تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182574 / تحميل: 6069
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وأمّا الخُضراوات فلا صدقة فيها إجماعاً ، لقولهعليه‌السلام : ( ليس في الخضراوات صدقة )(١) .

مسألة ١١٨ : ولا زكاة فيما ينبت من المباح الذي لا يملك إلّا بأخذه‌ كالبُطْم والعَفْص والزعبل وهو شعير الجَبَل ، وبَزْر قَطونا ، وبَزْر البَقْلة ، وبَزْر الاُشنان إجماعاً إلّا عند بعض الحنابلة فإنّ فيه الزكاة إذا نبت في أرضه(٢) .

المطلب الرابع

في اللواحق‌

مسألة ١١٩ : يشترط بقاء عين النصاب طول الحول‌ ، فلو بادل به في أثنائه من جنسه أو من غير جنسه ، وسواء كان من الماشية أو الأثمان اعتبر ابتداء الحول من حين المعاوضة ، وبه قال الشافعي(٣) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٤) .

ولأنّه أصل بنفسه تجب الزكاة في عينه فلم يبن حوله على غيره كالجنسين.

وقال الشيخ : إن بادل بجنسه بنى على حوله ، وإن كان من غير جنسه استأنف مطلقاً(٥) ، وله قول آخر : إن بادل بالجنس أو بغيره فراراً وجبت وإلّا

____________________

(١) سنن الدارقطني ٢ : ٩٥ / ١ و ٩٦ / ٤ - ٦.

(٢) المغني ٢ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦١.

(٣) الاُم ٢ : ٢٤ - ٢٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٦١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٥ / ٦٣١ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ - ٩١ / ٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٥.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٠٦.

١٨١

فلا(١) .

وبأوّلهما قال مالك ، إلّا أنّه فصَّل ، فقال في غير الحيوان بذلك ، وفي الحيوان روايتان ، وإن أبدل الحيوان بالأثمان لم يبن على حوله(٢) .

وقال أبو حنيفة في الماشية كقولنا ، وفي الذهب والفضّة يبني حول أحدهما على الآخر(٣) .

وقال أحمد : يبني حول الجنس على جنسه من الحيوان ، ولا يبني على غير جنسه منه ، ويبني حول الفضّة على الذهب إذا بادل به ، لأنّه نصاب يضمّ إليه نماؤه في الحول فيبني حول بدله من جنسه على حوله كالعروض ، ولأنّهما مالان زكاتهما واحدة فيبني حول أحدهما على الآخر كعروض التجارة ، ولأنّ التهمة تلحقه في الفرار من الزكاة ، لأنّ الفرض بالجنس الواحد لا يختلف(٤) .

ونمنع ضمّ النماء ، والزكاة في التجارة تتعلّق بالقيمة وهو جنس واحد ، والفرار لا اعتبار به لما يأتي ، والجنسان لا يضمّ أحدهما إلى الآخر مع وجودهما فأولى أن لا يبنى حول أحدهما على الآخر.

مسألة ١٢٠ : إذا نقص النصاب قبل الحول بطل الحول‌ سواء نقص لحاجته إلى نقصه أو قصد بإتلافه الفرار من الزكاة ، وسواء تلف البعض أو أبدله بغير جنسه أو بجنسه ، وسواء كان الإِبدال أو الإِتلاف عند قرب الوجوب أو في‌

____________________

(١) نسبه الى جمل الشيخ الطوسي أيضاً ، السيد العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٧٤ ولم نجده.

(٢) المدونة الكبرى ١ : ٣٢١ - ٣٢٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧٢ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٧ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٣.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ١٥ ، المبسوط - للسرخسي - ٢ : ١٦٦ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٠ ، المغني ٢ : ٥٣٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٣.

(٤) المغني ٢ : ٥٣٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٨ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦.

١٨٢

أول الحول ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) ؛ لأنّه مال تجب الزكاة في عينه نقص نصابه قبل تمام حوله فوجب أن ينقطع حوله ، ولا تجب الزكاة كما لو أتلفه لحاجته.

وقال مالك وأحمد : إن أتلف جزءا أو أبدل عند قرب الوجوب فرارا لتسقط الزكاة لم تسقط ووجبت عليه الزكاة التي كانت تجب قبل الفرار ، لقوله تعالى( إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ) (٢) عاقبهم الله تعالى بذلك لفرارهم من الصدقة.

ولأنّه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه فلم يسقط كما لو طلّق امرأته في مرض موته(٣) .

والآية قيل : إنّما كان لأنّهم لم يستثنوا بقولهم : إن شاء الله(٤) ، والفرق في المطلّقة ظاهر ، لتعلّق حقّها بماله في حالة المرض ، والفقراء لم يتعلّق حقّهم به إلّا بحؤول الحول.

فروع :

أ - إذا حال الحول أخرج الزكاة في المعاوضة - على رأي الشيخ - من جنس المبيع دون الموجود ، لأنّه الذي وجبت الزكاة بسببه.

ب - قال في الخلاف : إذا كان معه نصاب من جنس ففرّقه في أجناس‌

____________________

(١) الاُم ٢ : ٢٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٦١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥١ - ٥٢ ، المغني ٢ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٥.

(٢) القلم : ١٧ - ٢٠.

(٣) الشرح الصغير ١ : ٢١٣ ، المغني ٢ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦.

(٤) اُنظر : مجمع البيان ٥ : ٣٣٦.

١٨٣

مختلفة فراراً من الزكاة لزمته إذا حال الحول على أشهر الروايات ، لأنّ إسحاق ابن عمار سأل الكاظمعليه‌السلام عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير أعليه زكاة؟ فقال : « إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة » قلت : لم يفرّ بها ، ورث مائة درهم وعشرة دنانير ، قال : « ليس عليه زكاة » قلت : لا يكسر الدراهم على الدنانير ولا الدنانير على الدراهم؟ قال : « لا »(١) .

ج - لو سبك الذهب والفضة أو اتّخذهما حُليّاً فراراً من الزكاة قبل الحول سقطت ، وبعده لا تسقط.

وقال الشيخ : تجب في الأول(٢) ، وقد تقدّم(٣) .

د - لو كان البيع فاسداً لم ينقطع حول الزكاة في النصاب ، وبنى على حول الأول ، لأنّ الملك لم ينتقل فيه ، ثم إن تمكّن من استرداده وجبت الزكاة وإلّا فكالمغصوب.

ه- لو باع غنمه بضعفها كان عليه زكاة الأصل إن أوجبناها.

وقال أحمد : يزكّى الجميع ، لأنّ نماءها معها(٤) .

ولو باع النصاب بنصفه كمائتين يبيعها بمائة فعليه زكاة مائة وحدها.

و - لو لم يقصد الفرار بالمبادلة انقطع حول الأول عند أكثر القائلين بالوجوب ، واستأنف بما استبدل به حولاً إن كان محلّاً للزكاة.

ويكره الفرار قبل الحول إجماعاً ، لما فيه من التوصّل إلى ترك المواساة وإعانة الفقراء المطلوبة شرعاً.

مسألة ١٢١ : لو بادل نصاباً بمثله في الأثناء ، فإن كانت صحيحةً زال‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٩٤ / ٢٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٤٠ / ١٢٢ ، والخلاف ٢ : ٥٧ ، المسألة ٦٦.

(٢) المبسوط ١ : ٢١٠.

(٣) تقدم في الفرع ( و) من المسألة ٧١.

(٤) المغني ٢ : ٥٣٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٩.

١٨٤

ملكه عن النصاب وانقطع الحول ، فإذا وجد بما وصل إليه عيباً(١) فإن كان قبل الحول ردّه واسترجع ماله ، واستأنف به الحول ، لتجدّد ملكه ، ولهذا لا يستحق نماءه الحاصل في يد مشتريه.

وإن وجده بعد الحول قبل الأداء لم يكن له الردّ لتعلّق الزكاة بالعين والشركة عيب ، وبه قال الشافعي على تقديري وجوبها في العين أو الذمة(٢) ؛ لأنّ قدر الزكاة مرهون فلا يملك الردّ كما لو اشترى شيئاً ثم رهنه ثم وجد به عيباً لم يكن له الردّ ، أو اشترى عبداً فجنى لم يكن له الردّ ، وليس له الرجوع بأرش العيب ، لأنّه لم ييأس من الردّ.

وإن كان بعد الأداء من الغير فله الردّ ، لبقاء المبيع بحاله ، وهو أحد قولي الشافعية ، والثاني : منع الرد ، لأنّ الزكاة استحقاق جزء من العين ، لزوال ملكه عنه ورجوعه إليه(٣) .

وإن أخرج من العين لم يكن له الردّ ، لتفريق الصفقة على البائع ، وللشافعي قولان(٤) .

فعلى التفريق يردّ ما بقي ، ويسقط من الثمن بقدر الشاة المأخوذة فيقوّم ويقوّم ما بقي ويبسط الثمن عليهما.

قال الشيخ : ولا أرش له ، لأنّه قد تصرّف فيه(٥) ، وليس بجيّد ، لأنّ التصرّف يسقط الردّ لا الأرش.

فإن اختلفا في الشاة المفقودة ، فقولان : تقديم المشتري ؛ لأنّ الشاة تلفت في ملكه فكان منكراً ، وتقديم البائع ، لأنّه يجري مجرى الغارم لأنّه إذا‌

____________________

(١) في نسختي « ف ط » : عيب.

(٢) الاُم ٢ : ٢٤ ، المجموع ٥ : ٣٦٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٠ ، مغني المحتاج ١ : ٣٧٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٦٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩١.

(٤) المجموع ٥ : ٣٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩١.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢٠٧.

١٨٥

كثرت قيمتها قلّ ما يغرمه ، فإذا قلّت كثر.

وعلى عدم التفريق كان له الرجوع بالأرش ، وهو مذهبنا إلّا أنّه جعل له ذلك إن أيس من الردّ ، وإن لم ييأس لم يكن له الأرش.

مسألة ١٢٢ : الأقرب عندي جواز تصرّف المالك في النصاب الذي وجبت فيه الزكاة‌ بالبيع والهبة وأنواع التصرفات ، وليس للساعي فسخ البيع ولا شي‌ء من ذلك ، لأنّه مالك فيجوز له التصرّف فيه بجميع أنواعه ، وتعلّق الزكاة به ليس بمانع سواء قلنا الزكاة تجب في العين أو لا ، لأنّ تعلّقها بالعين تعلّق لا يمنع التصرف في جزء من النصاب فلم يمنع في جميعه كأرش الجناية.

ولأنّ ملك المساكين غير مستقرّ فيه فإنّ له إسقاط حقّهم منه بدفع القيمة فصار التصرف فيه اختياراً بدفع غيره.

إذا ثبت هذا ، فإن أخرج الزكاة من غيره وإلّا كلّف إخراجها ، وإن لم يكن متمكناً فالأقرب فسخ البيع في قدر الزكاة وتؤخذ منه ويرجع المشتري عليه بقدرها ، لأنّ على الفقراء إضراراً في إتمام البيع وتفويتاً لحقّهم فوجب فسخه ، ثم يتخيّر المشتري لتبعّض الصفقة ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد(١) ، إلّا أنّ أحمد قال : إذا عجز عن أداء الزكاة بقيت في ذمته كسائر الديون ، ولا تؤخذ من النصاب.

وأبو حنيفة يقول : إن كان تصرفه يقطع الحول بأن يبيعه أو يجعله عوضاً في نكاح أو خلع ضمن الزكاة ، وإن كان تصرّفاً لا يقطع الحول لم يضمن.

وقال الشافعي في صحة بيع قدر الزكاة قولان : الصحة إن تعلّقت الزكاة بالعين ، لعدم استقرار ملك المساكين ، ولهذا له أن يسقط حقّهم منه بدفع غيره ، والبطلان إن تعلّقت بالذمة ، لأنّ قدر الزكاة إمّا مستحق أو مرتهن ، وأمّا بيع باقي النصاب فإنّه يصحّ على تقدير صحة البيع في قدر الزكاة ، وعلى تقدير‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٣٥ و ٥٣٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٨.

١٨٦

الفساد فقولان مبنيّان على تفريق الصفقة ، فإن قيل بعدمه بطل في الباقي ، وإلّا صح فيتخيّر المشتري(١) .

ولو عزل قدر الزكاة من النصاب ، ثم باع الباقي صحّ ، لأنّه باع حقّه من المال.

وللشافعي وجهان ، أحدهما : المنع ، لعدم تعيّن الزكاة إلّا بالدفع(٢) .

مسألة ١٢٣ : الزكاة تجب في العين لا في الذمة‌ عند علمائنا ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي - في الجديد - وأحمد في أظهر الروايتين.

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين شاة شاة )(٣) و ( فيما سقت السماء العُشر )(٤) إلى غير ذلك من الألفاظ الواردة بحرف « في »(٥) وهي للظرفية ، ولأنّها تجب بصفة المال وتسقط بتلفه(٦) .

وقال الشافعي في القديم : إنّها تتعلّق بالذمة والعين مرتهنة بذلك ، لأنّها زكاة فكان محلّها الذمة كزكاة الفطرة ، ولأنّه يجوز الإِخراج من غيرها فلا تتعلّق بالعين ، ولأنّه لا يتبعها النماء فلا تتعلّق بالعين ، وزكاة الفطرة لا تتعلّق بالمال‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٢ ، المجموع ٥ : ٣٦٢ و ٤٦٨ - ٤٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٣ ، المغني ٢ : ٥٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٨.

(٢) المجموع ٥ : ٤٧٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٥.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٨ / ١٨٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٨٨.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٥٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٨ / ١٥٩٦ ، سنن النسائي ٥ : ٤١ و ٤٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٣١ / ٦٣٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٠ و ٥٨١ / ١٨١٦ و ١٨١٧ ، مسند أحمد ٣ : ٣٤١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢٩ و ١٣٠.

(٥) كقولهعليه‌السلام : ( في خمس من الإِبل شاة ) و ( في عشرين مثقالاً نصف مثقال ) و ( في الرقة رُبع العُشر ).

(٦) المهذّب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥١ ، اللباب ١ : ١٤٦ ، المغني ٢ : ٥٣٦ - ٥٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣.

١٨٧

فلهذا تعلّقت بالذمّة(١) .

وجواز الإِخراج من الغير للإِرفاق بالمالك ، وملك المساكين غير مستقر حيث كان للمالك العدول فلم يتبعه النماء ، على أنّ لمانعٍ أن يمنع ذلك.

فروع :

أ - الزكاة تتعلّق بالعين عندنا وعند أبي حنيفة إلّا أنّ أبا حنيفة قال : لا يستحق بها جزء منها وإنّما تتعلّق بها كتعلّق الجناية(٢) بالعبد الجاني - وهو إحدى الروايتين عن أحمد - لأنّ تعلّق الزكاة بالمال لا يزيل ملك المالك عن شي‌ء من ماله كالشاة المتعلّقة بالخمس(٣) من الإِبل(٤) .

وعندي فيه إشكال تقدّم.

ب - لو ملك أربعين شاة فحال عليها حولان ولم يؤدّ الزكاة وجب عليه شاة واحدة ، لتعلّق الزكاة بالعين عندنا فنقصت في الحول الثاني ، ومن أوجب الزكاة في الذمّة أوجب شاتين(٥) .

ج - لو كان له أربعون فحال عليها الحول وقد نتجت شاة ، ثم حال آخر وقد نتجت فيه اُخرى ، ثم ثالث ونتجت فيه ثالثة فإنّه يجب عليه ثلاث شياه ، لأنّ الحول الأول حال وهي إحدى وأربعون فوجبت شاة وبقي أربعون فحال الثاني وهي إحدى وأربعون ، وهكذا في الثالث ، إلّا أنّ هذا على قول من يجعل حول السخال تابعاً للاُمّهات ، أمّا عندنا فإن حصل السوم حولاً فكذلك ، وكذا إذا ملك في أول كلّ حول شاة.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣ ، المغني ٢ : ٥٣٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٩.

(٢) يعني أرش الجناية.

(٣) ورد في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : بالخمسة. والصحيح ما أثبتناه.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٣٣ ، المغني ٢ : ٥٣٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٢.

(٥) اُنظر : المغني ٢ : ٥٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٢ ، والمجموع ٥ : ٣٨٠.

١٨٨

د - لو كان عنده أكثر من النصاب وحال عليه أحوال تعدّدت الزكاة وجبر الناقص من النصاب بالزائد عليه إلى أن يقصر عن النصاب فتسقط حينئذٍ.

ه- لو ملك خمساً من الإِبل فلم يؤدّ زكاتها أحوالاً فعليه شاة واحدة لا غير - وهو أحد قولي الشافعي(١) - لأنّها نقصت بوجوب الزكاة فيها في الحول الأول عن خمس كاملة فلم يجب عليه فيها شي‌ء كما لو ملك أربعاً وجزءاً من بعير.

وقال أحمد : عليه في كلّ سنة شاة على تقدير الوجوب في العين أيضاً ؛ لأنّ الواجب هنا من غير النصاب فلا ينقص به النصاب كما لو أدّاه(٢) ، بخلاف سائر الأموال فإنّ الزكاة يتعلّق وجوبها بعينه ( فتنقصه )(٣) كما لو أدّاه من النصاب(٤) .

ونمنع الوجوب من غير النصاب ، بل الواجب هنا في العين قيمة شاة.

و - لو ملك ستّاً وعشرين وحال عليها أحوال فعليه للأول بنت مخاض ، وللثاني خمس شياه ، وللثالث أربع ، وهكذا إلى أن يقصر عن عشرين فتجب ثلاث شياه ، وهكذا إلى أن يقصر ( عن عشر فتجب شاتان ، وهكذا إلى أن يقصر عن خمس )(٥) .

وقال أحمد : عليه للحول الأول بنت مخاض ، ولكلّ حولٍ بعده أربع‌

____________________

(١) المهذب - للشيرازي - ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٨٠ - ٣٨١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٦ ، المغني ٢ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٣.

(٢) أي أدّاه من غير النصاب.

(٣) في النسخ الخطية : « فسقط » وفي الحجرية : « فقط » « فسقط خ ل » وما أثبتناه من المصدر ، وهو أقرب لسياق العبارة.

(٤) المغني ٢ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٣.

(٥) كذا في النسخ الخطية والطبعة الحجرية ، والظاهر أنّ الصواب - كما في هامش « ط ، ن » - هكذا : عن خمسة عشر فتجب شاتان وهكذا إلى أن يقصر عن عشر فتجب شاة.

١٨٩

شياه ، ولو بلغت ( قيمة الشاة )(١) الواجبة أكثر من خمس من الإِبل وجب عليه للأول بنت مخاض ، وللثاني خمس من الغنم ، وللثالث ثلاث(٢) .

ز - الزكاة وإن وجبت في العين إلّا أنّ لرب المال أن يعيّن ذلك من أيّ جزءٍ شاء منه ، وله أن يعطي من غيره إجماعاً إلّا من شذّ.

مسألة ١٢٤ : إمكان الأداء شرط في الضمان لا الوجوب‌ ، فإذا حال الحول على النصاب وجبت سواء تمكّن من الأداء أو لم يتمكّن ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد(٣) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٤) مفهومه الوجوب عند الحول.

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « فإذا حال الحول وجبت عليه »(٥) .

وقال مالك والشافعي في القديم : إمكان الأداء شرط في الوجوب ، فشرط في الوجوب ثلاث شرائط : الحول ، والنصاب ، وإمكان الأداء ، حتى أنّ مالكاً قال : لو أتلف الماشية بعد الحول قبل إمكان الأداء لم تكن عليه زكاة إذا لم يقصد الفرار من الزكاة ، لأنّ إمكان الأداء شرط في وجوب سائر العبادات من الصلاة والصوم والحج فكذا الزكاة.

____________________

(١) الظاهر أن الصحيح : قيم الشياه. كما في الشرح الكبير.

(٢) المغني ٢ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٣ ، وفيهما إلى قوله : أكثر من خمس من الإِبل.

وعلى هذا يكون الواو في « ولو بلغت » وصليّةً لا استئنافية.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٢٢ ، المغني ٢ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ و ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣١.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ - ١٠١ / ١٥٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ - ٩١ / ٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٩٥.

(٥) التهذيب ٤ : ٤١ / ١٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦١.

١٩٠

ولأنّ المال لو تلف قبل إمكان الأداء سقطت فدلّ على أنّها لم تجب ، وإمكان الأداء شرط في استقرارها ، وتلك عبادات أيضاً كلّف فعلها ببدنه ، فإذا تعذّر لم تجب ، وهنا عبادة مالية يمكن مشاركة المساكين في ماله وحصوله قبل أدائه فوجبت.

وأمّا سقوطها بتلفها : فلأنّه أمين لم يوجد من جهته تفريط فلا يضمن كالمودع(١) .

ويعارض : بأنّه لو أتلف المال بعد الحول لم تسقط عنه عند الشافعي(٢) ، ولو لم تجب أوّلاً لسقطت كما لو أتلفه قبل الحول ، ولأنّه لو لم يمكنه الأداء حتى مضى حول آخر لوجبت زكاة حولين ولا يجب فرضان في نصاب واحد في حالة واحدة.

وقول مالك ضعيف ، لأنّه إسقاط حقّ وجب في المال وتمكّن من أدائه.

مسألة ١٢٥ : إذا حال الحول ولم يتمكّن من الأداء فتلف النصاب سقطت الزكاة‌ - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة والحسن بن صالح بن حي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر ، وحكاه أيضاً عن أحمد(٣) - لأنّها تجب على سبيل المواساة ، فلا تجب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال وفقر من تجب عليه ، ولأنّها عبادة يتعلّق وجوبها بالمال فإذا تلف قبل إمكان أدائها سقط فرضها كالحج.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سمّاها‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٣١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ و ٣٧٧ ، الوجيز ١ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ ، المغني ٢ : ٥٣٩ - ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٠ - ٤٧١ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٤٥.

(٢) الاُم ٢ : ٥٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٢.

(٣) المجموع ٥ : ٣٧٦ و ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، المغني ٢ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧١ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣ و ٢٢.

١٩١

لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي‌ء عليه »(١) .

وقال أحمد : لا تسقط الزكاة بتلف المال فرّط أو لم يفرّط ، لأنّه مال وجب في الذمة فلا تسقط بتلف النصاب كالدّين(٢) .

ونمنع الاُولى.

إذا ثبت هذا ، فلو تلف بعض النصاب قبل إمكان الأداء سقط عنه بقدر ما تلف وقال الشافعي في القديم : يسقط الجميع(٣) بناء على أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب.

مسألة ١٢٦ : لو تلف المال بعد الحول وإمكان الأداء وجبت الزكاة‌ عند علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي وأحمد والحسن بن صالح بن حي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر(٤) .

ولا فرق بين أن يكون من الأموال الظاهرة أو الباطنة ، ولا بين أن يطالبه الإِمام أو لا ، لأنّها زكاة واجبة مقدور على أدائها فإذا تلفت ضمنها كما لو طالبه الإِمام وكغير المواشي.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها »(٥) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٣ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٦ / ٤٧ ، التهذيب ٤ : ٤٧ / ١٢٣.

(٢) المغني ٢ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٠ ، الإِنصاف ٣ : ٤٠ - ٤١.

(٣) الاُم ٢ : ١٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ ، الوجيز ١ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٨ - ٥٤٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٤) مختصر المزني : ٤٢ ، الاُم ٢ : ١٢ ، المجموع ٥ : ٣٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٠ ، المغني ٢ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٢ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٤.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٥ / ٤٦ ، التهذيب ٤ : ٤٧ / ١٢٥.

١٩٢

وقال أبو حنيفة : تسقط الزكاة بتلف النصاب بعد الحول وإمكان الأداء على كلّ حال إلّا أن يكون الإِمام أو الساعي طالبه بها فمنعها(١) .

ولا مطالبة عنده في الأموال الباطنة وإنما تتوجه المطالبة إلى الظاهرة فإذا أمكنه الأداء لم يلزمه الأداء إلّا بالمطالبة فإذا لم يؤدّ حتى هلكت فلا ضمان.

وقال أبو سهل الزجاجي من أصحابه : لا يضمن أيضاً وإن طالبه الإِمام بالأموال الظاهرة(٢) .

وقال مالك كقولنا في غير المواشي ، وفي المواشي كقول أبي حنيفة(٣) .

واحتجّوا بأنه أمين فإذا تلفت قبل مطالبة مَن له المطالبة لم يضمن كالوديعة.

والفرق : عدم وجوب الدفع قبل المطالبة في الوديعة وهنا تجب.

إذا ثبت هذا ، فعادم المستحق والبعيد عن المال ، وعدم الفرض في المال ، وفقدان ما يشتريه ، أو الساعي في طلب الشراء ، أو نحو ذلك غير مفرّطين.

مسألة ١٢٧ : لا تسقط الزكاة بموت المالك بعد الحول‌ وإن لم يتمكّن من إخراجها ، وتخرج من ماله وإن لم يوص عند علمائنا أجمع - وبه قال عطاء والحسن البصري والزهري وقتادة ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وابن المنذر(٤) - لأنّها حقّ واجب تصح الوصيّة به فلا تسقط بالموت كالدّين ،

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٢٢ و ٥٢ - ٥٣ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٤ ، المغني ٢ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧١ ، المجموع ٥ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٠.

(٢) حلية العلماء ٣ : ١٠.

(٣) بداية المجتهد ١ : ٢٤٩ ، المغني ٢ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧١.

(٤) المغني ٢ : ٥٤٠ - ٥٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٤ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٩ ، الاُم ٢ : ١٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٥ - ٣٣٦.

١٩٣

ولأنّها حق مالي واجب فلا يسقط بموت من هو عليه كدَيْن الآدمي.

وقال الأوزاعي والليث : يؤخذ من الثُلْث مقدّماً على الوصايا ، ولا يجاوز الثُلْث(١) .

وقال ابن سيرين والشعبي والنخعي وحمّاد بن أبي سليمان وداود بن أبي هند والبتي والثوري وأصحاب الرأي : لا تخرج بل تسقط إلّا أن يوصي بها فتخرج من الثلث ، ويزاحم بها أصحاب الوصايا ، لأنّها عبادة من شرطها النيّة فسقطت بموت من هي عليه كالصوم والصلاة(٢) .

ويمنع الأصل عندنا.

ومَن وافقهم يفرّق بأنّهما عبادتان بدنيّتان لا تصلح الوصية بهما ، ولا النيابة فيهما.

إذا ثبت هذا فإنّ الزكاة تسقط باسلام المالك إذا كان كافراً أصليّاً ، لأنّ الزكاة تجب عليه عندنا ، فإذا أسلم سقطت سواء تمكّن من الأداء أو لا ، وسواء تلفت بتفريطه أو أتلفها هو أو لا ، وسواء كانت العين باقيةً أو لا.

مسألة ١٢٨ : لو استفاد مالاً ممّا يعتبر فيه الحول ولا مال سواه‌ ، أو كان أقلّ من النصاب ، فبلغ بالمستفاد نصاباً ، انعقد حول الزكاة من حينئذٍ ، فإذا تمّ وجبت الزكاة إجماعاً ، وإن كان عنده نصاب ، فالمستفاد إن كان من نمائه ( كربح مال )(٣) التجارة ونتاج السائمة ، استقبل الحول بالفائدة من حال حصولها ، عند علمائنا أجمع - خلافاً للجمهور(٤) كافة - لأنّه مال منفرد بنفسه‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٤ ، المجموع ٥ : ٣٣٦.

(٢) المغني ٢ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٤ ، المجموع ٥ : ٣٣٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥٣ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٥.

(٣) ورد في النسخ الخطية والحجرية : كمال. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤) المغني ٢ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٦٥ - ٦٦ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٤٤ - ١٤٥.

١٩٤

فكان له حكم نفسه ، ولا يجوز حمله على النماء المتصل باعتبار كونه تابعاً له من جنسه ، للمنع من علّية المشترك وثبوت الفرق.

وإن كان من غير جنس ما عنده ، فهذا له حكم نفسه ، لا يضمّ إلى ما عنده في حول ولا نصاب ، بل إن كان نصاباً ، استقبل به حولاً ، وزكّاه ، وإلّا فلا شي‌ء فيه ، وهو قول عامة أهل العلم(١) .

وحكي عن ابن مسعود وابن عباس : أنّ الزكاة تجب فيه حين استفاده(٢) .

وعن الأوزاعي فيمن باع داره أو عبده أنّه يزكّى الثمن حين يقع في يده إلّا أن يكون له شهر يعلم ، فيؤخّره حتى يزكّيه مع ماله(٣) .

وجمهور العلماء على خلافه(٤) ، ولم يقل به أحد من أئمة الفتوى.

ولو كان المستفاد من جنس نصاب عنده قد انعقد عليه حول بسبب مستقلّ بأن يكون له أربعون من الغنم مضى عليها بعض حول ، ثم ملك مائة فلا تجب فيه الزكاة حتى يمضي عليه حول أيضاً ، وبه قال الشافعي وأحمد(٥) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٦) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وكلّ ما لم يحل عليه حول عند ربه فلا شي‌ء عليه فيه »(٧) .

ولأنّه مملوك أصلاً فيعتبر فيه الحول شرطاً كالمستفاد من غير الجنس.

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦١ ، المجموع ٥ : ٣٥٦.

(٢) المغني ٢ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦١ ، المجموع ٥ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ :٢٥.

(٣ و ٤ ) المغني ٢ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦١.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٦٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧ ، المغني ٢ : ٤٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٢.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩١ / ٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٩٥.

(٧) التهذيب ٤ : ٤١ / ١٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٥ ، والكافي ٣ : ٥٣٤ ( باب صدقة البقر ) الحديث ١ ، و ٥٣٥ ( باب صدقة الغنم ) الحديث ١.

١٩٥

وقال أبو حنيفة : يضمّه إلى ما عنده في الحول فيزكّيهما عند تمام حول المال الذي كان عنده إلّا أن يكون عوضاً عن مال مزكّى لأنّه يضمّ إلى جنسه في النصاب فوجب ضمّه إليه في الحول كالنتاج ، لأنّ النصاب سبب والحول شرط فإذا ضمّ في السبب فأولى أن يضمّ في الشرط(١) .

ونمنع الأصل.

مسألة ١٢٩ : إذا كانت إبله كلّها فوق الثنية تخيّر صاحبها‌ بين أن يشتري الفرض ، وبين أن يعطي واحدة منها ، وبين أن يدفع القيمة.

وإن كانت واحدة منها معيّنةً بقدر قيمة الفرض أجزأ بأن تكون عوراء إلّا أنّها سمينة ؛ لأنّه يجوز إخراج القيمة عندنا ، ولأنّ زيادة الثمن جبرت العيب بالصفة كابن اللبون المجزئ عن بنت المخاض.

وقال الشافعي : لا يجوز بناءً على عدم إجزاء القيمة(٢) .

مسألة ١٣٠ : لو كان له أربعون من الغنم في بلدين في كلّ واحد عشرون وجبت فيها شاة‌ وإن تباعدا ، وإن كان له في كلّ بلد أربعون وجبت شاة واحدة وإن تباعدا أيضاً ، وبه قال الشافعي(٣) .

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين من الغنم شاة )(٤) ولم يفصّل ، ولأنّه ملك لواحد فأشبه ما إذا كانا في بلدين متقاربين.

وقال أحمد : لا يجب عليه شي‌ء مع التباعد ، وفي الثاني(٥) تجب عليه‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧١ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٧ ، المجموع ٥ : ٤٢٩ ، المغني ٢ : ٦٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١.

(٣) الاُم ٢ : ١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٥٧.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩.

(٥) أي الفرع الثاني المذكور في صدر المسألة.

١٩٦

شاتان معه(١) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع )(٢) (٣) والمراد في الملك.

إذا ثبت هذا فإنّه يجزئ أن يخرج الشاة في أيّ البلدين شاء أو في غيرهما عندنا ؛ للامتثال فيخرج عن العهدة ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الثاني : لا يجوز ؛ لما فيه من نقل الزكاة(٤) .

وهو ممنوع ، بل هو إخراج عمّا في البلد الآخر إرفاقاً بالمالك ؛ لما في تبعيض الحيوان من المشقّة.

مسألة ١٣١ : يجوز إخراج القيمة في الزكاة عن النقدين والغلّات‌ عند علمائنا أجمع ، واختلفوا في المواشي ، فجوّزه الأكثر(٥) أيضاً ، ومنع منه المفيد إلّا مع عدم الفريضة(٦) .

والوجه : الجواز مطلقاً على أنّ القيمة بدل لا على أنّها أصل في نفسها - وبه قال أبو حنيفة(٧) - لأنّ معاذاً كان يأخذ من أهل اليمن الثياب عوضاً عن الزكاة(٨) .

____________________

(١) أي : مع التباعد.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٤٥ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩ / ٦٢١ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٠٤ / ١ و ٥ و ١٠٥ / ٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ و ١٠٠ / ١٥٧٢ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠٥.

(٣) المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٥٧.

(٤) راجع : حلية العلماء ٣ : ١٦٥.

(٥) منهم : السيد المرتضى في جمل العلم والعمل ( ضمن رسائله ) ٣ : ٧٥ ، والشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٥٠ ، المسألة ٥٩ ، والمحقق في المعتبر : ٢٦٤.

(٦) المقنعة : ٤١.

(٧) الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٣٤ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٥٦ ، اللباب ١ : ١٤٤ ، المجموع ٥ : ٤٢٩ ، المغني ٢ : ٦٧١ - ٦٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٧.

(٨) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، سنن البيهقي ٤ : ١١٣.

١٩٧

ومن طريق الخاصة قول الكاظمعليه‌السلام وقد سأله أخوه عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير ، وعن الدنانير دراهم أيحلّ ذلك له؟ : « لا بأس »(١) .

وكتب البرقي إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام هل يجوز - جعلت فداك - أن يخرج ما يجب في الحرث الحنطة والشعير ، وما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شي‌ء ما فيه؟ فأجابعليه‌السلام : « أيّما تيسّر يخرج »(٢) .

ولأنّ القصد بالزكاة سدّ الخلّة ورفع الحاجة وذلك حاصل بالقيمة فساوت العين ، ولأنّها وجبت جبراً لهم ومعونةً ، وربّما كانت الأعواض في وقت أنفع فاقتضت الحكمة التسويغ.

وقال الشافعي : لا يجوز إخراج القيمة في الزكاة بل يجب المنصوص - وبه قال مالك وأحمد ، إلّا أنّ مالكاً جوَّز إخراج كلٍّ من النقدين عن صاحبه على وجه البدل لا قيمة(٣) ؛ وعن أحمد في إخراج الذهب عن الورق قيمة روايتان(٤) - لأنّه عدل عن المنصوص عليه إلى غيره بقيمته فلم يجزئه ، كما لو أخرج سكنى دار ، أو أخرج نصف صاع جيّد عن صاع ردي‌ء(٥) .

وإنّما خصّص مالك بالذهب والفضّة ؛ لأنّهما يجريان مجرى واحداً وهما أثمان فجاز ذلك فيهما.

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٦ / ٥١ ، التهذيب ٤ : ٩٥ / ٢٧٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٩ ( باب الرجل يعطي عن زكاته العوض ) الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ١٦ - ١٧ / ٥٢ ، التهذيب ٤ : ٩٥ / ٢٧١.

(٣) حلية العلماء ٣ : ١٦٧ ، المدونة الكبرى ١ : ٣٠٠ ، المنتقى للباجي ٢ : ٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١.

(٤) المغني ٢ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٥ - ٦٠٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٧.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٧ ، المجموع ٥ : ٤٢٨ - ٤٢٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١.

١٩٨

ونمنع الأصل ، ولأنّ فيه تأخيراً للحقّ عن وقته ، وكذا نمنع عدم إجزاء نصف صاع جيّد بقيمة المجزئ ، وبالفرق بما فيه من شائبة الربا.

إذا عرفت هذا ، فإنّ القيمة المخرجة تخرج على أنّها قيمة لا أصل كما تقدّم ، وبه قال أبو حنيفة(١) .

وقال بعض أصحابه : الواجب أحد الشيئين فأيّما اُخرج كان أصلاً(٢) .

ويدفعه : التنصيص على المعيّن وإنّما عدل إلى القيمة ؛ للإِرفاق.

تذنيب : إنّما تعتبر القيمة وقت الإِخراج إن لم يقوّم الزكاة على نفسه ، ولو قوّمها وضمن القيمة ثم زاد السوق أو انخفض قبل الإِخراج فالوجه : وجوب ما ضمنه خاصة دون الزائد والناقص وإن كان قد فرّط بالتأخير حتى انخفض السوق أو ارتفع ، أمّا لو لم يقوّم ثم ارتفع السوق أو انخفض أخرج القيمة وقت الإِخراج.

مسألة ١٣٢ : قد بيّنا أنّ الزكاة تتعلّق بالعين‌ ؛ لسقوطها بتلف المال بعد الحول قبل إمكان الأداء.

ولقولهعليه‌السلام : ( في أربعين شاة شاة )(٣) .

وهل يصير أهل السُّهمان(٤) بقدر الزكاة شركاء لربّ المال؟ الأقرب : المنع - وهو أحد قولي الشافعي(٥) - وإلّا لما جاز للمالك الإِخراج من غيره.

ويحتمل - ضعيفاً - الشركة ، وبه قال مالك والشافعي(٦) - في الآخر - لأنّ للإِمام أخذها من عين النصاب قهراً إذا امتنع المالك من الأداء.

____________________

(١و٢) حكى القولين الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٥٠ ، المسألة ٥٩.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥.

(٤) السُّهمان ، جمع ، واحدها : السهم. بمعنى : النصيب. الصحاح ٥ : ١٩٥٦ « سهم ».

(٥) المجموع ٥ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥١.

(٦) المجموع ٥ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥١ و ٥٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣.

١٩٩

ولا حجّة فيه ؛ لجواز أخذ المماثل للحقّ من الممتنع.

فعلى عدم الشركة لا خلاف في أنّ الزكاة تتعلّق بالمال ، فيحتمل تعلّق الدَّين بالرهن ؛ إذ لو امتنع المالك من الأداء ولم يشتمل المال على الواجب باع الإِمام بعض النصاب فيه كما يباع المرهون في الدَّين ، وتعلّق الأرش برقبة الجاني ؛ لأنّها تسقط بهلاك النصاب كما يسقط الأرض بهلاك الجاني ، والأخير مروي عن أبي حنيفة وأحمد(١) .

ولا فرق في جريان هذه الاحتمالات بين أن يكون الواجب من جنس المال أو من غير جنسه.

فإذا باع النصاب بعد الحول وقبل الإخراج فالبيع في قدر الزكاة يبنى على الأقوال ، فمن أوجبها في الذمّة جوّز البيع ، ومن جعل المال مرهونا فالأقوى الصحة - وهو أصحّ قولي الشافعي(٢) - لأنّه تعلّق ثبت بغير اختيار المالك ، ولا يثبت لمعيّن فيسامح فيه بما لا يسامح في سائر الرهون.

وإن قيل بالشركة فالأقوى الصحة أيضاً ، وهو أضعف قولي الشافعي ، على تقديره ؛ لعدم استقرار حقّ المساكين فإنّ له إسقاطه بالإِخراج من غيره ، وأصحّهما عنده : المنع ، لأنّهم شركاء ، وإن قيل : تعلّق أرش الجاني ؛ ابتنى على بيع الجاني(٣) .

والوجه ما قلناه من صحّة البيع مطلقاً ، ويبيع الساعي المال إن لم يؤدّ المالك فينفسخ البيع فيه على ما تقدّم.

ولو لم يؤدّ المالك من غيره ولم يأخذ الساعي من العين كان للمشتري الخيار ؛ لتزلزل ملكه ، ويعرض الساعي به متى شاء ، وهو أحد وجهي‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٥٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣ ، الانصاف ٣ : ٣٨.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٣.

(٣) المجموع ٥ : ٤٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٣.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

اشتمال مراتب القرآن على المقدّرات الحادثة في كلّ عام:

وقال: (المسألة الثامنة) في تفسير مفردات هذه الألفاظ، أمّا قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (1) فقد قيل فيه: إنّه تعالى أنزل كلّية القرآن، يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة، ويقع الفراغ في ليلة القدر، فتُدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ونسخة الحروب إلى جبرائيل، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا، وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، انتهى كلامه.

وقال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: (في تفسير قوله تعالى: ( إنّا أَنْزَلْناهُ ) يعني القرآن، وإن لم يجرِ له ذكر في هذه السورة؛ لأنّ المعنى معلوم، والقرآن كلّه كالسورة الواحدة، وقد قال: ( شَهْرُ رَمَضانُ الَّذي اُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ ) ، وقال: ( حم وَالْكِتابِ الْمُبينِ إنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (2) يريد: في ليلة القدر.

وقال الشعبي: المعنى إنّا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر. وقيل: بل نزل به جبريل عليه‌السلام جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، إلى بيت العزّة، وأملاه جبريل على السَفَرة، ثمّ كان جبريل ينزّله على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نُجوماً نُجوماً، وكان بين أوّله وآخره ثلاث وعشرون سنة. قاله ابن عبّاس، وقد تقدّم في سورة البقرة.

وحكى الماوردي عن ابن عبّاس، قال: نزل القرآن في شهر رمضان وفي ليلة القدر، في ليلة مباركة جملة واحدة من عند اللَّه، من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجّمته السفرة الكرام الكاتبون على جبريل عشرين سنة، ونجّمه جبريل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عشرين سنة.

قال ابن العربي: وهذا باطل؛ ليس بين جبريل وبين اللَّه واسطة، ولا بين جبريل

____________________

1) سورة الدخان: 3.

2) سورة الدخان: 1 - 3.

٢٨١

ومحمّد عليهما‌السلام واسطة.

قوله تعالى: ( في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، قال مجاهد: في ليلة الحكم، ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) ، قال ليلة الحكم. والمعنى ليلة التقدير، سمّيت بذلك لأنّ اللَّه تعالى يقدّر فيها ما يشاء من أمره، إلى مثلها من السنة القابلة، من أمر الموت والأجل والرزق وغيره، ويسلّمه إلى مدبّرات الأُمور، وهم أربعة من الملائكة: إسرافيل، وميكائيل، وعزرائيل، وجبريل عليهم‌السلام .

أُمّ الكتاب في القرآن متضمّنة لتقدير كلّ شي‏ء:

وقال: وعن ابن عبّاس، قال: يكتب من أمّ الكتاب ما يكون في السنة من رزق ومطر، وحياة وموت، حتّى الحاجّ. قال عكرمة: يكتب حجّاج بيت اللَّه تعالى في ليلة القدر بأسمائهم وأسماء آبائهم، ما يغادر منهم أحد ولا يزاد فيهم.

وقاله سعيد بن جُبير، وقد مضى في أوّل سورة الدخان هذا المعنى. وعن ابن عبّاس أيضاً: إنّ اللَّه تعالى يقضي الأقضية في ليلة نصف شعبان، ويسلّمها إلى أربابها في ليلة القدر. وقيل: إنّما سمّيت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها، من قولهم: لفلان قدر، أي شرف ومنزلة) (1) .

ليلة القدر عوض للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وآلهعليهم‌السلام عن غصب الخلافة:

وقال: (وفي الترمذي عن الحسن بن علي رضي اللَّه عنهما: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) ، يعني نهراً في الجنّة، ونزلت ( إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ

____________________

1) تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، ج20، ص129 - 130، طبعة القاهرة.

٢٨٢

أَلْفِ شَهْرٍ ) ، يملكها بعدك بنو أُمية. قال القاسم بن الفضل الحدّاني: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً. قال: حديث غريب.

قوله تعالى: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) أي تهبط من كلّ سماء، ومن سدرة المنتهى، ومسكن جبريل على وسطها، فينزلون إلى الأرض ويؤمّنون على دعاء الناس إلى وقت طلوع الفجر، فذاك قوله تعالى ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) .

حقيقة الروح النازل ليلة القدر:

وقال: ( وَالرُّوحُ فِيها بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) (1) ، أي جبرئيل عليه‌السلام ، وحكى القُشيري: أنّ الروح صنف من الملائكة جُعلوا حفظة على سائرهم، وأنّ الملائكة لا يرونهم كما لا نرى نحن الملائكة. وقال مقاتل: هم أشرف الملائكة وأقربهم من اللَّه تعالى.

وقيل: إنّهم جند من جند اللَّه عزّ وجلّ من غير الملائكة، رواه مجاهد عن ابن عبّاس مرفوعاً، ذكره الماوردي، وحكى القُشيري: قيل هم صنف من خلق اللَّه، يأكلون الطعام، ولهم أيدٍ وأرجل وليسوا ملائكة.

وقيل: (الروح) خلق عظيم يقوم صفّاً، والملائكة كلّهم صفّاً. وقيل: (الروح) الرحمة ينزل بها جبريل عليه‌السلام مع الملائكة في هذه الليلة على أهلها، دليله: ( يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (2) ، أي بالرحمة، (فِيها) أي في ليلة القدر، ( بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) أي بأمره، ( مِن كُلِّ أَمْرٍ ) (3) أمر بكلّ أمر قدّره اللَّه وقضاه في تلك السنة إلى قابل.

وقيل عنه: إنّها رُفعت - يعني ليلة القدر - وإنّها إنّما كانت مرّة واحدة.

____________________

1) سورة القدر: 4.

2) سورة النحل: 2.

3) سورة القدر: 5.

٢٨٣

بقاء ليلة القدر في كلّ عام:

وقال: (والصحيح أنّها باقية... والجمهور على أنّها من كلّ عام من رمضان... وقال الفرّاء: لا يقدّر اللَّه في ليلة القدر إلاّ السعادة والنعم، ويقدّر في غيرها البلايا والنقم) (1) .

وقال الطبري في تفسيره، في ذيل سورة البروج: ( فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ) ، بسنده إلى مجاهد: في لوح، قال: ( فِي أُمِّ الْكِتَابِ ) (2) .

وقال ابن كثير في تفسيره، بعد ما نقل جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، والذي مرّ نقله، قال: (اختلف العلماء هل كانت ليلة القدر في الأُمم السالفة، أم هي من خصائص هذه الأُمّة؟

فقال الزهري:... وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأُمّة بليلة القدر. وقيل: إنّها كانت في الأُمم الماضين كما هي في أُمّتنا، ثمّ هي باقية إلى يوم القيامة وفي رمضان خاصّة) (3) .

وقال الزمخشري في الكشّاف، بعد ما ذكره جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، في ذيل قوله تعالى: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (4) قال: (وسبب ارتقاء فضلها إلى هذه الغاية ما يوجد فيها من المصالح الدينية التي ذكرها، من تنزّل الملائكة والروح، وفصل كلّ أمر حكيم).

وقال في ذيل قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (5) : أي تتنزّل من أجل كلّ أمر قضاه اللَّه لتلك السنة إلى قابل... وروي عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من قرأ سورة القدر أُعطي من الأجر كمن صام رمضان وأحيى ليلة القدر)، وذكر في هامش المطبوع: أنّ الحديث أخرجه الثعلبي، والواحدي، وابن مردويه، بسندهم إلى أُبَيّ ابن كعب.

____________________

1) تفسير القرطبي، ج20، ص133 - 137، في تفسير الجامع لأحكام القرآن طبعة القاهرة.

2) جامع البيان، ج30، ص176.

3) تفسير ابن كثير، ج4، ص 568.

4) سورة القدر: 2.

5) سورة القدر: 5.

٢٨٤

ليلة القدر عوض له صلى‌الله‌عليه‌وآله عن غصب بني أُمية خلافته، وتعدد مصادر الحديث لديهم:

وقال الآلوسي في روح المعاني: (ويستدلّ لكونها مدنية بما أخرجه الترمذي، والحاكم، عن الحسن ابن عليّ (رضي اللَّه تعالى عنهما): (أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أُري بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) (1) ، ونزلت: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (2) .. الحديث). وهو كما قال المزني: حديث منكر، انتهى.

وقد أخرج الجلال هذا الحديث في الدرّ المنثور عن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل أيضاً، من رواية يوسف ابن سعد، وذكر فيه: أنّ الترمذي (3) أخرجه وضعّفه، وأنّ الخطيب أخرج عن ابن عبّاس نحوه، وكذا عن ابن نسيب، بلفظٍ: قال نبي اللَّه: (أُريتُ بني أُمية يصعدون منبري، فشقّ ذلك عليّ فأُنزِلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، ففي قول المزني هو منكر تردّد عندي.

وقد ورد في روايات أهل البيت عليهم‌السلام ما رواه الكافي بسنده إلى أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (أُري رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه بني أُمية يصعدون على منبره من بعده ويضلّون الناس عن الصراط القهقري، فأصبح كئيباً حزيناً، قال: فهبط عليه جبرئيل فقال: يا رسول اللَّه مالي أراك كئيباً حزيناً؟ قال: يا جبرئيل إنّي رأيت بني أُمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي، يضلّون الناس عن الصراط القهقري. فقال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً إنّي ما اطّلعت عليه. فعرّج إلى السماء فلم يلبث أن نزل بآي من القرآن يُؤنسه بها، قال: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (4) ، وأُنزل عليه: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ، جعل اللَّه ليلة القدر لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

1) سورة الكوثر: 1.

2) سورة القدر: 1.

3) سنن الترمذي، ج5، ص444، ح 3350.

4) سورة الشعراء: 205 - 207.

٢٨٥

خيراً من ألف شهر ملك بني أُمية) (1) .

وروى الكُليني، عن علي بن عيسى القمّاط عن عمّه، قال: (سمعت أبا عبد اللَّه يقول: هبط جبرئيل عليه‌السلام على رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول اللَّه كئيب حزين، فقال: رأيت بني أُمية يصعدون المنابر وينزلون منها. قال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً، ما علمت بشي‏ء من هذا. وصعد جبرئيل إلى السماء، ثمّ أهبطه اللَّه جلّ ذكره بآي من القرآن يعزّيه بها قوله: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (2) .

وأنزل اللَّه جلّ ذكره: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) للقوم، فجعل اللَّه ليلة القدر (لرسوله) خير، من ألف شهر) (3) .

وفي سند الصحيفة السجّادية، عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليه‌السلام : إنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذته نَعسةٌ وهو على منبره، فرأى في منامه رجالاً ينزون على منبره نزو القردة، يردّون الناس على أعقابهم القهقري، فاستوى رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً والحزن يعرف في وجهه، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغْيَانًا كَبِيرًا ) ، يعني بني أُمية. قال: يا جبرئيل على عهدي يكونون وفي زمني؟

قال: لا، ولكن تدور رحى الإسلام من مُهاجرك فتلبث بذلك عشراً، ثمّ تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجِرَك فتلبث بذلك خمساً، ثمّ لابدّ من رحى

____________________

1) الكافي، ج4، ص159.

2) سورة الشعراء:205 - 206.

3) الكافي، ج8، ص223.

٢٨٦

ضلاله هي قائمة على قطبها ثمّ ملك الفراعنة. قال: وأنزل اللَّه تعالى في ذلك: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) يملكها بنو أُمية. فيها ليلة القدر.

قال: فأَطلع اللَّه عزّ وجلّ نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ بني أُمية تملك سلطان هذه الأُمّة وملكها طول هذه المدّة، فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها، حتّى يأذن اللَّه تعالى بزوال ملكهم، وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا. أخبر اللَّه نبيّه بما يلقي أهل بيت محمّد وأهل مودّتهم وشيعتهم منهم في أيامهم وملكهم) (1) .

وفي تأويل الآيات: (روي عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: قوله عزّ وجلّ: ( خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ ) هو سلطان بني أُمية.

وقال: ليلة من إمام عادل خير من ألف شهر ملك بني أُمية.

وقال: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ) أيّ من عند ربّهم على محمّد وآل محمّد، بكلّ أمر سلام) (2) .

وفي تفسير القمّي: بسنده، في معنى سورة: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) فهو القرآن... قوله: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) .

أقول: تكثر الروايات في غصب الخلافة من بني أُمية، وتأذّي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتعويضه بليلة القدر، وسيأتي معنى تعويضه بليلة القدر، وتسالم كثير من علماء الجمهور بهذه الروايات، هذا الأمر أحد الأدلّة على أنّ الخلافة في الشريعة الإلهية هي منصب أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فتدبّر تبصُر.

____________________

1) الصحيفة السجّادية الكاملة: 15 - 16.

2) تأويل الآيات، ج2، ص817، ح2.

٢٨٧

حقيقة النازل الذي نزل في ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) : الضمير عند الجمهور للقرآن، وادّعى الإمام فيه إجماع المفسّرين، وكأنّه لم يعتقد بقول من قال منهم برجوعه لجبرئيل عليه‌السلام أو غيره؛ لضعفه. قالوا: وفي التعبير عنه بضمير الغائب مع عدم تقدّم ذكره تعظيم له، أي تعظيم لِما أنّه يشعر بأنّه لعلوّ شأنه كأنّه حاضر عند كلّ أحد.

جهل الخلق بحقيقة ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (1) : لِما فيه من الدلالة على أنّ علوّها خارج عن دائرة دراية الخلق، لا يُعلم ذلك، ولا يَعلم به إلاّ علاّم الغيوب.

حقيقة نزول القرآن جملة واحدة:

ثمّ ذكر جملة في تعدّد نزول القرآن جملةً واحدةً ونجوماً، وذكر في ضمنها هذه الرواية، عن ابن عبّاس: (أُنزل القرآن جملةً واحدة حتّى وضع في بيت العزّة في السماء الدنيا، ونزل به جبريل عليه‌السلام على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بجواب كلام العباد وأعمالهم)... ثمّ نقل الاختلاف بين المفسّرين عندهم في قوله تعالى: ( أَنْزَلْنَاهُ ) من جهة نزول القرآن جملةً واحدة، فهل تضمّن القرآن النازل جملةً واحدة هذه العبارة أم لا؟ فلابدّ من ارتكاب المجاز في الإسناد؛ لأنّه إخبار عمّا وقع فيما مضى، فكيف يكون هذا اللفظ في ضمنه؟

____________________

1) سورة القدر: 2.

٢٨٨

فذكر قولاً للرازي في حلّ الإشكال، وللقرطبي، وابن كثير، وضعّف قولهم. ونقل عن ابن حجر في شرح البخاري أنّه أُنزل جملةً واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السماء الدنيا، بل حكى بعضهم الإجماع عليه، ثمّ نقل جواباً لحلّ الإشكال عن السيد عيسى الصفوي، ثمّ الاختلاف بين الدَّواني وغيره، وأنّه ألّف رسالة في ذلك، في الجواب عن مسألة الحذر الأصمّ.

ثمّ نقل عن الإتقان قول أبي شامة: فإن قلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) إن لم يكن من جملة القرآن الذي نزل جملة، فما نزل جملة؟ وإن كان من الجملة فما وجه هذه العبارة؟

قلت: لها وجهان:

أحدهما: أن يكون المعنى إنّا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر، وقضينا به وقدّرناه في الأزل.

والثاني: أنّ لفظ ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) ماضٍ ومعناه على الاستقبال، أي تنزّله جملة في ليلة القدر. ثمّ ذكر عدم ارتضائه لهذا القول وعدم حسنه.

ثمّ نقل أقوالاً أُخر، ثمّ قال: والمراد بالإنزال إظهار القرآن من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، أو إثباته لدى السَفَرة هناك، أو نحو ذلك ممّا لا يشكل نسبته إلى القرآن.

تقدير الأُمور في ليلة القدر على من تُنزّل؟

وقال في معنى ليلة القدر: إنّها ليلة التقدير، وسبب تسميتها بذلك لتقدير ما يكون في تلك السنة من أُمور. قال: المراد إظهار تقديره ذلك للملائكة عليهم‌السلام المأمورين بالحوادث الكونية. ثمّ نقل عن بعض تفسير ذلك: هاهنا ثلاثة أشياء:

الأوّل: نفس تقدير الأُمور، أي تعيين مقاديرها وأوقاتها، وذلك في الأزل.

٢٨٩

الثاني: إظهار تلك المقادير للملائكة عليهم‌السلام بأن تكتب في اللوح المحفوظ، وذاك في ليلة النصف من شعبان.

الثالث: إثبات تلك المقادير في نسخ وتسليمها إلى أربابها من المدبّرات، فتدفع نسخة الأرزاق، والنباتات، والأمطار، إلى ميكائيل عليه‌السلام ، ونسخة الحروب والرياح والجنود والزلازل والصواعق والخسف إلى جبرئيل عليه‌السلام ، ونسخة الأعمال إلى إسرافيل عليه‌السلام ، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، وذلك في ليلة القدر.

وقيل: يقدّر في ليلة النصف الآجال والأرزاق، وفي ليلة القدر الأُمور التي فيها الخير والبركة والسلامة. وقيل: يقدّر في هذه ما يتعلّق به إعزاز الدين وما فيه النفع العظيم للمسلمين، وفي ليلة النصف يكتب أسماء من يموت ويسلّم إلى ملك الموت، واللَّه تعالى أعلم بحقيقة الحال.

أقول: إنّ المكتوب في ليلة القدر ويقدّر يُفترض أنّ كتابته وتقديره إنّما يُكتب ويقدّر لتسليمه إلى من يوكّل إليه تدبير الأُمور بإذن اللَّه، كالملائكة الموكّلين، فالتنزّل بكلّ هذه التقديرات والكتابة إلى الأرض إلى من يسلّم؟ ومن هو الذي يطّلع على ذلك من أهل الأرض؟ وما هو التناسب بين نزول ما فيه إعزاز الدين والأُمّة، والحديث النبويّ: (إنّ الإسلام لا يزال عزيزاً إلى اثني عشر خليفة... كلّهم من قريش) (1) ؟

أقوال علماء سنّة الجماعة في عِوَضية الليلة له عن غصب الخلافة:

قال في تفسير ( أَلْفِ شَهْرٍ ) : وقد سمعت إلى ما يدلّ أنّ الألف إشارة إلى مُلك بني أُميّة، وكان على ما قال القاسم بن الفضل: ألف شهر، لا يزيد يوماً ولا ينقص

____________________

1) المعجم الكبير للطبراني، ج2، ص232. ولاحظ: إحقاق الحق، ج13، 1 - 49.

٢٩٠

يوماً، على ما قيل: ثمانين سنة، وهي ألف شهر تقريباً؛ لأنّها ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر، ولا يعكّر على ذلك ملكُهم في جزيرة الأندلس بعد؛ لأنّه ملك يسير في بعض أطراف الأرض وآخر عمارة العرب، ولذا لا يعدّ من مَلَكَ منهم هناك من خلفائهم، وقالوا بانقراضهم بهلاك مروان الحمار.

وطعن القاضي عبد الجبّار في كون الآية إشارة لما ذُكر؛ بأنّ أيام بني أُمية كانت مذمومة أي باعتبار الغالب، فيبعد أن يقال في شأن تلك الليلة إنّها خير من ألف شهر مذمومة:

ألم ترَ أنّ السيف ينقص قدره

إذا قيل إنّ السيف خيرٌ من العصا

وأُجيب: إنّ تلك الأيام كانت عظيمة بحسب السعادات الدنيوية، فلا يبعد أن يقول اللَّه تعالى: أعطيتك ليلة في السعادات الدينية أفضل من تلك في السعادات الدنيوية، فلا تبقى فائدة.

ليلة القدر مع الأنبياء في ما مضى فهي مع من في ما بقي:

الروح النازل في ليلة القدر قناة غيبية كانت مع الأنبياء، فهي مع من بعد النبيّ الخاتم؟ قال: وما أشير إليه من خصائص هذه الأُمّة هو الذي يقتضيه أكثر الأخبار الواردة في سبب النزول، وصرّح به الهيثمي وغيره.

وقال القسطَلاني: إنّه معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: (يا رسول اللَّه، أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت. قال: بل هي باقية). ثمّ ذكر أنّ عمدة القائلين بذلك الخبر الذي قدّمناه في سبب النزول من رؤيته صلى‌الله‌عليه‌وآله تقاصر أعمار أُمّته عن أعمار الأُمم، وتعقّبه بقوله هذا محتمل للتأويل، فلا يدفع الصريح في حديث أبي ذر كما قاله الحافظان: ابن كثير في تفسيره، وابن حجر في فتح الباري.

٢٩١

وقد اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافاً كثيراً، وتحصّل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولاً، كما وقع لنا نظير ذلك في ساعة الجمعة، وقد اشتركتا في إخفاء كلّ منهما ليقع الجدّ في طلبهما:

القول الأوّل: إنّها رُفعت أصلاً ورأساً. حكاه المتولّي في التتمّة عن الروافض، والفاكهاني في شرح العمدة عن الحنفية، وكأنّه خطأ منه، والذي حكاه السروجي أنّه قول الشيعة.

أقول: بل الشيعة الإمامية هم المذهب الوحيد على وجه الأرض القائلون ببقاء الاتّصال بين الأرض والسماء، وأنّ هناك سبب متّصل هو الإمام من عِترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن لم يكن هذا الاتّصال وحياً نبويّاً، وهو الذي يتنزّل عليه الروح الأعظم والملائكة كلّ عام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بينما المذاهب الإسلامية كلّها حتّى الزيدية، وإن قالوا باستمرار الإمامة السياسية وعدم حصرها بالأئمّة المنصوص عليهم وأنّ الإمامة هي لكلّ من قام بالثورة على الظلم ولا يشترط فيها العصمة، إلاّ أنّهم قائلون بانقطاع الاتّصال أيضاً بين الغيب والشهادة.

وانقطاع الاتّصال ذهبت إليه اليهود بعد النبيّ موسى عليه‌السلام ، كما ذهبت إليه النصارى بعد النبيّ عيسى عليه‌السلام .

وقال: وقد روى عبد الرزّاق من طريق داود بن أبي عاصم، عن عبد اللَّه بن يخنس: قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر رُفعت، قال: كذّب من قال ذلك. ومن طريق عبد اللَّه بن شُريك قال: ذكر الحجاج ليلة القدر فكأنّه أنكرها، فأراد زر بن حُبيش أن يحصبه فمنعه قومه.

الثاني: إنّها خاصّة بسنة واحدة وقعت في زمن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حكاه الفاكهاني أيضاً.

الثالث: إنّها خاصّة بهذه الأُمّة، ولم تكن في الأُمم قبلهم، جزم به ابن حبيب وغيره من المالكية ونقله الجمهور، وحكاه صاحب العدّة من الشافعية ورجّحه،

٢٩٢

وهو معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: قلت: يا رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت قال: لا، بل هي باقية.

وعمدتهم قول مالك في الموطأ: بلغني أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تقاصر أعمار أمّته عن أعمار الأُمم الماضية، فأعطاه اللَّه ليلة القدر، وهذا يحتمل التأويل، فلا يدفع التصريح في حديث أبي ذر (1) .

ليلة القدر يفصل فيها المقدّرات لأحداث كلّ السنة:

وقال الآلوسي في روح المعاني في تفسير قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (2) : أي من أجل كلّ أمر تعلّق به التقدير في تلك السنة إلى قابل وأظهره سبحانه وتعالى لهم، قاله غير واحد. ف)من(بمعنى اللام التعليلية متعلّقة بتنزّل، وقال أبو حاتم: (من) بمعنى الباء، أي تنزّل بكلّ أمر، فقيل: أي من الخير والبركة، وقيل: من الخير والشرّ وجعلت الباء عليه للسببية.

والظاهر على ما قالوا إنّ المراد بالملائكة المدبّرات؛ إذ غيرهم لا تعلّق له بالأُمور التي تعلّق بها التقدير ليتنزّلوا لأجلها على المعنى السابق، وهو خلاف ما تدلّ عليه الآثار من عدم اختصاصهم بالمدبّرات (3) .

ليلة القدر يتحقّقها وتتنزّل على من شاء اللَّه تعالى من عباده:

جاء في شرح صحيح مسلم للنووي قوله: (اعلم أنّ ليلة القدر موجودة... وأنّها تُرى ويتحققّها من شاء اللَّه تعالى من بني آدم كلّ سنة في رمضان، كما تظاهرت عليه الأحاديث... وأخبار الصالحين بها، ورؤيتهم لها أكثر من أن تُحصر. وأمّا قول القاضي عيّاض عن المهلّب بن أبي صُفرة: لا يمكن رؤيتها حقيقةً. فغلط فاحش

____________________

1) فتح الباري، ص262 - 263، كتاب فضل ليلة القدر.

2) سورة القدر: 6.

3) روح المعاني، ج30، ص196.

٢٩٣

نبهتُ عليه لئلاّ يُغترّ به) (1) .

وقال في ذيل سورة الدخان، في قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) (2) : أي الكتاب المبين الذي هو القرآن على القول المعوّل عليه في ( لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ) هي ليلة القدر، على ما روي عن ابن عبّاس وقتادة.

وفي تحفة المحتاج لابن حَجَر الهيتمي: (ليس لرائيها كَتْمها، ولا ينال فضلها - أي كمالها - إلاّ من أطلعه اللَّه عليها)، انتهى.

والظاهر أنّه عَنى برؤيتها: رؤية ما يحصل به العلم له بها، ممّا خُصّت به من الأنوار، وتنزّل الملائكة عليهم‌السلام ، أي: نحوٍ من الكشف ممّا لا يعرف حقيقته إلاّ أهله، وهو كالنصّ في أنّها يراها من شاء اللَّه تعالى من عباده. ثمّ حكى عن ابن شاهين: إنّه لا يراها أحد من الأوّلين والآخرين إلاّ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ قال: وفي بعض الأخبار ما يدلّ على أنّ رؤيتها مناماً وقعت لغيره صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي صحيح مسلم وغيره، عن ابن عمر: (إنّ رجالاً من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحرّياً فليتحرَّها في السبع الأواخر) (3) .

وحُكي نحو قول ابن شاهين عن غيره أيضاً، وغلّط، ففي شرح صحيح مسلم وابن جُبير ومجاهد وابن زيد والحسن، وعليه أكثر المفسّرين والظواهر معهم.. والمراد بإنزاله في تلك الليلة إنزاله فيها جملةً إلى السماء الدنيا من اللوح، فالإنزال المنجّم في ثلاث وعشرين سنة أو أقل كان من السماء الدنيا، وروي هذا عن ابن جرير وغيره، وذكر أنّ المحلّ الذي أُنزل فيه من تلك السماء البيت المعمور، وهو

____________________

1) شرح مسلم، ج8، ص66.

2) سورة الدخان: 3.

3) صحيح مسلم، ج3، ص170.

٢٩٤

مسامِت للكعبة، بحيث لو نزل لنزل عليها.

وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنّه قال: أُنزل القرآن جملةً على جبرئيل عليه‌السلام ، وكان جبرئيل عليه‌السلام يجي‏ء به بعدُ إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ليلة القدر في سورة الشورى والنزول الأول للقرآن:

وقال في ذيل قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ... ) (1) : وهو ما أُوحي إليه (عليه الصلاة والسلام)، أو القرآن الذي هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان حيث يحييها حياة أبدية. وقيل: أي ومثل الإيحاء المشهود لغيرك، أوحينا أبو القاسم إليك. وقيل: أي مثل ذلك الإيحاء المفصّل، أوحينا إليك، إذ كان عليه الصلاة والسلام اجتمعت له الطرق الثلاث، سواء فُسّر الوحي بالإلقاء، أم فُسّر بالكلام الشفاهي.

وقد ذُكر أنّه (عليه الصلاة والسلام) قد أُلقي إليه في المنام كما أُلقي إلى إبراهيم عليه‌السلام ، وأُلقي إليه عليه الصلاة والسلام في اليقظة على نحو إلقاء الزبور إلى داود عليه‌السلام . ففي (الكبريت الأحمر) للشعراني، نقلاً عن الباب الثاني من (الفتوحات المكّية): أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أُعطي القرآن مجملاً قبل جبرئيل عليه‌السلام ، من غير تفصيل الآيات والسور. وعن ابن عبّاس تفسير الروح بالنبوّة. وقال الربيع: هو جبرئيل عليه‌السلام .

وعليه، فأوحينا مضمّن معنى أرسلنا، والمعنى: أرسلناه بالوحي إليك؛ لأنّه لا يقال: أوحى الملك بل أرسله.

ونقل الطبرسي عن أبي جعفر، وأبي عبد اللَّه (رضي اللَّه تعالى عنهما): أنّ المراد بهذا الروح ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يصعد

____________________

1) سورة الشورى 52: 42.

٢٩٥

إلى السماء. وهذا القول في غاية الغرابة، ولعلّه لا يصحّ عن هذين الإمامين.

وتنوين (روحاً) للتعظيم، أي روحاً عظيماً (1) ... وقال في ذيل قوله تعالى ( وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ ) : أي الروح الذي أوحيناه إليك. وقال ابن عطية: الضمير للكتاب، وقيل للإيمان، ورجّح بالقرب، وقيل للكتاب والإيمان ووحّد؛ لأنّ مقصدهما واحد فهو نظير ( وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) (2) .

____________________

1) روح المعاني، ج25، ص 80 - 81.

2) سورة التوبة: 62.

٢٩٦

ليلة القدر

في روايات أهل سنّة الخلافة

دوام ليلة القدر في كلّ عام إلى يوم القيامة:

1 - فقد روى عبد الرزّاق الصنعاني في (المصنّف) بسنده، عن مولى معاوية، قال: (قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر قد رُفعت، قال: كذّب من قال كذلك، قلت: فهي كلّ شهر رمضان استقبله؟ قال: نعم... الحديث) (1) ، ورواه عنه بطريق آخر (2) ، ورواه كنز العمّال أيضاً (3) .

2 - وروى عبد الرزّاق الصنعاني في المصنّف بسنده، عن ابن عبّاس، قال: (ليلةٌ في كلّ رمضان يأتي، قال: وحدّثني يزيد بن عبد اللَّه بن الهاد: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله سُئِل عن ليلة القدر، فقيل له: كانت مع النبيّين ثمّ رُفعت حين قُبضوا، أو هي في كلّ سنة؟ قال: بل هي في كلّ سنة، بل هي في كلّ سنة) (4) .

3 - وروي عن ابن جرير، قال: (حُدّثت: أنّ شيخاً من أهل المدينة سأل أبا ذر بمنى، فقال: رُفعت ليلة القدر أم هي في كلّ رمضان؟ فقال أبو ذر: سألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت: يا رسول اللَّه رُفعت ليلة القدر؟ قال: بل هي كلّ رمضان) (5) .

4 - وروى ابن أبي شيبة الكوفي في المصنّف في باب ليلة القدر، بسنده إلى ابن

____________________

1) المصنّف، ج3، ص216، ح 5586.

2) المصنّف، ج3، ص255، ح 7707.

3) كنز العمّال، ج3، ص634، ح 24490.

4) المصنّف، ج4، ص255، ح 7708.

5) المصنّف، ج4، ص255، ح 7709، وأخرجه هق، ج4، ص307، والطحاوي، ج2، ص50.

٢٩٧

أبي مرثد عن أبيه، قال: (كنت مع أبي ذر عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: كان أسأل الناس عنها رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا: ليلة القدر كانت تكون على عهد الأنبياء فإذا ذهبوا رُفعت؟ قال: لا ولكن تكون إلى يوم القيامة) (1) .

5 - أخرج السيوطي في الدرّ المنثور: (عن محمّد بن نصر، عن سعيد بن المسيّب أنّه سُئل عن ليلة القدر، أهي شي‏ء كان فذهب، أم هي في كلّ عام؟ فقال: بل هي لأُمّة محمّد ما بقي منهم اثنان) (2) .

أقول: وفي هذه الرواية - وإن كانت مقطوعة - دلالةٌ على أن لو بقي في الأرض رجلٌ واحد لكان الثاني هو الحجّة وخليفة اللَّه في الأرض، الذي تنزّل عليه ليلة القدر بمقادير الأُمور، وأنّ ليلة القدر هي من حقائق وخصائص روح الحجّة في الأرض.

6 - وروى الطبري بسنده عن ربيعة بن كلثوم، قال: (قال رجل للحسن وأنا أسمع: أرأيت ليلة القدر في كلّ رمضان هي؟ قال: نعم، واللَّه الذي لا إله إلاّ هو إنّها لفي كلّ رمضان، وأنّها ليلة القدر، فيها يُفرق كلّ أمر حكيم، فيها يقضي اللَّه كلّ أجل وعمل ورزق إلى مثلها) (3) .

النزول في ليلة القدر وحي للأنبياء، واستمراره بعد الأنبياء:

قال ابن خزيمة في صحيحه (4) : باب ذكر أبواب ليلة القدر، والتأليف بين الأخبار المأثورة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيها ما يحسب كثيراً من حملة العلم، ممّن لا يفهم صناعة العلم، أنّها متهاتِرةٌ متنافية، وليس كذلك هي عندنا بحمد اللَّه ونعمته، بل هي

____________________

1) المصنّف لابن أبي شيبة، ج2، ص394، ح 5، باب 341.

2) الدرّ المنثور، ج6، ص371، في ذيل سورة القدر.

3) جامع البيان، ج25، ص139، ح24000.

4) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص320.

٢٩٨

مختلفة الألفاظ متّفقة المعنى، على ما سأبيّنه إن شاء اللَّه.

قال أيضاً: باب ذكر دوام ليلة القدر في كلّ رمضان إلى قيام الساعة، ونفي انقطاعها بنفي الأنبياء.

7 - وروى بسنده إلى أبي مرثد، قال: (قال: لقينا أبا ذر وهو عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: ما كان أحد بأَسأل لها منّي، قلت: يا رسول اللَّه ليلة القدر أُنزلت على الأنبياء بوحي إليهم فيها ثمّ ترجع؟ فقال: بل هي إلى يوم القيامة.. الحديث) (1) ، ورواه بطريق آخر أيضاً، في باب أنّ ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان (2) .

8 - وروى النسائي، والقسطلاني، والهيثمي، وابن حجر في فتح الباري، وابن كثير في تفسيره حديث أبي ذر - في ليلة القدر - قال: (يا رسول اللَّه أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت؟ قال: بل هي باقية).

9 - وروى أحمد بن محمّد بن سلمة في شرح معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده، إلى مالك ابن مرثد عن أبيه، قال: (سألت أبا ذر فقلت: أسألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ليلة القدر؟ قال: نعم، كنت أسأل الناس عنها، قال عكرمة: يعني أشبع سؤلاً، قلت: يا رسول اللَّه، ليلة القدر أفي رمضان هي أم في غيره؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : في رمضان. قلت: وتكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا رُفعوا رُفعت؟ قال: بل هي إلى يوم القيامة) (3) .

10 - وفي صحيح ابن حِبان، قال في باب ذكر البيان بأنّ ليلة القدر تكون في العشر الأواخر كلّ سنة إلى أن تقوم الساعة، ثمّ روى بسند متّصل رواية أبي ذر

____________________

1) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص320.

2) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص321.

3) شرح معاني الآثار، ج3، ص85.

٢٩٩

المتقدِّمة واللفظ فيها... (تكون في زمان الأنبياء ينزل عليهم الوحي، فإذا قُبضوا رُفعت؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل هي إلى يوم القيامة) (1) .

وروى البيهقي في فضائل الأوقات رواية أبي ذر المتقدّمة بإسناده (2) ، وقال - قبل تلك الرواية -: وليلة القدر التي ورد القرآن بفضيلتها إلى يوم القيامة وهي في كلّ رمضان... ثمّ نقل الخبر المزبور. وروى الهيثمي في موارد الظمآن رواية أبي ذر بسنده (3) .

11 - وروى أحمد بن محمّد بن سَلمة في معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده إلى سعيد بن جبير عن ابن عمر، قال: (سُئل رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أسمع عن ليلة القدر؟ فقال: في كلّ رمضان). ففي هذا الحديث أنّها في كلّ رمضان، فقال قوم هذا دليل على أنّها تكون في أوّله وفي وسطه، كما قد تكون في آخره. وقد يحتمل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (في كلّ رمضان)، هذا المعنى، ويحتمل أنّها في كلّ رمضان إلى يوم القيامة (4) ، ورواه بطرق أخرى غير مرفوعة.

أقول: هذه الروايات عند العامّة مطابقة لما يأتي من الروايات عند أهل البيت عليهم‌السلام ، من عدّة وجوه، أهمّها:

أوّلاً: ليلة القدر كانت من لَدُن آدم عليه‌السلام ، واستمرّت إلى النبيّ الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي مستمرّة إلى يوم القيامة نزولاً على خلفاء النبيّ الاثني عشر.

وثانياً: إنّ هذا الروح النازل في ليلة القدر هو قناة ارتباط الأنبياء والأوصياء مع الغيب.

وثالثاً: ممّا يدلّل على عموم الخلافة الإلهية: ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ

____________________

1) صحيح ابن حِبّان، ج8، ص438.

2) البيهقي، ص 219.

3) موارد الظمآن، ص 231.

4) شرح معاني الحديث، ج3، ص84.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460