تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182164 / تحميل: 6068
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وأمّا الخُضراوات فلا صدقة فيها إجماعاً ، لقولهعليه‌السلام : ( ليس في الخضراوات صدقة )(١) .

مسألة ١١٨ : ولا زكاة فيما ينبت من المباح الذي لا يملك إلّا بأخذه‌ كالبُطْم والعَفْص والزعبل وهو شعير الجَبَل ، وبَزْر قَطونا ، وبَزْر البَقْلة ، وبَزْر الاُشنان إجماعاً إلّا عند بعض الحنابلة فإنّ فيه الزكاة إذا نبت في أرضه(٢) .

المطلب الرابع

في اللواحق‌

مسألة ١١٩ : يشترط بقاء عين النصاب طول الحول‌ ، فلو بادل به في أثنائه من جنسه أو من غير جنسه ، وسواء كان من الماشية أو الأثمان اعتبر ابتداء الحول من حين المعاوضة ، وبه قال الشافعي(٣) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٤) .

ولأنّه أصل بنفسه تجب الزكاة في عينه فلم يبن حوله على غيره كالجنسين.

وقال الشيخ : إن بادل بجنسه بنى على حوله ، وإن كان من غير جنسه استأنف مطلقاً(٥) ، وله قول آخر : إن بادل بالجنس أو بغيره فراراً وجبت وإلّا

____________________

(١) سنن الدارقطني ٢ : ٩٥ / ١ و ٩٦ / ٤ - ٦.

(٢) المغني ٢ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦١.

(٣) الاُم ٢ : ٢٤ - ٢٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٦١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٥ / ٦٣١ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ - ٩١ / ٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٥.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٠٦.

١٨١

فلا(١) .

وبأوّلهما قال مالك ، إلّا أنّه فصَّل ، فقال في غير الحيوان بذلك ، وفي الحيوان روايتان ، وإن أبدل الحيوان بالأثمان لم يبن على حوله(٢) .

وقال أبو حنيفة في الماشية كقولنا ، وفي الذهب والفضّة يبني حول أحدهما على الآخر(٣) .

وقال أحمد : يبني حول الجنس على جنسه من الحيوان ، ولا يبني على غير جنسه منه ، ويبني حول الفضّة على الذهب إذا بادل به ، لأنّه نصاب يضمّ إليه نماؤه في الحول فيبني حول بدله من جنسه على حوله كالعروض ، ولأنّهما مالان زكاتهما واحدة فيبني حول أحدهما على الآخر كعروض التجارة ، ولأنّ التهمة تلحقه في الفرار من الزكاة ، لأنّ الفرض بالجنس الواحد لا يختلف(٤) .

ونمنع ضمّ النماء ، والزكاة في التجارة تتعلّق بالقيمة وهو جنس واحد ، والفرار لا اعتبار به لما يأتي ، والجنسان لا يضمّ أحدهما إلى الآخر مع وجودهما فأولى أن لا يبنى حول أحدهما على الآخر.

مسألة ١٢٠ : إذا نقص النصاب قبل الحول بطل الحول‌ سواء نقص لحاجته إلى نقصه أو قصد بإتلافه الفرار من الزكاة ، وسواء تلف البعض أو أبدله بغير جنسه أو بجنسه ، وسواء كان الإِبدال أو الإِتلاف عند قرب الوجوب أو في‌

____________________

(١) نسبه الى جمل الشيخ الطوسي أيضاً ، السيد العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٧٤ ولم نجده.

(٢) المدونة الكبرى ١ : ٣٢١ - ٣٢٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧٢ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٧ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٣.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ١٥ ، المبسوط - للسرخسي - ٢ : ١٦٦ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٠ ، المغني ٢ : ٥٣٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٣.

(٤) المغني ٢ : ٥٣٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٨ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦.

١٨٢

أول الحول ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) ؛ لأنّه مال تجب الزكاة في عينه نقص نصابه قبل تمام حوله فوجب أن ينقطع حوله ، ولا تجب الزكاة كما لو أتلفه لحاجته.

وقال مالك وأحمد : إن أتلف جزءا أو أبدل عند قرب الوجوب فرارا لتسقط الزكاة لم تسقط ووجبت عليه الزكاة التي كانت تجب قبل الفرار ، لقوله تعالى( إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ) (٢) عاقبهم الله تعالى بذلك لفرارهم من الصدقة.

ولأنّه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه فلم يسقط كما لو طلّق امرأته في مرض موته(٣) .

والآية قيل : إنّما كان لأنّهم لم يستثنوا بقولهم : إن شاء الله(٤) ، والفرق في المطلّقة ظاهر ، لتعلّق حقّها بماله في حالة المرض ، والفقراء لم يتعلّق حقّهم به إلّا بحؤول الحول.

فروع :

أ - إذا حال الحول أخرج الزكاة في المعاوضة - على رأي الشيخ - من جنس المبيع دون الموجود ، لأنّه الذي وجبت الزكاة بسببه.

ب - قال في الخلاف : إذا كان معه نصاب من جنس ففرّقه في أجناس‌

____________________

(١) الاُم ٢ : ٢٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٦١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥١ - ٥٢ ، المغني ٢ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٥.

(٢) القلم : ١٧ - ٢٠.

(٣) الشرح الصغير ١ : ٢١٣ ، المغني ٢ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦.

(٤) اُنظر : مجمع البيان ٥ : ٣٣٦.

١٨٣

مختلفة فراراً من الزكاة لزمته إذا حال الحول على أشهر الروايات ، لأنّ إسحاق ابن عمار سأل الكاظمعليه‌السلام عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير أعليه زكاة؟ فقال : « إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة » قلت : لم يفرّ بها ، ورث مائة درهم وعشرة دنانير ، قال : « ليس عليه زكاة » قلت : لا يكسر الدراهم على الدنانير ولا الدنانير على الدراهم؟ قال : « لا »(١) .

ج - لو سبك الذهب والفضة أو اتّخذهما حُليّاً فراراً من الزكاة قبل الحول سقطت ، وبعده لا تسقط.

وقال الشيخ : تجب في الأول(٢) ، وقد تقدّم(٣) .

د - لو كان البيع فاسداً لم ينقطع حول الزكاة في النصاب ، وبنى على حول الأول ، لأنّ الملك لم ينتقل فيه ، ثم إن تمكّن من استرداده وجبت الزكاة وإلّا فكالمغصوب.

ه- لو باع غنمه بضعفها كان عليه زكاة الأصل إن أوجبناها.

وقال أحمد : يزكّى الجميع ، لأنّ نماءها معها(٤) .

ولو باع النصاب بنصفه كمائتين يبيعها بمائة فعليه زكاة مائة وحدها.

و - لو لم يقصد الفرار بالمبادلة انقطع حول الأول عند أكثر القائلين بالوجوب ، واستأنف بما استبدل به حولاً إن كان محلّاً للزكاة.

ويكره الفرار قبل الحول إجماعاً ، لما فيه من التوصّل إلى ترك المواساة وإعانة الفقراء المطلوبة شرعاً.

مسألة ١٢١ : لو بادل نصاباً بمثله في الأثناء ، فإن كانت صحيحةً زال‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٩٤ / ٢٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٤٠ / ١٢٢ ، والخلاف ٢ : ٥٧ ، المسألة ٦٦.

(٢) المبسوط ١ : ٢١٠.

(٣) تقدم في الفرع ( و) من المسألة ٧١.

(٤) المغني ٢ : ٥٣٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٩.

١٨٤

ملكه عن النصاب وانقطع الحول ، فإذا وجد بما وصل إليه عيباً(١) فإن كان قبل الحول ردّه واسترجع ماله ، واستأنف به الحول ، لتجدّد ملكه ، ولهذا لا يستحق نماءه الحاصل في يد مشتريه.

وإن وجده بعد الحول قبل الأداء لم يكن له الردّ لتعلّق الزكاة بالعين والشركة عيب ، وبه قال الشافعي على تقديري وجوبها في العين أو الذمة(٢) ؛ لأنّ قدر الزكاة مرهون فلا يملك الردّ كما لو اشترى شيئاً ثم رهنه ثم وجد به عيباً لم يكن له الردّ ، أو اشترى عبداً فجنى لم يكن له الردّ ، وليس له الرجوع بأرش العيب ، لأنّه لم ييأس من الردّ.

وإن كان بعد الأداء من الغير فله الردّ ، لبقاء المبيع بحاله ، وهو أحد قولي الشافعية ، والثاني : منع الرد ، لأنّ الزكاة استحقاق جزء من العين ، لزوال ملكه عنه ورجوعه إليه(٣) .

وإن أخرج من العين لم يكن له الردّ ، لتفريق الصفقة على البائع ، وللشافعي قولان(٤) .

فعلى التفريق يردّ ما بقي ، ويسقط من الثمن بقدر الشاة المأخوذة فيقوّم ويقوّم ما بقي ويبسط الثمن عليهما.

قال الشيخ : ولا أرش له ، لأنّه قد تصرّف فيه(٥) ، وليس بجيّد ، لأنّ التصرّف يسقط الردّ لا الأرش.

فإن اختلفا في الشاة المفقودة ، فقولان : تقديم المشتري ؛ لأنّ الشاة تلفت في ملكه فكان منكراً ، وتقديم البائع ، لأنّه يجري مجرى الغارم لأنّه إذا‌

____________________

(١) في نسختي « ف ط » : عيب.

(٢) الاُم ٢ : ٢٤ ، المجموع ٥ : ٣٦٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٠ ، مغني المحتاج ١ : ٣٧٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٦٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩١.

(٤) المجموع ٥ : ٣٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩١.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢٠٧.

١٨٥

كثرت قيمتها قلّ ما يغرمه ، فإذا قلّت كثر.

وعلى عدم التفريق كان له الرجوع بالأرش ، وهو مذهبنا إلّا أنّه جعل له ذلك إن أيس من الردّ ، وإن لم ييأس لم يكن له الأرش.

مسألة ١٢٢ : الأقرب عندي جواز تصرّف المالك في النصاب الذي وجبت فيه الزكاة‌ بالبيع والهبة وأنواع التصرفات ، وليس للساعي فسخ البيع ولا شي‌ء من ذلك ، لأنّه مالك فيجوز له التصرّف فيه بجميع أنواعه ، وتعلّق الزكاة به ليس بمانع سواء قلنا الزكاة تجب في العين أو لا ، لأنّ تعلّقها بالعين تعلّق لا يمنع التصرف في جزء من النصاب فلم يمنع في جميعه كأرش الجناية.

ولأنّ ملك المساكين غير مستقرّ فيه فإنّ له إسقاط حقّهم منه بدفع القيمة فصار التصرف فيه اختياراً بدفع غيره.

إذا ثبت هذا ، فإن أخرج الزكاة من غيره وإلّا كلّف إخراجها ، وإن لم يكن متمكناً فالأقرب فسخ البيع في قدر الزكاة وتؤخذ منه ويرجع المشتري عليه بقدرها ، لأنّ على الفقراء إضراراً في إتمام البيع وتفويتاً لحقّهم فوجب فسخه ، ثم يتخيّر المشتري لتبعّض الصفقة ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد(١) ، إلّا أنّ أحمد قال : إذا عجز عن أداء الزكاة بقيت في ذمته كسائر الديون ، ولا تؤخذ من النصاب.

وأبو حنيفة يقول : إن كان تصرفه يقطع الحول بأن يبيعه أو يجعله عوضاً في نكاح أو خلع ضمن الزكاة ، وإن كان تصرّفاً لا يقطع الحول لم يضمن.

وقال الشافعي في صحة بيع قدر الزكاة قولان : الصحة إن تعلّقت الزكاة بالعين ، لعدم استقرار ملك المساكين ، ولهذا له أن يسقط حقّهم منه بدفع غيره ، والبطلان إن تعلّقت بالذمة ، لأنّ قدر الزكاة إمّا مستحق أو مرتهن ، وأمّا بيع باقي النصاب فإنّه يصحّ على تقدير صحة البيع في قدر الزكاة ، وعلى تقدير‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٣٥ و ٥٣٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٨.

١٨٦

الفساد فقولان مبنيّان على تفريق الصفقة ، فإن قيل بعدمه بطل في الباقي ، وإلّا صح فيتخيّر المشتري(١) .

ولو عزل قدر الزكاة من النصاب ، ثم باع الباقي صحّ ، لأنّه باع حقّه من المال.

وللشافعي وجهان ، أحدهما : المنع ، لعدم تعيّن الزكاة إلّا بالدفع(٢) .

مسألة ١٢٣ : الزكاة تجب في العين لا في الذمة‌ عند علمائنا ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي - في الجديد - وأحمد في أظهر الروايتين.

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين شاة شاة )(٣) و ( فيما سقت السماء العُشر )(٤) إلى غير ذلك من الألفاظ الواردة بحرف « في »(٥) وهي للظرفية ، ولأنّها تجب بصفة المال وتسقط بتلفه(٦) .

وقال الشافعي في القديم : إنّها تتعلّق بالذمة والعين مرتهنة بذلك ، لأنّها زكاة فكان محلّها الذمة كزكاة الفطرة ، ولأنّه يجوز الإِخراج من غيرها فلا تتعلّق بالعين ، ولأنّه لا يتبعها النماء فلا تتعلّق بالعين ، وزكاة الفطرة لا تتعلّق بالمال‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٢ ، المجموع ٥ : ٣٦٢ و ٤٦٨ - ٤٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٣ ، المغني ٢ : ٥٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٨.

(٢) المجموع ٥ : ٤٧٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٥.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٨ / ١٨٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٨٨.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٥٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٨ / ١٥٩٦ ، سنن النسائي ٥ : ٤١ و ٤٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٣١ / ٦٣٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٠ و ٥٨١ / ١٨١٦ و ١٨١٧ ، مسند أحمد ٣ : ٣٤١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢٩ و ١٣٠.

(٥) كقولهعليه‌السلام : ( في خمس من الإِبل شاة ) و ( في عشرين مثقالاً نصف مثقال ) و ( في الرقة رُبع العُشر ).

(٦) المهذّب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥١ ، اللباب ١ : ١٤٦ ، المغني ٢ : ٥٣٦ - ٥٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣.

١٨٧

فلهذا تعلّقت بالذمّة(١) .

وجواز الإِخراج من الغير للإِرفاق بالمالك ، وملك المساكين غير مستقر حيث كان للمالك العدول فلم يتبعه النماء ، على أنّ لمانعٍ أن يمنع ذلك.

فروع :

أ - الزكاة تتعلّق بالعين عندنا وعند أبي حنيفة إلّا أنّ أبا حنيفة قال : لا يستحق بها جزء منها وإنّما تتعلّق بها كتعلّق الجناية(٢) بالعبد الجاني - وهو إحدى الروايتين عن أحمد - لأنّ تعلّق الزكاة بالمال لا يزيل ملك المالك عن شي‌ء من ماله كالشاة المتعلّقة بالخمس(٣) من الإِبل(٤) .

وعندي فيه إشكال تقدّم.

ب - لو ملك أربعين شاة فحال عليها حولان ولم يؤدّ الزكاة وجب عليه شاة واحدة ، لتعلّق الزكاة بالعين عندنا فنقصت في الحول الثاني ، ومن أوجب الزكاة في الذمّة أوجب شاتين(٥) .

ج - لو كان له أربعون فحال عليها الحول وقد نتجت شاة ، ثم حال آخر وقد نتجت فيه اُخرى ، ثم ثالث ونتجت فيه ثالثة فإنّه يجب عليه ثلاث شياه ، لأنّ الحول الأول حال وهي إحدى وأربعون فوجبت شاة وبقي أربعون فحال الثاني وهي إحدى وأربعون ، وهكذا في الثالث ، إلّا أنّ هذا على قول من يجعل حول السخال تابعاً للاُمّهات ، أمّا عندنا فإن حصل السوم حولاً فكذلك ، وكذا إذا ملك في أول كلّ حول شاة.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣ ، المغني ٢ : ٥٣٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٩.

(٢) يعني أرش الجناية.

(٣) ورد في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : بالخمسة. والصحيح ما أثبتناه.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٣٣ ، المغني ٢ : ٥٣٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٢.

(٥) اُنظر : المغني ٢ : ٥٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٢ ، والمجموع ٥ : ٣٨٠.

١٨٨

د - لو كان عنده أكثر من النصاب وحال عليه أحوال تعدّدت الزكاة وجبر الناقص من النصاب بالزائد عليه إلى أن يقصر عن النصاب فتسقط حينئذٍ.

ه- لو ملك خمساً من الإِبل فلم يؤدّ زكاتها أحوالاً فعليه شاة واحدة لا غير - وهو أحد قولي الشافعي(١) - لأنّها نقصت بوجوب الزكاة فيها في الحول الأول عن خمس كاملة فلم يجب عليه فيها شي‌ء كما لو ملك أربعاً وجزءاً من بعير.

وقال أحمد : عليه في كلّ سنة شاة على تقدير الوجوب في العين أيضاً ؛ لأنّ الواجب هنا من غير النصاب فلا ينقص به النصاب كما لو أدّاه(٢) ، بخلاف سائر الأموال فإنّ الزكاة يتعلّق وجوبها بعينه ( فتنقصه )(٣) كما لو أدّاه من النصاب(٤) .

ونمنع الوجوب من غير النصاب ، بل الواجب هنا في العين قيمة شاة.

و - لو ملك ستّاً وعشرين وحال عليها أحوال فعليه للأول بنت مخاض ، وللثاني خمس شياه ، وللثالث أربع ، وهكذا إلى أن يقصر عن عشرين فتجب ثلاث شياه ، وهكذا إلى أن يقصر ( عن عشر فتجب شاتان ، وهكذا إلى أن يقصر عن خمس )(٥) .

وقال أحمد : عليه للحول الأول بنت مخاض ، ولكلّ حولٍ بعده أربع‌

____________________

(١) المهذب - للشيرازي - ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٨٠ - ٣٨١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٦ ، المغني ٢ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٣.

(٢) أي أدّاه من غير النصاب.

(٣) في النسخ الخطية : « فسقط » وفي الحجرية : « فقط » « فسقط خ ل » وما أثبتناه من المصدر ، وهو أقرب لسياق العبارة.

(٤) المغني ٢ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٣.

(٥) كذا في النسخ الخطية والطبعة الحجرية ، والظاهر أنّ الصواب - كما في هامش « ط ، ن » - هكذا : عن خمسة عشر فتجب شاتان وهكذا إلى أن يقصر عن عشر فتجب شاة.

١٨٩

شياه ، ولو بلغت ( قيمة الشاة )(١) الواجبة أكثر من خمس من الإِبل وجب عليه للأول بنت مخاض ، وللثاني خمس من الغنم ، وللثالث ثلاث(٢) .

ز - الزكاة وإن وجبت في العين إلّا أنّ لرب المال أن يعيّن ذلك من أيّ جزءٍ شاء منه ، وله أن يعطي من غيره إجماعاً إلّا من شذّ.

مسألة ١٢٤ : إمكان الأداء شرط في الضمان لا الوجوب‌ ، فإذا حال الحول على النصاب وجبت سواء تمكّن من الأداء أو لم يتمكّن ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد(٣) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٤) مفهومه الوجوب عند الحول.

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « فإذا حال الحول وجبت عليه »(٥) .

وقال مالك والشافعي في القديم : إمكان الأداء شرط في الوجوب ، فشرط في الوجوب ثلاث شرائط : الحول ، والنصاب ، وإمكان الأداء ، حتى أنّ مالكاً قال : لو أتلف الماشية بعد الحول قبل إمكان الأداء لم تكن عليه زكاة إذا لم يقصد الفرار من الزكاة ، لأنّ إمكان الأداء شرط في وجوب سائر العبادات من الصلاة والصوم والحج فكذا الزكاة.

____________________

(١) الظاهر أن الصحيح : قيم الشياه. كما في الشرح الكبير.

(٢) المغني ٢ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٣ ، وفيهما إلى قوله : أكثر من خمس من الإِبل.

وعلى هذا يكون الواو في « ولو بلغت » وصليّةً لا استئنافية.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٢٢ ، المغني ٢ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ و ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣١.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ - ١٠١ / ١٥٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ - ٩١ / ٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٩٥.

(٥) التهذيب ٤ : ٤١ / ١٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦١.

١٩٠

ولأنّ المال لو تلف قبل إمكان الأداء سقطت فدلّ على أنّها لم تجب ، وإمكان الأداء شرط في استقرارها ، وتلك عبادات أيضاً كلّف فعلها ببدنه ، فإذا تعذّر لم تجب ، وهنا عبادة مالية يمكن مشاركة المساكين في ماله وحصوله قبل أدائه فوجبت.

وأمّا سقوطها بتلفها : فلأنّه أمين لم يوجد من جهته تفريط فلا يضمن كالمودع(١) .

ويعارض : بأنّه لو أتلف المال بعد الحول لم تسقط عنه عند الشافعي(٢) ، ولو لم تجب أوّلاً لسقطت كما لو أتلفه قبل الحول ، ولأنّه لو لم يمكنه الأداء حتى مضى حول آخر لوجبت زكاة حولين ولا يجب فرضان في نصاب واحد في حالة واحدة.

وقول مالك ضعيف ، لأنّه إسقاط حقّ وجب في المال وتمكّن من أدائه.

مسألة ١٢٥ : إذا حال الحول ولم يتمكّن من الأداء فتلف النصاب سقطت الزكاة‌ - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة والحسن بن صالح بن حي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر ، وحكاه أيضاً عن أحمد(٣) - لأنّها تجب على سبيل المواساة ، فلا تجب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال وفقر من تجب عليه ، ولأنّها عبادة يتعلّق وجوبها بالمال فإذا تلف قبل إمكان أدائها سقط فرضها كالحج.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سمّاها‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٣١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ و ٣٧٧ ، الوجيز ١ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ ، المغني ٢ : ٥٣٩ - ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٠ - ٤٧١ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٤٥.

(٢) الاُم ٢ : ٥٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٢.

(٣) المجموع ٥ : ٣٧٦ و ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، المغني ٢ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧١ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣ و ٢٢.

١٩١

لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي‌ء عليه »(١) .

وقال أحمد : لا تسقط الزكاة بتلف المال فرّط أو لم يفرّط ، لأنّه مال وجب في الذمة فلا تسقط بتلف النصاب كالدّين(٢) .

ونمنع الاُولى.

إذا ثبت هذا ، فلو تلف بعض النصاب قبل إمكان الأداء سقط عنه بقدر ما تلف وقال الشافعي في القديم : يسقط الجميع(٣) بناء على أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب.

مسألة ١٢٦ : لو تلف المال بعد الحول وإمكان الأداء وجبت الزكاة‌ عند علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي وأحمد والحسن بن صالح بن حي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر(٤) .

ولا فرق بين أن يكون من الأموال الظاهرة أو الباطنة ، ولا بين أن يطالبه الإِمام أو لا ، لأنّها زكاة واجبة مقدور على أدائها فإذا تلفت ضمنها كما لو طالبه الإِمام وكغير المواشي.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها »(٥) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٣ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٦ / ٤٧ ، التهذيب ٤ : ٤٧ / ١٢٣.

(٢) المغني ٢ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٠ ، الإِنصاف ٣ : ٤٠ - ٤١.

(٣) الاُم ٢ : ١٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ ، الوجيز ١ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٨ - ٥٤٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٤) مختصر المزني : ٤٢ ، الاُم ٢ : ١٢ ، المجموع ٥ : ٣٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٠ ، المغني ٢ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٢ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٤.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٥ / ٤٦ ، التهذيب ٤ : ٤٧ / ١٢٥.

١٩٢

وقال أبو حنيفة : تسقط الزكاة بتلف النصاب بعد الحول وإمكان الأداء على كلّ حال إلّا أن يكون الإِمام أو الساعي طالبه بها فمنعها(١) .

ولا مطالبة عنده في الأموال الباطنة وإنما تتوجه المطالبة إلى الظاهرة فإذا أمكنه الأداء لم يلزمه الأداء إلّا بالمطالبة فإذا لم يؤدّ حتى هلكت فلا ضمان.

وقال أبو سهل الزجاجي من أصحابه : لا يضمن أيضاً وإن طالبه الإِمام بالأموال الظاهرة(٢) .

وقال مالك كقولنا في غير المواشي ، وفي المواشي كقول أبي حنيفة(٣) .

واحتجّوا بأنه أمين فإذا تلفت قبل مطالبة مَن له المطالبة لم يضمن كالوديعة.

والفرق : عدم وجوب الدفع قبل المطالبة في الوديعة وهنا تجب.

إذا ثبت هذا ، فعادم المستحق والبعيد عن المال ، وعدم الفرض في المال ، وفقدان ما يشتريه ، أو الساعي في طلب الشراء ، أو نحو ذلك غير مفرّطين.

مسألة ١٢٧ : لا تسقط الزكاة بموت المالك بعد الحول‌ وإن لم يتمكّن من إخراجها ، وتخرج من ماله وإن لم يوص عند علمائنا أجمع - وبه قال عطاء والحسن البصري والزهري وقتادة ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وابن المنذر(٤) - لأنّها حقّ واجب تصح الوصيّة به فلا تسقط بالموت كالدّين ،

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٢٢ و ٥٢ - ٥٣ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٤ ، المغني ٢ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧١ ، المجموع ٥ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٠.

(٢) حلية العلماء ٣ : ١٠.

(٣) بداية المجتهد ١ : ٢٤٩ ، المغني ٢ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧١.

(٤) المغني ٢ : ٥٤٠ - ٥٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٤ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٩ ، الاُم ٢ : ١٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٥ - ٣٣٦.

١٩٣

ولأنّها حق مالي واجب فلا يسقط بموت من هو عليه كدَيْن الآدمي.

وقال الأوزاعي والليث : يؤخذ من الثُلْث مقدّماً على الوصايا ، ولا يجاوز الثُلْث(١) .

وقال ابن سيرين والشعبي والنخعي وحمّاد بن أبي سليمان وداود بن أبي هند والبتي والثوري وأصحاب الرأي : لا تخرج بل تسقط إلّا أن يوصي بها فتخرج من الثلث ، ويزاحم بها أصحاب الوصايا ، لأنّها عبادة من شرطها النيّة فسقطت بموت من هي عليه كالصوم والصلاة(٢) .

ويمنع الأصل عندنا.

ومَن وافقهم يفرّق بأنّهما عبادتان بدنيّتان لا تصلح الوصية بهما ، ولا النيابة فيهما.

إذا ثبت هذا فإنّ الزكاة تسقط باسلام المالك إذا كان كافراً أصليّاً ، لأنّ الزكاة تجب عليه عندنا ، فإذا أسلم سقطت سواء تمكّن من الأداء أو لا ، وسواء تلفت بتفريطه أو أتلفها هو أو لا ، وسواء كانت العين باقيةً أو لا.

مسألة ١٢٨ : لو استفاد مالاً ممّا يعتبر فيه الحول ولا مال سواه‌ ، أو كان أقلّ من النصاب ، فبلغ بالمستفاد نصاباً ، انعقد حول الزكاة من حينئذٍ ، فإذا تمّ وجبت الزكاة إجماعاً ، وإن كان عنده نصاب ، فالمستفاد إن كان من نمائه ( كربح مال )(٣) التجارة ونتاج السائمة ، استقبل الحول بالفائدة من حال حصولها ، عند علمائنا أجمع - خلافاً للجمهور(٤) كافة - لأنّه مال منفرد بنفسه‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٤ ، المجموع ٥ : ٣٣٦.

(٢) المغني ٢ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٤ ، المجموع ٥ : ٣٣٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥٣ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٥.

(٣) ورد في النسخ الخطية والحجرية : كمال. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤) المغني ٢ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٦٥ - ٦٦ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٤٤ - ١٤٥.

١٩٤

فكان له حكم نفسه ، ولا يجوز حمله على النماء المتصل باعتبار كونه تابعاً له من جنسه ، للمنع من علّية المشترك وثبوت الفرق.

وإن كان من غير جنس ما عنده ، فهذا له حكم نفسه ، لا يضمّ إلى ما عنده في حول ولا نصاب ، بل إن كان نصاباً ، استقبل به حولاً ، وزكّاه ، وإلّا فلا شي‌ء فيه ، وهو قول عامة أهل العلم(١) .

وحكي عن ابن مسعود وابن عباس : أنّ الزكاة تجب فيه حين استفاده(٢) .

وعن الأوزاعي فيمن باع داره أو عبده أنّه يزكّى الثمن حين يقع في يده إلّا أن يكون له شهر يعلم ، فيؤخّره حتى يزكّيه مع ماله(٣) .

وجمهور العلماء على خلافه(٤) ، ولم يقل به أحد من أئمة الفتوى.

ولو كان المستفاد من جنس نصاب عنده قد انعقد عليه حول بسبب مستقلّ بأن يكون له أربعون من الغنم مضى عليها بعض حول ، ثم ملك مائة فلا تجب فيه الزكاة حتى يمضي عليه حول أيضاً ، وبه قال الشافعي وأحمد(٥) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٦) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وكلّ ما لم يحل عليه حول عند ربه فلا شي‌ء عليه فيه »(٧) .

ولأنّه مملوك أصلاً فيعتبر فيه الحول شرطاً كالمستفاد من غير الجنس.

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦١ ، المجموع ٥ : ٣٥٦.

(٢) المغني ٢ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦١ ، المجموع ٥ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ :٢٥.

(٣ و ٤ ) المغني ٢ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦١.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٦٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧ ، المغني ٢ : ٤٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٢.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩١ / ٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٩٥.

(٧) التهذيب ٤ : ٤١ / ١٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٥ ، والكافي ٣ : ٥٣٤ ( باب صدقة البقر ) الحديث ١ ، و ٥٣٥ ( باب صدقة الغنم ) الحديث ١.

١٩٥

وقال أبو حنيفة : يضمّه إلى ما عنده في الحول فيزكّيهما عند تمام حول المال الذي كان عنده إلّا أن يكون عوضاً عن مال مزكّى لأنّه يضمّ إلى جنسه في النصاب فوجب ضمّه إليه في الحول كالنتاج ، لأنّ النصاب سبب والحول شرط فإذا ضمّ في السبب فأولى أن يضمّ في الشرط(١) .

ونمنع الأصل.

مسألة ١٢٩ : إذا كانت إبله كلّها فوق الثنية تخيّر صاحبها‌ بين أن يشتري الفرض ، وبين أن يعطي واحدة منها ، وبين أن يدفع القيمة.

وإن كانت واحدة منها معيّنةً بقدر قيمة الفرض أجزأ بأن تكون عوراء إلّا أنّها سمينة ؛ لأنّه يجوز إخراج القيمة عندنا ، ولأنّ زيادة الثمن جبرت العيب بالصفة كابن اللبون المجزئ عن بنت المخاض.

وقال الشافعي : لا يجوز بناءً على عدم إجزاء القيمة(٢) .

مسألة ١٣٠ : لو كان له أربعون من الغنم في بلدين في كلّ واحد عشرون وجبت فيها شاة‌ وإن تباعدا ، وإن كان له في كلّ بلد أربعون وجبت شاة واحدة وإن تباعدا أيضاً ، وبه قال الشافعي(٣) .

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين من الغنم شاة )(٤) ولم يفصّل ، ولأنّه ملك لواحد فأشبه ما إذا كانا في بلدين متقاربين.

وقال أحمد : لا يجب عليه شي‌ء مع التباعد ، وفي الثاني(٥) تجب عليه‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧١ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٧ ، المجموع ٥ : ٤٢٩ ، المغني ٢ : ٦٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١.

(٣) الاُم ٢ : ١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٥٧.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩.

(٥) أي الفرع الثاني المذكور في صدر المسألة.

١٩٦

شاتان معه(١) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع )(٢) (٣) والمراد في الملك.

إذا ثبت هذا فإنّه يجزئ أن يخرج الشاة في أيّ البلدين شاء أو في غيرهما عندنا ؛ للامتثال فيخرج عن العهدة ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الثاني : لا يجوز ؛ لما فيه من نقل الزكاة(٤) .

وهو ممنوع ، بل هو إخراج عمّا في البلد الآخر إرفاقاً بالمالك ؛ لما في تبعيض الحيوان من المشقّة.

مسألة ١٣١ : يجوز إخراج القيمة في الزكاة عن النقدين والغلّات‌ عند علمائنا أجمع ، واختلفوا في المواشي ، فجوّزه الأكثر(٥) أيضاً ، ومنع منه المفيد إلّا مع عدم الفريضة(٦) .

والوجه : الجواز مطلقاً على أنّ القيمة بدل لا على أنّها أصل في نفسها - وبه قال أبو حنيفة(٧) - لأنّ معاذاً كان يأخذ من أهل اليمن الثياب عوضاً عن الزكاة(٨) .

____________________

(١) أي : مع التباعد.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٤٥ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩ / ٦٢١ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٠٤ / ١ و ٥ و ١٠٥ / ٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ و ١٠٠ / ١٥٧٢ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠٥.

(٣) المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٥٧.

(٤) راجع : حلية العلماء ٣ : ١٦٥.

(٥) منهم : السيد المرتضى في جمل العلم والعمل ( ضمن رسائله ) ٣ : ٧٥ ، والشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٥٠ ، المسألة ٥٩ ، والمحقق في المعتبر : ٢٦٤.

(٦) المقنعة : ٤١.

(٧) الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٣٤ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٥٦ ، اللباب ١ : ١٤٤ ، المجموع ٥ : ٤٢٩ ، المغني ٢ : ٦٧١ - ٦٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٧.

(٨) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، سنن البيهقي ٤ : ١١٣.

١٩٧

ومن طريق الخاصة قول الكاظمعليه‌السلام وقد سأله أخوه عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير ، وعن الدنانير دراهم أيحلّ ذلك له؟ : « لا بأس »(١) .

وكتب البرقي إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام هل يجوز - جعلت فداك - أن يخرج ما يجب في الحرث الحنطة والشعير ، وما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شي‌ء ما فيه؟ فأجابعليه‌السلام : « أيّما تيسّر يخرج »(٢) .

ولأنّ القصد بالزكاة سدّ الخلّة ورفع الحاجة وذلك حاصل بالقيمة فساوت العين ، ولأنّها وجبت جبراً لهم ومعونةً ، وربّما كانت الأعواض في وقت أنفع فاقتضت الحكمة التسويغ.

وقال الشافعي : لا يجوز إخراج القيمة في الزكاة بل يجب المنصوص - وبه قال مالك وأحمد ، إلّا أنّ مالكاً جوَّز إخراج كلٍّ من النقدين عن صاحبه على وجه البدل لا قيمة(٣) ؛ وعن أحمد في إخراج الذهب عن الورق قيمة روايتان(٤) - لأنّه عدل عن المنصوص عليه إلى غيره بقيمته فلم يجزئه ، كما لو أخرج سكنى دار ، أو أخرج نصف صاع جيّد عن صاع ردي‌ء(٥) .

وإنّما خصّص مالك بالذهب والفضّة ؛ لأنّهما يجريان مجرى واحداً وهما أثمان فجاز ذلك فيهما.

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٦ / ٥١ ، التهذيب ٤ : ٩٥ / ٢٧٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٩ ( باب الرجل يعطي عن زكاته العوض ) الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ١٦ - ١٧ / ٥٢ ، التهذيب ٤ : ٩٥ / ٢٧١.

(٣) حلية العلماء ٣ : ١٦٧ ، المدونة الكبرى ١ : ٣٠٠ ، المنتقى للباجي ٢ : ٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١.

(٤) المغني ٢ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٥ - ٦٠٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٧.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٧ ، المجموع ٥ : ٤٢٨ - ٤٢٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١.

١٩٨

ونمنع الأصل ، ولأنّ فيه تأخيراً للحقّ عن وقته ، وكذا نمنع عدم إجزاء نصف صاع جيّد بقيمة المجزئ ، وبالفرق بما فيه من شائبة الربا.

إذا عرفت هذا ، فإنّ القيمة المخرجة تخرج على أنّها قيمة لا أصل كما تقدّم ، وبه قال أبو حنيفة(١) .

وقال بعض أصحابه : الواجب أحد الشيئين فأيّما اُخرج كان أصلاً(٢) .

ويدفعه : التنصيص على المعيّن وإنّما عدل إلى القيمة ؛ للإِرفاق.

تذنيب : إنّما تعتبر القيمة وقت الإِخراج إن لم يقوّم الزكاة على نفسه ، ولو قوّمها وضمن القيمة ثم زاد السوق أو انخفض قبل الإِخراج فالوجه : وجوب ما ضمنه خاصة دون الزائد والناقص وإن كان قد فرّط بالتأخير حتى انخفض السوق أو ارتفع ، أمّا لو لم يقوّم ثم ارتفع السوق أو انخفض أخرج القيمة وقت الإِخراج.

مسألة ١٣٢ : قد بيّنا أنّ الزكاة تتعلّق بالعين‌ ؛ لسقوطها بتلف المال بعد الحول قبل إمكان الأداء.

ولقولهعليه‌السلام : ( في أربعين شاة شاة )(٣) .

وهل يصير أهل السُّهمان(٤) بقدر الزكاة شركاء لربّ المال؟ الأقرب : المنع - وهو أحد قولي الشافعي(٥) - وإلّا لما جاز للمالك الإِخراج من غيره.

ويحتمل - ضعيفاً - الشركة ، وبه قال مالك والشافعي(٦) - في الآخر - لأنّ للإِمام أخذها من عين النصاب قهراً إذا امتنع المالك من الأداء.

____________________

(١و٢) حكى القولين الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٥٠ ، المسألة ٥٩.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥.

(٤) السُّهمان ، جمع ، واحدها : السهم. بمعنى : النصيب. الصحاح ٥ : ١٩٥٦ « سهم ».

(٥) المجموع ٥ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥١.

(٦) المجموع ٥ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥١ و ٥٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣.

١٩٩

ولا حجّة فيه ؛ لجواز أخذ المماثل للحقّ من الممتنع.

فعلى عدم الشركة لا خلاف في أنّ الزكاة تتعلّق بالمال ، فيحتمل تعلّق الدَّين بالرهن ؛ إذ لو امتنع المالك من الأداء ولم يشتمل المال على الواجب باع الإِمام بعض النصاب فيه كما يباع المرهون في الدَّين ، وتعلّق الأرش برقبة الجاني ؛ لأنّها تسقط بهلاك النصاب كما يسقط الأرض بهلاك الجاني ، والأخير مروي عن أبي حنيفة وأحمد(١) .

ولا فرق في جريان هذه الاحتمالات بين أن يكون الواجب من جنس المال أو من غير جنسه.

فإذا باع النصاب بعد الحول وقبل الإخراج فالبيع في قدر الزكاة يبنى على الأقوال ، فمن أوجبها في الذمّة جوّز البيع ، ومن جعل المال مرهونا فالأقوى الصحة - وهو أصحّ قولي الشافعي(٢) - لأنّه تعلّق ثبت بغير اختيار المالك ، ولا يثبت لمعيّن فيسامح فيه بما لا يسامح في سائر الرهون.

وإن قيل بالشركة فالأقوى الصحة أيضاً ، وهو أضعف قولي الشافعي ، على تقديره ؛ لعدم استقرار حقّ المساكين فإنّ له إسقاطه بالإِخراج من غيره ، وأصحّهما عنده : المنع ، لأنّهم شركاء ، وإن قيل : تعلّق أرش الجاني ؛ ابتنى على بيع الجاني(٣) .

والوجه ما قلناه من صحّة البيع مطلقاً ، ويبيع الساعي المال إن لم يؤدّ المالك فينفسخ البيع فيه على ما تقدّم.

ولو لم يؤدّ المالك من غيره ولم يأخذ الساعي من العين كان للمشتري الخيار ؛ لتزلزل ملكه ، ويعرض الساعي به متى شاء ، وهو أحد وجهي‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٥٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣ ، الانصاف ٣ : ٣٨.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٣.

(٣) المجموع ٥ : ٤٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٣.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ما وجب معه عليه الطلب والخروج. فلما انعكس ذلك وظهرت أمارات الغدر فيه وسوء الاتفاق ، رام الرجوع والمكافّة والتسليم كما فعل أخوه ، فمنع من ذلك وحيل بينه وبينه. فالحالان متفقان ، إلا أن التسليم والمكافّة عند ظهور أسباب الخوف لم يقبلا منه ، ولم يجب إلى الموادعة ، وطلبت نفسه فمنع منها بجهده ، حتّى مضى كريما إلى جنة الله ورضوانه ، وهذا واضح لمتأمله (انتهيكلام السيد المرتضى).

٢٨٧ ـ تعليق العلامة المجلسي :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٢٦)

قال المحقق المحدث المجلسي بعد نقل كلام السيد المرتضى :

وقد مضى في كتابه (الإمامة) وكتاب (الفتن) أخبار كثيرة دالة على أن كلا منهمعليه‌السلام كان مأمورا بأمور خاصة ، مكتوبة في الصحف السماوية النازلة على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهم كانوا يعملون بها. ولا ينبغي قياس الأحكام المتعلقة بهم على أحكامنا. وبعد الاطلاع على أحوال الأنبياءعليهم‌السلام وأن كثيرا منهم كانوا يبعثون فرادى في ألوف من الكفرة ، ويسبّون آلهتهم ويدعونهم إلى دينهم ، ولا يبالون بما ينالهم من المكاره والضرب والحبس والقتل والإلقاء في النار ، ولا ينبغي الاعتراض على أئمة الدين في أمثال ذلك ، مع أنه بعد ثبوت عصمتهم بالبراهين والنصوص المتواترة ، لا مجال للاعتراض عليهم ، بل يجب التسليم لهم في كل ما صدر عنهم.

على أنك لو تأملت حق التأمل علمت أنهعليه‌السلام فدى بنفسه المقدسة دين جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم تنزلزل أركان دولة بني أمية إلا بعد شهادته ، ولم يظهر للناس كفرهم وضلالتهم إلا عند فوزه بسعادته. ولو كان يسالمهم ويوادعهم كان يقوى سلطانهم ويشتبه على الناس أمرهم ، فتعود بعد حين أعلام الدين طامسة وآثار الهداية مندرسة. مع أنه قد ظهر لك من الأخبار السابقة أنهعليه‌السلام هرب من المدينة خوفا من القتل.

إلى مكة ، وكذا خرج من مكة بعد ما غلب على ظنه أنهم يريدون غيلته وقتله ، حتّى لم يتيسّر له أن يتمّ حجّه ، فتحلل وخرج منها خائفا يترقب. وقد كانوا ضيّقوا عليه جميع الأقطار ولم يتركوا له موضعا للفرار.

ولقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم ، وولاه أمر الموسم ، وأمّره على الحاج كلهم ، وكان قد أوصاه بقبض

٢٨١

الحسينعليه‌السلام سرا ، وإن لم يتمكن منه بقتله غيلة. ثم إنه دسّ مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية ، وأمرهم بقتل الحسينعليه‌السلام على أي حال اتفق. فلما علم الحسينعليه‌السلام بذلك حلّ من إحرام الحج وجعلها عمرة مفردة.

وقد روي بأسانيد معتبرة ، أنهعليه‌السلام لما منعه محمّد بن الحنفية عن الخروج

إلى الكوفة ، قال : «والله يا أخي لو كنت في جحر هامّة من هوام الأرض ، لاستخرجوني منه حتّى يقتلونني». بل الظاهر أنه لو كان يسالمهم ويبايعهم لا يتركونه ، لشدة عداوتهم وكثرة وقاحتهم ، بل كانوا يغتالونه بكل حيلة ويدفعونه بكل وسيلة. وإنما كانوا يعرضون البيعة عليه أولا لعلمهم بأنه لا يوافقهم في ذلك.ألا ترى مروان ابن الحكم كيف كان يشير على والي المدينة بقتله قبل عرض البيعة عليه؟. وكان عبيد الله بن زياد يقول : اعرضوا عليه فلينزل على أمرنا ، ثم نرى فيه رأينا؟.

ألا ترى كيف أمنّوا مسلم بن عقيل ، ثم قتلوه؟!.

فأما معاوية فإنه مع شدة عداوته وبغضه لأهل البيتعليهم‌السلام كان ذا دهاء ونكراء وحزم ، وكان يعلم أن قتلهم علانية يوجب رجوع الناس عنه وذهاب ملكه وخروج الناس عليه ، فكان يداريهم ظاهرا على كل حال. ولذا صالحه الحسنعليه‌السلام ولم يتعرض له الحسينعليه‌السلام . ولذا كان معاوية يوصي ولده اللعين بعدم التعرض للحسينعليه‌السلام لأنه كان يعلم أن ذلك يصير سببا لذهاب دولته (انتهى كلام العلامة المجلسي).

٢٨٨ ـ لماذا خرج الحسينعليه‌السلام بعياله إلى العراق؟ :(مقتل المقرم ص ١٢٥)

ان الكلمة السديدة الناضجة في وجه حمل الحسين عياله إلى العراق مع علمه بما يقدم عليه ومن معه على القتل ، هو أنهعليه‌السلام لما علم بأن قتلته سوف تذهب ضياعا لو لم يتعقبها لسان ذرب(١) وجنان ثابت ، يعرّفان الأمة ضلال ابن ميسون(يزيد) وطغيان ابن مرجانة (ابن زياد) ، باعتدائهما على الذرية الطاهرة الثائرة في وجه المنكر ، ودحض ما ابتدعاه في الشريعة المقدسة.

وعرف سيد الشهداءعليه‌السلام من حرائر الرسالةعليه‌السلام الصبر على المكاره وملاقاة

__________________

(١) ذرب اللسان : ذو لسان حادّ. ولسان ذرب : أي فصيح.

٢٨٢

الخطوب والدواهي بقلوب أرسى من الجبال ، فلا يفوتهن تعريف الملأ المغمور بالترّهات والأضاليل ، نتائج أعمال هؤلاء المضلين ، وما يقصدونه من هدم الدين ، وأن الشهداء أرادوا بنهضتهم مع إمامهم إحياء شريعة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي الحقيقة لقد أدت عقائل الوحي هذه الرسالة الجوهرية الخطيرة ، بجرأة وإخلاص ، وثبات ورباطة جأش ، رغم تفاقم الخطب وعظم المصيبة وقساوة المحنة فهاهي عقيلة الوحي زينبعليها‌السلام أخت الحسينعليه‌السلام تقف بجرأة وحزم أمام ابن زياد الجبار المتهور ، تفرغ عن لسان أبيها ، تقول له بكلام أنفذ من السهم ، وتلقمه حجرا وهي تقول :

«هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم ، فانظر لمن الفلج (أي الفوز) ثكلتك أمك يابن مرجانة».ثم لا ننسى خطبها في الكوفة ومواقفها في الشامعليها‌السلام .

وها هي فاطمة بنت الحسين وأم كلثوم وسكينةعليهم‌السلام يتحدثن بمثل ما تحدثت به عمتهن زينبعليها‌السلام ، في ذلك الموقف الرهيب المحفوف بسيوف الخسف والغدر والجور ، فما يستطيع أحد أن يتفوه بكلمة واحدة مهما أوتي من الجرأة والثبات والصمود ، ومهما بلغ من القوة والمنعة والمنزلة ، فكيف بهنّ وقد أعلنّ للملأ أجمع عن كل موبقات ابن ميسون وابن مرجانة.

هذا على أنه وإن وضع الله الجهاد ومكافحة الأعداء عن المرأة وأمرها بلزوم بيتها ، فذاك فيما إذا قام بتلك المكافحة غيرها من الرجال ، وأما إذا توقف إقامة الحق عليها فقط ، بحيث لولا قيامها لدرست أسس الشريعة وذهبت الغاية من تضحية الصفوة ، كان الواجب القيام به.

ينتج من هذا أن جهاد العقيلات في معركة كربلاء كان في طرف موازنة مع جهاد الشهداء.

وجاء في (اللهوف) ص ٤٧ : ومما يمكن أن يكون سببا لحمل الحسينعليه‌السلام عياله ، أنه إن تركها بالحجاز أو غيرها من البلاد ، كان يزيد بن معاوية قد أنفذ ليأخذهن إليه ، وصنع بهن من الاستئصال وسيّئ الأعمال ، ما يمنع الحسين من الجهاد والشهادة.

٢٨٣

٥ ـ هل ألقى الحسينعليه‌السلام بيده إلى التهلكة؟

٢٨٩ ـ هل عرّض الحسينعليه‌السلام نفسه للتهلكة؟ :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩)

يقول السيد عبد الرزاق المقرّم عن استشهاد الأئمةعليهم‌السلام :

وليس في إقدامهم على الشهادة إعانة على إزهاق نفوسهم القدسية وإلقائها في التهلكة الممنوع منه بنص الذكر المجيد ، فإن الإبقاء على النفس والحذر من إيرادها مورد الهلكة إنما يجب إذا كان مقدورا لصاحبها أو لم يقابل بمصلحة أهمّ من حفظها. وأما إذا وجدت هنا لك مصلحة تكافىء تعريض النفس للهلاك ، كما في الجهاد والدفاع عن النفس ، مع العلم بتسرب القتل إلى فئة من المجاهدين ، فيجب عندها بذل النفس والتضحية بها. ولقد أمر الله الأنبياء والمرسلين والمؤمنين فمشوا إليه قدما موطّنين أنفسهم على القتل وكم فيهم سعداء ، وكم من نبي قتل في سبيل دعوته ولم يبارح قوله دعوته حتّى أزهقت نفسه الطاهرة!. وقد تعبّد الله طائفة من بني إسرائيل بقتل أنفسهم فقال :( إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ ) [البقرة : ٥٤].

وقد أثنى سبحانه على المؤمنين في إقدامهم على القتل والمجاهدة في سبيل تأييد الدعوة الإلهية ، فقال تعالى :( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ) [التوبة : ١١١] وقال تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) [البقرة : ٢٠٧] وقال تعالى :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١٦٩) [آل عمران : ١٦٩].

٢٩٠ ـ التعبّد بالقتل أسمى درجات السعادة ، وليس هو إلقاء إلى التهلكة :

(اللهوف للسيد ابن طاووس ، ص ١٢)

يقول السيد ابن طاووس : ولعل بعض من لا يعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة ، يعتقد أن الله لا يتعبّد بمثل هذه الحالة. أما سمع في القرآن الصادق المقال ، أنه تعبّد قوما بقتل أنفسهم ، فقال تعالى :( إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ ) [البقرة : ٥٤] أنه هو القتل ، وليس الأمر كذلك ، وإنما التعبد به من أبلغ درجات السعادة.

٢٨٤

ثم يعرض تفسير آية التهلكة بما ذكره الإمام الصادقعليه‌السلام ، وهو أن بعض الصحابة تخلّفوا عن نصرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقاموا في بيوتهم لإصلاح أحوالهم ، فنزلت الآية :( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) [البقرة : ١٩٥] ومعناه : إن تخلّفتم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقمتم في بيوتكم ألقيتم بأيديكم إلى التهلكة وسخط الله عليكم فهلكتم. وليست هذه الآية في رجل يحرّض على العدو أو يطلب الشهادة بالجهاد في سبيل الله رجاء الثواب والآخرة.

٢٩١ ـ دفع شبهة : هل ألقى الحسينعليه‌السلام بنفسه إلى التهلكة؟ :

(الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري ، ج ٢ ص ٢٣٦)

يقول السيد نعمة الله الجزائري :

واعلم أن جماعة من مخالفينا أورد واهنا شبهة ، بل وربما قاله بعض الجهال فينا ، وهو أن الحسينعليه‌السلام كان عالما بأن يجري عليه ما جرى قبل مسيره إلى العراق ، فلم سار إليها حتّى صار كالمعين على نفسه؟. وهذه شبهة ركيكة ، والجواب عنها من وجوه :

الوجه الأول : أن الإمام إذا وجد الأعوان وجب عليه القيام بأمر الجهاد ، ولا يجوز له التقاعد عنه لظنه بهم الخذلان له ، كما لم يجز للأنبياءعليهم‌السلام ترك الجهاد لهذه المظنّة ، بل قاموا بالدعوة حتّى أصيبوا من الأمة بالمصائب العظام ، كما وقع لأولي العزم وغيرهم ، استتماما لحجة الله تعالى على الخلائق.

الوجه الثاني : أنهعليه‌السلام لو لم يسر إلى العراق لما تركوه ، ولو ذهب إلى المكان البعيد ، مصداقا لقولهعليه‌السلام لأخيه محمّد بن الحنفية ، حين نصحه بأن يلحق بالرمال من اليمن حتّى ينظر بواطن أهل العراق ، فقال له : يا أخي نعم ما رأيت من الصلاح ، ولكن هؤلاء القوم ما يسكتون عن طلبي أينما ذهبت حتّى يسفكوا دمي ، فعند ذلك يلبسهم الله ذلّ الدنيا والآخرة.

الوجه الثالث : أن الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام قد خصّهم الله تعالى بأنواع من التكاليف ، فلعل هذا ـ وهو الإلقاء إلى التهلكة ـ منها ، نظرا إلى الحكم والمصالح الإلهية.

فإن قلت : كيف لم يبايع ليزيد حتّى لا يصل إليه الضرر ، كما بايع أخوه الحسنعليه‌السلام ؟ قلت : هذا مجرد كلام ، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. وذلك

٢٨٥

أنهعليه‌السلام رأى أخاه الحسنعليه‌السلام لما سالم معاوية ، وكيف فعل به أولا ، وكيف غدر به آخرا ، حتّى قتله مسموما. فما كان يصنع ابنه يزيد مع الحسينعليه‌السلام إلا أسوأ من هذا ، لأن معاوية كان فيه الدهاء ، وما كان يتجرأ على قتل الحسينعليه‌السلام ظاهرا ، ولهذا أوصى عند موته ليزيد ، أنك [إن] تظفر بالحسينعليه‌السلام فلا تقتله ، واذكر فيه القرابة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢٩٢ ـ بين هجرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهجرة السبطعليه‌السلام :

(من وحي الثورة الحسينية لهاشم معروف الحسني ، ص ٣١)

يقول السيد هاشم معروف الحسني :

هناك هجرتان من أجل الإسلام ورسالة الإسلام :

الأولى منهما : كانت فرارا من الموت الّذي استهدف رسالة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشخصه ، وقد نفّذها الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر من ربه ، ليتابع رسالته وينقذها من مشركي مكة وجبابرة قريش وعلى رأسهم أبو سفيان.

والثانية : قام بها سبطه الزكي الحسين بن عليعليه‌السلام ولكنها كانت للشهادة ، بعد أن أدرك أن الأخطار المحدقة برسالة جده ، لا يمكن تفاديها وتجاوزها إلا بشهادته.

لقد هاجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكة إلى المدينة لأجل رسالته ، بعد أن تآمرت قريش على قتله لتتخلص منها ، لأن بقاءها وانتشارها مرهون بحياته ، وبعد أن وجدت أن جميع وسائل العنف التي استعملتها معه خلال ثلاثة عشر عاما لم تغير من موقفه شيئا ، كما لم تجدها جميع الاغراءات والعروض السخية. وكان ردّه الأخير على عروض أبي سفيان وأبي جهل ومغرياتهما أن قال : «والله لو وضعتم الشمس في يميني ، والقمر في شمالي ، على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، حتّى يحكم الله أو أهلك دونه».

وظل الحزب الأموي بقيادة أبي سفيان وأبنائه يتحيّن الفرص ويستغل المناسبات ليجهض على الإسلام وعلى قادة الإسلام ، بعد أن عملوا بكل جهدهم لإفراغ الإسلام من مضمونه الحقيقي واتخاذه أداة ظاهرية للوصول إلى الحكم.

وحين عادت الجاهلية تعصف برياحها على بلاد الإسلام ، وتلقي بظلها على المسلمين ، سطع ضوء في الظلام ومن بين ركام الإسلام المتداعي ، وأضاءت للملأ

٢٨٦

ملامح أمل جديد في دياجي ذلك الظلام المطبق ، وبدا للعالم إنسان يخطّ على التراب بدمه هذه الكلمات :

«ألا وإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما».

إنه الحسين ، ابن علي وفاطمة الزهراءعليهم‌السلام سبط ذلك الرسول الّذي هاجر [الهجرة الأولى] من مكة إلى المدينة ، لأجل رسالته ولا نقاذها من الشرك والوثنية.جاء يهاجر [الهجرة الثانية] لأجل نفس الرسالة ولانقاذها من الشذوذ والانحراف والجور والفساد. خرج من مدينة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عاصمة أبيه الكوفة ، خرج مهاجرا لإحياء دين جده ورسالته ، وإيقاظ الآمال في نفوس الفقراء والمستضعفين ، الذين باتوا يساقون كالأنعام بيد الولاة والحكام.

ولقد رضي الحسينعليه‌السلام أن يقدّم نفسه وأهله قربانا لهذه الرسالة ، حين رأى الموت والشهادة أحلى إلى قلبه من العقد الّذي يزيّن جيد الفتاة ، وحين أدرك أن لا عزّة ولا كرامة إلا بالجهاد والفداء.

لقد هاجر الحسينعليه‌السلام من مدينة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أرض الشهادة والخلود ، ليقدّم دمه الزكي ودماء إخوته وأنصاره ثمنا لإحياء شريعة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنقاذها من الضياع والاندثار.

وهكذا كانت نهضة الحسينعليه‌السلام الامتداد الطبيعي لرسالة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجهاد الحسينعليه‌السلام امتدادا لجهاد جده وأبيهعليه‌السلام ، مصداقا لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«حسين مني وأنا من حسين». فعقيدة الحسين هي من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورسالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحيى وتبقى بالحسينعليه‌السلام .

٦ ـ معالم النهضة المقدسة

٢٩٣ ـ ثلاثة مشاعل من رسالة الحسينعليه‌السلام :

(مجلة الإسلام في معارفه وفنونه للشيخ حبيب آل إبراهيم ، بعلبك ،

السنة العاشرة ، العدد الأول ، نيسان ١٩٦٨)

ماهي رسالة الحسينعليه‌السلام ؟

تعال نسأل عنها الإمام الحسين نفسه

في يوم شهادته بالذات رفع الشهيد شعارات ثلاثة ،

٢٨٧

كانت خير عنوان للرسالة التي خرج يؤديها بدمه ،

ودم الشهداء الذين معه.

هذه الشعارات هي : المسؤولية ـ التصميم ـ العزّة.

١ ـ المسؤولية :

قال الإمام الحسينعليه‌السلام : «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يحكم الله وهو خير الحاكمين».

هذه الكلمات مشاعل ، تضيء الطريق للسالكين ، بها يحدد سيد الشهداء أغراض نهضته : إنه لم يخرج طمعا بمنصب ولا عن انحراف ، إنما خرج يطلب الإصلاح في دين جده خاتم الرسلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يريد أمرا بمعروف ونهيا عن منكر.

ها هنا مشعل!. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إنه المسؤولية ؛ مسؤولية المسلم عن عقيدته وممارستها.

ولقد كان أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام حيثما سار وثار ، نموذجا مثاليا للمسلم حين تحيق بعقيدته الآفات والأخطار.

ثم قال الحسينعليه‌السلام : «فمن قبلني بقبول الحق ، فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر ، حتّى يحكم الله ، وهو خير الحاكمين».

إنه ينادي : أيها الناس لا يكن ميزان قبولكم إياي شخصي ، إنما اقبلوني لأني أمثّل حقا. فمن قبلني فإنما يقبل الحق ، ومن ردّ عليّ فإنما يردّ على الحق هكذا ترتفع المبادئ فوق الأشخاص. وحينذاك تضيع النفوس وحاجاتها ، ويبقى المبدأ هو القائم البارز. ونعم ، يبقى الشخص بمقدار ما يمثّل من مبدأ.

٢ ـ التصميم :

وقالعليه‌السلام : «ألا وإن الدعيّ ابن الدعيّ ، قد ركز بين اثنتين : بين السّلةّ والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام».

٢٨٨

ها هو الحسينعليه‌السلام يعلن تصميمه على أداء رسالته ، وأنه لن يتراجع. وأنه يؤثر أن يموت ميتة الكرام في سبيل الرسالة ، على أن يطيع اللئام ولكن لماذا؟. من أين ينبع هذا التصميم؟.

من الله ورسوله ، ومن تربيته ، ومن نفسه. فلا الله يرضى له التراجع ولا رسوله ، ولا حقّ من ربّوه ، ولا نفسه.

مزيج من الدوافع ، لا أشمل ولا أكمل : الدين والتربية والنفسية. كلها تدفعه لأن يعلنها صريحة مدوّية : أنه لن يتراجع عن أداء رسالته ، ولو كلّفه ذلك مصرعه ...والدين في المقدمة.

وهذا مشعل!. الدين حافز لا يرضى التراجع ، ولا يقبل بأنصاف الحلول.

٣ ـ العزّة :

ثم قالعليه‌السلام : «لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد».

كلمات تنضح بالعزة

إنه لن يسكت ذليلا ، ولن يسكت عبدا والمنحرفون يريدونه ذليلا وعبدا معا. ولو أنه ذل واستعبد لربما أنالوه ما يرضيه ؛ ولكنه عزّ ، وإذ عزّ ثار ولكم تكلّف.

العزة غاليا( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) [المنافقون : ٨].

وهذا مشعل!. الإيمان عزّ ، ولا ذلّ مع الإيمان.

٧ ـ أهداف نهضة الحسينعليه‌السلام

* مدخل :

قبل أن يسير الحسينعليه‌السلام من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ، دعا بدواة وبياض وكتب وصية تاريخية لأخيه محمّد بن الحنفية. وهذه الوصية هي أفضل وثيقة صادرة عن صاحب النهضة ، يوضح فيها بجلاء أهداف نهضته المباركة ، يقول فيها :

«إني لم أخرج أشرا (أي فرحا) ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن

٢٨٩

المنكر ، وأسير بسيرة جدي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيرة أبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام .فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، ويحكم بيني وبينهم وهو خير الحاكمين».

ففي هذه الوثيقة يبيّن الحسينعليه‌السلام ما يلي :

١ ـ أن نهضته ليس غرضها السلطان والدنيا وما يلازمها من الفرح والبطر ، ولا الإفساد والظلم.

٢ ـ أن نهضته تنطلق من مبدأ وجوب الإصلاح لكل فاسد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٣ ـ أن غايته الأولى والأخيرة إحقاق الحق الّذي أبطله المتحكمون والمبطلون ، المتمثل بسيرة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبيه عليعليه‌السلام .

٤ ـ أنه سوف يعمل جاهدا لتطبيق مبادئه السامية مستعينا بأنصار الحق ، وسوف يبذل في سبيل ذلك كل غال ورخيص ، ويصبر على تنفيذ ذلك ولو ضحّى بنفسه وما يملك.

والحسينعليه‌السلام رغم علمه بمصيره وشهادته ، التي وصلت حدّ الاشتهار ، إلا أنه كان يعمل وفق تكليفه الشرعي المبني على ظواهر الأمور.

٢٩٤ ـ هدفان رئيسيان للنهضة :

(الوثائق الرسمية لثورة الحسين لعبد الكريم الحسيني القزويني ، ص ١٢)

لو تصفحنا الوثائق الأولى لقائد هذه الثورة ـ الحسينعليه‌السلام ـ لرأيناها تحمل الهدفين التاليين :

١ ـ الثورة على حكم يزيد ، أي تغيير الجهاز الحاكم.

٢ ـ إقامة الشريعة الاسلامية وتطبيقها ، في مقابل المخالفات التي أشاعها الحكام آنذاك.

٢٩٥ ـ الحسينعليه‌السلام فاتح وليس مغامرا :(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٥٦)

كان الحسينعليه‌السلام يعتقد في نهضته أنه فاتح منصور ، لما في شهادته من إحياء دين الرسول وإماتة البدعة وتفظيع أعمال المناوئين وتفهيم الأمة أنه أحق بالخلافة من غيره ، وإليه يشير في كتابه إلى بني هاشم :

٢٩٠

«من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلفّ لم يبلغ الفتح»(١) .

فإنهعليه‌السلام لم يرد بالفتح إلا ما يترتب على نهضته وتضحيته من نقض دعائم الضلال وكسح أشواك الباطل عن الشريعة المطهرة ، وإقامة أركان العدل والتوحيد ، وأن الواجب على الأمة القيام في وجه المنكر.

وهذا معنى كلمة الإمام زين العابدينعليه‌السلام لإبراهيم بن طلحة بن عبيد الله

لما سأله حين رجوعه إلى المدينة : «من الغالب؟». فقال السجّادعليه‌السلام : إذا دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم ، تعرف الغالب!(٢) .

فإنه يشير إلى تحقّق الغاية التي ضحّى سيد الشهداء بنفسه القدسية من أجلها ، وفشل يزيد بما سعى له من إطفاء نور الله تعالى ومحو ذكر أهل البيتعليهم‌السلام ، وما أراده أبوه من نقض مساعي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإمائة الشهادة له بالرسالة ، بعد أن كان الواجب على الأمة في أوقات الصلوات الخمس الإعلان بالشهادة لنبي الإسلام ، ذلك الّذي هدم صروح الشرك وأبطل عبادة الأوثان. كما وجب على الأمة الصلاة على النبي وعلى آله الطاهرين في التشهدين ، وأن الصلاة عليه بدون الصلاة على آله : بتراء(٣) .

كما أن العقيلة زينبعليها‌السلام أشارت إلى هذا الفتح بقولها ليزيد : «فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا يرحض عنك عارها وشنارها».

تصريحات الفيلسوف الألماني ماربين

٢٩٦ ـ أسرار شهادة الحسينعليه‌السلام للفيلسوف الألماني (ماربين):

(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ٥٢)

قال الحكيم الألماني ماربين في كتابه (السياسة الإسلامية) من جملة كلام طويل :

لا يشك صاحب الوجدان إذا دقّق النظر في أوضاع ذاك العصر ، وكيفية نجاح بني

__________________

(١) كامل الزيارات ، ص ٧٥ ؛ وبصائر الدرجات للصفار ، ج ١٠ ص ١٤١.

(٢) أمالي الشيخ الطوسي.

(٣) الصواعق المحرقة ، ص ٨٧.

٢٩١

أمية في مقاصدهم واستيلائهم على جميع طبقات الناس وتزلزل المسلمين ، أن الحسين قد أحيا بقتله دين جده وقوانين الإسلام. ولو لم تقع تلك الواقعة ، ولم تظهر تلك الحسّيات الصادقة بين المسلمين لأجل قتل الحسين ، لم يكن الإسلام على ماهو عليه الآن قطعا ، بل كان من الممكن ضياع رسومه وقوانينه حيث كان يومئذ حديث العهد.

عزم الحسينعليه‌السلام على إنجاح هذا المقصد وإعلان الثورة ضد بني أمية من يوم توفي والده ، فلما قام يزيد مقام معاوية خرج الحسينعليه‌السلام من المدينة ، وكان يظهر مقصده العالي ، ويبث روح الثورة في المراكز الإسلامية المهمة كمكة والعراق وأينما حل ، فازدادت نفرة قلوب المسلمين ، التي هي مقدمة الثورة على بني أمية ، ولم يكن يجهل يزيد مقاصد الحسينعليه‌السلام ، وكان يعلم أن الثورة إذا أعلنت في جهة والحسين قائدها مع تنفر المسلمين عموما من حكومة بني أمية وميل القلوب وتوجه الانظار إلى الحسينعليه‌السلام ، عمّت جميع البلدان ، وفي ذلك زوال ملكهم وسلطانهم ، فعزم يزيد قبل كل شيء من يوم بويع على قتل الحسينعليه‌السلام . ولقد كان هذا أعظم خطأ سياسي صدر من بني أمية ، فجعلهم نسيا منسيا ولم يبق منهم أثر ولا خبر.

وأعظم الأدلة على أن الحسينعليه‌السلام أقدم على قتل نفسه ولم تكن من غرضه سلطنة ولا رئاسة ، هو أنه مضافا إلى ما كان عليه من العلم والسياسة والتجربة التي وقف عليها زمن أبيه وأخيه في قتال بني أمية ، كان يعلم أنه مع عدم تهيئة الأسباب له واقتدار يزيد ، لا يمكنه المقاومة والغلبة.

وكان يقول من يوم توفي والده إنه يقتل وأعلن يوم خروجه من المدينة أنه يمضي إلى القتل ، وأظهر ذلك لأصحابه والذين أتبعوه من باب إتمام الحجة ، حتى يتفرق الذين التفوا حوله طمعا بالدنيا ، وطالما كان يقول «وخير لي مصرع أنا لاقيه». ولو لم يكن قصده ذلك ولم يكن عالما عامدا ، لجمع الجنود ولسعى في تكثير أصحابه وزيادة استعداده ، لا أن يفرق الذين كانوا معه. ولكن لما لم يكن له قصد إلا القتل مقدمة لذلك المقصد العالي ، وإعلان الثورة المقدسة ضد يزيد ، رأى أن خير الوسائل إلى ذلك (الانفراد والمظلومية) ، فإنّ أثر هذه المصائب أشد وأكثر في القلوب.

من الظاهر أن الحسينعليه‌السلام مع ما كانت له من المحبوبية في قلوب المسلمين

٢٩٢

في ذلك الزمان ، لو كان يطلب قوة واستعدادا لأمكنه أن يخرج إلى حرب يزيد جيشا جرارا ، ولكنه لو صنع ذلك لكان قتله في سبيل السلطة والإمارة ، ولم يفز (بالمظلومية) التي انتجت تلك الثورة العظيمة. هذا هو الذي جعله لا يبقي معه إلا الذين لا يمكن انفكاكهم عنه ، كأولاده وإخوانه وبني أخوته وبني أعمامه وجماعة من خواص أصحابه ، حتى أنه أمر هؤلاء أيضا بمفارقته ، ولكنهم أبوا عليه ذلك ، وهؤلاء أيضا كانوا من المعروفين بين المسلمين بجلالة القدر وعظم المنزلة وقتلهم معه مما يزيد في عظم المصيبة وأثر الوقعة. نعم إن الحسينعليه‌السلام بمبلغ علمه وحسن سياسته بذل كمال جهده في إفشاء ظلم بني أمية وإظهار عداوتهم لبني هاشم وسلك في ذلك كل طريق.

ولما كان يعلم الحسينعليه‌السلام عداوة بني أمية له ولبني هاشم ، ويعرف أنهم بعد قتله يأسرون عياله وأطفاله ـ وذلك يؤيد مقصده ويكون له أثر عظيم في قلوب المسلمين سيما العرب كما قد وقع ـ حملهم معه وجاء بهم من المدينة.

نعم إن ظلم بني أمية وقساوة قلوبهم في معاملاتهم مع حرم محمد وصباياه أثّر في قلوب المسلمين تأثيرا عظيما لا ينقص عن أثر قتله وأصحابه. ولقد أظهر في عمله هذا عقيدة بني أمية في الإسلام وسلوكهم مع المسلمين سيما ذراري نبيهم. لهذا كان الحسين يقول في جواب أصحابه والذين كانوا يمنعونه عن هذا السفر : «إني أمضي إلى القتل» ولما كانت أفكار المانعين محدودة وأنظارهم قاصرة لا يدركون مقاصد الحسينعليه‌السلام العالية ، لم يألوا جهدهم في منعه ، وآخر ما أجابهم به أن قال لهم «شاء الله ذلك وجدي أمرني به». فقالوا إن كنت تمضي إلى القتل فما وجه حملك النسوة والأطفال ، فقال : «إن الله شاء أن يراهن سبايا». ولما كان الحسين بينهم رئيسا روحانيا لم يكن لهم بدّ من السكوت.

ومما يدل على أنه لم يكن له غرض إلا ذلك المقصد العالي الذي كان في نفسه ، ولم يتحمل تلك المصائب لسلطنة وإمارة ولم يقدم على هذا الخطر من غير علم ودارية ـ كما تصوره بعض المؤرخين منا ـ أنه قال لبعض ذوي النباهة قبل الواقعة بأعوام كثيرة ، على سبيل السلوة : إنه بعد قتلي وظهور تلك المصائب المحزنة ، يبعث الله رجالا يعرفون الحق من الباطل ، يزورون قبورنا ، ويبكون على مصابنا ، ويأخذون بثأرنا من أعدائنا ، أولئك جماعة ينشرون دين الله وشريعة جدي ، وأنا وجدي نحبهم وهو يحشرون معنا يوم القيامة. وليتأمل المتأمل في كلام

٢٩٣

الحسينعليه‌السلام وحركاته يرى أنه لم يترك طريقا من السياسة إلا سلكه في إظهار شنائع بني أمية وعداوتهم القلبية لبني هاشم ومظلومية نفسه ، وهذا مما يدل على حسن سياسته وقوة قلبه وتضحية نفسه ، في طريق الوصول إلى المقصد الذي كان في نظره ، حتى أنه في آخر ساعات حياته عمل عملا حير عقول الفلاسفة ، ولم يصرف نظره عن ذلك المقصد العالي مع تلك المصائب المحزنة والهموم المتراكمة وكثرة العطش والجراحات ، وهو قصة (عبد الله الرضيع). فلما كان الحسينعليه‌السلام يعلم أن بني أمية لا يرحمون له صغيرا رفع طفله الصغير تعظيما للمصيبة على يده أمام القوم وطلب منهم أن يأتوه بشربة من الماء فلم يجيبوه إلا بالسهم.

ويغلب على الظن أن غرض الحسينعليه‌السلام من هذا العمل تفهيم العالم بشدة عداوة بني أمية لبني هاشم وأنها إلى أي درجة بلغت. ولا يظن أحد أن يزيد كان مجبورا على تلك الأعمال المفجعة لأجل الدفاع عن نفسه ، لأن قتل الطفل الرضيع في تلك الحال بتلك الكيفية ، ليس هو إلا توحش وعداوة سبعية ، منافية لقواعد كل دين وشريعة ، ويمكن أن تكون هذه الفاجعة كافية لافتضاح بني أمية ورفع الستار عن قبائح أعمالهم ونياتهم السيئة بين العالم ، سيما المسلمين ، وأنهم يخالفون الإسلام في حركاتهم بل يسعون بعصبية جاهلية إلى إبادة آل محمد وجعلهم أيدي سبأ.

ونظرا لتلك المقاصد العالية التي كانت في نظر الحسينعليه‌السلام مضافا إلى وفور علمه وسياسته التي كان لا يشك فيها اثنان لم يرتكب أمرا يوجب إجبار بني أمية للدفاع عن أنفسهم ، حتى أنه مع ذلك النفوذ والاقتدار الذي كان له في ذلك العصر لم يسع في تسخير البلاد الإسلامية وضمها إليه ولا هاجم ولاية من ولايات يزيد إلى أن حاصروه في واد غير ذي زرع ، قبل أن تبدو منه أقل حركة عدائية أو تظهر منه ثورة ضد بني أمية لم يقل الحسينعليه‌السلام سأكون ملكا أو سلطانا أو أصبح صاحب سلطة. نعم كان يبث روح الثورة في المسلمين بنشره شنائع بني أمية واضمحلال الدين إن دام ذلك الحال ، وكان يخبر بقتله ومظلوميته وهو مسرور. ولما حوصر في تلك الأرض القفراء أظهر لهم من باب إتمام الحجة بأنهم لو تركوه لرحل بعياله وأطفاله وخرج من سلطة يزيد ، ولقد كان لهذا الإظهار الدال على سلامة نفس الحسينعليه‌السلام في قلوب المسلمين غاية التأثير.

لقد قتل قبل الحسينعليه‌السلام ظلما وعدوانا كثير من الرؤساء الروحانيين وأرباب

٢٩٤

الديانات وقامت الثورة بعد قتلهم بين تابعيهم ضد الأعداء ، كما وقع مكررا في بني إسرائيل ، وقصة يحيى من أعظم الحوادث التاريخية ، ومعاملة اليهود مع المسيح لم ير نظيرها إلى ذلك العهد ، ولكن واقعة الحسينعليه‌السلام فاقت الجميع لم يرشدنا التاريخ إلى أحد من الروحانيين وأرباب الديانات أنه أقدم على قتل نفسه عالما عامدا لمقاصد عالية لا تنجح إلا بقتله ، فإن كل واحد من أرباب الديانات الذين قتلوا ، ثار عليهم أعداؤهم وقتلوهم ظلما ، وبمقدار مظلوميتهم قامت الثورة بعدهم ، ومقاصد الحسينعليه‌السلام كانت على علم وحكمة وسياسة وليس لها نظير في التاريخ ، فإنه لم يزل يوالي السعي في تهيئة أسباب قتله نظرا لذلك المقصد العالي ، ولم نجد في التاريخ رجلا ضحّى بحياته عالما عامدا لترويج ديانته من بعده إلا الحسينعليه‌السلام .

المصائب التي تحمّلها الحسينعليه‌السلام في طريق إحياء دين جده تفوق على مصائب أرباب الديانات السابقين ، ولم ترد على أحد منهم. نعم إن هناك رجالا قتلوا في طريق إحياء الدين ولكنهم لم يكونوا كالحسين ، فإنه ضحّى بنفسه العزيزة في طريق إحياء دين جده وفداه بأولاده وإخوانه وأقربائه وأحبابه وأمواله وعياله ، ولم تقع هذه المصائب دفعة واحدة حتى تكون في حكم مصيبة واحدة ، بل وقعت متوالية واحدة بعد أخرى ، ويختص الحسينعليه‌السلام دون غيره بتواتر أمثال هذه المصائب كما يشهد له التاريخ.

لم تنته المصائب التي وردت على الحسينعليه‌السلام من قتله وقتل أصحابه وتسيير نسائه وبناته ، إلا وانكشف الغطاء عن سرائر بني أمية وقبائح أعمالهم ، وظهرت بين المسلمين الحسيات السياسية ، وتوطدت أسباب الثورة ضد سلطنة يزيد وبني أمية ، وعلم الجميع أن بني أمية مخربو الإسلام ، وصار الجميع يرفض بدعهم وتقولاتهم ، وعرفوا بالظلم والغصب ، بالعكس من بني هاشم فإنهم عرفوا بالمظلومية وأن لهم الرئاسة الروحانية بالاستحقاق ، وإليهم تنمى الحقيقة الروحانية.

كأن المسلمين بعد قتل الحسينعليه‌السلام قد دخلوا في دور جديد وظهرت الروحانية الإسلامية بأجلى مظاهرها وتجددت بعد أن كانت مندرسة غائبة عن أذهان المسلمين وكما أنه لا يشك اثنان في تفوق مصائب الحسينعليه‌السلام على جميع مصائب روحاني السلف ، فكذلك لا يشك في الثورة التي حدثت بعده بأنها فاقت جميع الثورات السالفة وأن امتدادها وأثرها أكثر ، وأن بها ظهرت للعالم (مظلومية

٢٩٥

آل محمد) فكانت أولى نتائج هذه الثورة اختصاص الرئاسة الروحانية التي لها أهمية عظمى في عالم السياسة ببني هاشم ، وخصوصا في أولاد الحسينعليه‌السلام (فكان منهم أئمة الشيعة) ونظرة عموم المسلمين إلى بني هاشم سيما أولاد الحسين نظرهم إلى الروحانيين. ولم يطل العهد حتى نزعت تلك السلطة من بني أمية وزالت السلطة والقدرة من آل يزيد في أقل من قرن ، واندرست آثارهم على وجه لم يبق منهم عين ولا أثر. وأينما ذكرت أسماؤهم في متون الكتب قرنها المسلمون بكلمة الشماتة ، وكل ذلك نتيجة سياسة الحسين الذي يمكن أن يقال إنه لم يأت في أرباب الديانات والروحانيين رجل عرف عواقب الأمور مع بعد نظر وحسن سياسة كالحسينعليه‌السلام .

قبل أن تصل سبايا الحسين إلى الشام قامت الثورة ضد يزيد وظهرت بمظلومية الحسين سرائر بني أمية ، وكشف الغطاء عن نياتهم وتوجه اللوم على يزيد حتى من أهل بيته وحرمه(١) . وصار يزيد يسمع تقديس الحسينعليه‌السلام وأولاد علي وعظمتهم ومظلوميتهم بعد أن لم يكن يمكن ذكرهم عنده بخير. وكان يصعب عليه ذلك إلا أنه لم يكن له بدّ غير السكوت ، ولما أراد تبرئة نفسه من تلك الأعمال ألقى المسؤولية على عماله ولم يزل يسمع محامد الحسينعليه‌السلام . قال يزيد ذات يوم : إن سلطنة الحسين كانت أهون عليّ من هذا المقام العالي الذي فاز به آل علي وبنو هاشم.

وأخيرا فشيعة الحسينعليه‌السلام لم يزالوا يستفيدون من هذه الثورات ، وتزيد قوة بني هاشم وعظمتهم حتى لم يمض أقل من قرن إلا وصارت السلطنة الإسلامية الوسيعة في بني هاشم من دون مزاحم ، وأبادوا بني أمية على وجه لم يبق منهم اسم ولا رسم. (انتهى كلام ماربين).

__________________

(١) قال السيد عبد الرزاق المقرم في مقتله صفحة ٢٠ : ولقد فشا الانكار على يزيد حتى من حريمه وأهل بيته ، حتى أن زوجته هند بنت عمرو بن سهيل وكان زوجة عبد الله بن عامر بن كريز ، فأجبره معاوية على طلاقها لرغبة يزيد فيها فإنها لما أبصرت الرأس مصلوبا على باب دارها ، والأنوار النبوية تتصاعد منه إلى عنان السماء ، وشاهدت الدم يتقاطر طريا ويشم منه رائحة طيبة ، عظم مصابه في قلبها فلم تتمالك أن دخلت على يزيد في مجلسه مهتوكة الحجاب وهي تصيح : رأس ابن بنت رسول الله مصلوب على دارنا. فقام إليها وغطاها وقال لها : أعولي على الحسين فإنه صريخة بني هاشم ، عجّل عليه ابن زياد قصد بذلك تعمية الامر وإبعاد السبة عنه وذلك بإلقاء التبعة على عامله

٢٩٦

إنها لكلمات حرة صادقة جاءت على لسان رجل غربي مدقق مطّلع. ومن المؤسف أن نرى أمثال هذا الفيلسوف من الغربيين أشد إنصافا ودفاعا عن الحق ، حتى من علماء العرب أنفسهم (وإن تتولّوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) صدق الله العظيم.

٢٩٧ ـ مختصر ما حصل للحسينعليه‌السلام حتّى مقتله :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢٠٧)

يقول السيوطي : فأما ابن الزبير فلم يبايع ، ولا دعا إلى نفسه.

وأما الحسينعليه‌السلام فكان أهل الكوفة يكتبون إليه يدعونه إلى الخروج إليهم زمن معاوية ، وهو يأبى. فلما بويع يزيد أقام على ما هو مهموما ، يجمع الإقامة مرة ، ويريد المسير إليهم أخرى. فأشار عليه ابن الزبير بالخروج.

وكان ابن عباس يقول له : لا تفعل.

وقال له ابن عمر : «لا تخرج ، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيّره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة. وإنك بضعة منه ، ولا تنالها (أي الدنيا).

(وفي رواية تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ، ج ٢ ص ٣٥٧) : «لا ينالها أحد منكم ، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير ، فأبى».

واعتنقه [ابن عمر] وبكى ، وقال : أستودعك الله من قتيل!. فكان ابن عمر يقول :غلبنا حسين بالخروج ، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة.

وكلّمه في ذلك أيضا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري وأبو واقد الليثي وغيرهم ، فلم يطع أحدا منهم.

وصمم على المسير إلى العراق. فقال له ابن عباس : والله إني لأظنك ستقتل بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان ، فلم يقبل منه. فبكى ابن عباس وقال : أقررت عين ابن الزبير.

وبعث أهل العراق إلى الحسينعليه‌السلام الرسل والكتب يدعونه إليهم ، فخرج من مكة إلى العراق في عشر ذي الحجة ، ومعه طائفة من آل بيته ، رجالا ونساء وصبيانا.

فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتاله ، فوجّه إليه جيشا من أربعة آلاف ، عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فخذله أهل الكوفة ، كما هو شأنهم مع

٢٩٧

أبيه من قبله. فلما رهقه السلاح عرض عليهم الاستسلام والرجوع ، والمضي إلى يزيد فيضع يده في يده [هذه الدعوى مغلوطة من وضع الإعلام الأموي] فأبوا إلا قتله!. فقتل وجيء برأسه في طست ، حتّى وضع بين يدي ابن زياد ؛ لعن الله قاتله ، وابن زياد معه ويزيد أيضا.

ويتابع السيوطي حديثه فيقول : وكان قتله بكربلاء. وفي قتله قصة فيها طول ، لا يحتمل القلب ذكرها ، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقتل معه ستة عشر رجلا من أهل بيته

ولما قتل الحسينعليه‌السلام وبنو أمية ، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد ، فسرّ بقتلهم أولا ، ثم ندم لمّا مقته المسلمون على ذلك ، وأبغضه الناس ، وحقّ لهم أن يبغضوه. اه

٨ ـ ثمرات النهضة الحسينية

٢٩٨ ـ نهضة الحسينعليه‌السلام تحقق أهدافها القريبة والبعيدة ، ثمرات نهضة الحسينعليه‌السلام :

(الأئمة الاثنا عشر لعادل الأديب ، ص ١٣٦)

لقد استطاعت ثورة الحسينعليه‌السلام أن تحقق من قيامها الثمرات التالية :

١ ـ وضع الحدّ الفاصل أمام الجماهير ، بين الإسلام الصحيح والحكم الأموي الخادع ، وتحطيم الإطار الديني المزيّف الّذي كان الأمويون يحيطون به سلطانهم ، وبيان مدى بعده عن الدين.

٢ ـ الشعور بالإثم : ولّد استشهاد الحسينعليه‌السلام المفجع في كربلاء في ضمير كل مسلم استطاع أن ينصره فلم ينصره ، بعد أن عاهده على الثورة ولّد فيهم الشعور بالإثم ، ولزوم التكفير عن ذلك التقصير.

ولقد قدّر لهذا الشعور بالإثم أن يظل دائم الأوار ، حافزا دائما إلى الثورة والانتقام ، من رؤوس الفتنة والانحراف ، وقدّر له أن يدفع الناس إلى الثورات على الأمويين والظالمين كلما سنحت الفرصة.

٣ ـ تنمية الروح النضالية في الإنسان المسلم ، وتحطيم كل الحواجز النفسية والاجتماعية التي حالت دون الثورة.

٢٩٨

ولكي نخرج بفكرة واضحة عن مدى تأثير ثورة الحسينعليه‌السلام في بعث روح الثورة والنضال في المجتمع الإسلامي ، يحسن بنا أن نلاحظ أن هذا المجتمع خلال عشرين عاما من مقتل الإمام عليعليه‌السلام وحتى ثورة الحسينعليه‌السلام أخلد إلى السكون ولم يقم بأي ثورة أو احتجاج جدّي جماعي على ألوان الاضطهاد والظلم والقتل وسرقة أموال الأمة ، التي كان يقوم بها الأمويون وأعوانهم ، بل خلد إلى الخنوع والنوم والتسليم.

أما بعد ثورة الحسينعليه‌السلام واستشهاده ، فقد اندلعت الثورات على يد الجماهير وتوثّبت الروح النضالية فيهم ، وبدؤوا يبحثون عن زعيم يقودهم لنزع قيد الخنوع والاستسلام ، وإرجاع الحياة والحركة للإسلام. ونلاحظ هذه الروح الثورية في كل الثورات التي حملت شعار الثأر لدم الحسينعليه‌السلام والتي هي في واقعها تثأر لكرامة الإسلام والمسلمين.

٢٩٩ ـ ثورات على خطّ الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ١٣٩)

ونجمل هنا ذكر بعض هذه الثورات :

١ ـ ثورة التوابين : التي اندلعت في الكوفة بقيادة الصحابي سليمان بن صرد الخزاعي ، وكانت ردّ فعل مباشر لمقتل الحسينعليه‌السلام ، وانطلقت من مبدأ الشعور بالإثم والتقصير في نصرة الحسينعليه‌السلام . وكانت سنة ٦٥ ه‍.

٢ ـ ثورة أهل المدينة : وكانت تهدف إلى تقويض سلطان الأمويين الظالم اللاإسلامي ، وقد بدأت هذه الثورة بطرد حاكم يزيد من المدينة ، ومعه كل الأمويين وعددهم ألف شخص. فكان من نتيجة ذلك أن بعث يزيد بالمجرم السفّاك مسلم بن عقبة المرّي ، الّذي اشتهر باسم (مسرف) من شدة ما أسرف في قتل أهل المدينة من أبناء الصحابة والتابعين. وقد سبى المدينة ثلاثة أيام ، حتّى أن جيشه افتضّ ألف فتاة عذراء من بنات الصحابة الأجلاء.

٣ ـ ثورة المختار الثقفي : الّذي خرج من العراق طالبا الأخذ بالثأر من قتلة الحسينعليه‌السلام ، وذلك سنة ٦٦ ه‍. فتتبّع المختار قتلة الحسينعليه‌السلام وآله ، وقتلهم ومثّل بهم. فقتل منهم في يوم واحد مائتين وثمانين رجلا ، حتّى قتل منهم الآلاف.ولم ينج منه أحد ، حتّى عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وأضرابهم.

٢٩٩

٤ ـ ثورة ابن الأشعث : وفي سنة ٨١ ه‍ ثار عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث على الحجاج في العراق ، وخلع عبد الملك بن مروان. وقد استمرت ثورته إلى سنة ٨٣ ه‍ ، وأحرزت انتصارات عسكرية ، ثم قضى عليها الحجاج بمساعدة جيوش شامية.

٥ ـ ثورة الشهيد زيد بن علي : وفي سنة ١٢٢ ه‍ ثار في الكوفة على طغيان الأمويين زيد بن علي ، وهو ابن الإمام زين العابدينعليه‌السلام . ولكن سرعان ما أخمدت ثورته ، وقتل وصلبرحمه‌الله .

وكان من نتيجة هذه الثورات تقويض ملك بني أمية خلال تسعين سنة ، وقد كان يتوقع له أن يستمر مئات السنين.

فلسفة الابتلاء

٣٠٠ ـ الدنيا دار ابتلاء :

(الأنوار النعمانية للسيد نعمة الله الجزائري ، ج ٢ ص ٢٣٦)

يقول السيد نعمة الله الجزائري : اعلم أيّدك الله أن البلاء إنما كتب على المؤمن ، وأن الدنيا ليست بدار ثواب ولا بدار عقاب ، لم يرض سبحانه بأن يجعل ثواب المؤمن فيها ولا عقاب الكافر فيها ، وذلك لقلة أيامها ونقصان الأعمار فيها ، ومن ثم بعث الدواهي والمصائب فيها إلى أحبابه وأقاربه.

ولا مصيبة مثل مصيبة مولانا الحسينعليه‌السلام ، فإنها هدّت أركان الدين وصدّعت قواعد الشرع المبين ، وأبكت الأجفان وأقرحت القلوب. ولعمري إنها المصيبة التي يتسلى بها المؤمن عن كل مصاب ، والداهية المنسية له مفارقة الخلان والأحباب.

٣٠١ ـ المؤمن أشدّ ابتلاء :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٦٨)

روي أن رجلا جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوقف بين يديه ، فقال : يا رسول الله إني أحب اللهعزوجل ، فقال : استعدّ للبلاء!. فقال : يا رسول الله وإني أحبك ، فقال له : استعدّ للفقر!. فقال : وإني أحبّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال : استعدّ لكثرة الأعداء!.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460