تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء17%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182605 / تحميل: 6069
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) (1) .

5 - قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا أَدْعُواْ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ) (2) .

هذه الآيات المباركة لسانها واحد واستدلالهم بها قريب من الاستدلال بالآية الأولى، حيث إن هذه الآيات القرآنية تنهى عن أن يدعو الإنسان مع اللَّه أحداً، أي لا يعبد مع اللَّه مخلوقاً من المخلوقات، وإذا كان الدعاء روح العبادة وقوامها، فسوف يكون منهيّاً عنه بمقتضى صريح هذه الآيات الكريمة؛ لكونه من الشرك الصريح.

6 - قوله تعالى: ( وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم ) (3) .

7 - قوله تعالى: ( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِى يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ) (4) .

وهذا اللسان من الآيات القرآنية يؤكّد على أن التوجّه إلى الغير بغية الاستنصار به شرك ومغالاة يوجب الخذلان الإلهي.

8 - قوله تعالى: ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ) (5) .

9 - قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ

____________________

(1) الحج: 62.

(2) الجن: 20.

(3) آل عمران: 126.

(4) آل عمران: 160.

(5) يونس: 18.

٢٤١

زُلْفَى ) (1) .

فهاتان الآيتان دلّتا على وجوب نبذ مقالة المشركين الذين جعلوا أصنامهم شركاء في الدعاء والتوسّل والتقرّب والتشفّع والوساطة بينهم وبين اللَّه عزَّ وجل، والإسلام جاء لكسر مثل هذه الأصنام وإبطال عقيدة الصنمية والوثنية والمغالاة والتشفّع والتوسّل بغير اللَّه تعالى، وهو ما ابتُلى به مشركو العرب؛ إذ لم يكن شركهم في ذات اللَّه تعالى أو صفاته، بل كان شركهم شركاً في العبادة والدعاء والاستغاثة والتوسّل.

فيُعلم من هذه الآيات أن التوحيد في العبادة والدعاء والاستغاثة والتوسّل أساس الدين، وهدف الرسالة الإسلامية الخاتمة؛ وذلك لأن صحة الأعمال والنسك العبادية مشروطة بصحّة العقيدة، فمَن يعمل ويعبد وكان في معتقده الدينيّ شي‏ء من الغلو والصنمية للأشخاص يحبط عمله كلّه؛ ويستدلّون لذلك بقوله تعالى: ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (2) ، وقوله تعالى: ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (3) ، فصحّة العقيدة بالتوحيد شرطاً في صحة وقبول الأعمال، ولابدّ حينئذٍ من نبذ كلّ ما يوجب الشرك وبطلان العقيدة، كالتشفّع والتوسّل بغير اللَّه تعالى.

الجواب عن الشبهة الثالثة:

الشبهة الثالثة عبارة عن تمسّكهم ببعض الآيات القرآنية التي زعموا أنها

____________________

(1) الزمر: 3.

(2) الزمر: 65.

(3) الأنعام: 88.

٢٤٢

تنهى عن التوجّه والقصد إلى غير اللَّه عزَّ وجل، منها:

قوله تعالى: ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ) (1) ، فلا يجوز التوسّل والدعاء بغير الأسماء الحسنى التي جاءت في قوله تعالى: ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُواْ فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) (2) .

إذن لابدّ من التوحيد في الدعاء الذي هو مخّ العبادة ولا يجوز القصد والتوجّه في الدعاء إلى غير اللَّه عزَّ وجلَّ وأسمائه الحسنى؛ لأنه شرك وإلحاد بالأسماء الإلهية.

الجواب الأول: حقيقة الأسماء الإلهية مستند للتوسّل

في البدء لابدّ من الإجابة عن التساؤل التالي:

ما هو المراد من الأسماء الإلهية الواردة في الآيات المباركة؟

الاسم في اللغة عبارة عن السّمة والعلامة.

قال ابن منظور: (واسم الشي‏ء علامته).

(قال أبو العبَّاس: الاسم وسمة توضع على الشي‏ء يُعرف به، قال ابن سيده: والاسم اللفظ الموضوع على الجوهر أو العرض لتفصل به بعضه عن بعض، كقولك مبتدئاً: اسم هذا كذا).

(قال أبو إسحاق: إنما جعل الاسم تنويهاً بالدلالة على المعنى) (3) .

____________________

(1) الأعراف: 180.

(2) الإسراء: 110.

(3) لسان العرب، ج14، ص 403 - 401.

٢٤٣

إذن اسم الشي‏ء سمته وعلامته وصفته الدالّة عليه.

والأسماء والصفات تنقسم إلى ذاتية وفعلية، فللّه تعالى أسماء وصفات ذاتية هي عين ذاته غير زائدة عليها، وله عزَّ وجلَّ أسماء وصفات فعلية هي عين فعله. فالقدرة والعلم والحياة صفات ذاتية يُشتقّ منها القادر والعالم والحيّ، وهي أسماء ذاتية غير زائدة على الذات الإلهية المقدّسة، والخَلق والرِّزق والتدبير والربوبية والحُكم والعَدل وغيرها صفات فعلية يشتقّ منها أسماء فعلية، هي الخالق والرازق والمدبّر والربّ والحَكَم والعدَْل، ولا ريب أن الأسماء الفعلية غير الذات وليست عينها، بل مخلوقة لها مشتقّة من أفعاله عزَّ وجل.

ولا ريب أيضاً أن جملة وافرة من الأسماء الإلهية هي أسماء فعلية مشتقّة من أفعاله ومخلوقاته تعالى.

والمخلوق يكون اسماً للَّه عزَّ وجلَّ بملاحظة صدوره من خالقه وأنه فقير له متقوّم به ليس له من نفسه شي‏ء، دالّ بسبب افتقاره بما فيه من كمال على كمال خالقه وباريه، فهو سمة وعلامة على صانعه، وما فيه من عظمة وحكمة دالّة على عظمة وحكمة الخالق؛ إذ ليس له من ذاته إلّا الفقر والاحتياج.

الجواب الثاني: الكلمة والآية

إن الكلمة والآية مع الاسم متقاربة المعنى متّحدة المضمون، فهي وإن لم تكن ألفاظاً مترادفة، إلّا أن مضمونها والمراد منها في اللغة وفي القرآن الكريم واحد؛ وهو الدلالة على الشي‏ء والعلامّية والمرآتية له.

٢٤٤

ففي لسان العرب:

(الآية العلامة) (وأيّا آية: وضع علامة).

وفيه أيضاً: (وقال ابن حمزة: الآية في القرآن كأنها العلامة التي يفضى منها إلى غيرها كأعلام الطريق المنصوبة للهداية) (1) .

كذلك قال في اللسان:

(كلمات اللَّه أي كلامه وهو صفته وصفاته) (2) .

أضف إلى ذلك أن الكلمة في حقيقتها دالّة على مراد المتكلم وكاشفة عنه.

إذن الأسماء والآيات والكلمات في شطر وافر منها عبارة عن مخلوقات دالّة بوجودها على وجود صانعها، ودالّة بعظمتها واتقانها وهادفيتها على عظمة وقدرة وحكمة الباري عزَّ وجل، ومن ثمّ يكون كلّ مخلوق اسماً من أسماء اللَّه تعالى وآية من آياته وكلمة من كلماته، ولكن الأسماء والآيات والكلمات على درجات في الصغر والكبر، فكلّما كان الاسم أعظم والآية أكبر لِمَا أعطيت من المقامات والكرامات الإلهية، كلّما كانت آييَّة ذلك المخلوق واسميَّته أعظم، لا سيما المخلوق الأول وهو نور النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام .

وقد ورد هذا الاستعمال في القرآن الكريم في موارد كثيرة جدّاً، منها:

1 - قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ) (3) .

2 - قوله تعالى: ( وَالتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا

____________________

(1) لسان العرب، ج4، ص 61 - 62.

(2) لسان العرب، ج12، ص522.

(3) المؤمنون: 50.

٢٤٥

آيَةً لِلْعَالَمِينَ ) (1) .

3 - قوله تعالى: ( إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجيِهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) (2) .

4 - قوله تعالى: ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) (3) .

5 - قوله تعالى: ( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الِْمحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) (4) .

فقد أطلق في هذه الآيات المباركة على مريم عليها‌السلام أنها آية، وعلى عيسى عليه‌السلام أنه كلمة اللَّه وآيته للعالمين.

6 - قوله تعالى: ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلآءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (5) .

7 - قوله تعالى: ( فَتَلَقَّى ءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (6) .

8 - قوله تعالى: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ

____________________

(1) الأنبياء: 91.

(2) آل عمران: 45.

(3) النساء: 171.

(4) آل عمران: 38 - 39.

(5) البقرة: 31.

(6) البقرة: 37.

٢٤٦

إ ِمَامًا ) (1) .

9 - ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) (2) .

فإن هذه المخلوقات العظيمة عند اللَّه عزَّ وجلَّ أسماء وآيات وكلمات وعلامات للَّه تعالى، وحينئذٍ تكون مشمولة لإطلاق قوله تعالى: ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ) (3) فهذه الآية المباركة وغيرها، التي ذكروها للتدليل على مدّعاهم لا تعني النهي عن التوجّه إلى اللَّه عزَّ وجلَّ بالوسائط، بل هي توجب وتعيّن التوجّه إلى اللَّه تعالى بأعاظم مخلوقاته وأسمائه الفعلية.

إذن؛ ليست الآية المباركة غير صالحة للاستدلال بها على مدّعاهم فحسب، بل هي تحكُّمهم وتديُّنهم بالإلحاد عن اسمائه، وتنصُّ على ضرورة توسيط الأسماء الإلهية والمخلوقات الوجيهة عند اللَّه تعالى، ولابدّ من عدم الإلحاد فيها والإعراض عنها في الدعاء.

لكن لابدّ من الالتفات إلى أن النظرة إلى الوسائط لابد أن لا تكون نظرة استقلالية وموضوعية وبما هي هي، بل لابدّ أن تكون نظرة آلية حرفية آيتيّة، أي بما هي يُنظر بها إلى اللَّه تعالى، فالتوجّه بها لا إليها بما هي هي.

وبناء على ذلك يكون التعاطي مع الأسماء والآيات والوسائط على ثلاثة مناهج:

الأول: منهج إبليس؛ وهو رفض وساطة الآيات والأسماء والمخلوقات

____________________

(1 ) البقرة: 124.

(2) الأنعام: 115.

(3) الأعراف: 180.

٢٤٧

الوجيهة عند اللَّه عزَّ وجلَّ وإنكارها والإلحاد بها والصدّ عنها، وهذا شرّ المناهج، وهو الكفر والحجاب الأعظم؛ إذ مع الإلحاد في تلك المخلوقات العظيمة والأسماء الإلهية لا يمكن التوجّه والزلفى إلى اللَّه عزَّ وجل؛ لأنه ليس بجسم، وهو حقيقة الحقائق والمقوّم لها، فلا يجابه ولا يقابل، فلابدّ من التوجّه إلى المظاهر والمجالي والآيات.

الثاني: وهو منهج المغالين الذين ينظرون إلى الأسماء الإلهية بالنظرة الاستقلالية وبما هي هي ويتوجّهون إليها لا بها، وهذا أيضاً من الشرك والحجاب الذي يمنع عن معرفة اللَّه تعالى، ولكنّه أهون من سابقه؛ إذ أصحابه على سبيل نجاة فيما إذا شملهم اللَّه عزَّ وجلَّ بلطفه ورأوا ما وراء الآية من الحقائق، بخلاف مَن أعرض عن الآية بالمرّة.

الثالث: التوجّه بالآيات وتوسيطها في الدعاء، وهذا هو التوحيد التام الذي يوصل إلى معرفة اللَّه تبارك وتعالى.

فالنظرة في هذا المنهج إلى الأسماء الإلهية الفعلية من حيث هي مخلوقة للباري تعالى ومرتبطة به ومفتقرة إليه ودالّة عليه، وأكرم المخلوقات وأعظم الآيات هم النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ؛ إذ حباهم اللَّه عزَّ وجلَّ بالكرامات والمقامات التكوينية، التي تفضل جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين، فهم عليهم‌السلام الأسماء التي تعلّمها آدم وفُضَّل بها على الملائكة كلّهم أجمعون، وذلك بنصّ سورة البقرة في قوله تعالى: ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلآءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )( 1 ) ، حيث

____________________

(1) البقرة: 31.

٢٤٨

جاء التعبير فيها بـ ( عَرَضَهُمْ ) ولم يقل: عرضها، وكذا التعبير بـ ( هؤُلآءِ ) ولم يقل: هذه، كلّ ذلك يدلّ على أن تلك الأسماء موجودات نورية مخلوقة حيّة شاعرة عاقلة، أفضل من جميع الملائكة، ولم يعلم بها الملائكة ولا يحيطون بها وهي تحيط بهم وهي أوّل ما خلق اللَّه تعالى، فهم عباد ليس على اللَّه أكرم منهم، أُسند إليهم ما لم يسند إلى غيرهم، ومكّنهم اللَّه عزَّ وجلَّ ما لم يمكّن به غيرهم بإرادته وإذنه وسلطانه.

والحاصل: إن تلك الآيات التي ذكروها لنفي التوسّل تدلّ على ضرورة التوجّه والتشفّع والتوسّل بالآيات الكبرى والأسماء الفعلية الحسنى والعظمى - وهم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام - إلى اللَّه عزَّ وجل، والباء في قوله تعالى: ( فَادْعُوهُ بِهَا ) للتوسيط وجعل الآيات والأسماء واسطة؛ ولذا ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنه قال:

(ياهشام، اللَّه مشتق من إله، وإله يقتضي مألوهاً، والاسم غير المسمّى، فمَن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً، ومَن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد الاثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد. أفهمت يا هشام؟) قال: قلت: زدني، قال: (للَّه تسعة وتسعون اسماً، فلو كان الاسم هو المسمَّى، لكان كل اسم منها إلهاً، ولكن اللَّه معنى يُدلّ عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره. ياهشام، الخبز اسم للمأكول والماء اسم للمشروب والثوب اسم للملبوس والنار اسم للمحرق، أفهمت ياهشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا المتَّخذين مع اللَّه عزَّ وجلَّ غيره؟) قلت: نعم، فقال: (نفعك اللَّه به وثبّتك يا هشام)

٢٤٩

قال: فواللَّه ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا) (1) .

فبيّن عليه‌السلام أن الاسم غير المسمَّى وهو الذات الإلهية ومغاير لها، ولو كان الاسم هو عين الذات الإلهية، لكان كل اسم إلهاً ولتكثَّرت الآلهة، ولكن اللَّه ذات أحدية واحدة يُدلّ عليه وله علامات هي هذه الأسماء المتكثرة المتعدّدة، فالأسماء آيات وعلامات وكلمات دالّة ووسيلة إلى الذات، فظهر أن قوله تعالى: ( لِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) (2) برهان قرآني على ضرورة الوسيلة، وهي الكلمات والآيات الإلهية، بأن يدعى اللَّه بها، فلا يُدعى اللَّه بدونها، بل لابدّ من توسيطها في دعاء اللَّه، وذلك بالتوجّه بها إليه، فلابدّ من تعلّق التوجّه بها كي يتوجّه منها إلى اللَّه، ولابدّ من تعلّق الدعاء بها ليتحقّق دعاء اللَّه تعالى، وقد جعلت الآية الإعراض عن الأسماء والكلمات والآيات الإلهية إلحاداً ومجانبة وزيغاً عن الطريق إلى اللَّه. ومن ثمّ قد أُكّد في الآية أن الأسماء الإلهية بكثرتها الكاثرة هي برمّتها ملك للَّه تعالى مملوكة له، فالاستخفاف بها استخفاف بالعظمة الإلهية، وجحود وساطتها استكبار وتمرّد على الشأن الإلهي، ومنه يعرف اتحاد الاسم والوجه وأن الأسماء هي وجه اللَّه التي يتوجّه بها إليه، وأن مَن له وجاهة ووجيه عند اللَّه هو وجه للَّه يتوجّه به إليه تعالى، فيكون اسماً وآية وكلمة للَّه تعالى.

نعم، بين الأسماء والكلمات والآيات درجات وتفاضل في الدلالة عليه تعالى عظمة وكبراً؛ وذلك لأن الاسم إذا كان من أسماء الأفعال يكون مخلوقاً للَّه تعالى وآية من

____________________

(1) توحيد الصدوق، ص521، وأصول الكافي، ج1، ص89، باب معاني الاسماء واشتقاقها، ح2.

(2) سورة الأعراف: 180.

٢٥٠

آياته، فالعبادة ليست له، بل لباريه تعالى، ومن ثم يتوجّه إليه كمرآة وآية يُنظر بها ولا ينظر إليها؛ ولذا تكون اسماً وعلامة. وأمَّا إذا نُظر إلى الاسم بما هو هو، فيكون حينئذٍ صنماً موجباً للشرك والكفر، وهو الغلو المنهيّ عنه، ولكن هذا لا يعني رفض الأسماء والوسائط، فإن ذلك يحجب عن المسمّى أيضاً، فلا يلحد بها ولا ينظر إليها بالاستقلال، بل ينظر بها؛ وذلك لِمَا بيّناه سابقاً من أنه لا تعطيل ولا تشبيه، فالإلحاد في الأسماء تعطيل للباري بعد عدم كونه جسماً يُقابل أو يجابه أو يشابه مخلوقاته، وهو نفي الجسميّة، فلا محيص عن التوجّه بالأسماء، لا سيّما الاسم الأعظم وهو أوّل ما خلق اللَّه عزَّ وجل، نور النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، الذين بواسطتهم وصل آدم إلى ما وصل إليه من الخلافة، عندما علّمه اللَّه عزَّ وجلَّ تلك الأسماء الحيّة الشاعرة العاقلة المجرّدة النوريّة، التي هي أعظم آيات الباري تعالى وأفضل من جميع الملائكة.

الكلمات التامّات:

هناك آيات عديدة تدلّ - بمعونة الروايات الواردة فيها - على أن الكلمات التامّات والآيات الكبرى للَّه عزَّ وجلَّ هم النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، منها:

1 - ما تقدّم من قوله تعالى: ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلآءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (1) ، وقد سبق تقريب الاستدلال بهذه الآية المباركة، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنه قال: (إن اللَّه تبارك وتعالى كان ولا شي‏ء، فخلق خمسة من نور جلاله، وجعل لكلّ واحد منهم اسماً من أسمائه المنزلة، فهو الحميد وسمّى النبيّ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو الأعلى وسمّى

____________________

(1) البقرة: 31.

٢٥١

أمير المؤمنين عليه‌السلام عليّاً، وله الأسماء الحسنى فاشتقّ منها حسناً وحسيناً، وهو فاطر فاشتقّ لفاطمة من أسمائه اسماً، فلمّا خلقهم، جعلهم في الميثاق، فإنهم عن يمين العرش، وخلق الملائكة من نور، فلمَّا نظروا إليهم، عظّموا أمرهم وشأنهم ولقّنوا التسبيح فذلك قوله: ( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) (1) فلمّا خلق اللَّه تعالى آدم(صلوات اللَّه وسلامه عليه) نظر إليهم عن يمين العرش، فقال: ياربّ مَنْ هؤلاء؟ قال: ياآدم، هؤلاء صفوتي وخاصّتي، خلقتهم من نور جلالي وشققت لهم اسماً من أسمائي، قال: ياربّ، فبحقّك عليهم علّمني أسماءهم، قال: ياآدم فهم عندك أمانة، سرّ من سرّي، لا يطّلع عليه غيرك إلّا بإذني، قال: نعم ياربّ، قال: ياآدم، أعطني على ذلك العهد، فأخذ عليه العهد، ثم علّمه أسماءهم، ثم عرضهم على الملائكة، ولم يكن علّمهم بأسمائهم، ( فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلآءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ ) (2) علمت الملائكة أنه مستودع وأنه مفضّل بالعلم، وأُمروا بالسجود إذ كانت سجدتهم لآدم تفضيلاً له وعبادة للَّه؛ إذ كان ذلك بحقّ له، وأبى إبليس الفاسق عن أمر ربّه) (3) .

2 - قوله تعالى: ( فَتَلَقَّى ءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ) ، ويمكن تقريب دلالة الآية إجمالاً على كون الكلمات هي النبي وأهل بيته بما تقدّمت الإشارة من

____________________

(1) الصافات: 165 - 166.

(2) البقرة: 31 - 32 - 33.

(3) تفسير فرات الكوفي، ص56، وكمال الدين وتمام النعمة، ص14، والهداية الكبرى للخصيبي، ص428 (واللفظ للأوَّل).

٢٥٢

إطلاق الكلمة في القرآن الكريم على النبي عيسى عليه‌السلام بما هو حجّة للَّه اصطفاه على العباد، فمنه يعرف أن الكلمة في استعمال القرآن تطلق على حجج اللَّه وأصفيائه، ويشير إلى ذلك أيضاً قوله تعالى: ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً ) (1) حيث تومئ الآية إلى كون كلمة اللَّه تعرف بالصدق والعدالة، وهو وصف لحجج اللَّه، وهذا الوصف أحرى بالصدق على سيد الأنبياء بعد صدقه على النبي عيسى عليه‌السلام .

وقد وردت بذلك الروايات من الفريقين كما سيأتي معتضداً ذلك بأن الأسماء التي تعلّمها آدم وشرّف بها على الملائكة قد مرّ أنها عرّفت بضمير الجمع للحي الشاعر العاقل وأُشير إليها باسم الإشارة للجمع الحي الشاعر العاقل، ممَّا يدلُّ على أنها موجودات وكائنات حيّة شاعرة عاقلة، نشأتها في غيب السماوات والأرض؛ لعدم علم ملائكة السماوات والأرض بها، كما أُشير إلى ذلك بقوله تعالى: ( أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ) (2) .

ولا ريب أن أشرف الكائنات بنصوصية الكثير من الآيات وروايات الفريقين هو سيد الأنبياء، كما قد تبيّن أن أوَّل وأسمى الكلمات التي بشرفها قُبلت توبة آدم هو سيد الأنبياء، وحينئذٍ تُبيّن الآيات أن تلك الأسماء والكلمات حيث عبّر عنها بلفظ الجمع يقتضي أن مع سيد الأنبياء حجج آخرين للَّه تعالى شُرّف بمعرفتهم آدم وتاب اللَّه بهم عليه.

ولا نجد القرآن الكريم يُنزّل منزلة نفس النبي أحداً من الأنبياء والرسل، بل نزَّل علي بن أبي طالب منزلة نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذه خصيصة اختصّ هو عليه‌السلام بها. كما لم يُشرك اللَّه تعالى في طهارة

____________________

(1) سورة الأنعام: 115.

(2) سورة البقرة: 33.

٢٥٣

النبي وعصمته ونمط حُجِّيَّته وعلمه بالكتاب كلّه مع العديد من المقامات الأخرى أحداً من أنبيائه ورسله، لكنَّه أشرك أهل بيته؛ وهم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، كما في آية التطهير والمباهلة ومسِّ الكتاب من المطهَّرين من هذه الأمة وغيرها من الآيات النازلة فيهم.

فتبيّن أن قرين سيد الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله في المراد من الكلمات والأسماء هم أهل بيته عليهم‌السلام .

وقد ورد في كتب الفريقين من السنّة والشيعة أن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه هم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، فدعا اللَّه عزَّ وجلَّ بواسطة الكلمات فتاب عليه.

منها: ما أخرجه الحاكم في المستدرك عن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لمَّا اقترف آدم الخطيئة، قال: يا ربّ، أسألك بحقّ محمّد لمّا غفرت لي، فقال: يا آدم، وكيف عرفت محمّداً ولم أخلقه؟، قال: يا ربّ؛ لأنك لمَّا خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه، فعلمت أنك لم تُضف إلى اسمك إلّا أحبّ الخلق إليك، فقال: صدقت يا آدم إنه لأحبّ الخلق إليّ، ادعني بحقّه فقد غفرت لك، ولولا محمّد ما خلقتك) (1) ، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ومنها: ما أخرجه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل عن ابن عبَّاس قال: سألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه، قال:

____________________

(1) المستدرك، ج2، ص615.

٢٥٤

سأل بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت علي فتاب عليه) (1) . ومنها: ما أخرجه السيوطي عن الإمام علي عليه‌السلام أنه ذكر أن اللَّه عزَّ وجلَّ علّم آدم الكلمات التي تاب بها عليه وهي: (اللّهم إني أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد، سبحانك لا إله إلّا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي، فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم. اللّهم إني أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد، سبحانك لا إله إلّا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي، فتب عليّ إنك أنت التوَّاب الرحيم. فهؤلاء الكلمات التي تلقّى آدم) (2) .

3 - قوله تعالى: ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ ) (3) .

فالكلمة أُطلقت على عيسى عليه‌السلام ، وهذا الإطلاق غير خاص به عليه‌السلام ، بل هو شامل لكلّ الأنبياء لا سيما أولوا العزم منهم ولا سيما خاتم النبيِّين، فهو أفضل الأنبياء وسيّدهم وأعظمهم، فلا محالة يكون هو الكلمة الأتمّ، وكذا من هم نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم أهل بيته عليهم‌السلام .

4 - قوله تعالى: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) (4)

فلا شك أن إبراهيم عليه‌السلام كلمة وآية من آيات اللَّه تعالى؛ لأنه أفضل من عيسى عليه‌السلام ، ومع ذلك امتحنه اللَّه عزَّ وجلَّ بكلمات تفوقه في المقام والمنزلة، ولمَّا ثبت في الامتحان، فاز بمقام الإمامة بعد الخلّة والنبوّة والرسالة، فلا محالة

____________________

(1) شواهد التنزيل، ج1، ص101.

(2) الدر المنثور، ج1، ص60.

(3) النساء: 171.

(4) البقرة: 124.

٢٥٥

تكون الكلمات هم سيد الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله وآخرين غير النبي إبراهيم والنبي عيسى وموسى وآدم عليهم‌السلام .

والكلمات - كما جاء في الروايات - هم خمسة أصحاب الكساء، فإبراهيم نال مقام الخلافة في الأرض والزلفى عند اللَّه عزَّ وجلَّ بالكلمات، كما أن آدم فُضّل على الملائكة وأصبح مسجوداً لهم لتعلّمه الأسماء الحسنى والآيات العظمى، وهم أهل آية التطهير عليهم‌السلام .

وكذلك آدم تسنّم مقام الخلافة الإلهية بتوسّط علم الأسماء الحيّة العاقلة النوريّة، التي تحيط بجميع المخلوقات، ولا يحيط بها مخلوق من المخلوقات إلّا بما شاء اللَّه عزَّ وجل.

عن المفضّل بن عمر عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام ، قال: سألته عن قول اللَّه عزَّ وجل: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) ما هذه الكلمات؟

قال: (هي الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب اللَّه عليه، وهو أنه قال: أسألك بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت عليَّ، فتاب اللَّه عليه إنه هو التواب الرحيم) (1) .

5 - قوله تعالى: ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) (2) .

وقد كان المعصومون الأربعة عشر كلّهم عليهم‌السلام يقرأون هذه الآية عند ولادتهم، فهم الكلمات التَّامَّات التي تمّت صدقاً وعدلاً لا مبدِّل لكلماته، وقد مرّت الإشارة إلى أن نعت الكلمة بالصدق والعدالة يشير إلى حجج اللَّه فيما

____________________

(1) كمال الدين وتمام النعمة، ص358.

(2) الأنعام: 115.

٢٥٦

يؤدّونه عن اللَّه وما هي عليه سيرتهم من الصدق والعدل والعدالة، هذا كلّه بالنسبة إلى الجواب الأوّل وتفصيلاته.

الجواب الثالث: الآيات القرآنية

1 - وهو ما جاء في قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ) (1) . الاستكبار على الآيات الوارد في هذه الآية المباركة نظير ما فعله إبليس؛ حيث أبى واستكبر أن يسجد لآدم، فكذّب بآية من آيات اللَّه تعالى. وذلك عندما قال: ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) (2) وقد استند في تكذيبه هذا إلى القياس الباطل، وهو لا يعلم حقائق دين اللَّه تعالى، ولا يعلم أن جانباً آخر في آدم نوريّ يعلو على النار هو الذي أهّله لذلك المقام، وليس الطين إلّا وجوده النازل المادّي. ثم إن الآية المباركة ذكرت أثراً آخر من آثار التكذيب بالآيات الإلهية والاستكبار عليها، حيث قالت: ( لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ) ، ومن الواضح أن أبواب السماء إنما تفتّح حين الدعاء والعبادة والتوجّه إلى اللَّه عزَّ وجل، وحين إرادة الزلفى والقرب، وكذلك لتصاعد الإيمان والعقيدة، كما يشير إليه قوله تعالى: ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ) (3) ، فهذه الآية المباركة تقول: إن الذين يكذّبون بآيات اللَّه تعالى وأسمائه وكلماته ويستكبرون عنها - كما فعل إبليس - لا

____________________

(1) الأعراف: 40.

(2) الأعراف: 12.

(3) سورة فاطر: 10.

٢٥٧

تفتّح لهم أبواب السماء، فلا يمكنهم أن يدعوا اللَّه أو يتقرّبوا إليه، ولا يستجاب لهم دعاؤهم ولا عباداتهم كالصلاة والصوم والحجّ. والربط بين ترك الآية والإعراض عنها والاستكبار عليها وبين عدم القرب وعدم قبول الدعاء وعدم تفتّح الأبواب هو أن اللَّه عزَّ وجلَّ ليس بمادّي ولا بجسم، فلا يمكن أن يقابل أو يجابه، فلا زلفى إلّا بالآيات والإيمان بها والطاعة والخضوع لها والتوجّه بها إلى اللَّه عزَّ وجل: ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) ، وقد مرّ في هذا الفصل وفي الفصل الثالث أن الآيات هم الحجج المصطفون، فلابدّ عند إرادة التوجّه إلى سماء الحضرة الإلهية بالدعاء والعبادة والازدلاف من التوجّه بهم والتوسّل بهم؛ لأن ذلك مفتاح فتح أبواب السماء، فهذه الآية تتشاهد وتتطابق مع الآية المتقدمة من قوله تعالى: ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (1) وأن الأسماء التي يُدعى بها في مقام الدعاء والفوز على اللَّه هي الآيات التي لابدّ من الإيمان بها والخضوع والإقبال عليها والتوجّه بها إلى الحضرة السماوية. وهذا المضمون هو ما ورد في الروايات المتواترة من أن ولاية أهل البيت عليهم‌السلام شرط في قبول الأعمال والعقائد، فإمامتهم عليهم‌السلام مقام من مقامات التوحيد في الطاعة، وهي شرط التوحيد وكلمة لا إله إلّا اللَّه، فمَن لا ولاية ولا طاعة له لا يقبل اللَّه عزَّ وجلَّ له عملاً، كما هو الحال في إبليس، حيث لم يقبل اللَّه عزَّ وجلَّ أعماله، ولم يقم له وزناً وطُرد من جوار اللَّه وقربه.

____________________

(1) سورة الأعراف: 180.

٢٥٨

إذن؛ مَن لا يُذعِن بالواسطة والولاية لا يقبل له عمل، لأنه لا تفتّح له الأبواب، ولا يكون ناجياً يوم القيامة ( وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الُْمجْرِمِينَ ) .

2 - وهو قوله تعالى: ( وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ) (1) ، فهذه الآية جاءت في سياق واحد مع قوله تعالى: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا ِلآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ) (2) ، فالسياق الواحد في هذه الآيات دالّ على أن ما فعله إبليس كان إنكاراً وظلماً لآية من آيات اللَّه تعالى، ودالّ أيضاً على أن ثقل الميزان والقرب وقبول الأعمال إنما يتمّ بالخضوع للآيات والإيمان بها.

وليست الأصنام إلّا الوسائل والوسائط المقترحة.

3 - قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (3) ، وتقريب الاستدلال بهذه الآية كالتقريب الذي تقدّم في الآيات التي سبقتها، ولا يخفى ما في التعبير بـ(عنه) دون التعبير بـ(عليه) من دلالة على الإعراض والإنكار لوساطة الآيات الإلهية، وأنه موجب لبطلان الأعمال والخلود في النار.

____________________

(1) الأعراف: 9.

(2) الأعراف: 11 - 13.

(3) الأعراف: 36.

٢٥٩

الشبهة الرابعة: الأعمال الصالحة هي الوسيلة

التوسُّل والوسيلة حقيقة العقيدة بالنبوّة والرسالة

لقد قام أصحاب هذا الاتجاه المنكِر لمبدأ التوسّل بتوجيه قوله تعالى: ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) (1) ، حيث فسّروا الوسيلة في هذه الآية بالطاعات والقربات والأعمال الصالحة التي يتقرّب بها العبد إلى ربّه.

وقد ورد في الأحاديث بأن العبد لا يتقرّب إلى اللَّه عزَّ وجلَّ إلّا بالطاعة والعمل الصالح، فطوعانية العبد لربّه هي وسيلته الوحيدة، وليس بين اللَّه وبين خلقه قرابة وقرب إلّا بالطاعة ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ، فالجنّة يدخلها المطيع ولو كان عبداً حبشياً، والنار يدخلها العاصي ولو كان سيّداً قرشيّاً.

الجواب عن الشبهة الرابعة:

كان حصيلة الشبهة الرابعة هو تمسّكهم بقوله تعالى: ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) حيث فسّروا الوسيلة بالأعمال الصالحة من البرّ والتقوى والورع وسائر العبادات، وأن طوعانية العبد لربّه هي الوسيلة الوحيدة للنجاة والفوز بالجنة.

وفي المقدّمة نحن لا ننفي كون الأعمال الصالحة وسيلة من وسائل القرب إلى اللَّه عزَّ وجل، ولكن نريد أن نقول هي أحد مصاديق الوسيلة وليست الوسيلة منحصرة بها، وذلك بمقتضى نفس زعمهم من أن الوسيلة هي الأعمال الصالحة والطاعات، حيث إن أعظم الأعمال الصالحة والطاعات هو الإيمان باللَّه ورسوله؛ إذ لا يقاس بالإيمان بقيّة الأعمال من الصلاة والصيام والحج وغيرها،

____________________

(1) المائدة: 35.

٢٦٠

والثاني : لا يدفع ؛ لأنّ النائرة إنّما تدفع بسبب الدم في العادة ، وما يتعلّق بالدم لا يتعلّق بإتلاف المال كالكفارة(١) . وهو ممنوع.

مسألة ١٧٤ : لسبيل الله سهم في الصدقة‌ بالنص والإِجماع ، واختلف قول الشيخ في معناه.

ففي بعض أقواله : أنه الجهاد(٢) يصرف إلى الغزاة الذين يغزون إذا نشطوا ، وهُم غير الجند المقرَّرين الذين هُم أهل الفي‌ء - وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة(٣) - لأنّ العرف في ذلك الغزاة ؛ لقوله تعالى في عدّة مواضع( يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) (٤) يريد الجهاد فوجب حمله عليه.

وفي البعض الآخر : أنّه أعمّ من ذلك ، وهو كلّ مصلحة وقربة إلى الله تعالى ، فتدخل فيه الغزاة ومعونة الحاج وقضاء الديون عن الحي والميت وبناء القناطر وعمارة المساجد وجميع المصالح(٥) .

وهو أولى ؛ لأنّ السبيل هو الطريق ، فإذا اُضيف إلى الله تعالى كان عبارة عن كلّ ما يتوسّل به إلى ثوابه.

ولقول العالمعليه‌السلام : « وفي سبيل الله قوم يخرجون إلى الجهاد وليس عندهم ما ينفقون ، وقوم مؤمنون ليس لهم ما يحجّون به ، وفي جميع سُبُل الخير »(٦) .

وقال أحمد : يجوز أن يصرف ذلك في الحج فيدفع إلى من يريد الحج‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ٢٠٧.

(٢) النهاية : ١٨٤ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٦.

(٣) الاُم ٢ : ٧٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٦١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٤ ، تفسير القرطبي ٨ : ١٨٥ ، أحكام القرآن لابن العربي ٢ : ٩٦٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠.

(٤) التوبة : ١١١ ، والمزّمّل : ٢٠.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٢ ، الخلاف ، كتاب قسم الصدقات ، المسألة ٢١.

(٦) التهذيب ٤ : ٤٩ - ٥٠ / ١٢٩ ، تفسير القمي ١ : ٢٩٩.

٢٦١

- وهو محكي عن ابن عمر - لأنّ رجلاً جعل ناقة له في سبيل الله فأرادت أمر الحج ، فقال لها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إركبيها فإنّ الحج من سبيل الله )(١) .

ونمنع اختصاص السبيل بالجهاد ، أو به وبالحج ، ولا يلزم من إرادة أحدهما في بعض الصُور انصرافه عند الإِطلاق إلى أحدهما.

مسألة ١٧٥ : وابن السبيل له سهم في الصدقة‌ بالنص والإِجماع ، وهو المنقطع به والضيف إذا كان سفرهما مباحاً ، ولا خلاف في أنّ المجتاز ابن سبيل.

وهل منشئ السفر داخل فيه؟ منعه الشيخ(٢) - وبه قال مالك وأبو حنيفة(٣) - لأنّه إنّما سمّي ابن سبيل بملازمته الطريق وكونه فيه ، ومن يريد إنشاء السفر فليس بابن الطريق.

ولقول العالمعليه‌السلام : «( ابْنِ السَّبِيلِ ) هو ابن الطريق يكون في السفر في طاعة الله فينقطع بهم ، ويذهب مالهم ، فعلى الإِمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات »(٤) .

وقال الشافعي : إنّه داخل(٥) ، لأنّه يريد إنشاء سفر لغير معصية فجاز أن يدفع إليه من سهم أبناء السبيل ، كمن دخل إلى بلد ونوى إقامة خمسة عشر‌

____________________

(١) المغني ٧ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٨ ، المجموع ٦ : ٢١٢ ، أحكام القرآن للجصاص ٣ : ١٢٧ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٢٨ ، وأورد أبو داود في سُننه ٢ : ٢٠٤ / ١٩٨٩ ما بمعنى الحديث.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٢ ، الخلاف ، كتاب قسمة الصدقات ، المسألة ٢٢.

(٣) المغني ٧ : ٣٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٩ ، المجموع ٦ : ٢١٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٤٩ - ٥٠ / ١٢٩ ، تفسير القمي ١ : ٢٩٩.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٤ و ٢١٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٦١ ، المغني ٧ : ٣٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٩.

٢٦٢

يوماً ، ثم أراد الخروج ، فإنّه يدفع إليه من الصدقة وهو منشئ للسفر.

ونمنع كونه مُنشئاً للسفر ، ولا يلزم من كونه مُنشئاً بالنسبة إلى القصر كونه كذلك في نفس الأمر ، فإنّا نحكم عليه بالغربة ، و ( بكونه )(١) مسافراً عرفاً وإن أقام أكثر من خمسة عشر يوماً.

البحث الثاني

في الأوصاف‌

مسألة ١٧٦ : الإِسلام شرط في الأصناف المذكورة إلّا المؤلَّفة‌ بإجماع العلماء ، فلا يجوز إعطاء كافر غير مؤلَّف من الزكاة ، ولا نعلم فيه خلافاً إلّا ما حكي عن الزهري وابن شبرمة أنّهما قالا : يجوز صرفها إلى المشركين(٢) .

وقال أبو حنيفة : يجوز صرف صدقة الفطرة إلى أهل الذمة خاصة(٣) .

وهو مدفوع بالإِجماع.

ولقولهعليه‌السلام لمعاذ : ( أعلمهم أنّ في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم )(٤) .

احتجّ الزهري بقولهعليه‌السلام : ( أعطوا أهل الأديان من صدقاتكم )(٥) .

____________________

(١) في نسختي « ط ، ف » : يكون.

(٢) حلية العلماء ٣ : ١٧٠ ، المجموع ٦ : ٢٢٨.

(٣) المبسوط للسرخسي ٣ : ١١١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤٩ ، المجموع ٦ : ٢٢٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٠ ، المغني ٢ : ٧١٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٢.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٧ ، صحيح مسلم ١ : ٥٠ / ٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١ / ٦٢٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٨ / ١٧٨٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٣٦ / ٤.

(٥) مصنف ابن أبي شيبة ٣ : ١٧٧ بتفاوت.

٢٦٣

واحتجّ أبو حنيفة بأنّ صدقة الفطرة ليس للإِمام فيها حق القبض ، فجاز دفعها إلى أهل الذمة كالتطوع.

والأول محمول على التطوع.

ونمنع العلّة في القياس ، وينتقض بالأموال الباطنة.

ثم التطوع يجوز صرفها إلى الحربي(١) وهذا لا يجوز!؟

وشرط علماؤنا أيضاً الإِيمان ، فلا يعطى غير المؤمن عندنا - خلافاً للجمهور ، فإنّهم اقتصروا على الإِسلام خاصة(٢) - لأنّ مخالف الحقّ محادٌّ لله ورسوله فلا تجوز مودّته ، والزكاة معونة ومودّة فلا تصرف إليه.

ولقول الباقر والصادقعليهما‌السلام في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء كالحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ، ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ، ويحسن رأيه ، يعيد كلّ صلاة صلّاها أو صوم أو زكاة أو حج ، أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال : « ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة فإنّه لا بدّ أن يؤدّيها ؛ لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها ، وإنّما موضعها أهل الولاية »(٣) وهذا الحديث حسن الطريق.

وهل هو مطلق؟ نصّ علماؤنا على أنّه في الحج إذا لم يخلّ بشي‌ء من أركانه لا تجب عليه إعادته ، أمّا الصلاة والصوم ففيهما إشكال من حيث إنّ الطهارة لم تقع على الوجه المشروع ، والإِفطار قد يقع ( منهم )(٤) في غير وقته.

____________________

(١) أشار المصنّف -رحمه‌الله - بهذه الجملة إلى مذهب الحنفية حيث ذهبوا إلى جواز صرف صدقة التطوع إلى الحربي. اُنظر : الفتاوى الهندية ١ : ١٨٨.

(٢) اُنظر : المغني ٢ : ٥١٥ ، والمجموع ٦ : ٢٢٨ ، وبداية المجتهد ١ : ٢٨٢.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤٥ / ١ ، علل الشرائع : ٣٧٣ ، الباب ١٠٢ ، الحديث ١.

(٤) في « ط » : منه.

٢٦٤

ويمكن الجواب بأنّ الجهل عذر كالتقية ، فصحّت الطهارة ، والإِفطار قبل الغروب إذا كان لشبهة قد لا يستعقب القضاء ، كالظلمة الموهمة ، فكذا هنا ، وبالجملة فالمسألة مشكلة.

مسألة ١٧٧ : اختلف علماؤنا في اشتراط العدالة‌ ، فذهب الشيخ والمرتضى إليه إلّا في المؤلَّفة ؛ للاحتياط ، وحصول يقين البراءة ، ولأنّ الدفع إلى الفاسق إعانة على المعصية(١) .

والاحتياط لا يستلزم الوجوب ولا تقييد الألفاظ العامة في القرآن ، ومعارض بالأصل ، ونمنع كونه إعانةً على المعصية.

وقال بعض أصحابنا : يشترط مجانبة الكبائر(٢) ، لأنّ داود الصرمي قال : سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئاً؟ قال : « لا »(٣) ولا قائل بالفرق بين الخمر وغيره ، فثبوت الحكم فيه يستلزم ثبوته في غيره.

وقال بعض علمائنا : لا تشترط العدالة ، ولا مجانبة الكبائر(٤) - وهو قول الجمهور - عملاً بإطلاق الآية ، والأصل عدم اشتراط ما لم ينطق به.

ولقولهعليه‌السلام : ( أعط من وقعت في قلبك له الرحمة )(٥) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل اُعطى سائلاً لا أعرفه مسلماً : « أعط من لا تعرفه بولاية ولا عداوة للحق ، ولا تطعم من نصب‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥١ ، الانتصار : ٨٢ ، وحكى قولهما أيضاً المحقق في المعتبر : ٢٨١.

(٢) حكاه أيضاً المحقق في المعتبر : ٢٨١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٦٣ / ١٥ ، التهذيب ٤ : ٥٢ / ١٣٨.

(٤) وهو المحقق في المعتبر : ٢٨١.

(٥) أورده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المعتبر : ٢٨١ ، وورد نصّه عن الإِمام الصادقعليه‌السلام في الكافي ٤ : ١٤ ( باب الصدقة على من لا تعرفه ) الحديث ٢ ، والتهذيب ٤ : ١٠٧ / ٣٠٧ ، والفقيه ٢ : ٣٩ / ١٦٩.

٢٦٥

لشي‌ء من الحق ، أو دعا إلى شي‌ء من الباطل »(١) .

وهو الأقوى ، وخبر داود ليس حجّة ، لعدم تعيين المسؤول ، فلعلّه غير الإِمام.

مسألة ١٧٨ : يشترط أن لا يكون الآخذ ممّن تجب نفقته عليه‌ ، فلا يجوز له أن يعطي أحداً من والدَيه وإن بَعُد كآباء الأبوين واُمّهاتهما ، وأبوي أب الأب واُمّه ، وأبوي أب الاُم واُمّها ، وهكذا ما عَلَوا ، مَن يرث ومَن لا يرث ، ولا واحداً من أولاده وإن نزلوا من أولاد البنين والبنات وأولاد أولادهم الوارث وغيره ؛ لأنّه من عمود النسب ، فأشبه الوارث ، ولا زوجته ، ولا مملوكه بالإِجماع ؛ لأنّه غني به ، فلا يجوز دفعها إليه ، ولأنّ دفعها إليه يستلزم عود نفعها عليه ؛ لسقوط النفقة عنه حينئذٍ.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً : الأب ، والاُم ، والولد ، والمملوك ، والمرأة »(٢) .

أمّا من لا تجب نفقته من الأقارب فإنّه يجوز دفع الزكاة إليه ، بل هو أولى وأفضل من الأجانب ؛ إذ « لا صدقة وذو رحم محتاج »(٣) ولعدم المانع ، وكون ذلك صلةً للرحم.

ولقول الكاظمعليه‌السلام وقد سأله إسحاق بن عمار عن إعطاء القرابة من الزكاة : « هُم أفضل من غيرهم ، أعطهم »(٤) .

فروع :

أ - إنّما منعنا من الأخذ للقريب بسبب الفقر أو المسكنة ، أمّا لو كان من‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٣ ( باب الصدقة على من لا تعرفه ) الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ١٠٧ / ٣٠٦.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٢ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٥٦ / ١٥٠ ، الاستبصار ٢ : ٣٤ / ١٠١.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٧٣ / ٨٢٨.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٥٦ / ١٤٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٣ / ١٠٠.

٢٦٦

غير هذين فإنّه يجوز له أخذها ، كما لو كان الأب أو الولد غازياً ، أو مؤلَّفاً ، أو غارماً في إصلاح ذات البين ، أو عاملاً ؛ لعدم المانع ، ولأنّ هؤلاء يأخذون مع الغنى والفقر فكان للأب(١) ذلك.

ب - لو كان القريب ممّن لا تجب نفقته جاز الدفع إليه بأيّ سبب كان ، سواء كان وارثاً أو غير وارث ، وهو قول أكثر العلماء وأحمد في رواية(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( الصدقة على المسكين صدقة ، وهي لذي الرحم اثنتان : صدقة وصلة )(٣) فلم يشترط نافلة ولا فريضة ، ولم يفرّق بين الوارث وغيره.

ومن طريق الخاصة قول الرضاعليه‌السلام وقد سئل : رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك ، وله زكاة أيجوز أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال : « نعم »(٤) .

وعن الكاظمعليه‌السلام وقد سأله بعض أصحابنا ، قلت له : لي قرابة اُنفق على بعضهم ، واُفضّل بعضهم على بعض ، فيأتيني إبّان(٥) الزكاة أفاُعطيهم منها؟ قال : « أمستحقّون لها؟ » قلت : نعم ، قال : « هُم أفضل من غيرهم أعطهم » قال ، قلت : فمَن الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا أحسب الزكاة عليه؟ قال : « أبوك واُمّك » قلت : أبي واُمّي؟ قال : « الوالدان والولد»(٦) .

____________________

(١) في « ف » زيادة : أو غيره.

(٢) المغني ٢ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٢ ، المجموع ٦ : ٢٢٩.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٥٩١ / ١٨٤٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٧ ذيل الحديث ٦٥٨ ، سنن النسائي ٥ : ٩٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٧٤.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٢ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٥٤ / ١٤٤ ، الاستبصار ٢ : ٣٥ / ١٠٤.

(٥) إبّان ، بالكسر والتشديد : الوقت. الصحاح ٥ : ٢٠٦٦ « ابن ».

(٦) الكافي ٣ : ٥٥١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٥٦ / ١٤٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٣ / ١٠٠.

٢٦٧

وعن أحمد رواية اُخرى : منع الموروث ؛ لأنّ على الوارث مؤونة الموروث ، فيغنيه بزكاته عن مؤونته ، ويعود نفع زكاته إليه ، فلم يجز له دفعها إليه كدفعها إلى والده أو قضاء دينه(١) .

ونمنع وجوب المؤونة على ما يأتي.

ج - لو كان أحدهما يرث الآخر دون العكس كالعتيق مع معتقه ، والعمة مع ابن أخيها - عندهم(٢) - جاز لكلّ منهما دفع زكاته إلى الآخر عندنا على ما تقدّم.

وقال أحمد : على الوارث منهما نفقة موروثة فليس له دفع زكاته إليه ، وليس على الموروث منهما نفقة وارثه ، فلا يمنع من دفع زكاته إليه(٣) .

ولو كان أخوان لأحدهما ابن ، والآخر لا ولد له ، فعلى أبي الابن نفقة أخيه - عنده(٤) - فليس له دفع زكاته إليه ، وللّذي لا ولد له دفع زكاته إلى أخيه ، ولا يلزمه نفقته ؛ لأنّه محجوب عن ميراثه ، ونحو هذا قول الثوري(٥) .

والحقّ ما ذهبنا نحن إليه.

د - ذوو الأرحام يجوز دفع الصدقة إليهم ، وبه قال أحمد - على رواية منع الوارث في الحال التي يرثون فيها - لأنّ قرابتهم ضعيفة لا يرث بها مع عصبة ولا ذي فرض غير أحد الزوجين - عنده - فلم تمنع دفع الزكاة كقرابة سائر المسلمين ، فإنّ ماله يصير إليهم إذا لم يكن له وارث(٦) .

ه- يعطى من تجب نفقته من غير نصيب الفقراء والمساكين مطلقاً ، سواء كان عاملاً ، أو غازياً ، أو ابن سبيل ، أو غير ذلك إلّا ابن السبيل ، فإنّه‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٢.

(٢) أي عند الجمهور.

(٣) المغني ٢ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٢.

(٤) أي عند أحمد ، وانظر : الهامش التالي.

(٥ و ٦ ) المغني ٢ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٢.

٢٦٨

يعطي الزائد عن النفقة مع الحاجة إليه كالحمولة.

مسألة ١٧٩ : العيلولة من دون القرابة غير مانعة من الإِعطاء‌ عند علمائنا أجمع ، وهو قول أكثر العلماء(١) ، فلو كان في عائلته من لا يجب الإِنفاق عليه كيتيم أجنبي جاز أن يدفع زكاته إليه ؛ لأنّه داخل في الأصناف المستحقّين للزكاة ، ولم يرد في منعه نصّ ولا إجماع ولا قياس ، فلا يجوز تخصيصه من العمومات بغير دليل.

وعن أحمد رواية بالمنع ؛ لأنّه ينتفع بدفعها إليه لإِغنائه بها عن مؤونته(٢) .

ولو سلّم لم يضرّ ، فإنّه نفع لا يسقط واجباً عنه ؛ إذ العيلولة ليست واجبة.

مسألة ١٨٠ : يشترط أن لا يكون هاشميّاً ، وقد أجمع المسلمون كافة على تحريم الصدقة المفروضة على بني هاشم.

لقولهعليه‌السلام : ( إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمّد ، إنّما هي أوساخ الناس )(٣) .

وأخذ الحسنعليه‌السلام - وهو صغير - تمرة من تمر الصدقة ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( كخ كخ ) ليطرحها ، وقال : ( أما شعرت أنّا لا نأكل الصدقة )(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الصدقة أوساخ الناس فلا تحلّ لبني عبد‌

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٢ : ٥١٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٢.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٧٥٣ / ١٠٧٢ ، سنن البيهقي ٧ : ٣١ ، موطأ مالك ٢ : ١٠٠٠ ( باب ما يكره من الصدقة ) الحديث ١٣ ، شرح معاني الآثار ٢ : ٧.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٥٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٧ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٩ ، ومسند أحمد ٢ : ٤٠٩.

٢٦٩

المطلب »(١) .

مسألة ١٨١ : تحلّ صدقة بعضهم على بعض‌ عند علمائنا - وهو محكي عن أبي يوسف(٢) - لأنّ مفهوم قولهعليه‌السلام : ( الصدقة أوساخ الناس ) ترفّعهم عن غيرهم ، وامتياز الجنس عن الجنس بعدم قبول صدقته تنزيهاً له ، فلا ينقدح فيه امتياز أشخاص الجنس بعضها عن بعض لتساويهم في المنزلة ، فلا يليق ترفّع بعضهم على بعض.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ما هي؟ قال : « الزكاة » قلت : فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟ قال : « نعم »(٣) .

وأطبق باقي الجمهور على المنع ، للعموم.

وقد بيّنا أنّ مفهومه خروج بني هاشم منه.

مسألة ١٨٢ : الصدقة المفروضة محرَّمة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ‌ إجماعاً.

وأمّا المندوبة ، فالأقوى عندي : التحريم أيضاً ، لعلوّ منصبه ، وزيادة شرفه وترفّعه ، فلا يليق بمنصبه قبول الصدقة ، لأنّها تُسقط المحلّ من القلب.

ولأنّ سلمان الفارسي أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فحمل إليه شيئاً ، فقال : ( ما هذا؟ ) فقال : صدقة ، فردّه ، ثم أتاه به من الغد ، فقال : هديّة ؛ فقبله(٤) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٥٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٥٨ / ١٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٣٥ / ١٠٦.

(٢) أحكام القرآن - للجصّاص - ٣ : ١٣١ - ١٣٢.

(٣) الكافي ٤ : ٥٩ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٥٨ / ١٥٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٥ / ١٠٧.

(٤) مسند أحمد ٥ : ٣٥٤ ، المعجم الكبير ٦ : ٢٣٢ - ٢٣٣ / ٦٠٧٦ و ٢٤٤ - ٢٤٥ / ٦١١٧ و ٢٤٩ / ٦١٢١ و ٢٥٩ / ٦١٥٥ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ١٦ ، وشرح معاني الآثار ٢ : ١٠.

٢٧٠

ولعموم قولهعليه‌السلام : ( إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة )(١) .

وهو أحد قولي الشافعي. والثاني : أنّها تحلّ ، كما تحلّ لآله(٢) .

والفرق : فضيلته عليهم ، وتميّزه عنهم.

والوجه عندي : أنّ حكم الأئمةعليهم‌السلام حكمه في ذلك.

وأمّا باقي آله فتحرم عليهم الصدقة المفروضة ، على ما تقدّم(٣) .

وهل تحلّ المندوبة؟ المشهور ذلك ، وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٤) ، لأنّ عليّا وفاطمةعليهما‌السلام وقفا على بني هاشم(٥) ، والوقف صدقة.

وروى الجمهور عن الصادقعليه‌السلام عن أبيه الباقرعليه‌السلام أنّه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة ، فقلت له : تشرب من الصدقة؟

فقال : « إنّما حُرِّمت علينا الصدقة المفروضة »(٦) .

ويجوز أن يأخذوا من الوصايا للفقراء ، ومن النذور.

وعن أحمد رواية بالمنع ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : ( إنّا لا تحلّ لنا الصدقة )(٧) .

____________________

(١) شرح معاني الآثار ٢ : ١٠ ، وصحيح مسلم ٢ : ٧٥١ ذيل الحديث ١٠٦٩ ، وكنز العمال ٦ : ٤٥٧ / ١٦٥٢٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

(٢) المجموع ٦ : ٢٣٩ - ٢٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٩ ، أحكام القرآن - للجصاص - ٣ : ١٣٢.

(٣) تقدم في المسألة ١٨٠.

(٤) المجموع ٦ : ٢٣٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٩ ، المغني ٢ : ٥٢٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٠.

(٥) الكافي ٧ : ٤٨ / ٢ و ٤.

(٦) المغني ٢ : ٥٢٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٣ ، مختصر المزني : ١٥٩.

(٧) المغني ٢ : ٥٢٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٠ ، وانظر : صحيح مسلم ٢ : ٧٥١ ذيل الحديث ١٠٦٩ ، وسنن أبي داود ٢ : ١٢٣ / ١٦٥٠ ، ومسند أحمد ٢ : ٤٤٤.

٢٧١

والجواب : الحمل على المفروضة ؛ جمعاً بين الأدلّة.

أمّا الكفّارة فيحتمل التحريم ؛ لأنّها واجبة ، فأشبهت الزكاة.

والأقوى : الجواز ؛ للأصل وانتفاء المانع ؛ فإنّها ليست زكاة ، ولا هي أوساخ الناس.

مسألة ١٨٣ : وتحلّ الصدقة الواجبة والمندوبة لموالي بني هاشم‌ - وهُم من أعتقهم هاشمي - عند علمائنا أجمع - وهو قول أكثر العلماء ، والشافعي في أحد القولين(١) - لوجود المقتضي وهو : العموم ، وأصالة الإِباحة ، وثبوت الفقر ، وانتفاء المانع وهي القرابة ، فلم يمنعوا كسائر الناس ، ولأنّهم لم يعوّضوا عنها بالخمس ، فإنّهم لا يعطون منه ، فلا يجوز أن يحرموها كسائر الناس.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « تحلّ لمواليهم »(٢) .

وقال أحمد بالتحريم ؛ وهو الثاني للشافعي ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث رجلاً من بني مخزوم على الصدقة ، فقال لأبي رافع : اصحبني كيما تصيب منها ؛ فقال : لا ، حتى آتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأسأله ، فانطلق إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسأله ، فقال : ( إنّا لا تحلّ لنا الصدقة ، وأنّ موالي القوم منهم )(٣) .

ولأنّهم ممّن يرثهم بنو هاشم بالتعصيب فلم يجز دفع الصدقة إليهم كبني هاشم(٤) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٥١٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٠٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨١ ، المجموع ٦ : ٢٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٦٠ / ١٦٠ ، الاستبصار ٢ : ٣٧ / ١١٤.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٤٦ / ٦٥٧ ، سنن النسائي ٥ : ١٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٣ / ١٦٥٠ ، وسنن البيهقي ٧ : ٣٢.

(٤) المغني ٢ : ٥١٧ - ٥١٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٠٩ - ٧١٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨١ ، المجموع ٦ : ٢٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٩.

٢٧٢

وجاز اختصاص أبي رافع بالمنع ؛ لكونه مولى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيتميّز عن غيره. ونمنع العلّة في الثاني.

مسألة ١٨٤ : وقد أجمع العلماء على تحريم الصدقة على بني عبد المطلب‌ وهم الآن أولاد أبي طالب والعباس والحارث وأبي لهب ؛ لقولهعليه‌السلام : ( يا بني عبد المطّلب [ إنّ الصدقة ](١) لا تحلّ لي ولا لكم )(٢) .

وقالعليه‌السلام : ( إنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ الصدقة لا تحلّ لولد العباس ولا لنظرائهم من بني هاشم »(٤) .

وهل تحرم على أولاد المطّلب؟ أكثر علمائنا على المنع من التحريم(٥) ، وبه قال أبو حنيفة(٦) ، للعموم والأصل.

ولأنّ بني المطلب وبني نوفل و [ بني ](٧) عبد شمس قرابتهم واحدة ، وإذا لم يمنع بنو نوفل وبنو عبد شمس فكذا بنو المطّلب.

وقال الشافعي بالتحريم عليهم(٨) . وهو قول شاذ للمفيد(٩) منّا ؛ لقولهعليه‌السلام : ( نحن وبنو المطّلب هكذا - وشبّك بين أصابعه - لم نفترق في جاهلية ولا إسلام )(١٠) .

____________________

(١) زيادة من المصدر.

(٢) المعتبر : ٢٨٢ ، والتهذيب ٤ : ٥٨ / ١٥٤.

(٣) المعتبر : ٢٨٢ ، والتهذيب ٤ : ٥٨ / ١٥٥.

(٤) التهذيب ٤ : ٥٩ / ١٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٣٥ - ٣٦ / ١٠٩.

(٥) كما في المعتبر : ٢٨٢.

(٦) المغني ٢ : ٥١٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٩.

(٧) زيادة تقتضيها العبارة.

(٨) المهذب للشيرازي ١ : ١٨١ ، المجموع ٦ : ٢٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٨.

(٩) حكى قوله عن الرسالة العزّية ، المحقق في المعتبر : ٢٨٢.

(١٠) سنن أبي داود ٣ : ١٤٦ / ٢٩٨٠.

٢٧٣

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « لو كان عدل ما احتاج هاشمي ولا مطّلبي إلى صدقة ، إنّ الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم ، ولا تحلّ لأحد منهم إلّا أن لا يجد شيئاً ، ويكون ممّن تحلّ له الميتة »(١) .

ويحمل الأول على الاتّحاد في الشرف أو المودّة أو الصحبة أو النصرة لا على صورة النزاع.

والثاني خبر واحد ترك العمل به أكثر الأصحاب ، فلا يخصّ به العموم المقطوع.

مسألة ١٨٥ : ولا تحرم على زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ‌ عند علمائنا ، وهو قول أكثر العلماء ؛ للعموم والأصل.

وعن أحمد رواية بالتحريم ؛ لأنّ عائشة ردّت سفرة من الصدقة وقالت : إنّا آل محمد لا تحلّ لنا الصدقة(٢) .

وهو نادر لم يعمل به أكثر العلماء ، فلا يخصّ به عموم القرآن.

مسألة ١٨٦ : ولو لم يحصل للهاشمي من الخمس بقدر كفايته جاز أن يأخذ الزكاة المفروضة‌ عند علمائنا ، وبه قال أبو سعيد الاصطخري(٣) ؛ لأنّ المنع إنّما كان لاستغنائهم بالخُمس ، وحرمت عليهم الصدقة ، وجعل لهم الخُمس في مقابلة ذلك ، فإذا لم يحصل لهم الخمس حلّت لهم الصدقة ، ولهذا قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للفضل بن العباس : ( أليس في خُمس الخُمس ما يكفيكم عن أوساخ الناس؟ )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « أعطوا من الزكاة بني هاشم مَن أرادها فإنّها تحلّ لهم ، وإنّما تحرم على النبي وعلى الإِمام الذي‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٥٩ / ١٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٦ / ١١١.

(٢) المغني ٢ : ٥١٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٠ ، وانظر : مصنف ابن أبي شيبة ٣ : ٢١٤.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨١ ، المجموع ٦ : ٢٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٩.

(٤) أورده ابن قدامة في المغني ٢ : ٥١٨.

٢٧٤

يكون بعده وعلى الأئمة »(١) .

وليس المراد بذلك حالة الاستغناء بالخُمس ؛ لتحريمها عليهم إجماعاً ، فتعيّن أن يكون حال الضرورة. وفارقوا النبي والأئمةعليهم‌السلام ، لعُلُوّ منصبهم وزيادة شرفهم ، فلا تحلّ لهم حال الضرورة.

وقال الباقون بالتحريم(٢) ؛ لأنّ الصدقة حرمت في مقابلة استحقاق خُمس الخُمس ، والاستحقاق باقٍ وإن لم يكن ما يستحقّ أو لم يصل إليهم وهو ممنوع ، بل التحريم في مقابلة الاستغناء ؛ لمفهوم الحديث(٣) .

البحث الثالث

في الأحكام‌

مسألة ١٨٧ : لو اجتمع لواحد سببان‌ يستحقّ بكلّ منهما سهماً من الصدقات أو أكثر من سببين جاز أن يأخذ بهما وبالزائد عند علمائنا - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّ سبب الاستحقاق موجود في كلّ واحد من النصيبين ، فاستحقّ الأخذ ، كما أنّ الغانمين إذا كان فيهم مسكين من ذوي القربى استحقّ سهم الحضور وذي القربى.

وقال في الآخر : لا يجوز الأخذ بهما ، بل تخيَّر في الأخذ بأيّهما شاء(٥) ، لأنّ قوله تعالى( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) (٦) يقتضي‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٥٩ / ٦ ، الفقيه ٢ : ١٩ / ٦٥ ، التهذيب ٤ : ٦٠ / ١٦١.

(٢) كالفيروزآبادي في المهذب ١ : ١٨١ ، والقفّال الشاشي في حلية العلماء ٣ : ١٦٨ - ١٦٩ وأكثر الشافعية كما في المجموع ٦ : ٢٢٧.

(٣) وهو قولهعليه‌السلام : ( أليس في خمس الخمس ما يكفيكم؟ ) الى آخره. ومرّ الحديث آنفاً.

(٤ و ٥ ) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٣.

(٦) التوبة : ٦٠.

٢٧٥

تغايرهما ، وأنّ كلّ صنف غير الصنف الآخر.

ولا حجّة فيه ؛ لعدم دلالة الآية على تضادّهما ، ولأنّ التقدير اجتماعهما وكلٌّ منهما علّة ، فيقتضي معلوله ، وهو الاستحقاق.

تذنيب : للإِمام أن يعطيه بأحد الوجهين وبهما معاً ، فإن أعطاه بواحد ، فإن كان بالفقر كان أخذاً مستقراً ، وإن كان بالغرم كان مراعىً بقضاء الدَّين ، ولو كان بالدفع بأحد السببين يخرج من الاندراج تحت السبب الآخر ، منع مع الدفع ، كالعامل الفقير إذا دفع اليه سهم العمالة فاستغنى به.

مسألة ١٨٨ : يجوز دفع الزكاة إلى صاحب دار السكنى وعبد الخدمة وفرس الركوب وثياب التجمّل‌ ، ولا نعلم فيه خلافاً ، لإِمساس الحاجة إلى هذه الأشياء ، وعدم الخروج بها عن حدّ الفقر إلى الغني.

ولأنّ سماعة سأل الصادقعليه‌السلام عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم؟ فقال : « نعم إلّا أن تكون داره دارَ غلّة فيخرج من غلّتها دراهم تكفيه وعياله ، فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم في غير إسراف فقد حلّت له الزكاة ، وإن كانت غلّتها تكفيهم فلا »(١) .

فروع :

أ - لو كانت دار السكنى تزيد عنه وفي بعضها كفاية له ففي منعه بسبب الزيادة إذا كانت قيمتها تكفيه حولاً إشكال.

ب - لو كانت حاجته تندفع بأقلّ منها قيمة لم يكلَّف بيعها وشراء الأدون ، وكذا في العبد والفرس.

ج - الوجه اختصاص ذلك بمن يعتاد استخدام العبد وركوب الفرس‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦٠ - ٥٦١ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٤٨ - ٤٩ / ١٢٧ و ١٠٧ / ٣٠٨ ، والفقيه ٢ : ١٧ - ١٨ / ٥٧.

٢٧٦

وثياب التجمّل دون غيره.

د - لو احتاج إلى أكثر من واحد فكالواحد.

مسألة ١٨٩ : لو قصر التكسّب عن ( مؤونته )(١) ومؤونة عياله جاز أن يأخذ الزكاة‌ إجماعاً ، واختلف علماؤنا ، فقال بعضهم : يأخذ قدر التتمة لا أزيد(٢) ، لأنّه حينئذٍ يصير غنيّاً فتحرم عليه الزيادة.

وقال آخرون يجوز أن يأخذ أزيد(٣) . وهو الأقوى ، كما يجوز دفع ما يزيد على الغنى إلى الفقير دفعةً ، والغنى إنّما يحصل بالدفع.

ونحن نمنع من الدفع ثانياً بعد دفع ما يعوزه من المؤونة.

مسألة ١٩٠ : لو كان القريب الذي تحرم الصدقة عليه يحتاج إلى ما يزيد عن نفقته جاز دفع ذلك إليه‌ كنفقة زوجته وخادمه والتوسعة عليه وقضاء دينه ؛ لثبوت المقتضي وهو الاحتياج.

ولأنّ عبد الرحمن بن الحجاج سأل الكاظمعليه‌السلام عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه تكفيه مؤونته أيأخذ من الزكاة فيتوسّع به إن كانوا لا يوسّعون عليه في كلّ ما يحتاج اليه؟ فقال : « لا بأس »(٤) .

مسألة ١٩١ : يشترط في العامل : البلوغ والعقل‌ إجماعاً ؛ لأنّ ذلك نوع ولاية ، والصغير والمجنون ليسا أهلاً لها.

وشرط الشيخ الحُرّية(٥) . وبه قال الشافعي(٦) ، لأنّ الرقّ ينافي الولاية.

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ط » و « ن » : كفايته.

(٢) حكاه المحقق في شرائع الإِسلام ١ : ١٥٩ - ١٦٠.

(٣) ممّن قال بذلك : المحقق في شرائع الإِسلام ١ : ١٥٩ و ١٦٠.

(٤) الكافي ٣ : ٥٦١ / ٥ ، التهذيب ٤ : ١٠٨ / ٣١٠.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٤٨.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٤١ - ١٤٢ ، المغني ٧ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩١.

٢٧٧

ولو قيل بالجواز كان وجهاً ، لأنّه نوع استئجار ، مع أنّ قول الشيخ لا يخلو من قوة ؛ لأنّه تعالى أضاف إليه بلام التمليك.

ويشترط فيه الإِسلام إجماعاً - إلّا رواية عن أحمد أنّه يجوز أن يكون كافراً(١) - لقوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ ) (٢) يعني من دون المسلمين.

ودفع أبو موسى الأشعري إلى عمر حساباً فاستحسنه فقال : من كتب هذا؟

فقال : كاتبي. فقال : وأين هو؟ قال : على باب المسجد. قال أجنب هو؟ قال : لا ولكن هو نصراني. فقال : لا تأتمنوهم وقد خوّنهم الله ولا تقرّبوهم وقد ( أبعدهم )(٣) الله(٤) .

ولأنّ في ذلك ولايةً على المسلمين وقد قال الله تعالى( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٥) والعموم مخصوص بهذه الأدلّة.

ويشترط فيه : الإِيمان والعدالة ؛ لأنّ غير المؤمن فاسق والفاسق ليس أهلاً للأمانة ، فلا بدّ وأن يكون أميناً ؛ لأنّه يلي مال غيره.

ويجب أن يكون فقيهاً في الزكاة ليكون عارفاً بقدر الواجب وصفته ومصرفه ، وبه قال الشافعي(٦) .

ويجب أن لا يكون من ذوي القربى - وهو أحد وجهي الشافعية ، وبه قال الشافعي(٧) - لأنّ الفضل بن العباس والمطّلب بن ربيعة سألا النبي عليه‌

____________________

(١) المغني ٧ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٠.

(٢) آل عمران : ١١٨.

(٣) في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : ( بعَّدَهم ) وما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

(٤) راجع : المغني ٧ : ٣١٨ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٩٠ - ٦٩١.

(٥) النساء : ١٤١.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٢.

(٧) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٢ ، المغني ٧ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩١.

٢٧٨

السلام أن يولّيهما العمالة ، فقال لهما : ( إنّما الصدقات أوساخ أيدي الناس وأنّها لا تحلّ لمحمد وآل محمد ، أليس في خمس الخمس ما يغنيكم عن أوساخ الناس؟ )(١) .

وقال بعض الشافعية : يجوز ؛ لأنّ ما يأخذه أجرة ، فلا يمنع القرابة منه ، كاُجرة النقّال والحافظ(٢) .

ويفارق النقّال والحافظ ؛ لأنّه يأخذ سهماً من الصدقة.

فروع :

أ - يجوز أن يكون مولى ذوي القربى عاملاً ؛ لأنّه يستحق الزكاة بالفقر عندنا ، فكذا بغيره من الأسباب. وللشافعي وجهان(٣) .

ب - يجوز أن يكون العامل من ذوي القربى ، ولا يأخذ أجره من الصدقة ، بل يتبرّع بالعمل ، أو يدفع إليه الإِمام شيئاً من بيت المال - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ المقتضي للمنع الأخذ من الزكاة وهو منتفٍ هنا.

ج - لو كان فقيراً لا يصل إليه من الخُمس شي‌ء جاز أن يكون عاملاً عندنا ، ويأخذ النصيب.

مسألة ١٩٢ : الساعي أمين إذا تلفت الزكاة في يده بغير ( تفريط )(٥) لم يضمن‌ إجماعاً ؛ لأنّ قبضه قبض أمانة ، وكان له الاُجرة من سهم المصالح إن كان الإِمام قد جعل اُجرته من بيت المال ، وإن لم يجعل له ذلك ففي سقوط‌

____________________

(١) راجع صحيح مسلم ٢ : ٧٥٢ - ٧٥٤ / ١٦٧ و ١٦٨ ، والمهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، والمغني ٢ : ٥١٨.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٢ ، المغني ٧ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩١.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٢.

(٤) المجموع ٦ : ١٦٨.

(٥) في « ن » و « ف » : تفريطه.

٢٧٩

الاُجرة هنا إشكال ينشأ من أنّه عامل لما يستحق به عوضاً فلا تسقط اُجرته بتلف ما تعلّقت الاُجرة عليه ، ومن كون الاُجرة قد فات محلّها فلا ينتقل إلى محلّ آخر.

والأقرب : الأول.

مسألة ١٩٣ : تعطى الزكاة أطفال المؤمنين عند حاجتهم ، ولا يشترط عدالة الأب‌ ؛ لعموم الآية(١) .

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله أبو بصير : الرجل يموت ويترك العيال أيعطون من الزكاة؟ : « نعم فإذا بلغوا وعدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم »(٢) .

إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يكون قد أكل الطعام أو لا عند علمائنا - وهو إحدى الروايتين عن أحمد(٣) - لأنّه فقير فجاز الدفع إليه كالذي طعم.

ولأنّه يحتاج إلى الزكاة لأجر رضاعه وكسوته وسائر مؤونته ، فيدخل في عموم النص.

وعنه رواية اُخرى : أنّه لا يجوز دفعها إلّا إلى من أكل الطعام(٤) . وهذا ليس بشي‌ء.

فروع :

أ - لا يجوز الدفع إلى الصغير وإن كان مميّزاً ، لأنّه ليس محلّ الاستيفاء لماله من الغرماء فكذا هنا.

وعن أحمد رواية : جواز دفعها إلى اليتيم المميّز ، لأنّ أبا جحيفة قال : بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ساعياً ، فأخذ الصدقة من أغنيائنا فردَّها في‌

____________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤٨ - ٥٤٩ / ١ ، التهذيب ٤ : ١٠٢ / ٢٨٧.

(٣ و ٤ ) المغني ٢ : ٥٠٨.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460