تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 181971 / تحميل: 6064
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

فكذلك في هذه الحالة يعتبر الشيك حوالةً من المَدين لدائنه على البنك، غير أنّ المحوّل عليه ليس مَديناً للمُحيل، ولهذا يصطلح الفقهاء على ذلك بالحوالة على البريء، وهي عندي حوالة صحيحة تنفذ بالقبول من البنك، فإذا قبل البنك الشيك أعتبر ذلك قبولاً منه للحوالة، فتشتغل ذمّته للمُحال في ذمّة المحوِّل، ويصبح المحوِّل مَديناً للبنك - المحوِّل عليه - بقيمة الحوالة.

فمَديونيّة محرّر الشيك للبنك لا تقوم هنا على أساس الاقتراض لكي يتوقّف على القبض، بل على أساس قبول البنك للحوالة، ولمّا كان البنك بريئاً فبقوله للحوالة وانتقال دَين المحوِّل إلى ذمّته يصبح دائناً للمحوِّل بنفس المقدار(١) .

وهكذا يتّضح أنّه يصحّ استعمال الشيكات على البنك كأداة وفاءٍ على أساس الحوالة، سواء كان لمحرّر الشيك رصيد دائن في حسابه الجاري، أو كان حسابه الجاري على المكشوف.

وهناك قيود مَدينة يجريها البنك دون تفويضٍ من العميل، كالعمولات المختلفة، وأجرة البريد، والرسم الدوري لكشوف الحسابات البيانية.

وكلّ هذا صحيح ؛ لأنّ العميل تشتغل ذّمته بأُجرة المثل للبنك لقاءَ الخدمات المصرفية، بما فيها كشوف الحسابات البيانية، وأجرة البريد التي يتكلّفها البنك بأمرٍ صريحٍ أو ضمنيّ موجبٍ للضمان من العميل. وبموجب المقاصّة القهرية بين الدَينين يقوم البنك بخصم قيمة هذه الأجور من الرصيد الدائن لعميله.

____________________

(١) بناءً على أنّ المحوِّل يضمن للمحوّل عليه البريء بسبب إشغاله لذمّته الذي يحصل بمجرّد قبول البريء للحوالة. وأمّا إذا كان الضمان بسبب تسبيب المحوّل لتلف المال على البريء خارجاً فلا يكون الضمان فعلياً إلاّ بعد الدفع.(المؤلّف قدس‌سره ).

١٠١

اندماج أكثر من صفتين في شخصٍ واحد:

وهناك حالات في سحب الشيك على البنك تندمج فيها صفتان في جهةٍ واحدة، ومن هذا القبيل حالة سحب العميل على البنك شيكاً لأمره، أي لأمر العميل نفسه، فهو في هذه الحالة يمثّل مركزَي الساحب والمستفيد، والمدلول الفقهيّ لهذه العملية هو أنّ الساحب يحاول استيفاء قيمة الشيك المسحوب من دَينه على البنك، وليس تحريره للشيك إلاّ لكي يستخدم كوثيقةٍ على الوفاء عند تقديمه لدى البنك وسحب قيمته منه.

ومن هذا القبيل أيضاً حالة سحب العميل شيكاً لأمر البنك، وبهذا يمثّل البنك مركزَي المسحوب عليه والمستفيد، والمدلول الفقهيّ لهذه العملية هو أنّ الساحب كان قد أصبح مَديناً للبنك بأيِّ سببٍ من الأسباب، فوقعت المقاصّة في حدود ذلك الدَين بين دائنية البنك هذه ودائنية العميل المتمثِّلة في رصيده الدائن في الحساب الجاري، وليس الشيك في هذه الحالة إلاّ وثيقةً على وقوع هذه المقاصّة بين ذمّتي البنك والعميل، وكلّ ذلك جائز شرعاً.

الودائع لأجَل (الثابتة):

وهي مبالغ يستهدف أصحابها من وضعها في البنك الحصول على فوائدها ما داموا ليسوا بحاجةٍ ماسّةٍ إليها في الوقت القريب، ولا يجوز سحبها من البنك إلاّ بعد مدّةٍ يتّفق عليها العميل مع البنك، ويجدّد عقد إيداعها في نهاية المدّة إذا رغب المودِع في إبقاء الوديعة، كما يتّفق في أكثر الأحيان.

وهذه الودائع تمثِّل في الحقيقة قروضاً ربويةً محرَّمة، ولهذا يتمنع عنها البنك اللاربوي، ويحوّلها إلى ودائع بالمعنى الفقهيّ الكامل لوديعةٍ قد أودعها

١٠٢

أصحابها في البنك ريثما يجدون مجالاً لتوظيفها واستثمارها على أساس المضاربة. وقد مرّ تفصيل ذلك في الأطروحة التي قدّمناها.

ودائع التوفير:

يقصد بها كلّ حسابٍ في دفترٍ واجب التقديم عنه كلّ سحبٍ أو إيداع. وهي قسم من الودائع الادّخارية، غير أنّ العادة جرت على تمكين الموفِّرين من السحب عليها متى شاءوا، أو ضمن شروطٍ خاصّة.

والبنك اللاربوي لا يرفض قبول ودائع التوفير هذه، ولا يختلف عن البنوك الربوية في إعطاء فرصة السحب للموفِّرين متى أرادوا ذلك، ويقوم باستثمار هذه الودائع عن طريق المضاربة، كما يستثمِر الودائع الثابتة.

ولكنّ موقف البنك اللاربوي من ودائع التوفير يختلف عن موقفه من الودائع الثابتة في أمرين، كما أوضحنا ذلك في الفصل الأوّل:

أحدهما : تمكينه من السحب على ودائع التوفير متى أراد الموفِّر، خلافاً للودائع الثابتة التي يشترط فيها على المودِع أن تظلّ في حوزته مدّةً لا تقلّ عن ستّة أشهر.

والآخر : أنّ البنك اللاربوي يقتطع من كلّ وديعة توفيرٍ نسبةً معيّنةً يعتبرها قرضاً، ويحتفظ بها كسائلٍ نقدي، ولا يدخلها في مجال المضاربة والاستثمار، كما مرّ بنا في الأطروحة.

الودائع الحقيقية:

وهي عبارة عن أشياء معيّنةٍ يَوَدّ أصحابها أن يحتفظوا بها، ويتجنّبوا مخاطر السرقة والضياع والحريق ونحو ذلك، فيودعونها لدى البنك على أن يستردّوها

١٠٣

بعد ذلك بنفس مظهرها المادّي، وقد يقوم البنك لهذا الغرض بإعداد خزائنٍ خاصّةٍ ويؤجرها لعملائه، ويتقاضى لقاء ذلك أجراً منهم.

وهذه الودائع هي ودائع بالمعنى الفقهيّ الكامل، وعلى هذا الأساس يجوز للبنك أن يأخذ أجرةً لإنجاز العملية، سواء كانت لقاءَ منفعة الخزينة الحديدية التي تحفظ فيها وديعة العميل، أو لقاءَ نفس عمل البنك في تحصينها والحفاظ عليها.

الأهمّية الاقتصادية للودائع المصرفية

تتلخّص الأهميّة الاقتصادية للودائع المصرفية في البنوك القائمة في النقاط الثلاث التالية:

١ - إنّ الودائع المصرفية بالرغم من أنّها مجرّد قيدٍ في سجّلات البنك يتضمّن حساباً لأحد العملاء تعتبر وسيلةً هامّةً من وسائل الدفع، لِمَا تحيط بها من الضمانات القوية المشتقّة من عنصر الثقة في البنوك وإن لم يعترف لها القانون بصفة النقد في التداول، ولهذا ليس هناك إجبار على قبول الوفاء بها، كما هو الحال في النقود الأخرى، ولكنّ عدم اعترافه هذا لم يمنع عن اتّساع نطاق التعامل بالودائع المصرفية، وذلك بنقل ملكيّتها من شخصٍ لآخر عن طريق استعمال الشيكات، وبذلك تزداد وسائل الدفع في المجال التجاري والاقتصادي.

٢ - إنّ الودائع المصرفية تمثِّل على الأغلب أموالاً كانت عاطلةً قبل إيداعها إلى البنك، وأتيح لها عن طريق إيداعها في البنك دخول مجال الإنتاج والاستثمار على شكل قروضٍ مصرفيةٍ لرجال الأعمال، وبذلك أصبح بإمكانها أن تساهم بدور كبيرٍ في إنعاش اقتصاد البلاد ونموّه الصناعي والتجاري.

٣ - إنّ الودائع المصرفية تمنح البنك القدرة على خلق الائتمان بدرجةٍ أكبر

١٠٤

من كمّية تلك الودائع، والائتمان يخلق بدوره الوديعة المصرفية أيضاً، وهكذا تزداد بهذا الشكل كميّة الودائع المصرفية، وبالتالي تكثر وسائل الدفع التي تعوَّض عن النقود، وكلّما كثرت وسائل الدفع اتّسعت الحركة التجارية ونمت.

ويجب أن نحدِّد موقف الشريعة الإسلامية، وبالتالي وضع البنك اللاربوي تجاه هذه النقاط الثلاث.

الودائع المصرفية وسائل دفع:

أمّاالنقطة الأولى فبالإمكان أن تعتبر الودائع المصرفية وسائل دفعٍ عن طريق استعمال الشيكات. ونظراً إلى أنّ وسيلة الدفع هي نفس الوديعة المصرفية لا الشيك، وإنّما الشيك مجرّد أمرٍ بالسحب على الرصيد المودَع، والوديعة ليست إلاّ ديناً في ذمّة البنك للمودِع فاتّخاذها وسيلةَ دفع يعني اتّخاذ الدَين وسيلةَ دفع ن ولهذا يصبح استعمال الودائع بدلاً عن النقود جائزاً في الحدود التي يجوز التعامل ضمنها بالدَين. ولكي نعرف هذه الحدود نقسّم التعامل بالدَين إلى قسمين:

أحدهما : التعامل به كأسلوب لوفاء دَينٍ آخر عن طريق الحوالة، فالمَدين يمكنه أن يُحيل دائنه على مدينه، وبذلك يكون قد استخدم الدَين الذي يملكه في وفاء دائنه وإبراء ذمّته من ناحيته، وهذا صحيح شرعاً كما تقدّم، وبذلك يجوز استعمال الشيك كأداة وفاء.

والآخر : التعامل به كوسيلة دفعٍ ينصّب عليها العقد مباشرة، كأن يشتري الدائن بالدَين الذي يملكه في ذمّة مَدينه بضاعةً، أو يهب ذلك الدين لشخصٍ آخر، وهذا التعامل يُحكم بصحّته أحياناً ويُحكم ببطلانه أحياناً من الناحية الشرعية.

فمثلاً: شراء الدائن بضاعةً بما يملكه من دَينٍ في ذمّة مَدينه صحيح شرعاً

١٠٥

إذا لم تكن البضاعة المشتراة مؤجّلة، وإلاّ بطل الشراء ؛ لأنّه يكون من بيع الدَين وهو باطل.

ومثال آخر: هبة الدائن للدَين الذي يملكه في ذمّة شخصٍ آخر صحيحةٌ شرعاً إذا كان الموهوب له نفس المَدين، وأمّا إذا كان شخصاً آخر فالهبة باطلة عند من يرى من الفقهاء أنّ قبض الموهوب له للمال الموهوب شرط في صحة الهبة، فلا يجوز للموهوب له، على هذا، التصرّف في الدَين الذي وهبه له الدائن قبل الوفاء وقبض الدائن له، أو قبض الموهوب له بالوكالة عن الدائن.

وعلى هذا الأساس نعرف أنّ التعامل بالشيك كأداة وفاءٍ لدَينٍ سابقٍ صحيح شرعاً. وأمّا التعامل به كموضوعٍ ينصبّ عليه العقد مباشرةً لكي تكون الوديعة المصرفية نفسها هي موضع التعامل، فهذا يصحّ أحياناً، ولا يصحّ أحياناً.

ولكنّ التعامل بالشيك كموضوعٍ ينصبّ عليه العقد مباشرةً يعتبر باطلاً دائماً إذا كان السحب بالشيك من دون رصيدٍ دائنٍ للساحب ؛ إذ لا يوجد عندئذٍ للساحب شيء حقيقيّ يملكه ممّا يعبّر عنه الشيك لكي به بضاعةً مثلاً أو يهبه. ورصيد المدين في حسابه الجاري ليس إلاّ مجرّد قرضٍ من البنك، والقرض لا يملكه المقترض إلاّ بالقبض، فلا معنى للتعامل به وهبته وشراء بضاعةٍ به مثلاً قبل أن يقبض مباشرةً أو توكيلاً.

والغالب من التعامل بالشيكات في الحياة الاعتيادية هو التعامل بالشيكات كأداة فاء، وهو صحيح لِمَا عرفت.

دور البنك اللاربوي في توظيف الأموال العاطلة:

وأمّاالنقطة الثانية ، وهي أنّ البنك يؤدّي بنشاطه إلى تجميع الأموال العاطلة وتوظيفها، فسوف تظلّ صادقةً على البنك اللاربوي كما صدقت على البنوك

١٠٦

الربوية. وإنّما الفارق بينهما في أسلوب التوظيف، فبينما يتمّ التوظيف في البنوك الربوية على أساس إقراض المستثمِرين يتمّ في البنك اللاربوي على أساس المشاركة معهم عن طريق المضاربة.

خلق الائتمان بدرجةٍ أكبرَ من كمّية الودائع:

وبالنسبة إلىالنقطة الثالثة ، وهي قدرة البنك على خلق الائتمان بدرجةٍ أكبر من كمّية الودائع، يجب أن نتساءل: هل يتاح للبنك اللاربوي أن يخلق الائتمان، وبالتالي الدائنية، بدرجةٍ أكبر من كمّية الودائع الموجودة لديه فعلاً ؟

والجواب بالإيجاب، ولكن على شرط أن تكون الدائنية التي يخلقها البنك مستندةً إلى سببٍ شرعيّ، لا إلى سببٍ غير مشروع. ولتمييز السبب المشروع من غيره نقارن بين الحالات الثلاث التالية:

١ - نفترض أنّ كمّية الودائع الموجودة لدى البنك هي (١٠٠٠) دينار، فيتقدّم إليه شخصان يطلب كلّ واحدٍ منهما قرضاً قدره (١٠٠٠) دينار، وحيث إنّ البنك يعلم أنّهما سوف يودِعان ما يقترضانه لديه مرّةً أخرى وسوف لن يسحبا ودائعهما معاً في وقتٍ واحدٍ، فهو يرى أنّه بإمكانه أن يلتزم لكلّ واحدٍ منهما بقرضٍ قدره (١٠٠٠) دينار، وبذلك يعتبر نفسه دائناً ب- (٢٠٠٠) دينار بينما ليس لديه في خزائن ودائعه إلاّ (١٠٠٠) دينار.

٢ - نفترض أنّ كمّية الودائع الموجودة لدى البنك (١٠٠٠) دينار، فيتقدّم شخص طالباً قرضاً قدره (١٠٠٠) دينار، فيقرضه البنك المبلغ المطلوب ويتسلّفه المقترِض ويدفعه إلى دائنه وفاءً لدينه، فيتسلّمه الدائن ويودِعه بدوره في البنك، فيتقدّم شخص آخر طالباً اقتراض (١٠٠٠) دينارٍ من البنك فيقرضه ويدفع إليه المبلغ، وبذلك يصبح البنك دائناً ب- (٢٠٠٠) دينار، بينما لم يكن لديه في خزانة

١٠٧

ودائعه إلاّ (١٠٠٠) دينار.

٣ - نفترض أنّ كمّية الودائع الموجودة لدى البنك (١٠٠٠) دينار، فتتقدّم إليه حوالتان من شخصين ليس لهما أيّ رصيدٍ لديه، كلّ منهما يحوِّل دائنه على البنك ب- (١٠٠٠) دينارٍ، والبنك يعرف أنّه إذا قبل الحوالتين معاً فسوف لن يتعرّض لخطر المطالبة ب- (٢٠٠٠) دينار ؛ لأنّ الدائَنين سوف لن يسحبا دَينَهما في وقتٍ واحد، وعلى هذا الأساس يتقبّل البنك كلتا الحوالتين، فيصبح بذلك دائناً لكلٍّ من المحوِّلَين ب- (١٠٠٠) دينار، ويتقاضى فوائد (٢٠٠٠) دينارٍ من القرض، بينما لم يكن لديه إلاّ (١٠٠٠) دينارٍ من الودائع.

ونحن إذا فحصنا هذه الحالات الثلاث وجدنا أنّ دائنية البنك ب- (٢٠٠٠) دينارٍ في الحالة الأولى نشأت من قرضين التزم بهما لشخصين، ولكنّ القرضين لم يتوفّر فيهما القبض اللازم شرعاً في كلّ قرض ؛ لأنّ كلّ واحدٍ من المقترِضَين لم يحصل من البنك إلاّ على مجرّد الالتزام له ب- (١٠٠٠) دينار، أي على قيدٍ في رصيده المَدين فيعتبر القرض باطلاً، وبالتالي لا يعتبر البنك دائناً للشخصين ب- (٢٠٠٠) دينار، وإنّما يعتبر دائناً بالقدر الذي يتمّ تسليمه لهما من المبلغ.

وفي الحالة الثانية نشأت دائنية البنك ب- (٢٠٠٠) دينارٍ من قرضَين أيضاً، غير أنّ القرضَين هنا يتوفّر فيهما القبض ؛ لأنّ كلّ واحدٍ من المقترِضَين قد قبض المبلغ الذي اقترضه كاملاً، فيعتبر القرضان صحيحين، ويكون البنك دائناً شرعاً ب- (٢٠٠٠) دينار.

وفي الحالة الثالثة نشأت دائنية البنك ب- (٢٠٠٠) دينارٍ للمحوِّلَين من قبوله بحوالتيهما، لا من عقد القرض، والحوالة صحيحة شرعاً، فيعتبر البنك دائناً ب- (٢٠٠٠) دينارٍ للمحوِّلَين ومديناً في نفس الوقت ب- (٢٠٠٠) دينارٍ لدائني المحوِّلَين.

١٠٨

ويتّضح ممّا سبق أنّ دائنية البنك بأكبرَ من الكمّية الموجودة من الودائع لديه فعلاً أمر جائز شرعاً إذا وجد السبب الشرعيّ للدائنية، وهو الإقراض الذي يتوفّر فيه قبض المقرِض المبلغ كما في الحالة الثانية، أو قبول الحوالة كما في الحالة الثالثة. وأمّا إذا لم يتحقّق السبب الشرعيّ للدائنية من إقراضٍ مع القبض، أو قبول الحوالة، أو غيرهما من الأسباب الشرعية فلا مبرِّر للدائنية كما في الحالة الأولى، فإنّ مجرّد التزام البنك ب- (٢٠٠٠) دينارٍ لكلٍّ من الشخصَين وتقييد المبلغ في الرصيد المَدين لحسابه الجاري في سجلاّته الخاصّة لا يخلق دَيناً ودائناً ومَديناً.

ويجب أن يعلم بهذا الصدد أنّنا حين نؤكِّد على بطلان القرض في الحالة الأولى لعدم توفّر القبض، ونربط صحة القرض بقبض المبلغ المقترَض، لا نريد بالقبض فصله نهائياً عن البنك المقرِض، بل بإمكان العميل الذي يطلب قرضاً قدره ألف دينارٍ مثلاً أن يقبض هذا المبلغ ثمّ يودِعه في حسابه الجاري في البنك، ويكون القرض في هذه الحالة صحيحاً ؛ لأنّه قرض مقبوض.

وقد يقال: إنّ العميل بإيداعه المبلغ مرّةً أخرى في البنك يكون قد أقرضه للبنك ؛ لأنّ الإيداع إقراض من الناحية الفقهية، فيصبح العميل دائناً للبنك بألف، أي بنفس قيمة المبلغ الذي اقترضه منه، وبذلك تحصل المقاصّة الجبرية بين الدَينيَن وتتلاشى دائنية البنك، وهذا يعني أنّ البنك لا يمكنه أن يحتفظ بدائنّيته لعميله ما لم ينفصل المبلغ المقترَض نهائياً عن البنك.

والجواب على هذا القول: أنّ العميل بقبضه للمبلغ مباشرةً أو توكيلاً يصبح مديناً للبنك بألف دينارٍ مثلاً، وبإيداعه المبلغ مرّةً أخرى في حسابه الجاري في البنك وإن خلق ديناً جديداً له من البنك إلاّ أنّ الدَينَين لا يسقطان بالمقاصّة ؛ لأنَّ العادة في القرض الذي تسلّمه العميل من البنك أن يكون مؤجّلاً إلى مدّةٍ محدّدة، بينهما لا يكون القرض المتمثِّل في إيداع العميل للمبلغ في حسابه الجاري مؤجّلاً.

١٠٩

ولهذا لا يتمكّن العميل من سحبه متى شاء. وما دام أحد الدَينَين مؤجّلاً دون الآخر فلا تحصل المقاصّة بينهما، ولا يسقطان بالتهاتر ؛ لأنّ من شروط التهاتر اتّفاق الدَينَين في ذلك. وعلى هذا الأساس تكون دائنية البنك بألف دينارٍ شرعية، وتظلّ على شرعيّتها إذا قبض العميل المبلغ المقترَض ثم أودعه في البنك مرّةً أخرى في حسابه الجاري، ويظلّ البنك دائناً حتّى يحلّ الأجل، فتحصل المقاصّة ويسقط الدَينان بالتهاتر.

التحصيل

إنّ قيام البنوك بقبول ودائع العلاء جعلها تتصدّى لإتمام جميع التسويات التي تترتّب على ذلك بعمولةٍ أو بدون عمولة، وعلى هذا الأساس تمارس البنوك تسوية الديون عن طريق المقاصّة، أو الترحيل في الحساب دون حاجةٍ إلى تداول كمّياتٍ كبيرةٍ من العملة، وما يترتّب على ذلك من نقل وتكاليف وتعرّضٍ لمخاطر السرقة والضياع. وتتمثّل التسويات التي تقوم بها البنوك في: تحصيل الشيكات، وتحصيل الكمبيالات، والتحصيلات المستندية، وقبول الشيكات والكمبيالات.

تحصيل الشيكات:

تقدّم منّا في الحديث عن الحساب الجاري أنّ أحد أساليب الإيداع هو: أن يتقدّم أحد العملاء إلى البنك بشيكٍ مسحوبٍ لمصلحته على حساب محرّر الشيك في البنك، فيقوم البنك بخصم قيمته من حساب المسحوب عليه وترحيلها إلى حساب المستفيد بالشيك ؛ بعد التأكّد من صحة الشيك من الناحية الشكلية ،

١١٠

وتصديق قسم مراكز العملاء على وجود رصيدٍ للمحرّر يسمح بخصم قيمة الشيك منه.

والشيك قد يكون مسحوباً على نفس المركز أو الفرع الذي يقوم بتحصيله لحساب المستفيد، وقد يكون مسحوباً على فرعٍ آخر من فروع البنك، وقد يكون مسحوباً على بنكٍ آخر.

ففي الحالة الأولى نواجه في علمية تحصيل الشيك حوالةً واحدةً من محرّر الشيك لدائنه، أي المستفيد من الشيك على البنك المدَين للمحرّر.

وفي الحالة الثانية لا توجد إلاّ حوالة واحدة أيضاً ؛ لأنّ مركز البنك وكلّ فروعه لها ذمّة واحدة شرعاً لوحدة المالك والمَدين.

وأمّا في الحالة الثالثة فهناك حوالة من صاحب الشيك على البنك المسحوب عليه، والمفروض أنّ الذي يقوم بتحصيل الشيك هو بنك آخر، فإذا فرضنا أنّ البنك الآخر حصّل قيمة الشيك من البنك الأوّل بتسجيل قيمة الشيك في الرصيد المَدين للبنك الأوّل في سجلاّته لكي يستوفي بعد ذلك بالمقاصّة، فإنّ معنى ذلك أنّ البنك الأول الذي أصبح بتحرير الشيك عليه مَديناً للمستفيد من الشيك بقيمته قد أحال المستفيد من الشيك - ضمناً أو إجازةً - على البنك الآخر، مديناً كان البنك الآخر للأول أو بريئاً، وهذه حوالة ثانية، فعملية التحصيل حينئذٍ تتمّ خلال حوالتين.

ويمكن تكييف العملية نفسها على أساس حوالةٍ وبيع. أمّا الحوالة فهي حوالة صاحب الشيك للمستفيد على البنك المسحوب عليه، وبموجب هذه الحوالة يصبح المستفيد مالكاً لقيمتها في ذمّة البنك المحوَّل عليه.

وأمّا البيع، فيمارسه المستفيد نفسه بعد أن أصبح مالكاً لقيمة الشيك في ذمّة البنك المسحوب عليه، إذ يبيع ما يملكه في ذمّة ذلك البنك بإزاء مبلغِ نقديّ

١١١

يتسلّمه من البنك الذي دفع إليه الشيك لتحصيله، ويكون هذا من بيع الدين. وسواء كيَّفنا العملية فقهياً على أساس أنّها حوالتان أو حوالة بدَينٍ ثمّ بيع الدَين، فإنّ كلّ ذلك صحيح وجائز شرعاً.

وهل بإمكان البنك من الناحية الشرعية أن يتقاضى عمولةً - أجرة - على تحصيل الشيك ؟

وللجواب على هذا السؤال يجب أن نميِّز بين الحالات المتقدّمة: ففي الحالة الثالثة التي كيّفنا فيها العملية على أساس حوالتين متعاقبتين يجوز للبنك المحصّل أن يأخذ من المستفيد أُجرةً على قيامه بتحصيل قيمة الشيك له عن طريق اتّصاله بالبنك المسحوب عليه وطلب تحويل قيمة الشيك عليه(١) .

وأمّا في الحالة الأولى فساحب الشيك على البنك إمّا أن يكون قد سحبه على رصيده الدائن، أو سحبه لحسابه الجاري على المكشوف مع البنك. فإن كان قد سحبه على رصيده الدائن فالحوالة تصبح من الحوالة على مَدين، والحوالة على مَدينٍ ليست بحاجةٍ إلى قبول المَدين للحوالة، بل تنفذ بمجرّد سحب الشيك عليه، ويكون البنك مَديناً للمستفيد ويجب عليه وفاء دينه أو إضافته إلى رصيده الدائن، ولا يمكن للمَدين أخذ أجرة على وفاء دائنه. ويستثنى حالة ما إذا شرط البنك على كلّ دائن حين تولّد دينه أن لا ينقل ملكية الدَين عن طريق الحوالة إلاّ

____________________

(١) نقصد هنا دراسة إمكان أخذ العمولة من وجهة نظر الفقه الإسلامي. وأمّا ما هو واقع في البنوك الربوية، فهو عدم أخذ عمولةٍ على تحصيل الشيك إلاّ إذا كان مسحوباً على بنكٍ أو جهةٍ في بلدٍ آخر غير البلد الذي يوجد فيه البنك المحصِّل للشيك. وعلى هذا الأساس، فإنّ أيّ بنكٍ آخر يقوم كالبنك اللاربوي لا يمكن له من الناحية الواقعية أن يفرض أجرة على تحصيل الشيك إلاّ في الحدود المتّبعة في الواقع المعاش. (المؤلّف قدس‌سره ).

١١٢

بإذنه، وحينئذٍ يكون بإمكان البنك أن يأخذ أجرة وعمولةً في مقابل قبوله بالحوالة وإسقاطه الشرط.

وأمّا إذا كان الساحب قد سحب قيمة الشيك من حسابه الجاري على المكشوف فالشيك في هذه الحالة يعني الحوالة على بريء الذمّة، والبريء يمكنه أن لا يقبل الحوالة إلاّ بأجرٍ من المحوِّل، أي المستفيد من الشيك، وليس ذلك من الفائدة التي يتقاضاها الدائن من المَدين ؛ لأنّ الأجر هنا يتقاضاه المَدين من الدائن في مقابل قبوله للحوالة وبأن يصبح مَديناً.

وهكذا يتلخّص: أنّ العمولة على تحصيل الشيك جائز إذا كان الشيك مسحوباً على بنكٍ آخر غير البنك المحصّل، أو على البنك المحصّل دون رصيدٍ دائنٍ للساحب. وأمّا إذا كان مسحوباً على البنك المحصّل مع رصيدٍ دائنٍ للساحب، فلا يجوز للبنك أخذ العمولة على تحصيل قيمة الشيك من المستفيد إلاّ في حالة ارتباط البنك مع عملائه الدائِنين منذ البدء بقرارٍ يقضي بعدم التحويل عليه بدون إذنه.

وقد درسنا حتّى الآن حكم العمولة في الحالة الثالثة والأولى، أي في حالة كون البنك المسحوب عليه غير البنك المحصّل (وهذه هي الحالة الثالثة)، وفي حالة كون الشيك مسحوباً على نفس البنك ونفس الفرع الطالب من قبل المستفيد بتحصيل قيمة الشيك (وهذه هي الحالة الأولى).

وبقي علينا أن نعرف حكم العمولة في الحالة الثانية، وهي: ما إذا كان المسحوب عليه الشيك فرع البنك في البصرة مثلاً، والمطالب بتحصيل قيمة ذلك الشيك هو فرع نفس البنك في الموصل، فهل بإمكان الفرع في الموصل أن يتقاضى عمولةً على تحصيل قيمة الشيك ؟

إنّ الفروع تمثّل وكلاء متعدّدين لجهةٍ واحدةٍ وهي أصحاب البنك، فكلّ

١١٣

فرعٍ هو وكيل للجهة العامة التي تملك البنك، وكل رصيدٍ دائنٍ في فرعٍ من فروع البنك هو في الحقيقة دَين على تلك الجهة العامة، فصاحب الشيك على فرع البنك في البصرة هو دائن لتلك الجهة بحكم إيداعه مبلغاً معيّناً من النقود لدى فرع البصرة وفتحه حساباً جارياً عنده، فإذا سحب شيكاً على فرع البصرة لصالح دائنه فقد حوّل في الحقيقة دائنه على الجهة العامة التي تمثّلها الفروع جميعاً، وهو من الحوالة على مَدين، ولكنّ تلك الجهة العامة غير ملزمةٍ بدفع الدَين إلى المستفيد إلاّ في نفس المكان الذي وقع فيه عقد القرض بين الساحب وبينها، أي البصرة ؛ لأنّ المفروض أنّ الحساب الجاري للساحب مفتوح مع فرع البصرة، فلا يلزم على الجهة التي تمثّلها كلّ فروع البنك أن تسدِّد الدَين المحوَّل عليها إلاّ في نفس مكان الفرع الذي وقع قيه القرض، أي الإيداع وفتح الحساب الجاري.

وعلى هذا الأساس يصبح بإمكان البنك - إذا طولب فرعه في الموصل بخصم قيمة الشيك المسحوب من عمليه على فرعه في البصرة - أن يطالب بعمولة وأجرة لقاءَ تسديد الدَين في غير المكان الذي وقع فيه عقد القرض - الإيداع - بينه وبين العميل الساحب للشيك.

التحصيل المستند:

قد يستغني المصدَّر للبضاعة عن الاعتماد الذي يطلب المستورِد فتحه لصالح المصدِّر عادةً ثقةً منه بالمستورد، وتعويلاً على وعده الشخصي بتسليم الثمن عند تسليم مستَندَات البضاعة. وفي هذه الحالة يقدِّم المصدِّر إلى مصرفه المستندات المتّفق عليها بينه وبين المستورد، ويتولّى البنك إرسال هذه المستندات إلى مراسله في بلد المستورد، ويطلب منه تسليم مستندات الشحن

١١٤

إلى المستورد مقابل دفع ثمن البضاعة، وعندما يسدّد المستورد يُخطر البنك المراسل بنكَ المصدِّر بما يفيد تحصيل القيمة وقيدها في الحساب الجاري له.

وهذه خدمة جائزة يقوم بها البنك بقصد تسهيل التبادل التجاري، ومؤدّاها توسّط البنك في إيصال مستندات الشحن إلى المستورد عن طريق مراسله في بلد ذلك المستورد وتسلّم الثمن عن طريق المراسل، ونظراً إلى أنّ الثمن الذي يتسلّمه المراسَل يدخل في الحساب الجاري لبنك المصدِّر لدى البنك المراسَل فهذا يعني أنّ بنك المصدّر يقرض هذا المبلغ ويودعه في حسابه الجاري لدى المراسَل، أي يقرضه للبنك المراسَل ثمّ يقوم بتسديد دَينه للمصدِّر بدفع قيمة الثمن إليه نقداً، أو إن شاءَ اكتفى بتقييده في حسابه الجاري باعتباره دَيناً للمصدِّر على البنك ؛ لأنّ كلّ دَينٍ للعميل على البنك يمكن أن ينشئ إيداعاً جديداً في الحساب الجاري.

وللبنك أن يأخذ عمولةً من المصدِّر لقاءَ قيامه بخدمة التوسّط في إيصال المستندات وتسلّم الثمن عن طريق مراسَله في الخارج، كما أنّ له أن يقيّد على المصدِّر ما تحمّله من نفقات، كأجرة البريد ونحوها ممّا يتطلّبه من التوسّط المذكور ؛ لأنّ هذا التوسط تمّ بأمر المصدِّر فيتحمّل ضمان ما أنفق لأجله.

كما أنّ البنك الذي يقوم بالتحصيل يتحمّل عادةً فائدةً من قبل البنك في بلد المصدِّر خلال الفترة من شحن البضاعة حتى تسليمها للمستورد، وهو يقوم بتحميلها بدوره على المستورد، وهذا جائز أيضاً ؛ لأنّ الفائدة التي يحمِلها بنك المصدِّر على البنك الذي يقوم بتحصيل الثمن، مهما كانت أسبابها غيرُ مشروعة، إنّما تفرض على البنك المحصّل لقيامه بالوساطة بين المصدّر والمستورد، فبإمكان البنك المحصّل أن يمتنع عن القيام بالتحصيل ما لم يلتزم المستورد بتحمّل تلك الفائدة ويتعهّد بتدارك ما تكبّده من خسارة.

١١٥

عمليات التحويل الداخلي:

إذا اتّفق أنّ شخصاً في بلدٍ أصبح مَديناً لشخصٍ في بلدٍ آخر فبإمكانه بدلاً عن إرسال شيكٍ إليه بالبريد مثلاً أن يستعمل طريقة الحوالة المصرفية، وهي عبارة عن أمرٍ كتابيٍّ يصدِّره العميل المَدين إلى البنك لدفع مبلغٍ من النقود إلى شخصٍ آخر في جهةٍ أخرى، فيتولّى البنك المأمور الاتّصال بفرعه أو مراسله في الجهة المحدّدة لتنفيذ أمر عمليه، ويتّصل الفرع أو البنك المحوَّل إليه حينئذٍ بالمستفيد طالباً منه الحضور إلى البنك لتسلّم قيمة الحوالة، أو يقوم البنك بنفسه بتقييد المبلغ في الحساب الجاري للمستفيد إذا كان هذا الحساب موجوداً وإرسال إشعارٍ بذلك إلى المستفيد.

ويمكن تكييف هذا التحويل من الناحية الفقهية على عدّة أوجه:

فأولاً: يمكن أن نفسِّر العملية بأنّها محاولة من العميل المحوِّل لاستيفاء دَينه الذي له ذمّة البنك، فبدلاً عن أن يطالبه بدفع قيمة الدَين إليه فوراً يطلب منه تسديد الدَين عن طريق دفع قيمته إلى المحوِّل إليه الدائن للمحوِّل ؛ لكي تبرأ بهذا الدفع ذمّة البنك تجاه المحوِّل وذمّة المحوِّل تجاه المحوَّل إليه.

وثانياً: يمكن أن نفسِّر العملية بأنّها محاولة من البنك المأمور بالتحويل لتسديد الدين الثابت للمحوَّل إليه على المحوِّل ؛ وذلك عن طريق الاتّصال بفرعه أو مراسله وأمره بدفع قيمة ذلك الدين، ونظراً إلى أنّ ذلك وقع بطلبٍ من الآمر بالتحويل المَدين فيصبح هذا الآمر ضامناً للبنك قيمة الدَين الذي سدّده عنه، وتحصل المقاصّة بين دَائنيّة البنك الآمر بالتحويل نتيجةً لتسديد دَينه ودائنيّة الآمر للبنك المتمثّلة في رصيده الدائن.

١١٦

وثالثاً: يمكن أن نفسِّر العملية بأنّها حوالة بالمعنى الفقهي(١) . فالآمر بالتحويل مَدين، والمستفيد من الحوالة دائن، فذاك يحيل هذا على البنك المأمور بالتحويل، فيصبح البنك بموجب هذه الحوالة مَديناً للمستفيد، وهو بدوره قد يحيل المستفيد على بنكٍ آخر مراسلٍ له في البلد الذي يقيم فيه المستفيد، فتتمّ بذلك حوالة ثانية يصبح بموجبها البنك المراسل مَديناً للمستفيد. وقد يكون للبنك الأوّل فرع يمثّله في بلد إقامة المستفيد فيتّصل به ويأمره بالدفع، ولا يكون هذا حوالةً ثانية ؛ لأنّ الفرع ممثّل للبنك المَدين، وليس له ذمّة أخرى ليحال عليها الدَين من جديد.

ورابعاً: يمكن أن نفسِّر العملية بأنّها حوالة بالمعنى الفقهي، ولكنّ المحوِّل ليس هو الآمر بالتحويل كما فرضنا في التفسير السابق، بل البنك المأمور بالتحويل نفسه بوصفه مَديناً للآمر بما له من رصيدٍ دائنٍ في ذلك البنك، فيحيله على مراسله في بلد إقامة المستفيد، فيصبح البنك المراسل هو المدين للآمر بالتحويل، فيقوم الآمر بالتحويل بدوره بإحالة دائنه المقيم في بلد البنك المراسل على ذلك البنك، ويكلِّف البنك الذي يتعامل معه بتبليغه ذلك.

والأكثر انسجاماً مع واقع العملية كما تجري فعلاً هو التفسير الثالث دون التفاسير الثلاثة الأخرى ؛ لأنّ التفسيرين الأوَّلَين لا يجعلان المستفيد من الآمر بالتحويل دائناً بالفعل للبنك المراسل، وإنّما هو مخوَّل في أخذ قيمة دينه منه، فلا يتاح له أن يأمره بترحيل القيمة إلى حسابه دون قبض، خلافاً للتفسير الثالث الذي تتمّ فيه دائنيّة المستفيد بمجرّد قبوله للتحويل.

____________________

(١) راجع الملحق (٦) للتوسّع من الناحية الفقهية في تبرير أخذ العمولة على تحصيل الشيك في هذه الحالة. (المؤلّف قدس‌سره ).

١١٧

كما أنّ التفسير الرابع لا ينطبق على حالة ما إذا كان المراسل للبنك المأمور بالتحويل فرعاً له؛ إذ في هذه الحالة لا معنى لأنْ يحوِّل البنك المأمور دائنه عليه. وعلى أيّ حالٍ فالعملية صحيحة وجائزة شرعاً.

أخذ العمولة على التحويل:

عرفنا سابقاً أنّ البنك يجوز له أن يتقاضى عمولةً على تحصيل قيمة الشيك المسحوب على بنكٍ آخر أو فرعٍ آخر، ولا يجوز أن يتقاضى عمولةً على تحصيل قيمة الشيك المسحوب على الرصيد الدائن للساحب في نفس البنك والفرع الذي يقوم بالتحصيل إلاّ في حالات اشتراطٍ معيّنة. ونريد أن نعرف الآن حكم العمولة على التحويل، فهل يجوز للبنك أن يتقاضى عمولةً من المحوِّل على التحويل ؟

والجواب بالإيجاب مهما كان التخريج الفقهي لعميلة التحويل.

وتفصيل ذلك : أنّ عملية التحويل إذا كانت تعني أنّ البنك يريد أن يسدّد الدَين الذي عليه للآمر بالتحويل عن طريق دفعه إلى دائنه - كما تقدّم في الوجه الأوّل من أوجه التكييف الفقهي للعملية - فهو يأخذ عمولةً لقاءَ تسديده للدَين في مكانٍ آخر غير مكان القرض الذي نشأ بينه وبين الآمر بالتحويل، فالبنك وإن كان مَديناً للآمر بالتحويل، والمَدين وإن كان ملزماً بتسديد دينه دون عوض، ولكنّه غير ملزم بالدفع في أيّ مكانٍ يقترحه الدائن، فإذا أراد الدائن منه أن يسدِّد دَينه في مكانٍ معيّنٍ غير المكان الطبيعي للوفاء كان من حقّ البنك أن يتقاضى عمولةً على ذلك.

وإذا كانت عملية التحويل تعني محاولة البنك المأمور لتسديد دين المستفيد على الآمر - كما مرّ في الوجه الثاني لتكييفها الفقهي - فمن الواضح أنّ هذه الخدمة

١١٨

يؤدّيها البنك لعميله ويتقاضى عليها عمولة، وقيمة هذه الخدمة هي عبارة عن قيمة المبلغ المدفوع وفاءً عن ذمّة الآمر بالتحويل زائداً قيمة دفعه في مكانٍ آخر لم يكن ليتيسّر للآمر بالتحويل الدفع فيه إلاّ بنفقات.

وإذا كانت عملية التحويل تقوم على أساس الحوالة، بأن يُحيل الآمر بالتحويل دائنَه الموجود في بلدٍ آخر على البنك كما مرَّ في الوجه الثالث للتكييف الفقهي، فالآمر بالتحويل:

إمّا أن يكون حسابه مع البنك على المكشوف.

وإمّا أن يكون له رصيد دائن يتمثّل في حسابٍ جارٍ مع البنك.

وإمّا أن يكون قد تقدّم الآن حين أراد التحويل بمبلغٍ من النقود ليسلّمها إلى البنك ويكلّفه بالتحويل.فإن كان حسابه على المكشوف، فالبنك بريء، والحوالة حوالة على بريء.

وإن كان له رصيد دائن سابق، فالبنك مَدين والحوالة على مَدين، وفي كلتا الحالتين يجوز للبنك أن يأخذ عمولةً حتى لو كان مَديناً ؛ لأنّه غير ملزمٍ بقبول الدفع في مكانٍ آخر، والحوالة على المدين لا تعني إلزامه بالدفع في مكانٍ معيّنٍ لم يفرضه عقد القرض الذي نشأت مَدينيّته على أساسه، فيأخذ البنك عمولةً لقاءَ الدفع في مكانٍ معيّن.

وأمّا إذا تقدّم الآمر بالتحويل بالمبلغ فعلاً إلى البنك، فهذا يعني أنّ عقد القرض سوف ينشأ فعلاً، ويصبح البنك بموجبه مديناً والآمر بالتحويل دائناً ؛ لكي يُتاح له توجيه الآمر إلى البنك، وفي هذه الحالة يمكن للبنك أن يشترط في عقد القرض على الآمر بالتحويل أن لا يحيل الآمر دائنه عليه إلاّ بإذنه، أو إلاّ إذا دفع إليه عمولةً معيّنة، وهو شرط سائغ ؛ لأنّه لمصلحة المَدين على الدائن، لا العكس.

١١٩

وأخيراً، إذا كانت عملية التحويل قائمةً على أساس الوجه الرابع في تكييفها، وهو أن البنك المأمور هو المحوّل لعملية الآمر باعتباره دائناً له على بنكٍ مراسلٍ له في بلدٍ آخر، فيجوز للبنك أن يأخذ العمولة وإن كان مديناً ؛ لأنّ المدين غير ملزمٍ بهذا النوع من الوفاء، بل يمكنه تسديد الدَين بدفعه نقداً، فإذا أراد الدائن منه هذا النوع الخاصّ من الوفاء أمكنه الامتناع ما لم تدفع إليه عمولة خاصّة(١) .

التحويل المقترن بدفع مبلغٍ من النقود:

تقدّم أنّ الآمر بالتحويل قد يكون له رصيد سابق لدى البنك المأمور بالتحويل، وقد ينشأ القرض بينهما فعلاً تمهيداً لإنجاز عملية التحويل ؛ بأن يدفع الآمر بالتحويل فعلاً قيمة التحويل نقداً إلى البنك ويأمره بالتحويل، فينشأ عقد القرض في هذه الحالة، وهو جائز كما تقدّم، ويجوز للبنك أن يأخذ عمولةً لقاءَ قبوله بالدفع في مكانٍ آخر، أو بحكم شرطٍ يدرجه في نفس عقد القرض يفرض فيه على الدائن أن لا يوجّه إليه تحويلاً إلاّ بإذنه.

التحويل لأمره:

قد يريد شخص أن يحصل على مبلغٍ من النقود في بلدةٍ أخرى، فيدفع إلى البنك في البلدة الأُولى قيمة المبلغ نقداً، ثمّ يتسلّمه في البلدة الأخرى من أحد فروع البنك أو من بنكٍ آخر مراسل.

____________________

(١) راجع للتوسّع في المناقشة الفقهية الملحق (٧) في آخر الكتاب. (المؤلّف قدس‌سره ).

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وفي رواية سماعة : « وقد تحلّ لصاحب سبعمائة ، وتحرم على صاحب خمسين درهماً » ( قلت )(١) له : كيف هذا؟ فقال : « إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير ، فلو قسّمها بينهم لم تكفه ، فليعف عنها نفسه وليأخذها لعياله ، وأمّا صاحب الخمسين فإنّه تحرم عليه إذا كان وحده وهو محترف يعمل بها وهو يصيب فيها ما يكفيه إن شاء الله »(٢) .

والقول الثاني للشيخ : أنّ الضابط : من يملك نصاباً من الأثمان أو قيمته فاضلاً عن مسكنه وخادمه(٣) ، وبه قال أبو حنيفة(٤) ، لقولهعليه‌السلام لمعاذ : ( أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وتردّ في فقرائهم )(٥) .

وللمنافاة بين جواز أخذها ووجوب دفعها.

والجواب : أنّهعليه‌السلام لم يقصد بيان مصرف الزكاة ، وما قلنا بيان له فكان أولى ، ونمنع التنافي.

وقال أحمد : إذا ملك خمسين درهما لم يجز له أن يأخذ(٦) ، لقولهعليه‌السلام : ( من سأل وله ما يغنيه جاء يوم القيامة وفي وجهه خدوش ) قيل : يا رسول الله ما الغنى؟ قال : ( خمسون درهماً )(٧) .

____________________

(١) في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : قيل.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦١ - ٥٦٢ / ٩ ، التهذيب ٤ : ٤٨ / ١٢٧.

(٣) الخلاف ٢ : ١٤٦ ، المسألة ١٨٣.

(٤) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٤ ، اللباب ١ : ١٥٥ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٥ ، المغني ٢ : ٥٢٣ و ٧ : ٣١٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٣.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٣٠ ، صحيح مسلم ١ : ٥٠ / ١٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٤ - ١٠٥ / ١٥٨٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١ / ٦٢٥ ، سنن النسائي ٥ : ٣ - ٤ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٦ ، بتفاوت يسير في الجميع.

(٦) المغني ٢ : ٥٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٣.

(٧) سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٩ / ١٨٤٠ ، سنن أبي داود ٢ : ١١٦ / ١٦٢٦ ، سنن النسائي ٥ : ٩٧ ، ومسند أحمد ١ : ٤٤١ بتفاوت في الجميع ، وانظر أيضاً : المغني ٢ : ٥٢٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٨٨.

٢٤١

وهو محمول على أنّه إذا كان تحصل به الكفاية على ما فسّره أهل البيتعليهم‌السلام .

وقال الحسن البصري وأبو عبيد : الغني : من يملك أربعين درهماً(١) ؛ لما روى أبو سعيد الخدري ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من سأل وله قيمة اُوقيَّة فقد ألحف(٢) )(٣) والاُوقيَّة : أربعون درهماً(٤) .

ولا دلالة فيه.

وفي رواية عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا تحلّ لمن كانت عنده أربعون درهماً يحول عليها الحول أن يأخذها ، وإن أخذها أخذها حراماً »(٥) .

ولا حجّة فيه أيضاً ؛ لأنّ حولان الحول عليها يدلّ على استغنائه عنها فيحرم عليه أخذها.

مسألة ١٦٤ : لو كان له بضاعة يتّجر بها أو ضيعة يستغلّها‌ ، فإن كفاه الغلّة له ولعياله ، أو الربح لم يجز له أن يأخذ الزكاة ، وإن لم يكفه جاز أن يأخذ من الزكاة ما يتمّ به كفايته ، ولم يكلّف الإِنفاق من البضاعة ولا من ثمن الضيعة ، لما فيه من التضرّر.

ولأنّ سماعة سأله عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم؟ فقال : « نعم إلّا أن تكون داره دار غلّة فيخرج له من غلّتها دراهم تكفيه وعياله ، فإن‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٩ ، الأموال - لأبي عبيد - : ٥٥٠ - ٥٥١.

(٢) ألحف في المسألة : إذا ألحّ فيها ولزمها. النهاية لابن الأثير ٤ : ٢٣٧.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١١٦ - ١١٧ / ١٦٢٨ ، سنن النسائي ٥ : ٩٨ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٨ / ١ ، مسند أحمد ٣ : ٧ و ٩ ، شرح معاني الآثار ٢ : ٢٠ ، وانظر أيضاً : المغني ٢ : ٥٢٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٨٩.

(٤) اُنظر : الصحاح ٦ : ٢٥٢٧.

(٥) التهذيب ٤ : ٥١ / ١٣١.

٢٤٢

لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة ، وإن كانت غلّتها تكفيهم فلا »(١) فقد نصّ على جواز الأخذ مع عدم الاكتفاء بالغلّة مع قطع النظر عن الثمن.

ولا فرق بين الدار والبضاعة والضيعة ؛ إذ المشترك - وهو المالية - هو الضابط دون خصوصيّات الأموال.

فروع :

أ - لو لم يكن محتاجاً حرمت عليه الصدقة وإن لم يملك شيئاً ، وإن كان محتاجاً حلّت له الصدقة وإن ملك نُصباً سواء في ذلك الأثمان وغيرها ، وبه قال مالك والشافعي(٢) ، لأنّ الحاجة هي : الفقر ، وضدّها : الغنى ، فمن كان محتاجاً فهو فقير ، ومن استغنى دخل في عموم النصوص المحرِّمة.

ب - لو ملك من العروض أو الحبوب أو السائمة أو العقار ما لا تحصل به الكفاية لم يكن غنياً وإن ملك نُصباً ، وبه قال الثوري والنخعي وابن المبارك وإسحاق وغيرهم(٣) .

ج - لو كانت له كفاية باكتساب أو صناعة أو مال غير زكوي لم تحلّ له الصدقة ، وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو عبيد وابن المنذر(٤) ، لقولهعليه‌السلام : ( لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب )(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٤٨ - ٤٩ / ١٢٧ و ١٠٧ - ١٠٨ / ٣٠٨ ، الكافي ٣ : ٥٦١ / ٤ ، والفقيه ٢ : ١٧ - ١٨ / ٥٧.

(٢) المغني ٢ : ٥٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٥ ، المجموع ٦ : ١٩٧.

(٣) المغني ٢ : ٥٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٨.

(٤) المغني ٢ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٨ ، المجموع ٦ : ١٩٠ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٥٢.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ١١٨ / ١٦٣٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٩ / ٧ ، سنن النسائي =

٢٤٣

ولأنّه يملك ما يغنيه عن الصدقة فخرج عن الحاجة فلا يتناوله اسم الفقراء.

وقال أبو يوسف : إن دفع الزكاة إليه فهو قبيح ، وأرجو أن يجزئه(١) .

وقال أبو حنيفة ومحمد وزفر : يجوز دفع الزكاة إليه ؛ لأنّه ليس بغني(٢) ؛ لما مرّ من قولهعليه‌السلام : ( أعلمهم أنّ عليهم الصدقة )(٣) .

د - لو ملك نصاباً زكويّاً أو نُصباً تقصر عن مؤونته ومؤونة عياله حلّت له ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) ، لأنّه لم يملك ما يغنيه ، ولا يقدر على كسب ما يكفيه ، فجاز له الأخذ من الزكاة ، كما لو كان ما يملكه من غير الزكوي ، ولأنّ الفقر : الحاجة. وهي متحقّقة فيه.

وقال أصحاب الرأي : ليس له أن يأخذ ؛ لأنّه تجب عليه الزكاة فلا تجب له ؛ للخبر(٥) .

والغنى المانع من الأخذ ليس هو الغنى الموجب للدفع.

ه- لو كان له مال معدٌّ للإِنفاق ولم يكن مكتسباً ولا ذا صناعة اعتبرت الكفاية به حولاً كاملاً له ولعياله ومن يمونه ، لأنّ كلّ واحد منهم مقصود دفع حاجته ، فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد ؛ لأنّه لا يسمّى فقيراً بالعادة.

ويحتمل أن يمنع من الزكاة حتى يخرج ما معه بالإِنفاق.

والحقّ : الأول ؛ لما روي من جواز تناولها لمن ملك ثلاثمائة درهم أو‌

____________________

= ٥ : ٩٩ - ١٠٠ ، سنن البيهقي ٧ : ١٤ ، ومسند أحمد ٤ : ٢٢٤ و ٥ : ٣٦٢ ، وفي الجميع : ( لا حَظّ فيها لغني ).

(١ و ٢ ) المغني ٢ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٨.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ١٦٣.

(٤) المجموع ٦ : ١٩٧ ، المغني ٢ : ٥٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٩.

(٥) الهداية للمرغيناني ١ : ١١٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧٦ ، المجموع ٦ : ١٩٧ ، المغني ٢ : ٥٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٩.

٢٤٤

سبعمائة مع التكسب القاصر(١) ، فمع عدمه أولى.

و - لو جعلنا مناط المنع ملك النصاب وإن قصر عن الكفاية ، فلو كان له عائلة جاز أن يأخذ لعياله حتى يصير لكلّ واحد منهم ما يحرم معه الأخذ ؛ لأنّ الدفع إنّما هو إلى العيال وهذا نائب عنهم في الأخذ.

ز - لو كان للولد المعسر ، أو الزوجة الفقيرة ، أو الأب الفقير والد أو زوج أو ولد موسرون ، وكلٌّ منهم ينفق على من تجب عليه لم يجز دفع الزكاة إليهم ؛ لأنّ الكفاية حصلت لهم بما يصلهم من النفقة الواجبة ، فأشبهوا من له عقار يستغني باُجرته.

وإن لم ينفق أحد منهم وتعذّر ذلك جاز الدفع إليهم ، كما لو تعطّلت منفعة العقار.

مسألة ١٦٥ : ويعطى من ادّعى الفقر إذا لم يعلم كذبه‌ سواء كان قويّاً قادراً على التكسب أو لا ، ويقبل قوله من غير يمين سواء كان شيخاً ضعيفاً أو شاباً ضعيف البُنية أو زمناً أو كان سليماً قويّ البُنية جلداً ، وهو أحد وجهي الشافعية(٢) ؛ لأنّ رجلين أتيا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقسّم الصدقة ، فسألاه شيئاً منها ، فصعَّد بصره فيهما وصوَّبه(٣) ، وقال لهما : ( إن شئتما أعطيتكما ولا حظّ فيها لغني ولا ذي قوة مكتسب )(٤) ودفع إليهما ولم يحلّفهما.

والثاني للشافعي : أنّه يحلف إن كان قويّاً في بُنيته ظاهرة الاكتساب ؛ لأنّ‌

____________________

(١) اُنظر : المعتبر : ٢٧٨ ، والكافي ٣ : ٥٦٠ / ١.

(٢) الاُم ٢ : ٧٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ٢٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٥١ - ١٥٢.

(٣) صوّبه : خفضه. النهاية لابن الأثير ٣ : ٥٧.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١١٨ / ١٦٣٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٩ / ٧ ، سنن النسائي ٥ : ٩٩ - ١٠٠ ، سنن البيهقي ٧ : ١٤ ، مسند أحمد ٤ : ٢٢٤ و ٥ : ٣٦٢ بتفاوت يسير.

٢٤٥

ظاهره يخالف ما قاله(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه مسلم ادّعى ممكناً ولم يظهر ما ينافي دعواه.

ولو عرف له مال وادّعى ذهابه ، قال الشيخ : يكلّف البيّنة ؛ لأنّه ادّعى خلاف الظاهر ، والأصل البقاء(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

والأقرب : أنّه لا يكلّف بيّنة تعويلاً على صحة اخبار المسلم. وكذا البحث في العبد لو ادّعى العتق أو الكتابة.

ولو ادّعى حاجة عياله ، فالوجه القبول من غير يمين ، لأنّه مسلم ادّعى أمراً ممكناً ولم يظهر ما ينافي دعواه.

ويحتمل الإِحلاف ؛ لإِمكان إقامة البيّنة على دعواه. وللشافعي كالوجهين(٤) .

مسألة ١٦٦ : العاملون عليها لهم نصيب من الزكاة‌ وهم السُّعاة في جباية الصدقات عند علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي(٥) ؛ لقوله تعالى( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ) (٦) .

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن قوله تعالى( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ) أكلّ هؤلاء يعطى؟ : « إنّ الإِمام يعطي هؤلاء جميعاً »(٧) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ ، المجموع ٦ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ٢٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٥١ - ١٥٢.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٤٧.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ ، المجموع ٦ : ١٩٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٢.

(٤) المجموع ٦ : ١٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٢.

(٥) الاُم ٢ : ٧١ - ٧٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ ، المجموع ٦ : ١٨٨ ، الوجيز ١ : ٢٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٩ ، تفسير الرازي ١٦ : ١١٠.

(٦) التوبة : ٦٠.

(٧) الكافي ٣ : ٤٩٦ / ١ ، التهذيب ٤ : ٤٩ / ١٢٨ ، الفقيه ٢ : ٢ - ٣ / ٤.

٢٤٦

وقال أبو حنيفة : يعطي عوضاً واُجرة لا زكاةً ، لأنّه لا يعطي إلّا مع العمل ، ولو فرّقها الإِمام أو المالك لم يكن له شي‌ء ، والزكاة تدفع استحقاقاً لا عوضاً ، ولأنّه يأخذها مع الغنى والصدقة لا تحلّ لغني(١) .

ولا يلزم من توقّف الإِعطاء على العمل سقوط الاستحقاق ، والمدفوع ليس عوضاً ، بل استحقاقاً مشروطاً بالعمل.

ونمنع عدم الدفع إلى الغني مطلقاً ؛ لأنّ العامل لا يأخذ باعتبار الفقر ، وابن السبيل يأخذ وإن كان غنيّاً في بلده فكذا هنا.

مسألة ١٦٧ : يجب على الإِمام أن يبعث ساعياً في كلّ عام لتحصيل الصدقات من أربابها‌ ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبعثهم في كلّ عام ؛ فيجب اتّباعه ، ولأنّ تحصيل الزكاة غالباً إنّما يتمّ به ، وتحصيل الزكاة واجب فيجب ما لا يتمّ إلّا به.

إذا ثبت هذا فينبغي للإِمام أن يوصيه كما وصّى أمير المؤمنينعليه‌السلام عامله.

قال الصادقعليه‌السلام : « بعث أمير المؤمنينعليه‌السلام مصدّقاً من الكوفة إلى باديتها ، فقال له : يا عبد الله انطلق وعليك بتقوى الله وحده لا شريك له ، ولا تؤثرنّ دنياك على آخرتك ، وكن حافظاً لما ائتمنتك عليه راعياً لحقّ الله فيه حتى تأتي نادي بني فلان ، فإذا قدمت فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم ، ثم امض إليهم بسكينة ووقار حتى تقوم بينهم فسلِّم عليهم ، وقُل : يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لآخذ منكم حق الله في أموالكم ، فهل لله في أموالكم حقّ فتؤدّوه إلى وليّه؟ فإن قال لك قائل : لا ، فلا تراجعه ، فإن أنعم لك منعم منهم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلّا خيراً.

فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلّا بإذنه ، فإنّ أكثره له ، فقُل له : يا عبد الله‌

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٤٤ ، تحفة الفقهاء ١ : ٢٩٩.

٢٤٧

أتأذن لي في دخول مالك؟ فإن أذن لك فلا تدخل دخول متسلّط عليه ولا عنف به ، فاصدع المال صَدْعين ، ثم خيِّره أيّ الصدعين شاء ، فأيّهما اختار فلا تعرّض له ، ثم اصدع الباقي صدعين ، ثم خيّره فأيّهما اختار فلا تعرّض له فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحقّ الله عزّ وجلّ في ماله ، فإذا بقي ذلك فاقبض حقّ الله منه ، فإن استقالك فأقله ، ثم اخلطهما واصنع مثل الذي صنعت أوّلاً حتى تأخذ حقّ الله في ماله ، فاذا قبضته فلا توكل به إلّا ناصحاً شفيقاً أميناً حفيظاً غير معنف بشي‌ء منها ، ثم احدر ما اجتمع عندك من كلّ ناد إلينا نصيّره حيث أمر الله عزّ وجل.

فإذا انحدر بها رسولك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة وبين فصيلها ، ولا يفرّق بينهما ، ولا يصرّنّ(١) لبنها فيضرّ ذلك بفصيلها ، ولا يجهد بها ركوباً ، وليعدل بينهن في ذلك ، وليوردهن كلّ ماء يمرّ به ، ولا يعدل بهن عن نبت الأرض إلى جوادِّ الطرق في الساعة التي فيها تريح(٢) وتغبق(٣) وليرفق بهنّ جهده حتى تأتينا بإذن الله سحاحاً(٤) سماناً غير متعبات ولا مجهدات ، فنقسمهنّ بإذن الله على كتاب الله وسُنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أولياء الله فإنّ ذلك أعظم لأجرك وأقرب لرشدك ، ينظر الله إليها وإليك وإلى جهدك ونصيحتك لمن بعثك وبعثت في حاجته ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما ينظر الله عزّ وجلّ إلى وليّ له يجهد نفسه بالطاعة والنصيحة لإِمامه إلّا كان معنا في الرفيق الأعلى ».

____________________

(١) الصرار - وزان كتاب - خرقة تشدّ على أطباء الناقة لئلّا يرتضعها فصيلها. وأطباء جمع طبي.

وهي لذات الخف والظلف كالثدي للمرأة. المصباح المنير : ٣٣٨ و ٣٦٩.

(٢) الإِراحة : ردّ الإِبل والغنم من العشي الى مُراحها حيث تأوي اليه ليلاً. لسان العرب ٢ : ٤٦٤ « روح ».

(٣) الغبوق : الشرب بالعشي. الصحاح ٤ : ١٥٣٥ « غبق ».

(٤) سحت الشاة : اسمنت. وغنم سحاح : أي سمان. الصحاح ١ : ٣٧٣ « سحح ».

٢٤٨

ثم بكى الصادقعليه‌السلام ، وقال لبريد بن معاوية : « يا بريد والله ما بقيت لله حرمة إلّا انتهكت، ولا عمل بكتاب الله ولا سنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا العالم ، ولا اُقيم في هذا الخلق حدّ منذ قبض الله أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولا عمل بشي‌ء من الحقّ إلى يوم الناس هذا ».

ثم قال : « أما والله لا تذهب الأيام والليالي حتى يحيي الله الموتى ، ويميت الأحياء ، ويردّ الحق إلى أهله ، ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه ونبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأبشروا ثم أبشروا ، والله ما الحقّ إلّا في أيديكم »(١) .

مسألة ١٦٨ : إذا تولّى الرجل إخراج الزكاة بنفسه سقط حق العامل منها‌ ؛ لأنّه إنّما يأخذ بالعمل.

وكذا لو تولّى الإِمام أو الوالي من قبله قسمتها لم يستحق شيئاً ، لأنّه يأخذ رزقه من بيت المال ؛ لأنّه يتولّى اُمور المسلمين ، وهذا من جملة المصالح.

أمّا الساعي فإن رأى الإِمام أن يجعل له اُجرةً من بيت المال لم يستحق شيئاً من الصدقة ، وإن لم يجعل له شيئاً كان له نصيب من الزكاة.

ويتخيّر الإِمام بين أن يستأجره لمدّة معلومة باُجرة معلومة ، أو يعقد له جعالة ، فإذا عمل ما شرط عليه ، فإن كان أجر مثله أقلّ كان الفاضل من الثمن من الصدقة مردوداً على أهل السُّهمان ، وإن كان السهم أقلّ من اُجرته جاز للإِمام أن يعطيه الباقي من بيت المال ؛ لأنّه من المصالح ، وهو أحد قولي الشافعي(٢) .

ويجوز أن يعطيه من باقي الصدقة ويقسّم الفاضل عن اُجرته بين باقي المستحقين ؛ لأنّ الفاضل لمـّا ردّ عليهم كان الناقص عليهم ، وهو القول الثاني للشافعي(٣) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٦ - ٥٣٨ / ١ ، التهذيب ٤ : ٩٦ - ٩٧ / ٢٧٤.

(٢ و ٣ ) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ ، المجموع ٦ : ١٨٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٩.

٢٤٩

وله ثالث : تخيير الإِمام بينهما(١) كما قلناه.

وله رابع : أنّه يأخذ من سهم المصالح إذا لم يفضل عن أهل السُّهمان فضل ، وإن فضل أخذ من الصدقة(٢) .

والوجه : أنّه لا يشترط تقدير الاُجرة أو السهم ؛ لأنّ له نصيباً بفرضه تعالى ، فلا يشترط في استعماله غيره.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله الحلبي ما يعطى المصدّق؟ قال : « ما يرى الإِمام ، ولا يقدَّر له شي‌ء »(٣) .

مسألة ١٦٩ : والمؤلَّفة قلوبهم لهم نصيب من الزكاة‌ بالنص والإِجماع ، وهم الذين يستمالون إلى الجهاد بالإِسهام وإن كانوا كفّاراً ، وحكمهم باقٍ عند علمائنا - وبه قال الحسن البصري والزهري وأحمد ، ونقله الجمهور عن الباقرعليه‌السلام (٤) - للآية(٥) ، فإنّه تعالى سمّى المؤلَّفة في الأصناف الذين سمّى الصدقة لهم.

وروى زياد بن الحارث الصدائي ، قال : أتيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبايعته ، قال : فأتاه رجل فقال : أعطني من الصدقة ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّ الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزَّأها ثمانية أجزاء ، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك )(٦) .

ومن طريق الخاصة : رواية سماعة ، قال : سألته عن الزكاة لمن يصلح‌

____________________

(١ و٢ ) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ ، المجموع ٦ : ١٨٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٩.

(٣) الكافي ٣ : ٥٦٣ / ١٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٨ / ٣١١.

(٤) المغني ٢ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٣.

(٥) التوبة : ٦٠.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ١١٧ / ١٦٣٠ ، سنن البيهقي ٤ : ١٧٤ و ٧ : ٦.

٢٥٠

أن يأخذها؟ قال : هي محلَّلة للّذين وصف الله في كتابه( لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) (١) الحديث(٢) .

وقال الشعبي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي : انقطع سهم المؤلّفة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّ الله تعالى أعزّ الإِسلام ، وأغناه عن أن يتألّف عليه رجال فلا يعطى مشرك تألّفاً بحال. وروي هذا عن عمر(٣) .

وهو مدفوع بالآية(٤) ، وبعمل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن مات ، ولا يجوز ترك الكتاب والسنّة إلّا بنسخ ، والنسخ لا يثبت بعد موتهعليه‌السلام ، فلا يجوز ترك الكتاب والسنّة بمجرّد الآراء والتحكّم ، ولا بقول صحابي.

على أنّهم لا يعملون بقول الصحابي إذا عارض القياس فكيف إذا عارض الكتاب والسنّة!

قال الزهري : لا أعلم شيئاً نسخ حكم المؤلَّفة(٥) .

على أنّ ما ذكروه لا يعارض حكم الكتاب والسنّة ، فإنّ الاستغناء عنهم لا يوجب رفع حكمهم ، وإنّما يمنع عطيّتهم حال الغنى عنهم ، فإذا دعت الحاجة إلى إعطائهم اُعطوا ، كما أنّ باقي الأصناف إذا عدم منهم صنف في زمان سقط حكمه في ذلك الزمان ، فإذا وجد عاد حكمه.

قال الشيخ : يجوز للإِمام القائم مقام النبيعليه‌السلام أن يتألّف‌

____________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦٠ / ٩ ، التهذيب ٤ : ٤٨ / ١٢٧.

(٣) الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٤ ، التفريع ١ : ٢٩٨ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٥٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٥ ، المغني ٢ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤٥.

(٤) التوبة : ٦٠.

(٥) المغني ٢ : ٥٢٦.

٢٥١

الكفّار ، ويعطيهم سهمهم الذي سمّاه الله تعالى ، ولا يجوز لغير الإِمام القائم مقامهعليه‌السلام ذلك ، وسهم المؤلَّفة مع سهم العامل ساقط اليوم(١) .

مسألة ١٧٠ : قال الشيخ : المؤلَّفة عندنا هم : الكفّار الذين يستمالون بشي‌ء من الصدقات إلى الإِسلام‌ يتألَّفون ليستعان بهم على قتال المشركين ، ولا يعرف أصحابنا مؤلَّفة أهل الإِسلام(٢) .

وقال المفيدرحمه‌الله : المؤلَّفة ضربان : مسلمون ومشركون(٣) ، وبه قال الشافعي(٤) .

وهو الأقوى عندي ، لوجود المقتضي وهو المصلحة الناشئة من الاجتماع والكثرة على القتال.

وقسَّم الشافعي المؤلَّفة قسمين : مشركون ومسلمون(٥) ، فالمشركون ضربان : أحدهما : من له نيّة حسنة في الإِسلام والمسلمين فيعطى من غير الصدقة ، بل من سهم المصالح لتقوى نيّتهم في الإِسلام فيميلون إليه فيسلمون.

لما روي أنّ صفوان بن اُميّة لَمـّا أعطاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم فتح مكة خرج معه إلى هوازن ، واستعار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله منه ثلاثين درعاً ، وكانت أوّل الحرب على المسلمين ، فقال قائل : غلبت هوازن وقُتل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال صفوان : بفيك الحجر ، لَربٌّ من قريش أحب إلينا‌

____________________

(١ و ٢ ) المبسوط للطوسي ١ : ٢٤٩.

(٣) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٧٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ١٩٨ ، الوجيز ١ : ٢٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٤.

(٥) رفعهما بناءً على تقدير مبتدأ محذوف.

٢٥٢

من ربّ من هوازن(١) .

ولَمـّا أعطى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله العطايا ، قال صفوان : ما لي ؛ فأومأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى وادٍ فيه إبل محمَّلة ، فقال : ( هذا لك ) فقال صفوان : هذا عطاء من لا يخشى الفقر(٢) .

الثاني : مشركون لم يظهر منهم ميل إلى الإِسلام ، ولا نيّة حسنة في المسلمين لكن يخاف منهم ، فإن أعطاهم كفّوا شرّهم وكفّ غيرهم معهم.

روى ابن عباس أنّ قوماً كانوا يأتون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن أعطاهم مدحوا الإِسلام وقالوا : هذا دين حسن ، وإن منعهم ذمّوا وعابوا(٣) .

فهذان الضربان هل يعطون بعد موت النبيعليه‌السلام ؟ قولان :

أحدهما : يعطون ، لأنّهعليه‌السلام أعطاهم ، ومعنى العطاء موجود.

والثاني : لا يعطون ؛ لأنّ مشركاً جاء إلى عمر يلتمس المال فلم يعطه ، وقال : من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر(٤) ، ولأنّه تعالى أظهر الإِسلام وقمع المشركين ، فلا حاجة بنا إلى ذلك.

فإن قلنا : يعطون ، فإنّهم يعطون من سهم المصالح لا من الزكاة ؛ لأنّها لا تصرف إلى المشركين.

وهو ممنوع ؛ للآية(٥) .

وأما المؤلَّفة من المسلمين فعلى أربعة أضرب :

ضرب أشراف مطاعون ، علم صدقهم في الإِسلام ، وحسن نيّتهم فيه ، إلّا أنّ لهم نظراء من المشركين إذا اُعطوا رغب نظراؤهم في الإِسلام‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ١٨ - ١٩ نحوه.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٧ : ٣٢٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٩٣.

(٣) عنه في الدرّ المنثور - للسيوطي - ٣ : ٢٥١ ، والمغني ٧ : ٣٢٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٩٣.

(٤) ذكره ابنا قدامة في المغني ٧ : ٣١٩ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٩٣.

(٥) التوبة : ٦٠. وقوله : ( وهو ممنوع ) جواب من المصنف عن الشافعي.

٢٥٣

فهؤلاء يعطون ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام أعطى عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر(١) مع ثباتهم وحسن نيّتهم.

وضرب أشراف مطاعون في قومهم نيّاتهم ضعيفة في الإِسلام إذا اُعطوا رجي حسن نيّاتهم وثباتهم فإنّهم يعطون ؛ لأنّهعليه‌السلام أعطى أبا سفيان بن حرب مائة من الإِبل ، وأعطى صفوان بن اُمية مائة ، وأعطى الأقرع بن حابس مائة ، وأعطى عُيَيْنَة مائة ، وأعطى العباس بن مرداس أقلّ من مائة ، فاستعتب فتمّم المائة(٢) .

وهل يعطون بعد النبيعليه‌السلام ؟ قولان :

أحدهما : المنع - وبه قال أبو حنيفة(٣) - لظهور الإِسلام ، ولأنّ أحداً من الخلفاء لم يعط شيئاً من ذلك.

والثاني : يعطون ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام أعطى ، وأعطى أبو بكر عدي ابن حاتم - وقد قدم عليه بثلاثمائة جمل من إبل الصدقة - ثلاثين بعيراً(٤) .

وحينئذٍ هل يعطون من الصدقات من سهم المؤلَّفة ، للآية ، أو من سهم المصالح ، لأنّه منها؟ قولان.

الضرب الثالث : قوم من المسلمين أعراب أو عجم في طرف من أطراف المسلمين لهم قوة وطاقة بمن يليهم من المشركين ، فإذا جهّز الإمام إليهم جيشا لزمه مؤونة ثقيلة ، وإذا أعطى من يقربهم من أصحاب القوّة والطاقة أعانوهم ودفعوا المشركين.

____________________

(١) نقله أبو إسحاق الشيرازي في المهذب ١ : ١٧٩.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٣٧ / ١٠٦٠ ، سنن البيهقي ٧ : ١٧ ، أسد الغابة ٣ : ١١٢ - ١١٣.

(٣) المبسوط للسرخسي ٣ : ٩ ، اللباب ١ : ١٥٣ ، الميزان للشعراني ٢ : ١٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٥.

(٤) سنن البيهقي ٧ : ١٩ - ٢٠ ، وذكره أيضاً ابنا قدامة في المغني ٧ : ٣٢٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٩٣.

٢٥٤

والضرب الرابع : مسلمون من الأعراب أو غيرهم في طرف من أطراف الإِسلام بإزائهم قوم من أهل الصدقات لا يؤدّون الزكاة إلّا خوفاً من هؤلاء الأعراب ، فإن أعطاهم الإِمام جبوها وحملوها إليه ، وإن لم يعطهم لم يفعلوا ذلك ، واحتاج الإِمام إلى مؤونة ثقيلة في إنفاذ من يحصّلها ، فإنّه يعطيهم.

ومن أين يعطيهم؟ أربعة أقوال :

الأول : من سهم المؤلّفة من الصدقة ؛ لأنّهم يتألّفون على ذلك.

الثاني : من سهم الغزاة ؛ لأنّهم غزاة أو في معناهم.

الثالث : من سهم المصالح ؛ لأنّ هذا في مصالح المسلمين.

الرابع : من سهم المؤلّفة ، وسهم الغزاة من الصدقة.

واختلف أصحابه في هذا القول ، فقال بعضهم : إنّما أعطاهم من السهمين بناءً على جواز أخذ من اجتمع فيه سببان بهما ، وعلى المنع لا يعطون منهما.

وقال آخرون : يعطون من السهمين ، لأنّ معناهما واحد وهو أنّه يعطى منهما ، لحاجتنا إليهم وهم المؤلَّفة والغزاة ، بخلاف أن يكون فقيراً وغازياً ؛ لاختلاف السببين.

وقال آخرون : إنّه اراد أنّ بعضهم يعطى من سهم الغزاة وهم الذين يغزون منهم ، وبعضهم من سهم المؤلَّفة وهُم الذين اُلّفوا على استيفاء الزكاة(١) .

قال الشيخ : وهذا التفصيل لم يذكره أصحابنا ، غير أنّه لا يمتنع أن نقول : إنّ للإِمام أن يتألّف هؤلاء القوم ويعطيهم إن شاء من سهم المؤلَّفة ، وإن شاء من سهم المصالح ؛ لأنّ هذا من فرائض الإِمام ، وفعله حجّة ، وليس يتعلق علينا في ذلك حكم اليوم ، وفرضنا تجويز ذلك والشك فيه وعدم القطع‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ١٩٨ - ١٩٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٤ - ١٥٦.

٢٥٥

بأحد الأمرين(١) .

مسألة ١٧١ : والرقاب من جملة الأصناف المعدودة في القرآن‌ ، وأجمع المسلمون عليه ، واختلفوا في المراد.

فالمشهور عند علمائنا : أنّ المراد به صنفان : المكاتبون يعطون من الصدقة ؛ ليدفعوه في كتابتهم. والعبيد تحت الشدّة يشترون ويعتقون ؛ لقوله تعالى( وَفِي الرِّقابِ ) (٢) وهو شامل لهما ، فإنّ المراد إزالة رقّيته.

وشرطنا في الثاني الضُرّ والشدّة ؛ لما روي عن الصادقعليه‌السلام في الرجل يجتمع عنده الزكاة يشتري بها نسمة ويعتقها ، فقال : « إذن يظلم قوماً آخرين حقوقهم - ثم قال - إلّا أن يكون عبداً مسلماً في ضرورة فيشتريه ويعتقه »(٣) .

والجمهور رووا المكاتبين عن عليعليه‌السلام (٤) ، والعبد يشترى ابتداءً عن ابن عباس(٥) .

وروى علماؤنا ثالثاً وهو : أنّ من وجب عليه كفّارة في عتق في ظهار وشبهه ولم يجد ما يعتق جاز أن يعطى من الزكاة ما يشتري به رقبة ويعتقها في كفارته.

لرواية علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره عن العالمعليه‌السلام : «( وَفِي الرِّقابِ ) قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ أو الظهار أو الأيمان وليس عندهم ما يكفِّرون جعل الله لهم سهماً في الصدقات ليكفِّر عنهم »(٦) .

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٠.

(٢) التوبة ٦٠ :.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٧ / ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠٠ / ٢٨٢.

(٤) المجموع ٦ : ٢٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٨ ، أحكام القرآن لابن العربي ٢ : ٩٦٧.

(٥) المغني ٧ : ٣٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٥ ، المجموع ٦ : ٢٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٨ ، والدرّ المنثور للسيوطي ٣ : ٢٥٢.

(٦) التهذيب ٤ : ٤٩ - ٥٠ / ١٢٩ ، وتفسير القمي ١ : ٢٩٩.

٢٥٦

قال الشيخ : والأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيراً فيشتري هو ويعتق عن نفسه(١) . وهو جيد.

ولو لم يوجد مستحق جاز شراء العبد من الزكاة وعتقه وإن لم يكن في ضُرّ وشدّة ، وعليه فقهاؤنا.

لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن رجل أخرج زكاة ماله فلم يجد لها موضعاً يدفعها إليه فنظر مملوكاً يباع فاشتراه بها فأعتقه فهل يجوز ذلك؟

قال : « نعم »(٢) .

وقال الشافعي : المراد بقوله تعالى :( وَفِي الرِّقابِ ) المكاتبون خاصة يعطيهم من الصدقة ليدفعوه في كتابتهم(٣) - ورووه عن عليعليه‌السلام ، وهو مذهب سعيد بن جبير والنخعي والليث بن سعد والثوري وأصحاب الرأي - لأنّ مقتضى الآية الدفع إليهم بدليل قوله( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) يريد الدفع إلى المجاهدين ، فكذا هنا(٤) .

وهو لا يمنع ما قلناه.

وقال مالك : المراد به أن يشتري العبيد من الصدقة ويبتدئ عتقهم - ورووه عن ابن عباس والحسن البصري ، وبه قال أحمد وإسحاق ، ولم يشرطوا الشدة - لقوله تعالى( وَفِي الرِّقابِ ) والرقبة إذا اُطلقت انصرفت إلى القنّ كقوله تعالى( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) (٥) (٦) .

ونمنع الحصر.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٧ / ٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٠ / ٢٨١.

(٣) في النُسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : ( كتابته ) وما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

(٤) الاُم ٢ : ٧٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ٢٠٠ - ٢٠١ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٨ ، المغني ٧ : ٣٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٩.

(٥) النساء : ٩٢.

(٦) الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٤ ، أحكام القرآن لابن العربي ٢ : ٩٦٧ ، تفسير القرطبي =

٢٥٧

وأجاب الشافعيّة : بأنّ الزكاة يعود نفعها حينئذٍ إلى المعطي ويثبت له الولاء.

ونمنع اختصاص النفع بالمعطي وثبوت الولاء للمعتق على ما يأتي.

مسألة ١٧٢ : والغارمون لهم سهم من الصدقات‌ بالنص والإِجماع ، وهُم : المدينون في غير معصية ، ولا خلاف في صرف الصدقة إلى من هذا سبيله.

ولو استدان للمعصية لم يقض عند علمائنا أجمع - وبه قال أبو علي بن أبي هريرة من الشافعية(١) - لأنّه دين استدانه للمعصية فلا يدفع إليه ، كما لو لم يثبت ، ولما فيه من الإِغراء بالمعصية ؛ إذ الفاسق إذا عرف أنّه يقضى عنه ما استدانه في معصية أصرَّ على ذلك ، فيمنع حسماً لمادّة الفساد.

ولقول الرضاعليه‌السلام : « يقضى ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عزّ وجلّ ، وإن كان أنفقه في معصية الله فلا شي‌ء له على الإِمام »(٢) .

وقال أبو إسحاق من الشافعية : يدفع إليه(٣) ؛ لأنّه لو كان قد أتلف ماله في المعاصي وافتقر دفع إليه من سهم الفقراء ، وكذلك إذا خرج في سفر معصية ، ثم أراد أن يرجع دفع إليه من سهم ابن السبيل.

والفرق : أنّ مُتلف ماله يعطى للحاجة في الحال ، وهنا يراعى الاستدانة في الدين وكان للمعصية ، فافترقا.

____________________

= ٨ : ١٨٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٨ ، المغني ٧ : ٣٢١ و ٣٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٤ و ٦٩٥.

(١) قال النووي في المجموع ٦ : ٢٠٨ : فإن تاب فهل يعطى؟ أصحّهما : لا يعطى ، وبه قال أبو علي بن أبي هريرة.

(٢) تفسير العياشي ١ : ١٥٥ / ٥٢٠.

(٣) المجموع ٦ : ٢٠٨ ، وفيه بعد عنوان التوبة.

٢٥٨

فروع :

أ - لو لم يعلم فيما ذا أنفقه ، قال الشيخ : يمنع(١) ، لأنّ رجلاً من أهل الجزيرة يكنّى أبا محمد سأل الرضاعليه‌السلام ، قلت : فهو لا يعلم فيما ذا أنفقه في طاعة أو معصية؟ قال : « يسعى في ماله فيردّه عليه وهو صاغر »(٢) .

ولأنّ الشرط - وهو الإِنفاق في الطاعة - غير معلوم.

وقال أكثر علمائنا : يعطى ؛ بناءً على أنّ ظاهر تصرفات المسلم إنّما هو على الوجه المشروع دون المحرَّم. ولأنّ تتبّع مصارف الأموال عسر فلا يقف دفع الزكاة على اعتباره. وفي سند الرواية ضعف(٣) .

ب - لو أنفقه في معصية وتاب احتمل جواز الدفع وعدمه.

وقال الشيخ : يدفع إليه من سهم الفقراء إن كان منهم لا من سهم الغارمين(٤) . وهو حسن.

ج - لو كان المدفوع كلّ الدين جاز للإِمام أن يدفعه إلى الغرماء ؛ لأنّه قد استحقّ عليه الدفع فناب عنه ، ولو كان لا يفي وأراد أن يتّجر به دفع إليه ؛ لما فيه من المصلحة.

مسألة ١٧٣ : الغارمون صنفان : أحدهما : من استدان في مصلحته ونفقته في غير معصية ، وعجز عن أدائه ، وكان فقيراً ، فإنّه يأخذ من سهم الغارمين إجماعاً ليؤدّي ذلك.

وإن كان غنيّاً لم يجز أن يعطى عندنا ، وهو أحد قولي الشافعي ، و(٥) لأنّه‌

____________________

(١) النهاية : ٣٠٦ ، وفيه : لم يجب عليه القضاء عنه. وحكى المحقق في المعتبر : ٢٨٠ عنه هكذا : لا يقضى عنه.

(٢) تفسير العياشي ١ : ١٥٥ / ٥٢٠.

(٣) منهم : ابن إدريس في السرائر : ١٦٢ ، والمحقّق في المعتبر : ٢٨٠ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٢٥٤.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥١.

(٥) كذا في جميع النسخ الخطية والطبعة الحجرية ، والظاهر زيادة حرف الواو.

٢٥٩

يأخذ لا لحاجتنا إليه ، فاعتبر فقره كالمكاتب وابن السبيل.

والثاني : يأخذ لعموم الآية(١) (٢) .

الثاني : من تحمّل حمالة لإِطفاء الفتنة ، وسكون ( نائرة )(٣) الحرب بين المتقاتلين وإصلاح ذات البين ، وهو قسمان :

أحدهما : أن يكون قد وقع بين طائفتين فتنة لقتل وجد بينهما فيتحمّل رجل ديته لإِصلاح ذات البين ، فهذا يدفع إليه من الصدقة ليؤدّي ذلك ، لقوله تعالى( وَالْغارِمِينَ ) (٤) .

ولا فرق بين أن يكون غنيّاً أو فقيراً ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا تحلّ الصدقة لغني إلّا لخمس : غازٍ في سبيل الله ، أو عاملٍ عليها ، أو غارم )(٥) .

ولأنّه إنّما يقبل ضمانه وتحمّله إذا كان غنيّاً فيه حاجة إلى ذلك مع الغنى ، فإن أدّى ذلك من ماله لم يكن له أن يأخذ ؛ لأنّه قد سقط عنه الغرم.

وإن كان قد استدان وأدّاها جاز أن يعطى من الصدقة ، ويؤدّي الدين لبقاء الغرم والمطالبة.

الثاني : أن يكون سبب الفتنة إتلاف مال ولا يعلم مَن أتلفه ، وخشي من الفتنة ، فتحمّل ذلك المال حتى سكنت النائرة ، فإنّه يدفع إليه من سهم الغارمين ؛ لصدق اسم الغرم عليه ، وللحاجة إلى إصلاح ذات البين ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

____________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) الْأُم ٢ : ٧٢ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ٢٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٥٠٨.

(٣) في « ن » : ثائرة بدل نائرة.

(٤) التوبة : ٦٠.

(٥) مصنّف عبد الرزاق ٤ : ١٠٩ / ١٧٥١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٩٠ / ١٨٤١ ، سنن أبي داود ٢ : ١١٩ / ١٦٣٥ ، موطّأ مالك ١ : ٢٦٨ / ٢٩ ، ومسند أحمد ٣ : ٥٦.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460