تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء17%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182216 / تحميل: 6068
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

مخصوص ، أي : العلم المتعلّق بالذات المخصوصة المعينة يتوقّف تحصيله على جهة العلّة ويمتنع حصوله من المعلول. ولا ريب انّ العلم بالحقيقة المعينة المخصوصة أولى وأكمل من العلم بحقيقة ما ، فهذا هو الوجه في مزية البرهان اللمّي على الإنّي.

ولا ريب أيضا في انّ المقصود من البرهان في اثبات الواجب ـ تعالى شأنه ـ اثبات خصوصية العلّة للكلّ ـ اعني : الواجب بالذات ـ ، وبرهان الإنّ لا يفيد هذا الأمر ، فيجب المصير فيه إلى برهان اللمّ.

والجواب : انّ هذا مجرّد دعوى لا دليل عليه ، والفرق غير ظاهر عند التأمّل. فانّ العلم بالعلّة إن لم يكن تامّا ـ أي : لم يعلم العلّة بحقيقتها ولوازمها وخواصّها وما لها بالقياس إلى نفسها وما لها بالقياس إلى غيرها ـ لم يفد العلم بخصوصية المعلول اصلا ، لأنّه لم يعلم صفاتها وخواصّها ليعلم انّ معلولها يلزم أن يكون على صفة كذا وخصوصيّة كذا. ولو افاد مجرد ذلك العلم بخصوصية المعلول لقلنا : العلم بالمعلول أيضا يوجب العلم بخصوصية العلّة وإن لم يكن تامّا ، لعدم تعقّل الفرق أصلا. ولو كان العلم بها تامّا ـ أي : علمت العلّة بحقيقتها المخصوصة وصفاتها المعينة وخواصّها اللازمة ـ فلا ريب في أنّه يفيد العلم بخصوصية المعلول بمعنى انّه بعد ما علم انّ العلّة حقيقتها كذا وصفاتها وخواصّها كذا يحكم العقل بانّ معلول مثل هذه العلة يجب أن يكون على صفة كذا أو خصوصية كذا ـ للزوم المناسبة بين العلّة والمعلول ـ. إلاّ أنّ المعلول أيضا إذا علم بهذا الوجه علمت العلّة أيضا بالتعيّن(١) والخصوصية ، فانّه إذا علم أنّ المعلول على حقيقة كذا وخواصّه وآثاره كذا وكذا ، يحكم العقل بانّ علّته يلزم أن يكون على صفات مخصوصة وخصوصيات معينة ـ لوجوب المناسبة بين العلة والمعلول ـ فانّا كما إذا تعقّلنا الواجب ـ تعالى شأنه ـ بصفاته المعيّنة من بساطته وتجرّده نحكم بأنّه / ٢٢ DB / يجب أن يكون معلوله الأوّل جوهرا بسيطا مجرّدا وهو العقل الاوّل ، كذلك إذا تعقّلنا العقل الأوّل ببساطته وتجرّده وامكانه نحكم بانّ علّته يجب أن تكون بسيطا مجرّدا واجبا ، وقس عليه أمثال ذلك. فانّا كما إذا تعقّلنا تعفّن(٢) مطلق خلط علمنا حصول

__________________

(١) الاصل : باليقين.

(٢) الاصل : تعقل.

١٠١

مطلق حمى من دون العلم بخواصّ هذه الحمى ، وإذا علمنا تعفّن خلط صفراويّ علمنا حصول حمى صفراويّ ، فكذلك إذا علمنا حصول مطلق حمى من دون العلم بخواصّ هذه الحمى علمنا تعفّن مطلق خلط من دون حصول العلم بخصوصية هذا الوسط ، ولو علمنا خصوصية الحمى من كونه حمّى صفراويا أو بلغميا علمنا خصوصية الخلط أيضا من كونه صفراء أو بلغما ؛ هذا.

وقال بعض الأفاضل : انّه لا ريب في انّ العلم الحاصل من البرهان سواء كان لمّيا أو إنّيا انّما هو العلم التصديقيّ ـ أي : المتعلّق بثبوت النسبة الخبريّة ـ دون العلم التصوريّ الّذي هو تصوّر الأشياء بالحدّ أو الرسم ، فانّ العلّية والمعلولية اللّتين اعتبرنا بين حدود البرهان ـ أعني : الأوسط والأكبر والأصغر ـ ليستا معتبرتين بين ذوات تلك الحدود ، بل بين أوصافها العنوانية باعتبار ثبوت تلك الاوصاف لذوات تلك الحدود أو نفيها عنها. فقولهم : الأوسط إذا كان علّة للحكم فالبرهان لمّي وإلاّ فإنّي ؛ فيه مسامحة واعتماد على الظهور ، ومعناه انّ وصف الأوسط باعتبار ثبوته للأصغر أو نفيه عنه إن كان علّة لثبوت وصف الأكبر للأصغر أو نفيه عنه فالبرهان لمّى ، وإلاّ فإنّي. فاذا قيل : العالم متغير وكلّ متغير حادث فالعالم حادث ، برهان لمّي أريد به انّ ثبوت الأوسط / ٢٣ MA / ـ أعني : التغيّر ـ للعالم علّة لثبوت الحدوث له ، وهو الحكم المطلوب. بمعنى انّه متقدّم عليه بالذات بحسب نفس الأمر ، وما لم يثبت للعالم وصف التغيّر في الواقع لم يثبت له وصف الحدوث. وإذا قيل : زيد محموم وكل محموم متعفّن الاخلاط ، برهان انّي أريد به انّ ثبوت الأوسط ـ أعني : المحموم ـ لزيد معلول لثبوت تعفّن الاخلاط له وهو الحكم المطلوب ؛ يعنى انّه متأخّر عنه بحسب نفس الأمر. وما لم يثبت لزيد وصف بعض الاخلاط ـ أي : الحكم المطلوب ـ لم يثبت له وصف الحمى ـ أي : الأوسط ـ. فظهر انّ العلّية والمعلولية المأخوذتين في مطلق البرهان انّما ترجعان إلى ثبوت النسبة الّذي هو من العلوم التصديقية.

وإذا كان الحاصل من البرهان هو العلم التصديقي دون التصوريّ نقول : لا يجوز التفاوت بالكمال والنقصان في العلم التصديقى سواء حصل من برهان اللمّ أو الإنّ ، إذ

١٠٢

لا فرق في كيفية العلم الحاصل منهما لعدم التشكيك فيه ـ كما بيّن في موضعه ـ ، ولا في متعلّق التصديق ـ إذا لتصديق المنتج من ايّهما متعلّق بحقيقة النسبة الخبرية المطلوبة ـ ، فالعلم الّذي يمكن أن يتفاوت بالكمال والنقصان انّما هو العلم التصوريّ من حيث المتعلّق ، فانّ العلم التصوريّ الحاصل من الحدّ يكون متعلّقا بحقيقة الشيء ، والحاصل من الرسم يكون متعلّقا بخواصّه ولوازمه. وتفاوت هذا العلم لا مدخلية له فيما نحن فيه ، فانّ قولنا : العالم حادث متعلّق العلم ثبوت الحدوث للعالم أعمّ من أن يكتسب من جهة علّيته أو من جهة معلوليّته ، ولا يتصوّر التفاوت فيه من هذه الجهة. نعم! يمكن التفاوت في تصوّر الحدوث أو العالم بالكنه أو الوجه ، إلاّ انّه لا مدخلية له في نفس التصديق بثبوت الحدوث للعالم.

فان قيل : يجوز أن يختلف العلم بالنسبة الخبرية باختلاف تصور الاطراف بالكنه أو بالوجه ؛

قلنا : التفاوت فيه على هذا التقدير ليس من حيث انّه(١) مستفاد من البرهان ، بل من حيث تصوّر بعض الاطراف بالكنه وبعضها بالوجه ، فبالحقيقة يكون التفاوت في العلم التصوري ؛ وبواسطته يحصل تفاوت ما في العلم التصديقى أيضا. ولكن ذلك لا يفيد التفاوت في المقصود ، لأنّه ليس من حيث انّه مستنتج من البرهان ، بل من حيث تصوّر الاطراف ؛ إلاّ أن يقال : انّ مقصود القائل انّ البرهان اللمّي لا ينفكّ عن تصوّر الاطراف على وجه اتمّ واكمل ، بخلاف الإنّي ، لا أنّ العلم الحاصل بالمطلوب من اللمّي من حيث انّه حاصل منه يكون اتمّ من العلم الحاصل به من الإنّي من حيث انّه حاصل منه ، وهذا القدر يكفي لمزية اللمّ على الإن.

وغير خفيّ إنّا نلتزم مثل هذه المزية ولا ننكره! ، إلاّ أنّ مبنى هذا الكلام على لزوم تصوّر الاطراف في اللمّي بالحدّ والكنه وفي الإنّي بالرسم وبالوجه ، وعلى جعل حصول الشيء ممّا يتوقّف عليه من اللمّ وإن لم يكن علّة فاعلية له ، بل يكفى كونه جزء العلّة ومن مقوّماته. والظاهر أنّ مجرّد حصول الشيء ممّا يتوقّف عليه وأن

__________________

(١) الاصل : ـ انه.

١٠٣

يكن علّة فاعلية من اللمّ بشرط كونه تصديقا ، لأنّ المراد بالعلّة هاهنا يجب ان يكون ما يتوقّف عليه الشيء مطلقا لا العلّة التامّة ولا خصوص إحدى العلل الاربع ، فانّ الاستدلال / ٢٣ DA / من المعلول على أيّ جزء من العلّة التامة برهان انّي ، والاستدلال من الجزء الأخير للعلّة التامة أو يستلزم الجزء الاخير له على المعلول برهان لمّي.

وأمّا لزوم كون تصور الاطراف ممّا يتوقّف هذه الاطراف عليه ـ أعني : بالحدّ والكنه في اللمّ ـ فغير معلوم ، لانّه من العلوم التصورية الّتي لا مدخل لها في البرهان الّذي هو من العلوم التصديقية ـ ، فلا معنى لاشتراطه في البرهان اللمّي.

وأنت خبير بانّ اتمام أصل الجواب المنقول عن بعض الأفاضل يتوقّف على عدم التشكيك في حقيقة العلم المتعلق بالنسبة الخبريّة ، وهو محلّ كلام ؛ والنزاع في مثله مشهور.

وقد تلخّص ممّا ذكر انّ ما ذكروه في بيان الأمر الاوّل ـ أعني : اوثقية اللمّي من الإنّي ـ غير تمام ، ولا تفاوت بينهما إلاّ في أنّه يعلم المطلوب في اللمّي من جهة ما يوجبه من لمّه وسببه ، بخلاف الإنّي ؛ هذا.

وذكروا في بيان الوجه الثاني ـ أعني : لميه منهج الإلهيين ـ وجوها :

منها : انّه استدلال بحال من مفهوم الوجود ـ أعني : احتياج فرده الممكن إلى العلّة أو كونه ذا تقرّر أو ذا فرد في نفس الأمر ـ على حال اخرى منه ، / ٢٣ MB / وهي اتّصافه بكون بعضه واجبا لا على ذات الواجب في نفسه ، فانّ كون طبيعة الوجود مشتملة على فرد هو الواجب لذاته حال من أحوال تلك الطبيعة ، فالاستدلال بحال من تلك الطبيعة على حال أخرى لها معلولة للحال الاولى.

وفيه : انّ الحالة الّتي يستدلّ بها ـ أعني : كون الوجود ذا تقرّر أو ذا فرد أو احتياج فرده الممكن إلى علّة ـ إنّما هي معلومة ومستفادة من الوجودات الامكانية ، وهي معلولة للواجب الحقّ ـ تعالى شأنه ـ ، فكيف يكون علّة له في الخارج حتّى يكون الاستدلال بها عليه لمّيا؟!. كيف ولو كان الاستدلال بالوجود المطلق على الواجب بأيّ طريق كان استدلالا بالعلّة على المعلول لكان للواجب علّة؟!

١٠٤

وبما ذكر يظهر ضعف ما ذكره بعض المشاهير المعتقدين للمّية هذا الوجه حيث قال : إن قيل : الاستدلال بالوجود على الواجب ليس استدلالا بالعلّة على المعلول ، وإلاّ لزم أن يكون الواجب معلولا ؛ قلنا : الاستدلال بالعلّة على المعلول هو الاستدلال من واجب الوجود على معلولاته. فانّا في الطريقة المختارة نثبت واجب الوجود أوّلا ثمّ نستدلّ به على ساير الموجودات بان نقول : لمّا كان الواجب في غاية البساطة والتجرد يجب أن يصدر عنه أوّلا امر بسيط مجرّد عن الموادّ وبعد فتح ابواب الكثرة يصدر منه ـ تعالى ـ بطريق التناوب الاشياء الأخر ، ولمّا كان غنيا عن كلّ شيء يجب أن لا يكون فعله معلّلا بالاغراض ، وإن كانت المنافع لازمة لفعله ـ تعالى ـ على وجه لا يكون غرضا له وعائدا إليه. ولمّا كان جوادا مطلقا فيجب أن لا ينقطع منه الفيض ، ولمّا كان مجرّدا يجب أن لا يسنح له شيء بعد ما لم يكن ، وغير ذلك من الخواصّ المثبتة بمجرّد ملاحظة وجوب الوجود. وأمّا القوم فيثبتون ساير الموجودات ويستدلّون بها على وجود واجب الوجود. وبعبارة اخرى : نحن نثبت الحقّ ونستدلّ به على الخلق ، وامّا هم فيثبتون الخلق ويستدلّون به على الحقّ ، فطريقتنا أوثق وأشرف. انتهى ما ذكره مع تفصيل وتوضيح.

ووجه ضعفه : انّ استدلالكم على الواجب انّما هو بافراد الوجودات المعلولة أو بالوجود المطلق من حيث أنّه في ضمن الافراد الممكنة المعلولة ، فهو استدلال من المعلول على العلّة دون العكس ، فلا فرق بين طريقتكم وطريقة غيركم.

وأمّا ثبوت اللوازم والخواصّ المذكورة للواجب بعد اثباته فهو امر آخر يتأتّى على جميع الطرق بعد أن يثبت الواجب بأيّ منها.

ومنها : انّ كون العالم مصنوعا ومجعولا علّة لكون الواجب صانعا للعالم ، أي : هو علّة لهذا الوجود الرابطي الاضافي للواجب ـ تعالى ـ لا لوجوده في نفسه ، لانّ وجوده في نفسه ليس معلولا لشيء ، فوجود العالم في نفسه معلول للواجب ـ تعالى شأنه ـ. والوجود الرابطي للواجب ـ تعالى ـ وهو كونه صانع العالم معلول للعالم باعتبار مصنوعيته ومجعوليته ، فكون العالم مصنوعا ومجعولا علّة لكونه ذا جاعل واجب

١٠٥

بالذات. ولا استبعاد في ذلك كما ذكره الشيخ في المؤلّفية وذوي المؤلّفية ، فانه قال : انّ قولنا كلّ جسم مؤلّف وكلّ مؤلّف فله مؤلّف برهان لمّي ، لانّ المؤلّف ـ بالفتح ـ وإن كان معلولا للمؤلّف ـ بالكسر ـ بحسب الخارج والواقع ، لكن ذا المؤلّف ـ أعني : مفهوم ٢٣ DB / قولنا : له مؤلّف ـ هو الحدّ الأكبر ، والوجود الرابطي للمؤلّف ـ بالكسر ـ معلول للمؤلّف ـ بالفتح ـ. وأيّد ذلك بعضهم بانّه لا يثبت من هذه الدلائل إلاّ وجود علّة ما لجميع الممكنات خارجة عنها ـ أي : غير ممكنة ـ ، ولا يثبت بها خصوص وجود الذات المقدّسة الالهية. والشيخ قد صرّح بانّ الاستدلال بوجود المعلول على وجود علّة ما في الحقيقة استدلال من العلّة على المعلول ، لأنّ ثبوت علّة ما لشيء يكون في الحقيقة معلّلا بمعلولها ، فيكون لمّيا.

قيل : وبهذا الوجه ـ أي : بجعل المعلولية راجعة إلى الوجود الاضافي الرابطي لا إلى الوجود الحقيقي الخارجى ـ يندفع الايراد المشهور ؛ وهو انّه لا يمكن الاستدلال اللمّى على وجود الواجب لان كلّ شيء سوى الواجب ـ تعالى ـ معلول له ـ تعالى ـ إمّا بواسطة أو بدونها ، وليس الواجب معلولا لشيء ؛ فلا يمكن الاستدلال على وجوده بطريق / ٢٤ MA / اللمّ.

وأيضا : كلّ ما يحصل في اذهاننا ونتعقّله فهو ممكن ، وكلّ ممكن معلول له ، فانحصر طريق اثباته في الإنّي.

ووجه الدفع : انّ ما يثبت بالبرهان اللمّي هو الوجود الاضافي الرابطي للواجب ـ تعالى ـ وهو يجوز أن يكون معلولا ، وعدم معلوليته انّما هو باعتبار وجوده في نفسه. ولا امتناع في كون الواجب معلولا باعتبار الوجود الرابطي ، فانّ الشيء قد يكون علّة بحسب الذات ومعلولا بحسب الوجود الاضافى الرابطي ، فانّ ثبوت رازقية زيد للواجب ـ تعالى ـ يتوقّف على وجود زيد المرزوق ولا يمكن ثبوتها له بدونه ، بل يحتاج هذا الثبوت إلى وجود زيد مع انّه موجد زيد وغني عن كلّ شيء.

وغير خفيّ انّ هذا الوجه في غاية السقوط ولا يسمن ولا يغني من جوع! ، كيف وهو يجري في جميع ادلّة اثبات الواجب من أيّ منهج كان ولا اختصاص له بمنهج

١٠٦

الإلهيين ، بل يجري في جميع الأدلّة الآتية في أيّ مطلب كان ولا اختصاص له بادلّة اثبات الواجب! ؛ فأيّ مزية تثبت بهذا التكلّف والتعمّل لمنهج الإلهيين؟!.

مع انّه لو سلّم عدم جريانه في غيره نقول : انّ مطلوب القوم من ردّ أدلّة اثبات الواجب إلى اللمّي انّما هو لأن يكون أوثق وأحكم ، ولا ريب في أن مثل هذا التعمّل والتغيّر في بعض العبارات لا يصير سببا لتفاوت الدليل في الواقع ونفس الأمر حتّى يصير لأجله أوثق ، بل انّما هو تكلّف لا يرجع إلى فائدة وتحصيل. فالفرق بين منهجي الالهيين والمتكلّمين بلمّية الأوّل وإنّية الثاني تحكّم بحت!.

ولو قيل بعكس ذلك لكان له وجه في الجملة ، لأنّ المتكلّمين يجعلون الوسط في براهين اثبات الواجب هو الحدوث أو الامكان بشرط الحدوث ، وهم يعتقدون انّ علّة الحاجة إلى المؤثّر هي الحدوث أو الامكان بشرط الحدوث ، فالاستدلال على الواجب به استدلال لمّي وإن كان ما اعتقدوه من علّة الحاجة باطلا عندنا. وأمّا الإلهيون فلمّا جعلوا الوسط في البراهين هو الوجود فلا يمكنهم القول باللمّية ، لأنّ الوجود ليس عندهم علّة الحاجة بل علّتها عندهم هي الامكان البحث. نعم ؛ لو جعلوا الوسط في البراهين هو الامكان فقط واستدلّوا على الواجب ـ تعالى ـ بمجرّده لكان للقول بلمّية طريقتهم وجه ، إلاّ أنّ الاستدلال بمجرّد الامكان من غير التمسّك بالوجود أو الحدوث غير ممكن.

وبذلك يندفع ضعف ما افتخر به بعض الفضلاء بالتفطّن به ، وقال : أمّا اثبات الواجب فظاهر النظر يقتضي أن يكون دليله على الطريقين إنّيا ، والنظر الصائب يفضي إلى أنّ الّذي لهم من الدعوى على الطريقين يثبت ببرهان لمّي ، فانّ دعواهم انّ الممكنات منتهية إلى الواجب أو انّ الممكن له موجود واجب أو انّ العالم له خالق صانع لا مجرّد انّ الواجب موجود ، بل هو لازم ثانيا من دليلهم ، وبين هذا وما قدمنا من الدعوى فرق ؛ انتهى.

ووجه الدفع : انّ الممكن ما لم يؤخذ منه الوجود أو الحدوث أو ما يرجع إليهما لم يدلّ على احتياجه إلى المؤثّر ، ووجهه ظاهر.

١٠٧

وبما ذكر يظهر فساد ما قيل : انّ جميع براهين اثبات الواجب لمّية بحسب الحقيقة ـ بناء على ما نقل عن الشيخ من حديث المؤلّف وذي المؤلّف ـ ، إلاّ أنّ صورة ساير الطرق شبيهة بصورة الإنّ لانّها بظاهرها انتقال من المعلول إلى العلّة ، لانّ الممكن والمحدث والحركة ـ الّتي ينتقل منها إلى الواجب تعالى ـ معلولة له. بخلاف منهج الالهيين ، فانّه انتقال من الموجود إلى الواجب ، وهو بظاهره لا يشبه إلاّ انّ الموجود ليس معلولا للواجب مطلقا وإن كان بعض افراده معلولة له ، بخلاف الممكن والحادث والحركة.

ووجه الفساد : أمّا أوّلا فبأنّه أيّ فائدة في التفاوت في / ٢٤ DA / الصورة مع عدم الفرق الواقعي في الوثوق؟! ؛

وأمّا ثانيا : فبانّه تخصيص لادلّة اثبات الواجب مع جريان ما ذكره الشيخ في جميع ما يتصوّر دليلا.

وأمّا ثالثا : فبانّ الموجود الّذي يقع به الانتقال إلى الواجب انّما هو افراده الّتي هي معلولة ، والفرد الّذي هو غير معلول لم يقع به انتقال. ولا فرق بينه وبين الممكن والحادث.

ثمّ التأييد الّذي نقلناه عن بعضهم للوجه المذكور ـ : من كون / ٢٤ MB / الاستدلال لوجود المعلول على وجود علّة ما استدلالا لمّيا ـ لا يخفى فساده وضعفه وان نسبه الأكثرون إلى الشيخ ؛ لأنّ القريحة السليمة حاكمة بانّه لا فرق بين علّة ما والعلّة المعينة ، فانّ الاستدلال بوجود المعلول على وجود العلّة لمّي سواء كانت العلّة علّة ما أو علّة معينة ، وأيّ باعث للفرق؟!. والظاهر انّ نسبته إلى الشيخ فرية. وصرّح بعضهم بانّه ليس في كلمات الشيخ ما يدلّ عليه.

وأورد على الوجه المذكور : بانّه إذا كان العالم باعتبار مصنوعيته ومجعوليته علّة لكون الواجب صانعا للعالم لزم أن لا يثبت للواجب ـ تعالى ـ صانعية العالم لذاته ، بل يتوقّف على ملاحظة حال العالم ، لأنّ صانعيته ـ تعالى ـ حينئذ معلولة لمصنوعية العالم كما هو شأن البرهان اللمّي. فلو قطع النظر عن مصنوعية العالم لم يثبت له صانعية(١)

__________________

(١) الاصل : لم يثبت لصانعه.

١٠٨

في ذاته ، فلا يجوز أن تكون مصنوعية العالم علّة لهذا الوجود الرابطي ـ وهو كون الواجب صانعا للعالم ـ.

وأجاب عنه بعض الأفاضل : بانّ صانعية العالم يمكن اعتبارها من وجهين :

أحدهما : بحيث يكون وصفا للعالم ومعناها كون العالم بحيث يكون له صانع واجب الوجود بالذات ؛ وثانيهما : أن يكون وصفا لواجب ـ تعالى شأنه ـ. ومعناها حينئذ كون الواجب بحيث يكون صانعا للعالم ؛ وللعالم وصفان : أحدهما : المصنوعية والمجعولية ، والآخر : كونه ذا صانع جاعل ؛ والأوّل علّة للثاني والنتيجة هي كون العالم ذا صانع واجب الوجود بالذات ، لا كون الواجب صانع العالم ، فصورة القياس هكذا : العالم مصنوع ومجعول ، وكلّ مصنوع ومجعول ذو جاعل صانع واجب بذاته ، فالعالم ذو جاعل صانع واجب بالذات. وكون الواجب صانع العالم يظهر وينكشف بعد حقّية تلك النتيجة من غير احتياج إلى كسب ونظر ، وهذا الظهور بطريق الاتّفاق. فثبوت صانعية العالم للواجب انّما هو بالنظر إلى ذاته لا بواسطة أمر ؛ غاية ما فى الباب انّه ينكشف عندنا بعد حقّية ذلك القياس. ونظير هذا انّ التصديق قد يكون خفيا وبعد تصوّر الطرفين يصير بديهيا ، إلاّ أنّ تصوّر الطرفين كاسب له لأنّ التصديق لا يكون مكتسبا من التصوّر ، فحقّية كون الواجب صانع العالم لازمة لحقّية ذلك القياس ، لكن هذا اللزوم ليس لزوما اصطلاحيا بأن يكون حقّية القياس المذكور ملزومة لحقّية كون الواجب صانع العالم وعلّة بالقياس إليه ، لأنّ كلّ ملزوم اصطلاحي علّة للازمه ، وثبوت صانعية العالم له ـ تعالى ـ ليس معلّلا بغير ذاته أصلا ، فاللزوم فيها بالمعنى اللغوي ـ يعني : انّه لا ينفكّ أحد العلمين عن الآخر ـ. لانّه إذا ثبت القياس المذكور يصير كون الواجب صانع العالم بديهيا لا يحتاج إلى فكر ونظر اصلا ، فكون(١) الواجب صانع العالم ثابت له باعتبار ذاته بلا علّة غير ذاته.

ويمكن أن يقال : كون الواجب صانع العالم قد ظهر حقّيته بصحابة اللمّ إلاّ أنّ له دليلا لمّيا ؛ انتهى.

__________________

(١) الاصل : فيكون.

١٠٩

واقول : هذا الجواب بطوله ممّا لا يجدي طائلا ، بل هو فاسد! ، لأنّ القول بانّ ظهور كون الواجب صانع العالم انّما هو بطريق الاتفاق ممّا لا معنى له ، والقرائح السليمة لا تقبله ؛ فانّه لا ريب في أنّ صانعيته ـ تعالى ـ للعالم انّما يعلم من مصنوعية للعالم ، ولولاها لم يكن لنا إليها سبيل. بل لو لم يتحقّق المصنوعية في الخارج لم تتحقّق صانعية فيه. نعم! ، يمكن القول بانّ الانتقال من هذا الوجود الرابطي ـ أعني : كونه صانعا ـ إلى الوجود الحقيقيّ انّما هو بالحدس لا بالاكتساب ، لانّ تحقّق الوجود الارتباطى لا يمكن إلاّ بعد تحقّق الوجود في نفسه.

فالحقّ في الجواب عن الشبهة أن يقال : لا مانع من توقّف هذا الوجود الاضافي الارتباطى ـ أعني : ثبوت صانعية العالم للواجب تعالى شأنه ـ على غيره ـ أعني : مصنوعية العالم وعدم ثبوتها له في ذاته ـ ، فانّ المصنوعية والصانعية متضايفتان وتوقّف ثبوت أحد المتضايفين على الآخر ذهنا وخارجا ممّا لا ينكر. وهل هذا مثل الرّازقية والمرزوقية؟ ، فانّه لا ريب في انّه لا يثبت للواجب ـ تعالى ـ رازقية / ٢٤ DB / زيد بدون وجود زيد المرزوق ، بل هي موقوفة عليه. والسرّ انّ مثل الصانعيّة والخالقيّة والرازقيّة وأمثالها من صفات الفعل الّتي لا تتحقّق بدون متعلّقاتها. والحاصل : انّ عدم ثبوت الوجود الرابطي للواجب بالنظر إلى ذاته وتوقّفه على غيره لا منع فيه ، إلاّ أنّ ارجاع البراهين إلى اثبات مثل هذا الوجود ليصير لمّية ممّا لا فائدة / ٢٥ MA / فيه ولا يجدي طائلا ـ كما عرفت ـ.

ثمّ لا يخفى بأنّ مثل هذه الشبهة جارية في الوجه الأوّل أيضا ، بان يقال : إذا كان اشتمال الموجود المطلق على الفرد الممكن علّة لاشتماله على الفرد الواجب لزم أن يكون كون الواجب فردا للموجود المطلق معلولا لكون الممكن فردا للموجود المطلق ، فيلزم أن لا يثبت للواجب ـ جلّ وعزّ ـ كونه فردا للموجود المطلق باعتبار ذاته ، بل بملاحظة علته ؛ وهي اشتمال الموجود المطلق على الفرد الممكن واحتياجه إلى العلّة. فمع قطع النظر عن هذه العلّة في نفس الأمر يلزم عدم معلولها في نفس الأمر فيلزم أن لا يكون الواجب فردا للموجود المطلق في ذاته ؛ وهو باطل. لأنّ كون الواجب فردا للموجود

١١٠

ثابت له ـ تعالى ـ بالنظر إلى ذاته وإن قطع النظر عن جميع ما عداه.

والجواب على النحو الّذي نقلناه عن بعض الأفاضل(١) مع ما يرد عليه يعلم ممّا مرّ ، وعلى ما ذكرناه ظاهر ؛ فلا نطيل الكلام بالاعادة.

ومنها : ما ذكره بعض الأفاضل ، وهو أنّ طبيعة الوجوب لمّا كانت طبيعة ناعتية لطبيعة الوجود عارضة لها فهي متأخّرة بالذات عنها ـ كما يظهر من تتبع عبارات الشفا وغيره ـ ، فيكون الموجود بما هو موجود متقدما بالذات على الموجود بما هو واجب والواجب بما هو واجب ، وهذا لا ينافى ما هو المشهور من « أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد » ، لأنّ المراد منه انّ الماهية ما لم يتصف في مرتبة العقل وجودها بصفة الوجوب لم يمكن أن يوجد ، لأنّ اتصاف الشيء في الخارج بصفة الوجوب متقدّم على تحقّقه فيه ، اذ اتصافه بها في الذهن متقدّم على ثبوته فيه. إذا تمهّد هذا فلا يخفى عليك : انّ الاستدلال بالموجود بما هو موجود وانّ له فردا في الخارج على الواجب بما هو واجب وانّ له فردا خارجيا برهان لمّي بلا تعمّل وتكلّف لا انّي ، لأنّ ثبوت الفرد الخارجي

للموجود بما هو موجود متقدّم بالذات والطبع على ثبوت الفرد الخارجى للواجب بما هو واجب. ولا يتوهّم انّه يلزم على هذا أن يكون الواجب بما هو واجب معلولا لشيء ، إذ اللازم تقدّم اعتبار الوجود على اعتبار الوجوب ، وهو ليس بمستنكر ، إذ ذاته ـ تعالى ـ من جهة انّه مبدأ للآثار فرد للموجود ، والوجود من جهة انّه مبدأ لوثاقة الوجود فرد للواجب والوجوب ، والاعتبار الاوّل متقدّم بالذات على اعتبار الثاني ـ كما يقال في تقدّم وجوب الوجوب على ساير الصفات ، وفي تقدّم العلم والقدرة على الإرادة ـ. وطبيعة الوجود والموجود بما هو موجود متقدم على جميع الاشياء ، بل جميع الاعتبارات بالذات ، ولهذا جعل موضوعا للفلسفة الأولى. والمراد بما قال الشيخ وغيره : « انّه لا برهان عليه ـ تعالى ـ بل هو البرهان على كلّ شيء » : انّه لا برهان على ذاته من غيره ، لانّ ذاته باعتبار وملاحظة ليس ببرهان على نفسه باعتبار آخر ، أو بعض صفاته ليس برهانا على بعض آخر ؛ بل هو الشهيد عليه كما على غيره. ولهذا

__________________

(١) الاصل : + ظاهر.

١١١

بعينه صار هذا المنهج أشرف وأخصر من غيره المأخوذ فيه وجود الممكن أو الحادث أو المتحرّك شاهدا عليه ؛ انتهى.

وأنت خبير بأنّ هذا الوجه في غاية الفساد ، ولا يقبل الاصلاح بوجه. لانّ الوجود الّذي يمكن أن يتوهّم تقدّمه على الوجوب وعلّيته له انّما هو الوجود الخاصّ الواجبي والاستدلال لم يقع به ، لانّه عين المطلوب ، بل الاستدلال انّما وقع من الموجود المشاهد المعيّن أو من طبيعة الموجود باعتبار تحقّقها في ضمن موجود معيّن مشاهد ، والبديهة قاضية بانّه ليس متقدّما على الموجود بما هو واجب ولا علّة للواجب بما هو واجب ، كيف وجميع الموجودات المعلومة المشاهدة وطبيعة الموجود من حيث تحقّقها في ضمنها معلولة للواجب ومتأخّرة عن تحقّقه؟! ؛ فكيف يجوز أن تكون متقدّمة عليه وعلة له؟!. على أنّ تأخّر الوجوب لذاته عن الوجود الواجبي وتأخّر الوجوب لغيره عن ساير الوجودات غير مسلّم ، لانّ كلّ وجود ما لم ينسدّ عنه جميع انحاء العدم ولم يصل حدّ الوجوب لم يتحقّق في الخارج ، فالوجوب في مرتبة نفس الأمر ـ أي : العقل الفعّال ـ أو الحال الّذي للشيء في حدّ ذاته بلا تعمّل ـ أي : الّذي يكون / ٢٥ DA / بحيث إذا لاحظه العقل السليم حكم به بالبديهة أو البرهان ـ مقدّم على الوجود.

وما ذكره هذا الفاضل في بيان معنى المقدّمة المشهورة كلام خال عن التحصيل ، لانّه لا شكّ أنّ اتصاف الشيء بالوجود ليس له توقّف على أن يلاحظ العقل اتصافه بالوجوب ، وليس دليل يدلّ عليه ، بل / ٢٥ MB / الدليل انّما يدلّ على انّه يتوقّف على اتصافه به في نفس الأمر. على انّه إذا لم يكن له اتصاف بالوجوب قبل الوجود في نفس الأمر ولم يتحقّق حينئذ وجوب لكونه نفيا لما لم يتحقّق بعد ـ أعني : الوجود ـ لم يمكن للعقل أن يصفه به إلاّ بتعمّل ؛ وكيف يمكن للعقل الصحيح أن يحكم بما ليس له تحقّق في الواقع ونفس الأمر؟! ؛ ولو حكم به تعمّلا لم يكن فيه فائدة ، لأنّ الأمور النفس الأمرية لا تختلف ولا تتفاوت بمجرّد فرض العقل خلافه.

فان قيل : مراد هذا الفاضل بمرتبة العقل هو نفس الأمر ، فيكون مراده انّ الوجوب متقدّم على الوجود في نفس الأمر ؛

١١٢

قلنا : فيصير حينئذ حكمه بتقدّم الوجود على الوجوب وكونه نعتا للوجود باطلا ، لأنّه إذا كان الوجوب مقدّما على الوجود في نفس الأمر فالوجود في أيّ مرتبة يكون مقدّما على الوجود ، إذ لا يتصوّر حينئذ مرتبة وطرف يثبت فيه تأخّر الوجوب عن الوجود ، لانّ الاتصاف بالوجوب قبل الوجود وبعده ليس إلاّ بمعنى واحد ووجه واحد. فاذا كان هو متقدّما على الوجود في نفس الأمر فان فرض تأخّره أيضا لزم تأخّره في نفس الأمر ، وهو تناقض.

قيل : انّ الوجوب إمّا نعت للوجود أو كيفية للنسبة ، وعلى التقديرين يلزم تأخّره عن الوجود ؛ أمّا على التقدير الأوّل فظاهر ، إذ تأخّر الوصف عن الموصوف لا يقبل المنع ، وأمّا على التقدير الثاني فلأنّ النسبة الّتي بين الطرفين ـ أعني : الذات والوجود ـ متأخّرة عن الطرفين ، فيكون متأخّرة عن أحد الطرفين الّذي هو الوجود ، ولا ريب أنّ كيفية النسبة متأخّرة عن نفس النسبة المتأخّرة عن الوجود ، فيكون تلك الكيفية ـ أعني : الوجوب ـ متأخرة عن الوجود بمرتبتين. وحينئذ ينبغي إمّا أن يقال : الوجود مقدّم على الوجوب في نفس الأمر وتأوّل المقدّمة المشهورة ، أو يقال : يتقدّم الوجوب على الوجود في نفس الأمر وتحمل المقدّمة المشهورة عليه ويلتزم تأخّر الوجوب عن الوجود في الخارج لتصحّ الوصفية ، أو كونه كيفية للنسبة.

وأجاب بعضهم : أمّا أوّلا : باختيار الشقّ الثاني وادعاء كون الوجوب وصفا لنفس النسبة ومنع كون نفس النسبة متأخّرة عن الطرفين ، إذ المتأخّر عن الطرفين انّما هو وجود النسبة ـ لأنّه الفرع لوجود الطرفين دون نفسها ـ ، فلا يلزم تأخّر الوجوب عن الوجود ؛

وأمّا ثانيا : باختيار الأوّل ومنع لزوم تأخّر مثل هذا النعت عن الموصوف ـ أعني : الوجود ـ ، لانّه إن ادّعى انّ الثبوت الرابطي من الوجوب للوجود متأخّر عن ثبوت الوجود في نفسه فغير مسلّم ، بل ثبوت الشيء للشيء مستلزم لثبوته في نفسه لا فرع له ـ على ما هو التحقيق ـ ، وإن ادّعى انّ الثبوت في نفسه للوجوب متأخّر عن الثبوت في نفسه للوجود فغير مسلّم أيضا ، إذ الثبوت في نفسه للوجوب انّما هو بمعنى

١١٣

ثبوت ما ينتزع منه إلى موصوفه ، فإذا كان موصوفه الوجود فهو أيضا ثبوته كثبوت الوجود ، فرجع معنى ثبوت الوجوب في نفسه إلى ثبوت الذات المتّصفة بوجوب الوجود في نفسه ، فلا يكون متأخّرا عن ثبوت الوجود ؛ انتهى.

وأنت تعلم إنّ الجواب الّذي ذكره هذا البعض على اختيار الشق الثاني في غاية السقوط! ، لأنّ نفس النسبة أيضا متأخّرة عن الطرفين ، لكونها فرعا لوجود الطرفين ـ لأنّه ما لم يتحقّق الطرفان لم تتصوّر نسبة بينهما ـ. ولو سلّم عدم تأخّرها عنهما وعدم كونها فرعا لوجودهما فلا ريب في أنّها لا تكون متقدّمة عليهما ، بل تكون في مرتبتهما ، فالوجوب الّذي وصف لهما يجب أن يكون متأخّرا عنها ، وإذا كان متأخّرا عنها يكون متأخّرا عما هو في مرتبتها(١) ـ أعني : أحد الطرفين الّذي هو الوجود ـ.

امّا الجواب الّذي ذكره على اختيار الشقّ الأوّل فما ذكره أوّلا من حديث الاستلزام وانكار القاعدة الفرعية للجواب عن صورة ادّعاء تاخّر ثبوت الوجوب في نفسه عن ثبوت الوجود في نفسه محلّ الكلام ، وكونه أصحّ القولين غير معلوم ، وتحقيق القول فيه لا يليق بهذا المقام ؛

وما ذكره ثانيا للجواب عن صورة ادّعاء تأخّر ثبوت الوجوب في نفسه عن ثبوت الوجود في نفسه ، فحاصله : انّ الوجوب لمّا كان امرا اعتباريا انتزاعيا فليس له ثبوت على حدة كالصفات الحقيقية ، بل ثبوته انّما هو بمعنى ثبوت ما ينتزع عنه ـ كما هو الشأن في جميع الصفات الاعتبارية الانتزاعية ـ ، فمعنى ثبوت الوجوب في نفسه كمعنى ثبوت ساير الصفات الانتزاعية / ٢٥ DB / يرجع إلى ثبوت الذات المتّصفة به. ولمّا كان الوجود هنا هو الموصوف فمعنى ثبوته هو ثبوت الوجود في نفسه. وتلخيص الجواب على تقدير الادعاء الأوّل والثاني : انّ الوجود ليس إلاّ ذاتا بسيطة واحدة هي حقيقة الوجود الخاصّ ، والوجوب أمر انتزاعي له ، حمله عليه لا يقتضي / ٢٦ MA / التأخّر للاستلزام ، وليس له ثبوت في نفسه حتّى يلزم تأخّره للتعينية.

وأنت تعلم انّه يلزم على هذا أن لا يكون لشيء من الوجود والوجوب ـ سواء

__________________

(١) الاصل : ـ فالوجوب مرتبتها.

١١٤

كان لذاته أو لغيره ـ تقدّم وتأخّر على الآخر ، مع انّه هنا دلالتان متنافيتان إحداهما ـ وهي المقدّمة المشهورة ـ تدلّ على تقدّم الوجوب على الوجود في نفس الأمر وأخراهما ـ وهي كون الوجوب نعتا ـ تدل على العكس. وما ذكره هذا القائل يدلّ على أنّ كون الشيء نعتا ـ إذا كان انتزاعيا ـ لا يوجب تأخّره ، وبذلك يثبت التلازم والاتحاد في الوجود بين الوصف والموصوف. ولا ريب أنّه مخالف للدلالة الأولى ـ أعني : المقدّمة المشهورة ـ ، لاقتضائها تقدّم الوجوب ، وما ذكره لا يدفعها ولا يتخرّج منه جواب عنه.

فالحقّ في الجواب أن يقال : للموجود وجوبان : وجوب سابق ، ووجوب لاحق ، فالوجوب المقدّم على الوجود هو الوجوب السابق ، وليس هو نعتا للوجود لتقدّمه عليه وعلّيته له ـ وهو المراد من المقدّمة المشهورة ـ ، والوجوب الّذي هو نعت للوجود ومتأخّر عنه هو الوجوب اللاّحق. وإذا ثبت ذلك نقول : لا ريب في أنّ تقدّم الوجوب السابق على الوجود وتأخّر الوجوب اللاّحق عنه إنّما هو في الوجودات الامكانية ، ولا يتصوّر ذلك في واجب الوجود ، فانّ الوجوب فيه عين ذاته لا يتصوّر له تقدّم وتأخّر ، فالاستدلال بطبيعة الوجود على طبيعة الوجوب لو سلّم انّه استدلال من المتقدّم ـ أعني : الوجود ـ على المتأخّر ـ أعني : الوجوب ـ انّما يصحّ في الوجود والوجوب اللّذين للممكن دون الواجب ، لأنّ الاستدلال من وجود الواجب على وجوبه ليس استدلالا من المتقدّم على المتأخّر ، لأنّ الوجوب عين ذاته. مع أنّه وقع الاستدلال من الوجودات الامكانية ـ الّتي هي معلولات للواجب ـ على وجوب الوجود الّذي هو عين الواجب ، فأين ذلك من اللمّ؟!.

وبما ذكرنا ثبت وتحقّق انّ جميع براهين اثبات الواجب إنّية ولا يمكن الاستدلال عليه باللمّ.

ولكن هنا دقيقة لا بدّ أن يشار إليها ، وهو أن الأكثر علّلوا انتفاء طريق اللمّ في اثباته ـ تعالى ـ بانّه ـ تعالى ـ علّة لكلّ شيء بواسطة أو بدونها ، فبأيّ شيء استدلّ به عليه كان استدلالا من المعلول على العلّة ، فيكون إنّيا ولا يتصوّر طريق اللمّ.

١١٥

ويرد على هذا التعليل : انّ الثابت بالبرهان ليس إلاّ الوجود الرابطي لا الوجود الأصيل ، لانّ ما ثبت بالبرهان مطلقا يكون لا محالة مفادّا لقضية المستنتجة من مقدّماته ـ أعني : الحكم المطلوب ـ ، وحاصله إمّا ثبوت شيء لشيء أو نفيه عنه ـ أي : ثبوت الأكبر للأصغر أو نفيه عنه ـ ؛ ويقال لهذا الثبوت والنفي « الوجود والعدم الرابطيان » ، وأمّا ثبوت الأكبر في نفسه ـ أي : الوجود الأصيل ـ فليس مستفادا من القضية المذكورة ولا مستنتجا من البرهان.

وإذا كان الثابت بالبرهان هو وجوده الرابطي دون وجوده الأصيل ـ تعالى شأنه ـ فنقول : ما هو علّة لكلّ شيء انّما هو وجوده الأصيل ـ عزّ شأنه ـ لا وجوده الرابطي ، فيجوز أن يكون وجوده الرابطي معلولا لبعض الاشياء مع كون وجوده الأصيل علّة للجميع ؛ فتعليل الأكثر في إنّية هذه البراهين دون لمّيتها عليل ، لأنّ جميع هذه البراهين ـ سواء كان الربط فيها هو الموجود كما هو منهج الإلهيين ، أو المتحرّك كما هو طريقة الطبيعيين ، أو الحادث أو الممكن بشرط الحدوث كما هو مسلك المتكلّمين ـ لا يثبت منها إلاّ الوجودات الرابطية ـ أي : وجود موجد واجب بالذات للموجودات ومحرّك غير متحرّك للمتحرّكات ومحدث صانع للعالم ـ ، ولا دلالة لشيء منها على وجود اصيل بواحد من الموجد والمتحرّك والمحدث ، ولا يثبت برهان وجود أصيل لشيء مطلقا. فالعلّة في انية بعض البراهين ولمّية بعض آخر انّ الاوساط الّتي تؤخذ في البراهين إن كانت باعتبار النسبة الّتي بينها وبين الأصغر علّة للوجودات الرابطية الّتي هي مفاد البرهان في الواقع كما هي علّة لها(١) الذهن كانت البراهين لمّية ، وإلاّ كانت انية. والتحقيق أنّ شيئا من الأوساط المأخوذة في براهين اثبات الواجب باعتبار ثبوتها لموضوعاتها ليست علّة للوجودات الرابطية للواجب ـ تعالى ـ في الواقع ـ أعني : وجود موجد بالذات أو محرّك غير متحرّك أو محدث صانع للعالم ـ ، اذ لا تقدّم ذاتيا لكون الممكن موجودا أو متحرّكا أو حادثا على كونه ذا موجد أو ذا محرّك أو ذا محدث ، بل علّيتها له منحصرة في الذهن ؛ فلا ينعقد البرهان اللمّي على شيء من تلك المناهج.

__________________

(١) الاصل : كما هي عليها.

١١٦

فان قلت : إذا كان الحاصل من البراهين هو العلم بوجوده / ٢٦ MB / الرابطي ، فمن أين يحصل العلم بوجود الاصيل ـ تعالى شأنه ـ؟ ، مع انّا بعد تمام البرهان نقطع بوجوده الأصيل كما نقطع بوجوده الرابطي ؛

قلت : العلم بالوجود الأصيل بعد حصول العلم بالوجود الرابطي الّذي هو مقتضى البرهان انّما يحصل من انضمام مقدّمة خفية بديهية مركوزة في العقول إلى مقتضى البرهان ، فيترتّب معها ترتيبا سريعا خفيا يكون منتجا لهذا العلم ـ أي : العلم بوجوده الاصيل ـ. والظاهر انّ تلك المقدّمة / ٢٦ DA / الخفية هي ما ارتكز في العقول من أنّ الأمور العينية الّتي وجودها في أنفسها ممكن بالامكان العام إذا كانت معدومة في انفسها لا يمكن أن تكون موجودة لغيرها ، فاذا ثبت بالبرهان وجودها لغيرها انتقل الذهن بمعاونة هذه المقدّمة إلى وجودها في أنفسها أيضا من غير افتقار إلى تجشّم ترتيب المقدمات والاستنتاج. والظاهر انّ نظر من قال : الانتقال إلى الوجود الحقيقي انّما هو بالحدس لا بالاكتساب ، إلى ما قلناه ؛ وكذا نظر من قال : انّ الترتّب والانتاج لحصول هذا العلم انّما هو من قضايا قياساتها معها إلى ما ذكرناه ؛ لأنّ هذه القضايا هي القضايا المسمّاة « بالفطريات » ، المعرّفة « بقضايا يحكم بها العقل بواسطة لا يعزب عن العقل عند تصور الطرفين » ، كالحكم بأنّ الأربعة زوج ، لانقسامها بمتساويين ؛ هذا.

وقيل : حصول هذا العلم بعد حصول النتيجة من البرهان إنّما هو بطريق الاتّفاق كحصول التصديق بعد تصور الطرفين ؛ وهو كما ترى.

المنهج الثاني

منهج بعض الحكماء

وهو الاستدلال بمجرّد الامكان الوقوعي

والمراد به أن يكون الشيء بحيث لا يلزم من فرض وقوعه محال ؛ والممكن بالامكان الذاتى اعمّ من أن يلزم من فرض وقوعه محال أم لا. وأنت خبير بأنّ ما مرّ من أدلّة الالهيين كانت مبتنية على اخذ الوجود بالفعل والاستدلال به على الواجب ؛

١١٧

والغرض من هذا المنهج أنّه يكفي الامكان الوقوعي والاستدلال عليه باجراء البراهين المذكورة من دون التمسّك بالوجود بالفعل(١) .

وتقريره : انّه لا شكّ في انّه يمكن أن يقع ممكن ما موجودا في الخارج ، وهذا الفرض لا يصحّ إلاّ مع وجود الواجب ـ تعالى شأنه ـ ، اذ لولاه لزم من فرض وجوده محال ، وهو الدور ـ إذ امكان وقوع موجود ما على هذا التقدير يتوقّف على امكان وقوع ايجاد ما وبالعكس ـ. أو نقول : وقوع طبيعة الموجود بما هو موجود يجب أن يكون بلا مبدأ وإلاّ لزم تقدّم الشيء على نفسه ووقوع طبيعة الممكن بما هو ممكن لا بدّ له من مبدأ ، فلو انحصر الموجود الممكن الوقوع في الممكن لزم التناقض. أو نقول : مجموع الأفراد الّتي يمكن وقوعها لا بدّ له من علّة ولا يمكن أن تكون العلّة هي المجموع ولا جزئه ، بل يكون أمرا خارجا عنه ، فعلى فرض عدم الواجب يلزم أن لا يكون ذلك المجموع ممكنا بالامكان الوقوعي ، وقس على ما ذكر ساير البراهين.

قال بعض الافاضل : ولا يخفى عليك سخافة هذا المنهج ، اذ لا يمكن دعوى الامكان الوقوعي لممكن إلاّ من جهة العلم بوجوده ، إذ ما لم يعلم ذلك احتمل عند العقل أن يكون وقوعه مستلزما لمحال ، سيّما مع ما يتراءى من لزوم الدور وغيره من المفاسد. وإذا كان العلم من جهة العلم بوجوده فالتمسّك به لا بالوجود من قبيل ما اشتهر من الظرافات : انّ رجلا من المستظرفين هيّأ مجمعا من الرجال وقال : إنّي أعددت لكم دواء نافعا جدّا لاجل البراغيث أمنّ عليكم ببيعه منكم ؛ فبعد ما اشتروه منه بالالتماس والمنّة سألوه عن كيفية حاله وطريقة استعماله؟ ؛

فقال : طريقه أن يؤخذ البرغوث ويذر الدواء في عينه حتّى يصير أعمى! ؛

قالوا : انّا إذا أخذنا البرغوث فلم لم نقتله ونسترح من هذه الزحمة؟ ،

فقال : هذا أيضا يكون ، انتهى.

وما ذكره جيّد.

__________________

(١) راجع : المباحث المشرقية ج ٢ ص ٤٤٨. حيث اخذ الامام في طريقة الامكان ـ التى هي عنده معتمد الحكماء ـ وجود الموجودات بالفعل.

١١٨

المنهج الثالث

من مناهج الحكماء ، منهج الطبيعيّين منهم

وهو النظر في طبيعة الحركة

والمنقول عنهم في اثبات الواجب على هذا المنهج طريقان :

الطريقة الأولى : هي أنّ كلّ متحرّك سواء كانت الحركة في ذاته ـ كالممكنات المنتقلة من الليسية الذاتية إلى الايسية ـ أو في صفاته ـ كالمتحرّكات في الوضع والأين وغيرهما من المقولات ـ يحتاج إلى محرّك ، لأنّ الحركة أمر حادث لا بدّ له من علّة ، واستناد كلّ حركة إلى محرّك من البديهيات العقلية. ولا يجوز أن يكون المحرّك عين المتحرّك ، لأنّ الشيء لا يجوز أن يكون محرّكا لنفسه ، فلا بدّ أن يكون المحرّك غير المتحرّك ويمتنع ذهاب سلسلة المحرّكات إلى غير النهاية ، فلا بدّ أن تنتهى سلسلة المحرّكات إلى محرّك أوّل غير متغيّر في صفاته / ٢٧ MA / ـ كالمتحرّك في المقولات المشهورة ـ ، ولا في ذاته ـ كالممكن المنتقل من الليس إلى الايس ـ. والمحرّك الأوّل الثابت الذات والصفات هو الواجب الحقّ ـ تعالى شأنه(١) ـ.

وأورد عليه : بانّ الانتقال من الليس إلى الأيس إن اريد به الانتقال من العدم الممتدّ الوجود ـ أي : الحدوث الزماني ـ ؛ ففيه : انّ ذلك الانتقال ليس بحركة حقيقية ، إذ لا يوجد فيه التدريج المعتبر في الحركة ولو اصطلحوا على تسمية ذلك الانتقال مع كونه دفعيا حركة فلا مشاحة فيه ، إلاّ انّه بعينه هو / ٢٦ DB / الحدوث الّذي اعتبره المتكلّمون في طريقتهم ، فيرجع منهجهم إلى منهجهم. وإن اريد به الانتقال من العدم الصرف إلى الوجود ـ أي : الحدوث الدهري ـ أو الانتقال ممّا ثبت للممكن بالذات ـ أعني : عدم اقتضاء الوجود ـ إلى ما ثبت له بالغير ـ أعني : اقتضاء الوجود ـ ؛ ففيه : مع عدم كونه

__________________

(١) راجع : المباحث المشرقية ، ج ٢ ص ٤٥١ ؛ شوارق الالهام ، ج ٢ ص ٤٩٥ ؛ الحكمة المتعالية ، ج ٦ ص ٤٢.

١١٩

حركة أنّه يرجع إلى الايجاد الّذي اعتبره الالهيون ، فيرجع طريقة النظر في الحركة إلى طريقة النظر في الوجود ، ومجرّد تغيّر الألفاظ لا توجب الاختلاف في المعنى. وحينئذ فتتميم الحركة المأخوذة في الدليل بحيث يتناول الانتقال من الليس إلى الايس غير صحيح ، بل اللازم أن يحذف ذلك ويخصّ الحركة بالحركة في المقولات المشهورة ؛

وحينئذ يرد عليه : انّا لا نسلّم انّ ما ينتهى إليه سلسلة الحركات ـ أعني : المحرّك الأوّل ـ يجب أن يكون واجب الوجود بالذات وثابت الذات والصفات ، لجواز أن يكون ذلك المحرّك قديما آخر غير الواجب لم تكن له الحركة في المقولات الّتي سمّوها الحركة في الصفات ، وإن كان من العدم إلى الوجود لجسم أو جسماني ساكن غير متحرّك في مقولة أو نفس أو عقل ، فالحركة الأولى الكلّية أنّى تنتهي إليها سلسلة الحركات ـ أعني : الحركة الفلكية ـ يجوز أن يكون محرّكها هو طبيعة الفلك أو النفس الفلكية أو واحد من العقول. والحقّ أنّه لا يجوز أن تكون الحركة الفلكية طبيعية ولا مستندة إلى جسم ـ لما يأتي في طريقتهم الثانية ـ ، ولكن استنادها إلى النفوس الفلكية غير بعيد على ما ذهب إليه الحكماء ، إلاّ انّه يمكن أن يثبت المطلوب به ولكنّه يرجع إلى طريقتهم الثانية ، ويعرف حقيقتها.

الطريقة الثانية للطبيعيّين : إنّ حركات الأفلاك ليست مستندة إلى اجسامها ـ لامتناع كون الشيء محرّكا لنفسه ، نظرا إلى استحالة كون الشيء فاعلا وقابلا من جهة واحدة ، كما بيّن في موضعه ـ ، ولا يجوز أن تكون تلك الحركات قسرية ـ إذ الحركة القسرية إنّما تكون إلى الجهة المخالفة لمقتضى الطبع فحيث لا طبع ، كما يأتي ، فلا قسر ـ.

وأيضا : الحركة القسرية لا تكون إلاّ إلى الوسط أو من الوسط ويمتنع أن يتحرّك الفلك إلى الوسط أو إلى الفوق لكونه محدّدا لهما بمركزه ومحيطه ، بل حركته إنّما هو على الوسط ـ كما هو المشاهد المحسوس ـ ، فلا يكون قسرية. وأيضا : الحركة الأولى يجب أن تكون مبدعة لا بحركة ولا في زمان متقدّمة على جميع الحركات والحوادث بالطبع ، ولأجل ذلك لا يجوز أن تكون قديمة بالزمان ، لأنّ القديم بالزمان وان لم يسبقه العدم

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

غلب عليهم الإِمام ، أدّوا لما مضى - وبه قال مالك وأحمد والشافعي(١) - لأنّ الزكاة من أركان الإِسلام ، فلم تسقط عمّن هو في غير قبضة الإِمام ، كالصلاة والصوم.

وقال أصحاب الرأي : لا زكاة عليهم لما مضى في المسألتين معا(٢) .

ولو ( أسر )(٣) المالك لم تسقط الزكاة عنه إذا لم يحل بينه وبين ماله ، فإن حيل بينهما قبل التمكّن من الأداء ، سقطت.

وقال أحمد : لا تسقط وإن حيل بينهما ؛ لأنّ تصرّفه في ماله نافذ يصحّ بيعه وهبته وتوكيله فيه(٤) . وقد سلف(٥) بيان اشتراط تمامية التصرف.

مسألة ٢٧٢ : لو دفع المالك الى غيره الصدقة ليفرّقها ، وكان مستحقّاً لها‌ ، فإن عيّن المالك له ، لم يجز التعدّي إجماعاً ، فإنّ للمالك الخيرة في التعيين دون غيره.

وإن لم يعيّن ، بل أطلق ، فلعلمائنا قولان : الجواز ، عملاً بالأصل.

ولأنّه مستحق لنصيب منها وقد اُمر بصرفها الى المستحقّين ، وإبراء الذمة بالدفع إلى أربابها ، فجاز أن يأخذ ، لحصول الغاية به ، لقول الرضاعليه‌السلام وقد سأله عبد الرحمن بن الحجاج عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها ويضعها في مواضعها ، وهو ممّن تحلّ له الصدقة ، قال : « لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي لغيره » قال : « ولا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن‌

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٢٨٤ ، المغني ٢ : ٥٤٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٧.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨١ ، المغني ٢ : ٥٤٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٧.

(٣) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق والطبعة الحجرية : ( أيسر ).

والمثبت يقتضيه السياق.

(٤) المغني ٢ : ٦٤١.

(٥) سلف في المسألة ١١.

٣٦١

يضعها في مواضع مسمّاة إلّا بإذنه »(١) .

والثاني : المنع ؛ لأنّ الأمر بالدفع والتفريق يستلزم المغايرة بين الفاعل والقابل.

والأول أقرب.

إذا ثبت هذا ، فإنّه يأخذ مثل ما يعطي غيره ، ولا يجوز أن يفضّل نفسه ، لقولهعليه‌السلام : « لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي لغيره »(٢) ولقول الكاظمعليه‌السلام في رجل اُعطي مالاً يفرّقه فيمن يحلّ له ، أله أن يأخذ منه شيئاً لنفسه ولم يسمّ له؟ قال : « يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره»(٣) .

ويجوز أن يدفع الى من تجب نفقته عليه كولده وزوجته وأبويه مع الاستحقاق إجماعاً وإن عاد النفع إليه.

مسألة ٢٧٣ : قد بيّنّا أنّه ينبغي لقابض الصدقة الدعاء لصاحبها‌ ، فيقول : آجرك الله فيما أعطيت ، وجعله لك طهوراً ، وبارك لك فيما أبقيت.

وفي وجوبه للشيخ(٤) والشافعي(٥) قولان تقدّما(٦) .

وهل يقول : صلّى الله عليك؟ منع منه الشافعية ؛ لأنّ الصلاة صارت مخصوصةً بالأنبياء والملائكةعليهم‌السلام ، فلا تستعمل في حق غيرهم ، فهو كما أنّ قولنا : عزّ وجلّ ، مختص بالله تعالى ، فكما لا يقال : محمد عزّ وجلّ ، وإن كان عزيزاً جليلاً ، كذا لا يقال : صلّى الله عليك ، لغير الأنبياء(٧) .

____________________

(١ و ٢ ) الكافي ٣ : ٥٥٥ / ٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ / ٢٩٦.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٥ / ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ / ٢٩٥.

(٤) الخلاف ٢ : ١٢٥ ، المسألة ١٥٥ ، والمبسوط للطوسي ١ : ٢٤٤.

(٥) المجموع ٦ : ١٧١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٩ ، مختصر المزني ٥٣.

(٦) تقدّما في المسألة ٢٣٥.

(٧) المجموع ٦ : ١٧١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٩.

٣٦٢

وقيل بالجواز ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام قال لآل أبي أوفى : ( اللّهم صلِّ على آل أبي أوفى )(١) (٢) .

واتّفقوا على تجويز جعل غير الأنبياء تبعاً ، كما يقال : اللّهم صلّ على محمد وآل محمد.

والمراد به عند أكثر الشافعية : بنو هاشم وبنو المطلب(٣) .

* * *

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ١٥٩ و ٨ : ٩٠ ، ٩٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٥٦ - ٧٥٧ / ١٠٧٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٦ / ١٥٩٠ ، سنن النسائي ٥ : ٣١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٦ ، مسند أحمد ٤ : ٣٥٣ ، ٣٥٥ ، ٣٨١ ، ٣٨٣ ، سنن البيهقي ٢ : ١٥٢ و ٤ : ١٥٧ و ٧ : ٥.

(٢) ممّن قال بذلك : أبو إسحاق الشيرازي في المهذب ١ : ١٧٦ ، وابن قدامة في المغني ٢ : ٥٠٨.

(٣) المجموع ٦ : ١٧٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٠.

٣٦٣

الباب الثاني

في زكاة الفطرة‌

وفيه فصول.

٣٦٤

٣٦٥

الأول

من تجب عليه‌

مقدمة : زكاة الفطر واجبة‌ بإجماع العلماء.

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ صدقة الفطر فرض(١) .

وقال إسحاق : هو كالإِجماع من أهل العلم(٢) .

وزعم ابن عبد البرّ أنّ بعض المتأخّرين من أصحاب مالك وداود يقولون : هي سنّة مؤكّدة ، وسائر العلماء على وجوبها(٣) ، لقوله تعالى( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى ) (٤) .

روي عن أهل البيتعليهم‌السلام ، أنّها نزلت في زكاة الفطرة(٥) .

ولقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على كلّ حُرّ وعبد ، ذكر واُنثى من المسلمين )(٦) .

____________________

(١ و ٢ و ٣ ) المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٤٦.

(٤) الأعلى : ١٤.

(٥) تفسير القمي ٢ : ٤١٧ ، الفقيه ١ : ٣٢٣ / ١٤٧٨ ، و ٢ : ١١٩ / ٥١٥ ، التهذيب ٤ : ١٠٨ - ١٠٩ / ٣١٤ ، الاستبصار ١ : ٣٤٣ / ١٢٩٢.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٦٧٧ / ٩٨٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٣٩ / ٥ ، سنن البيهقي ٤ : ١٦٢ ، وفيها عن ابن عمر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فرض زكاة إلى آخره.

٣٦٦

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « كلّ من ضممت الى عيالك من حُرّ أو مملوك ، فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه »(١) .

إذا عرفت هذا ، فقال أبو حنيفة : إنّها واجبة ، وليست فرضاً(٢) . وقال الباقون : هي فرض(٣) .

والأصل في ذلك : أنّ أبا حنيفة كان يخصّ الفرض بما ثبت بدليل مقطوع به ، والواجب : ما ثبت بدليل مظنون(٤) .

وقد بيّنّا الإِجماع على الوجوب ، وهو قطعي.

واُضيفت هذه الزكاة إلى الفطر ، لأنّها تجب بالفطر من رمضان.

وقال ابن قتيبة : وقيل لها : فطرة ، لأنّ الفطرة : الخلقة. قال تعالى :( فِطْرَتَ اللهِ ) (٥) أي : جبلّته ، وهذه يراد بها الصدقة عن البدن والنفس ، كما كانت الاُولى صدقةً عن المال(٦) .

مسألة ٢٧٤ : البلوغ شرط في الوجوب‌ ، فلا تجب على الصبي قبل بلوغه ، موسراً كان أو معسراً ، سواء كان له أب أو لا وإن وجبت على الأب عنه ، عند علمائنا أجمع ، وبه قال محمد بن الحسن(٧) .

وقال الحسن والشعبي : صدقة الفطر على من صام من الأحرار والرقيق(٨) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٠ / ١ ، التهذيب ٤ : ٧١ / ١٩٣.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٦٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠١.

(٣) اُنظر : حلية العلماء ٣ : ١١٩ ، المجموع ٦ : ١٠٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧٨ ، المغني ٢ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٦.

(٤) اُصول السرخسي ١ : ١١٠ - ١١١.

(٥) الروم : ٣٠.

(٦) المغني ٢ : ٦٤٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٦.

(٧) المغني ٢ : ٦٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٦.

(٨) المغني ٢ : ٦٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٦ - ٦٤٧.

٣٦٧

لقولهعليه‌السلام : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ )(١) وظاهره سقوط الفرض والحكم.

ولأنه غير مكلّف ، وليس محلاً للخطاب ، فلا يتوجه إطلاق الأمر اليه.

ومن طريق الخاصة : قول الرضاعليه‌السلام وقد سئل عن الوصي يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا لم يكن لهم مال؟ فقال : « لا زكاة على مال اليتيم »(٢) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « ليس في مال اليتيم زكاة ، وليس عليه صلاة حتى يدرك ، فإذا أدرك كان عليه مثل ما على غيره من الناس »(٣) .

وأطبق باقي الجمهور على وجوب الزكاة في ماله ، ويخرج عنه الولي ، لعموم قوله(٤) : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على كلّ حُرّ وعبد ، ذكر واُنثى(٥) .

ولا دلالة فيه ؛ لانصراف الوجوب إلى أهله ؛ لقوله تعالى( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) (٦) .

مسألة ٢٧٥ : وليس الحضر ( فيها )(٧) شرطاً ، بل تجب على أهل‌

____________________

(١) سنن أبي داود ٤ : ١٤١ / ٤٤٠٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤١ / ٨ ، الفقيه ٢ : ١١٥ / ٤٩٥ ، التهذيب ٤ : ٣٠ / ٧٤.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤١ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٩ - ٣٠ / ٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٣١ / ٩١.

(٤) الضمير راجع الى راوي الخبر ، وهو : ابن عمر. لاحظ : المصادر في الهامش (٦) من صفحة ٣٦٥.

(٥) المغني ٢ : ٦٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٦ ، وانظر أيضاً : المصادر في الهامش (٦) من صفحة ٣٦٥.

(٦) آل عمران : ٩٧.

(٧) كلمة ( فيها ) لم ترد في « ن » و « ط ».

٣٦٨

البادية عند أكثر العلماء(١) - وبه قال ابن الزبير وسعيد بن المسيب والحسن ومالك والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي(٢) - للعموم. ولأنّها زكاة ، فوجبت عليهم ، كزكاة المال.

وقال عطاء والزهري وربيعة : لا صدقة عليهم(٣) . وهو غلط.

مسألة ٢٧٦ : والعقل شرط في الوجوب‌ عند علمائنا أجمع والبحث فيه كما تقدّم(٤) في الصبي. وكذا لا تجب على من أهلّ شوّال وهو مغمى عليه.

مسألة ٢٧٧ : يشترط فيه : الحرّية‌ ، فلا تجب الزكاة على العبد عند علمائنا أجمع ، بل يجب على مولاه إخراجها عنه ، وبه قال جميع الفقهاء(٥) ، لأنّه لا مال له.

ولقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة إلّا صدقة الفطرة في الرقيق)(٦) .

وقال داود : تجب على العبد ، ويلزم المولى إطلاقه ليكتسب ، ويُخرجها عن نفسه(٧) ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : ( على كلّ حر وعبد )(٨) .

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٢ : ٦٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٨٥.

(٣) المغني ٢ : ٦٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٧.

(٤) تقدّم في المسألة ٢٧٤.

(٥) الاُم ٢ : ٦٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧١ ، المجموع ٦ : ١٢٠ و ١٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٢٠ ، المغني ٢ : ٦٤٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٥٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٠ ، وحكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ١٣٠ ، المسألة ١٥٨.

(٦) أورده كما في المتن - الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ١٣١ ذيل المسألة ١٥٨ ، وفي صحيح البخاري ٢ : ١٤٩ ، وصحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ - ٦٧٦ / ٩٨٢ ، وسنن أبي داود ٢ : ١٠٨ / ١٥٩٥ ، وسنن الترمذي ٣ : ٢٣ - ٢٤ / ٦٢٨ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٥٧٩ / ١٨١٢ ، وسنن النسائي ٥ : ٣٥ و ٣٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١٧ ، بتفاوت ونقيصة.

(٧) المجموع ٦ : ١٢٠ و ١٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٢١.

(٨) راجع : الهامش (٦) من صفحة ٣٦٥.

٣٦٩

ونحن نقول بموجبه ؛ إذ الزكاة تجب على المالك.

فروع :

أ - العبد لا يجب عليه أن يؤدّي عن نفسه ولا عن زوجته ، سواء قلنا : إنّه يملك أو أحللناه.

ب – المـُدبّر واُمّ الولد كالقِنِّ.

ج - لا فرق بين أن يكون العبد في نفقة مولاه أو لا ، في عدم الوجوب عليه.

مسألة ٢٧٨ : يشترط فيه الغنى‌ ، فلا يجب على الفقير ، ولا يكفي في وجوبها القدرة عليها عند أكثر علمائنا(١) ، وبه قال أصحاب الرأي(٢) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا صدقة إلّا عن ظهر غنى )(٣) والفقير لا غنى له ، فلا تجب عليه.

ومن طريق الخاصة : قول الكاظمعليه‌السلام وقد سئل : على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ : «ليس عليه فطرة »(٤) .

وسئل الصادقعليه‌السلام : « رجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة؟

قال : « لا »(٥) .

وقالعليه‌السلام : « لا فطرة على من أخذ الزكاة »(٦) .

ولأنّه تحلّ له الصدقة ، فلا تجب عليه ، كمن لا يقدر عليها.

ولأنّها تجب جبراً للفقير ومواساةً له ، فلو وجبت عليه ، كان إضطراراً به‌

____________________

(١) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٤٠ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٤٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٣٠ ، والمحقق في المعتبر : ٢٨٥.

(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٦٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٥.

(٣) مسند أحمد ٢ : ٢٣٠.

(٤) التهذيب ٤ : ٧٣ / ٢٠٥ ، الاستبصار ٢ : ٤١ / ١٢٩.

(٥) التهذيب ٤ : ٧٣ / ٢٠١ ، الاستبصار ٢ : ٤٠ / ١٢٥.

(٦) التهذيب ٤ : ٧٣ / ٢٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٤٠ - ٤١ ذيل الحديث ١٢٦.

٣٧٠

وتضييقاً.

وقال بعض علمائنا(١) - ونقله الشيخرحمه‌الله في الخلاف عن كثير من أصحابنا(٢) - : وجوبها على من قدر عليها ، فاضلاً عن قوته وقوت عياله ليوم وليلة - وبه قال أبو هريرة وأبو العالية والشعبي وعطاء وابن سيرين والزهري ومالك وابن المبارك والشافعي وأحمد وأبو ثور(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( أدّوا صدقة الفطر صاعاً من قمح(٤) عن كلّ إنسان ، صغير أو كبير ، حُرّ أو مملوك ، غني أو فقير ، ذكر أو اُنثى ، أمّا غنيكم فيزكّيه الله ، وأمّا فقيركم فيردّ الله عليه أكثر ممّا أعطى)(٥) .

ولأنّه حقّ مال لا يزيد بزيادة المال ، فلا يعتبر وجود النصاب فيه كالكفّارة.

والحديث نقول بموجبه ، فإنّها تجب على الغني عن الفقير الذي يعوله.

والفرق : أنّها زكاة تُطهِّر ، فاعتبر فيها المال كزكاة المال ، أمّا الكفّارة فإنّها وجبت لإِسقاط الذنب.

مسألة ٢٧٩ : وحدّ الغنى‌ هنا : ما تقدّم في صدقة المال ، وهو : أن يملك قوته وقوت عياله على الاقتصاد حولاً ، فمن ملك ذلك ، أو كان له كسب أو صنعة تقوم بأوده وأود عياله مستمرا وزيادة صاع ، وجب عليه دفعها ، لأنّ وجود الكفاية يمنع من أخذ الزكاة ، فتجب عليه ، لقول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ حلّت له لا تحلّ عليه ، ومَنْ حلّت عليه لا تحلّ له »(٦) .

____________________

(١) كما في المعتبر : ٢٨٨.

(٢) الخلاف ٢ : ١٤٧ ، المسألة ١٨٣.

(٣) المغني ٢ : ٦٩٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٢٥ ، المجموع ٦ : ١١٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧٩.

(٤) القمح : البُرّ. لسان العرب ٢ : ٥٦٥.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ١١٤ / ١٦١٩ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٤٨ / ٤١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٦٤.

(٦) التهذيب ٤ : ٧٣ / ٢٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٤١ / ١٢٧.

٣٧١

وقال الشيخ في المبسوط : أن يملك نصاباً زكوياً(١) .

وفي الخلاف : أن يملك نصاباً أو ما قيمته نصاب(٢) . وبه قال أبو حنيفة(٣) ، لوجوب زكاة المال عليه ، وإنّما تجب على الغني فتلزمه الفطرة.

والثانية(٤) ممنوعة.

تذنيب : يستحب للفقير إخراجها عن نفسه وعياله ولو استحقّ أخْذَها أخَذَها ودَفَعَها مستحباً ، ولو ضاق عليه أدار صاعاً على عياله ، ثم تصدّق به على الغير ؛ للرواية(٥) .

مسألة ٢٨٠ : الإِسلام ليس شرطاً في الوجوب‌ ، بل تجب على الكافر الفطرة وإن كان أصلياً ، عند علمائنا أجمع ، لكن لا يصحّ منه أداؤها ؛ لأنّه مكلّف بفروع العبادات ، فصحّ تناول الخطاب له ، فتجب عليه كما تجب على المسلم ؛ عملاً بعموم اللفظ السالم عن معارضة مانعية الكفر ، كغيرها من العبادات ، وإنّما قلنا بعدم الصحة لو أدّاها ؛ لأنّها عبادة تفتقر الى النية.

وقال الجمهور : لا تجب عليه ، لأنّ الزكاة طُهْرة والكافر ليس من أهلها(٦) .

وهو ممنوعٌ ، لإِمكان الطُّهرة بتقدّم إسلامه ، ومن شرطها : النيّة ، وقد كان يمكنه تقديمها.

فروع :

أ - لو أسلم بعد فوات الوقت ، سقطت عنه إجماعاً ، لقولهعليه‌السلام :

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٤٠.

(٢) الخلاف ٢ : ١٤٦ ، المسألة ١٨٣.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٤٨ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٢٥.

(٤) أي : ما قيمته نصاب.

(٥) التهذيب ٤ : ٧٤ / ٢٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٤٢ / ١٣٣ ، والكافي ٤ : ١٧٢ / ١٠.

(٦) المغني ٢ : ٦٤٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٧ ، المجموع ٦ : ١٠٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٦٩ ، مقدّمات ابن رشد ١ : ٢٥٤.

٣٧٢

( الإِسلام يجبّ ما قبله )(١) .

ب - لو كان الكافر عبداً لم تجب عليه الفطرة ، وتجب عنه لو كان المالك مسلماً على ما يأتي(٢) .

ج - المرتدّ إن كان عن فطرة ، لم تجب عليه ؛ لانتقال أمواله الى ورثته فهو فقير. ولأنّه مستحق للقتل في كل آن ، فيضادّ الوجوب عليه.

وإن كان عن غير فطرة ، وجبت عليه وإن حَجَر الحاكم على أمواله ؛ لإِمكان رجوعه وتوبته ، فيزول حَجْرُه ، ولا تسقط عنه بالإِسلام ، بخلاف الكافر الأصلي.

د - لو كان للكافر عبد مسلم ، وجبت عليه الفطرة عنه ، لكنه لا يكلّف إخراجها عنه ، وهو قول أكثر العلماء(٣) .

قال ابن المنذر : أجمع كلّ من نحفظ عنه [ من أهل ](٤) العلم : أن لا صدقة على الذمّي في عبده المسلم ؛ لأنّها عبادة تفتقر إلى النية ولا تصح من الكافر. ولأنّه لا يكلّف الفطرة عن نفسه ، فلا يكلّف عن غيره(٥) .

وقال أحمد : يُلزم بالإِخراج عنه ؛ لأنّه من أهل الطُّهْرة ، فوجب أن يؤدّي عنه الزكاة(٦) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه فقير ، فلا تجب عليه الفطرة ، وهذا إنّما يتمّ عندنا لو تعذّر بيعه عليه ، أو كان قد أسلم آخر جزء من الشهر ، ثم يهلّ قبل البيع.

مسألة ٢٨١ : والفطرة واجبة على المسلمين من أهل الحضر والبادية‌

____________________

(١) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ و ٢٠٤ و ٢٠٥.

(٢) يأتي في المسألة ٢٨٢.

(٣) المغني ٢ : ٦٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٧.

(٤) زيادة من المصدر.

(٥و٦) المغني ٢ : ٦٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٧.

٣٧٣

عند علمائنا أجمع - وبه قال أكثر العلماء وجميع الفقهاء(١) - للعموم.

وقال عطاء وعمر بن عبد العزيز وربيعة بن أبي عبد الرحمن والزهري : لا فطرة على أهل البادية(٢) .

وهو مدفوع بالإِجماع.

* * *

____________________

(١و٢) المغني ٢ : ٦٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٧ ، والمجموع ٦ : ١٤٢ ، والخلاف - للشيخ ٢ لطوسي - ٢ : ١٥٢ ، المسألة ١٩٢.

٣٧٤

٣٧٥

الفصل الثاني

فيمن تخرج عنه‌

مسألة ٢٨٢ : يجب على المكلّف بها أن يُخرجها عن نفسه‌ ، بلا خلاف بين العلماء في ذلك ، وعن جميع من يعوله من صغير وكبير ، حُرّ أو عبد ، ذكر أو اُنثى ، مسلم أو كافر ، عند علمائنا أجمع - وبه قال عمر بن عبد العزيز وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير والنخعي والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي(١) - لقولهعليه‌السلام : ( أدّوا عن كلّ حُرّ وعبد ، صغير أو كبير ، يهودي أو نصراني أو مجوسي ، نصف صاع من بُرّ )(٢) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول من حُرّ وعبد وصغير وكبير »(٣) وهو على إطلاقه يتناول الكافر والمسلم.

وقول الصادقعليه‌السلام : « يؤدّي الرجل زكاته عن مكاتبه ورقيق امرأته وعبده النصراني والمجوسي وما أغلق عليه بابه »(٤) وهو وإن كان مرسلاً ، إلّا أنّ علماءنا أفتوا بموجَبه.

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٤٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٠.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٦٥٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٤٧.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٦ / ٢١٥ ، الاستبصار ٢ : ٤٥ / ١٤٧.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٤ / ٢٠ ، التهذيب ٤ : ٧٢ / ١٩٥.

٣٧٦

ولأنّ كلّ زكاة وجبت بسبب عبده المسلم وجبت بسبب عبده الكافر ، كزكاة التجارة.

وقال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور : لا يخرج عن العبد الكافر ولا عن الصغير المرتد ، لقول ابن عباس : فرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، زكاة الفطرة طهرةً للصائم من الرفث واللغو(١) . والكافر ليس من أهل الطهرة(٢) .

ولا دلالة في قول الصحابي ؛ إذ لا حجّة فيه. ولأنّ الأصل ذلك ، وغيره يجب بالتبع. ولأنّها تجب عن الطفل وليس أهلاً للصوم.

مسألة ٢٨٣ : ولا فرق بين أن تكون العيلولة واجبةً أو تبرّعاً‌ ، مثل أن يضمّ أجنبياً أو يتيماً أو ضيفاً ويهلّ الهلال وهو في عياله ، عند علمائنا أجمع - وهو رواية عن أحمد(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( أدّوا صدقة الفطر عمّن تمونون )(٤) والمتبرّع بنفقته ممّن يمون.

و من طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ ضممت الى عيالك من حُرّ ( وعبد )(٥) فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه »(٦) .

وسأل عمر بن يزيد ، الصادقعليه‌السلام ، عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه ، فيحضر يوم الفطر ، يؤدّي عنه الفطرة؟ قال : « نعم »(٧) .

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١١١ / ١٦٠٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٥ / ١٨٢٧.

(٢) بداية المجتهد ١ : ٢٨٠ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٨٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧١ ، المجموع ٦ : ١١٨ ، فتح العزيز ٦ : ١٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٢١ ، المغني ٢ : ٦٤٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٧.

(٣) المغني ٢ : ٦٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٥٢.

(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٦٩٢ - ٦٩٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٥٢.

(٥) في الكافي والتهذيب : أو مملوك.

(٦) المعتبر : ٢٨٧ ، الكافي ٤ : ١٧٠ / ١ ، التهذيب ٤ : ٧١ / ١٩٣.

(٧) الكافي ٤ : ١٧٣ / ١٦ ، الفقيه ٢ : ١١٦ / ٤٩٧ ، التهذيب ٤ : ٧٢ / ١٩٦.

٣٧٧

ولأنّه شخص ينفق عليه ، فتلزمه فطرته كعبده.

وقال باقي الجمهور : لا تجب ، بل تستحب ؛ لأنّ مؤونته ليست واجبةً ، فلا تلزمه الفطرة عنه ، كما لو لم يَعُلْه(١) .

والفرق : وجود المناط ، وهو العيلولة في الـمُعال دون غيره.

مسألة ٢٨٤ : سبب وجوب العيلولة ثلاثة : الزوجية والقرابة والملك ، بلا خلاف على ما يأتي ، وهي سبب في وجوب الفطرة ، فيجب على الرجل الموسر ، الفطرة عن زوجته الحُرّة ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق(٢) - لقول ابن عمر : فرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صدقة الفطر عن كلّ صغير وكبير ، حُرّ وعبد ممّن تمونون(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فرض صدقة الفطر عن الصغير والكبير والحرّ والعبد والذكر والاُنثى ممّن تمونون »(٤) .

ولأنّ النكاح سبب تجب به النفقة فوجبت به الفطرة كالملك والقرابة.

وقال أبو حنيفة والثوري وابن المنذر من الشافعية : لا تجب عليه فطرة زوجته ، وعليها فطرة نفسها ، لقولهعليه‌السلام : ( صدقة الفطر على كلّ ذكر واُنثى )(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٥٢.

(٢) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٨٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧١ ، المجموع ٦ : ١١٤ و ١١٦ ، فتح العزيز ٦ : ١١٨ - ١١٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٢١ ، المغني ٢ : ٦٨٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٩.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٤١ / ١٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٦١ ، والمغني ٢ : ٦٨٣ - ٦٨٤ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٤٩.

(٤) المعتبر : ٢٨٧.

(٥) سنن الدارقطني ٢ : ١٤٠ / ١٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٦١ / ٦٧٥ ، سنن البيهقي ٤ : ١٦٠.

٣٧٨

ولأنّها زكاة فوجبت عليها ، كزكاة مالها(١) .

ونحن نقول بموجَب الحديث ، لكنّ الزوج يتحمّل عنها الوجوب ؛ جمعاً بين الأدلّة ، وزكاة المال لا تتحمّل بالملك والقرابة ، فافترقا.

مسألة ٢٨٥ : الولد الموسر تجب عليه فطرة أبيه المعسر‌ - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه تجب عليه نفقته ، فتجب عليه فطرته ؛ للحديث(٣) .

وقال أبو حنيفة : لا تجب عليه فطرة الأب وإن وجبت نفقته(٤) .

وكذا يجب على الجدّ فطرة ولد الولد مع العيلولة ، وبه قال الشافعي(٥) .

وقال أبو حنيفة : لا تجب(٦) .

مسألة ٢٨٦ : الولد إن كان صغيراً معسراً ، وجبت نفقته على والده‌ ، وعليه فطرته عنه ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ( لكن )(٧) أبو حنيفة أوجبها عليه باعتبار الولاية ، وعندنا باعتبار العيلولة ، وعند الشافعي باعتبار وجوب النفقة عليه(٨) .

وإن كان موسراً ، قال الشيخ : لزم أباه نفقته وفطرته وبه قال محمد بن الحسن(٩) - لأنّ كلّ خبر روي في أنّه تجب الفطرة على الرجل يُخرجها عن‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٨٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٩ ، المجموع ٦ : ١١٨ ، فتح العزيز ٦ : ١١٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٢١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧٩.

(٢) الاُم ٢ : ٦٣ ، المجموع ٦ : ١٢٠ ، وبدائع الصنائع ٢ : ٧٢.

(٣) المروي عن طريق الخاصة والعامة ، الذي سبق في المسألة السابقة (٢٨٤).

(٤) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٥ - ١٠٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ١١٩.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٠ ، المجموع ٦ : ١٤١.

(٦) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ١١٩ - ١٢٠ ، المجموع ٦ : ١٤١.

(٧) والأحسن : ولكن.

(٨) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٠ و ١٧١ ، المجموع ٦ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٢١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٦ ، والخلاف - للشيخ الطوسي - ٢ : ١٣٣ - ١٣٤ ، المسألة ١٦٣.

(٩) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٥ ، المجموع ٦ : ١٤١ ، حلية =

٣٧٩

نفسه وعن ولده ؛ يتناول هذا الموضع ، فعلى مدّعي التخصيص الدلالة(١) .

وقال مالك وأبو يوسف والشافعي : نفقته وفطرته من مال نفسه(٢) .

والوجه عندي : أنّ نفقته في ماله ، ولا فطرة على أبيه ، إلّا أن يعوله متبرّعاً ؛ لأنّه لم يَعُلْه ، ولا على الصغير ؛ لصغره ، فقد عدم شرط البلوغ في حقّه.

أمّا الولد الكبير ، فإن كان موسراً ، فله حكم نفسه بالإِجماع ، وإن كان فقيراً ، كانت نفقته وفطرته على أبيه. وكذا البحث في الوالد والجدّ والجدّة والاُم. وولد الولد حكمه حكم الولد للصُّلْب.

فروع :

أ - لا تجب الزكاة عن الجنين بإجماع العلماء. قال ابن المنذر : كلّ من نحفظ عنه من علماء الأمصار ، لا يوجب على الرجل زكاة الفطر عن الجنين في بطن اُمّه(٣) .

وعن أحمد رواية : أنّها تجب ؛ لأنّه آدمي تصحّ الوصية له وبه ، ويرث ، فيدخل في عموم الأخبار ، ويقاس على المولود(٤) .

وليس بجيّد ؛ لمخالفة الإِجماع. ولأنّه جنين ، فأشبه أجنّة البهائم.

ولأنّ أحكام الدنيا لم تثبت له ، إلّا الوصية والإِرث بشرط خروجه حيّاً.

ب - المولود تجب الزكاة عنه وإن وُلد ليلة الهلال قبله بلا فصل.

ج - الكبير المعسر لو وجد ليلة الهلال قدر قوته ليلة العيد ويومه ، سقطت‌

____________________

= العلماء ٣ : ١٢٢ ، والخلاف - للشيخ الطوسي - ٢ : ١٣٤ ، المسألة ١٦٤.

(١) الخلاف ٢ : ١٣٤ ، المسألة ١٦٤.

(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٥ ، المجموع ٦ : ١٢٠ ، والخلاف - للشيخ الطوسي - ٢ : ١٣٤ ، المسألة ١٦٤.

(٣) المغني ٢ : ٧١٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٥٢ ، المجموع ٦ : ١٣٩.

(٤) المغني ٢ : ٧١٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٥٢.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460