عَزَّ عليَّ! فقال لي: وَسَيَعْلَمُ أَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ».

أقول: البطحائي العلوي، الذي افترى على الإمام (ع) هو مع الأسف: محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي (ع).

6. بنى المتوكل عاصمة جديدة بالإجبار:

من غطرسة المتوكل وبذخه: أنه قرر بناء عاصمة قرب سامراء، وسماها سامراء وأجبر الناس على أن يبنوا بيوتهم فيها، وكان يعطيهم نفقاتها، أو قسماً منها.

فقال الإمام الهادي (ع) كما في الهداية / 320: « إن هذا الطاغية يبني مدينة يقال لها سامرا، يكون حتفه فيها على يد ابنه المسمى بالمنتصر، وأعوانه عليه الترك ...

ثم كان من أمر بناء المتوكل الجعفري وما أمر به بني هاشم وغيرهم من الأبنية هناك ما تحدث به، ووجه إلى أبي الحسن (ع) بثلاثين ألف درهم، وأمره أن يستعين بها على بناء دار، وركب المتوكل يطوف على الأبنية، فنظر إلى دار أبي الحسن (ع) لم ترتفع إلا قليلاً، فأنكر ذلك وقال لعبيد الله بن يحيى بن خاقان: عليَّ وعليَّ يميناً وأكدها: لئن ركبت ولم ترتفع دار أبي الحسن (ع) لأضربنَّ عنقه، فقال له عبيد الله: يا أمير المؤمنين لعله في إضاقة، فأمر له بعشرين ألف درهم وجه بها إليه مع أحمد ابنه، وقال له: تحدثه بما جرى، فصار إليه وأخبره بما جرى فقال: إنْ رَكِب فليفعل ذلك! ورجع أحمد إلى أبيه عبيد الله فعرفه ذلك، فقال عبيد الله: ليس والله يركب »! أي قال رئيس الوزراء: إن المتوكل لن يركب، لأنه يعرف أن الإمام (ع) يتكلم بإلهام من الله تعالى!

٧٥

7. حاول المتوكل إذلال الإمام (ع) فدعا عليه:

« عن زرافة حاجب المتوكل وكان شيعياً أنه قال: كان المتوكل لحظوة الفتح بن خاقان عنده وقربه منه دون الناس جميعاً، ودون ولده وأهله، أراد أن يبين موضعه عندهم. فأمر جميع مملكته من الأشراف من أهله وغيرهم، والوزراء والأمراء والقواد وسائر العساكر ووجوه الناس، أن يَزَّينوا بأحسن التزيين، ويظهروا في أفخر عُدَدهم وذخائرهم، ويَخرجوا مشاة بين يديه، وأن لا يَركب أحد إلا هو والفتح بن خاقان خاصة بسر من رأى!

ومشى الناس بين أيديهما على مراتبهم رَجَّالَة، وكان يوماً قائظاً شديد الحر.

وأخرجوا في جملة الأشراف أبا الحسن علي بن محمد (ع) وشقَّ ما لقيه من الحر والزحمة. قال زرافة: فأقبلت إليه وقلت له: يا سيدي يعز والله عليَّ ما تلقى من هذه الطغاة، وما قد تكلفته من المشقة، وأخذت بيده فتوكأ عليَّ وقال: يا زرافة ما ناقة صالح عند الله بأكرم مني، أوقال بأعظم قدراً مني، ولم أزل أسائله وأستفيد منه، وأحادثه إلى أن نزل المتوكل من الركوب وأمر الناس بالإنصراف. فقدمت إليهم دوابهم فركبوا إلى منازلهم، وقدمت بغلة له فركبها وركبت معه إلى داره فنزل وودعته وانصرفت إلى داري، ولوُلدي مؤدبٌ يتشيع من أهل العلم والفضل، وكانت لي عادةٌ بإحضاره عند الطعام، فحضر عند ذلك وتجارينا الحديث، وما جرى من ركوب المتوكل والفتح، ومشي الأشراف وذوي الأقدار بين أيديهما، وذكرت له ما شاهدته من أبي الحسن علي بن محمد

٧٦

وما سمعته من قوله: ما ناقة صالح عند الله بأعظم قدراً مني. وكان المؤدب يأكل معي فرفع يده وقال: بالله إنك سمعت هذا اللفظ منه؟ فقلت له: والله إني سمعته يقوله، فقال لي: إعلم أن المتوكل لا يبقى في مملكته أكثر من ثلاثة أيام ويهلك! فانظر في أمرك وأحرز ما تريد إحرازه وتأهب لأمرك كي لا يفجؤكم هلاك هذا الرجل فتهلك أموالكم بحادثة تحدث أوسبب يجري.

فقلت له: من أين لك ذلك؟ فقال: أما قرأت القرآن في قصة صالح والناقة وقوله تعالى: تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ. ولا يجوز أن تبطل قول الإمام (ع)! قال زرافة، فوالله ما جاء اليوم الثالث حتى هجم المنتصر ومعه بغا ووصيف والأتراك على المتوكل فقتلوه وقطعوه، والفتح بن خاقان جميعاً، قطعاً حتى لم يعرف أحدهما من الآخر، وأزال الله نعمته ومملكته!

فلقيت الإمام أبا الحسن (ع) بعد ذلك وعرفته ما جرى مع المؤدب وما قاله، فقال: صدق إنه لما بلغ مني الجهد رجعت إلى كنوز نتوارثها من آبائنا هي أعز من الحصون والسلاح والجنن، وهودعاء المظلوم على الظالم، فدعوت به عليه فأهلكه الله ». « مهج الدعوات / 267 ».

وفي الخرائج: 1 / 402: ذكر زرافة حديثه مع مؤدبه وقال: « فغضبت عليه وشتمته وطردته من بين يدي، فخرج. فلما خلوت بنفسي تفكرت وقلت: ما يضرني أن آخذ بالحزم، فإن كان من هذا شئ كنت قد أخذت بالحزم، وإن لم يكن لم يضرني ذلك، قال: فركبت إلى دار المتوكل فأخرجت كل ما كان لي فيها، وفرقت كل ما

٧٧

كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم، ولم أترك في داري إلا حصيراً أقعد عليه. فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل وسلمت أنا ومالي، فتشيعت عند ذلك وصرت إليه، ولزمت خدمته، وسألته أن يدعولي وتوليته حق الولاية ».

وفي الثاقب / 539: « سمعت من سعيد الصغير الحاجب قال: دخلت على سعيد بن صالح الحاجب فقلت: يا أبا عثمان قد صرت من أصحابك، وكان سعيد يتشيع. فقال: هيهات! قلت: بلى والله. فقال: وكيف ذلك؟ قلت: بعثني المتوكل وأمرني أن أكبس على علي بن محمد بن الرضا فأنظر ما فعل، ففعلت ذلك فوجدته يصلي فبقيت قائماً حتى فرغ، فلما انفتل من صلاته أقبل عليَّ وقال: يا سعيد، لا يكف عني جعفر أي المتوكل حتى يقطع إرباً إرباً! إذهب واعزب، وأشار بيده الشريفة فخرجت مرعوباً ودخلني من هيبته ما لا أحسن أن أصفه! فلما رجعت إلى المتوكل سمعت الصيحة والواعية، فسألت عنه فقيل: قتل المتوكل، فرجعنا وقلتُ بها ».

أقول: كذب سعيد، فقد كان جلوازاً سيَّافاً عند بني العباس، ثم ادعى التشيع!

وفي الخرائج: 1 / 412: « حدثنا ابن أرومة قال: خرجت أيام المتوكل إلى سر من رأى فدخلت على سعيد الحاجب ودفع المتوكل أبا الحسن إليه ليقتله، فلما دخلت عليه، قال: تحب أن تنظر إلى إلهك؟ قلت: سبحان الله إلهي لا تدركه الأبصار. قال: هذا الذي تزعمون أنه إمامكم! قلت: ما أكره ذلك. قال: قد أمرت بقتله وأنا فاعله غداً وعنده صاحب البريد فإذا خرج فادخل إليه.

٧٨

فلم ألبث أن خرج قال: أدخل، فدخلت الدار التي كان فيها محبوساً فإذا هو ذا بحياله قبر يحفر، فدخلت وسلمت وبكيت بكاءً شديداً، قال: ما يبكيك؟ قلت: لما أرى. قال: لا تبك لذلك فإنه لا يتم لهم ذلك. فسكن ما كان بي فقال: إنه لا يلبث أكثر من يومين حتى يسفك الله دمه ودم صاحبه الذي رأيته. قال: فوالله ما مضى غير يومين حتى قتل وقتل صاحبه ».

8. أظهر الله قدرة وليه (ع) فخاف الطاغية:

روى الخصيبي في الهداية الكبرى / 322: « عن الحسن بن مسعود وعلي وعبيد الله الحسني، قال: دخلنا على سيدنا أبي الحسن (ع) بسامرا وبين يديه أحمد بن الخصيب ومحمد وإبراهيم الخياط، وعيونهم تفيض من الدمع، فأشار الينا (ع) بالجلوس فجلسنا وقال: هل علمتم ما علمه إخوانكم؟ فقلنا: حدثنا منه يا سيدنا ذكراً. قال: نعم، هذا الطاغي قال مسمعاً لحفدته وأهل مملكته: تقول شيعتك الرافضة إن لك قدرة، والقدرة لا تكون إلا لله، فهل تستطيع إن أردت بك سوءً أن تدفعه؟ فقلت له: وإن يمسك الله بسوء فلا كاشف له إلا هو.

فأطرق ثم قال: إنك لتروي لكم قدرة دوننا، ونحن أحق به منكم، لأننا خلفاء وأنتم رعيتنا. فأمسكت عن جوابه، لأنه أراد أن يبين جبره بي، فنهضت فقال: لتقعدن وهو مغضب، فخالفت أمره وخرجت، فأشار إلى من حوله: الآن خذوه، فلم تصل أيديهم إليَّ وأمسكها الله عني! فصاح: الآن قد أريتنا قدرتك والآن نريك قدرتنا، فلم يستتم كلامه حتى زلزلت الأرض ورجفت!

٧٩

فسقط لوجهه، وخرجتُ فقلت: في غدٍ الذي يكون له هنا قدرة يكون عليه الحكم لا له. فبكينا على إمهال الله له وتجبره علينا وطغيانه.

فلما كان من غد ذلك اليوم، فأذن لنا فدخلنا فقال: هذا ولينا زرافة يقول إنه قد أخرج سيفاً مسموماً من الشفرتين، وأمره أن يرسل إليَّ فإذا حضرت مجلسه أخلى زرافة لأمته مني ودخل إلي بالسيف ليقتلني به، ولن يقدر على ذلك.

فقلنا: يا مولانا إجعل لنا من الغم فرجاً. فقال: أنا راكب إليه فإذا رجعت فاسألوا زرافة عما يرى. قال: وجاءته الرسل من دار المتوكل، فركب وهويقول: إن كيد الشيطان كان ضعيفاً. ولم نزل نرقب رجوعه إلى أن رجع ومضينا إلى زرافة فدخلنا عليه في حجرة خلوته فوجدناه منفرداً بها واضعاً خده على الأرض يبكي ويشكر الله مولاه ويستقيله، فما جلس حتى أتينا إليه فقال لنا: أجلسوا يا إخواني حتى أحدثكم بما كان من هذا الطاغي، ومن مولاي أبي الحسن (ع)، فقلنا له: سُرَّنَا سَرَّك الله، فقال: إنه أخرج إلي سيفاً مسموم الشفرتين وأمرني ليرسلني إلى مولاي أبي الحسن إذا خلا مجلسه فلا يكون فيه ثالث غيري وأعلومولاي بالسيف فأقتله. فانتهيت إلى ما خرج به أمره إليَّ فلما ورد مولاي للدار وقفت مشارفاً فاعلم ما يأمر به، وقد أخليت المجلس وأبطأت، فبعث إلي هذا الطاغي خادماً يقول إمض ويلك ما آمرك به. فأخذت السيف بيدي ودخلت، فلما صرت في صحن الدار ورآني مولاي فركل برجله وسط المجلس فانفجرت الأرض، وظهر منها ثعبان عظيم فاتحٌ فاه، لوابتلع سامرا ومن فيها لكان في فيه

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

دنانير وتسعين(١) درهماً قيمتها عشرة دنانير وجبت الزكاة فيهما - وهو رواية عن أحمد - لأنّ كلّ نصاب وجب فيه ضمّ الذهب إلى الفضّة ضمّ بالقيمة كنصاب القطع في السرقة(٢) . والكلّ باطل عندنا ، لما تقدّم.

مسألة ٧٦ : يجوز إخراج أحد النقدين عن الآخر بالقيمة‌ - وهو أصحّ الروايتين عن أحمد(٣) - لأنّ المقصود من أحدهما حاصل بإخراج الآخر فأجزأ ، فإنّ المقصود منهما جميعاً الثمنية ، والتوصّل بهما إلى المقاصد ، وهما يشتركان فيه على السواء فأشبه إخراج الجنس ، وإذا كان المقصود حاصلاً وجب الإِجزاء ، إذ لا فائدة في اختصاص الإِجزاء بعين مع مساواة غيرها لها في الحكمة.

ولأنّه قد يكون أرفق بالمعطي والفقير ، وأنفع لهما ، ويندفع به الضرر عنهما ، فإنّ إخراج العين قد يشقّ على من يملك عشرين مثقالا بإخراج جزء من دينار ، ويحتاج إلى التشقيص ، ومشاركة الفقير له في دينار من ماله ، أو بيع أحدهما نصيبه فيتضرّر المالك والفقير ، فإذا أخرج الدراهم عنها اندفعت حاجة الفقير ، وسهل ذلك عليه ، وانتفع من غير كلفة ولا ضرر.

ولأنّه لو دفع إليه قطعة من ذهب في موضع لا يتعامل بها فيه لم يقدر على قضاء حاجته ، ولو أراد بيعها بجنس ما يتعامل بها احتاج إلى كلفة البيع وربّما لا يقدر عليه فلا يفيده شيئا ، وربّما نقص عوضها عن قيمتها.

والرواية الثانية لأحمد : المنع من الجواز ، لأنّ أنواع الجنس لا يجوز إخراج أحدهما عن الآخر إذا كان أقلّ في المقدار فمع اختلاف الجنس‌

____________________

(١) في المغني والشرح الكبير : سبعين.

(٢) المغني ٢ : ٥٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٩.

(٣) المغني ٢ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٦.

١٤١

أولى(١) .

والاُولى ممنوعة على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

وعلى ما قلناه ، لا يجوز الإِبدال في موضع يلحق الفقير ضرر ، مثل أن يدفع إليه ما لا ينفق عوضاً عمّا ينفق ، لأنّه كالمعيب.

ولو اختار المالك الدفع من الجنس واختار الفقير الأخذ من غيره لضرر يلحقه في ( أخذ الجنس)(٢) لم يلزم المالك إجابته ، لأنّه أدّى فرض الله عليه فلا يكلّف غيره.

المطلب الثالث

في زكاة الغلّات والثمار‌

وفيه بحثان :

الأول : فيما تجب الزكاة فيه منها.

مسألة ٧٧ : الزكاة في الغلّات والثمار واجبة‌ بالنصّ والإِجماع :

قال الله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) (٣) والزكاة تسمّى نفقةً ، لقوله تعالى( وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ ) (٤) .

وقال تعالى( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) (٥) قال ابن عباس : حقّه :

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٥.

(٢) ورد في النسخ الخطية : أحد الجنسين. وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٣) البقرة : ٢٦٧.

(٤) التوبة : ٣٤.

(٥) الأنعام : ١٤١.

١٤٢

الزكاة المفروضة(١) .

وأجمع علماء الإِسلام على وجوب الصدقة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

مسألة ٧٨ : ويشترط في الزكاة في هذه الأنواع اُمور ثلاثة : النصاب ، وبدوّ الصلاح ، وتملّك الغلّة بالزراعة لا بغيرها كالابتياع والاتّهاب.

والنصاب في الأربعة واحد وهو خمسة أوسق ، فلا يجب فيما دونها شي‌ء بإجماع علمائنا ، وهو قول أكثر أهل العلم منهم : ابن عمر وجابر وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد والحسن البصري وعطاء ومكحول والنخعي ومالك وأهل المدينة والثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )(٣) .

ومن طريق الخاصة قول أحدهماعليهما‌السلام : « ليس فيما دون خمسة أوساق زكاة »(٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ليس في النخل صدقة حتى تبلغ خمسة‌

____________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٣٧٥ ، تفسير الطبري ٨ : ٤٣ ، تفسير التبيان ٤ : ٢٩٥ ، التفسير الكبير للرازي ١٣ : ٢١٣ ، والمغني ٢ : ٥٤٧.

(٢) المغني ٢ : ٥٥٢ - ٥٥٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٠ - ١٠١ و ١٠٣ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٩١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٥ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٣ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٨ و ٥٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٥٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ٩٧٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ و ١٥٥٩ ، سنن النسائي ٥ : ٤٠ - ٤١ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٤ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢١.

(٤) التهذيب ٤ : ١٤ / ٣٥ ، الاستبصار ٢ : ١٤ / ٤١.

١٤٣

أوساق ، والعنب مثل ذلك »(١) .

ولأنّه مال تجب فيه الصدقة فلا تجب في يسيره كسائر الأموال الزكوية.

وقال أبو حنيفة ومجاهد : تجب الزكاة في قليل ذلك وكثيره(٢) ، لعموم قولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العشر )(٣) .

ولأنّه لا يعتبر له حول فلا يعتبر له نصاب والخاصّ مقدّم ، ولم يعتبر الحول ، لأنّ نماءه يكمل باستحصاده لا ببقائه ، واعتبر الحول في غيره ، لأنّه مظنّة لكمال النماء في سائر الأموال ، والنصاب اعتبر ليبلغ حدّاً يحتمل المواساة.

مسألة ٧٩ : الوَسْق ستّون صاعاً‌(٤) بالإِجماع والنصّ ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الوَسْق ستّون صاعاً )(٥) .

ومن طريق الخاصة قول أحدهماعليهما‌السلام : « الوَسْق ستّون صاعاً فذلك ثلاثمائة صاع بصاع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٦) .

وأمّا الصاع فإنّه أربعة أمداد عند علمائنا ، والمـُدّ رطلان ورُبع بالعراقي يكون قدر النصاب ألفين وسبعمائة رطل.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨ / ٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٨ / ٥٢.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٤٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥٩ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٩ ، المغني ٢ : ٥٥٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٤ ، المجموع ٥ : ٤٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٥٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٨ / ١٥٩٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٠ / ١٨١٦ و ٥٨١ / ١٨١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٤١ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٧ / ٩ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٠.

(٤) اُنظر : النهاية - لابن الأثير - ٥ : ١٨٥.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٦ / ١٨٣٢ و ٥٨٧ / ١٨٣٣ ، مسند أحمد ٣ : ٨٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢١.

(٦) التهذيب ٤ : ١٤ / ٣٥ ، الاستبصار ٢ : ١٤ / ٤١.

١٤٤

ولتعارض رواياتهم فسقط الاحتجاج بها ، لعدم الأولويّة ، ويصار إلى الأصل وهو البراءة ، وصيانة مال المسلم عن التسلّط.

ولأنّ النصاب شرط لما بيّنا ، ولا نعلم حصوله إلّا مع التقدير الأعلى فيقف الوجوب عليه.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « الصاع أربعة أمداد »(١) .

وقول أبي الحسنعليه‌السلام : « الصاع ستّة أرطال بالمدني ، وتسعة أرطال بالعراقي »(٢) .

وقول الباقرعليه‌السلام : « والمدّ رطل ونصف ، والصاع ستّة أرطال »(٣) بأرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي(٤) .

وقال الشافعي وأحمد : وزن المـُدّ رطل وثلث ، والصاع : خمسة أرطال وثلث(٥) ، لأنّ مالكاً أحضر لأبي يوسف أولاد المهاجرين والأنصار ، فشهدوا أنّ آباءهم أخبروهم أنّهم كانوا يؤدّون الصدقة إلى النبيعليه‌السلام بهذا الصاع(٦) .

وهو ممنوع ، فإنّه لو كان مشتهراً في المدينة لم يَخْف عن أهلها ، مع‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٨١ / ٢٣٣ ، الاستبصار ٢ : ٤٧ / ١٥٤.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٢ / ٩ ، التهذيب ٤ : ٨٣ / ٢٤٣ ، الفقيه ٢ : ١١٥ / ٤٩٣ ، معاني الأخبار : ٢٤٩ / ٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٦ - ١٣٧ / ٣٧٩.

(٤) قوله : بأرطال - إلى - بالعراقي ، من كلام الشيخ الطوسي في التهذيب ١ : ١٣٧ ذيل الحديث ٣٧٩ ، فلاحظ.

(٥) المجموع ٦ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥ و ٦ : ١٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤ و ١٢٩ ، مغني المحتاج ١ : ٣٨٢ و ٤٠٥ ، المغني ١ : ٢٥٥ و ٢ : ٥٥٨ و ٦٥٧ ، الشرح الكبير ١ : ٢٥٤ ، و ٢ : ٦٦٠.

(٦) أورده كما في المتن ، المحقّق في المعتبر ٢٦٨ ، وانظر أيضاً : المغني والشرح الكبير ١ : ٢٥٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٧٠ - ١٧١.

١٤٥

أنّ الباقرعليه‌السلام سيّدهم وقد أخبر بخلاف ذلك وهو أعرف من عوامهم ، ولما أخبر مالك أنّ عبد الملك تحرّى صاع عمر(١) ، فإنّ صاع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أولى بالتحرّي.

وقال أبو حنيفة : المـُدّ رطلان ، فالصاع ثمانية أرطال(٢) ، لأنّ أنساً روى أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتوضّأ بمُدّ ويغتسل بصاع ثمانية أرطال(٣) .

وهي معارضة برواية الشافعي فتساقطا.

مسألة ٨٠ : هذا التحديد تحقيق لا تقريب‌ ، وهو أحد قولي الشافعيّة(٤) ، لقولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة )(٥) .

ولأنّه نصاب يتعلّق به وجوب الفرض فكان محدّداً كسائر الأوقاص ، ولأنّ نقصان القليل مجهول لا يمكن تعليق الحكم به فلم يكن بدٌّ من حدّ فاصل.

وقال بعضهم : إنّه تقريب ، فإن نقص قليلاً وجبت الزكاة ؛ لأنّ الوَسْق في اللغة : الحِمْل(٦) . وهو يزيد وينقص(٧) ، ونحن إنّما اعتبرنا التّقدير الشرعي لا اللغوي.

____________________

(١) نقله المحقق في المعتبر : ٢٦٨.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٧٣ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١١٧ ، اللباب ١ : ١٦٠ ، المغني والشرح الكبير ١ : ٢٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٢٩.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٥٣ / ٧٢ و ١٥٤ / ٧٣ ، وانظر : المغني والشرح الكبير ١ : ٢٥٥ ، وبدائع الصنائع ٢ : ٧٣.

(٤) المجموع ٥ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥ - ٥٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٤٧ - ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ / ٩٨٠ ، سنن النسائي ٥ : ٣٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٣ / ٥ وسنن البيهقي ٤ : ١٢٠.

(٦) اُنظر : الصحاح ٤ : ١٥٦٦ ، القاموس المحيط ٣ : ٢٨٩.

(٧) المجموع ٥ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥.

١٤٦

فروع :

أ - لو تساوت الموازين في النقص اليسير فلا زكاة ، لقولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )(١) وهو قول بعض الشافعية.

وقال آخرون : لا اعتبار باليسير منه(٢) .

ب - لو اختلفت الموازين الصحيحة لم يعمل على النقصان اليسير الذي اختلفت به كالأوقية؛ لأنّ العادة أسقطت اعتباره.

ج - النصاب يعتبر بالكيل ، لأنّ الأوساق مكيلة ، وإنّما نقلت إلى الوزن لتضبط وتحفظ.

د - لا وقص في نصاب الحبوب والثمار بل مهما زاد على النصاب اُخرج منه بالحساب لانتفاء الضرر في تبعيضه بخلاف الماشية.

ولعموم قولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(٣) .

مسألة ٨١ : إذا وجب العُشر مرّة لم يجب عليه عُشر آخر وإن بقيت عنده أحوالاً‌ إجماعاً - إلّا من الحسن البصري(٤) - لأنّ هذه الأموال غير مرصدة للنماء في المستقبل ، بل هي إلى النقص أقرب.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « أيّما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدّقها فليس عليه شي‌ء ولو بقيت ألف عام إذا كان بعينه وإنّما عليه صدقة العشر ، فإذا أدّاها مرّة فلا شي‌ء عليه »(٥) .

ولأنّها غير معدّة للنماء فأشبهت أمتعة القنية ، فإن اشترى من ذلك شيئاً

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٢) راجع : المجموع ٥ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥ - ٥٦٦ ، وتعرّض لخلاف الشافعية أيضاً ، المحقّق في المعتبر : ٢٦٨.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) المجموع ٥ : ٥٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٥ / ١ ( باب أنّ الصدقة في التمر مرّة واحدة ) التهذيب ٤ : ٤٠ / ١٠٢ بتفاوت.

١٤٧

للتجارة صار عرضاً تتعلّق به زكاة التجارة استحباباً أو وجوباً على الخلاف ، وكذا لو باعها بنصاب زكوي غير الغلّة والثمار وحال عليه الحول وجبت وإلّا فلا.

مسألة ٨٢ : وقت وجوب الزكاة في الحَبّ إذا اشتدّ ، وفي الثمرة إذا بدا صلاحها‌ على الأقوى ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(١) .

ولأنّ أهل اللغة نصّوا على أنّ البُسر ( نوع )(٢) من التمر ، ومن أوجب في الثمرة أوجبها في الحَبّ.

وقال بعض علمائنا : إنّما تتعلّق الزكاة به إذا صار تمراً أو زبيباً أو حنطة أو شعيراً ؛ لتعلّق الحكم على الاسم(٣) .

وقد بيّنا أنّ الاسم يتعلّق بما قلناه.

وعلى كلا القولين ، إنّما يجب الإِخراج ويستقرّ الوجوب حين يصير التمر في الجرين(٤) ، والزرع في البيدر(٥) بعد التصفية من التبن والقشر ، فلو تلف قبل ذلك بغير تفريط فلا زكاة عليه.

وإنّما فائدة الخلاف أنّه لو تصرّف في الثمرة بعد بدوّ الصلاح إمّا بأكل أو بيع لم تسقط عنه الزكاة ، لأنّه تصرّف بعد تعلّق الوجوب فلا تسقط.

وعلى القول الآخر لا شي‌ء عليه ؛ لأنّه تصرّف فيها قبل الوجوب فأشبه‌

____________________

(١) راجع المصادر في المسألة ٧٨.

(٢) كذا ، ولعلّ المصنّفرحمه‌الله يقصد مرحلة من مراحل نضوج التمر. وانظر : الصحاح ٢ : ٥٨٩.

(٣) هو المحقّق في المعتبر : ٢٦٨.

(٤) الجرين : موضع التمر الذي يجفّف فيه. الصحاح ٥ : ٢٠٩١ « جرن ».

(٥) البيدر : الموضع الذي يداس فيه الطعام. الصحاح ٢ : ٥٨٧ ، القاموس المحيط ١ : ٣٦٩ « بدر ».

١٤٨

ما لو أكل السائمة أو باعها قبل الحول.

ولو تلف البعض بغير تفريط بعد البدوّ وقبل الكمال سقط من الزكاة بقدر التالف ، ووجب في الباقي بقدره وإن نقص عن النصاب إذا كان الجميع نصاباً.

مسألة ٨٣ : والنصاب المعتبر - وهو خمسة أوسق‌ - إنّما يعتبر وقت جفاف التمر ، ويُبس العنب والغلّة ، فلو كان الرطب خمسة أوسق ، أو العنب ، أو الغلّة ولو جفّت تمراً أو زبيباً أو حنطة أو شعيراً نقص ، فلا زكاة إجماعاً وإن كان وقت تعلّق الوجوب نصاباً.

أمّا ما لا يجفّ مثله وإنّما يؤكل رطباً كالهلْباث(١) والبُرني وشبههما من الدّقل(٢) الرقيق الثمرة فإنّه تجب فيه الزكاة أيضاً ؛ لقولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(٣) وإنّما تجب فيه إذا بلغ خمسة أوسق تمراً.

وهل يعتبر بنفسه أو بغيره من جنسه؟ الأقرب : الأول وإن كان التمر يقلّ كغيره.

وللشافعي وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : يعتبر بغيره ، فإذا كان ممّا يجفّ يبلغ خمسة أوسق تمراً ، وكان هذا مثله رطباً ، وجبت فيه الزكاة ، فيعتبر بأقرب الأرطاب إليه مما يجفّ(٤) .

مسألة ٨٤ : لو اشترى الثمرة قبل بدوّ صلاحها فتركها حتى بدا صلاحها وجبت الزكاة على المشتري‌ لحصول السبب في ملكه ، ولو كان بعد بدوّ الصلاح فالزكاة على البائع.

____________________

(١) الهلْباث : ضرب من التمر. لسان العرب ٢ : ١٩٨ « هلبث ».

(٢) الدّقل : أردأ التمر. الصحاح ٤ : ١٦٩٨ ، القاموس المحيط ٣ : ٣٧٦.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) المجموع ٥ : ٤٥٨ - ٤٥٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٨.

١٤٩

ومن أبطل بيع الثمرة قبل البدوّ لو فعله منفرداً لا بشرط القطع كان الملك باقياً على البائع فالزكاة عليه عند بدوّ الصلاح.

مسألة ٨٥ : لو مات وعليه دين مستوعب‌ ، فإن كان بعد بدوّ الصلاح وجبت الزكاة ؛ لتعلّقها بالعين ومحلّ الدَّين الذمّة وكان حقّ الزكاة مقدّماً وإن ضاع على صاحب الدَّين دَيْنه.

ولو مات قبل بدوّ الصلاح ، فلا زكاة على الوارث ولا على الميّت ، أمّا على الميّت : فلانتقاله عنه قبل بدوّ الصلاح ، وأمّا على الوارث : فلعدم الانتقال إليه إلّا بعد قضاء الدَّين عند قوم ، ولاشتغاله بتعلّق الدَّين به كالرهن إن قلنا بالانتقال إليه ، وقد بيّنّا أنّ التمكّن من التصرّف شرط في الوجوب.

أمّا لو لم يكن الدَّيْن مستوعباً ، فإن فضل قدر النصاب وجبت الزكاة فيه خاصّة وإلّا فلا.

مسألة ٨٦ : قد بيّنا أنّه لا تجب الزكاة في الغلّات والثمار إلّا إذا نمت في الملك‌ ، لا ما يبتاع(١) ثمراً ، ولا ما يستوهب إجماعاً.

وأمّا عامل المساقاة والمزارعة فإنّه تجب عليه في نصيبه الزكاة إن بلغ النصاب وإلّا فلا عند أكثر علمائنا(٢) ؛ لأنّه ملك الحصّة قبل النماء.

وقال بعض علمائنا : لا زكاة عليه ؛ لأنّه ملكه اُجرةً(٣) ؛ وليس بمعتمد.

وأمّا حصّة المالك فإنّها تجب الزكاة فيها أيضاً إن بلغت النصاب إجماعاً.

مسألة ٨٧ : الواجب في هذه الغلّات والثمار العُشر‌ إن لم يفتقر سقيه‌

____________________

(١) ورد في النُسخ الخطية والطبعة الحجرية : لا ما يباع. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ، كتاب المساقاة ، المسألة ١٣ ، والمبسوط ٣ : ٢٢٠ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٦٥ و ٢٦٨ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإِسلام ٢ : ١٦٠.

(٣) هو السيد ابن زهرة العلوي في الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥٤٠ ( فصل : في المزارعة والمساقاة ).

١٥٠

إلى مؤونة كالذي يشرب من السماء بمطر أو ثلج ، أو تسقيه الأنهار بغير آلة وإنّما تفيض إليها في زيادتها ، أو بحبس الماء عليه ، أو يشرب بعلاً وهو ما يشرب بعروقه في الأرض التي يقرب ماؤها من وجهها فتصل إليه عروق الشجر فيستغني عن سقي ، أو كانت عروقه تصل إلى نهر أو ساقية.

وأمّا ما يفتقر إلى مؤونة كالذي يشرب بالدوالي والدواليب وما أشبه ذلك فإنّه يجب فيه نصف العُشر ، ولا خلاف في ذلك بين العلماء.

لقولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بَعْلاً(١) العُشر ، وفيما سقي بالسواني والنّضح نصف العشر )(٢) والسواني : النواضح وهي الإبل يستقى بها الماء لشرب الأرض(٣) .

وقالعليه‌السلام : ( فيما سقت العيون أو كان عَثَريّاً العُشر ، وما سقي بالنَّضْح نصف العشر )(٤) والعَثَرِي : ما تسقيه السماء وهو العِذْي(٥) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « وما كان منه يسقى بالرشاء(٦) والدوالي(٧) والنواضح ففيه نصف العُشر ، وما سقت السماء والسيح أو كان بَعْلاً ففيه العُشر تامّاً »(٨) .

ولأنّ للكلفة تأثيراً في إسقاط الزكاة جملة كالمعلوفة فبأن تؤثّر في التخفيف أولى.

____________________

(١) البَعْل : ما شرب بعروقه من الأرض بغير سقي. لسان العرب ١١ : ٥٧.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٠٨ / ١٥٩٦ ، سنن النسائي ٥ : ٤١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨١ / ١٨١٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٠.

(٣) اُنظر : الصحاح ٦ : ٢٣٨٤ « سنا ».

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٥٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٠.

(٥) قاله أبو عبيد. راجع : الأموال : ٤٨٠ ، وانظر : لسان العرب ٤ : ٥٤١.

(٦) الرشا : الحَبْل. والجمع : أرشية. لسان العرب ١٤ : ٣٢٢.

(٧) الدوالي ، جمع دالية. وهي : الناعورة يديرها الماء. لسان العرب ١٤ : ٢٦٦.

(٨) التهذيب ٤ : ١٣ - ١٤ / ٣٤ ، الاستبصار ٢ : ١٤ / ٤٠.

١٥١

فروع :

أ - لا يؤثّر حفر الأنهار والسواقي في نقصان الزكاة ؛ لأنّ المؤونة تقلّ ، ولأنّه من جملة إحياء الأرض ، ولا يتكرّر ، ولأنّه يجري مجرى الكراب(١) .

ب - لو كان الماء يجري من النهر في ساقية إلى الأرض ويستقرّ في مكان قريب من وجهها لا يصعد إلّا بدولاب وشبهه فهو من الكُلفة المسقطة لنصف الزكاة ؛ لأنّ مقدار الكُلفة وقُرب الماء وبُعده لا يعتبر.

والضابط لذلك هو احتياج ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة من دولاب ، أو دالية ، أو ناضح أو نحو ذلك.

ج - الزكاة في القسمين إنّما تجب بعد إخراج الـمُؤَن ، والفرق بينهما باقٍ ؛ إذ تقديم المؤونة من الكُلفة فلهذا وجب نصف العُشر.

مسألة ٨٨ : لو سقي بعض المدّة بالسيح ، وبعضها بالآلة‌ ، فإن تساويا اُخذت الزكاة بحساب ذلك فاُخذ للسيح نصف العُشر ، وللدوالي رُبع العُشر ، فتجب ثلاثة أرباع العُشر - وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٢) ، ولا نعلم فيه خلافاً - لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل الأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء وتسقى سيحاً : « النصف والنصف نصف بنصف العُشر ونصف بالعُشر »(٣) .

ولأنّ كلّ واحد منهما لو وجد في جميع السنة لأوجب مقتضاه فإذا وجد في نصفها أوجب نصفه.

وإن تفاوتا كان الحكم للأغلب عند علمائنا ، وبه قال عطاء والثوري وأبو‌

____________________

(١) كرب الأرض يكربها كرباً وكراباً : قلبها للحرث. لسان العرب ١ : ٧١٤ - ٧١٥ « كرب ».

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٣ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٤ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٧٦ ، المغني ٢ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٤ / ٦ ، التهذيب ٤ : ١٦ / ٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٥ / ٤٤.

١٥٢

حنيفة والشافعي - في أحد القولين - وأحمد في إحدى الروايتين(١) .

لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الأرض تسقى بالدوالي فتسقى السقية والسقيتان سيحاً ، فقال : « وكم تسقى السقية والسقيتان سيحاً؟ » قلت : في ثلاثين ليلة أربعين ليلة ، وقد مكث [ قبل ](٢) ذلك في الأرض ستّة أشهر سبعة أشهر ، قال : « نصف العُشر »(٣) .

ولأنّ اعتبار مقدار السقي وعدد مرّاته وقدر ما يشرب في كلّ سقية ممّا يشقّ ويتعذّر ، فجعل الحكم للغالب كالطاعة إذا كانت أغلب على الإِنسان كان عدلاً وإن ندرت منه المعصية.

وقال الشافعي - في الثاني - : يعتبر قدرهما وتقسَّم الزكاة عليهما بالحصّة ، فإن كان السيح الثلثان اُخذ ثلثا العُشر ، وكذا إن زاد ؛ لأنّهما لو كانا نصفين وجب الحصّة فيهما فكذا إذا زاد أحدهما كزكاة الفطرة في العبد المشترك(٤) . والفرق : عدم مشقّة اعتبار الملك هنا.

فروع :

أ - إذا سقي بهما ولم يعلم الغالب رجّح أصالة التساوي ، واُخرج من كلّ واحد بالحصّة.

ب - لو شرب أحد القراحين(٥) سيحاً ، والآخر ناضحاً ضمّ أحدهما إلى الآخر في النصاب واُخرج من السيحي العُشر ومن النضحي نصف العُشر.

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٦٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٠ ، اللباب ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٤٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٧٦ ، المغني ٢ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٣.

(٢) ما بين المعقوفين مثبَت من المصدر.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٤ / ٦ ، التهذيب ٤ : ١٦ - ١٧ / ٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٥ - ١٦ / ٤٤‌.

(٤) المجموع ٥ : ٤٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٧٦.

(٥) القراح : المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر. الصحاح ١ : ٣٩٦ « قرح ».

١٥٣

ج - هل الاعتبار في الأغلبية بالأكثر عدداً أو نفعاً ونموّاً؟ الأقرب : الثاني ؛ لاقتضاء ظاهر النصّ(١) أنّ النظر إلى مدّة عيش الزرع ونمائه أهو بأحدهما أكثر أو لا.

ويحتمل الأول ؛ لأنّ المؤونة تقلّ وتكثر بهما ، فلو كانت المدّة من يوم الزرع إلى الإِدراك ثمانية أشهر واحتاج في ستّة أشهر زمان الشتاء والربيع إلى سَقْيَتَيْن ، وفي شهرين في الصيف إلى ثلاث سقيات فسقي السقيتين بماء السماء والثلاث بالنضح ، فإن اعتبر العدد وجب نصف العُشر.

وعلى أحد قولي الشافعي بالتقسيط يجب خُمسا العُشر وثلاثة أخماس نصف العُشر(٢) .

وإن اعتبر مدّة العيش وجب العُشر ؛ لأنّ مدّة السقي بماء السماء أطول ، وعلى التقسيط يجب ثلاثة أرباع العُشر ورُبع نصف العُشر.

ولو اعتبر الأنفع لا المدّة فإن علم الأغلب فيه حكم له وإلّا فبالتساوي.

د - لو أنشأ الزرع على إحدى السقيتين ، ثم اتّفق خلافه تغيّر الحكم فيه ، وهو أحد وجهي الشافعي ، والثاني : الاستصحاب(٣) ، وعلى التقديرين يضمّ ما سقي بهذا إلى ما سقي بذاك في حقّ النصاب وإن اختلف قدر الواجب.

مسألة ٨٩ : الزكاة في الغلّات والثمار إنّما تجب بعد المؤونة‌ كاُجرة السقي والعمارة والحافظ والحاصد ومصفّى الغلّة وقاطع الثمرة وغير ذلك من الـمُؤَن.

____________________

(١) قوله : لاقتضاء ظاهر النص. إلى آخره.

هذا دليل بعض الشافعية أيضاً على الرأي الثاني لهم المذكور في نفس الفرع ، والمراد من النصّ ، نصّ الشافعي ؛ لاحظ فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، والمجموع ٥ : ٤٦٣.

(٢) راجع : المجموع ٥ : ٤٦٣ - ٤٦٤ ، وفتح العزيز ٥ : ٥٧٩.

(٣) المجموع ٥ : ٤٦٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٠.

١٥٤

وقال عطاء(١) : إنّ المؤونة سبب زيادة المال فيكون على الجميع كالخرج على غيره من الأموال المشتركة ، ولأنّ إلزام المالك خاصة حيف عليه وإضرار به فيكون منفيّاً.

وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط : إنّها على المالك خاصة ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد(٢) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(٣) فلو لزم الفقراء فيها نصيب قصر نصيبهم عن الفرض(٤) .

ولا يتناول محلّ النزاع ، لأنّ العشر فيما يكون نماء وفائدة.

فروع :

أ - الأقرب أنّ المؤونة لا تؤثّر في نقصان النصاب وإن أثّرت في نقصان الفرض ، فلو بلغ الزرع خمسة أوسق مع المؤونة ، وإذا اُسقطت المؤونة منه قصر عن النصاب وجبت الزكاة لكن لا في المؤونة بل في الباقي.

ب - الأقوى أنّ البذر من المؤونة فلا تجب فيه زكاة ، ولأنّه لو وجبت لأدّى إلى تثنية الزكاة وتكرّرها في الغلّات.

ج - ثمن الثمرة من المؤونة ، أمّا ثمن أصل النخل أو الدولاب أو الدوابّ فلا.

د - إنّما تجب الزكاة بعد إخراج حصّة السلطان.

مسألة ٩٠ : تجب الزكاة في زرع أرض الصلح ومن أسلم أهلها عليها‌ بإجماع العلماء.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٦٧.

(٢) المجموع ٥ : ٤٦٧ و ٥٣٢ و ٥٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٣٨٦ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١١٠ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٩٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠١ ، المغني ٢ : ٥٧٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٦.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) الخلاف ٢ : ٦٧ ، المسألة ٧٨ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢١٧.

١٥٥

أمّا ما فتح عنوةً فإنّها للمسلمين ويقبلها الإِمام ممّن شاء ، فإذا زرعها وأدّى مال القبالة وجب في الباقي الزكاة إن بلغ النصاب.

ولا تسقط الزكاة بالخراج عند علمائنا أجمع ، وبه قال عمر بن عبد العزيز والزهري ويحيى الأنصاري وربيعة والأوزاعي ومالك والثوري والمغيرة والليث والحسن بن صالح بن حي ، وابن أبي ليلى ، وابن المبارك ، والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأحمد(١) .

لقوله تعالى( وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) (٢) .

وقولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(٣) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « كلّ أرض دفعها إليك السلطان فعليك فيما أخرج الله منها ما قاطعك عليه ، وليس على جميع ما أخرج الله منها العُشر ، وإنّما العُشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك »(٤) .

ولأنّهما حقّان يجبان لمستحقّين يجوز وجوب كلّ منهما على المسلم ولا تنافي بينهما ، فجاز اجتماعهما كالكفّارة والقيمة في صيد الحرم المملوك.

وقال أصحاب الرأي : لا عُشر في الأرض الخراجية ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا يجتمع العُشر والخراج في أرض مسلم )(٥) .

____________________

(١) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٥ ، المجموع ٥ : ٥٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٦ و ٥٤٣ - ٥٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، الأموال - لأبي عبيد - : ٩٥ ، المغني ٢ : ٥٨٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٦.

(٢) البقرة : ٢٦٧.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٣ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٦ / ٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٥ / ٧٠.

(٥) اُنظر : سنن البيهقي ٤ : ١٣٤ ، والكامل في ضعفاء الرجال ٧ : ٢٧١٠.

١٥٦

ولأنّهما حقّان سبباهما متنافيان ولا يجتمعان كزكاة السائمة والتجارة(١) .

والحديث يرويه يحيى بن عنبسة - وهو ضعيف - عن أبي حنيفة ، وأيضاً الخراج إذا كان جزية لا يجامع العشر ، والقياس ضعيف ؛ لأنّ التجارة وزكاة السوم زكاتان فلا تجتمعان في المال الواحد بخلاف الخراج والزكاة ؛ لأنّ الخراج يجب في الأرض ، والزكاة في الزرع ، والمستحقّان متغايران.

قال ابن المبارك : يقول الله تعالى( وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) (٢) فلا نتركه لقول أبي حنيفة(٣) .

تذنيب : لو ضرب الإِمام على الأرض الخراج من غير حصة فالأقرب وجوب الزكاة في الجميع ؛ لأنّه كالدَّين.

ولو جعله ممّا يخرج من الأرض فزرع ما لا عُشر فيه وما فيه العُشر قسّط الخراج عليهما بالنسبة.

وقال بعض الجمهور : يجعل الخراج فيما لا زكاة فيه إن كان وافياً بالخراج ، وبه قال عمر بن عبد العزيز(٤) .

مسألة ٩١ : لو استأجر أرضاً فزرعها ، فالعُشر على الأجير دون مالك الأرض‌ عند علمائنا ، وبه قال مالك والثوري وشريك وابن المبارك والشافعي وأحمد وابن المنذر(٥) ؛ لأنّه واجب في المزروع فكان على مالكه.

وقال أبو حنيفة : إنّه على مالك الأرض ؛ لأنّه من مؤونتها فأشبه‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥٧ ، المغني ٢ : ٥٨٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٦ - ٥٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦.

(٢) البقرة : ٢٦٧.

(٣) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٥٨٧ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٧٧.

(٤) المغني ٢ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٧.

(٥) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٥ : ٥٦٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٧ ، المغني ٢ : ٥٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٥.

١٥٧

الخراج(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه لو كان من مؤونة الأرض لوجب فيها وإن لم تزرع كالخراج ، ولتقدّر بقدر الأرض لا بقدر الزرع ، ولوجب صرفه إلى مصارف الفي‌ء دون مصرف الزكاة ، إذا ثبت هذا فإنّ مال الإِجارة من المؤونة يندر(٢) كثمن الثمرة.

فروع :

أ - لو استعار أرضاً فزرعها فالزكاة على صاحب الزرع ؛ لأنّه مالكه.

ب - لو غصبها فزرعها وأخذ الزرع فالعُشر عليه أيضاً ؛ لأنّه المالك ، وعليه اُجرة الأرض وتحسب من المؤونة.

ج - لو زارع مزارعة فاسدة فالعُشر على من يجب الزرع له ، فإن وجب لصاحب الأرض أندر اُجرة العامل من المؤونة ، وإن وجب للعامل أندر اُجرة مثل الأرض.

مسألة ٩٢ : يكره للمسلم بيع أرضه من ذمّي وإجارتها منه‌ لأدائه إلى إسقاط عُشر الخارج منها ، فإن باعها من ذمّي أو آجره وكانت من أرض الصلح أو من أرض أسلم أهلها طوعاً صحّ البيع والإِجارة ، وبه قال الثوري والشافعي وأحمد(٣) .

وقال مالك : يمنعون من شرائها ، فإن اشتروها ضوعف عليهم العُشر فاُخذ منهم الخُمس - وهو رواية عن أحمد(٤) - لأنّ في إسقاط العشر من غلّة‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ٥ ، اللباب ١ : ١٥٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٥ : ٥٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، المغني ٢ : ٥٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٥.

(٢) الإِندار : الإِسقاط. لسان العرب ٥ : ١٩٩.

(٣) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٨.

(٤) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٧ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦.

١٥٨

هذه الأرض إضراراً بالفقراء وتقليلاً لحقّهم ، فإذا تعرّضوا لذلك ضوعف عليهم العُشر. وهذا قول أهل البصرة وأبي يوسف والحسن وعبيد الله بن الحسن العنبري(١) .

وعند علمائنا قريب منه ، فإنّهم أوجبوا على الذمّي الخُمس إذا اشترى أرضاً من مسلم سواء وجب فيها الخُمس كالمفتوحة عنوةً أو لا كأرض من أسلم أهلها طوعاً وأرض الصلح.

وقال محمد بن الحسن : العُشر بحاله(٢) .

وقال أبو حنيفة : تصير أرض خراج(٣) .

وإنّما أوجب أصحابنا الخُمس لإِجماعهم ، ولقول الباقرعليه‌السلام : « أيّما ذمي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس »(٤) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ مستحقّ هذا الخُمس على مقتضى قول علمائنا مستحقّ خُمس الغنائم.

ويحتمل أن يكون لمستحقّي الزكاة ، وعليه قول من أوجبه من الجمهور ؛ لأنّها زكاة تضاعفت عليه فلا تخرج بالزيادة عن مستحقّها ؛ ونمنع العلّة.

وقال الشافعي : لا عُشر عليه ولا خراج(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٧ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٨٧ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ - ٥٦١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦ ، المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩.

(٣) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢ / ٨١ ، التهذيب ٤ : ١٢٣ - ١٢٤ / ٣٥٥ و ١٣٩ / ٣٩٣.

(٥) المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٨.

١٥٩

فروع :

أ - إذا كان لمسلم زرع فقبل أن يبدو صلاحه باعه من ذمّي بشرط القطع فتركه حتى اشتدّ فإنّه لا عُشر عليه ؛ لكفره لا بمعنى سقوطها عنه بل بمعنى تعذيبه عليها ، ولا على البائع ؛ لانتقالها عنه ، فإن ردّه الكافر عليه بعيب بعد بدوّ الصلاح لم تجب الزكاة عليه.

ب - لا يجب العُشر في زرع المكاتب - خلافاً لأبي حنيفة(١) - وبه قال الشافعي(٢) ، هذا إن كان مشروطاً أو مطلقاً لم يؤدِّ ، ولو أدّى تحرّر بقدره ، فإن بلغ نصيبه نصاباً وجبت ، ولم يعتبر الجمهور هذا التقييد.

ج - إذا باع تغلبي - وهم نصارى العرب - أرضاً من مسلم وجب على المسلم فيها العُشر أو نصف العشر ولا خراج عليه ، لأنّه ملك قد حصل لمسلم فلا يجب عليه أكثر من العُشر.

وقال الشافعي : عليه العُشر(٣) .

وقال أبو حنيفة : يؤخذ منه عُشران(٤) .

فإن اشترى تغلبي من ذمّي أرضاً لزمته الجزية كما تلزم الذمّي ، لأنّه ملك قد حصل لذمّي فوجبت فيه الجزية كاملة كما في سائر أهل الذمة.

وقال أبو حنيفة وأصحابه : عليه عُشران وهما خراج يؤخذ باسم الصدقة(٥) .

وقال الشافعي : لا عُشر عليه ولا خراج(٦) .

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ٤ ، المغني ٢ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٨ ، المجموع ٥ : ٣٣٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٨.

(٢) الاُم ٢ : ٢٧ ، المجموع ٥ : ٣٣٠ و ٥٦٤ ، الوجيز ١ : ٩٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٨.

(٣و٤) حكى قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٧٤ ، المسألة ٨٦.

(٥و٦) حكى قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٧٤ ، المسألة ٨٧.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460