تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182562 / تحميل: 6068
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وفي لفظ : ( إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففي كلّ أربعين بنت لبون ، وفي كلّ خمسين حقه )(١) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففي كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين بنت لبون »(٢) .

ولأنّ سائر ما جعله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غايةً للفرض إذا زاد عليه واحدة تغيّر الفرض.

وقال أحمد - في الرواية الاُخرى - وأبو عبيد : لا يتغيّر الفرض حتى تبلغ مائة وثلاثين فيكون فيها حقّة وبنتا لبون ، لأنّ الفرض لا يتغيّر بزيادة الواحدة كسائر الفروض ، ولو سلّم فكذا هنا ، لأنّ الواحدة إنّما ( تغيّر )(٣) بها مع ما قبلها فأشبهت الواحدة الزائدة على الستين ( والتسعين )(٤) (٥) .

وقال مالك في الرواية الاُخرى : إذا زادت تغيّر الفرض إلى تخيير الساعي بين الحِقّتين وثلاث بنات لبون(٦) .

وقال ابن مسعود والنخعي والثوري وأبو حنيفة : إذا زادت الإِبل على عشرين ومائة استؤنفت الفريضة في كلّ خمسٍ شاةٌ إلى مائة وأربعين ففيها‌

____________________

(١) سنن الدارقطني ٢ : ١١٥ / ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٩.

(٣) أي : تغيّر الفرض. وورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : يعتبر. وفي الطبعة الحجرية : يعتد. وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير. لاحظ : المصادر في الهامش (٥) الآتي.

(٤) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : السبعين. وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير. لاحظ : الهامش التالي.

(٥) المغني ٢ : ٤٤٥ - ٤٤٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٧ ، والمجموع ٥ : ٤٠٠ ، وفتح العزيز ٥ : ٣٢٠.

(٦) التفريع ١ : ٢٨٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٩ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٥ : ٤٠٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦.

٦١

حقّتان وأربع شياه إلى خمس وأربعين ومائة ، فيكون فيها حقّتان وبنت مخاض إلى مائة وخمسين ، ففيها ثلاث حقاق ، ثم تستأنف الفريضة أيضاً بالغنم ، ثم بنت مخاض ، ثم بنت لبون ، ثم حقّة ، فيكون في كلّ خمسٍ شاةٌ إلى مائة وسبعين ، فيكون فيها ثلاث حقاق وأربع شياه ، فإذا بلغت خمساً وسبعين ففيها ثلاث حقاق وبنت مخاض إلى مائة وخمس وثمانين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون إلى مائة وخمس وتسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع حقاق إلى مائتين ، ثم يعمل في كلّ خمسين ما عمل في الخمسين التي بعد مائة وخمسين إلى أن ينتهي إلى الحقاق ، فإذا انتهى إليها انتقل إلى الغنم ، ثم بنت مخاض ، ثم بنت لبون ، ثمّ حقّة ، وعلى هذا أبداً(١) .

لما روي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كتب لعمرو بن حزم كتاباً ذكر فيه الصدقات والديات وغيرها ، فذكر فيه : ( إن الإِبل إذا زادت على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة في كلّ خمسٍ شاةٌ ، وفي عشر شاتان )(٢) .

وقد روي عن عمرو بن حزم(٣) مثل قولنا وإذا اختلفت روايته سقطت ، أو تزاد إذا زادت في أثناء الحول ، فإنّ الزيادة لها حكم نفسها ، أو نقول : استؤنفت بمعنى استقرّت على هذين الشيئين.

وقوله : ( في كلّ خمس شاة ) يحتمل أن يكون تفسير الراوي على ظنّه.

ولأنّ ما قلناه موافق للقياس ، فإن الجنس إذا وجب فيه من جنسه لا يجب فيه من غير جنسه ، وإنّما جاز ذلك في الابتداء ، لأنّه لم يحتمل أن يجب فيه‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٤٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٧ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٥١ ، اللباب ١ : ١٣٩ - ١٤٠ ، المجموع ٥ : ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦.

(٢) المراسيل - لأبي داود - : ١١١ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ٩٤ بتفاوت.

(٣) سنن البيهقي ٤ : ٨٩ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٣٩٦.

٦٢

من جنسه وقد زال هذا المعنى.

وروى الجمهور عن عليعليه‌السلام وعبد الله مثل قول أبي حنيفة(١) ولم يثبت عنهما.

وقال ابن جرير : هو مخيّر بين مذهب الشافعي وأبي حنيفة(٢) .

مسألة ٣٨ : لو كانت الزيادة على عشرين ومائة بجزء من بعير لم يتغيّر به الفرض‌ إجماعاً ، لأنّ الأحاديث تضمّنت اعتبار الواحدة ، ولأنّ الأوقاص كلّها لا يتغيّر فرضها بالجزء كذا هنا.

وقال أبو سعيد الإِصطخري : يتغيّر الفرض به ، لأنّ الزيادة مطلقة عامّة(٣) . وما ذكرناه أخص.

مسألة ٣٩ : إذا اجتمع في نصابٍ الفريضتان كمائتين وكاربعمائة تخيّر المالك‌ بين إخراج الحقاق وبنات اللبون عند علمائنا ، وبه قال أحمد في إحدى الروايتين(٤) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتاب الصدقات : ( فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أيّ السنين وجدت أخذت )(٥) .

ولأنّه قد اجتمع عددان كلّ واحد منهما سبب في إيجاب ما تعلّق به الفرض ، والجمع باطل ، وتخصيص أحدهما ترجيح من غير مرجِّح فوجب التخيير.

____________________

(١) مصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ١٢٥ ، سنن البيهقي ٤ : ٩٢.

(٢) المجموع ٥ : ٤٠٠ - ٤٠١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٣٩٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧.

(٤) المغني ٢ : ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٩.

(٥) المستدرك - للحاكم - ١ : ٣٩٣ - ٣٩٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ - ٩٩ / ١٥٧٠ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩١.

٦٣

وقال الشافعي في القديم : تجب الحقاق لا غير ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد في رواية(١) ، لأنّ الفرض يتغيّر بالسنّ في فرائض الإِبل أكثر من تغيّره بالعدد ، فإنّ في مائة وستين أربع بنات لبون ، ثمّ كلّما زاد عشراً زاد سنّاً فيكون في مائة وتسعين ثلاث حقاق.

وليس بشي‌ء ، لأنّ كلّ عدد تغيّر الفرض فيه بالسنّ فإنّما تغيّر لقصوره عن إيجاب عدد الفرض.

فروع :

أ - الخيار إلى المالك عندنا ، وبه قال أحمد في رواية(٢) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمعاذ : « إيّاك وكرائم أموالهم »(٣) .

ولأنّها زكاة ثبت فيها الخيار فكان ذلك لربّ المال ، كالخيار في الجبران بين شاتين أو عشرين درهماً وبين النزول والصعود وتعيين المخرج.

وقال الشافعي في الجديد : يتخيّر الساعي فيأخذ أحظّهما للفقراء ، فإن أخرج المالك لزمه أعلى الفرضين(٤) ، لقوله تعالى( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (٥) .

ولأنّه وجد سبب الفرضين فكانت الخيرة إلى مستحقّه أو نائبه كقتل العمد الموجب للقصاص أو الدية.

ولا دلالة في الآية ، لأنّه إنّما يأخذ الفرض بصفة المال فيأخذ من الكرائم‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٤ ، المجموع ٥ : ٤١١ ، فتح العزيز ٥ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٤٧ ، المغني ٢ : ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٩ - ٤٩٠.

(٢) المغني ٢ : ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٠.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٥٠ / ٢٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٤ / ١٥٨٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١ / ٦٢٥ ، مسند أحمد ١ : ٢٣٣ ، ومصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ١٢٦.

(٤) المغني ٢ : ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٠‌

(٥) البقرة : ٢٦٧.

٦٤

مثلها ، والأدنى ليس بخبيث ، ولهذا لو لم يوجد إلّا سببه وجب إخراجه ، ونمنع الأصل ، ويبطل بشاة الجبران ، وقياس الزكاة على الزكاة أولى من قياسها على الدية.

ب - التخيير إذا وجد الفرضان عنده ، فإن وجد أحدهما احتمل تعيّن الفرض فيه ، لعدم الآخر ، وهو قول الشافعي(١) بناءً على التخيير ، وتخيير المالك في إخراجه وشراء الآخر ، لأنّ الزكاة لا تجب في العين ، وهو قول بعض الجمهور(٢) ، وهو أقوى.

ولو عدمهما تخيّر في شراء أيّهما كان ، لاستقلال كلّ منهما بالإِبراء ، ولأنّه إذا اشترى أحدهما تعيّن الفرض فيه ، لعدم الآخر ، وبه قال الشافعي(٣) .

ج - لو أراد إخراج الفرض من النوعين ، فإن لم يحتج إلى تشقيص جاز مثل أن يخرج عن أربعمائة أربع حقاق وخمس بنات لبون ، وبه قال أكثر الشافعية(٤) .

وقال أبو سعيد الإِصطخري : لا يجوز ، لما فيه من تفريق الفريضة(٥) .

وهو غلط لأنّ كلّ واحدة من المائتين منفردة بفرضها.

وإن احتاج بأن يخرج عن المائتين حِقّتين وبنتي لبون ونصف جاز بالقيمة لا بدونها ، لعدم ورود الشرع بالتشقيص إلّا من حاجة ، ولهذا جعل لها أوقاصاً دفعاً للتشقيص عن الواجب فيها ، وعدل فيما نقص عن ستّ وعشرين من الإِبل عن إيجاب الإِبل إلى إيجاب الغنم ، فلا يصار إليه مع إمكان العدول عنه إلى إيجاب فريضة كاملة ، أمّا بالقيمة فيجوز ، لتسويغ إخراجها.

____________________

(١) الاُم ٢ : ٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٤ ، المجموع ٥ : ٤١١.

(٢) قال به ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٤٩ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٩١.

(٣) المجموع ٥ : ٤١١ ، فتح العزيز ٥ : ٣٥٢.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٤٩.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٤٩.

٦٥

د - لو أخذ الساعي الأدنى جاز ، ولا يخرج ربّ المال الفضل وجوباً ، لما بيّنا من تخيير المالك.

وقال الشافعي : يخرج الفضل وجوباً - في أحد الوجهين - لأنّه أخرج دون الواجب فكان عليه الإِكمال ، وفي الآخر : مستحب(١) ، كما بيّنّاه.

فعلى الأول لو كان يسيراً لا يمكن شراء جزء حيوان به أخرجه دراهم ، وإن أمكن فوجهان(٢) : الشراء ، لعدم جواز إخراج القيمة عنده ، وإخراج الدراهم ، لمشقّة شراء الجزء وإخراجه وعدم النص فيه ، بخلاف الكلّ.

وقال بعض الشافعية : إن كان المأخوذ باقياً ردّه الساعي وأخذ الأعلى وإلّا ردّ قيمته وأخذ الأعلى(٣) .

وقال بعضهم : يخرج الفضل مع التلف(٤) .

مسألة ٤٠ : لو وجد أحد الفرضين ناقصاً والآخر كاملاً أخذ الكامل‌ ، مثل : أن يجد في المائتين خمس بنات لبون وثلاث حقاق تعيّن أخذ الفريضة الكاملة ، لأنّ الجبران بدل يشترط له عدم المبدل ، نعم لو ساوت قيمته جاز.

ولو كانا ناقصين بأن كان فيه ثلاث حقاق وأربع بنات لبون تخيّر ، إن شاء أخرج بنات اللبون وحقّة وأخذ الجبران ، وإن شاء أخرج الحقاق وبنت اللبون مع الجبران.

ولو قال : خُذ منّي حقّة وثلاث بنات لبون مع الجبران لكلّ واحدة لم يجز إلّا على القيمة.

وللشافعي وجهان : المنع ، لأنّه يعدل عن الفرض مع وجوده إلى‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٤ ، المجموع ٥ : ٤١٢ - ٤١٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٤٧ - ٤٨.

(٢ و ٣ ) فتح العزيز ٥ : ٣٥٤.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٤٨.

٦٦

الجبران ، والجواز ، لأنّه لا بدّ من الجبران ، فكما جاز مع واحدة جاز مع أكثر(١) .

ولو لم يجد إلّا حقّة وأربع بنات لبون أدّاها وأخذ الجبران ، وهل له دفع الحِقّة وثلاث مع الجبران؟ إشكال.

مسألة ٤١ : من وجب عليه سنّ وليست عنده ، وعنده أعلى بمرتبة‌ كان له دفعها واستعادة الجبر بينهما وهو شاتان أو عشرون درهما.

وإن كان عنده أدون بمرتبة دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهماً ، كمن وجب عليه بنت مخاض وعنده بنت لبون دفعها واستعاد ، وبالعكس يدفع بنت المخاض والجبران.

وكذا لو وجب عليه بنت لبون وعنده حقّة ، أو بالعكس ، أو وجب عليه حقّة وعنده جذعة ، أو بالعكس عند علمائنا أجمع ، وبه قال النخعي والشافعي وابن المنذر وأحمد(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( ومن بلغت عنده من الإِبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقّة فإنّها تقبل منه الحقّة ، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له ، أو عشرين درهماً ، ومن بلغت عنده صدقة الحقّة وليست عنده وعنده الجذعة فإنّها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدّق عشرين درهماً أو شاتين )(٣) وساق الحديث إلى باقي المراتب.

ومن طريق الخاصة قول أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتابه الذي كتبه بخطّه لعامله على الصدقة : « من بلغت عنده من إبل الصدقة الجذعة وليست‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٥ ، المجموع ٥ : ٤١٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٤٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٢.

(٢) المجموع ٥ : ٤١٠ ، حلية العلماء ٣ : ٤٥ - ٤٦ ، المغني ٢ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٤.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٥ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٣ / ٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٨٥.

٦٧

عنده وعنده حقّة فإنّها تقبل منه ، ويجعل معها شاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت عنده صدقة الحقّة وليست عنده وعنده جذعة قبلت منه ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت صدقته الحقّة وليست عنده وعنده ابنة لبون قبلت منه ويعطي معها شاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده حقّة قبلت منه ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض قبلت منه ، ويعطي معها شاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده وعنده بنت لبون قبلت منه ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً »(١) .

وحكي عن الثوري وأبي عبيد وإسحاق في إحدى الروايتين ، أنهم قالوا : الجبران شاتان أو عشرة دراهم.

لأنّ عليّاًعليه‌السلام قال : « إذا أخذ الساعي في الإِبل سنّاً فوق سنّ أعطى شاتين أو عشرة دراهم»(٢) .

ولأنّ الشاة مقوَّمة في الشرع بخمسة دراهم ، لأنّ نصابها أربعون ونصاب الدراهم مائتان(٣) .

والحديث ضعيف السند عندهم ، ولا اعتبار بما ذكروه في النُصب ، فإنّ نصاب الإِبل خمسة ، والذهب عشرون ، وليس البعير مقوَّماً بأربعة.

وقال أصحاب الرأي : يدفع قيمة ما وجب عليه أو دون السنّ الواجبة وفضل ما بينهما دراهم احترازاً من ضرر المالك أو الفقراء(٤) .

وليس بمعتمد ، فإنّ التخريج لا يصار إليه مع وجود النصّ.

إذا ثبت هذا ، فإنّ ابن اللبون يجزئ عن بنت المخاض وإن كان قادراً

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٩ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٩٥ / ٢٧٣ ، والمقنعة : ٤١.

(٢) مصنّف عبد الرزاق ٤ : ٣٩ / ٦٩٠٢.

(٣) المغني ٢ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٤ ، المجموع ٥ : ٤١٠.

(٤) المغني ٢ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٥ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠١.

٦٨

على شراء بنت المخاض ، ولا جبران إجماعاً.

لقولهعليه‌السلام : ( فإن لم تكن فيها بنت مخاض فابن لبون )(١) .

ومن طريق الخاصة قول عليعليه‌السلام : « ومن لم تكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنّه يقبل منه وليس معه شي‌ء »(٢) ولأنّ علوّ السنّ جبر نقص الذكورة.

ولو وجدهما لم يجزئ ابن اللبون وإن كانت بنت المخاض أعلى من صفة الواجب ، بل يخرجها أو يبتاع بنت مخاض مجزئة.

ولو كانت بنت المخاض مريضةً أجزأه ابن اللبون ، لأنّ المريضة غير مقبولة عن الصحاح فكانت كالمعدومة.

ولو عدمهما جاز أن يشتري مهما شاء ، وبه قال الشافعي(٣) ، لأنّه مع ابتياعه يكون له ابن لبون فيجزئه.

وقال مالك : يجب شراء بنت مخاض ، لأنّهما استويا في العدم فلا يجزئ ابن اللبون كما لو استويا في الوجود(٤) .

والفرق : وجود بنت المخاض هنا ، بخلاف العدم.

فروع :

أ - لو عدم السن الواجبة والتي تليها كمن وجبت عليه جذعة فعدمها وعدم الحقّة ووجد بنت لبون ، أو وجب عليه بنت مخاض فعدمها وعدم بنت اللبون ووجد الحقّة فالأقرب جواز الانتقال إلى الثالث مع الجبران فيخرج بنت اللبون عن الجذعة ، ويدفع معها أربع شياه أو أربعين درهماً ، ويخرج الحقّة عن بنت‌

____________________

(١) سنن الدارمي ١ : ٣٨٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٩ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٩٥ / ٢٧٣ ، والمقنعة : ٤١.

(٣) فتح العزيز ٥ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٣ : ٤٣.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٣ : ٤٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦١ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٨.

٦٩

المخاض ويستردّ أربع شياه أو أربعين درهماً - وهو اختيار الشيخ(١) والشافعي(٢) - لأنّه قد جوّز الانتقال إلى السنّ الذي يليه مع الجبران ، وجوّز العدول عن ذلك أيضاً إذا عدم مع الجبران إذا كان هو الفرض ، وهنا لو كان موجوداً أجزأ ، فإذا عدم جاز العدول إلى ما يليه مع الجبران.

ولأنّ الأوسط يجزئ بدله ، لتساويهما في المصالح المطلوبة شرعاً ، وإلّا لقبح قيامه مقامه ، ومساوي المساوي مساو.

وقال ابن المنذر : لا يجوز الانتقال إلّا بالقيمة ، لأنّ النصّ ورد بالعدول إلى سنّ واحدة فيجب الاقتصار عليه(٣) . وهو ممنوع.

ب - يجوز العدول عن الجذعة إلى بنت المخاض ، وبالعكس مع عدم الأسنان المتوسطة بينهما ، فيؤدّي مع دفع الناقصة ستّ شياه أو ستّين درهماً ، ويستردّ مع دفع الكاملة ستّ شياه أو ستّين درهماً.

ج - إذا وجد السنّ الذي يلي الواجب لم يجز العدول إلى سنّ لا يليه ؛ لأنّ الانتقال عن السنّ التي تليه إلى السنّ الاُخرى بدل فلا يجوز مع إمكان الأصل ، فلو عدم الحقّة وبنت اللبون ، ووجد الجذعة وبنت المخاض ، وكان الواجب الحقّة لم يجز العدول إلى بنت المخاض ، وإن كان الواجب بنت اللبون لم يجز إخراج الجذعة.

د - لو أراد في الجبر أن يعطي شاةً وعشرةً ، فالأقرب عندي الجواز ، لتساوي كلّ من الشاتين والعشرين.

ومنعه الشافعي ، لأنّه تبعيض للجبران فلا يجوز ، كما لا يجوز تبعيض الكفّارة(٤) .

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٤ ، النهاية : ١٨٠ - ١٨١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٣٦٦ - ٣٦٧ ، المغني ٢ : ٤٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٦.

(٣) المجموع ٥ : ٤٠٨ ، المغني ٢ : ٤٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٦ ، حلية العلماء ٣ : ٤٦.

(٤) المجموع ٥ : ٤٠٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣٦٩.

٧٠

والفرق : جواز إخراج قيمة المنصوص هنا ، بخلاف ثمّ.

ويجوز أن يُخرج عن أربع شياه جبراناً شاتين وعشرين درهماً ، لأنّهما جبرانان فهما كالكفّارتين.

ه- لو أراد في فرض المائتين أن يخرج عن خمس بنات لبون خمس بنات مخاض ، أو عن أربع حقاق أربع جذعات جاز أن يخرج بعض الجبران دراهم وبعضه شياهاً.

و - لو عدم الفريضة ووجد ما يليها من الطرفين تخيّر في إخراج أيّهما شاء ، ويدفع مع الناقص ويستعيد مع الزائد ، فلو وجب عليه بنت لبون وعنده بنت مخاض وحقّة تخيّر ، والأقرب إخراج ما فيه الغبطة للمساكين.

ز - لا اعتبار بالقيمة السوقية هنا ، فلو زاد الجبران الشرعي أو نقص عن التفاوت السوقي لم يعتدّ به ، لأنّه ساقط في نظر الشرع.

والأقرب عندي أنّ ذلك مع التقارب أو الاشتباه ، أمّا مع علم التفاوت الكثير فإشكال ، لأدائه إلى عدم الإِخراج بأن تكون بنت اللبون التي يدفعها عوضاً عن بنت المخاض تساوي شاتين أو عشرين درهما.

ح - الأقرب إجزاء بنت مخاض عن خمس شياه مع قصور القيمة عنها ، لأنّها تجزئ عن ستّ وعشرين فعن خمس وعشرين أولى.

ويحتمل عدمه ، لأنّ الواجب الفريضة أو قيمتها وليست إحداهما.

وكذا الإِشكال في إجزائها عن شاة في الخمس مع قصور القيمة ، لأنّها تجزئ عن ستّ وعشرين فعن خمس أولى.

ط - لا جبران بين ما نقص عن سنّ بنت المخاض وبينها ولا بين ما زاد عن سن الجذعة وبينها ، لأنّ الاُولى أقلّ أسنان الإِبل في الزكاة ، والثانية أعلاها ، نعم يجبر بالقيمة.

ي - الجبران مختص بالزكاة دون غيرها من المقادير ، فلا جبران في الديات ، ولا في المنذورات.

٧١

يا - لا مدخل للجبران في غير الإِبل اقتصاراً على مورد النص ، وليس غيرها في معناها ، ولا نعلم فيه خلافاً ، فمن عدم فريضة البقر أو الغنم ووجد الأدون أو الأعلى أخرجها مع التفاوت أو استردّه بالتقويم السوقي.

ومن منع من القيمة أوجب في الأدون شراءها ، فإن تطوّع بالأعلى جاز ، وإن وجب الأعلى كلّف شراؤه(١) .

يب - لو كان النصاب كلّه مراضاً وفريضته معدومة جاز له العدول إلى السفلى مع دفع الجبران المنصوص عليه ، وليس له الصعود مع أخذ الجبران ، لأنّ الجبران أكثر من الفضل الذي بين الفرضين ، وقد يكون الجبران خيراً(٢) من الأصل فإنّ قيمة الصحيحين أكثر من قيمة المريضين فكذلك قيمة ما بينهما.

يج - لو كان المخرج ولي اليتيم وقلنا بالوجوب ، فالأولى إخراج القيمة إن كان فيه الحظّ ، وإلّا أخرج الناقص مع الجبران ، أو دفع الزائد وأخذ الجبران ، ولو كان إخراج القيمة أولى لم يجز للولي دفع الناقص مع الجبران ، أمّا لو كان إخراج القيمة أولى من العين فإنّه يجوز إخراج العين.

يد - لو أخرج بدل الجذعة ثنيّة فالأقرب عدم إجابة أخذ الجبران لو طلبه ، لأنّ المؤدّى ليس من أسنان الزكاة فلا يؤخذ له الجبران ، كما لو أخرج فصيلاً مع الجبران ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : الجواز ، لزيادة السنّ(٣) .

مسألة ٤٢ : شرط سلّار منّا في زكاة الإِبل والبقر والغنم الاُنوثة‌ في‌

____________________

(١) اُنظر : المغني ٢ : ٤٥٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٩٨.

(٢) ورد في النسخ الخطية « ط وف ون » : جزءاً. وهو تصحيف. وما أثبتناه من نسخة « م » وهو الصحيح كما ورد كذلك في المنتهى ١ : ٤٨٥ ومخطوطة نهاية الإِحكام ، كلاهما للمصنّف ، والكلمة ساقطة من مطبوعة النهاية ، راجع ج ٢ ص ٣٢٦.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٤ ، المجموع ٥ : ٤٠٧ ، فتح العزيز ٥ : ٣٦٥ - ٣٦٦.

٧٢

النصاب ، فلا زكاة في الذكران وإن بلغت النصاب(١) ، لدلالة الأحاديث على أنّ في خمس من الإِبل شاة(٢) ، وإنما يتناول الإِناث إذ مدلول إسقاط التاء من العدد ذلك ، ولأنّ الشرط اتّخاذها للدرّ والنسل وإنّما يتحقّق في الإِناث ، وللبراءة الأصلية.

وباقي الأصحاب لم يشترطوا ذلك ، لعموم قول الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الأربعين من الغنم شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة »(٣) .

ولا دلالة في الحديث ، إذ ليس فيه منع من الوجوب في الذكورة فيبقى ما قلناه سالماً عن المعارض ، ونمنع الشرط ، بل السوم وأن لا تكون عوامل ، والبراءة معارضة بالاحتياط خصوصاً مع ورود العمومات.

* * *

____________________

(١) المراسم : ١٢٩.

(٢) اُنظر على سبيل المثال : الكافي ٣ : ٥٣١ / ١ ، والتهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، والاستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢.

٧٣

الفصل الثاني

في زكاة البقر‌

مسألة ٤٣ : زكاة البقر واجبة‌بالسنّة والإِجماع.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدّي زكاتها إلّا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمن تنطحه بقرنها وتطؤه بأخفافها ، كلّما نفدت اُخراها عادت عليه اُولاها حتى يقضى بين الناس )(١) .

وقد أجمع المسلمون كافّة على وجوب الزكاة فيها ، ولأنّها أحد أصناف بهيمة الأنعام فوجبت الزكاة في سائمتها كالإِبل.

مسألة ٤٤ : وشروطها أربعة كالابل : الملك ، والنصاب ، والسوم ، والحول‌ ، وهما متساويان فيها إلّا النصاب فإنّ في البقر نصابين.

الأوّل : ثلاثون ، فلا زكاة فيما نقص عن ثلاثين من البقر بإجماع علمائنا ، وهو قول عامّة أهل العلم ، لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث معاذاً إلى اليمن وأمره أن يأخذ من البقر من كلّ ثلاثين تبيعاً أو تبيعةً ، ومن كلّ أربعين مسنّةً(٢) .

____________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٩ / ١٧٨٥ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، مسند أحمد ٥ : ١٥٧ - ١٥٨ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٧.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٢٠ / ٦٢٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ / ١٨٠٣ ، سنن النسائي ٥ : ٢٥ - ٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠١ / ١٥٧٦.

٧٤

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « في البقر في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حولي ، وليس في أقلّ من ذلك شي‌ء ، وفي أربعين بقرة بقرة مسنّة »(١) .

وحكي عن سعيد بن المسيب والزهري أنهما قالا : في كلّ خمس من البقر شاة إلى أن تبلغ ثلاثين ، فإذا بلغت ففيها تبيع(٢) ، لأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سوّى بين البقرة والبدنة في الهدي ، وجعل كلَّ واحدة منهما بسبع شياه(٣) ، فينبغي أن يقاس البقر عليها في إيجاب الشاة.

وهو غلط ، لأنّ خمساً من الإِبل تقوم مقامها خمس وثلاثون من الغنم ، ولا تجب فيها الشاة الواجبة في الإِبل.

النصاب الثاني : أربعون ، وعليه الإِجماع فإنّا لا نعلم فيه مخالفاً.

مسألة ٤٥ : والسوم شرط هنا كما تقدّم في الإِبل‌عند علمائنا أجمع ، وهو قول أكثر الجمهور(٤) .

لقول عليعليه‌السلام : « ليس في العوامل شي‌ء »(٥) .

وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليس في البقر العوامل صدقة )(٦) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء ، ولا على العوامل شي‌ء ، إنّما الصدقة على السائمة الراعية »(٧) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ باب صدقة البقر الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٢) المغني ٢ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠١ ، المجموع ٥ : ٤١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٥١.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٥٥ / ٣٥٠ - ٣٥٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٤٨ / ٩٠٤.

(٤) المغني ٢ : ٤٥٦.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٩٩ - ١٠٠ / ١٥٧٢.

(٦) المعجم الكبير للطبراني ١١ : ٤٠ / ١٠٩٧٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٠٣ / ٢.

(٧) راجع : الهامش (١) من هذه الصفحة.

٧٥

ولأنّ صفة النماء معتبرة في الزكاة ولا توجد إلّا في السائمة.

وقال مالك : إنّ في العوامل والمعلوفة صدقة(١) . كقوله في الإِبل ، وقد تقدّم(٢) .

مسألة ٤٦ : والفريضة في الثلاثين تبيع أو تبيعة‌ يتخيّر المالك في إخراج أيّهما شاء ، وفي الأربعين مسنّة ، ثم ليس في الزائد شي‌ء حتى تبلغ ستّين ، فإذا بلغت ذلك ففيها تبيعان أو تبيعتان إلى سبعين ، ففيها تبيع أو تبيعة ومسنّة ، فإذا زادت ففي كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة ، وفي كلّ أربعين مسنّة عند علمائنا أجمع ، وهو قول الشعبي ، والنخعي ، والحسن ، ومالك ، والليث ، والثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، وأبي يوسف ، ومحمد ، وأبي ثور ،(٣) لأنّ معاذاً قال : بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اُصدّق أهل اليمن ، فعرضوا عليَّ أن آخذ ممّا بين الأربعين والخمسين ، وبين الستّين والسبعين ، وما بين الثمانين والتسعين ، فأبيت ذلك وقلت لهم : حتى أسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقدمت وأخبرته فأمرني أن آخذ من كلّ ثلاثين تبيعاً ، ومن كلّ أربعين مسنّةً ، ومن الستّين تبيعين ، ومن السبعين مسنّة وتبيعاً ، ومن الثمانين مسنّتين ، ومن التسعين ثلاثة أتباع ، ومن المائة مسنّة وتبيعين ، ومن العشرة ومائة مسنّتين وتبيعاً ، ومن العشرين ومائة ثلاث مسنّات أو أربعة أتباع ، وأمرني أن لا آخذ فيما بين ذلك شيئاً إلّا أن تبلغ مسنّةً أو جذعاً يعني تبيعاً(٤) .

____________________

(١) المدوّنة الكبرى ١ : ٣١٣ ، بلغة السالك ١ : ٢٠٧ ، المغني ٢ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٢) تقدّم في المسألة ٢٩.

(٣) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٦ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ٥٠ ، المجموع ٥ : ٤١٦ ، المغني ٢ : ٤٥٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠١ - ٥٠٢.

(٤) مسند أحمد ٥ : ٢٤٠.

٧٦

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس فيما بين الأربعين إلى الستّين شي‌ء ، فإذا بلغت الستّين ففيها تبيعان »(١) .

وعن أبي حنيفة ثلاث روايات : إحداها هذا ، والثانية : أنّ فيما زاد على الأربعين بحسابه في كلّ بقرة ربع عشر مسنّة ، لأنّه لا يمكن أن يجعل الوقص تسعة عشر فإنّ جمع أوقاصها تسعة تسعة ، ولا يمكن أن يجعل تسعة ، لأنّه يكون إثباتاً للوقص بالقياس ، فيجب في الزيادة بحصّتها.

والثالثة : أنّه لا شي‌ء فيها حتى تبلغ خمسين فيكون فيها مسنّة وربع ، لأنّ سائر الأوقاص لا يزيد على تسعة كذا هنا(٢) .

وكلاهما في مقابلة النص فلا يسمع ، على أنّ الزيادة لا يتمّ بها أحد العددين فلا يجب بها شي‌ء ، كما لو زاد على الثلاثين ولم يبلغ الأربعين.

مسألة ٤٧ : لا يخرج الذكر في الزكاة إلّا في البقر‌ فإنّ ابن اللبون ليس بأصل ، إنّما هو بدل عن بنت مخاض ، ولهذا لا يجزئ مع وجودها ، وإنّما يجزئ الذكر في البقر عن الثلاثين وما تكرّر منها كالستّين والتسعين ، وما تركّب من الثلاثين وغيرها كالسبعين فيها تبيع أو تبيعة ومسنّة ، والمائة فيها مسنّة وتبيعان أو تبيعتان ، ولا يجزئ في الأربعين وما تكرّر منها كالثمانين إلّا الإِناث ، وكذا في الإِبل غير ابن اللبون ، فلو أخرج عن الحقّة حقّاً ، أو عن الجذعة جذعاً ، أو عن بنت المخاض ابن مخاض لم يُجزئ.

ويجوز أن يخرج عن الذكر اُنثى أعلى أو مساوياً ، فيجوز إخراج المسنّة عن التبيع ، ويجوز أن يخرج تبيعين ذكرين عن المسنّة ، لأنّهما يجزيان عن الستّين فعن الأربعين أولى ، ولو أخرج أكبر من المسنّة جاز.

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ باب صدقة البقر ، الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٥١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٧ ، اللباب ١ : ١٤١ ، المغني ٢ : ٤٥٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠٢.

٧٧

ولا مدخل للجبران هنا فلو وجبت عليه مسنّة ولم تكن عنده فأراد النزول إلى التبيع وإعطاء الجبران لم يجز إلّا بالقيمة السوقية ، لأنّ الزكاة لا يعدل فيها عن النصوص إلى غيره بقياس ولا نصّ هنا.

ولو أخرج مسنّاً عن المسنّة لم يجز إلّا مع ضمّ قيمة التفاوت ، لأنّ الاُنثى خير من الذكر ، لفضيلتها بالدرّ والنسل.

مسألة ٤٨ : لو اجتمع الفرضان تخيّر المالك‌ كمائة وعشرين إن شاء أخرج ثلاث مسنّات أو أربعة أتبعة ، لأنّ الواجب أحدهما فيتخيّر ، والخيرة إلى ربّ المال كما قلنا في زكاة الإِبل ، وهذا إنّما يكون لو كانت إناثاً ، فإن كانت كلّها ذكوراً أجزأ الذكر بكلّ حال ، لأنّ الزكاة مواساة فلا يكلّف المواساة من غير ماله.

وقال بعض الجمهور : لا يجزئه في الأربعينيّات إلّا الإِناث ، لأنّهعليه‌السلام نصّ على المسنّات(١) .

وليس بجيّد ، لأنّا أجزنا الذكر في الغنم ، مع أنّه لا مدخل له في زكاتها مع وجود الإِناث فالبقر أولى ، لأنّ للذكر فيها مدخلاً.

مسألة ٤٩ : الجواميس كالبقر‌ بإجماع العلماء ، لأنّها من نوعها ، كما أنّ البخاتي من نوع الإِبل ، فإن اتّفق النصاب كلّه جواميس وجبت فيه الزكاة ، وإن اتّفق الصنفان أخرج الفرض من أحدهما على قدر المالين ، فلو كان عنده عشرون بقرة عراباً ، وعشرون جواميس ، وقيمة المسنّة من أحدهما اثنا عشر ، ومن الآخر خمسة عشر أخرج من أحدهما ما قيمته ثلاثة عشر ونصف.

ولو كان ثُلث بقرة سوسيّاً ، وثُلثه نبطيّاً ، وثُلثه جواميس ، وقيمة التبيع السوسي أربعة وعشرون ، والنبطي ثلاثون ، والجاموس اثنا عشر ، أخرج تبيعاً

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٥٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠٤.

٧٨

قيمته اثنان وعشرون ثُلث قيمة كلّ واحد ، اختاره الشيخ(١) ، وبه قال أحمد(٢) ، لأنّها أنواع جنس من الماشية فجاز الإِخراج من أيّها شاء.

وقال الشافعي : القياس أن يؤخذ من كلّ نوع ما يخصّه ، واختاره ابن المنذر ، لأنّها أنواع تجب فيها الزكاة فتجب زكاة كلّ نوع منه كأنواع الثمرة والحبوب(٣) .

ويشكل بأدائه إلى تشقيص الفرض ، وقد عدل إلى غير الجنس فيما دون ستّ وعشرين لأجل التشقيص فالعدول إلى النوع أولى.

وقال عكرمة ومالك وإسحاق والشافعي في قول : يخرج من أكثر العددين ، فإن استويا أخرج من أيّهما شاء كالغلّات(٤) .

وكذا البحث في الضأن والمعز والإِبل البخاتي والعراب ، والسمان والمهازيل ، والكرام واللئام.

وأما الصحاح مع المراض ، والذكور مع الإِناث ، والكبار مع الصغار فيتعيّن صحيحة كبيرة اُنثى على قدر قيمة المالين إلّا أن يتطوّع بالفضل.

ولو أخرج عن النصاب من غير نوعه ممّا ليس في ماله منه شي‌ء أجزأ إن ساوى القيمة ، لأنّه أخرج من جنسه فجاز ، كما لو كان المال نوعين فأخرج من أحدهما.

وكذا ( من منعه )(٥) من إخراج القيمة ، ويحتمل عنده العدم ، لأنّه‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٠١.

(٢) المغني ٢ : ٤٧٤ و ٤٧٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٢ - ٥١٣ ، كشاف القناع ٢ : ١٩٣.

(٣) المغني ٢ : ٤٧٤ و ٤٧٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٢ ، الاُم ٢ : ١٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٦ ، المجموع ٥ : ٤٢٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٥ ، وحلية العلماء ٣ : ٥٦.

(٤) المغني ٢ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٣ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٦ ، المجموع ٥ : ٤٢٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٥ ، وحلية العلماء ٣ : ٥٦.

(٥) كذا في النسخ الخطية والطبعة الحجرية ، وحقّ العبارة أن تكون هكذا : وكذا عند من منع من =

٧٩

أخرج من غير نوع ماله ، فأشبه ما لو أخرج من غير الجنس(١) .

مسألة ٥٠ : ولا زكاة في بقر الوحش ، ولا يجبر بها النصاب‌ ، وهو قول أكثر العلماء(٢) ، لأنّ اسم البقر يطلق عليه مجازاً ، ولا يفهم منه عند الإِطلاق ، ولا يحمل عليه إلّا مع القيد ، فيقال : بقر الوحش.

ولعدم تحقّق نصاب منها سائماً حولاً.

ولأنّه حيوان لا يجزئ نوعه في الأضحية والهدي فلا تجب فيه الزكاة كالظباء.

ولأنّها ليست من بهم الأنعام فلا تجب فيها الزكاة كسائر الوحوش.

والأصل أنّ وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام لكثرة النماء فيها من الدرّ والنسل وكثرة الانتفاع بها لكثرتها وخفّة مؤونتها.

وعن أحمد رواية بوجوب الزكاة في بقر الوحش ، لتناول اسم البقر لها فيدخل في مطلق الخبر(٣) .

وقد بيّنا أنّه مجاز ، ولا خلاف في أنّه لا زكاة في الظباء.

مسألة ٥١ : المتولّد من الوحشي والانسي تجب الزكاة فيه‌ إن اُطلق عليه اسم الانسي من غير حاجة إلى قيد وإلّا فلا ، كالمتولّد من بقر الوحش والانس ، وكذا المتولّد من الظباء والغنم.

وقال أحمد : تجب فيه الزكاة سواء كانت الوحشية الفحول أو الاُمّهات ، لأنّها متولّدة ممّا تجب فيه الزكاة وما لا تجب ، فوجبت فيها الزكاة كالمتولّد من السائمة والمعلوفة ، ولأنّ غنم مكّة يقال : إنّها متولّدة من الظباء والغنم ، وفيها الزكاة إجماعاً(٤) .

____________________

= إخراج القيمة.

(١) راجع المغني ٢ : ٤٧٥ ، والشرح الكبير ٢ : ٥١٣.

( ٢ و ٣ ) المغني ٢ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٦.

(٤) المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

هم الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، فبهم يتقرّب ويتوسل إلى اللَّه عزّ وجلّ، وبمودّتهم وولايتهم تقبل الطاعات، ومحبّتهم ركن ركين في الدين لا يعرض عنه إلّا كافر أو مشرك، ومن هنا جعل النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله عدل الرسالة وأجرها المودّةَ في القربى كما في قوله تعالى: ( قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (1) .

ومن ذلك كلّه يتضح أن من تمام الحجّ وسائر العبادات لقاء الإمام وإظهار المودّة والنصرة والتولّي له، وإلّا فلا حجّ ولا طواف ولا صلاة مقبولة عند اللَّه تعالى، فالتوحيد في العبادة هو الإقرار بولاية أهل البيت عليهم‌السلام .

ومن هنا أيضاً يتضح المراد من قول الإمام الباقر عليه‌السلام : (تمام الحجّ لقاء الإمام) (2) .

وكذا قول الإمام الصادق عليه‌السلام : (ابدؤوا بمكّة واختموا بنا) (3) .

وقول الإمام الباقر عليه‌السلام : (إنما أمروا أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها، ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرتهم) (4) .

وكذا قال عندما رأى الناس يحجّون بمكّة: (فعال كفعال الجاهلية، أمَا واللَّه ما أمروا بهذا، وما أمروا إلّا أن يقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم فيمرّوا بنا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرتهم) (5) .

____________________

(1) الشورى: 23.

(2) الكليني، الكافي، ج4، ص549.

(3) المصدر، ص550.

(4) المصدر، ص549.

(5) المصدر، ج1، ص392.

١٠١

6 - الولاية من شرائط المغفرة:

قال تعالى: ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) (1) ، فلا تحصل المغفرة ولا التوبة ولا الإيمان ولا يقبل العمل الصالح إلّا بشرط الهداية، والمراد من الهداية في هذه الآية المباركة مقام الإمامة؛ لأنها تعني الإيصال إلى المطلوب، وهي مرحلة بعد مقام النبوّة الذي هو إراءة الطريق فقط. فإن مجرّد إراءة الطريق شأن النبيّ والرسول، قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) (2) .

وأمَّا مقام الإمامة، فنجد أن القرآن الكريم كلّما تعرّض إليه تعرض معه لذكر الهداية بياناً وتفسيراً، قال تعالى: ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) (3) ، وقال أيضاً عزّ وجلّ: ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (4) ، فوصف اللَّه عزّ وجلّ الإمامة بالهداية وصف بيان وتعريف وتفسير، هذا في إمامة الحقّ.

كذلك في إمامة الباطل والكفر، فإن فرعون الذي هو من أئمة الكفر قال تعالى في حقّه: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (5) ، فإمامة الكفر أيضاً فيها هداية وإيصال، ولكن إلى الضلال وخلاف المقصود من الكمال الإنساني؛ ولذا

____________________

(1) طه: 82.

(2) إبراهيم: 4.

(3) الأنبياء: 72 - 73.

(4) السجدة: 24.

(5) القصص: 41.

١٠٢

قال تعالى: ( وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى ) (1) ، فإمامة الحقّ هي الهداية والإيصال إلى المطلوب وولاية على الناس في أعمالهم بأمر ملكوتي من اللَّه عزّ وجلّ كما يستفاد من قوله تعالى: ( يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) ، وإمامة الباطل أيضاً هداية وإيصال، ولكن إلى الضلال وخلاف المقصود.

والحاصل: أن مقام الهداية الإلهية الحقّة - بقول مطلق - يساوق مقام الإمامة والخلافة الربّانية؛ وهذا يعني أن هناك مقاماً ثالثاً غير الشهادة الأولى والشهادة الثانية لابدّ أن يعتقد به المسلم لكي يكون مهتدياً مؤمناً، فقوله تعالى: ( آمَنَ ) إشارة إلى الشهادة الأولى والثانية، وقوله: ( وَعَمِلَ صَالِحًا ) إشارة إلى الإيمان والعمل بالشريعة الذي هو مقام النبوّة، وقوله: ( ثُمَّ اهْتَدَى ) إشارة إلى ذلك المقام الثالث والشهادة الثالثة؛ وهي الولاية والإمامة.

سورة الحمد وإمامة أهل البيت عليهم‌السلام :

وإذا لم يعتقد بها الشخص ولم يجعلها واسطة بينه وبين ربّه لا يتحقّق منه الإيمان ولا العمل الصالح، فولاية وإمامة أهل البيت عليهم‌السلام واسطة ووسيلة يتوسَّل بها العبد إلى اللَّه عزّ وجلّ لقبول عقيدته وعبادته، وهذا ما صرّحت به سورة الحمد، التي يقرؤها المسلم في اليوم والليلة عشر مرّات على أقل تقدير.

فإن سورة الحمد تعرّضت للشهادة الأولى والشهادة الثانية والشهادة الثالثة،

____________________

(1) طه: 79.

١٠٣

فقوله تعالى: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) (1) إشارة إلى الشهادة الأولى، وهي كلمة (لا إله إلّا اللَّه)، وقوله تعالى: ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) (2) إشارة إلى أصل المعاد، الذي هو من أصول الدين، وقوله تعالى: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) (3) إشارة إلى مقام التشريع والنبوّة؛ لأن العبادة لا تتحقّق إلّا بالسير على خطى النبوّة والرسالة، وقوله تعالى: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) (4) إشارة إلى مقام الإمامة في الأمة، فهناك مجموعة في الأمة الإسلامية ندعو اللَّه عزّ وجلّ في اليوم والليلة أن يهدينا صراطهم المستقيم، المنزّه عن الغضب في العمل وعن الضلال في العلم؛ أي صراط المعصومين علماً وعملاً، وهؤلاء الهداة الهادون إلى الصراط المستقيم وصفهم اللَّه تعالى بثلاثة نعوت:

الأول: أنهم منْعَم عليهم بنعمة خاصّة دون بقية الأمة وسائر البشر، نظير ما أنعم اللَّه على النبيِّين.

الثاني: أنهم لا يغضب اللَّه عليهم قطّ، وإلّا لَمَا كانت لهم صلاحية الهداية لجميع الأمة.

الثالث: أنهم لا يضلّون قط، وإلّا لم يكونوا هداة هادين لكل الأمة.

ولم يحدّثنا القرآن عن ثلّة عن هذه الأمة قد خصصوا بنعمة وحظوة وحبوة

____________________

(1) الحمد: 2 - 3.

(2) الحمد: 4.

(3) الحمد: 5.

(4) الحمد: 6 - 7.

١٠٤

إلهية خاصة دون بقية الأمة إلّا أهل البيت عليهم‌السلام كما في ولاية الفي‏ء في قوله تعالى: ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (1) ، وكما في ولاية الخمس في قوله تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (2) ، وكذا التطهير في قوله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً ) (3) ، والمودّة والولاية في قوله تعالى: ( قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (4) وقوله تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (5) ، وعلم الكتاب في قوله تعالى: ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (6) وغيرها من الآيات المخصِّصة

لهم عليهم‌السلام بمقامات دون سائر الأمة إلى يوم القيامة، فلا توجد مجموعة في الأمة الإسلامية معصومة عن الغضب والضلال سوى أهل البيت عليهم‌السلام ، الذين أنعم اللَّه عزّ وجلّ عليهم بالطهارة من الرجس والغواية في العلم والعمل كما قال تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً ) (7) .

ويتحصّل من ذلك: أن سورة الحمد اشتملت على أصول الدين من التوحيد والمعاد والنبوّة والإمامة، وقارئ الحمد يطلب من اللَّه تعالى الهداية إلى الصراط

____________________

(1) سورة الحشر: 7.

(2) سورة الأنفال: 41.

(3) سورة الأحزاب: 33.

(4) سورة الشورى: 23.

(5) سورة المائدة: 55.

(6) سورة الواقعة: 77 - 79.

(7) الأحزاب: 33.

١٠٥

المستقيم، وأن يجعل له هداة وأئمة يهتدي بهم، وهذا يعني أن ضمّ الشهادة الثالثة بالإمامة إلى الشهادة الثانية بالرسالة والنبوّة للنبيّ

الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله يوجب الخروج عن الشرك وقبول الإيمان والعبادة.

ومن ذلك كلّه يتضح المراد من قول الإمام الباقر عليه‌السلام لسدير وهو مستقبل البيت: (يا سدير، إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا، وهو قول اللَّه: ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) (1) - ثم أومأ إلى صدره - إلى ولايتنا) (2) .

إذن تمام الحجّ وسائر العبادات بالهداية إلى ولاية أهل البيت عليهم‌السلام والتوسّل والتوجّه بهم إلى اللَّه عزّ وجل.

7 - الوفود على ولي اللَّه من شرائط الحجّ:

قال تعالى: ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود × وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) (3) .

فهذه الآية المباركة تنصّ على أن اللَّه عزّ وجلّ جعل مكان البيت مبوّءاً وسكناً لإبراهيم عليه‌السلام ، وأن إبراهيم عليه‌السلام هو المتكلّم الأوّل والناطق الرسمي عن اللَّه تعالى في الندبة إلى الحجّ، فهو يأمر الناس بحجّ بيت اللَّه الحرام كما نصّت على ذلك روايات الفريقين.

____________________

(1) طه: 82.

(2) أصول الكافي، ج 1، ص 393.

(3) الحج: 26 - 27.

١٠٦

ثم إن التعبير الآخر في الآية المباركة بعد الأذان في الناس بالحجّ ( يَأْتُوكَ رِجَالاً ) ، فالمجي‏ء ليس إلى البيت ولا إلى اللَّه عزّ وجلّ مباشرة، بل المجي‏ء أوّلاً إلى إبراهيم عليه‌السلام .

فالإتيان إلى الحجّ تلبية وإجابة للنداء الإلهي إنما يتمّ بالوفادة على وليّ اللَّه، ويكون الحجّ الذي هو القصد إلى اللَّه عزّ وجلّ بواسطة الإتيان إلى إبراهيم عليه‌السلام ، الذي هو وجيه عند اللَّه تعالى يتوجّه إليه ويُقصد لإقامة الصلاة والطواف وسائر مناسك الحجّ العبادية، فلابدّ من الوفود على إبراهيم عليه‌السلام ومحبّته وهويّ الأفئدة إليه.

وهذه الآية المباركة تتوافق في المضمون مع ما تقدّم من قوله تعالى: ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الُْمحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) (1) ، فإبراهيم عليه‌السلام وذرّيته أسكنهم اللَّه عزّ وجلّ البيت الحرام وبوّأهم فيه لإقامة الصلاة وتشييد الدين وتطهير البيت للطائفين والقائمين والرّكع السجود، والإيذان في الناس بالحجّ، ولكن لا قيمة للحجّ ولا مقبولية عند اللَّه عزّ وجلّ إلّا بالمجي‏ء إلى إبراهيم عليه‌السلام وذريّته من ولد إسماعيل عليه‌السلام ، وهويّ القلوب والأفئدة إليهم ومحبّتهم ومودّتهم وتولّيهم وإبراز الطاعة لهم وجعلهم واسطة في القصد إلى اللَّه تعالى.

فتبويء اللَّه عزّ وجلّ لإبراهيم البيت، وإسكان إبراهيم ذريَّته فيه من أجل الوفود عليهم ومودّتهم، هو الذي جعل من البيت الحرام مكاناً ومقصداً لإقامة العبادة فيه، والأحجار بما هي أحجار لولا ذلك تكون وثناً يعبد من دون اللَّه

____________________

(1) إبراهيم: 37.

١٠٧

عزّ وجلّ كما كان الحجّ في الجاهلية. ولذا ورد أن من المستحبّات عند الدخول إلى البيت الحرام إلقاء التحيّة والسلام على سيّد الأنبياء محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم السلام على النبيّ إبراهيم عليه‌السلام (1) .

فعن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام قال: (فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم وقل: السلام عليك أيها النبيّ ورحمة اللَّه وبركاته، بسم اللَّه وباللَّه ومن اللَّه وما شاء اللَّه، والسلام على أنبياء اللَّه ورسله والسلام على رسول اللَّه، والسلام على إبراهيم والحمد للَّه رب العالمين) (2) .

فالمجي‏ء إلى النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم إلى إبراهيم عليه‌السلام مجي‏ء وإتيان وقصد إلى اللَّه عزّ وجل، وكذا أهل البيت عليهم‌السلام ؛ لأنهم الذريّة والأمة المسلمة الذين دعا إبراهيم والنبيّ الأكرم إلى مودّتهم ومحبّتهم.

إذن، الأنبياء والأوصياء هم أبواب اللَّه التي يتّجه إلى اللَّه تعالى بها، ولولا ذلك لا يكون الحجّ حجّاً إبراهيمياً، بل حجّ الجاهلية.

8 - الأنبياء مصدر البركة:

قال تعالى حكاية عن قول عيسى عليه‌السلام : ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاة وَالزَّكَوةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ) (3) .

وهذا يعني أن عيسى عليه‌السلام جعله اللَّه عزّ وجلّ مصدر البركة والتبرّك أين ما حل؛ ولذا كان ببركته يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن اللَّه تعالى، فهو

____________________

(1) ابن حمزة، الوسيلة، ص172.

(2) الصدوق، المقنع، ص255.

(3) مريم: 31.

١٠٨

وجيه وواسطة في قضاء الحوائج في كلّ مكان حلّ فيه، فما بالك بخاتم الأنبياء عليه‌السلام وأهل بيته الأطهار ومَن يصلّي عيسى خلفه عند نزوله ويكون وزيراً له؟!

وكذا ورد في الآيات المباركة أن الماء مصدر البركة والخيرات كما في قوله تعالى: ( وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ) (1) ، فإذا كان اللَّه تعالى ببركة الماء المنزل من السماء ينبت الجنان ويحيي الأرض بعد موتها، فكيف بك بأنبياء اللَّه ورسله وخلفائه الأوصياء؟!

9 - البقعة المباركة:

وهي الطائفة من الروايات التي تعرّضت لذكر البقعة المقدّسة والمباركة التي كلّم اللَّه عزّ وجلّ فيها موسى عليه‌السلام كقوله تعالى: ( وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَ نَارًا فَقَالَ ِلأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّى آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِىَ يَا مُوسَى * إِنِّى أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) (2) ، وقوله تعالى: ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) (3) ، وكذا قوله تعالى: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا * وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ) (4) .

____________________

(1) ق: 9.

(2) طه: 9 - 12.

(3) النازعات: 15 - 16.

(4) مريم: 51 - 52.

١٠٩

وقوله عزّ وجلّ: ( فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ ِلأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِي‏ءِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (1) .

وقد أقسم اللَّه عزّ وجلّ بهذه البقعة المباركة لعظمتها، بالإضافة إلى بقع ثلاث أخرى، وذلك في قوله تعالى: ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) (2) ، وهذا قسم من اللَّه عزّ وجلّ ببلد التين، وهو المدينة، وبلد الزيتون وهو بيت المقدس، وطور سينين الكوفة، والبلد الأمين، وهو مكّة، كما ورد ذلك عن الإمام الكاظم عليه‌السلام ؛ حيث قال: (واختار من البلدان أربعة؛ فقال عزّ وجلّ: ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) فالتين المدينة، والزيتون بيت المقدس، وطور سنين الكوفة، وهذا البلد الأمين مكّة) (3) .

هذا من طرقنا.

وكذلك من طرق السنّة، ولكن بتفسير التين بالبيت الحرام، وتفسير الطور بأنه الجبل الذي كلّم اللَّه عزّ وجلّ فيه موسى عليه‌السلام (4) ، ولا تنافي في ذلك إذ لعلّ ذلك هو الوادي المقدّس بين جبل طور والكوفة كما ذكر ذلك بعض المفسّرين.

____________________

(1) القصص:29 - 30.

(2) التين: 1 - 3.

(3) الصدوق، الخصال، ص225، والنيسابوري، روضة الواعظين، ص405.

(4) ابن الجوزي، زاد المسير، ج8، ص275.

١١٠

وقد ورد في الحديث أن محلّ قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام أوّل طور سيناء. عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال: (كان في وصيّة أمير المؤمنين عليه‌السلام : أن أخرجوني إلى الظهر [أي ظهر الكوفة]، فإذا تصوّبتْ أقدامكم واستقبلتكم ريح، فادفنوني؛ وهو أوّل طور سيناء. ففعلوا ذلك) (1) .

والحاصل: إن القرآن يؤكّد أن هناك بقعة مقدّسة مباركة، فيها هبطت الملائكة بالوحي على موسى عليه‌السلام ، ولابدّ أن تقدّس وتُعظّم ويُتقرّب فيها إلى اللَّه عزّ وجلّ ويكلّم اللَّه تعالى فيها الأنبياء.

قال القرطبي في تفسيره قوله تعالى ( إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) (2) :

(المقدّس: المطهّر، والقدس: الطهارة، والأرض المقدّسة أي المطهّرة) إلى أن قال: (وقد جعل اللَّه تعالى لبعض الأماكن زيادة فضل على بعض، كما قد جعل لبعض الأزمان زيادة فضل على بعض) (3) .

وهذا يعني أن هناك أماكن مقدّسة فيها ينزل الوحي وتفتح أبواب السماء، وفيها يزداد الأجر ويقبل الدعاء ويتوجّه إلى اللَّه عزّ وجل.

10 - وجوب تعظيم الأنوار الإلهيّة:

خلقة الأنوار الخمسة لأصحاب الكساء في سورة النور؛ قال تعالى: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا

____________________

(1) تهذيب الأحكام، ج 6، ص 34.

(2) طه: 12.

(3) تفسير القرطبي، ج11، ص175.

١١١

شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِي‏ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) (1) .

إن هذه الآية المباركة تنصّ على وجود بيوت خاصّة أذن اللَّه أن ترفع وتعظّم ويذكر فيها اسمه، وفي تلك البيوت يسبّح للَّه عزّ وجلّ وتقبل العبادة ويسمع الذكر، وتحت قبّتها يرفع الدعاء وتفتّح أبواب السماء وتحصل القربة إلى اللَّه تعالى، فهي بيوت مباركة ومقدّسة جعلها اللَّه تبارك وتعالى وسيلة وواسطة ومحلّاً لقبول العبادة والذكر والتسبيح آناء الليل وأطراف النهار.

ومن الجدير بالذكر أن تلك البيوت بيوتاً خاصّة، وهي مهبط الوحي والقداسة والطهارة. والشاهد على ذلك أن الجار والمجرور في قوله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ ) متعلّق بذلك النور الذي ضربه اللَّه عزّ وجلّ مثلاً للناس، فالنور في بيوت أذن اللَّه أن ترفع، وقد ذكرت الآية المباركة أن هذا النور نور السماوات والأرض، أي محيط بهما ومهيمن عليهما وأشرف منهما في الخلقة والرتبة الوجودية.

ثمّ إن ذلك النور مخلوق من مخلوقات اللَّه تعالى، أُضيف إليه عزّ وجلّ في الآية إضافة الفعل إلى فاعله، وهو عبارة عن أنوار خمسة شامخة، ضرب اللَّه تعالى لكلّ واحد منها مثلاً حسّياً لتقريب الفكرة وتنزيل الحقيقة إلى رقيقة

____________________

(1) النور: 35 -37.

١١٢

يفهمها البشر، وليس هذا النور عين الذات الإلهية؛ لأنها أحدية المعنى لا تعدّد ولا تكثّر فيها، والنور المذكور في الآية المباركة متعدّد منشعب إلى خمسة أنوار، مستقل بعضها عن البعض الآخر.

والأنوار الخمسة التي ضُربت مثلاً هي:

أولاً: المشكاة.

ثانياً: المصباح.

ثالثاً: الزجاجة.

رابعاً: الكوكب الدُّرِّي

خامساً: الشجرة المباركة.

ثم تقول الآية الكريمة بعد ذلك: ( نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) .

وفي اللغة العربية يقول علماء البلاغة: كل تشبيه جملة مستقلة برأسها، وتفيد معنىً ومغزىً مستقلاً، فالآية بصدد التعرض إلى خلقة النور، وأن أحد مراحل الخلقة الإلهية هي المخلوقات النورية، وهي أنوار خمسة، تعظم في الخلقة الملائكةَ والروح والجنّ والإنس ومطلق الموجودات الأخرى، وهي أنوار مشتقّ بعضها من بعض، ومرتبط بعضها بالبعض الآخر كما هو ظاهر الآية المباركة.

وهذه الأنوار المباركة المحيطة بالسماوات والأرض، هي الأسماء والكلمات التي لم تعلم بها الملائكة، مع أن الملائكة ملأت أركان السماوات والأرض؛ لأنها هي التي تدبّرها وتدير شؤونها، وهو المشار إليه في تعليم آدم الأسماء وعرض اللَّه تعالى لها على الملائكة، فلم يعلموا بها، فأنبأهم آدم بها،

١١٣

ووصفها اللَّه بأنها غيب السماوات والأرض (1) ، وكما ورد هذا المعنى في روايات الفريقين (2) .

ولو كانت تلك الأسماء من عالم السماء والأرض، لعلمت بها الملائكة، ومن ذلك يعلم أن الأسماء التي علّمها اللَّه عزّ وجلّ آدم وجهلتها الملائكة، كانت مخلوقات محيطة بعالم السماوات والأرض.

وهذا نوع من أنواع التشاهد بين الآيات القرآنية، فالأنوار الخمسة المذكورة في سورة النور هي الأسماء التي خفيت عن الملائكة وعلّمها اللَّه تعالى آدم، وهي كما سيأتي موجودات حيّة عاقلة شاعرة من عالم النور كما عبّر عنها في سورة البقرة بضمير (هم) واسم الإشارة (هؤلاء)، وهما لفظتان لا تستعملان في الذوات الجامدة، بل في الذوات الحيّة الشاعرة العاقلة.

ويتحصّل من ذلك وجود مخلوقات خمسة نورية محيطة بالسماوات والأرض، أفضل من الملائكة ولا تحيط الملائكة بها علماً، بل إن اللَّه تعالى شرّف آدم على جميع مخلوقاته، بما فيهم المقرّبين من كبار الملائكة، كجبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل بفضل تلك الأنوار، وبفضلها أيضاً استحقّ مقام الخلافة الإلهية، وسجد له الملائكة كلّهم أجمعون.

ومن ذلك يتضح أن هذه الأنوار الخمسة هي باطن (غيب) وملكوت السماوات والأرض؛ لأن نور كلّ شي‏ء بمنزلة الروح له، ومن دونه يكون ظلمانياً، والنور في المقام ليس هو النور الحسّي الذي يظهر الصفات العارضة

____________________

(1) سورة البقرة: 31 - 33.

(2) بصائر الدرجات، ص89، الطبراني، المعجم الأوسط، ج4، ص44.

١١٤

على الشي‏ء، بل هو نور الخلقة الذي يوجد الشي‏ء ويكوّنه ويظهره من كتم العدم إلى الوجود، فنور السماوات والأرض أي ملكوتهما وباطنهما ومظهرهما من ظلمة العدم إلى نور الوجود، وهو اسم اللَّه الأعظم الذي هو غير المسمّى، يفوق في القدرة والعظمة كافّة المخلوقات في السماوات والأرض.

وسيأتي أن تلك الأنوار الخمسة المباركة - وهي الأسماء التي علّمها اللَّه تعالى آدم وتاب بفضلها عليه من خطيئته، وابتلى بها إبراهيم لنيل مقام الإمامة - هم خمسة أصحاب الكساء وأهل آية المباهلة: محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، فهم أهل البيت، وهم النور الإلهي الذي حلّ في بيوت أذن اللَّه أن ترفع، لتكون محلّاً للذكر والتسبيح والعبادة والتوجّه إلى اللَّه عزّ وجلّ وتشييد معالم الدين.

ولذا أخرج السيوطي في الدرّ المنثور عن ابن مردويه عن أنس ابن مالك وبريدة، قال: قرأ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول اللَّه؟ قال: (بيوت الأنبياء)، فقام إليه أبو بكر، فقال: يا رسول اللَّه، هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت عليّ وفاطمة عليهم‌السلام ، قال: (نعم، من أفاضلها) (1) .

وعن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه‌السلام عن قول اللَّه عزّ وجلّ: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) قال: (هي بيوت النبي صلَّى الله عليه وآله) (2) .

كذلك عن جابر عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، في قوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ

____________________

(1) الدرّ المنثور، ج 5، ص50.

(2) الكافي، ج8، ص331، ح510.

١١٥

تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) قال: (هي بيوت الأنبياء، وبيت علي منها) (1) .

وقد تقدّم رواية الحاكم في المستدرك أن من الكلمات التي تاب اللَّه بها على آدم (وهي الأسماء التي شُرّف آدم بها على الملائكة كخليفة، لأن الكلمات أعظم مقاماً من آدم إذ بها تاب اللَّه عليه)، أن من أعظم تلك الكلمات والأسماء هو خاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد ورد في المستدرك أنه لولاه لَمَا خلق آدم ولا الجنة ولا النار (2) ويتشاهد هذان الحديثان النبويان على أن أوّل الأنوار الخمسة والأسماء التي تعلّمها آدم وتوسّل بها هو خاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله .

هذا بالنسبة إلى الأنوار الخمسة المباركة.

الأئمة التسعة من ولد الحسين عليه‌السلام في آية النور:

وأمَّا قوله تعالى: ( نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) ، فهو إشارة إلى استمرار وديمومة قانون الإمامة والخلافة الإلهية بعد تلك الأنوار الخمسة إلى يوم القيامة، نور على نور يهدي اللَّه لنوره من يشاء، و(على)؛ أي على إثر وعقب، لغة في أحد المعاني المستعملة في لفظ (على) بالتضمين لمعنى الإثر؛ والشاهد على ذلك ما تقدّم من أن الهداية هي الإيصال إلى المطلوب، وقد جاء ذكر الهداية تفسيراً وبياناً لمقام الإمامة والولاية كما في قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) ، فالتعبير بالهداية في الآية المباركة يراد منه الإمامة، وهو مقتضى معنى النور أيضاً؛ إذ هو الهادي إلى صراط اللَّه تعالى.

____________________

(1) تفسير القمي: ج2 ص79.

(2) المستدرك، ج 2، ص 671 و 672

١١٦

ولذا ورد عن الإمام محمّد بن علي بن الحسين عليه‌السلام في قوله تعالى ( نُورٌ عَلَى نُورٍ ) قال: (يعني إماماً مؤيّداً بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك من لدن آدم إلى يوم القيامة) (1) .

وعن الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه‌السلام ، قال: قلت ( نُورٌ عَلَى نُورٍ ) ؟ قال: (الإمام في إثر الإمام) (2) .

وورد أيضاً عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام في قوله تعالى ( يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) قال: (يهدي لولايتنا من أحبّ) (3) .

بيان آخر للآية المباركة:

هناك بيان آخر للآية الكريمة التي نحن بصدد الاستدلال بها، أدقّ وأعمق وأدلّ على المطلوب من البيان الأول؛ وهو:

بعد أن تبيّن أن قوله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ ) متعلّق بالنور، وأن النور في بيوت أذن اللَّه أن ترفع، نقول:

إن الآية الثالثة التي ذكرناها في المقام، وهو قوله تعالى: ( رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) ، هذه الجملة من المبتدأ والخبر كلّها بدل من قوله تعالى ذكره: ( فِي بُيُوتٍ ) ، أي أنها في محلّ جرّ بدل من البيوت؛ ويكون المعنى على ذلك: أن البيوت رجال لا تلهيهم تجارة، وليست هي

____________________

(1) توحيد الصدوق، ص158، ح4.

(2) المصدر، ص157، ح3.

(3) مناقب ابن المغازلي، ص263، ح361.

١١٧

بيوت حجارة، ولا طين.

والشواهد على ذلك من نفس الآيات المباركة كثيرة نشير إلى بعضها:

أ - قوله تعالى: ( رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ ) ليس فاعلاً لقوله عزّ وجل: ( يُسَبِّحُ ) ؛ وذلك طبقاً لقراءة أهل البيت عليه‌السلام ، حيث إن قراءتهم لكلمة يسبَّح (بفتح الباء) مبني للمجهول، وبناءً على هذا لا تكون كلمة ( رِجَالٌ ) فاعلاً لـ (يسبَّح) وإنما تكون مبتدءاً والجملة التي بعدها خبر، والجملة بتمامها عطف بدل على بيوت، فالبيوت هي رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع، وإلى ذلك يشير قول الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام إلى قتادة البصري(فقيه أهل البصرة) عندما سأله قائلاً:

(أصلحك اللَّه، واللَّه لقد جلست بين يدي الفقهاء، وقدّام ابن عبَّاس، فما اضطرب قلبي قدّام واحدٍ منهم ما اضطرب قدّامك؟

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : (ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي ( بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ ) فأنت ثَمَّ، ونحن أولئك)، فقال له قتادة: صدقت واللَّه، جعلني اللَّه فداك، واللَّه ما هي بيوت حجارة ولا طين) (1) .

وكذلك ما ورد عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه‌السلام ؛ حيث قال: (إنّه من أتى البيوت من أبوابها اهتدى ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردى، وصل اللَّه طاعة وليّ أمره بطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وطاعة رسوله بطاعته، فمَن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع اللَّه ولا رسوله، وهو الإقرار بما نزل من عند اللَّه: ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) والتمسوا البيوت التي أذن اللَّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فإنه أخبركم أنهم

____________________

(1) الكافي، ج6، ص256، ح1.

١١٨

( رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) (1) .

ثم إن تلك القراءة بفتح الباء في (يسبَّح) قرأ بها أيضاً ابن عامر وأبو بكر وابن شاهي عن حفص (2) .

إذن، يتحصّل أن النور في بيوت هي رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع.

أهل البيت عليهم‌السلام معصومون بأعالي درجات العصمة:

ب - قوله عزّ وجل: ( لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ ) . فإن هذا المقطع من الآية المباركة يشير إلى أن هؤلاء الرجال معصومون بأعلى درجات العصمة، وهي عصمة السرّ التي هي فوق عصمة الجوارح؛ إذ لا يلهون برهة من حياتهم عن ذكر اللَّه، فهم في ذكر دائم، وهذا يعني أن أولئك الرجال ثلّة خاصة في الأمة الإسلامية يتميّزون عن بقيّة المسلمين وأصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذين انفضّ أكثرهم من حوله وتركوه قائماً عندما سمعوا بالتجارة كما نصّت على هذه الحادثة سورة الجمعة؛ وذلك في قوله تعالى: ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (3) .

ففي الروايات لم يبقَ مع النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا اثني عشر أو ثمانية رجال،

____________________

(1) الكافي، ج1، ص182، ح6.

(2) الطوسي، لاحظ التبيان، ج7، ص439، وابن الجوزي، زاد المسير، ج5، ص364.

(3) الجمعة: 11.

١١٩

وانفضّ الباقون إلى اللّهو والتجارة (1) .

وفي بعض الروايات لم يبقَ إلّا علي عليه‌السلام (2) .

ولا شك أنه لا يوجد ثلّة معصومة في هذه الأمة غير أهل آية التطهير، الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فنالوا بذلك أعلى درجات العصمة والطهارة.

وهذا يعني أن تلك الأنوار الخمسة المباركة في بيوت وأبدان طاهرة، وهم رجال معصومون من الغفلة عن ذكر اللَّه عزّ وجل، يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة.

وتلك البيوت والرجال أذن اللَّه أن يرفع ذكرهم، كما قال اللَّه تعالى لنبيّه: ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ، ولا شك أن معنى ذلك هو وجوب التعظيم والطاعة لهم والانقياد لولايتهم والتوجّه بهم إلى اللَّه تعالى في العبادة، كما أمر اللَّه عزّ وجلّ الملائكة بالخضوع والسجود لآدم وجعل الخضوع واسطة للانقياد إلى الأوامر الإلهية.

إذن، لا يقبل اللَّه عزّ وجلّ من العباد الطاعة، إلّا برفع تلك البيوت وتعظيم أولئك الرجال، والإتيان بالطاعات امتثالاً لأمر اللَّه وأمر رسوله وأمر أُولي الأمر من هذه الأمة.

قال تعالى: ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ

____________________

(1) لاحظ: الطبري، جامع البيان، ج28، ص132.

(2) شرف الدين، تأويل الآيات، ج2، ص693.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460