تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182559 / تحميل: 6068
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

في ذلك قاهر غيره فيجبره على الفعل أو يمنعه من الفعل كما في سائر أفعاله تعالى فإنّه تعالى يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد.

فلا ينافي ذلك كون فعله ملازماً لحكم و مصالح و مختلفاً باختلاف الاستعدادات لا يقع إلّا عن استعداد في المحلّ و صلاحية للقبول فإنّ استعداد المستعدّ ليس إلّا كسؤال السائل، فكما أنّ سؤال السائل إنّما يقرّبه من جود المسؤل و عطائه من غير أن يجبره على الإعطاء و يقهره كذلك الاستعداد في تقريبه المستعدّ لإفاضته تعالى و حرمان غير المستعدّ من ذلك فهو تعالى يفعل ما يشاء من غير أن يوجبه عليه شي‏ء أو يمنعه عنه شي‏ء لكنّه لا يفعل شيئاً و لا يفيض رحمة إلّا عن استعداد فيما يفيض عليه و صلاحية منه.

و قد أفاد ذلك في خصوص الرسالة حيث قال:( وَ إِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى‏ مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ، اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ ) الأنعام: ١٢٤ فإنّ الآية ظاهرة في أنّ الموارد مختلفة في قبول كرامة الرسالة و أنّ الله سبحانه أعلم بالمورد الّذي يصلح لها و يستأهل لتلك الكرامة و هو غير هؤلاء المجرمين الماكرين و أمّا هم فليس لهم عندالله إلّا الصغار و العذاب لإجرامهم و مكرهم. هذا.

و من هنا يظهر فساد استدلال بعضهم بالآية على نفي المرجّح في مورد الرسالة و محصّل ما ذكره أنّ الآية تعلّق الرسالة على مجرّد المشيّة الإلهيّة من غير أن تقيّدها بشي‏ء، فالرسول إنّما ينال الرسالة بمشيّة من الله لا لاختصاصه بصفات تؤهّله لذلك و يرجّحه على غيره و وجه الفساد ظاهر ممّا تقدّم.

و نظيره في الفساد الاستدلال بالآية على كون الرسالة عطائيّة غير كسبيّة، و ذلك أنّه تعالى غير محكوم عليه في ما ينسب إليه من الفعل لا يفعل إلّا ما يشاء، و الاُمور العطائيّة و الكسبيّة في ذلك سواء، و لا شي‏ء يقع في الوجود إلّا بإذنه.

و قوله:( أَنْ أَنْذِرُوا أنّه لا إِلهَ إلّا أَنَا فَاتَّقُونِ ) بيان لقوله:( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ ) لكونه في معنى الوحي أو بيان للروح بناء على كونه بمعنى الوحي، و الإنذار

٢٢١

هو إخبار فيه تخويف، كما أنّ التبشير هو إخبار فيه سرور على ما ذكره الراغب أو إعلام بالمحذور كما ذكره غيره، و التقدير على الأوّل أخبروهم مخوّفين بوحدانيّتي في الاُلوهيّة و وجوب تقواي، و على الثاني أعلموهم ذلك، على أن يكون( أَنَّهُ ) مفعولاً ثانياً لا منصوباً بنزع الخافض.

و قد علم بذلك أنّ قوله:( فَاتَّقُونِ ) متفرّع على قوله:( لا إِلهَ إلّا أَنَا ) و الجملتان جميعاً مفعول ثان أو في موضعه لقوله:( أَنْذِرُوا ) و يوضح ذلك أنّ لا إله و هو الّذي يبتدئ منه و ينتهي إليه كلّ شي‏ء أو المعبود بالحقّ من لوازم صفة اُلوهيّته أن يتّقيه الإنسان لتوقّف كلّ خير و سعادة إليه، فلو فرض أنّه واحد لا شريك له في اُلوهيّته كان لازمه أن يتّقى وحده لأنّ التقوى و هو إصلاح مقام العمل فرع لما في مقام الاعتقاد و النظر، فعبادة الآلهة الكثيرين و الخضوع لهم لا يجامع الاعتقاد بإله واحد لا شريك له الّذي هو القيّوم على كلّ شي‏ء و بيده زمام كلّ أمر و لذا لم يؤمر نبيّ أن يدعو إلى توحيد من غير عمل أو إلى عمل من غير توحيد، قال تعالى:( وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلّا نُوحِي إِلَيْهِ أنّه لا إِلهَ إلّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء: ٢٥.

فالّذي اُمر الرسل بالإنذار به في الآية هو مجموع قوله:( أَنَّهُ لا إِلهَ إلّا أَنَا فَاتَّقُونِ ) و هو تمام الدين لاندراج الاعتقادات الحقّة في التوحيد و الأحكام العمليّة جميعاً في التقوى، و لا يعبؤ بما ذكره بعضهم أنّ قوله:( فَاتَّقُونِ ) للمستعجلين من الكفّار المذكورين في الآية الاُولى أو لخصوص كفّار قريش من غير أن يكون داخلاً فيما اُمر به الرسل من الإنذار.

قوله تعالى: ( خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالحقّ تَعالى‏ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) تقدّم معنى خلق السماوات و الأرض بالحقّ، و لازم خلقها بالحقّ أن لا يكون للباطل فيها أثر، و لذلك عقّبه بتنزيهه عن الشركاء الّذين يدعونهم ليشفعوا لهم عندالله و يهدوهم إلى الخير و يقوهم الشرّ فإنّهم من الباطل الّذي لا أثر له.

و في الآية و الآيات التالية لها احتجاج على وحدانيّته تعالى في الاُلوهيّة و الربوبيّة من جهتي الخلق و التدبير جميعاً فإنّ الخلق و الإيجاد آية الاُلوهيّة و

٢٢٢

كون الخلق بعضها نعمة بالنسبة إلى بعض آية الربوبيّة لأنّ الشي‏ء لا يكون نعمة بالنسبة إلى آخر إلّا عن ارتباط بينهما و اتّصال من أحدهما بالآخر يؤدّي إلى نظام جامع بينهما و تدبير واحد يجمعهما، و وحدة التدبير آية وحدة المدبّر فكون ما في السماوات و الأرض من مخلوق نعما للإنسان يدلّ على أنّ الله سبحانه وحده ربّه و ربّ كلّ شي‏ء.

قوله تعالى: ( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ) المراد به الخلق الجاري في النوع الإنسانيّ و هو جعل نسله من النطفة فلا يشمل آدم و عيسىعليهما‌السلام .

و الخصيم صفة مشبهة من الخصومة و هي الجدال، و الآية و إن أمكن أن تحمل على الامتنان حيث إنّ من عظيم المنّ أن يبدّل الله سبحانه بقدرته التامّة قطرة من ماء مهين إنساناً كامل الخلقة منطيقا متكلّما ينبئ عن كلّ ما جلّ و دقّ ببيانه البليغ لكن كثرة الآيات الّتي توبّخ الإنسان و تقرّعه على وقاحته في خصامه في ربّه كقوله تعالى:( أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ ) يس: ٧٨ ترجّح أن يكون المراد بذيل الآية بيان وقاحة الإنسان.

و يؤيّد ذلك أيضاً بعض التأييد ما في ذيل الآية السابقة من تنزيهه تعالى من شركهم.

قوله تعالى: ( وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ‏ءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ ) الأنعام جمع نعم و هي الإبل و البقر و الغنم سمّيت بذلك لنعمة مسّها بخلاف الحافر الّذي يصلب كذا في المجمع، و في المفردات: الدف‏ء خلاف البرد. انتهى. و كأنّ المراد بالدف‏ء ما يحصل من جلودها و أصوافها و أوبارها من الحرارة للاتّقاء من البرد، أو المراد بالدف‏ء ما يدفؤء به.

و المراد بالمنافع سائر ما يستفاد منها لغير الدف‏ء من أصوافها و أوبارها و جلودها و ألبانها و شحومها و غير ذلك، و قوله:( لَكُمْ ) يمكن أن يكون متعلّقا بقوله:( خَلَقَها ) و يكون قوله:( فِيها دِفْ‏ءٌ وَ مَنافِعُ ) حالا من ضمير( خَلَقَها ) و

٢٢٣

يمكن أن يكون( لَكُمْ ) ظرفا مستقرّاً متعلّقاً بالجملة الثانية أي في الأنعام دف‏ء كائنا لكم.

قوله تعالى: ( وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ ) الجمال الزينة و حسن المنظر، قال في المجمع: الإراحة ردّ الماشية بالعشيّ من مراعيها إلى منازلها و المكان الّذي تراح فيه مراح، و السروح خروج الماشية إلى المرعى بالغداة، يقال: سرحت الماشية سرحا و سروحا و سرحها أهلها. انتهى.

يقول تعالى: و لكم في الأنعام منظر حسن حين تردّونها بالعشي إلى منازلها و حين تخرجونها بالغداة إلى مراعيها.

قوله تعالى: ( وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى‏ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إلّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) الأثقال جمع ثقل و هو المتاع الّذي يثقل حمله و المراد بقوله:( بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ) مشقّة تتحمّلها الأنفس في قطع المسافات البعيدة و المسالك الصعبة.

و المراد أنّ الأنعام كالإبل و بعض البقر تحمل أمتعتكم الثقيلة إلى بلد ليس يتيسّر لكم بلوغها إلّا بمشقّة تتحمّلها أنفسكم فرفع عنكم المشاقّ بخلقها و تسخيرها لكم إنّ ربّكم رؤف رحيم.

قوله تعالى: ( وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ ) معطوف على الأنعام فيما مرّ أي و الخيل و البغال و الحمير خلقها لكم لتركبوها، و زينةً أي إنّ في خلقها ارتباطاً بمنافعكم و ذلك أنّكم تركبونها و تتّخذونها زينة و جمالاً، و قوله:( وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ ) أي يخلق ما لا علم لكم به من الحيوان و غيره، و سخّرها لكم لتنتفعوا بها، و الدليل على ما قدّرناه هو السياق.

قوله تعالى: ( وَ عَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) القصد - على ما ذكره الراغب و غيره - استقامة الطريق و هو كونه قيّما على سالكيه أوصلهم إلى الغاية، و الظاهر أنّ المصدر بمعنى الفاعل و الإضافة من إضافة الصفة إلى موصوفها و المراد السبيل القاصد بدليل مقابلته بقوله:( و منها جائر) أي و من السبيل ما

٢٢٤

هو جائر أي مائل عن الغاية يورد سالكيه غيرها و يضلّهم عنها.

و المراد بكون قصد السبيل على الله وجوب جعل سبيل قاصد عليه تعالى يسلكه عباده فيوردهم مورد السعادة و الفلاح و إذ لا حاكم غيره يحكم عليه فهو الّذي أوجب على نفسه أن يجعل لهم طريقاً هذا نعته ثمّ يهديهم إليه أمّا الجعل فهو ما جهّز الله كلّ موجود و منها الإنسان من القوى و الأدوات بما لو استعملها كما نظمت أدّته إلى سعادته و كماله المطلوب قال تعالى:( الَّذِي أَعْطى‏ كلّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) طه: ٥٠ و قال في الإنسان خاصّة:( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ) الروم: ٣٠.

و أمّا الهداية فهي الّتي فعلها من ناحية الفطرة و ثنّاها بما من طريق بعث الرسل و إنزال الكتب و تشريع الشرائع قال تعالى:( وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها ) الشمس: ٨ و قال:( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً ) الدهر: ٣.

و إنّما أدرج سبحانه هذه الآية بين هذه الآيات الّتي سياقها عدّ النعم العلويّة و السفليّة من السماء و الأرض و الأنعام و الخيل و البغال و الحمير و الماء النازل من السماء و الزرع و نظائرها لما أنّ الكلام انجرّ في آيتي الأنعام و الخيل إلى معنى قطع الطرق و ركوب المراكب فناسب أن يذكر ما أنعم به من الطريق المعنويّ الموصل للإنسان إلى غايته الحقيقيّة يبتغيها في مسير الحياة كما أنعم بمثله في عالم المادّة و نشأة الصورة.

فذكر سبحانه أنّ من نعمه الّتي منّ بها على عباده أن أوجب على نفسه لهم سبيلا قاصدا يوصلهم إلى سعادة حياتهم فجعله لهم و هداهم إليه.

و قد نسب سبحانه قصد السبيل إلى نفسه دون السبيل الجائر لأنّ سبيل الضلال ليس سبيلاً مجعولاً له و في عرض سبيل الهدى و إنّما هو الخروج عن السبيل و عدم التلبّس بسلوكه فليس بسبيل حقيقة و إنّما هو عدم السبيل.

و كيف كان فالآية ظاهرة في نسبة قصد السبيل إليه تعالى و ترك نسبة السبيل

٢٢٥

الجائر المؤدّي بسبب المقابلة إلى نفي نسبته إليه تعالى.

و إذ كان من الممكن أن يتوهّم أنّ لازم جعله قصد السبيل أن يكون مكفوراً في نعمته مغلوباً في تدبيره و ربوبيّته حيث جعل السبيل و لم يسلكه الأكثرون و هدى إليه و لم يهتد به المدعوّون دفعه بقوله تعالى:( وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) أي إنّ عدم اهتداء الجميع ليس لعجز منه سبحانه عن ذلك أو غلبة من هؤلاء المتخلّفين و ظهورهم عليه بل لأنّه تعالى لم يشأ ذلك و لو شاء لم يسعهم إلّا أن يهتدوا جميعاً فهو القاهر الغالب على كلّ حال.

و بعبارة اُخرى السبيل القاصد الّذي جعله الله تعالى هو السبيل المبنيّ على اختيار الإنسان يقطعه بإتيان الأعمال الصالحة و اجتناب المعاصي عن اختيار منه، و ما هذا شأنه لم يكن ممّا يجبر عليه و لا عامّاً للجميع فإنّ الطبائع متنوّعة و التراكيب مختلفة و لا محالة تتنوّع آثارها، و يختلف الأفراد بالإيمان و الكفر و التقوى و الفجور و الطاعة و المعصية.

و الآية ممّا تشاجرت فيها الأشاعرة و المعتزلة من فرق المسلمين فاستدلّت المعتزلة بأنّ تغيير الاُسلوب بجعل قصد السبيل على الله دون السبيل الجائر للدلالة على ما يجوز إضافته إليه تعالى و ما لا يجوز كما ذكره في الكشّاف.

و تكلّفت الأشاعرة في الجواب عنه فمن مجيب بأنّ السبيلين جميعاً منه تعالى و إنّما لم ينسب السبيل الجائر إليه تأدّباً، و من مجيب بأنّ المراد بقوله:( وَ عَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) أنّ عليه تعالى بيان السبيل الحقّ فضلاً و كرماً منه دون بيان السبيل الجائر و أمّا أصل الجعل فهما جميعاً مجعولان له تعالى، و من منكر أن يكون تغيير الاُسلوب في الآية لأمر مطلوب.

و الحقّ أنّ دلالة الآية على كون قصد السبيل مضافاً إليه تعالى دون السبيل الجائر ممّا لا ريب فيه لكنّ ذلك لا يستلزم كون السبيل الجائر مخلوقاً لغيره تعالى لما تقدّم أنّ سبيل الضلال ليس بسبيل حقيقة بل حقيقته عدم سلوك سبيل الهدى كما أنّ الضلال عدم الهدى فليس بأمر موجود حتّى ينسب خلقه و إيجاده إليه تعالى

٢٢٦

و إنّما ينسب الضلال إليه تعالى فيما ينسب بمعنى عدم هدايته للضالّ أي عدم إيجاده الهدى في نفسه.

و مع ذلك فالّذي ينسب إليه من الضلال كما في قوله:( يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) فاطر: ٨ و قوله:( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً ) البقرة: ٢٦ هو الضلال بطريق المجازاة دون الضلال الابتدائيّ، كما يفسره قوله:( وَ ما يُضِلُّ بِهِ إلّا الْفاسِقِينَ ) البقرة: ٢٦ فإذا فسق الإنسان و خرج بسوء اختياره عن زيّ العبوديّة بأن عصى و لم يرجع و هو ضلاله الابتدائيّ من قبل نفسه جازاه الله بالضلال بأن أثبته على حاله و لم يقض عليه الهدى.

و أمّا الضلال الابتدائي من الإنسان فإنّما هو انكفاف و قصور عن الطاعة و قد هداه الله من طريق الفطرة و دعوة النبوّة.

قوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَ مِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ) شروع في نوع آخر من النعم و هي النعم النباتيّة الّتي يقتات بها الإنسان و غيره و ما سخّر له لتدبير أمرها كالليل و النهار و الشمس و القمر و ما يحذو حذوها، و لذلك غيّر السياق فقال:( هُوَ الَّذِي ) إلخ، و لم يقل: و أنزل من السماء.

و قوله:( تُسِيمُونَ ) من الإسامة و هي رعي المواشي و منه السائمة للماشية الراعية و( مِنَ ) الاُولى تبعيضيّة و الثانية نشؤيّة و الشجر من النبات ما له ساق و ورق و ربّما توسّع فاُطلق على ذي الساق و غيره جميعاً، و منه الشجر المذكور في الآية لمكان قوله:( فِيهِ تُسِيمُونَ ) و الباقي واضح.

قوله تعالى: ( يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَ الزَّيْتُونَ وَ النَّخِيلَ وَ الْأَعْنابَ وَ مِنْ كلّ الثَّمَراتِ ) إلخ، الزيتون شجر معروف و يطلق على ثمره أيضاً يقال: إنّه اسم جنس جمعيّ واحده زيتونة، و كذا النخيل، و يطلق على الواحد و الجمع، و الأعناب جمع عنبة و هي ثمرة شجرة الكرم و يطلق على نفس الشجرة كما في الآية، و السياق يفيد أنّ قوله:( وَ مِنْ كلّ الثَّمَراتِ ) تقديره و من كلّ الثمرات أنبت أشجارها. و لعلّ التصريح بأسماء هذه الثمرات الثلاث بخصوصها و عطف الباقي عليها لكونها ممّا يقتات بها غالبا.

٢٢٧

و لما كان في هذا التدبير العامّ الوسيع الّذي يجمع شمل الإنسان و الحيوان في الارتزاق به حجّة على وحدانيّته تعالى في الربوبيّة ختم الآية بقوله:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) .

قوله تعالى: ( وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ ) إلى آخر الآية قد تكرّر الكلام في معنى تسخير الليل و النهار و الشمس و القمر و النجوم، و لكون كلّ من المذكورات و كذا مجموع الليل و النهار و مجموع الشمس و القمر و النجوم ذا خواصّ و آثار في نفسه من شأنه أن يستقلّ بإثبات وحدانيّته في ربوبيّته تعالى ختم الآية بقوله:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) فجمع الآيات في هذه الآية بخلاف الآيتين السابقة و اللاحقة.

قوله تعالى: ( وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ) الذرء الخلق، و اختلاف ألوان ما ذرأه في الأرض غير ما مرّ كما يختلف ألوان المعادن و سائر المركّبات العنصريّة الّتي ينتفع بها الإنسان في معاشه و لا يبعد أن يكون اختلاف الألوان كناية عن الاختلاف النوعيّ بينها فتقرب الآية مضموناً من قوله تعالى:( وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَ جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى‏ بِماءٍ واحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى‏ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ) الرعد: ٤ و قد تقدّم تقريب الاستدلال به.

و اختلاف الألوان فيما ذرأ في الأرض كإنبات الشجر و الثمر أمر واحد يستدلّ به على وحدانيّته في الربوبيّة و لذا قال:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ) و لم يقل: لآيات.

و هذه حجج ثلاث نسب الاُولى إلى الّذين يتفكّرون، و الثانية إلى الّذين يعقلون، و الثالثة إلى الّذين يتذكّرون، و ذلك أنّ الحجّة الاُولى مؤلّفة من مقدّمات ساذجة يكفي في إنتاجها مطلق التفكّر، و الثانية مؤلّفة من مقدّمات علميّة لا يتيسّر فهمها إلّا لمن غار في أوضاع الأجرام العلويّة و السفليّة و عقل آثار حركاتها و انتقالاتها، و الثالثة مؤلّفة من مقدّمات كلّيّة فلسفيّة إنّما ينالها الإنسان

٢٢٨

بتذكّر ما للوجود من الأحكام العامّة الكلّيّة كاحتياج هذه النشأة المتغيّرة إلى المادّة و كون المادّة العامّة واحدة متشابهة الأمر، و وجوب انتهاء هذه الاختلافات الحقيقيّة إلى أمر آخر وراء المادّة الواحدة المتشابهة.

قوله تعالى: ( وَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها ) إلخ و هذا فصل آخر من النعم الإلهيّة و هو نعم البحر و الجبال و الأنهار و السبل و العلامات و كان ما تقدّمه من الفصل مشتملاً على نعم البرّ و السهل من الأشجار و الأثمار و نحوها، و لذلك قال:( وَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ ) و لم يقل: و سخّر إلخ.

و الطريّ فعيل من الطراوة و هو الغضّ الجديد من الشي‏ء على ما ذكره في المفردات، و المخر شقّ الماء عن يمين و شمال، يقال: مخرت السفينة تمخر مخراً فهي ماخرة و مخر الأرض أيضاً شقّها للزراعة. على ما في المجمع و المراد بأكل اللحم الطريّ من البحر هو أكل لحوم الحيتان المصطادة منه، و باستخراج حلية تلبسونها ما يستخرج منه بالغوص من أمثال اللؤلؤ و المرجان الّتي تتحلّى و تتزيّن بها النساء.

و قوله:( وَ تَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ ) أي تشاهد السفائن تشقّ ماءه عن اليمين و الشمال، و لعلّ قوله:( وَ تَرَى ) من الخطابات العامّة الّتي لا يقصد بها مخاطب خاصّ و كثيراً ما يستعمل كذلك و معناه يراه كلّ راء و يشاهده كلّ من له أن يشاهد فليس من قبيل الالتفات من خطاب الجمع السابق إلى خطاب الواحد.

و قوله:( وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) أي و لتطلبوا بعض رزقه في ركوب البحر و إرسال السفائن فيه و الجملة معطوفة على محذوف و التقدير و ترى الفلك مواخر فيه لتنالوا بذلك كذا و كذا و لتبتغوا من فضله، و هو كثير النظير في كلامه تعالى.

و قوله:( وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) أي و من الغايات في تسخير البحر و إجراء الفلك فيه شكركم له المرجوّ منكم إذ هو من زيادته تعالى في النعمة فقد أغناكم بما أنعم

٢٢٩

عليكم في البرّ عن أن تتصرّفوا في البحر بالغوص و إجراء السفن و غير ذلك لكنّه تعالى زادكم بتسخير البحر لكم نعمة لعلّكم تشكرونه على هذا الزائد فإنّ الإنسان قليلاً ما يتنبّه في الضروريّات أنّها نعمة موهوبة من لدنه سبحانه و لو شاء لقطعها و أمّا الزوائد النافعة فهي أقرب من هذا التنبّه و الانتقال.

قوله تعالى: ( وَ أَلْقى‏ فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَ أَنْهاراً وَ سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) قال في المجمع: الميد الميل يميناً و شمالاً و هو الاضطراب ماد يميد ميدا. انتهى.

و قوله:( أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ) أي كراهة أن تميد بكم أو أن لا تميد بكم و المراد أنّه طرح على الأرض جبالاً ثوابت لئلّا تضطرب و تميل يميناً و شمالاً فيختلّ بذلك نظام معاشكم.

و قوله:( وَ أَنْهاراً ) أي و جعل فيها أنهاراً تجري بمائها و تسوقه إلى مزارعكم و بساتينكم و تسقيكم و ما عندكم من الحيوان الأهليّ.

و قوله:( وَ سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) معطوف على قوله:( وَ أَنْهاراً ) أي و جعل سبلا لغاية الاهتداء المرجوّ منكم، و السبل منها ما هي طبيعيّة و هي المسافات الواقعة بين بقعتين من الأرض الواصلة إحداهما بالاُخرى من غير أن يقطع ما بينهما بحاجب أو مانع كالسهل بين الجبلين، و منها ما هي صناعيّة و هي الّتي تتكوّن بعبور المارّة و آثار الأقدام أو يعملها الإنسان.

و الظاهر من السياق عموم السبل لكلا القسمين، و لا ضير في نسبة ما جعله الإنسان إلى جعله تعالى كما نسب الأنهار و العلامات إلى جعله تعالى و أكثرها من صنع الإنسان و كما نسب ما عمله الإنسان من الأصنام و غيرها إلى خلقه تعالى في قوله:( وَ اللهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ ) الصافّات: ٩٦.

و ذلك أنّها كائنة ما كانت من آثار مجعولاته تعالى و جعل الشي‏ء ذي الأثر جعل لأثره بوجه و إن لم يكن جعلاً مستقيماً من غير واسطة.

قوله تعالى: ( وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) العلامات جمع علامة و هي ما

٢٣٠

يعلم به الشي‏ء، و هو معطوف على قوله:( أَنْهاراً ) أي و جعل علامات تستدلّون بها على الأشياء الغائبة عن الحسّ و هي كلّ آية و أمارة طبيعيّة أو وضعيّة تدلّ على مدلولها و منها الشواخص و النصب و اللغات و الإشارات و الخطوط و غيرها.

ثمّ ذكر سبحانه الاهتداء بالنجوم فقال:( وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) و لعلّ الالتفات فيه من الخطاب إلى الغيبة للتحرّز عن تكرار( تَهْتَدُونَ ) بصيغة الخطاب في آخر الآيتين.

و الآية السابقة:( وَ عَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) المتضمّنة لمسألة الهداية المعنويّة الّتي هي كالمعترضة بين الآيات العادّة للنعم الصوريّة و إن كان الأنسب ظاهراً أن يوضع بعد هذه الآية أعني قوله:( وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) المتعرّضة هي و ما قبلها للهداية الصوريّة غير أنّ ذلك لم يكن خاليا من اللبس و إيهام التناقض بخلاف موقعها الّذي هي واقعة فيه و إن كانت كالمعترضة كما هو ظاهر.

قوله تعالى: ( أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ - إلى قوله -إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ) الآيات تقرير إجماليّ للحجّة المذكورة تفصيلاً في ضمن الآيات الستّ عشرة الماضية و استنتاج للتوحيد و هي حجّة واحدة اُقيمت لتوحيد الربوبيّة، و ملخّصها أنّ الله سبحانه خالق كلّ شي‏ء فهو الّذي أنعم بهذه النعم الّتي لا يحيط بها الإحصاء الّتي ينتظم بها نظام الكون، و هو تعالى عالم بسرّها و علنها فهو الّذي يملك الكلّ و يدبّر الأمر فهو ربّها، و ليس شي‏ء ممّا يدعونه على شي‏ء من هذه الصفات فليست أرباباً فالإله واحد لا غير و هو الله عزّ اسمه.

و من هنا يظهر فساد ما ذكره بعضهم أنّ الآيات تثبت التوحيد من طريقين طريق الخلقة و طريق النعمة، بيان الفساد أنّ طريق الخلقة وحدها إنّما تثبت الصانع و وحدانيّته في الخلق و الإيجاد، و الوثنيّون - و إليهم وجه الكلام في الآيات - لا ينكرون وجود الصانع و لا أنّ الله سبحانه خالق الكلّ حتّى أوثانهم و أن أوثانهم ليسوا بخالقين لشي‏ء و إنّما يدّعون لأوثانهم تدبير أمر العالم بتفويض من الله لذلك إليهم و الشفاعة عند الله فلا يفيد إثبات الصانع تجاه هؤلاء شيئاً.

٢٣١

و إنّما سيقت آيات الخلقة لتثبيت أمر النعمة إذ من البيّن أنّه إذا كان الله سبحانه خالقاً لكلّ شي‏ء موجوداً له كانت آثار وجودات الأشياء و هي النعم الّتي يتنعّم بها له سبحانه كما أنّ وجوداتها له ملكاً طلقاً لا يقبل بطلاناً و لا نقلاً و لا تبديلاً فهو سبحانه المنعم بها حقيقة لا غيره من شي‏ء حتّى الّذي نفس النعمة من آثار وجوده فإنّه و ما له من أثر هو لله وحده.

و لذلك ضمّ إلى حديث الخلق و الإنعام قوله تعالى:( وَ اللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ ) لأنّ مجرّد استناد الخلق و الإنعام إلى شي‏ء لا يستلزم ربوبيّته و لا يستوجب عبادته لو لا انضمام العلم إليهما ليتمّ بذلك أنّه مدبّر يهدي كلّ شي‏ء إلى كماله المطلوب له و سعادته المكتوبة في صحيفة عمله، و من المعلوم أنّ العبادة إنّما تستقيم عبادة إذا كان المعبود موسوماً بسمة العلم عالماً بعبادة من يعبده شاهداً لخضوعه.

فمجموع ما تتضمّنه الآيات من حديث الخلق و النعمة و العلم مقدّمات لحجّة واحدة اُقيمت على توحيد الربوبيّة الّذي ينكره الوثنيّة كما عرفت.

فقوله:( أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ ) قياس ما له سبحانه من النعت إلى ما لغيره منه و نفي للمساواة، و الاستفهام للإنكار، و المراد بمن لا يخلق آلهتهم الّذين يدعونهم من دون الله.

و بيانه - كما ظهر ممّا تقدّم - أنّ الله سبحانه يخلق الأشياء و يستمرّ في خلقها فلا يستوي هو و من لا يخلق شيئاً فإنّه تعالى لخلقه الأشياء يملك وجوداتها و آثار وجوداتها الّتي هي الأنظمة الخاصّة بها و النظام العامّ الجاري عليها.

و قوله:( وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها ) إلخ، إشارة إلى كثرة النعم الإلهيّة كثرة خارجة عن حيطة الإحصاء، و بالحقّيقة ما من شي‏ء إلّا و هو نعمة إذا قيس إلى النظام الكلّيّ و إن كان ربّما وجد بينها ما ليس بنعمة إذا قيس إلى بعض آخر.

و قد علّل سبحانه ذلك بقوله:( إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) و هو من ألطف التعليل و أدقّه فأفاد سبحانه أنّ خروج النعمة عن حدّ الإحصاء إنّما هو من بركات اتّصافه تعالى بصفتي المغفرة و الرحمة فإنّه بمغفرته - و المغفرة هي الستر - يستر ما في الأشياء

٢٣٢

من وبال النقص و شوهة القصور، و برحمته - و الرحمة إتمام النقص و رفع الحاجة - يظهر فيها الخير و الكمال و يحلّيها بالجمال فببسط المغفرة و الرحمة على الأشياء يكون كلّ شي‏ء نافعاً في غيره خيراً مطلوباً عنده فيصير نعمة بالنسبة إليه فالأشياء بعضها نعمة لبعض فللنعمة الإلهيّة من السعة و العرض ما لمغفرته و رحمته من ذلك: فإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها، فافهم ذلك.

و الآية من الموارد الّتي استعملت فيها المغفرة في غير الذنب و المعصية للأمر المولويّ هو المعروف عند المتشرّعة.

و قوله:( وَ اللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ ) إشارة إلى الركن الثالث من أركان الربوبيّة و هو العلم فإنّ الإله لو كان غير متّصف بالعلم استوت العبادة و اللّاعبادة بالنسبة إليه فكانت عبادته لغواً لا أثر لها.

فمن الواجب في الربّ المعبود أن يكون له علم و لا كلّ علم، كيفما كان بل العلم بظاهر من يعبده و باطنه فإنّ العبادة متقوّمة بالنيّة فهي إنّما تقع عبادة حقيقة إذا اُتي بها عن نيّة صالحة و هو ممّا يرجع إلى الضمير فلا يتمّ العلم بكون صورة العبادة واجدة لحقيقة معناها إلّا بعد إحاطة المعبود بظاهر من يعبده و باطنه لكنّ الله سبحانه عليم بما يسرّه الإنسان و ما يعلنه كما أنّه خالق منعم و يستحقّ بذلك أن يعبد.

و من هنا يظهر وجه اختيار ما في الآية من التعبير لبيان علمه فلم يعبّر بمثل قوله:( عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ ) و قوله:( وَ اللهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ ) بل قال:( وَ اللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ ) فذكر العلم بالإسرار و الإعلان، و أضافه إلى الإنسان لأنّ الكلام في عبادة الإنسان لربّه، و الواجب في العلم بالعبادة المرتبطة بعمل الجوارح و القلب جميعاً أن يكون عالماً بما يسرّه الإنسان و ما يعلنه من النيّة القلبيّة و الأحوال و الحركات البدنيّة.

و قوله:( وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شيئاً وَ هُمْ يُخْلَقُونَ ) إشارة إلى فقدان الركن الأوّل من أركان الربوبيّة في آلهتهم الّذين يدعون من دون الله

٢٣٣

و يتفرّع عليه الركن الثاني و هو إيتاء النعمة، فليس الّذين يدعونهم آلهة و أربابا و الله الربّ.

و قوله:( أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَ ما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) إشارة إلى فقدان الركن الثالث من أركان الربوبيّة في أصنامهم و هو العلم بما يسرّون و ما يعلنون و قد بالغ في نفي ذلك فنفى أصل الحياة المستلزم لنفي مطلق العلم فضلاً عن نوعه الكامل الّذي هو العلم بما يسرّون و ما يعلنون فقال:( أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ ) فأثبت الموت أوّلاً و هو لا يجامع الشعور ثمّ أكّده بنفي الحياة ثانياً.

و خصّ من وجوه جهلهم عدم شعورهم متى يبعث عبّادهم من الناس فقال:( وَ ما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) أي ما يدري الأصنام أيّان يبعث عبادهم فإنّ العبادة هي الّتي يجزى بها الإنسان يوم البعث فمن الواجب في الإله المعبود أن يعلم متى يوم البعث حتّى يجزي عبّاده فيه عن عبادتهم، و هؤلاء لا يدرون شيئاً من ذلك.

و من هنا يظهر أنّ أوّل ضميري الجمع( يَشْعُرُونَ ) للأصنام و الثاني( يُبْعَثُونَ ) للمشركين، و أمّا إرجاعهما كليهما إلى الأصنام فغير مرضيّ لأنّ العلم بالبعث مختصّ به سبحانه محجوب عن غيره و لا يختصّ الجهل به بالأصنام، و أردأ منه قول بعضهم: إنّ ضميري الجمع معاً في الآية عائدان إلى المشركين. هذا.

و الآيات و إن كانت مسوقة بظاهرها لنفي ربوبيّة الأصنام لكنّ البيان بعينه بأدنى دقّة جار في أرباب الأصنام كالملائكة المقرّبين و الجنّ و الكمّلين من البشر و الكواكب من كلّ ما يعبده الوثنيّون فإنّ صفات الخلق و الإنعام و العلم لا تقوم بالأصالة و الاستقلال إلّا بالله سبحانه، و لا ربوبيّة حقيقة إلّا بالأصالة و الاستقلال، فافهم.

و في الآيتين أعني قوله:( وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ - إلى قوله -يُبْعَثُونَ ) التفات من الخطاب إلى الغيبة، و لعلّ النكتة فيه ذكر يوم البعث فيهما و المشركون لا يقولون به فحوّل الخطاب منهم إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للتوسّل بذلك إليه من غير اعتراض.

٢٣٤

و قوله:( إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ) بيان لنتيجة الحجّة الّتي اُقيمت في الآيات السابقة أي إذا كان الله سبحانه هو الواجد لما تتوقّف عليه الاُلوهيّة و هي المعبوديّة بالحقّ، و غيره تعالى ممّن يدعون من دونه غير واجد لشي‏ء ممّا تتوقّف عليه و هو الخلق و الإنعام و العلم فإلهكم الّذي يحقّ له أن يعبد واحد و لازم معناه أنّه الله عزّ اسمه.

( بحث روائي)

في المجمع، أربعون آية من أوّلها مكّيّة و الباقي من قوله:( وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ ) إلى آخر السورة مدنيّة، عن الحسن و قتادة، و قيل: مكّيّة كلّها غير ثلاث آيات نزلت في انصراف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اُحد:( وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا ) إلى آخر السورة نزلت فيما بين مكّة و المدينة عن ابن عبّاس و عطاء و الشعبيّ، و في إحدى الروايات عن ابن عباس: بعضها مكّيّ و بعضها مدنيّ فالمكّيّ من أوّلها إلى قوله:( وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) ، و المدنيّ قوله:( وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلًا - إلى قوله -بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) .

أقول: و قد قدّمنا أنّ الّذي يعطيه السياق خلاف ذلك كلّه فراجع.

و في تفسير العيّاشيّ، عن هشام بن سالم عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن قول الله:( أَتى‏ أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) قال: إذا أخبر الله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشي‏ء إلى وقت فهو قوله:( أَتى‏ أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) حتّى يأتي ذلك الوقت و قال: إنّ الله إذا أخبر أنّ شيئاً كائن فكأنّه قد كان.

أقول: كأنّه إشارة إلى أنّ التعبير في الآية بلفظ الماضي لتحقّق الوقوع.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس قال: لما نزلت:( أَتى‏ أَمْرُ اللهِ ) ذعر أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى نزل( فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) فسكنوا.

و فيه، أخرج ابن جرير و ابن المنذر عن ابن جريج قال: لما نزلت هذه الآية:( أَتى‏ أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) قال رجال من المنافقين بعضهم لبعض: إنّ هذا يزعم أنّ أمر الله قد أتى فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتّى تنظروا ما هو كائن فلمّا

٢٣٥

رأوا أنّه لا ينزل شي‏ء قالوا: ما نراه نزل.

فنزلت:( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ ) الآية فقالوا: إنّ هذا يزعم مثلها أيضاً فلمّا رأوا أنّه لا ينزل شي‏ء قالوا: ما نراه نزل شي‏ء فنزل:( وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى‏ أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ ) الآية.

أقول: و الرواية تدلّ على أنّ المسلمين كان بينهم قبل الهجرة منافقون كما يشهد به بعض آخر من الروايات.

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم و الطبرانيّ و ابن مردويه و الحاكم و صحّحه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل الترس فلا تزال ترتفع في السماء حتّى تملأ السماء ثمّ ينادي مناد: يا أيّها الناس! فيقبل الناس بعضهم على بعض: هل سمعتم؟ فمنهم من يقول: نعم و منهم من يشكّ ثمّ ينادي الثانية: يا أيّها الناس فيقول الناس: هل سمعتم؟ فيقولون: نعم ثمّ ينادي: أيّها الناس أتى أمر الله فلا تستعجلوه.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فوالّذي نفسي بيده إنّ الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه و إنّ الرجل ليملؤ حوضه فما يسقي فيه شيئاً، و إنّ الرجل ليحلب ناقته فما يشربه و يشغل الناس.

أقول: و قد رام بعضهم أن يستفيد من هذه الروايات الثلاث - و في معناها بعض روايات اُخر - أنّ المراد بالأمر هو يوم القيامة و لا دلالة فيها على ذلك.

أمّا الرواية الاُولى فلا يدلّ ذعرهم أنّهم فهموا منها ذلك فإنّ أمر الله أيّا ما كان ممّا يهيب عباده على أنّه لا حجّة في فهمهم و ليس الشبهة مفهوميّة حتّى يرجع إليهم بما هم أهل اللسان.

على أنّ الرواية لا تخلو عن شي‏ء فإنّ الله سبحانه يعدّ الاستعجال بالقيامة من صفات الكفّار و يذمّهم عليه و يبرّئ المؤمنين منه قال:( وَ الَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها ) الشورى: ١٨ و قد مرّت الإشارة إليه في البيان المتقدّم هذا إذا كان الخطاب في قوله:( فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) للمؤمنين، و أمّا إذا كان المخاطب به المشركين و هم

٢٣٦

كانوا يستعجلونه، فمعنى النهي عن استعجالهم هو حلول الأجل و قرب الوقوع لا الإمهال و الإنظار، و لا معنى حينئذ لسكونهم لما سمعوا قوله:( فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) .

و أمّا الرواية الثانية فظاهرها أنّهم فهموا منها العذاب الدنيويّ دون الساعة فهي تؤيّد ما قدّمناه في البيان لا ما ذكروه.

و أمّا الرواية الثالثة فأقصى ما تدلّ عليه أنّ قيام الساعة من مصاديق إتيان أمر الله و لا ريب في ذلك و هو غير كون المراد بالأمر في الآية هو الساعة.

و في كتاب الغيبة، للنعمانيّ بإسناده عن عبدالرحمن بن كثير عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قوله عزّوجلّ:( أَتى‏ أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) قال: هو أمرنا أمر الله عزّوجلّ فلا يستعجل به يؤيّده بثلاثة أجناد: الملائكة و المؤمنون و الركب، و خروجه كخروج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و ذلك قوله:( كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالحقّ ) .

أقول: و رواه المفيد في كتاب الغيبة، عن عبد الرحمن عنهعليه‌السلام ‏، و مراده ظهور المهديّعليه‌السلام كما صرّح به في روايات اُخر و هو من جري القرآن أو بطنه.

و في الكافي، بإسناده عن سعد الإسكاف قال: أتى رجل أميرالمؤمنينعليه‌السلام يسأله عن الروح أ ليس هو جبرئيل؟ فقال له أميرالمؤمنينعليه‌السلام : جبرئيل من الملائكة و الروح غير جبرئيل، فكبر ذلك على الرجل فقال له: لقد قلت عظيما من القول ما أحد يزعم أنّ الروح غير جبرئيل. فقال له أميرالمؤمنينعليه‌السلام : إنّك ضالّ تروي عن أهل الضلال، يقول الله لنبيّه:( أَتى‏ أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَ تَعالى‏ عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ ) و الروح غير الملائكة.

أقول: و هو يؤيّد ما قدّمناه، و في روايات اُخر: أنّه خلق أعظم من جبرئيل.

و في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى:( فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ) قالعليه‌السلام : خلقه من قطرة من ماء مهين فيكون خصيماً متكلّماً بليغاً.

و فيه، في قوله تعالى:( حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ ) قالعليه‌السلام : حين ترجع من المرعى و حين تخرج إلى المرعى.

و في تفسير العيّاشيّ، عن زرارة عن أحدهماعليهما‌السلام قال: سألته عن أبوال الخيل

٢٣٧

و البغال و الحمير قال: نكرهها، قلت: أ ليس لحمها حلالا؟ قال: فقال: أ ليس قد بيّن الله لكم:( وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ‏ءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ ) و قال في الخيل و البغال و الحمير:( لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً ) فجعل الأكل من الأنعام الّتي قصّ الله في الكتاب، و جعل للركوب الخيل و البغال و الحمير و ليس لحومها بحرام و لكنّ الناس عافوها.

أقول: و الروايات في الخيل و البغال و الحمير مختلفة و مذهب أهل البيتعليهم‌السلام حلّيّة أكل لحومها على كراهية.

و في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى:( وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ ) قال: قالعليه‌السلام : العجائب الّتي خلقها الله في البرّ و البحر.

و في الدرّ المنثور، في قوله تعالى:( وَ عَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ ) أخرج عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن الأنباري في المصاحف عن عليّ أنّه كان يقرأ هذه الآية:( فمنكم جائر) .

و في تفسير العيّاشيّ، عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عن عليّعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) قال: هو الجدي لأنّه نجم لا يدور عليه بناء القبلة، و به يهتدي أهل البرّ و البحر.

أقول: و هو مرويّ عن الصادقعليه‌السلام أيضا.

و في الكافي، بإسناده عن داود الجصّاص قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول:( وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) قال: النجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و العلامات الأئمّةعليهم‌السلام .

أقول: و رواه أيضاً بطريقين آخرين عنه و عن الرضاعليهما‌السلام و رواه العيّاشيّ و القمّيّ في تفسيريهما، و الشيخ في أماليه، عن الصادقعليه‌السلام .

و ليس بتفسير و إنّما هو من البطن و من الدليل عليه‏ ما رواه الطبرسيّ في المجمع، قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : نحن العلامات و النجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لقد قال: إنّ الله جعل النجوم أماناً لأهل السماء و جعل أهل بيتي أماناً لأهل الأرض.

٢٣٨

( سورة النحل الآيات ٢٢ - ٤٠)

إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ  فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ( ٢٢ ) لَا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ  إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ( ٢٣ ) وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ  قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ( ٢٤ ) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ  وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ  أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ( ٢٥ ) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ( ٢٦ ) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ  قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ ( ٢٧ ) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ  فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ  بَلَىٰ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٢٨ ) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا  فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ( ٢٩ ) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ  قَالُوا خَيْرًا  لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ  وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ  وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ( ٣٠ ) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ  لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ  كَذَٰلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ ( ٣١ ) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ  يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٣٢ ) هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ

٢٣٩

أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ  كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ  وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ( ٣٣) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ( ٣٤) وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ  كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ  فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ( ٣٥) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ  فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ  فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ( ٣٦) إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ  وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ( ٣٧) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ  لَا يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ  بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ( ٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ( ٣٩) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ( ٤٠)

( بيان)

هذا هو الشطر الثاني من آيات صدر السورة، و قد كان الشطر الأوّل يتضمّن توحيد الربوبيّة و إقامة الحجّة على المشركين في ذلك بعد ما أنذرهم بإتيان الأمر و نزّه الله سبحانه عن شركهم.

و هذا الشطر الثاني يتضمّن ما يناسب المقام ذكره من مساوي صفات المشركين المتفرّعة على إنكارهم التوحيد و أباطيل أقوالهم كاستكبارهم على الله و استهزائهم

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

المياه أو مراحها ، فإن تعدّدت الموارد كلّف أربابها الاجتماع في موضع واحد إذا كان يكفيها ليخفّ على الساعي من غير ضرر على أربابها ، فإذا أراد عدّها ضمّ الغنم إلى حيطان أو جدار أو جبل ، ثم يحصرها حتى لا يكون لها طريق إلّا ما تمرّ فيه شاة شاة أو شاتين شاتين.

فإذا عدّها وادّعى المالك الخطأ ، وأنّها أقلّ ، عُدّت مرة ثانية وثالثة ، وكذا لو ظن العادّ أنّه أخطأ.

ولو أخبره المالك بالعدد وكان ثقةً ، قُبل منه. وهو قول الشافعي(١) .

مسألة ٢٣١ : إذا فرّق المالك الزكاة بنفسه ، لم يخرج نصيب العامل‌ ؛ لأنّه لم يعمل فلم يستحق شيئاً. وكذا لو فرّق الإِمام بنفسه أو نائبه ، ولا نعلم فيه خلافاً. ولو فرّقها الساعي ( أو الإِمام )(٢) فلا بحث.

وإن احتاج الساعي الى بيعها لمصلحة من إزالة كُلفة في نقلها أو مرضها أو نحوه ، كان له ذلك ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى في إبل الصدقة كوماء(٣) ، فسأل عنها ، فقال المصدّق : إنّي ارتجعتها بإبل ، فسكت(٤) .

والرجعة : أن يبيعها ويشتري بثمنها مثلها أو غيرها.

فإن لم تكن حاجة إلى بيعها ، احتمل جوازه ؛ لسكوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين أخبره المصدّق بارتجاعها ، ولم يستفصل. وعدمه ؛ لأنّه مال الغير ، فيبطل البيع ، وعليه الضمان.

مسألة ٢٣٢ : ويستحب للعامل أن يسم نعم الصدقة‌ - وبه قال الشافعي(٥) - لما روي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسم الإِبل في‌

____________________

(١) المجموع ٦ : ١٧٠.

(٢) كذا في النسخ الخطية والطبعة الحجرية. والصحيح : بإذن الإِمام‌.

(٣) كوماء : الناقة العظيمة السنام. غريب الحديث - للهروي - ٣ : ٨٤.

(٤) أورد ما بمعناه ، ابن أبي شيبة في مصنّفه ٣ : ١٢٥ و ١٢٦.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٦ ، المجموع ٦ : ١٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٣.

٣٢١

أفخاذها ، ووسم الغنم في آذانها(١) . وعليه إجماع الصحابة.

ولأنّ الحاجة تدعو إليه في تمييز إبل الصدقة من إبل الجزية وغيرها ، وربما شردت فعرفها من وجدها فردّها ، وربما رآها المالك فيكره شراءها.

وقال أبو حنيفة : يكره ؛ لأنّه مُثلة(٢) . وفعل النبيعليه‌السلام أولى.

ويستحب أن توسم في المواضع الصلبة المنكشفة كأفخاذ الإِبل وآذان الغنم ، وأن يكتب على الميسم ما تؤخذ له ، فعلى إبل الزكاة زكاة أو صدقة.

وعلى إبل الجزية جزية أو صغار. ولو كتب عليها لله ، كان أبرك وأولى.

مسألة ٢٣٣ : لا يجوز دفع الزكاة إلى وُلاة الجور‌ عند علمائنا أجمع ؛ لانتفاء ولايتهم واستحقاقهم لها ، فلا سبب يقتضي تسويغ الدفع إليهم.

ولقوله تعالى( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٣) والجائر ظالم ، ودفع الزكاة إليه ركون اليه، فيبقى في عهدة التكليف.

وقال الشافعي : يجوز الدفع الى وُلاة الجور سواء عدل فيها أو جار ، وسواء أخذها قهراً أو دفعها اليه اختياراً. وبه قال أحمد وأبو ثور(٤) .

واختلفوا ، فقال أبو علي الطبري : دفعها الى الجائر أولى(٥) ؛ لما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ستكون بعدي اُمور تنكرونها ) فقالوا : ما نصنع؟ فقال : ( أدّوا حقّهم واسألوا الله حقّكم )(٦) .

____________________

(١) صحيح البخاري ٧ : ١٢٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١٦٧٤ / ١١٠ - ١١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١١٨٠ / ٣٥٦٥ ، مسند أحمد ٣ : ١٧١ و ٢٥٤ و ٢٥٩.

(٢) المجموع ٦ : ١٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٣ ، عمدة القارئ ٩ : ١٠٧ ، فتح الباري ٣ : ٢٨٦.

(٣) هود : ١١٣.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٤ ، المغني ٢ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٣.

(٥) لم نجده في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.

(٦) صحيح مسلم ٣ : ١٤٧٢ / ١٨٤٣ ، المعجم الصغير للطبراني ٢ : ٨٠ ، مسند أحمد =

٣٢٢

ولأنّ أبا صالح قال : أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت : عندي مال واُريد أن اُخرج زكاته وهؤلاء القوم على ما ترى فما تأمرني؟ فقال : ادفعها اليهم ، فأتيت ابن عمر فقلت فقال [مثل](١) ذلك ، فأتيت أبا هريرة فقال مثل ذلك ، فأتيت أبا سعيد الخدري فقال مثل ذلك(٢) .

ولا حجة فيه ؛ لأنّه ليس إجماعاً ، ولجواز علم الإِكراه. وكذا في حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إن حمل على الزكاة.

مسألة ٢٣٤ : إذا أخذ الجائر الزكاة ، قال الشيخ : لم يجزئ عنه‌(٣) ؛ لأنّ أبا اُسامة قال للصادقعليه‌السلام : جعلت فداك هؤلاء المصدّقون يأتوننا فيأخذون منّا الصدقة نعطيهم إيّاها؟ فقال : « لا ، إنّما هؤلاء قوم غصبوكم ، أو قال : ظلموكم وإنّما الصدقة لأهلها »(٤) .

وقال في التهذيب : الأفضل إعادتها(٥) . وهو يعطي الجواز ، وبه قال الشافعي وأحمد(٦) ، لقول الصادقعليه‌السلام في الزكاة : « ما أخذ منكم بنو اُمية فاحتسبوا ، ولا تعطوهم شيئاً ما استطعتم ، فإنّ المال لا يبقى [ على هذا ](٧) أن يزكّى مرتين »(٨) .

وقال أبو حنيفة : تجزئ فيما غلبوا عليه. وقال : إذا مرّ على الخوارج‌

____________________

= ١ : ٤٢٨ نحوه.

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) سنن البيهقي ٤ : ١١٥ ، والمغني ٢ : ٥٠٦ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٧٢.

(٣) الخلاف ٢ : ٣٢ ، المسألة ٣٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٤٠ / ١٠١ ، الاستبصار ٢ : ٢٧ / ٧٨.

(٥) التهذيب ٤ : ٣٩.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٤ و ١٦٥ ، المغني ٢ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٣.

(٧) زيادة من المصدر.

(٨) الكافي ٣ : ٥٤٣ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٩ - ٤٠ / ٩٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٧ / ٧٦.

٣٢٣

فعشّروه لا تجزئ عن زكاته(١) .

وقال أبو عبيد : في الخوارج يأخذون الزكاة على من أخذوا منه الإِعادة ؛ لأنّهم ليسوا بأئمّة ، فأشبهوا قطّاع الطريق(٢) .

والشافعي قال : إن أخذها إمام غير عادل أجزأت عنه ؛ لأنّ إمامته لم تزل بفسقه(٣) .

وقال أكثر الفقهاء من المحقّقين وأكثر أصحاب الشافعي : إنّ إمامته تزول بفسقه(٤) .

وقال أحمد وعامة أصحاب الحديث منهم : لا تزول الإِمامة بفسقه(٥) .

وهذا كلّه عندنا باطل ؛ لأنّ الإِمام عندنا يجب أن يكون معصوماً ، فالدافع إلى غيره مفرّط فيضمن.

أمّا لو أخذها الظالم منه قهراً فالوجه عندي التفصيل ، وهو : أنّه إن كان بعد عزل المالك لها وتعيينها ، لم يضمن ، وأجزأت ؛ لأنّ له ولاية العزل ، فتصير أمانةً في يده بعد العزل ، فإذا غصبت منه لم يضمن كسائر الأمانات ، وإن كان قبله لم تجزئ ، ولا تجب عليه فيما أخذ الظالم منه قهراً زكاة إجماعاً.

مسألة ٢٣٥ : إذا قبض الإِمام أو الساعي الصدقة دعا لصاحبها. وهل هو واجب أو ندب؟ للشيخ قولان :

أحدهما : الوجوب - وبه قال داود(٦) - لقوله تعالى( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) (٧) والأمر للوجوب(٨) .

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٢ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٣.

(٣ و ٤ و ٥ ) حكاها الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٢ - ٣٣ ، المسألة ٣٢.

(٦) المجموع ٦ : ١٧١ ، عمدة القارئ ٩ : ٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٧.

(٧) التوبة : ١٠٣.

(٨) الخلاف ٢ : ١٢٥ ، المسألة ١٥٥.

٣٢٤

والثاني : الندب(١) - وبه قال باقي الفقهاء(٢) - عملاً بأصالة البراءة ، ولأنّهعليه‌السلام لمـّا بعث معاذاً الى اليمن قال : ( أعلمهم أنّ عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم )(٣) ولم يأمره بالدعاء.

ولأنّ ذلك لا يجب على الفقير المدفوع إليه فالنائب أولى.

وأمّا الاستحباب : فللآية.

ولأنّ عبد الله بن أبي أوفى قال : كان أبي من أصحاب الشجرة ، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : ( اللّهم صلِّ على آل فلان ) فأتاه أبي بصدقته ، فقال : ( اللّهم صلِّ على آل أبي أوفى )(٤) والصلاة هنا الدعاء والتبرك.

مسألة ٢٣٦ : يكره أن يملك الانسان ما تصدّق به اختياراً كالشراء وشبهه من عقود المعاوضات عليه ، ويجوز من غير كراهة تملّكه بميراث وشبهه ، كقبضه في دَيْن إذا دفعه الفقير ؛ لوجوبه حينئذٍ.

وليس الأول بحرام عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي(٥) - لقولهعليه‌السلام : ( لا تحلّ الصدقة لغني إلّا لخمسة : رجل‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٤٤.

(٢) المغني ٢ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٦ ، المجموع ٦ : ١٧١ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٤ - ١٠٥ / ١٥٨٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٣٦ / ٤.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٥٩ و ٨ : ٩٠ و ٩٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٥٦ - ٧٥٧ / ١٠٧٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٦ / ١٥٩٠ ، سنن النسائي ٥ : ٣١ ، مسند أحمد ٤ : ٣٥٣ ، ٣٥٥ ، ٣٨١ ، ٣٨٣ ، سنن البيهقي ٢ : ١٥٢ ، و ٤ : ١٥٧ و ٧ : ٥.

(٥) المجموع ٦ : ٢٤١ ، المغني ٢ : ٥١٣.

٣٢٥

ابتاعها بماله )(١) .

وتصدّق رجل على اُمّه بصدقة ثم ماتت ، فسأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ( قد قبل الله صدقتك وردّها إليك الميراث )(٢) وهو في معنى الشراء.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « فان تتبّعت نفس صاحب الغنم [ من النصف الآخر منها شاة أو شاتين أو ثلاثاً فليدفعها إليهم ثم ليأخذ صدقته ](٣) فإذا أخرجها ( فليقوّمها)(٤) فيمن يريد ، فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها »(٥) .

ولأنّ ما صحّ أن يملك إرثاً صحّ أن يملك ابتياعاً كسائر الأموال.

وقال أحمد ومالك وقتادة : يحرم عليه الشراء ولا ينعقد(٦) .

وقال أصحاب مالك : إن اشتراها لم ينقض البيع(٧) ؛ لأنّ عمر قال : حملت على فرس في سبيل الله ، فأضاعه الذي كان عنده ، وظننت أنّه بائعه برخص ، فأردت أن اشتريه ، فسألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : ( لا تبتعه ولا تعد في صدقتك ولو أعطاكه بدرهم ؛ فإنّ العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه )(٨) .

ولا حجة فيه ؛ لاحتمال كونه حبساً في سبيل الله فمنعه لذلك ، أو أنّه محمول على الكراهة ؛ لما في الشراء من التوصّل الى استرجاع شي‌ء منها ،

____________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٥٩٠ / ١٨٤١ ، سنن أبي داود ٢ : ١١٩ / ١٦٣٥ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٢١ / ٣ ، مسند أحمد ٣ : ٥٦ ، سنن البيهقي ٧ : ١٥ و ٢٢.

(٢) المغني ٢ : ٥١٣ نقلاً عن سعيد بن منصور في سننه.

(٣) زيادة من المصدر.

(٤) في الكافي : فليقسمها.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٨ - ٥٣٩ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٩٨ / ٢٧٦.

(٦و٧) المغني ٢ : ٥١٣ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٨٠ و ١٨١.

(٨) صحيح البخاري ٤ : ٧١ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢٣٩ / ١٦٢٠ ، سنن البيهقي ٤ : ١٥١.

٣٢٦

فإنّ الفقير يستحي منه فلا يماكسه في الثمن ، وربما أرخصها له طمعاً في أخذ صدقة اُخرى منه ، وربما علم أنّه إن لم يبعه إيّاها استرجعها منه ، أو توهّم ذلك ، ومثل هذا ينبغي اجتنابه.

وقال ابن عبد البر : كلّ العلماء يقولون : إذا رجعت إليه بالميراث طابت له ، إلّا ابن عمر والحسن بن حي(١) .

تذنيب : لو دعت الحاجة إلى الشراء ، بأن يكون الفرض جزءاً من حيوان لا يمكن الفقير الانتفاع بعينه ، ولا يجد من يشتريه سوى المالك ، ولو اشتراه غيره تضرّر المالك بالمشاركة ، والفقير بقلّة الثمن ، زالت الكراهة والتحريم إجماعاً ، وكذا كلّ موضع دعت الحاجة إلى البيع.

مسألة ٢٣٧ : قد بيّنا أنّه يجوز الاحتساب من الزكاة في دَيْنٍ على الفقير‌.

ومنع منه أحمد ، قال : ولو دفع الى المديون الفقير زكاته فردَّها اليه قضاءً عمّا عليه ، جاز له أخذه إلّا أن يكون حيلة. قال : فإن استقرض المديون مالاً فقضاه ثم ردّه عليه وحسبه من الزكاة ، فإن أراد بهذا إحياء ماله ، لم يجز(٢) .

فحصل من كلامه : أنّ دفع الزكاة إلى الغريم جائز سواء دفعها ابتداءً أو استوفى حقّه ثم دفع ما استوفاه اليه ، إلّا أنّه متى قصد بالدفع إحياء ماله أو استيفاء دَيْنه لم يَجُزْ ؛ لأنّ الزكاة لحقّ الله ، فلا يجوز صرفها إلى نفعه ، ولا يجوز أن يحتسب الدَّيْن الذي له من الزكاة قبل قبضه ؛ لأنّه مأمور بأدائها ، وهذا إسقاط.

والحقّ ما قلناه من جواز ذلك كلّه.

____________________

(١) المغني ٢ : ٥١٤.

(٢) المغني ٢ : ٥١٥.

٣٢٧

الفصل الرابع

في كيفية الإِخراج‌

ومباحثه ثلاثة :

الأول

النية‌

مسألة ٢٣٨ : النية شرط في أداء الزكاة‌ ، فلا تصح من دونها عند علمائنا أجمع ، وهو قول عامة أهل العلم(١) .

ولأنّه عبادة ، فتفتقر إلى النية ؛ لقوله تعالى( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ ) (٢) .

ولقولهعليه‌السلام : ( إنّما الأعمال بالنيات )(٣) وأداؤها عمل.

ولأنّها عبادة تتنوّع إلى فرض ونفل ، فافتقرت إلى النية ، كالصلاة والصوم.

ولأنّ الدفع يحتمل الوجوب والندب ، والزكاة وغيرها ، فلا تتعيّن لأحد الوجوه إلّا بالنية.

وحكي عن الأوزاعي : أنّ النية لا تجب في الزكاة ؛ لأنّها دَيْنٌ ، فلا‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٣.

(٢) البيّنة : ٥.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ / ٤٢٢٧ ، سنن الترمذي ٤ : ١٧٩ / ١٦٤٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ، مسند أحمد ١ : ٢٥ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٤١.

٣٢٨

تجب فيها النية ، كسائر الديون ، ولهذا يُخرجها ولي اليتيم ، ويأخذها السلطان من الممتنع(١) .

والفرق ظاهر لانحصار مستحقه ، وقضاؤه ليس بعبادة ولهذا يسقط بإسقاط مستحقّه.

ووليّ الطفل والسلطان ينويان عند الحاجة.

مسألة ٢٣٩ : والنية : إرادة تفعل بالقلب مقارنة للدفع‌ ؛ لأنّها مع ( التقدم )(٢) تكون عزماً.

ويشترط فيها القصد الى الدفع ؛ لأنّه الفعل ، والى مخصّصاته من كون المدفوع زكاة مال أو فطرة ، وإلّا لم ينصرف إلى أحدهما ؛ لعدم الأولويّة.

والوجه وهو : الوجوب أو الندب. والتقرب إلى الله تعالى. وأنّها زكاته.

والوكيل والولي والحاكم والساعي ينوون زكاة من يخرجون عنه.

ولا يجب أن يذكر عن مال بعينه ، ولا تعيين الجنس المخرج عنه ، والتلفّظ بالنية.

وقال الشافعي : كيفية النية أن ينوي أنّها زكاة ماله ، وإن نوى أنّها واجبة أجزأه(٣) .

فإن قصد الاقتصار على هذا لا غير ، فليس بجيّد ، وإن قصد مع انضمام ما شرطناه فهو مسلَّم.

ولو نوى الزكاة ولم يتعرض بفرض لم تجزئ عندنا ، وهو أحد وجهي الشافعية(٤) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٣ ، المجموع ٦ : ١٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٥.

(٢) في « ط » : التقديم.

(٣) المجموع ٦ : ١٨١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٣.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٧ ، المجموع ٦ : ١٨١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٦.

٣٢٩

واختلف أصحابه في تقديم النية ، فجوَّز بعضهم ؛ لأنّها عبادة تجوز فيها النيابة بغير عذر ، ويجوز تقديمها على وجوبها ، فجاز تقديم النية عليها - وهو اختيار أصحاب أبي حنيفة(١) - لأنّ ذلك يؤدّي الى إيقاف أجزائه على نية وكيله ، وفي ذلك تغرير بماله مع إجازة النيابة والحاجة إليها.

وقال آخرون : لا يجوز(٢) ؛ كما قلناه ؛ لأنّها عبادة تدخل فيها بفعله ، فلا يجوز تقديم النية عليها كالصلاة ، ودخول النيابة لا يقتضي جواز تقديم النية عليها كالحج.

ونمنع جواز تقديمها ، وقد مضى ، سلّمنا ، لكن لا يصلح للعلّية ، ونوجب نية الوكيل أو نيته عند دفعه.

مسألة ٢٤٠ : الزكاة إن فرّقها المالك تولّى النية حالة الدفع‌.

وإن دفعها إلى وكيله ليفرّقها ، فإن نوى الموكِّل حالة الدفع الى الوكيل ، ونوى الوكيل حالة دفعه الى الفقراء ، أجزأ إجماعاً.

وإن لم يَنْويا معاً ، بأن يَنْويا الصدقة دون الزكاة لم يجزئه.

وإن نوى المزكِّي حال دفعه إلى الوكيل ولم يَنْو الوكيل حالة الدفع إلى الفقراء ، لم يجزئه عندنا ، وهو أحد قولي الشافعية بناءً على الوجهين في جواز تقديم النية(٣) .

ومنهم من قال : يجزئه هنا وجهاً واحداً ؛ لأنّه لـمّا اُجيزت له النيابة جازت النية عند الاستنابة(٤) .

وينتقض بالحج ، ولأنّ نية الموكِّل لم تقارن الدفع ، فوقع الفعل بغير‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٧ ، المجموع ٦ : ١٨٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤١.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٧ ، المجموع ٦ : ١٨١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٥.

(٣و٤) المجموع ٦ : ١٨٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٦.

٣٣٠

نية ، فلا يعدّ عملاً.

ولو نوى الوكيل حال الدفع إلى الفقراء ولم يَنْو الموكِّل حال الدفع الى الوكيل لم يجزئه - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - لأنّ الفرض يتعلّق بالمالك ، والإِجزاء يقع عنه.

ويحتمل الإِجزاء لو نوى الوكيل ؛ لأنّه نائب عن المالك ، والفعل ممّا تدخله النيابة ، فصحّت نية الوكيل كالحج.

أمّا لو لم يَنْو المالك حالة الدفع إلى الوكيل ، ونوى حالة دفع الوكيل إلى الفقراء ولم ينو الوكيل ، أجزأ ؛ لأنّ النائب لا اعتبار به مع فعل المنوب ما وقعت فيه النيابة.

مسألة ٢٤١ : لو دفع المالك الزكاة إلى الإِمام أو الى الساعي ونوى حالة الدفع إليهما أجزأ‌ وإن لم يَنْو أحدهما حالة الدفع الى الفقراء - وبه قال أحمد(٢) - لأنّ الإِمام وكيل للفقراء.

ولا فرق بين أن يطول زمان دفع الإِمام إلى الفقراء وبين أن يقصر.

والساعي كالإِمام ؛ لأنّه نائب عنه ، وهو نائب عن الفقراء.

ولو لم ينو المالك حالة الدفع الى الإمام أو الى الساعي ونوى أحدهما حالة الدفع الى الفقراء ، قال الشيخ : إن أخذها الإمام أو الساعي منه طوعا لم يجزئه ، وإن أخذها أحدهما منه كرها أجزأ(٣) . وهو قول بعض الشافعية(٤) ، لأنّ تعذّر النية في حقّه أسقط وجوبها عنه كالصغير والمجنون ، ومع الاختيار يكون الدفع إلى نائب الفقراء بغير نية فلا يجزئ ، كما لو دفع الى الفقراء.

____________________

(١) المجموع ٦ : ١٨٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٦ ، المغني ٢ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٥.

(٢) المغني ٢ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٥.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٣٣.

(٤) المجموع ٦ : ١٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٥.

٣٣١

قال الشيخ : إنّه حالة التطوع وإن لم تجزئه لكن ليس للإِمام مطالبته بها ثانيةً(١) .

وقال الشافعي : تجزئه سواء أخذها الإِمام طوعاً أو كرهاً. وفرَّق بين دفعها الى الفقراء وبين دفعها الى الإِمام ؛ لأنّ أخْذ الإِمام بمنزلة القسم من الشركاء ، فلا يحتاج إلى نية.

ولأنّ الإِمام إنّما يأخذ الزكوات الواجبة ، لأنّه لا نظر له إلّا في ذلك ، ولا يحتاج إلى نية.

ولأنّ للإمام ولاية الأخذ ، ولهذا يأخذها من الممتنع اتّفاقاً ، ولو لم تجزئه لما أخذها ، أو لَأخَذَها ثانياً وثالثاً ؛ لأنّ أخْذَها إن كان لإِجزائها فلا يحصل الإِجزاء بدون النية ، وإن كان لوجوبها فالوجوب باقٍ بعد أخذها(٢) .

وقال بعض الشافعية : لا تجزئ فيما بينه وبين الله تعالى(٣) ؛ سواء أخذها طوعاً أو كرهاً ؛ لأنّ الإِمام إمّا نائب للفقراء فلا يجزئ الدفع اليه بغير نية ، كما لو دفع الى الفقراء(٤) ، وإمّا نائب عن المالك ، فيكون كالوكيل لا يجزئ عنه إلّا مع نيته.

ولأنّها عبادة فلا تجزئ مع عدم نية مَنْ وجبت عليه إذا كان من أهل النية كالصلاة.

وإنّما اُخذت منه مع عدم الإِجزاء حراسةً للعلم الظاهر ، كالصلاة يجبر عليها ليأتي بصورتها ، ولو صلّى بغير نية لم تجزئه عند الله تعالى.

وهو وجه عندي ، ومعنى الإِجزاء : عدم المطالبة بها ثانياً.

ويمكن الفرق : بأنّ الصلاة لا تدخلها النيابة ، فلا بدّ من نية فاعلها.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٣٣.

(٢) الاُم ٢ : ٢٣ ، المجموع ٦ : ١٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٥.

(٣) المجموع ٦ : ١٨٤ - ١٨٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٥ و ٥٢٦.

(٤) أي : بغير نية.

٣٣٢

وقوله : الإِمام إمّا وكيل للمالك أو للفقراء.

قلنا : بل هو والٍ على المالك ، ولا يصح إلحاق الزكاة بالقسمة ؛ لأنّها ليست عبادةً ، ولا تعتبر لها نية ، بخلاف الزكاة.

إذا عرفت هذا ، ففي كلّ موضع قلنا بالإِجزاء مع عدم نية المالك لو لم يَنْو الساعي أو الإِمام أيضاً حالة الدفع الى الفقراء ، توجَّه الإِجزاء ؛ لأنّ المأخوذ زكاة وقد تعيّنت بالأخذ.

ويحتمل عدمه ؛ لخلوّ الفعل حينئذٍ عن نية.

مسألة ٢٤٢ : قد بيّنا أنّه لا يشترط تعيين الجنس الـمُخرج عنه في النية‌ ، فلو كان له مالان ونوى عن أحدهما ولم يعيّنه ، أجزأ ، سواء كان المدفوع من جنس أحدهما أو من غير جنس شي‌ء منهما ، وله صرفه الى أيّ الصنفين شاء سواء خالف أو لا.

ومع اختلاف القيمة وقت الإِخراج والاحتساب واتّحاد المـُخرج مع أحد الجنسين إشكال : ينشأ من حصول الضرر للفقراء مع العدول عنه ، ومن تسويغه لو لم تختلف ، فكذا معه.

وعلى قول المانعين من إخراج القيمة - كالشافعي ومن وافقه(١) - يتخرّج الانصراف الى الجنس خاصة.

مسألة ٢٤٣ : يشترط في النية الجزم ، وعدم التشريك بين وجهي الفعل‌ ، فينوي الفرض إن كان واجباً ، والنفل إن كان تطوّعاً ، فلو نوى النفل عن الفرض لم يجزئ ؛ لأنّه لم يوقع العبادة على وجهها.

أمّا لو نوى الفرض عن النفل ، فالوجه : الإِجزاء ؛ لأنّ نية الأقوى تستلزم نية الأضعف.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٧ ، المجموع ٥ : ٤٢٨ و ٤٣١ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١.

٣٣٣

ولو نوى بجميع ما أخرجه الفرض والنفل معاً لم يجزئه عن الزكاة وكانت تطوّعاً - وبه قال الشافعي ومحمد بن الحسن(١) - لأنّه شرَّك بين الفرض والنفل في نيّته فلم يجزئ عن الفرض كالصلاة ، ولأنّ الفعل الواحد لا يقع على جهتين ، ولم ينو الفرض ، فلم يقع عنه.

وقال أبو يوسف : يجزئه عن الزكاة(٢) ؛ لأنّ النفل لا يفتقر الى تعيين النية ، فصار كأنّه نوى الزكاة والصدقة.

وليس بصحيح ، لما تقدّم.

مسألة ٢٤٤ : لو كان له مال غائب ، فأخرج الزكاة‌ ، وقال : إن كان مالي سالماً فهذه عنه ، أو تطوّع ، لم يجزئ عنه إن كان سالماً - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه شرَّك بين الفرض والنفل ، فلم تتخلّص نية الفرض.

وقال الشيخ في المبسوط : يجزئه(٤) وليس بمعتمد.

ولو قال : إن كان سالماً فهذه عنه ، وإن كان تالفاً فهي تطوع ، فكان سالماً ، أجزأ عنه ؛ لعدم التشريك في النية بين الفرض والنفل ، وإنّما رتّب فيها النفل عن الفرض ، ونوى كلّ واحد منهما على تقدير لو لم يفعله لوقع لذلك ، فإنّه لو نوى أنّها عن ماله ، كان ذلك حكمها إن كان تالفاً فهي تطوع ، فإذا خرج بذلك أجزأه.

ولو أخرج وقال : هذه عن مالي الغائب إن كان سالماً ، وإن لم يكن سالماً فعن مالي الحاضر ، أجزأه.

وكذا لو قال : عن مالي الغائب أو الحاضر ، فإنّه يجزئه عن السالم منهما ؛ لأنّه لا يجب عليه تعيين الزكاة بمال بعينه ، ولهذا لو كان له أربعمائة ، فأخرج‌

____________________

(١و٢) حلية العلماء ٣ : ١٤٦ - ١٤٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤٠.

(٣) الاُم ٢ : ٢٢ ، مختصر المزني : ٤٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٧ ، المجموع ٦ : ١٨٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٤.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٣٢.

٣٣٤

خمسة دراهم ينوي بها الزكاة أجزأه وإن لم يعيّنها عن إحدى المائتين.

ولو أخرج خمسة دراهم وقال : إن كان قد مات مُورّثي فهذه زكاة عمّا ورثته منه ، فكان قد ورث عنه ، لم يجزئه ؛ لأنّه أخرجها عن غير أصل يبنى عليه النية ، بخلاف ما إذا باع مال مُورّثه ثم بان أنّه قد ورثه ، فإنّه يصح البيع ؛ لأنّه لا يفتقر إلى النية ، والزكاة تفتقر إليها.

وقال الشيخ : يجزئه إن قلنا بوجوب الزكاة في الغائب ، ولو لم يكن قد مات ثم مات بعد ذلك ، لم يجزئ ؛ لفوات وقت النية(١) .

مسألة ٢٤٥ : لو أخرج وقال : هذه عن مالي الغائب إن كان سالماً‌ ؛ ولم يقل غير ذلك ، فبان سالماً ، أجزأه.

وإن بان تالفاً ، قال الشيخ : لم يكن له النقل الى غيره(٢) - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه عيّنها لذلك المال ، فأشبه ما لو كان عليه كفّارة ، فأعتق عبداً عن اُخرى عيَّنها فلم يقع عنها ، لم يجزئه عمّا عليه ، كما لو كان عليه كفّارة ظهار ويُجرح رجلاً ويقدِّم العتق عن كفّارة القتل ، فيبرأ المجروح ، فإنّه لا يجزئه صرفها إلى الظهار وإن كان في الابتداء لا يلزمه تعيين الكفّارة بسببها ، كذا الزكاة.

والوجه عندي : الإِجزاء ؛ لأنّه نوى ما ليس ثابتاً في ذمته ، ولم ينو مطلق التطوع ، فلم يزل ملكه عنه ، فيجوز له العدول الى غيره.

مسألة ٢٤٦ : يجوز الإِخراج عن المال الغائب مع الشك في سلامته‌ ، والتمكّن منه ؛ لأنّ الأصل بقاؤه ، وتكون نية الإِخراج صحيحةً إجماعاً ، فلو دفعها الى الساعي أو الى الإِمام باختياره وقال : هذه عن مالي الغائب ، فبان تالفاً قبل الوجوب ، فإن كان المدفوع اليه قد فرَّقها ، لم يرجع عليه ، وله أن يرجع على الفقراء مع بقاء العين ؛ لفساد الدفع ، وإن كانت في يده رجع بها ،

____________________

(١و٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٣٢.

(٣) فتح العزيز ٥ : ٥٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٠.

٣٣٥

وكان له أن يجعلها عن غيره - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه دفعها الى الوالي ابتداءً من غير سؤال ليفرّقها ، فيكون نائباً عنه ، ولا يضمن بالدفع الى الفقير ؛ لأنّه دفعها إليه بسؤاله.

مسألة ٢٤٧ : لو تصدّق بجميع ماله ولم يَنْو بشي‌ء منه الزكاة لم يُجزئه‌ - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه لم يَنْو الفرض ، فأشبه ما لو صلّى ألف ركعة بنية التطوّع ، فإنّه لا يجزئه عن الفرض.

وقال أصحاب أبي حنيفة : يجزئه استحساناً ؛ لأنّه تصرّف فيه تصرّفاً لم يتعدّ به ، فلم يضمن الزكاة(٣) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه مُتعدّ بتصرّفه بقدر الزكاة بنية التطوّع.

ولو تصدّق ببعضه ، قال محمد : أجزأه عن زكاة ذلك البعض(٤) ؛ لأنّه لو تصدّق بجميعه أجزأه عن جميعه ، فأجزأه إذا تصدّق بالبعض عن البعض.

وقال أبو يوسف : لا يجزئه(٥) ؛ لأنّا أسقطنا عنه الزكاة لو تصدّق بجميعه ؛ لزوال ملكه عن المال على وجه القربة ، وهنا لم يزل عن جميعه.

____________________

(١) الاُم ٢ : ٢٣ ، مختصر المزني : ٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٥.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٤٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٣٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٥.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ٤٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٣٤ - ٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٥ - ١٤٦.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٤٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٣٤ - ٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٦.

٣٣٦

البحث الثاني

في كيفية التقسيط‌

مسألة ٢٤٨ : يجوز تخصيص بعض الأصناف بجميع الزكاة‌ ، بل يجوز دفعها إلى واحد وإن كثرت ، ولا يجب بسطها على الجميع عند علمائنا أجمع - وبه قال الحسن البصري والثوري وأبو حنيفة وأحمد ، وهو أيضاً قول عمر وحذيفة وابن عباس وسعيد بن جبير والنخعي وعطاء والثوري وأبو عبيد(١) - لقولهعليه‌السلام : ( أعلمهم أنّ عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم )(٢) أخبر بأنّه مأمور بردّ جملتها في الفقراء وهم صنف واحد ، ولم يذكر سواهم.

ثم أتاه بعد ذلك مال ، فجعله في صنف ثان سوى الفقراء ، وهم المؤلّفة قلوبهم : الأقرع بن حابس وعيينة بن حصين وعلقمة بن علاثة وزيد الخيل ، قسَّم فيهم ما بعثه عليعليه‌السلام من اليمن(٣) .

ثم أتاه مال آخر فجعله في صنف آخر ؛ لقوله لقبيصة بن المخارق حين تحمّل حمالةً ، وأتاه فسأله ، فقال لهعليه‌السلام : ( أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها )(٤) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٠٥ ، المجموع ٦ : ١٨٦ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٣ ، شرح فتح القدير ٢ : ٢٠٥.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٥٨ - ١٥٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٤ - ١٠٥ / ١٥٨٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٣٦ / ٤ و ٥ ، سنن الدارمي ١ : ٣٧٩.

(٣) صحيح البخاري ٩ : ١٥٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٤١ / ١٤٣ و ١٤٤ ، سنن أبي داود ٤ : ٢٤٣ / ٤٧٦٤ ، سنن النسائي ٥ : ٨٧ ، مسند أحمد ٣ : ٤ ، ٣١ ، ٦٨ ، ٧٢ ، ٧٣.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٧٢٢ / ١٠٩ ، سنن النسائي ٥ : ٨٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٠ / ١٦٤٠.

٣٣٧

وفي حديث سلمة بن صخر البياضي : أنّه أمر له بصدقة قومه(١) . ولو وجب صرفها إلى الثمانية لم يجز دفعها الى واحد.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقسّم صدقة أهل البوادي فيهم ، وصدقة أهل الحضر في الحضر ، ولا يقسّمها بينهم بالسوية ، إنّما يقسّمها على قدر من يحضره منهم » قال : « وليس في ذلك شي‌ء موقت »(٢) .

ولأنّها لا يجب صرفها الى جميع الأصناف إذا أخذها الساعي ، فلم يجب دفعها إليهم إذا فرّقها المالك ، كما لو لم يجد إلّا صنفاً واحداً.

ولأنّ القصد سدّ الخلّة ودفع الحاجة ، وذلك يحصل بالدفع إلى بعضهم ، فأجزأ ، كالكفّارات.

وقال عكرمة والشافعي : إن دفعها الى الإِمام فقد برئت ذمته ، والإِمام يفرّقها على الأصناف السبعة سوى العاملين ؛ لسقوط حقّه(٣) بانتفاء عمله(٤) ، فإن كان السبعة موجودين ، وإلّا دفعها الى الموجودين من الأصناف يقسّمها بينهم ، لكلّ صنفٍ نصيبه ، سواء قلّوا أو كثروا على السواء.

وإن دفعها الى الساعي عزل الساعي حقّه ؛ لأنّه عامل ، وفرّق الباقي على الأصناف السبعة ، وإن فرَّقها بنفسه سقط نصيب العامل أيضاً ، وفرّقها على باقي الأصناف ، ولا يجزئه أن يقتصر على البعض ، ثم حصة كلّ صنف منهم لا تصرف إلى أقلّ من ثلاثة إن وجد منهم ثلاثة - وبه قال عمر بن عبد العزيز والزهري وعثمان البتي وعبد الله بن الحسن العنبري - لقوله تعالى :( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ) (٥) الآية ، فجعلها لهم بلام التمليك ، وعطف‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ٣٩٠ - ٣٩١ ، مسند أحمد ٤ : ٣٧.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٤ / ٨ ، الفقيه ٢ : ١٦ / ٤٨ ، التهذيب ٤ : ١٠٣ / ٢٩٢.

(٣و٤) إفراد الضمير في ( حقّه ) و ( عمله ) باعتبار الصنف.

(٥) التوبة : ٦٠.

٣٣٨

بعضهم على بعض بواو التشريك ، وذلك يوجب الاشتراك ، ونمنع الاختصاص كأهل الخمس ، والآية وردت لبيان المصرف(١) .

وحكي عن النخعي : أنّ المال إن كثر بحيث يحتمل الأصناف بسط عليهم ، وإن كان قليلاً جاز وضعه في واحد(٢) .

وقال مالك : يتحرّى موضع الحاجة منهم ، ويقدّم الأولى فالأولى(٣) .

مسألة ٢٤٩ : ويستحب بسطها على جميع الأصناف‌ - وهو قول كلّ من جوَّز التخصيص - أو الى من يمكن منهم ؛ للخلاص من الخلاف وتحصيل الإِجزاء يقيناً. ولتعميم الإِعطاء ، فيحصل شمول النفع.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقسّم صدقة أهل البوادي فيهم ، وصدقة أهل الحضر في الحضر »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحب ترجيح الأشدّ حاجةً في العطية ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « ولا يقسّمها بينهم بالسوية ، إنّما يقسّمها على قدر من يحضره منهم » قال : « وليس في ذلك شي‌ء موقّت »(٥) .

ولأنّ المقتضي إذا كان في بعض الموارد أشدّ كان المعلول كذلك ، والمقتضي هو : الحاجة.

وكذا يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب ؛ لأفضليته ، ولقول الباقرعليه‌السلام : « أعطهم على الهجرة في الدين والفقه والعقل »(٦) .

وكذا يستحب تخصيص غير السائل على السائل بالزيادة ؛ لحرمانه في‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ و ١٨٠ ، المجموع ٦ : ١٨٦ و ١٨٨ ، المغني ٢ : ٥٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٠٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧٥.

(٢) المغني ٢ : ٥٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٠٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٨.

(٣) المدونة الكبرى ١ : ٢٩٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧٥ ، المغني ٢ : ٥٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٠٥ ، المجموع ٦ : ١٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٩.

(٤ و ٥ ) الكافي ٣ : ٥٥٤ / ٨ ، الفقيه ٢ : ١٦ / ٤٨ ، التهذيب ٤ : ١٠٣ / ٢٩٢.

(٦) الكافي ٣ : ٥٤٩ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٨ / ٥٩ ، التهذيب ٤ : ١٠١ / ٢٨٥.

٣٣٩

أكثر الأوقات ، فكانت حاجته أمسّ غالباً.

ولقول الكاظمعليه‌السلام : « يفضّل الذي لا يسأل على الذي يسأل »(١) .

مسألة ٢٥٠ : ويستحب صرف صدقة المواشي إلى المتجمّلين ومن لا عادة له بالسؤال‌ ، وصرف صدقة غيرها الى الفقراء المدقعين(٢) المعتادين بالسؤال ؛ لأنّ عادة العرب صرف المواشي على سبيل المنحة الأشهر والشهرين ، فربما لا يحصل للمدفوع إليه ذلّة في نفسه ، جرياً على عادة العرب.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ صدقة الخُفّ والظُلْف تدفع الى المتجمّلين من المسلمين ، فأمّا صدقة الذهب والفضة وما كِيْل بالقفيز وما أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين » قال ابن سنان : قلت : وكيف صار هذا هكذا؟ فقال : « لأنّ هؤلاء متجمّلون يستحيون من الناس ، فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس ، وكلٌّ صدقة »(٣) .

مسألة ٢٥١ : ولا حدّ للإِعطاء‌ ، إلّا أنّه يستحب أن لا يعطى الفقير أقلّ ما يجب في النصاب الأول ، وهو : خمسة دراهم ، أو عشرة قراريط ، قاله الشيخان(٤) وابنا بابويه(٥) وأكثر علمائنا(٦) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا يعطى أحد من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم »(٧) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٠ / ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠١ / ٢٨٤.

(٢) الدَّقْعاء : التراب. يقال : دَقِع الرجل. أي : لصق بالتراب ذُلّاً. الصحاح ٣ : ١٢٠٨.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٠ / ٣ ، علل الشرائع : ٣٧١ ، الباب ٩٦ ، الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ١٠١ / ٢٨٦.

(٤) المقنعة : ٤٠ ، النهاية : ١٨٩ ، الاقتصاد : ٢٨٣ ، الجُمل والعقود ( الرسائل العشر ): ٢٠٧.

(٥) المقنع : ٥٠ ، وحكاه عنهما المحقق في المعتبر : ٢٨٤.

(٦) منهم : السيد المرتضى في الانتصار : ٨٢.

(٧) الكافي ٣ : ٥٤٨ / ١ ، التهذيب ٤ : ٦٢ / ١٦٧ ، الاستبصار ٢ : ٣٨ / ١١٦.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460