تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182097 / تحميل: 6067
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

مسألة ٩٣ : لو مات وله نخل وعليه دَيْن مستوعب تعلّق الدَّين بالنخل‌ ، فإذا أثمر بعد وفاته فالوجه أنّ الثمرة للورثة ؛ لأنّ الدَّين - على ما اخترناه نحن - لا يمنع انتقال الملك إلى الورثة ، والثمرة حدثت في ملكهم فلا يتعلّق الدَّين بها ، فإذا بدا صلاحها وجب العُشر أو نصفه ، وبه قال الشافعي(١) ، ومن منع الانتقال جعل الدَّين متعلّقاً بالثمرة والأصل معاً.

فإن مات بعد أن أطلع النخل تعلّق الدَّين بالأصل والثمرة معاً ، وانتقل الملك في الاُصول والثمرة إلى الورثة ، فإذا بدا صلاحها وجبت الزكاة على الورثة.

فإن كان لهم مال أخرجوه من مالهم ؛ لأنّ الوجوب حصل في ملكهم ، وتعلّق حق الغرماء بذلك لا يمنع من وجوب الزكاة كالمرهون وما حدث من الزيادة في ملك الورثة ؛ فإنّها زيادة غير متميزة فتبعت أصلها كزيادة الرهن.

فإن لم يكن للورثة ما يؤدّون الزكاة احتمل سقوطها ، لتعلّق الدّين بالعين هنا فمنع من تعلّق الزكاة ، ووجوبها ؛ لأنّ الزكاة تتعلّق بالعين وهي استحقاق جزء من المال فتقدّم على حقوق الغرماء.

مسألة ٩٤ : تضمّ الزروع المتباعدة والثمار المتفرقة في الحكم‌ سواء اتّفقت في الإِيناع أو اختلفت ، وسواء اتّفقت في الاطلاع أو اختلفت إذا كانت لعام واحد ، فلو كان له نخل بتهامة يسرع إدراكه لحرارتها ، وآخر بنجد يبطئ لبرودتها ، وبلغا معاً خمسة أوسق وجبت الزكاة وإن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر.

ولو كان له نخل في بعضها رطب ، وفي بعضها بسر ، وفي بعضها طلع ، فجذّ الرطب ، ثم بلغ البسر فجذّ ، ثم بلغ الطلع فجذّ ، فإنّه يضمّ بعضها إلى بعض ، لتعذّر إدراك الثمرة في وقت واحد ؛ وإن كانت في نخلة واحدة.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٥٨٨ - ٥٨٩.

١٦١

فلو اعتبر اتّحاد وقت الإِدراك لم تجب الزكاة غالباً ، وقد أجمع المسلمون على ضمّ ما يدرك إلى ما تأخّر.

ولو كان له نخل بتهامة وأخر بنجد فأثمرت التهامية وجذّت ، ثم بلغت النجدية فإنّها تضمّ إلى التهامية.

ولو كان له نخل يطلع في السنة مرّتين ، قال الشيخ : لا يضمّ الثاني إلى الأول ، لأنّه في حكم ثمرة سنتين(١) ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقيل : تضمّ ، لأنّها ثمرة عام واحد(٣) ، وهو الأقوى.

ولو كان بعضه يحمل مرة والباقي مرّتين ضمّمنا الجميع.

وعلى قول الشيخ ، يضمّ الأول منهما إلى الحمل الواحد ، ويكون للثاني حكم نفسه.

مسألة ٩٥ : الثمرة إن كانت كلّها جنساً واحداً اُخذ منه‌ سواء كان جيّداً ، كالبُردي ، وهو أجود نخل بالحجاز ، أو رديئاً كالجُعرور ومُصران الفأرة ، وعذق ابن حُبَيْق ، ولا يطالب بغيره.

ولو تعدّدت الأنواع اُخذ من كلّ نوع بحصته لينتفي الضرر عن المالك بأخذ الجيّد ، وعن الفقراء بأخذ الردي‌ء ، وهو قول عامة أهل العلم(٤) .

وقال مالك والشافعي : إذا تعدّدت الأنواع اُخذ من الوسط(٥) .

والأولى أخذ عُشر كلّ واحد ، لأنّ الفقراء بمنزلة الشركاء.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢١٥.

(٢) المجموع ٥ : ٤٦٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٣ ، المغني ٢ : ٥٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٨.

(٣) القائل هو المحقّق في المعتبر : ٢٦٨.

(٤) المغني ٢ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٣ - ٥٧٤ ، والمجموع ٥ : ٤٨٨.

(٥) المغني ٢ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٨١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٥٨ ، وانظر : المجموع ٥ : ٤٨٨ - ٤٨٩ ، وفتح العزيز ٥ : ٥٨١.

١٦٢

ولا يجوز إخراج الردي‌ء ، لقوله تعالى :( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (١) .

ونهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يؤخذ الجُعْرور وعذق ابن حُبَيْق(٢) ، لهذه الآية ، وهما ضربان من التمر ، أحدهما يصير قشراً على نوى ، والآخر إذا أثمر صار حشفاً(٣) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « يترك معافارة(٤) واُم جُعرور لا يزكّيان »(٥) .

ولا يجوز أخذ الجيّد عن الردي‌ء ، لقولهعليه‌السلام : ( إيّاك وكرائم أموالهم )(٦) فإن تطوّع المالك جاز وله ثواب عليه.

والعَذْق بفتح العين ، وقيل : بكسرها(٧) .

تذنيب : لا يجزئ أخذ الرطب عن التمر ، ولا العنب عن الزبيب ، فإن أخذه الساعي رجع بما نقص عن الجفاف.

وهل يجوز على سبيل القيمة؟ الأقرب ذلك ، ويجوز أن يأخذ كلّاً من الرطب والعنب عن مثله.

مسألة ٩٦ : يجوز الخرص على أرباب الغلّات والثمار‌ بأن يبعث الإِمام ساعياً إذا بدا صلاح الثمرة أو اشتدّ الحَبُّ ليخرصها ويعرف قدر الزكاة ويُعرِّف المالك ذلك ، وبه قال الحسن وعطاء والزهري ومالك والشافعي وأحمد وأبو‌

____________________

(١) البقرة : ٢٦٧.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١١٠ - ١١١ / ١٦٠٧ ، وسنن الدارقطني ٢ : ١٣١ ذيل الحديث ١١.

(٣) الحَشَف من التمر : ما لم يُنْو ، فإذا يَبِس صَلُب وفسد. لسان العرب ٩ : ٤٧ « حشف ».

(٤) معافارة : ضرب ردي‌ء من التمر. مجمع البحرين ٣ : ٤٠٩ « عفر ».

(٥) الكافي ٣ : ٥١٤ / ٧ ، والتهذيب ٤ : ١٨ / ٤٧.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ١٠٤ / ١٥٨٤ ، سنن النسائي ٥ : ٥٥ ، ومسند أحمد ١ : ٢٣٣.

(٧) العذق ، بالفتح : النخلة. وبالكسر : العرجون بما فيه من الشماريخ. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ١٩٩.

١٦٣

عُبَيْد وأبو ثور وأكثر العلماء(١) ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبعث إلى الناس من يخرص عليهم كرومَهم وثمارَهم(٢) .

وقال الشعبي : الخرص بدعة(٣) .

وقال أصحاب الرأي : إنّه ظنٌّ وتخمين لا يلزم به حكم ، وإنّما كان الخرص تخويفاً للأَكَرَة(٤) لئلّا يخونوا ، فأمّا أن يلزم به حكم فلا(٥) .

ونمنع عدم تعلّق الحكم به فإنّه اجتهاد في معرفة قدر الثمرة وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير فهو كتقويم المتلفات.

فروع :

أ - وقت الخرص حين بدوّ الصلاح ، لأنّهعليه‌السلام كان يبعث حين يطيب قبل أن يؤكل منه(٦) .

ولأنّ فائدته معرفة الزكاة وإطلاق أرباب الثمار في التصرف فيها ، والحاجة إنّما تدعو إلى ذلك حين بدوّ الصلاح ، وتجب الزكاة فيه.

ب - محلّ الخرص : النخل والكرم ، أمّا الغلّات فقول الشيخ يعطي جوازه ، فإنّه قال : يجوز الخرص في الغلّات(٧) ، لوجود المقتضي وهو‌

____________________

(١) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٥٩ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٦ ، المجموع ٥ : ٤٧٨ ، حلية العلماء ٣ : ٧٨ ، المغني ٢ : ٥٦٤ - ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٨.

(٢) اُنظر على سبيل المثال : سنن الترمذي ٣ : ٣٦ / ٦٤٤ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٥٨٢ / ١٨١٩.

(٣) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٥٦٥ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٦٨.

(٤) أَكَرَة : جمع أكّار : الفلّاح. الصحاح ٢ : ٥٨٠ ، القاموس المحيط ١ : ٣٦٥ « أكر ».

(٥) المغني ٢ : ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٨ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩.

(٦) راجع : سنن أبي داود ٢ : ١١٠ / ١٦٠٦.

(٧) الخلاف ٢ : ٦٠ ، المسألة ٧٣.

١٦٤

الاحتياج إلى الأكل منه كالفريك(١) وغيره.

ومنع عطاء والزهري ومالك وأحمد ، لأنّ الشرع لم يرد بالخرص فيه(٢) .

ج - صفة الخرص - إن كان نوعاً واحداً - أن يدور بكلّ نخلة أو شجرة وينظر كَم في الجميع رطباً أو عنباً ، ثم يقدّر ما يجي‌ء منه تمراً ، وإن كان أنواعاً خرص كلّ نوع على حدته ، لأنّ الأنواع تختلف ، فمنها ما يكثر رطبه ويقلّ تمره ، ومنها بالعكس ، وكذا العنب يختلف ، ولأنّه يحتاج إلى معرفة كلّ نوع حتى يخرج عُشرة.

مسألة ٩٧ : إذا خرص الخارص خيّر المالك‌ بين أن يضمن الحصّة للفقراء ، ويسلّم إليه الثمرة ليتصرّف فيها بأكل وبيع وغير ذلك ، وبين إبقائه أمانة إلّا أنّه لا يجوز له التصرف في شي‌ء منه بأكل أو بيع ، وبين أن يضمن الخارص حصّة المالك ، لأنّ عبد الله بن رواحة خرص على أهل خيبر ، وقال : إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي ، فكانوا يأخذونه(٣) .

فإن اختار الحفظ ثم أتلفها أو فرّط فتلفت ضمن نصيب الفقراء بالخرص ، وإن أتلفها أجنبي ضمن قيمة ما أتلف ، والفرق : أنّ ربّ المال وجب عليه تجفيف هذا الرطب بخلاف الأجنبي ، ولهذا لو أتلف اُضحيته المعيّنة ضمن اُضحيةً مكانها ، وإن أتلفها أجنبي ضمن القيمة.

ولو تلفت بجائحة(٤) من السماء أو أتلفها ظالم سقط الخرص والضمان عن المتعهد إجماعاً ، لأنّها تلفت قبل استقرار الزكاة ، ويقبل قول المالك لو‌

____________________

(١) أفرك السنبل. أي : صار فريكاً ، وهو حين يصلح أن يفرك فيؤكل. لسان العرب ١٠ : ٤٧٣ « فرك ».

(٢) المغني ٢ : ٥٦٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٥٩ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٦.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٣٣ / ٢٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢٣.

(٤) الجائحة : كلّ ما أذهب الثمر أو بعضها من أمر سماوي. لسان العرب ٢ : ٤٣١ « جوح ».

١٦٥

ادّعى التلف بغير تفريط.

مسألة ٩٨ : لو لم يضمن المالك ولا الخارص بل اختار المالك إبقاءها أمانةً جاز‌ ، فإذا حفظها إلى وقت الإِخراج كان عليه زكاة الموجود خاصة سواء اختار الضمان أو حفظها على سبيل الأمانة ، وسواء كانت أكثر ممّا خرصه الخارص أو أقلّ - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - لأنّ الزكاة أمانة فلا تصير مضمونةً بالشرط كالوديعة.

وقال مالك : يلزمه ما قال الخارص زاد أو نقص إذا كانت الزكاة متقاربة ؛ لأنّ الحكم انتقل إلى ما قال الساعي لوجوب ما قال عند تلف المال(٢) .

ويمنع الانتقال ، وإنّما يعمل بقوله إذا تصرّف في الثمرة ولم يعلم قدرها ، لأنّ الظاهر إصابته.

مسألة ٩٩ : يجزئ الخارص الواحد‌ - وبه قال مالك وأحمد(٣) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص وحده(٤) ، ولأنّ الخارص يفعل ما يؤدّي اجتهاده إليه فهو كالحاكم ، وهو أحد قولي الشافعي(٥) .

وفي الثاني : لا بدّ من اثنين ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث مع عبد الله بن رواحة غيره(٦) ، ولأنّ الخارص يقدّر الواجب فهو بمنزلة المقوِّمين(٧) .

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٥٨٨ ، المغني ٢ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٩.

(٢) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٦٢ ، المغني ٢ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٩.

(٣) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٦٠ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٧ ، المغني ٢ : ٥٦٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١١٠ / ١٦٠٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٢ / ١٨٢٠.

(٥) المجموع ٥ : ٤٧٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩.

(٦) نقله في الاُم ٢ : ٣٤.

(٧) الاُم ٢ : ٣٤ ، المجموع ٥ : ٤٨٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩.

١٦٦

وإنفاذ غيره معه لا يدلّ على أنّه خارص ، ويحتمل أن يكون مُعيناً وكاتباً ، ولأنّه جائز عندنا ، والكلام في الوجوب ، ويخالف الخارصُ المقوّمين ، لأنّهم ينقلون ذلك إلى الحاكم فافتقر إلى العدد كالشهادة بخلاف الخرص فإنّه حكم يجزئ فيه الواحد.

وله قول ثالث : إن كان الخرص على صبي أو مجنون أو غائب فلا بدّ من اثنين(١) .

إذا ثبت هذا ، فيشترط في الخارص الأمانة والمعرفة إجماعاً ، لأنّ الخرص إنّما يتمّ بهما.

مسألة ١٠٠ : وعلى الخارص أن يترك في خرصه ما يحتاج المالك إليه‌ من أكل أضيافه وإطعام جيرانه وأصدقائه وسؤّاله - المستحقّين للزكاة - ويحسبه منها ، وما يتناثر من الثمرة ويتساقط وينتابه الطير ، ويأكل منها المارّة ، فلو استوفى الكلّ أضرّ بالمالك.

وقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( خفّفوا على الناس فإنّ في المال العريّة والواطية والآكلة)(٢) .

والعرية : النخلة والنخلات تهب إنساناً ثمرتها(٣) . وقد قالعليه‌السلام : ( ليس في العرايا صدقة )(٤) .

والواطئة : السابلة. سمّوا به ، لوطئهم بلاد الثمار مجتازين(٥) .

والآكلة : أرباب الثمار وأهلهم(٦) ، وقالعليه‌السلام : ( إذا خرصتم‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٨٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٧.

(٢) سنن البيهقي ٤ : ١٢٤.

(٣) راجع : الأموال - لأبي عبيد - : ٤٨٨ ، والصحاح ٦ : ٢٤٢٣ « عرا ».

(٤) الأموال - لأبي عبيد - : ٤٨٧ / ١٤٥١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٤.

(٥) راجع : الأموال - لأبي عبيد - : ٤٨٧ ، والنهاية - لابن الأثير - ٥ : ٢٠٠.

(٦) راجع أيضاً : الأموال - لأبي عبيد - : ٤٨٨.

١٦٧

فخذوا ودعوا الثُلْث فإن لم تدعوا الثُلْث فدعوا الربع )(١) .

وتأوّل الشافعي ذلك بأمرين :

أحدهما : إذا خرصتم فدعوا لهم الثُلْث أو الرُبع ليفرّقوه بأنفسهم على جيرانهم ومن يسألهم ويتبعهم.

والثاني : إذا لم يرض بما خرصه الساعي منعه من التصرف فيه ، فأمرهم أن يدعوا لهم الثلث أو الربع ليتصرّفوا فيه ، ويضمنوا حقّه بقدر ما يجي‌ء من الباقي(٢) .

مسألة ١٠١ : يخرص الخارص الجميع‌ ؛ لإِطلاق النصوص المقتضية لوجوب العُشر ، وهو الجديد للشافعي ، وفي القديم : يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكل منها هو وأهله ، ويختلف ذلك بقلّة العيال وكثرتهم(٣) .

والوجه : المنع ، لتعلّق حقّ الفقراء.

وقال أحمد : لا يحتسب على المالك ما يأكله بالمعروف(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الفقراء شركاء ، نعم لو قلّ جدّاً لم يحتسب ، لعسر الاحتراز منه.

مسألة ١٠٢ : لو ادّعى المالك غلط الخارص بالمحتمل قبل من غير يمين‌ ، وبه قال أحمد(٥) .

وقال الشافعي : لا بدّ من اليمين(٦) ، وسيأتي.

____________________

(١) مصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ١٩٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٥ / ٦٤٣ ، سنن أبي داود ٢ : ١١٠ / ١٦٠٥ ، سنن النسائي ٥ : ٤٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٣.

(٢) لم نجده في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.

(٣) المجموع ٥ : ٤٧٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٥ ، مغني المحتاج ١ : ٣٨٧.

(٤) المغني ٢ : ٥٦٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٢.

(٥) المغني ٢ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٠.

(٦) المجموع ٥ : ٤٨٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩١.

١٦٨

وإن ادّعى غير المحتمل لم تسمع دعواه في حطّ ذلك القدر.

وهل يحطّ القدر المحتمل؟ إشكال ينشأ من ظهور كذبه ومن ادّعاء القليل ضمناً ، وللشافعية وجهان(١) .

ولو ادّعى تعمّد الإِجحاف لم يلتفت إلى قوله كما لو ادّعى الكذب على الشاهد ، والجور على الحاكم.

ولو قال : أخذت كذا وبقي كذا ولا أعلم غير ذلك ، قُبل قوله وإن كان ممّا لا يقع غلطاً في الخرص ؛ لأنّه لم يضف ذلك إلى خطأ الخارص.

مسألة ١٠٣ : لو لم يخرج الإِمام خارصاً فاحتاج ربّ المال إلى التصرّف في الثمرة‌ فأخرج خارصاً جاز أن يأخذ بقدر ذلك ، ولو خرص هو وأخذ بقدر ذلك جاز أيضاً ، ويحتاط في أن لا يأخذ أكثر ممّا [ له ](٢) أخذه ، ولو لم يخرص لم يجز أن يتناول من الثمرة شيئاً وإن قلّ - خلافاً لأحمد(٣) - إن كان بعد بدوّ الصلاح ، ويجوز قبله.

مسألة ١٠٤ : لو ادّعى المالك التلف أو تلف البعض قُبل قوله بغير يمين‌ ، لأنّه حقّ لله تعالى فلا يمين فيه كالصلاة والحدّ - خلافاً للشافعي(٤) - سواء كان بسبب ظاهر كوقوع الجراد أو نزول الأكراد ، أو خفي كالسرقة ، إلّا أن يعلم كذبه ، لأنّ الشارع جعل الأمر إليه ، لقولهعليه‌السلام للساعي : ( قل لهم : هل لله في مالكم حقّ؟ ).

وقال الشافعي : إن ادّعى سبباً ظاهراً افتقر إلى البيّنة ، لأنّه مدّعٍ(٥) .

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٨٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩١ - ٥٩٢.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) المغني ٢ : ٥٦٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٢.

(٤ و ٥ ) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٨٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩ - ٨٠.

١٦٩

وتجب الزكاة في الباقي إن كان التلف بعد بدوّ الصلاح أو قبله وكان الباقي نصاباً ، ولو كان بعد بدوّ الصلاح وقصر الباقي عن النصاب وجبت أيضاً لو بلغ مع التالف ، خلافاً لبعض الجمهور حيث قال : إنّ الزكاة إنّما تجب يوم الحصاد(١) .

ولو ادّعى أنّها سرقت بعد نقلها إلى البيدر ضمن إن كان بعد إمكان الأداء وإلّا فلا.

مسألة ١٠٥ : لو تلفت الثمرة قبل بدوّ الصلاح ، أو الزرع قبل اشتداد الحبّ لم تجب الزكاة‌ إجماعاً ، وكذا إن أتلفه المالك سواء قصد الفرار من الزكاة أو لا عندنا ؛ لعدم المقتضي وأصالة البراءة ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أحمد ومالك : إن فعله فراراً وجبت الزكاة(٣) ، وليس بجيّد.

وكذا الخلاف لو أتلف النصاب أو بعضه قبل الحول فراراً ، أو سبك الذهب أو الفضة أو صاغهما حُليّاً وغيره.

مسألة ١٠٦ : لو احتاج إلى قطع الثمرة أجمع بعد بدوّ الصلاح لئلّا تتضرّر النخلة بمصّ الثمرة جاز القطع‌ إجماعاً ، لأنّ الزكاة تجب على طريق المواساة فلا يكلّف ما يتضرّر به ويهلك أصل ماله ، ولأنّ في حفظ الاُصول حظّاً للفقراء لتكرّر حقّهم.

ولا يضمن المالك خرصها ، بل يقاسم الساعي بالكيل أو الوزن بُسراً أو رطباً ، وله بيع الجميع ، ويأخذ الساعي حصّة الفقراء من الثمن ، ولو كفى تجفيف الثمرة جفّفها وأخرج الزكاة ممّا قطعه بعد بدوّ الصلاح.

وهل للمالك قطعها لمصلحة من غير ضرورة؟ الوجه ذلك ، لأنّ الزكاة‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٤.

(٢) المجموع ٥ : ٤٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٩.

(٣) المغني ٢ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٤.

١٧٠

وجبت مواساةً فلا يجوز تفويت مصلحته(١) بسببها فيقاسم.

وفي قطعها لغير مصلحة إشكال ينشأ من تضرّر الفقراء بقطعها لغير فائدة ، ومن عدم منع المالك من التصرف في ماله كيف شاء.

ومنع الشافعي من قطعها مطلقاً بدون إذن الساعي(٢) .

ولو أراد قطع الثمرة لتحسين الباقي منها جاز.

وقال بعض الجمهور : إذا قطع البعض لمصلحة كان عليه فيه الزكاة يابساً(٣) ، وهو رواية عن أحمد(٤) ، وليس بمعتمد.

مسألة ١٠٧ : يجوز للساعي أن يقاسم الثمرة مع المالك قبل الجذاذ وبعده‌ ، وهو أحد قولي الشافعي ؛ لأنّهما شريكان فيما تصحّ قسمته فجازت.

وفي الثاني : لا تجوز على رؤوس النخل بناء على أنّ القسمة بيع(٥) ؛ وهو ممنوع.

فإذا اختار المالك أن يسلّم عُشرها مشاعاً إلى الساعي تعيّن حقّ الفقراء فيه فإنّ الفقراء وإن ملكوا جزءاً من المال فإنّ ملكهم لا يستقرّ لجواز أن يدفع إليهم من غيره فإذا تسلّم ذلك تعيّن حقّهم فيه.

ويجوز للساعي أن يبيع نصيب الفقراء من صاحب الثمرة أو غيره ، أو يبيعا(٦) جميعاً ويقتسما الثمن ، وإذا قسّمها قبل الجذاذ قسّمها بالخرص ويأخذ نصيبهم نخلات منفردة ويأخذ ثمرها.

____________________

(١) في نسخة « ط » : مصلحة.

(٢) المجموع ٥ : ٤٧٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩٢.

(٣) وهو قول أبي بكر من فقهاء الحنابلة. راجع : المغني ٢ : ٥٧١ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٦٧.

(٤) المغني ٢ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٧.

(٥) المجموع ٥ : ٤٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩٢.

(٦) أي : يبيع الساعي وصاحب الثمرة.

١٧١

ولو قطعها المالك جاز قسمتها كيلاً أو وزناً ، وللشافعي قولان : أحدهما : المنع ، لاشتماله على الربا ، بل يأخذ الساعي العُشر مشاعاً ويبيعه(١) .

وهو ممنوع ، للتعديل ، ولأنّ للمالك أن يدفع إلى الفقراء أكثر ممّا يستحقّون.

مسألة ١٠٨ : إذا خرص الخارص وضمن المالك الحصة تصرّف في الثمرة كيف شاء‌ من أكل وبيع وغير ذلك ، لأنّه فائدة التضمين.

فإذا قطعها بعد الخرص قبل التضمين للحاجة أخذ الساعي عُشرها بسراً ، وإن كان لا لحاجة فكذلك.

وقال الشافعي : يأخذ عُشرها تمراً ، لأنّ الثمرة تجب تبقيتها إلى إدراكها ، فإذا قطعها ضمن خرصها بخلاف القطع للعطش(٢) . واختاره الشيخ في المبسوط(٣) .

وأمّا طلع الفحال فلا شي‌ء فيه إجماعاً ، لأنّه لا يجي‌ء منه شي‌ء تجب فيه الزكاة فهو بمنزلة ثمرة لا زكاة فيها.

وإذا ضمن المالك الحصّة فأكلها رطباً ضمن الزكاة بحكم الخرص تمراً ، وإن كان قبل التضمين بعد الخرص أو قبله كان القول قوله فيما وصل إليه ، ولا يمين عندنا - خلافاً للشافعي(٤) - ويضمن الحصة رطباً ، لأنّه الواجب عليه والمالك يضمن الزكاة بالمثل ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر : يضمن قيمة الرطب ، لأنّ الرطب لا مثل له(٥) ، وهو ممنوع.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٧٣ - ٤٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٨٢.

(٢) المجموع ٥ : ٤٧٥ - ٤٧٦.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢١٧.

(٤) الاُم ٢ : ٣٢.

(٥) المجموع ٥ : ٤٧١ - ٤٧٢ و ٤٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٩.

١٧٢

وحكم العنب حكم الرطب في ذلك كلّه.

مسألة ١٠٩ : يصحّ تصرف المالك في النصاب قبل الخرص وبعده‌ بالبيع والهبة وغيرهما إذا ضمن حصّة الفقراء ، فإذا باع كانت الصدقة عليه ، وكذا لو وهبها - وبه قال الحسن ومالك والثوري والأوزاعي(١) - لأنّها كانت واجبةً عليه ، ولأنّ الزكاة في العين.

ولو شرطها على المشتري جاز - وبه قال الليث(٢) - لأنّه شرط سائغ ، ولأنّ الزكاة تجب في العين التي انتقلت إلى المشتري فتجب على المشتري عملاً بالشرط.

ولو لم يضمن البائع الزكاة ولا شرطها على المشتري احتمل صحّة البيع في الجميع فيضمن البائع الزكاة ، لأنّه تصرف في مال الغير ، وبطلان البيع في قدر نصيب الفقراء ، لتعلّق حقّهم بالعين فهم شركاء فيتخيّر المشتري لو لم يعلم ، لتبعّض الصفقة عليه.

البحث الثاني

فيما ظنّ وجوب الزكاة فيه من الغلّات وليس كذلك‌

مسألة ١١٠ : لا زكاة في شي‌ء من الثمار والغلّات إلّا في التمر والزبيب والحنطة والشعير‌ عند علمائنا أجمع ، وهو رواية عن أحمد ، وبه قال ابن عمر وموسى بن طلحة والحسن البصري وابن سيرين والشعبي والحسن بن صالح بن حي وابن أبي ليلى وابن المبارك وأبو عبيد(٣) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٥ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٥٩.

(٢) المغني ٢ : ٥٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٥.

(٣) المجموع ٥ : ٤٥٦ ، المغني ٢ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٣ ، الأموال - لأبي عبيد - : ٤٧٢ - ٤٧٣ و ٤٧٨.

١٧٣

لقول عبد الله بن عمر : إنّما سنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحنطة والشعير والتمر والزبيب(١) .

وبعث(٢) أبا موسى ومعاذاً إلى اليمن يعلّمان الناس أمر دينهم ، فأمرهما أن لا يأخذا الصدقة إلّا من هذه الأربعة : الحنطة والشعير والتمر والزبيب(٣) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « وأمّا ما أنبتت الأرض من شي‌ء من الأشياء فليس فيه زكاة إلّا أربعة أشياء : البُرّ والشعير والتمر والزبيب »(٤) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « وضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الزكاة على تسعة أشياء : الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب والفضة والإِبل والبقر والغنم وعفا عمّا سوى ذلك »(٥) .

ولأنّ ما عدا هذه الغلّات لا نصّ فيها ولا إجماع ، ولا هي في معناها في غلبة « الاقتيات »(٦) بها وكثرة نفعها ووجودها ، فلا يصح قياسه عليها ، ولا إلحاقه بها فبقي الأصل ، وخالف جماعة من الجمهور في ذلك(٧) ، ونحن نذكره في مسائل :

مسألة ١١١ : لا زكاة في الحبوب‌ غير ما قلناه عند علمائنا ، وذهب‌

____________________

(١) سنن الدارقطني ٢ : ٩٤ / ١.

(٢) أي : بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ٩٨ / ١٥ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٥ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٠١.

(٤) التهذيب ٤ : ١٩ / ٥٠.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٠ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٥ / ١١ ، الاستبصار ٢ : ٥ / ١١.

(٦) ورد في الطبعة الحجرية والنسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : الأصناف. وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٧) راجع : المجموع ٥ : ٤٥٦ ، والمغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٨ ، وبداية المجتهد ١ : ٢٥٣.

١٧٤

الشافعي ومالك إلى أنّه ليس فيما عدا النخل والكرم من الشجر زكاة ، وأمّا الحبوب فلا تجب إلّا فيما يصان ويدّخر(١) .

وقال أبو حنيفة : تجب في جميع ما يقصد بزراعته نماء الأرض فتجب في جميع ما تنبته الأرض إلّا الحطب والقصب والحشيش(٢) .

وقال أبو يوسف ومحمد : تجب في الحبوب والثمار الباقية(٣) .

وقال أحمد : تجب في جميع الثمار والحبوب التي تكال وتدّخر سواء أنبته الآدميون أو نبت لنفسه - وأوجب الزكاة من اللوز دون الجوز ، لأنّ اللوز يكال(٤) - لقولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(٥) .

وهو معارض بقولهعليه‌السلام : ( ليس في الخضراوات صدقة )(٦) ولأنّه أعم ، ولأنّه ورد في معرض بيان قدر الواجب في هذا النوع من الأصناف التي تجب فيها الزكاة.

مسألة ١١٢ : لا زكاة في الزيتون‌ عند علمائنا أجمع - وهو الجديد‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٥٦ ، المغني ٢ : ٥٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٣ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٩٤ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٦٤.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٥٨ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٣ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٩ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٦‌

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٥٩ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٨ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣.

(٤) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٨ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٦.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٥٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٨ / ١٥٩٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٣١ / ٦٣٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٠ / ١٨١٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٧ / ٩ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٩ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٠١.

(٦) سنن الدارقطني ٢ : ٩٥ - ٩٦ / ٣ - ٦ و ٩٧ / ١٠ ، مصنّف عبد الرزاق ٤ : ١١٩ / ٧١٨٥.

١٧٥

للشافعي ، وقول ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبي عبيد وأحمد في رواية(١) - لأنّه لا يدّخر يابساً فأشبه الخضراوات ، ولأنّه ليس بمصان حالة الاختيار فلا تجب فيه الزكاة كغيره من الثمار ، ولأنّه إذا لم تجب في التين مع ما يمكن فيه من القوت فالزيتون أولى.

وقال في القديم : تجب فيه الزكاة ، وبه قال الزهري والأوزاعي ومالك والليث والثوري وأبو ثور وأحمد - في رواية - وأصحاب الرأي(٢) ، لقوله تعالى :( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) (٣) في سياق( وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمّانَ ) (٤) .

ولا حجّة فيه ، لأنّها لم يرد بها الزكاة ، لنزولها(٥) بمكة ، والزكاة فرضت بالمدينة ، ولهذا ذكر الرمان ولا زكاة فيه.

والموجبون شرطوا بلوغ خمسة أوسق(٦) .

والذي يطلب زيته كالشامي والمدقوقي يخرج عُشره زيتوناً أو زيتاً ، وما لا يطلب زيته ، بل يؤكل أدماً كالبغدادي يخرج عُشرة إذا بدا صلاحه ، لأنّها حالة الادّخار.

مسألة ١١٣ : لا زكاة في الورس‌ عند علمائنا أجمع - وهو قول الشافعي في الجديد وأحمد - لأنّه ليس بمقتات.

وفي القديم : تجب فيه - وهو رواية عن أحمد - ولا يوسق بل يجب من‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٥ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٥٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦١ - ٥٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٩٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٤ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٥٢.

(٣ و ٤ ) الأنعام : ١٤١.

(٥) يقصد بالضمير في ( لأنها ) و ( بها ) و ( لنزولها ) الآية.

(٦) المغني ٢ : ٥٥٢ و ٥٥٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٣ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣.

١٧٦

قليله وكثيرة ؛ لأنّ أبا بكر بعث إلى بني خُفّاش أن أدّوا زكاة الذرة والورس(١) ؛ وجاز أن يكون عن اجتهاد.

وكذا لا زكاة في غيره من الورق مثل السدر والخطمي والأشنان والسعتر والآس ، لأنّه ليس بمنصوص ولا في معناه.

مسألة ١١٤ : لا زكاة في الأزهار كالزعفران والعُصْفُر والقُطْن‌ عند علمائنا أجمع - وهو قول أحمد في رواية(٢) - للأصل ، ولأنّه ليس بحَبّ ولا تمر فأشبه الخضراوات.

ولقول عليعليه‌السلام : « ليس في الفاكهة والبقل والتوابل(٣) والزعفران زكاة »(٤) .

وللشافعي قولان في الزعفران : الوجوب وعدمه(٥) .

وأما القِرْطِمْ - وهو حَبّ العُصْفُر - فلا زكاة فيه عندنا - وهو الجديد للشافعي(٦) - لأنّه ليس بمقتات ، ولأنّ السِّمْسِم لا تجب فيه الزكاة ودهنه أنفع فهذا أولى.

وفي القديم : تجب وتعتبر الأوساق الخمسة بخلاف الزعفران ، لحديث أبي بكر(٧) . ولا حجّة فيه ، وحكي عن أحمد أنّ في القطن زكاةً(٨) .

____________________

(١) المهذب - للشيرازي - ١ : ١٦٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، المغني ٢ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٠ - ٥٥١ ، وانظر : سنن البيهقي ٤ : ١٢٦.

(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٥١.

(٣) التوابل : جمع ، واحدها : تابل. وتبل القدر : جعل فيه التابل. والتابل : أبزار الطعام.

القاموس المحيط ٣ : ٣٤٠ « تبل ».

(٤) أورده ابن قدامة في الشرح الكبير ٢ : ٥٥١.

(٥) المجموع ٥ : ٤٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣.

(٦ و ٧ ) المجموع ٥ : ٤٥٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٨) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٥١.

١٧٧

مسألة ١١٥ : العسل لا زكاة فيه‌ عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك والشافعي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح بن حي وابن المنذر(١) - للأصل ، والأحاديث الدالّة على نفي الزكاة عن غير التسعة ، ولأنّه مائع خارج من حيوان فأشبه اللبن.

وقال عمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري وسليمان بن موسى والأوزاعي وأحمد وإسحاق : تجب فيه بكلّ حال(٢) ، لأنّ عمرو بن شعيب روى عن أبيه عن جدّه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأخذ في زمانه من قرب العسل من كلّ عشر قرب قربة من أوسطها(٣) .

وقال أبو سيّارة : يا رسول الله إنّ لي نحلاً ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أدِّ العُشر ) قال : فاحم إذن جبلها. فحماه له(٤) .

ولا حجّة فيه ، لجواز أن لا يكون زكاة بل كان يأخذ خُمساً ونصفه لنفسهعليه‌السلام .

وقال أبو حنيفة : إن كان في غير أرض الخراج وجب فيه العُشر ؛ لأنّ العُشر والخراج لا يجتمعان(٥) .

ولا حجّة فيه علينا بل على أحمد.

____________________

(١) المنتقي - للباجي - ٢ : ١٧٢ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ١٦٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ - ٧٤ ، المغني ٢ : ٥٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩.

(٢) المغني ٢ : ٥٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٣) الأموال - لأبي عبيد - : ٤٩٦ - ١٤٨٩.

(٤) الأموال - لأبي عبيد - : ٤٩٦ / ١٤٨٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٤ / ١٨٢٣ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٦ ، وانظر : المغني ٢ : ٥٧٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٨٠.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٦٢ ، اللباب ١ : ١٥٢ ، المغني ٢ : ٥٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ و ٥٨٠ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

١٧٨

واختلف الموجبون ، فقال أبو يوسف ومحمد : نصابه خمسة أوساق(١) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )(٢) .

وقال أبو حنيفة : تجب في قليله وكثيره ؛ بناءً على أصله في الحبوب والثمار(٣) .

وقال أحمد : نصابه عشرة أفراق ، والفَرْق ستّة عشر رطلاً بالعراقي ، وهو قول الزهري ، لقول عمر : إن أدّيتم صدقتها من كلّ عشرة أفراق فرقاً حميناها لكم(٤) ، ولا حجّة فيه.

مسألة ١١٦ : قال الشيخ : العَلَس نوع من الحنطة ، لأنّه حنطة حبّتان منه في كمام فتجب فيه الزكاة‌ حينئذٍ ، ويضمّ إلى نصاب الحنطة لو قصر إلّا به(٥) .

وأمّا السُّلْت ، فقال : إنّه شعير ، لمشابهته إيّاه في الصورة فيضمّ إليه حينئذٍ(٦) .

وقال بعض الشافعية : بل يضمّ إلى الحنطة ، لأنّه على طبعها(٧) .

وقال آخرون : إنّه أصل بنفسه(٨) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٨٠.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ٩٧٩ ، صحيح البخاري ٢ : ١٤٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ ، سنن النسائي ٥ : ١٧.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٦٢ ، اللباب ١ : ١٥٢ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٦ ، المغني ٢ : ٥٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٨٠.

(٤) المغني ٢ : ٥٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٨٠.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢١٧.

(٦) الخلاف ٢ : ٦٥ ، المسألة ٧٧.

(٧) المجموع ٥ : ٥١٠.

(٨) المجموع ٥ : ٥٠٩.

١٧٩

وللشافعي قولان : الضمّ إلى الشعير ، وعدم ضمّه مطلقاً(١) ، وهو الأقرب عندي.

وجعل الشافعي نصاب العَلَس عشرة أوسق لأجل قشره(٢) .

مسألة ١١٧ : لا شي‌ء في الاُرز عندنا ، ولا في غيره من الحبوب سوى الحنطة والشعير‌ ، سواء كان من القُطنيّات التي تقطن في البيت وهي اللوبيا والعَدس والماش والحِمَّص والباقِلاء والهُرْطُمان ، أو من الأبازير(٣) كالكُسْفُرة والكَمُّون ، أو البُزُور كبَزْر الكتّان والقِثّاء والخيار ، أو حبّ البقول كالرشاد ، وحَبّ الفُجْل والقِرْطِمْ والسِّمْسِم وسائر الحبوب - خلافاً لأحمد(٤) - للأصل.

وقال الشافعي : لا تجب الزكاة في الزرع إلّا أن يكون ممّا ييبس ويدّخر ويقتات وينبته الآدميون وهي القطنيّة إذا بلغ كلٌّ منها نصاباً ، ولا يضمّ بعضها إلى بعض(٥) .

واختلفت الرواية عن أحمد في الضمّ(٦) .

وجعل الشافعي نصاب الاُرز عشرة أوسق لأجل قشره(٧) .

وقال أبو حنيفة : تجب الزكاة في كلّ ما يقصد بزراعته نماء الأرض إلّا الحَطَب والقَصَب والحشيش(٨) .

____________________

(١) المجموع ٥ : ٥٠٩ - ٥١٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٠.

(٢) المجموع ٥ : ٥٠٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٩.

(٣) الأبازير جمع الجمع لـ ( أبزار ) واحدها : بزر. بمعنى : التابل. وهو ما يتطيّب به الطعام.

لسان العرب ٤ : ٥٦ « بزر ».

(٤) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٨.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٣ ، المجموع ٥ : ٤٩٦ ، حلية العلماء ٣ : ٨٣.

(٦) المغني ٢ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٩.

(٧) المجموع ٥ : ٥٠٤ ، مغني المحتاج ١ : ٣٨٣.

(٨) بدائع الصنائع ٢ : ٥٨ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٩ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٨٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٣.

١٨٠

وأمّا الخُضراوات فلا صدقة فيها إجماعاً ، لقولهعليه‌السلام : ( ليس في الخضراوات صدقة )(١) .

مسألة ١١٨ : ولا زكاة فيما ينبت من المباح الذي لا يملك إلّا بأخذه‌ كالبُطْم والعَفْص والزعبل وهو شعير الجَبَل ، وبَزْر قَطونا ، وبَزْر البَقْلة ، وبَزْر الاُشنان إجماعاً إلّا عند بعض الحنابلة فإنّ فيه الزكاة إذا نبت في أرضه(٢) .

المطلب الرابع

في اللواحق‌

مسألة ١١٩ : يشترط بقاء عين النصاب طول الحول‌ ، فلو بادل به في أثنائه من جنسه أو من غير جنسه ، وسواء كان من الماشية أو الأثمان اعتبر ابتداء الحول من حين المعاوضة ، وبه قال الشافعي(٣) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٤) .

ولأنّه أصل بنفسه تجب الزكاة في عينه فلم يبن حوله على غيره كالجنسين.

وقال الشيخ : إن بادل بجنسه بنى على حوله ، وإن كان من غير جنسه استأنف مطلقاً(٥) ، وله قول آخر : إن بادل بالجنس أو بغيره فراراً وجبت وإلّا

____________________

(١) سنن الدارقطني ٢ : ٩٥ / ١ و ٩٦ / ٤ - ٦.

(٢) المغني ٢ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦١.

(٣) الاُم ٢ : ٢٤ - ٢٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٦١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٥ / ٦٣١ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ - ٩١ / ٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٥.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٠٦.

١٨١

فلا(١) .

وبأوّلهما قال مالك ، إلّا أنّه فصَّل ، فقال في غير الحيوان بذلك ، وفي الحيوان روايتان ، وإن أبدل الحيوان بالأثمان لم يبن على حوله(٢) .

وقال أبو حنيفة في الماشية كقولنا ، وفي الذهب والفضّة يبني حول أحدهما على الآخر(٣) .

وقال أحمد : يبني حول الجنس على جنسه من الحيوان ، ولا يبني على غير جنسه منه ، ويبني حول الفضّة على الذهب إذا بادل به ، لأنّه نصاب يضمّ إليه نماؤه في الحول فيبني حول بدله من جنسه على حوله كالعروض ، ولأنّهما مالان زكاتهما واحدة فيبني حول أحدهما على الآخر كعروض التجارة ، ولأنّ التهمة تلحقه في الفرار من الزكاة ، لأنّ الفرض بالجنس الواحد لا يختلف(٤) .

ونمنع ضمّ النماء ، والزكاة في التجارة تتعلّق بالقيمة وهو جنس واحد ، والفرار لا اعتبار به لما يأتي ، والجنسان لا يضمّ أحدهما إلى الآخر مع وجودهما فأولى أن لا يبنى حول أحدهما على الآخر.

مسألة ١٢٠ : إذا نقص النصاب قبل الحول بطل الحول‌ سواء نقص لحاجته إلى نقصه أو قصد بإتلافه الفرار من الزكاة ، وسواء تلف البعض أو أبدله بغير جنسه أو بجنسه ، وسواء كان الإِبدال أو الإِتلاف عند قرب الوجوب أو في‌

____________________

(١) نسبه الى جمل الشيخ الطوسي أيضاً ، السيد العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٧٤ ولم نجده.

(٢) المدونة الكبرى ١ : ٣٢١ - ٣٢٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧٢ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٧ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٣.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ١٥ ، المبسوط - للسرخسي - ٢ : ١٦٦ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٠ ، المغني ٢ : ٥٣٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٣.

(٤) المغني ٢ : ٥٣٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٨ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦.

١٨٢

أول الحول ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) ؛ لأنّه مال تجب الزكاة في عينه نقص نصابه قبل تمام حوله فوجب أن ينقطع حوله ، ولا تجب الزكاة كما لو أتلفه لحاجته.

وقال مالك وأحمد : إن أتلف جزءا أو أبدل عند قرب الوجوب فرارا لتسقط الزكاة لم تسقط ووجبت عليه الزكاة التي كانت تجب قبل الفرار ، لقوله تعالى( إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ) (٢) عاقبهم الله تعالى بذلك لفرارهم من الصدقة.

ولأنّه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه فلم يسقط كما لو طلّق امرأته في مرض موته(٣) .

والآية قيل : إنّما كان لأنّهم لم يستثنوا بقولهم : إن شاء الله(٤) ، والفرق في المطلّقة ظاهر ، لتعلّق حقّها بماله في حالة المرض ، والفقراء لم يتعلّق حقّهم به إلّا بحؤول الحول.

فروع :

أ - إذا حال الحول أخرج الزكاة في المعاوضة - على رأي الشيخ - من جنس المبيع دون الموجود ، لأنّه الذي وجبت الزكاة بسببه.

ب - قال في الخلاف : إذا كان معه نصاب من جنس ففرّقه في أجناس‌

____________________

(١) الاُم ٢ : ٢٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٦١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥١ - ٥٢ ، المغني ٢ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٥.

(٢) القلم : ١٧ - ٢٠.

(٣) الشرح الصغير ١ : ٢١٣ ، المغني ٢ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦.

(٤) اُنظر : مجمع البيان ٥ : ٣٣٦.

١٨٣

مختلفة فراراً من الزكاة لزمته إذا حال الحول على أشهر الروايات ، لأنّ إسحاق ابن عمار سأل الكاظمعليه‌السلام عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير أعليه زكاة؟ فقال : « إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة » قلت : لم يفرّ بها ، ورث مائة درهم وعشرة دنانير ، قال : « ليس عليه زكاة » قلت : لا يكسر الدراهم على الدنانير ولا الدنانير على الدراهم؟ قال : « لا »(١) .

ج - لو سبك الذهب والفضة أو اتّخذهما حُليّاً فراراً من الزكاة قبل الحول سقطت ، وبعده لا تسقط.

وقال الشيخ : تجب في الأول(٢) ، وقد تقدّم(٣) .

د - لو كان البيع فاسداً لم ينقطع حول الزكاة في النصاب ، وبنى على حول الأول ، لأنّ الملك لم ينتقل فيه ، ثم إن تمكّن من استرداده وجبت الزكاة وإلّا فكالمغصوب.

ه- لو باع غنمه بضعفها كان عليه زكاة الأصل إن أوجبناها.

وقال أحمد : يزكّى الجميع ، لأنّ نماءها معها(٤) .

ولو باع النصاب بنصفه كمائتين يبيعها بمائة فعليه زكاة مائة وحدها.

و - لو لم يقصد الفرار بالمبادلة انقطع حول الأول عند أكثر القائلين بالوجوب ، واستأنف بما استبدل به حولاً إن كان محلّاً للزكاة.

ويكره الفرار قبل الحول إجماعاً ، لما فيه من التوصّل إلى ترك المواساة وإعانة الفقراء المطلوبة شرعاً.

مسألة ١٢١ : لو بادل نصاباً بمثله في الأثناء ، فإن كانت صحيحةً زال‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٩٤ / ٢٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٤٠ / ١٢٢ ، والخلاف ٢ : ٥٧ ، المسألة ٦٦.

(٢) المبسوط ١ : ٢١٠.

(٣) تقدم في الفرع ( و) من المسألة ٧١.

(٤) المغني ٢ : ٥٣٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٩.

١٨٤

ملكه عن النصاب وانقطع الحول ، فإذا وجد بما وصل إليه عيباً(١) فإن كان قبل الحول ردّه واسترجع ماله ، واستأنف به الحول ، لتجدّد ملكه ، ولهذا لا يستحق نماءه الحاصل في يد مشتريه.

وإن وجده بعد الحول قبل الأداء لم يكن له الردّ لتعلّق الزكاة بالعين والشركة عيب ، وبه قال الشافعي على تقديري وجوبها في العين أو الذمة(٢) ؛ لأنّ قدر الزكاة مرهون فلا يملك الردّ كما لو اشترى شيئاً ثم رهنه ثم وجد به عيباً لم يكن له الردّ ، أو اشترى عبداً فجنى لم يكن له الردّ ، وليس له الرجوع بأرش العيب ، لأنّه لم ييأس من الردّ.

وإن كان بعد الأداء من الغير فله الردّ ، لبقاء المبيع بحاله ، وهو أحد قولي الشافعية ، والثاني : منع الرد ، لأنّ الزكاة استحقاق جزء من العين ، لزوال ملكه عنه ورجوعه إليه(٣) .

وإن أخرج من العين لم يكن له الردّ ، لتفريق الصفقة على البائع ، وللشافعي قولان(٤) .

فعلى التفريق يردّ ما بقي ، ويسقط من الثمن بقدر الشاة المأخوذة فيقوّم ويقوّم ما بقي ويبسط الثمن عليهما.

قال الشيخ : ولا أرش له ، لأنّه قد تصرّف فيه(٥) ، وليس بجيّد ، لأنّ التصرّف يسقط الردّ لا الأرش.

فإن اختلفا في الشاة المفقودة ، فقولان : تقديم المشتري ؛ لأنّ الشاة تلفت في ملكه فكان منكراً ، وتقديم البائع ، لأنّه يجري مجرى الغارم لأنّه إذا‌

____________________

(١) في نسختي « ف ط » : عيب.

(٢) الاُم ٢ : ٢٤ ، المجموع ٥ : ٣٦٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٠ ، مغني المحتاج ١ : ٣٧٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٦٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩١.

(٤) المجموع ٥ : ٣٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩١.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢٠٧.

١٨٥

كثرت قيمتها قلّ ما يغرمه ، فإذا قلّت كثر.

وعلى عدم التفريق كان له الرجوع بالأرش ، وهو مذهبنا إلّا أنّه جعل له ذلك إن أيس من الردّ ، وإن لم ييأس لم يكن له الأرش.

مسألة ١٢٢ : الأقرب عندي جواز تصرّف المالك في النصاب الذي وجبت فيه الزكاة‌ بالبيع والهبة وأنواع التصرفات ، وليس للساعي فسخ البيع ولا شي‌ء من ذلك ، لأنّه مالك فيجوز له التصرّف فيه بجميع أنواعه ، وتعلّق الزكاة به ليس بمانع سواء قلنا الزكاة تجب في العين أو لا ، لأنّ تعلّقها بالعين تعلّق لا يمنع التصرف في جزء من النصاب فلم يمنع في جميعه كأرش الجناية.

ولأنّ ملك المساكين غير مستقرّ فيه فإنّ له إسقاط حقّهم منه بدفع القيمة فصار التصرف فيه اختياراً بدفع غيره.

إذا ثبت هذا ، فإن أخرج الزكاة من غيره وإلّا كلّف إخراجها ، وإن لم يكن متمكناً فالأقرب فسخ البيع في قدر الزكاة وتؤخذ منه ويرجع المشتري عليه بقدرها ، لأنّ على الفقراء إضراراً في إتمام البيع وتفويتاً لحقّهم فوجب فسخه ، ثم يتخيّر المشتري لتبعّض الصفقة ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد(١) ، إلّا أنّ أحمد قال : إذا عجز عن أداء الزكاة بقيت في ذمته كسائر الديون ، ولا تؤخذ من النصاب.

وأبو حنيفة يقول : إن كان تصرفه يقطع الحول بأن يبيعه أو يجعله عوضاً في نكاح أو خلع ضمن الزكاة ، وإن كان تصرّفاً لا يقطع الحول لم يضمن.

وقال الشافعي في صحة بيع قدر الزكاة قولان : الصحة إن تعلّقت الزكاة بالعين ، لعدم استقرار ملك المساكين ، ولهذا له أن يسقط حقّهم منه بدفع غيره ، والبطلان إن تعلّقت بالذمة ، لأنّ قدر الزكاة إمّا مستحق أو مرتهن ، وأمّا بيع باقي النصاب فإنّه يصحّ على تقدير صحة البيع في قدر الزكاة ، وعلى تقدير‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٣٥ و ٥٣٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٨.

١٨٦

الفساد فقولان مبنيّان على تفريق الصفقة ، فإن قيل بعدمه بطل في الباقي ، وإلّا صح فيتخيّر المشتري(١) .

ولو عزل قدر الزكاة من النصاب ، ثم باع الباقي صحّ ، لأنّه باع حقّه من المال.

وللشافعي وجهان ، أحدهما : المنع ، لعدم تعيّن الزكاة إلّا بالدفع(٢) .

مسألة ١٢٣ : الزكاة تجب في العين لا في الذمة‌ عند علمائنا ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي - في الجديد - وأحمد في أظهر الروايتين.

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين شاة شاة )(٣) و ( فيما سقت السماء العُشر )(٤) إلى غير ذلك من الألفاظ الواردة بحرف « في »(٥) وهي للظرفية ، ولأنّها تجب بصفة المال وتسقط بتلفه(٦) .

وقال الشافعي في القديم : إنّها تتعلّق بالذمة والعين مرتهنة بذلك ، لأنّها زكاة فكان محلّها الذمة كزكاة الفطرة ، ولأنّه يجوز الإِخراج من غيرها فلا تتعلّق بالعين ، ولأنّه لا يتبعها النماء فلا تتعلّق بالعين ، وزكاة الفطرة لا تتعلّق بالمال‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٢ ، المجموع ٥ : ٣٦٢ و ٤٦٨ - ٤٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٣ ، المغني ٢ : ٥٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٨.

(٢) المجموع ٥ : ٤٧٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٥.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٨ / ١٨٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٨٨.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٥٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٨ / ١٥٩٦ ، سنن النسائي ٥ : ٤١ و ٤٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٣١ / ٦٣٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٠ و ٥٨١ / ١٨١٦ و ١٨١٧ ، مسند أحمد ٣ : ٣٤١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢٩ و ١٣٠.

(٥) كقولهعليه‌السلام : ( في خمس من الإِبل شاة ) و ( في عشرين مثقالاً نصف مثقال ) و ( في الرقة رُبع العُشر ).

(٦) المهذّب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥١ ، اللباب ١ : ١٤٦ ، المغني ٢ : ٥٣٦ - ٥٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣.

١٨٧

فلهذا تعلّقت بالذمّة(١) .

وجواز الإِخراج من الغير للإِرفاق بالمالك ، وملك المساكين غير مستقر حيث كان للمالك العدول فلم يتبعه النماء ، على أنّ لمانعٍ أن يمنع ذلك.

فروع :

أ - الزكاة تتعلّق بالعين عندنا وعند أبي حنيفة إلّا أنّ أبا حنيفة قال : لا يستحق بها جزء منها وإنّما تتعلّق بها كتعلّق الجناية(٢) بالعبد الجاني - وهو إحدى الروايتين عن أحمد - لأنّ تعلّق الزكاة بالمال لا يزيل ملك المالك عن شي‌ء من ماله كالشاة المتعلّقة بالخمس(٣) من الإِبل(٤) .

وعندي فيه إشكال تقدّم.

ب - لو ملك أربعين شاة فحال عليها حولان ولم يؤدّ الزكاة وجب عليه شاة واحدة ، لتعلّق الزكاة بالعين عندنا فنقصت في الحول الثاني ، ومن أوجب الزكاة في الذمّة أوجب شاتين(٥) .

ج - لو كان له أربعون فحال عليها الحول وقد نتجت شاة ، ثم حال آخر وقد نتجت فيه اُخرى ، ثم ثالث ونتجت فيه ثالثة فإنّه يجب عليه ثلاث شياه ، لأنّ الحول الأول حال وهي إحدى وأربعون فوجبت شاة وبقي أربعون فحال الثاني وهي إحدى وأربعون ، وهكذا في الثالث ، إلّا أنّ هذا على قول من يجعل حول السخال تابعاً للاُمّهات ، أمّا عندنا فإن حصل السوم حولاً فكذلك ، وكذا إذا ملك في أول كلّ حول شاة.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣ ، المغني ٢ : ٥٣٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٩.

(٢) يعني أرش الجناية.

(٣) ورد في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : بالخمسة. والصحيح ما أثبتناه.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٣٣ ، المغني ٢ : ٥٣٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٢.

(٥) اُنظر : المغني ٢ : ٥٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٢ ، والمجموع ٥ : ٣٨٠.

١٨٨

د - لو كان عنده أكثر من النصاب وحال عليه أحوال تعدّدت الزكاة وجبر الناقص من النصاب بالزائد عليه إلى أن يقصر عن النصاب فتسقط حينئذٍ.

ه- لو ملك خمساً من الإِبل فلم يؤدّ زكاتها أحوالاً فعليه شاة واحدة لا غير - وهو أحد قولي الشافعي(١) - لأنّها نقصت بوجوب الزكاة فيها في الحول الأول عن خمس كاملة فلم يجب عليه فيها شي‌ء كما لو ملك أربعاً وجزءاً من بعير.

وقال أحمد : عليه في كلّ سنة شاة على تقدير الوجوب في العين أيضاً ؛ لأنّ الواجب هنا من غير النصاب فلا ينقص به النصاب كما لو أدّاه(٢) ، بخلاف سائر الأموال فإنّ الزكاة يتعلّق وجوبها بعينه ( فتنقصه )(٣) كما لو أدّاه من النصاب(٤) .

ونمنع الوجوب من غير النصاب ، بل الواجب هنا في العين قيمة شاة.

و - لو ملك ستّاً وعشرين وحال عليها أحوال فعليه للأول بنت مخاض ، وللثاني خمس شياه ، وللثالث أربع ، وهكذا إلى أن يقصر عن عشرين فتجب ثلاث شياه ، وهكذا إلى أن يقصر ( عن عشر فتجب شاتان ، وهكذا إلى أن يقصر عن خمس )(٥) .

وقال أحمد : عليه للحول الأول بنت مخاض ، ولكلّ حولٍ بعده أربع‌

____________________

(١) المهذب - للشيرازي - ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٨٠ - ٣٨١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٦ ، المغني ٢ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٣.

(٢) أي أدّاه من غير النصاب.

(٣) في النسخ الخطية : « فسقط » وفي الحجرية : « فقط » « فسقط خ ل » وما أثبتناه من المصدر ، وهو أقرب لسياق العبارة.

(٤) المغني ٢ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٣.

(٥) كذا في النسخ الخطية والطبعة الحجرية ، والظاهر أنّ الصواب - كما في هامش « ط ، ن » - هكذا : عن خمسة عشر فتجب شاتان وهكذا إلى أن يقصر عن عشر فتجب شاة.

١٨٩

شياه ، ولو بلغت ( قيمة الشاة )(١) الواجبة أكثر من خمس من الإِبل وجب عليه للأول بنت مخاض ، وللثاني خمس من الغنم ، وللثالث ثلاث(٢) .

ز - الزكاة وإن وجبت في العين إلّا أنّ لرب المال أن يعيّن ذلك من أيّ جزءٍ شاء منه ، وله أن يعطي من غيره إجماعاً إلّا من شذّ.

مسألة ١٢٤ : إمكان الأداء شرط في الضمان لا الوجوب‌ ، فإذا حال الحول على النصاب وجبت سواء تمكّن من الأداء أو لم يتمكّن ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد(٣) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٤) مفهومه الوجوب عند الحول.

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « فإذا حال الحول وجبت عليه »(٥) .

وقال مالك والشافعي في القديم : إمكان الأداء شرط في الوجوب ، فشرط في الوجوب ثلاث شرائط : الحول ، والنصاب ، وإمكان الأداء ، حتى أنّ مالكاً قال : لو أتلف الماشية بعد الحول قبل إمكان الأداء لم تكن عليه زكاة إذا لم يقصد الفرار من الزكاة ، لأنّ إمكان الأداء شرط في وجوب سائر العبادات من الصلاة والصوم والحج فكذا الزكاة.

____________________

(١) الظاهر أن الصحيح : قيم الشياه. كما في الشرح الكبير.

(٢) المغني ٢ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٣ ، وفيهما إلى قوله : أكثر من خمس من الإِبل.

وعلى هذا يكون الواو في « ولو بلغت » وصليّةً لا استئنافية.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٢٢ ، المغني ٢ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ و ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣١.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ - ١٠١ / ١٥٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ - ٩١ / ٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٩٥.

(٥) التهذيب ٤ : ٤١ / ١٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦١.

١٩٠

ولأنّ المال لو تلف قبل إمكان الأداء سقطت فدلّ على أنّها لم تجب ، وإمكان الأداء شرط في استقرارها ، وتلك عبادات أيضاً كلّف فعلها ببدنه ، فإذا تعذّر لم تجب ، وهنا عبادة مالية يمكن مشاركة المساكين في ماله وحصوله قبل أدائه فوجبت.

وأمّا سقوطها بتلفها : فلأنّه أمين لم يوجد من جهته تفريط فلا يضمن كالمودع(١) .

ويعارض : بأنّه لو أتلف المال بعد الحول لم تسقط عنه عند الشافعي(٢) ، ولو لم تجب أوّلاً لسقطت كما لو أتلفه قبل الحول ، ولأنّه لو لم يمكنه الأداء حتى مضى حول آخر لوجبت زكاة حولين ولا يجب فرضان في نصاب واحد في حالة واحدة.

وقول مالك ضعيف ، لأنّه إسقاط حقّ وجب في المال وتمكّن من أدائه.

مسألة ١٢٥ : إذا حال الحول ولم يتمكّن من الأداء فتلف النصاب سقطت الزكاة‌ - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة والحسن بن صالح بن حي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر ، وحكاه أيضاً عن أحمد(٣) - لأنّها تجب على سبيل المواساة ، فلا تجب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال وفقر من تجب عليه ، ولأنّها عبادة يتعلّق وجوبها بالمال فإذا تلف قبل إمكان أدائها سقط فرضها كالحج.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سمّاها‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٣١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ و ٣٧٧ ، الوجيز ١ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ ، المغني ٢ : ٥٣٩ - ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٠ - ٤٧١ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٤٥.

(٢) الاُم ٢ : ٥٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٢.

(٣) المجموع ٥ : ٣٧٦ و ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، المغني ٢ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧١ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣ و ٢٢.

١٩١

لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي‌ء عليه »(١) .

وقال أحمد : لا تسقط الزكاة بتلف المال فرّط أو لم يفرّط ، لأنّه مال وجب في الذمة فلا تسقط بتلف النصاب كالدّين(٢) .

ونمنع الاُولى.

إذا ثبت هذا ، فلو تلف بعض النصاب قبل إمكان الأداء سقط عنه بقدر ما تلف وقال الشافعي في القديم : يسقط الجميع(٣) بناء على أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب.

مسألة ١٢٦ : لو تلف المال بعد الحول وإمكان الأداء وجبت الزكاة‌ عند علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي وأحمد والحسن بن صالح بن حي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر(٤) .

ولا فرق بين أن يكون من الأموال الظاهرة أو الباطنة ، ولا بين أن يطالبه الإِمام أو لا ، لأنّها زكاة واجبة مقدور على أدائها فإذا تلفت ضمنها كما لو طالبه الإِمام وكغير المواشي.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها »(٥) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٣ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٦ / ٤٧ ، التهذيب ٤ : ٤٧ / ١٢٣.

(٢) المغني ٢ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٠ ، الإِنصاف ٣ : ٤٠ - ٤١.

(٣) الاُم ٢ : ١٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ ، الوجيز ١ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٨ - ٥٤٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٤) مختصر المزني : ٤٢ ، الاُم ٢ : ١٢ ، المجموع ٥ : ٣٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٠ ، المغني ٢ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٢ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٤.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٥ / ٤٦ ، التهذيب ٤ : ٤٧ / ١٢٥.

١٩٢

وقال أبو حنيفة : تسقط الزكاة بتلف النصاب بعد الحول وإمكان الأداء على كلّ حال إلّا أن يكون الإِمام أو الساعي طالبه بها فمنعها(١) .

ولا مطالبة عنده في الأموال الباطنة وإنما تتوجه المطالبة إلى الظاهرة فإذا أمكنه الأداء لم يلزمه الأداء إلّا بالمطالبة فإذا لم يؤدّ حتى هلكت فلا ضمان.

وقال أبو سهل الزجاجي من أصحابه : لا يضمن أيضاً وإن طالبه الإِمام بالأموال الظاهرة(٢) .

وقال مالك كقولنا في غير المواشي ، وفي المواشي كقول أبي حنيفة(٣) .

واحتجّوا بأنه أمين فإذا تلفت قبل مطالبة مَن له المطالبة لم يضمن كالوديعة.

والفرق : عدم وجوب الدفع قبل المطالبة في الوديعة وهنا تجب.

إذا ثبت هذا ، فعادم المستحق والبعيد عن المال ، وعدم الفرض في المال ، وفقدان ما يشتريه ، أو الساعي في طلب الشراء ، أو نحو ذلك غير مفرّطين.

مسألة ١٢٧ : لا تسقط الزكاة بموت المالك بعد الحول‌ وإن لم يتمكّن من إخراجها ، وتخرج من ماله وإن لم يوص عند علمائنا أجمع - وبه قال عطاء والحسن البصري والزهري وقتادة ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وابن المنذر(٤) - لأنّها حقّ واجب تصح الوصيّة به فلا تسقط بالموت كالدّين ،

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٢٢ و ٥٢ - ٥٣ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٤ ، المغني ٢ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧١ ، المجموع ٥ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٠.

(٢) حلية العلماء ٣ : ١٠.

(٣) بداية المجتهد ١ : ٢٤٩ ، المغني ٢ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧١.

(٤) المغني ٢ : ٥٤٠ - ٥٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٤ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٩ ، الاُم ٢ : ١٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٥ - ٣٣٦.

١٩٣

ولأنّها حق مالي واجب فلا يسقط بموت من هو عليه كدَيْن الآدمي.

وقال الأوزاعي والليث : يؤخذ من الثُلْث مقدّماً على الوصايا ، ولا يجاوز الثُلْث(١) .

وقال ابن سيرين والشعبي والنخعي وحمّاد بن أبي سليمان وداود بن أبي هند والبتي والثوري وأصحاب الرأي : لا تخرج بل تسقط إلّا أن يوصي بها فتخرج من الثلث ، ويزاحم بها أصحاب الوصايا ، لأنّها عبادة من شرطها النيّة فسقطت بموت من هي عليه كالصوم والصلاة(٢) .

ويمنع الأصل عندنا.

ومَن وافقهم يفرّق بأنّهما عبادتان بدنيّتان لا تصلح الوصية بهما ، ولا النيابة فيهما.

إذا ثبت هذا فإنّ الزكاة تسقط باسلام المالك إذا كان كافراً أصليّاً ، لأنّ الزكاة تجب عليه عندنا ، فإذا أسلم سقطت سواء تمكّن من الأداء أو لا ، وسواء تلفت بتفريطه أو أتلفها هو أو لا ، وسواء كانت العين باقيةً أو لا.

مسألة ١٢٨ : لو استفاد مالاً ممّا يعتبر فيه الحول ولا مال سواه‌ ، أو كان أقلّ من النصاب ، فبلغ بالمستفاد نصاباً ، انعقد حول الزكاة من حينئذٍ ، فإذا تمّ وجبت الزكاة إجماعاً ، وإن كان عنده نصاب ، فالمستفاد إن كان من نمائه ( كربح مال )(٣) التجارة ونتاج السائمة ، استقبل الحول بالفائدة من حال حصولها ، عند علمائنا أجمع - خلافاً للجمهور(٤) كافة - لأنّه مال منفرد بنفسه‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٤ ، المجموع ٥ : ٣٣٦.

(٢) المغني ٢ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٤ ، المجموع ٥ : ٣٣٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥٣ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٥.

(٣) ورد في النسخ الخطية والحجرية : كمال. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤) المغني ٢ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٦٥ - ٦٦ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٤٤ - ١٤٥.

١٩٤

فكان له حكم نفسه ، ولا يجوز حمله على النماء المتصل باعتبار كونه تابعاً له من جنسه ، للمنع من علّية المشترك وثبوت الفرق.

وإن كان من غير جنس ما عنده ، فهذا له حكم نفسه ، لا يضمّ إلى ما عنده في حول ولا نصاب ، بل إن كان نصاباً ، استقبل به حولاً ، وزكّاه ، وإلّا فلا شي‌ء فيه ، وهو قول عامة أهل العلم(١) .

وحكي عن ابن مسعود وابن عباس : أنّ الزكاة تجب فيه حين استفاده(٢) .

وعن الأوزاعي فيمن باع داره أو عبده أنّه يزكّى الثمن حين يقع في يده إلّا أن يكون له شهر يعلم ، فيؤخّره حتى يزكّيه مع ماله(٣) .

وجمهور العلماء على خلافه(٤) ، ولم يقل به أحد من أئمة الفتوى.

ولو كان المستفاد من جنس نصاب عنده قد انعقد عليه حول بسبب مستقلّ بأن يكون له أربعون من الغنم مضى عليها بعض حول ، ثم ملك مائة فلا تجب فيه الزكاة حتى يمضي عليه حول أيضاً ، وبه قال الشافعي وأحمد(٥) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٦) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وكلّ ما لم يحل عليه حول عند ربه فلا شي‌ء عليه فيه »(٧) .

ولأنّه مملوك أصلاً فيعتبر فيه الحول شرطاً كالمستفاد من غير الجنس.

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦١ ، المجموع ٥ : ٣٥٦.

(٢) المغني ٢ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦١ ، المجموع ٥ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ :٢٥.

(٣ و ٤ ) المغني ٢ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦١.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٦٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧ ، المغني ٢ : ٤٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٢.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩١ / ٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٩٥.

(٧) التهذيب ٤ : ٤١ / ١٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٥ ، والكافي ٣ : ٥٣٤ ( باب صدقة البقر ) الحديث ١ ، و ٥٣٥ ( باب صدقة الغنم ) الحديث ١.

١٩٥

وقال أبو حنيفة : يضمّه إلى ما عنده في الحول فيزكّيهما عند تمام حول المال الذي كان عنده إلّا أن يكون عوضاً عن مال مزكّى لأنّه يضمّ إلى جنسه في النصاب فوجب ضمّه إليه في الحول كالنتاج ، لأنّ النصاب سبب والحول شرط فإذا ضمّ في السبب فأولى أن يضمّ في الشرط(١) .

ونمنع الأصل.

مسألة ١٢٩ : إذا كانت إبله كلّها فوق الثنية تخيّر صاحبها‌ بين أن يشتري الفرض ، وبين أن يعطي واحدة منها ، وبين أن يدفع القيمة.

وإن كانت واحدة منها معيّنةً بقدر قيمة الفرض أجزأ بأن تكون عوراء إلّا أنّها سمينة ؛ لأنّه يجوز إخراج القيمة عندنا ، ولأنّ زيادة الثمن جبرت العيب بالصفة كابن اللبون المجزئ عن بنت المخاض.

وقال الشافعي : لا يجوز بناءً على عدم إجزاء القيمة(٢) .

مسألة ١٣٠ : لو كان له أربعون من الغنم في بلدين في كلّ واحد عشرون وجبت فيها شاة‌ وإن تباعدا ، وإن كان له في كلّ بلد أربعون وجبت شاة واحدة وإن تباعدا أيضاً ، وبه قال الشافعي(٣) .

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين من الغنم شاة )(٤) ولم يفصّل ، ولأنّه ملك لواحد فأشبه ما إذا كانا في بلدين متقاربين.

وقال أحمد : لا يجب عليه شي‌ء مع التباعد ، وفي الثاني(٥) تجب عليه‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧١ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٧ ، المجموع ٥ : ٤٢٩ ، المغني ٢ : ٦٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١.

(٣) الاُم ٢ : ١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٥٧.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩.

(٥) أي الفرع الثاني المذكور في صدر المسألة.

١٩٦

شاتان معه(١) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع )(٢) (٣) والمراد في الملك.

إذا ثبت هذا فإنّه يجزئ أن يخرج الشاة في أيّ البلدين شاء أو في غيرهما عندنا ؛ للامتثال فيخرج عن العهدة ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الثاني : لا يجوز ؛ لما فيه من نقل الزكاة(٤) .

وهو ممنوع ، بل هو إخراج عمّا في البلد الآخر إرفاقاً بالمالك ؛ لما في تبعيض الحيوان من المشقّة.

مسألة ١٣١ : يجوز إخراج القيمة في الزكاة عن النقدين والغلّات‌ عند علمائنا أجمع ، واختلفوا في المواشي ، فجوّزه الأكثر(٥) أيضاً ، ومنع منه المفيد إلّا مع عدم الفريضة(٦) .

والوجه : الجواز مطلقاً على أنّ القيمة بدل لا على أنّها أصل في نفسها - وبه قال أبو حنيفة(٧) - لأنّ معاذاً كان يأخذ من أهل اليمن الثياب عوضاً عن الزكاة(٨) .

____________________

(١) أي : مع التباعد.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٤٥ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩ / ٦٢١ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٠٤ / ١ و ٥ و ١٠٥ / ٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ و ١٠٠ / ١٥٧٢ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠٥.

(٣) المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٥٧.

(٤) راجع : حلية العلماء ٣ : ١٦٥.

(٥) منهم : السيد المرتضى في جمل العلم والعمل ( ضمن رسائله ) ٣ : ٧٥ ، والشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٥٠ ، المسألة ٥٩ ، والمحقق في المعتبر : ٢٦٤.

(٦) المقنعة : ٤١.

(٧) الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٣٤ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٥٦ ، اللباب ١ : ١٤٤ ، المجموع ٥ : ٤٢٩ ، المغني ٢ : ٦٧١ - ٦٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٧.

(٨) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، سنن البيهقي ٤ : ١١٣.

١٩٧

ومن طريق الخاصة قول الكاظمعليه‌السلام وقد سأله أخوه عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير ، وعن الدنانير دراهم أيحلّ ذلك له؟ : « لا بأس »(١) .

وكتب البرقي إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام هل يجوز - جعلت فداك - أن يخرج ما يجب في الحرث الحنطة والشعير ، وما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شي‌ء ما فيه؟ فأجابعليه‌السلام : « أيّما تيسّر يخرج »(٢) .

ولأنّ القصد بالزكاة سدّ الخلّة ورفع الحاجة وذلك حاصل بالقيمة فساوت العين ، ولأنّها وجبت جبراً لهم ومعونةً ، وربّما كانت الأعواض في وقت أنفع فاقتضت الحكمة التسويغ.

وقال الشافعي : لا يجوز إخراج القيمة في الزكاة بل يجب المنصوص - وبه قال مالك وأحمد ، إلّا أنّ مالكاً جوَّز إخراج كلٍّ من النقدين عن صاحبه على وجه البدل لا قيمة(٣) ؛ وعن أحمد في إخراج الذهب عن الورق قيمة روايتان(٤) - لأنّه عدل عن المنصوص عليه إلى غيره بقيمته فلم يجزئه ، كما لو أخرج سكنى دار ، أو أخرج نصف صاع جيّد عن صاع ردي‌ء(٥) .

وإنّما خصّص مالك بالذهب والفضّة ؛ لأنّهما يجريان مجرى واحداً وهما أثمان فجاز ذلك فيهما.

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٦ / ٥١ ، التهذيب ٤ : ٩٥ / ٢٧٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٩ ( باب الرجل يعطي عن زكاته العوض ) الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ١٦ - ١٧ / ٥٢ ، التهذيب ٤ : ٩٥ / ٢٧١.

(٣) حلية العلماء ٣ : ١٦٧ ، المدونة الكبرى ١ : ٣٠٠ ، المنتقى للباجي ٢ : ٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١.

(٤) المغني ٢ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٥ - ٦٠٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٧.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٧ ، المجموع ٥ : ٤٢٨ - ٤٢٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١.

١٩٨

ونمنع الأصل ، ولأنّ فيه تأخيراً للحقّ عن وقته ، وكذا نمنع عدم إجزاء نصف صاع جيّد بقيمة المجزئ ، وبالفرق بما فيه من شائبة الربا.

إذا عرفت هذا ، فإنّ القيمة المخرجة تخرج على أنّها قيمة لا أصل كما تقدّم ، وبه قال أبو حنيفة(١) .

وقال بعض أصحابه : الواجب أحد الشيئين فأيّما اُخرج كان أصلاً(٢) .

ويدفعه : التنصيص على المعيّن وإنّما عدل إلى القيمة ؛ للإِرفاق.

تذنيب : إنّما تعتبر القيمة وقت الإِخراج إن لم يقوّم الزكاة على نفسه ، ولو قوّمها وضمن القيمة ثم زاد السوق أو انخفض قبل الإِخراج فالوجه : وجوب ما ضمنه خاصة دون الزائد والناقص وإن كان قد فرّط بالتأخير حتى انخفض السوق أو ارتفع ، أمّا لو لم يقوّم ثم ارتفع السوق أو انخفض أخرج القيمة وقت الإِخراج.

مسألة ١٣٢ : قد بيّنا أنّ الزكاة تتعلّق بالعين‌ ؛ لسقوطها بتلف المال بعد الحول قبل إمكان الأداء.

ولقولهعليه‌السلام : ( في أربعين شاة شاة )(٣) .

وهل يصير أهل السُّهمان(٤) بقدر الزكاة شركاء لربّ المال؟ الأقرب : المنع - وهو أحد قولي الشافعي(٥) - وإلّا لما جاز للمالك الإِخراج من غيره.

ويحتمل - ضعيفاً - الشركة ، وبه قال مالك والشافعي(٦) - في الآخر - لأنّ للإِمام أخذها من عين النصاب قهراً إذا امتنع المالك من الأداء.

____________________

(١و٢) حكى القولين الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٥٠ ، المسألة ٥٩.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥.

(٤) السُّهمان ، جمع ، واحدها : السهم. بمعنى : النصيب. الصحاح ٥ : ١٩٥٦ « سهم ».

(٥) المجموع ٥ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥١.

(٦) المجموع ٥ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥١ و ٥٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣.

١٩٩

ولا حجّة فيه ؛ لجواز أخذ المماثل للحقّ من الممتنع.

فعلى عدم الشركة لا خلاف في أنّ الزكاة تتعلّق بالمال ، فيحتمل تعلّق الدَّين بالرهن ؛ إذ لو امتنع المالك من الأداء ولم يشتمل المال على الواجب باع الإِمام بعض النصاب فيه كما يباع المرهون في الدَّين ، وتعلّق الأرش برقبة الجاني ؛ لأنّها تسقط بهلاك النصاب كما يسقط الأرض بهلاك الجاني ، والأخير مروي عن أبي حنيفة وأحمد(١) .

ولا فرق في جريان هذه الاحتمالات بين أن يكون الواجب من جنس المال أو من غير جنسه.

فإذا باع النصاب بعد الحول وقبل الإخراج فالبيع في قدر الزكاة يبنى على الأقوال ، فمن أوجبها في الذمّة جوّز البيع ، ومن جعل المال مرهونا فالأقوى الصحة - وهو أصحّ قولي الشافعي(٢) - لأنّه تعلّق ثبت بغير اختيار المالك ، ولا يثبت لمعيّن فيسامح فيه بما لا يسامح في سائر الرهون.

وإن قيل بالشركة فالأقوى الصحة أيضاً ، وهو أضعف قولي الشافعي ، على تقديره ؛ لعدم استقرار حقّ المساكين فإنّ له إسقاطه بالإِخراج من غيره ، وأصحّهما عنده : المنع ، لأنّهم شركاء ، وإن قيل : تعلّق أرش الجاني ؛ ابتنى على بيع الجاني(٣) .

والوجه ما قلناه من صحّة البيع مطلقاً ، ويبيع الساعي المال إن لم يؤدّ المالك فينفسخ البيع فيه على ما تقدّم.

ولو لم يؤدّ المالك من غيره ولم يأخذ الساعي من العين كان للمشتري الخيار ؛ لتزلزل ملكه ، ويعرض الساعي به متى شاء ، وهو أحد وجهي‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٥٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣ ، الانصاف ٣ : ٣٨.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٣.

(٣) المجموع ٥ : ٤٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٣.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460