تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 242994 / تحميل: 6066
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٦-٩
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

والمحرّم ثلاثة متواليات ، ألا وهذا الشهر المفروض ، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، وإذا خفي الشهر فأتمّوا العدّة شعبان ثلاثين ، [ و ](١) صوموا الواحد وثلاثين »(٢) .

مسألة ٨٤ : ولا اعتبار بغيبوبة القمر بعد الشفق‌ ؛ لقولهعليه‌السلام : ( الصوم للرؤية والفطر للرؤية)(٣) .

ولأصالة براءة الذمة.

وقال بعض مَن لا يعتد به : إن غاب بعد الشفق فهو للّيلة الماضية ، وإن غاب قبله فهو لليلته(٤) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلته ، وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين »(٥) .

ونمنع صحة سنده. ونعارضه بالأحاديث الدالّة على حصر الطريق في الرؤية والشهادة ومضيّ الثلاثين.

قال الشيخرحمه‌الله : هذا إنّما يكون أمارةً على اعتبار دخول الشهر إذا كانت السماء مغيّمةً ، فجاز اعتباره في الليلة المستقبلة بالغيبوبة قبل الشفق وبتطوّق الهلال ، فأمّا مع زوال العلّة فلا(٦) .

إذا ثبت هذا ، فلا يجوز التعويل أيضاً على تطوّق الهلال.

وفي رواية عن الصادقعليه‌السلام : « إذا تطوّق الهلال فهو لليلتين »(٧) .

____________________

(١) زيادة من المصدر.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦١ / ٤٥٤.

(٣) سنن النسائي ٤ : ١٣٦ نحوه.

(٤) قال به الصدوق في المقنع : ٥٨.

(٥) الكافي ٤ : ٧٧ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٧٨ / ٣٤٣ ، التهذيب ٤ : ١٧٨ / ٤٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٧٥ / ٢٢٨.

(٦) التهذيب ٤ : ١٧٨ - ١٧٩.

(٧) الكافي ٤ : ٧٨ / ١١ ، الفقيه ٢ : ٧٨ / ٣٤٢ ، التهذيب ٤ : ١٧٨ / ٤٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٧٥ / ٢٢٩.

١٤١

ونمنع صحة سندها.

مسألة ٨٥ : لا اعتبار بعدِّ خمسة أيام من الماضية(١) ؛ عملاً بالأصل ، وما تقدّم من الأحاديث الدالّة على العمل بالرؤية أو مضيّ ثلاثين ، فعلى هذا لو غمّ هلال الشهور كلّها ، عدّ كلّ شهر ثلاثين يوماً.

وقد روى عمران الزعفراني عن الصادقعليه‌السلام : قلت له : إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة لا نرى(٢) السماء ، فأيّ يوم نصوم؟

قال : « اُنظر(٣) اليوم الذي صُمت من السنة الماضية ، وصُم يوم الخامس »(٤) .

وسأل عمران أيضاً ، الصادقعليه‌السلام : قلت : إنّما نمكث في الشتاء اليوم واليومين لا نرى سماءً ولا نجماً ، فأيّ يوم نصوم؟ قال : « اُنظر(٥) اليوم الذي صُمت من السنة الماضية ، وعدّ خمسة أيام ، وصُم يوم الخامس »(٦) .

والأول مرسل. وفي طريق الثاني : سهل بن زياد ، وهو ضعيف مع أنّ عمران الزعفراني مجهول.

ولو قيل بذلك بناءً على العادة القاضية بعدم تمامية شهور السنة بأسرها ، كان وجهاً.

ولو غُمّ هلال رمضان وشعبان ، عدّدنا رجب ثلاثين ، وكذا شعبان ، فإن غُمّت الأهلّة بأسرها ، فالأقرب : الاعتبار برواية الخمسة بناء على العادة ، وهو‌

____________________

(١) أي : السنة الماضية.

(٢) في « ن » : لا ترى.

(٣ و ٥) في جميع النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، وفي الطبعة الحجرية : أفطر. وما أثبتناه - وهو الصحيح - من المصادر.

(٤) الكافي ٤ : ٨٠ / ١ ، التهذيب ٤ : ١٧٩ / ٤٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٧٦ / ٢٣٠.

(٦) الكافي ٤ : ٨١ / ٤ ، التهذيب ٤ : ١٧٩ / ٤٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٧٦ / ٢٣١.

١٤٢

اختيار الشيخ في المبسوط(١) .

وأكثر علمائنا قالوا : تعدّ(٢) الشهور ثلاثين ثلاثين(٣) .

مسألة ٨٦ : لو كان بحيث لا يعلم الأهلّة ، كالمحبوس ، أو اشتبهت عليه الشهور ، كالأسير مع الكفّار‌ إذا لم يعلم الشهر ، وجب عليه أن يجتهد ويُغلّب على ظنّه شهراً أنّه من رمضان ، فإن حصل الظنّ بنى عليه.

ثم إن استمرّ الاشتباه ، أجزأه إجماعاً - إلّا من الحسن بن صالح بن حي(٤) - لأنّه أدّى فرضه باجتهاده ، فأجزأه ، كما لو ضاق الوقت واشتبهت القبلة.

وإن لم يستمرّ ، فان اتّفق وقوع الصوم في رمضان ، أجزأه إجماعاً ، إلّا من الحسن بن صالح بن حي ؛ فإنّه قال : لا يجزئه(٥) .

وهو غلط ؛ لأنّه أدّى العبادة باجتهاده ، فإذا وافق الإِصابة أجزأه ، كالقبلة إذا اشتبهت عليه.

ولأنّه مكلّف بالصوم إجماعاً ، والعلم غير ممكن ، فتعيّن الظنّ.

احتجّ : بأنّه صامه على الشك ، فلا يجزئه ، كما إذا صام يوم الشك ثم بان أنّه من رمضان(٦) .

والفرق : أنّ يوم الشك لم يضع الشارع الاجتهاد طريقاً اليه.

وإن وافق صومه بعد رمضان ، أجزأه أيضاً عند عامّة العلماء(٧) ، إلّا الحسن بن صالح بن حي ، فإنّه قال : لا يجزئه(٨) .

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٨.

(٢) في « ن » : بدل تعدّ : بعدّ.

(٣) منهم : المحقق في شرائع الإِسلام ١ : ٢٠٠.

(٤) المغني ٣ : ١٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢.

(٥) المجموع ٦ : ٢٨٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٤ ، المغني ٣ : ١٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢.

(٦) كما في المغني ٣ : ١٠١ ، والشرح الكبير ٣ : ١٢ ، والمجموع ٦ : ٢٨٥.

(٧ و ٨ ) المغني ٣ : ١٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢.

١٤٣

وليس بجيّد ؛ لأنّه أدّى العبادة في أحد وقتيها - أعني وقت القضاء - فأجزأه ، كما لو فعلها في الوقت الآخر ، وهو وقت الأداء ، وكما لو دخل الوقت وهو متلبّس بالصلاة.

ولأنّ عبد الرحمن بن أبي عبد الله سأل الصادقعليه‌السلام : الرجل أسرته الروم ، ولم يَصُم شهر رمضان ، ولم يَدر أيّ شهر هو ، قال : « يصوم شهراً يتوخّاه ، ويحسب ، فإن كان الشهر الذي صامه قبل رمضان لم يجزئه ، وإن كان بعده أجزأه »(١) .

وإن وافق صومه قبل رمضان ، لم يجزئه عند علمائنا - وبه قال أبو ثور ومالك وأحمد والشافعي في أحد القولين(٢) - لأنّه فعل العبادة قبل وقتها ، فلا يقع أداء ولا قضاء ، فلم يجزئه ، كالصلاة يوم الغيم.

ولرواية عبد الرحمن ، وقد تقدّمت(٣) .

والثاني للشافعي : الإِجزاء ، لأنّه فعل العبادة قبل وقتها مع الاشتباه فأجزأه ، كما لو اشتبه يوم عرفة فوقف قبله(٤) .

ونمنع حكم الأصل.

مسألة ٨٧ : لو لم يغلب على ظنّ الأسير شهر رمضان ، لزمه أن يتوخّى شهراً ويصومه‌ ويتخيّر فيه - وبه قال بعض الشافعية(٥) - لأنّه مكلّف بالصوم ، وقد فقد العلم بتعيّن الوقت ، فسقط عنه التعيين ، ووجب عليه الصوم في شهر‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٨٠ / ١ ، الفقيه ٢ : ٧٨ / ٣٤٦ ، التهذيب ٤ : ٣١٠ / ٩٣٥.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، المغني ٣ : ١٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٣ ، فتح العزيز ٦ : ٣٣٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢١.

(٣) تقدّمت آنفاً.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٣ ، فتح العزيز ٦ : ٣٣٨ ، المغني ٣ : ١٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢ - ١٣.

(٥) المجموع ٦ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٤.

١٤٤

يتوخّاه ، كما لو فاته الشهر مع علمه ولم يصمه ، فإنّه يسقط عنه التعيين ، ويتوخّى شهراً يصومه للقضاء ، وكما لو اشتبهت القبلة وضاق الوقت.

ولرواية عبد الرحمن(١) .

وقال بعض الشافعية : لا يلزمه ذلك ؛ لأنّه لم يعلم دخول شهر رمضان ولا ظنّه ، فلا يلزمه الصيام ، كما لو شك في دخول وقت الصلاة ، فإنّه لا يلزمه الصلاة(٢) .

والفرق ظاهر ؛ لتمكّنه من العلم بوقت الصلاة بالصبر.

ولو وافق بعضه الشهر دون بعض ، صحّ ما وافق الشهر وما بعده دون ما قبله.

ولو وافق صومه شوّال ، لم يصحّ صوم يوم العيد ، وقضاه ، وكذا ذو الحجّة.

وإذا توخّى شهراً ، فالأولى وجوب التتابع فيه وإن كان له أن يصوم قبله وبعده.

وإذا وافق صومه بعد الشهر ، فالمعتبر صوم أيام بعدّة ما فاته ، سواء وافق ما بين هلالين أم لا ، وسواء كان الشهران تامّين أو أحدهما أو ناقصين.

نعم لو كان رمضان تاماً ، فتوخّى شهراً ناقصاً ، وجب عليه إكمال يوم.

وقال بعض الشافعية : إذا وافق شهراً بين هلالين ، أجزأه مطلقاً ، وإن لم يوافق ، لزمه صوم ثلاثين وإن كان رمضان ناقصاً ، لأنّه لو نذر صيام شهر أجزأه عدّه بين هلالين وإن كان ناقصاً(٣) .

وهو خطأ ؛ لأنّه يلزم قضاء ما ترك ، والاعتبار بالأيام ؛ لقوله تعالى :

____________________

(١) تقدمت في المسألة السابقة.

(٢) المجموع ٦ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٤‌

(٣) لم نقف عليه في كتب الشافعية ، ونسب هذا القول في المغني ٣ : ١٠٢ ، والشرح الكبير ٣ : ١٣ ، الى ظاهر كلام الخرقي من الحنابلة ، فلاحظ.

١٤٥

( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (١) .

والإِجزاء في النذر ؛ لأنّ اسم الشهر يتناوله ، أمّا هنا فالواجب عدد ما فات من الأيام.

ولو صام شوّالاً وكان ناقصاً ورمضان ناقص أيضاً ، لزمه يوم عوض العيد.

وقال بعض الشافعية : يلزمه يومان(٢) . وليس بجيّد.

وإذا صام على سبيل التخمين من غير أمارة ، لم يجب القضاء ، إلّا أن يوافق قبل رمضان.

ولو صام تطوّعاً ، فبان أنّه رمضان ، فالأقرب : الإِجزاء - وبه قال أبو حنيفة(٣) - لأنّ نية التعيين ليست شرطاً ، وكما لو صام يوم الشك بنيّة التطوّع وثبت أنّه من رمضان.

وقال الشافعي : لا يجزئه. وبه قال أحمد(٤) .

مسألة ٨٨ : وقت وجوب الإِمساك هو طلوع الفجر الثاني بإجماع العلماء‌.

قال الله تعالى( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) (٥) .

ويجوز له الأكل والشرب الى أن يطلع الفجر.

وأمّا الجماع فيجوز الى أن يبقى للطلوع مقدار الغسل.

ويجب الاستمرار على الإِمساك إلى غروب الشمس الذي تجب به صلاة المغرب.

ولو اشتبه عليه الغيبوبة ، وجب عليه الإِمساك ، ويستظهر حتى يتيقّن ،

____________________

(١) البقرة : ١٨٤ و ١٨٥.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) المغني ٣ : ١٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤.

(٤) المغني ٣ : ١٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤.

(٥) البقرة : ١٨٧.

١٤٦

لأصالة البقاء.

ويستحب له تقديم الصلاة على الإِفطار ، إلّا أن يكون هناك مَن ينتظره للإِفطار ، فيقدِّم الإِفطارَ معهم على الصلاة.

سئل الصادقعليه‌السلام عن الإِفطار قبل الصلاة أو بعدها؟ قال : « إن كان معه قوم يخشى أن يحسبهم عن عشائهم فليفطر معهم ، وإن كان غير ذلك فليصلّ وليفطر »(١) .

البحث الثاني: في شرائطه.

وهي قسمان :

الأول : شرائط الوجوب‌

مسألة ٨٩ : يشترط في وجوب الصوم : البلوغ وكمال العقل‌ ، فلا يجب على الصبي ولا المجنون ولا المغمى عليه إجماعاً ، إلّا في رواية عن أحمد : أنّه يجب على الصبي الصوم إذا أطاقه(٢) ، وبه قال عطاء والحسن وابن سيرين والزهري وقتادة والشافعي(٣) .

وقال الأوزاعي : إذا أطاق صوم ثلاثة أيام متتابعات لا يخور(٤) منهن ولا يضعف ، حُمّل(٥) صوم رمضان(٦) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٠١ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٨١ / ٣٦٠ ، التهذيب ٤ : ١٨٥ - ١٨٦ / ٥١٧.

(٢) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥.

(٣) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٢.

(٤) خار الحرّ والرجل : ضعف وانكسر. الصحاح ٢ : ٦٥١.

(٥) في جميع النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية : حل. وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٦) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥.

١٤٧

وقد تقدّم(١) بطلانه.

فلو بلغ الصبي قبل الفجر ، وجب عليه الصوم إجماعاً ، ولو كان بعد الفجر ، لم يجب ، واستحبّ له الإِمساك ، سواء كان مفطراً أو صائماً بلغ بغير المفطر ، ولا يجب عليه القضاء ؛ لقولهعليه‌السلام : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى ينتبه )(٢) .

وقال(٣) : يجب عليه الإِمساك ، ولا يجب عليه القضاء ، لأنّ نية صوم رمضان حصلت ليلاً ، فيجزئه كالبالغ.

ولا يمتنع أن يكون أول الصوم نفلاً وباقية فرضاً ، كما لو شرع في صوم يوم تطوّعاً ثم نذر إتمامه.

وقال بعض الحنابلة : يلزمه القضاء ؛ لأنّه عبادة بدنية بلغ في أثنائها بعد مضيّ بعض أركانها ، فلزمه إعادتها ، كالصلاة والحجّ إذا بلغ بعد الوقوف.

وهذا لأنّه ببلوغه يلزمه صوم جميعه ، والماضي قبل بلوغه نفل ، فلم يجزئ عن الفرض ، ولهذا لو نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم والناذر صائم ، لزمه القضاء(٤) .

وأمّا ما مضى من الشهر قبل بلوغه فلا قضاء عليه ، وسواء كان قد صامه أو أفطره في قول عامة أهل العلم(٥) .

____________________

(١) تقدم في المسألة ٥٧.

(٢) أورده ابن قدامة في المغني ٣ : ٩٤ بتفاوت يسير.

(٣) كذا في جميع النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، وفي الطبعة الحجرية. وفي المعتبر للمحقّق الحلّي : ٣١٢ ، والمنتهى للمصنّف : ٥٩٦ : قال أبو حنيفة. وفي المغني ٣ : ٩٥ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦ : قال القاضي : يتمّ صومه ولا قضاء عليه ؛ مع اتّفاق الدليل المذكور لما في المغني والشرح الكبير ، فلا حظ.

وقد وافق الحكم رأي الأحناف كما في الجامع الصغير للشيباني : ١٣٩ ، والهداية للمرغيناني ١ : ١٢٧ ، والنتف ١ : ١٤٩ ، والاختيار لتعليل المختار ١ : ١٧٧.

(٤) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦.

(٥) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧.

١٤٨

وقال الأوزاعي : يقضيه إن كان أفطره وهو مطيق لصيامه(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه زمن مضى في حال صباه ، فلم يلزمه قضاء الصوم فيه ، كما لو بلغ بعد انسلاخ رمضان.

وإن بلغ الصبي وهو مفطر ، لم يلزمه إمساك ذلك اليوم ولا قضاؤه.

وعن أحمد روايتان في وجوب الإِمساك والقضاء(٢) .

وقال الشافعي : إن كان أفطر ، استحبّ له الإِمساك ، وفي القضاء قولان.

وإن كان صائماً فوجهان : أحدهما : يتمّه استحباباً ، ويقضيه وجوباً ؛ لفوات نية التعيين. والثاني : يتمّه وجوباً ، ويقضيه استحباباً(٣) .

مسألة ٩٠ : العقل شرط في الصوم‌ ، فلا يجب على المجنون بالإِجماع ، وللحديث(٤) .

ولو أفاق في أثناء الشهر ، وجب عليه صيام ما بقي إجماعاً ، ولا يجب عليه قضاء ما فات حال جنونه - وبه قال أبو ثور والشافعي في الجديد ، وأحمد(٥) - لأنّه معنى يزيل التكليف ، فلم يجب القضاء في زمانه كالصغر.

وقال مالك والشافعي في القديم ، وأحمد في رواية : يجب قضاء ما فات وإن مضى عليه سنون ، لأنّه معنى يزيل العقل ، فلم يمنع وجوب الصوم كالإِغماء(٦) .

والأصل ممنوع.

وقال أبو حنيفة : إن جُنّ جميع الشهر ، فلا قضاء عليه ، وإن أفاق في‌

____________________

(١ و٢ ) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ و ١٧٥.

(٤) تقدم الحديث مع الإِشارة إلى مصادره في المسألة السابقة (٨٩).

(٥) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٤.

(٦) المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ ، المجموع ٦ : ٢٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣.

١٤٩

أثنائه ، قضى ما مضى(١) .

ولو تجدّد الجنون في أثناء النهار ، بطل صوم ذلك اليوم.

ولو أفاق قبل طلوع الفجر ، وجب عليه صيامه إجماعاً ، وإن أفاق في أثنائه ، أمسك بقية النهار استحباباً لا وجوباً ، وحكم المغمى عليه حكم المجنون.

مسألة ٩١ : الإِسلام شرط في صحة الصوم لا في وجوبه‌.

ولو أسلم في أثناء الشهر ، وجب عليه صيام الباقي دون الماضي - وبه قال الشعبي وقتادة ومالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي(٢) - لقولهعليه‌السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله)(٣) .

وقال عطاء : يجب عليه قضاؤه(٤) . وعن الحسن كالمذهبين(٥) .

وهو غلط ، إلّا أن يكون مرتدّاً ، فيجب عليه القضاء إجماعاً.

واليوم الذي يُسْلم فيه إن كان إسلامه قبل طلوع فجره ، وجب عليه صيامه ، وإن كان بعده ، أمسك استحبابا ، لأنّ عيص بن القاسم روى - في الصحيح - أنّه سأل الصادقعليه‌السلام عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام ، هل عليهم أن يقضوا ما مضى أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ قال : « ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلّا أن يكونوا أسلموا(٦) قبل طلوع الفجر »(٧) .

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٥٤ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣.

(٢) المغني ٣ : ٩٥ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٩.

(٣) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ و ٢٠٤ بتفاوت.

(٤ و ٥ ) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦.

(٦) في الطبعة الحجرية والفقيه زيادة : « فيه ».

(٧) الكافي ٤ : ١٢٥ ( باب من أسلم في شهر رمضان ) الحديث ٣ ، الفقيه ٢ : ٨٠ / ٣٥٧ التهذيب ٤ : ٢٤٥ - ٢٤٦ / ٧٢٨ ، الاستبصار ٢ : ١٠٧ / ٣٤٩.

١٥٠

وقال أحمد : يجب عليه إمساكه - وبه قال إسحاق - لأنّه أدرك جزءاً من وقت العبادة فلزمته ، كما لو أدرك جزءاً من وقت الصلاة(١) .

والأصل ممنوع. ووافقنا مالك وأبو ثور وابن المنذر.

ولو طرأ الكفر في آخر النهار ، بطل الصوم.

مسألة ٩٢ : السلامة من المرض شرط في الصحة‌ ، فلو كان المريض يتضرّر بالصوم ، لم يصح منه.

وحدّ المرض الذي يجب معه الإِفطار : ما يزيد في مرضه لو صام ، أو يتباطأ البُرء معه لو صام عند أكثر العلماء.

وحكي عن قوم لا عبرة بهم : إباحة الفطر بكلّ مرض ، سواء زاد في المرض أو لم يزد ، لعموم قوله تعالى( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ) (٢) (٣) .

وهو مخصوص ، كتخصيص السفر بالطاعة ، وقد سئل الصادقعليه‌السلام عن حدّ المرض الذي يفطر صاحبه ، والمرض الذي يدع صاحبه الصلاة(٤) ، فقال( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) (٥) وقال : « ذلك اليه هو أعلم بنفسه »(٦) .

وكلّ الأمراض مساوية في هذا الحكم ، سواء كان وجع الرأس أو حُمى ولو حُمّى يوم ، أو رمد العين وغير ذلك ، فإن صامه مع حصول الضرر به ، لم يجزئه ، ووجب عليه القضاء ، لأنّه منهي عنه ، والنهي في العبادة(٧) يدلّ على الفساد ؛ لقوله تعالى :( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ

____________________

(١) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦.

(٢) البقرة : ١٨٤.

(٣) المغني ٣ : ٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨.

(٤) في الكافي والاستبصار زيادة : قائماً. وفي التهذيب : من قيام.

(٥) القيامة : ١٤.

(٦) الكافي ٤ : ١١٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٥٦ / ٧٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١١٤ / ٣٧١.

(٧) في الطبعة الحجرية : العبادات.

١٥١

عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (١) والتفصيل قاطع للشركة.

وقال بعض العامة : إذا تكلّف ، صحّ صومه وإن زاد في مرضه وتضرّر به(٢) . وليس بجيّد.

أمّا الصحيح الذي يخشى المرض بالصوم ، فإنّه لا يباح له الإِفطار. وكذا لو كان عنده شهوة غالبة للجماع يخاف أن تنشقّ اُنثياه.

ولو خافت المستحاضة من الصوم التضرّر ، أفطرت ؛ لأنّ الاستحاضة مرض.

ولو جَوّزنا لصاحب الشبق المضرّ به ، الإِفطار ، وأمكنه استدفاع ذلك بما لا يبطل منه الصوم، وجب عليه ذلك.

فإن لم يمكنه إلّا بإفساد الصوم ، فإشكال ينشأ : من تحريم الإِفطار لغير سبب ، ومن مراعاة مصلحة بقاء النفس على السلامة ، كالحامل والمرضع ، فإنّهما يفطران خوفاً على الولد ، فمراعاة النفس أولى.

ولو كان له امرأتان : حائض وطاهر ، واضطرّ الى وطء إحداهما ، وجوّزنا له ذلك ، فالوجه وطء الطاهر ؛ لأنّ الله تعالى حرّم وطء الحائض(٣) .

وقال بعض العامة : يتخيّر. وليس شيئاً.

وكذا لو أمكنه استدفاع الأذى بفعل محرَّم كالاستمناء باليد ، لم يجز ، خلافاً لبعضهم(٤) .

مسألة ٩٣ : الإِقامة أو حكمها شرط في الصوم الواجب عدا ما استثني‌ ، فلا يجب الصوم على المسافر سفراً مخصوصاً بإجماع العلماء.

____________________

(١) البقرة : ١٨٥.

(٢) المغني ٣ : ٨٨ - ٨٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨ - ١٩.

(٣) البقرة : ٢٢٢.

(٤) المغني ٣ : ٨٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩.

١٥٢

قال الله تعالى( وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (١) والتفصيل قاطع للشركة ، فكما أنّ الحاضر يلزمه الصوم فرضا لازماً ، كذا المسافر يلزمه القضاء فرضاً مضيّقاً ، وإذا وجب عليه القضاء مطلقا ، سقط عنه فرض الصوم.

وروى العامة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( إنّ الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة )(٢) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن قوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٣) قال : « ما أبينها من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فلو صام المسافر في سفره المبيح للقصر ، لم يجزئه إن كان عالماً عند علمائنا أجمع ، وكان مأثوماً - وبه قال أبو هريرة وستّة من الصحابة ، وأهل الظاهر(٥) . قال أحمد : كان عمر وأبو هريرة يأمران المسافر بإعادة ما صامه في السفر(٦) . وروى الزهري عن أبي سلمة عن أبيه عبد الرحمن بن عوف ، أنّه قال : الصائم في السفر كالمفطر في الحضر(٧) - لقوله تعالى( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٨) أوجب عدّةً من أيام اُخر ، فلم يجز صوم‌

____________________

(١) البقرة : ١٨٥.

(٢) سنن النسائي ٤ : ١٨١ و ١٨٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٩٤ - ٧١٥ ، سنن البيهقي ٣ : ١٥٤ ، ومسند أحمد ٥ : ٢٩.

(٣) البقرة : ١٨٥.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٦ ( باب كراهية الصوم في السفر ) الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ٩١ / ٤٠٤ ، التهذيب ٤ : ٢١٦ / ٦٢٧.

(٥) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩ ، المحلّى ٦ : ٢٤٣ ، المجموع ٦ : ٢٦٤ والخلاف للشيخ الطوسي ٢ : ٢٠١ ، المسألة ٥٣ ، والمعتبر للمحقق الحلّي : ٣١٢.

(٦) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩.

(٧) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩ ، وسنن النسائي ٤ : ١٨٣.

(٨) البقرة : ١٨٤ و ١٨٥.

١٥٣

رمضان في السفر.

وما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( ليس من البر الصيام في السفر )(١) .

وقالعليه‌السلام : ( الصائم في السفر كالمفطر في الحضر )(٢) .

وأفطرصلى‌الله‌عليه‌وآله في السفر ، فلمـّا بلغه أنّ قوماً صاموا ، قال : ( اُولئك العصاة )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « لو أنّ رجلاً مات صائماً في السفر ما صلّيت عليه »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « الصائم في شهر رمضان في السفر كالمفطر فيه في الحضر »(٥) .

وقال باقي العامة : إنّ صومه جائز(٦) . واختلفوا في الأفضل.

فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي والثوري وأبو ثور : إنّ الصوم في السفر أفضل من الإِفطار(٧) .

____________________

(١) المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٣٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٢ / ١٦٦٤ و ١٦٦٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٧ - ٢٤٠٧ ، سنن النسائي ٤ : ١٧٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٢.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٢ / ١٦٦٦ بتفاوت.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٥ / ١١١٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٨٩ - ٩٠ / ٧١٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٦.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٨ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٩١ / ٤٠٥ ، التهذيب ٤ : ٢١٧ / ٦٢٩.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٧ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٩٠ / ٤٠٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٧ / ٦٣٠.

(٦) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩ ، المجموع ٦ : ٢٦٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٥ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٥٩ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٧٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢١.

(٧) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٦ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٧٦ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٥٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٠١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦١ و ٢٦٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٢٩.

١٥٤

وقال أحمد والأوزاعي وإسحاق : الإِفطار أفضل - وبه قال عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر(١) - لما روت عائشة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لحمزة الأسلمي وقد سأله عن الصوم في السفر : ( إن شئت فصم وإن شئت فأفطر )(٢) .

وقال أنس : سافرنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فصام بعضنا وأفطر بعضنا ، فلم يَعِبِ الصائمُ على المـُفطر ولا المـُفطرُ على الصائم(٣) .

ولأنّ الإِفطار في السفر رخصة ، ومن رخص له الفطر جاز له أن يتحمّل المشقة بالصوم كالمريض.

والحديثان لو صحّا ، حملا على صوم النافلة ؛ جمعاً بين الأدلّة.

والتخيير ينافي الأفضلية وقد اتّفقوا على أفضلية أحدهما وإن اختلفوا في تعيينه.

ونمنع الحكم في المريض فيبطل(٤) القياس.

تذنيب : لو صام مع علمه بوجوب القصر ، كان عاصياً‌ ؛ لما تقدّم ، وتجب عليه الإِعادة ؛ لأنّه منهي عن الصوم ، والنهي في العبادة يدلّ على الفساد.

أمّا لو صام رمضان في السفر جاهلاً بالتحريم ، فإنّه يجزئه الصوم ، لأنّه معذور.

ولأنّ الحلبي سأل الصادقعليه‌السلام : قلت له : رجل صام في السفر ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠ ، المجموع ٦ : ٢٦٥ - ٢٦٦.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨٩ / ١١٢١ ، سنن الترمذي ٣ : ٩١ / ٧١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣١ / ١٦٦٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٨ - ٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٣.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٤٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨٧ / ١١١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٦ / ٢٤٠٥ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٤.

(٤) في « ط ، ن » : فبطل.

١٥٥

فقال : « إن كان بلغه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن ذلك ، فعليه القضاء ، وإن لم يكن بلغه ، فلا شي‌ء عليه »(١) وغير ذلك من الأخبار.

مسألة ٩٤ : وإنّما يترخّص المسافر إذا كان سفره سفر طاعة ، أو مباحاً‌ ، فإن كان سفر(٢) معصية أو لصيد لهو وبطر ، لم يجز له الإِفطار عند علمائنا أجمع ، لأنّ في رخصة الإِفطار إعانةً له على المعصية وتقوية له عليها.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « من سافر قصَّر وأفطر ، إلّا أن يكون رجلاً سفره في الصيد أو في معصية الله ، أو رسولاً لمن يعصي الله ، أو في طلب شحناء(٣) ، أو سعاية ضرر على قوم من المسلمين »(٤) .

وجاء رجلان الى الرضاعليه‌السلام بخراسان ، فسألاه عن التقصير ، فقال لأحدهما : « وجب عليك التقصير لأنّك قصدتني » وقال للآخر : « وجب عليك التمام لأنّك قصدت السلطان »(٥) .

إذا ثبت هذا فإنّما يجوز التقصير في مسافة القصر ، وهي : بريدان : ثمانية فراسخ ، لقول الصادقعليه‌السلام في التقصير : « حدّه أربعة وعشرون ميلاً »(٦) .

وسئل الصادقعليه‌السلام في كم يقصّر الرجل؟ فقال : « في بياض يوم أو بريدين »(٧) وقد تقدّم ذلك في كتاب الصلاة(٨) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٨ ( باب من صام في السفر بجهالة ) الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ٩٣ / ٤١٧ ، التهذيب ٤ : ٢٢٠ - ٢٢١ / ٦٤٣.

(٢) في « ف » والطبعة الحجرية : سفره.

(٣) الشحناء : العداوة. لسان العرب ١٣ : ٢٣٤.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٩ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٢٠ / ٦٤٠.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٢٠ / ٦٤٢ ، الاستبصار ١ : ٢٣٥ / ٨٣٨.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٢١ / ٦٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ / ٧٨٨.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٢٢ / ٦٥١ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ / ٧٨٩.

(٨) تقدم في ج ٤ ص ٣٦٩ المسألة ٦١٨.

١٥٦

وإنّما يجوز التقصير إذا قصد المسافة ، فالهائم لا يترخّص وإن سار أكثر من المسافة ، وقد تقدّم(١) .

ولو نوى المسافر الإِقامة في بلدة عشرة أيام ، وجب عليه التمام ، وانقطع سفره.

ومن كان سفره أكثر من حضره لا يجوز له الإِفطار ؛ لأنّ وقته مشغول بالسفر ، فلا مشقة له فيه.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « المكاري والجمّال الذي يختلف وليس له مقام ، يتمّ الصلاة ويصوم شهر رمضان »(٢) .

ولو أقام أحدهم في بلده عشرة أيام ، أو أقام العشرة في غير بلده مع العزم على إقامتها ، وجب عليهم التقصير إذا خرجوا بعد العشرة ، لأنّ بعض رجال يونس سأل الصادقعليه‌السلام عن حدّ المكاري الذي يصوم ويُتمّ ، قال : « أيّما مُكارٍ أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقلّ من مقام عشرة أيام وجب عليه الصيام والتمام أبداً ، وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير والإِفطار »(٣) .

ولو تردّد في السفر ولم يَنو المقام عشرة أيام ، وكان ممّن يجب عليه التقصير في السفر ، وجب عليه التقصير الى شهر ثم يتمّ بعد ذلك.

مسألة ٩٥ : شرائط قصر الصلاة هي شرائط قصر الصوم‌ ، لقول الصادقعليه‌السلام : « ليس يفترق التقصير والإِفطار ، فمن قصّر فليفطر »(٤) .

____________________

(١) تقدّم في ج ٤ ص ٣٧٤ المسألة ٦٢٢.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٨ ( باب من لا يجب له الإِفطار والتقصير ) الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢١٨ / ٦٣٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١٩ / ٦٣٩ ، الاستبصار ١ : ٢٣٤ / ٨٣٧.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٢٨ / ١٠٢١.

١٥٧

وهل يشترط تبييت النية من الليل؟ قال الشيخرحمه‌الله : نعم ، فلو بيّت نيته على السفر من الليل ثم خرج أيّ وقت كان من النهار ، وجب عليه التقصير والقضاء. ولو خرج بعد الزوال ، أمسك وعليه القضاء.

وإن لم يبيّت نيته من الليل ، لم يجز له التقصير ، وكان عليه إتمام ذلك اليوم ، وليس عليه قضاؤه أيّ وقت خرج ، إلّا أن يكون قد خرج قبل طلوع الفجر ، فإنّه يجب عليه الإِفطار على كلّ حال.

ولو قصّر ، وجب عليه القضاء والكفّارة(١) .

وقال المفيدرحمه‌الله : المعتبر خروجه قبل الزوال ، فإن خرج قبله ، لزمه الإِفطار ، فإن صامه ، لم يجزئه ، ووجب عليه القضاء ، ولو خرج بعد الزوال ، أتمّ ، ولا اعتبار بالنية. وبه قال أبو الصلاح(٢) .

وقال السيد المرتضىرحمه‌الله : يفطر ولو خرج قبل الغروب(٣) - وهو قول علي بن بابويه(٤) رحمه‌الله - ولم يعتبر التبييت.

والمعتمد : قول المفيدرحمه‌الله ؛ لقوله تعالى( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٥) وهو يتناول بعمومه من خرج قبل الزوال بغير نية.

ومن طريق العامة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج من المدينة عام‌

____________________

(١) النهاية : ١٦١ - ١٦٢ ، وحكاه أيضاً ابن إدريس في السرائر : ٨٩.

(٢) حكاه عنهما المحقق في المعتبر : ٣١٩ ، وعن المفيد ، ابن إدريس في السرائر : ٨٩ ، وراجع : المقنعة : ٥٦ ، والكافي في الفقه : ١٨٢.

(٣) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٥ - ٥٦ حيث قال : شروط السفر الذي يوجب الإِفطار ولا يجوز معه صوم شهر رمضان في المسافة وغير ذلك هي الشروط التي ذكرناها في كتاب الصلاة ، الموجبة لقصرها. وهو يشعر بما نسب اليه.

وحكاه عنه أيضاً الفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٣١٠.

(٤) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر : ٨٩ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٣١٠.

(٥) البقرة : ١٨٤.

١٥٨

الفتح ، فلمّا بلغ الى كُراع الغَمِيمِ(١) أفطر(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه الحلبي عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم ، قال : « إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ يومه »(٣) .

ولأنّه إذا خرج قبل الزوال ، صار مسافراً في معظم ذلك النهار ، فاُلحق بالمسافر في جميعه ، ولهذا اعتبرت النية فيه لناسيها ، وأمّا بعد الزوال فإنّ معظم النهار قد انقضى على الصوم ، فلا يؤثّر فيه السفر المتعقّب ، كما لم يعتدّ بالنية فيه.

احتجّ الشيخرحمه‌الله : بقول الكاظمعليه‌السلام في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال : « إذا حدّث نفسه بالليل في السفر ، أفطر إذا خرج من منزله ، وإن لم يحدّث نفسه من الليل ثم بدا له في السفر من يومه ، أتمّ صومه »(٤) .

وفي الطريق ضعف ، مع احتمال أن يكون عزم السفر تجدّد بعد الزوال.

احتجّ السيد : بقوله تعالى( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ ) (٥) وهو عام في صورة النزاع.

____________________

(١) كراع الغميم : موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة : وهو واد أمام عُسفان بثمانية أميال.

معجم البلدان ٤ : ٤٤٣.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٥ / ١١١٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٨٩ - ٩٠ / ٧١٠ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٤٦ نقلاً بالمعنى.

(٣) الكافي ٤ : ١٣١ / ١ ، الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤١٢ ، التهذيب ٤ : ٢٢٨ - ٢٢٩ / ٦٧١ ، الاستبصار ٢ : ٩٩ / ٣٢١.

(٤) الاستبصار ٢ : ٩٨ / ٣١٩ ، التهذيب ٤ : ٢٢٨ / ٦٦٩.

(٥) البقرة : ١٨٤.

١٥٩

وبما رواه عبد الأعلى في الرجل يريد السفر في شهر رمضان ، قال : « يفطر وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل »(١) .

والآية مخصوصة بالخبر الذي رويناه. والحديث ضعيف السند ومقطوع.

وأمّا العامة فنقول : المسافر عندهم لا يخلو من أقسام ثلاثة :

أحدها : أن يدخل عليه شهر رمضان وهو في السفر ، فلا خلاف بينهم في إباحة الفطر له(٢) .

الثاني : أن يسافر في أثناء الشهر ليلاً ، فله الفطر في صبيحة الليلة التي يخرج فيها وما بعدها في قول عامة أهل العلم(٣) .

وقال عبيدة السلماني وأبو مجلز وسويد بن غفلة : لا يفطر مَن سافر بعد دخول الشهر ؛ لقوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) وهذا قد شهده(٤) .

ولا حجّة فيها ؛ لأنّها متناولة لمن شهد الشهر كلّه ، وهذا لم يشهده كلّه.

ويعارض بما روى ابن عباس ، قال : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى بلغ الكديد(٥) فأفطر وأفطر الناس(٦) .

الثالث : أن يسافر في أثناء اليوم من رمضان ، فحكمه في اليوم الثاني حكم مَن سافر ليلاً.

وفي إباحة فطر اليوم الذي سافر فيه قولان :

أحدهما : أنّه لا يجوز له فطر ذلك اليوم - وهو قول مكحول والزهري ويحيى الأنصاري ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٢٩ / ٦٧٤ ، الإستبصار ٢ : ٩٩ - ١٠٠ / ٣٢٤.

(٤-٢) المغني ٣ : ٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١ ، والآية ١٨٤ من سورة البقرة.

(٥) الكديد : موضع بالحجاز على اثنين وأربعين ميلاً من مكة. معجم البلدان ٤ : ٤٤٢.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨٤ / ١١١٣.

١٦٠

إحدى الروايتين(١) - لأنّ الصوم عبادة تختلف بالسفر والحضر ، فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر كالصلاة.

والفرق : أنّ الصلاة يلزمه إتمامها بنيته ، بخلاف الصوم.

والثاني : أنّه يفطر - وهو قول الشعبي وإسحاق وداود وابن المنذر وأحمد في الرواية الثانية(٢) - للرواية(٣) .

ولأنّ السفر معنى لو وجد ليلاً واستمرّ في النهار ، لأباح الفطر ، فإذا وجد في أثنائه أباحه كالمرض.

مسألة ٩٦ : ولا يجوز له الفطر حتى يتوارى عنه جدران بلده ويخفى عنه أذان مصره‌ ؛ لأنّه إنّما يصير ضارباً في الأرض(٤) بذلك ، وهو قول أكثر العامة(٥) .

وقال الحسن البصري : يفطر في بيته إن شاء يوم يريد أن يخرج(٦) . وروي نحوه عن عطاء(٧) .

روى محمد بن كعب قال : أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفراً وقد رُحِلَت له راحلته ولبس ثياب السفر ، فدعا بطعام فأكل ، فقلت له : سنّة؟ فقال : سنّة ؛ وركب(٨) .

مسألة ٩٧ : لو نوى المسافر الصوم في سفره ، لم يجز عندنا‌ ؛ لأنّه محرّم ، وعند العامة يجوز(٩) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢.

(٢) المغني ٣ : ٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢.

(٣) وهي - على ما في المغني ٣ : ٣٤ والشرح الكبير ٣ : ٢٣ - ما أورده أبو داود في سننه ج ٣ ص ٣١٨ ، الحديث ٢٤١٢.

(٤) إشارة الى الآية ١٠١ من سورة النساء.

(٧-٥) المغني ٣ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣.

(٨) سنن الترمذي ٣ : ١٦٣ / ٧٩٩.

(٩) راجع : المغني ٣ : ٣٥ ، والشرح الكبير ٣ : ١٩ ، والمجموع ٦ : ٢٦٤ ، وفتح العزيز ٦ : ٤٢٨.

١٦١

وعندنا إنّما يجوز إذا نوى المقام عشرة أيام ، فلو نوى المقام ، لزمه الصوم.

فإن نوى المقام قبل الزوال ولم يكن قد تناول المفطر ، وجب عليه تجديد نية الصوم وإتمامه ، وأجزأ عنه.

ولو نوى بعد الزوال أو كان قد تناول ، أمسك مستحباً ، وكان عليه القضاء.

ومن سوّغ الصوم في السفر - وهم العامّة - لو نوى الصوم في سفره ثم بدا له أن يفطر ، فله ذلك عند أحمد(١) (٢) .

وللشافعي قولان ، فقال مرة : لا يجوز له الفطر. وقال اُخرى : إن صحّ حديث الكديد ، لم أر به بأساً أن يفطر(٣) .

وعنى بحديث الكديد ، الحديث الذي رواه ابن عباس ، قال : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى بلغ الكديد فأفطر وأفطر الناس(٤) .

وقال مالك : إن أفطر ، فعليه القضاء والكفّارة ؛ لأنّه أفطر في صوم(٥) رمضان فلزمه ذلك ، كما لو كان حاضراً(٦) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ له أن يفطر عندهم بالأكل والشرب وغيرهما ، إلّا الجماع ففيه قولان : أحدهما : ليس له ذلك. والثاني : الجواز.

وعلى القول الأول هل تجب الكفّارة؟ عن أحمد روايتان : إحداهما : أنّه لا كفّارة عليه - وهو مذهب الشافعي - لأنّه صوم لا يجب المضيّ فيه ، فلم‌

____________________

(١) ورد في الطبعة الحجرية بدل عند أحمد : عنده. و : عند أحمد خ ل.

(٢) المغني ٣ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢.

(٣) المغني ٣ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢ ، المجموع ٦ : ٢٦٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٢٨.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في صفحة ١٥٩ ، الهامش (٦).

(٥) ورد في الطبعة الحجرية بدل صوم : شهر. و : صوم. خ ل.

(٦) المغني ٣ : ٣٥ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٢.

١٦٢

تجب الكفّارة بالجماع فيه ، كالتطوّع.

والثانية : أنّه تجب عليه الكفّارة ؛ لأنّه أفطر بجماع ، فلزمته الكفّارة ، كالحاضر.

والفرق : أنّ الحاضر يجب عليه المضيّ في الصوم ، ولأنّ حرمة الجماع وغيره بالصوم ، فتزول بزواله ، كما لو زالت بمجي‌ء الليل(١) .

مسألة ٩٨ : وليس للمسافر أن يصوم في رمضان عن غيره كالنذر والقضاء‌ ؛ لأنّ الفطر اُبيح رخصةً وتخفيفاً عنه ، فلا يجوز له الإِتيان بما خُفّف عنه ، كالتمام والقصر في الصلاة.

وكذا ليس للحاضر أن يصوم غير رمضان فيه ؛ لأنّه زمان لا يقع فيه غيره.

فإذا نوى المسافر الصوم في شهر رمضان للنذر أو القضاء ، لم يصح صومه عن رمضان ولا عمّا نواه ، لأنّه أبيح له الفطر للعذر ، فلم يجز له أن يصومه عن غير رمضان كالمريض ، وهذا قول أكثر العلماء(٢) .

وقال أبو حنيفة : يقع ما نواه إذا كان واجباً ؛ لأنّه زمن اُبيح له الفطر فيه ، فكان له صومه عن واجب عليه كغير رمضان(٣) .

وينتقض : بصوم التطوّع.

مسألة ٩٩ : لو قدم المسافر أو بري‌ء المريض وكانا قد أفطرا ، استحب لهما الإِمساك بقية النهار‌ ، وليس واجباً عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ومالك وأبو ثور وداود(٤) - لأنّه اُبيح له الإِفطار باطناً وظاهراً في أول النهار ، فإذا أفطر ، كان له أن يستديمه الى آخر النهار ، كما لو بقي العذر.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٦.

(٢) المغني ٣ : ٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١ - ٢٢ ، المجموع ٦ : ٢٦٣.

(٣) المغني ٣ : ٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢ ، المجموع ٦ : ٢٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧ ، وبدائع الصنائع ٢ : ٨٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٥ ، المغني ٣ : ٧٤ - ٧٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٧.

١٦٣

ولأنّ الصوم غير قابل للتبعيض وقد أفطر في أول النهار فلا يصح صوم الباقي.

وإنّما استحب الإِمساك تشبّهاً بالصائمين ؛ لأنّ محمد بن مسلم سأل الصادقعليه‌السلام عن الرجل يقدم من سفره بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض أيُواقعها؟ قال : « لا بأس به »(١) .

وأمّا استحباب الإِمساك : فلأنّ سماعة سأله عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس وقد أكل ، قال : « لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئاً ، ولا يواقع في شهر رمضان إن كان له أهل»(٢) .

وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي : لا يجوز لهم أن يأكلوا في بقية النهار - وعن أحمد روايتان(٣) - لأنّه معنى لو طرأ قبل طلوع الفجر لوجب الصوم ، فإذا طرأ بعد الفجر وجب الإِمساك كقيام(٤) البيّنة أنّه من رمضان(٥) .

والفرق : جواز الإِفطار باطناً وظاهراً هنا ، فإذا أفطر كان له استدامته ، بخلاف البيّنة ؛ لأنّه لم يكن له الفطر باطناً ، فلمّا انكشف له خطأه حرم عليه الإِفطار.

وكذا البحث في كلّ مفطر كالحائض إذا طهرت ، والطاهر إذا حاضت ، والصبي إذا بلغ ، والكافر إذا أسلم.

مسألة ١٠٠ : لو قدم المسافر قبل الزوال أو برئ المريض كذلك ولم يكونا قد تناولا شيئاً‌ ، وجب عليهما الإِمساك بقية اليوم ، وأجزأهما عن‌

____________________

(١) الاستبصار ٢ : ١٠٦ / ٣٤٧ و ١١٣ / ٣٧٠ ، التهذيب ٤ : ٢٤٢ / ٧١٠ و ٢٥٤ / ٧٥٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٣٢ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٢٥٣ - ٢٥٤ - ٧٥١ ، الإستبصار ٢ : ١١٣ / ٣٦٨.

(٣) المغني ٣ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ ، و ٦٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥.

(٤) ورد في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، وفي الطبعة الحجرية بدل كقيام : لقيام.

والصحيح - كما هو موافق لما في المغني - ما أثبتناه.

(٥) المغني ٣ : ٧٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٧ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥. حلية العلماء ٣ : ١٧٦.

١٦٤

رمضان ، ولو كان بعد الزوال أمسكا استحباباً ، وقضيا عند علمائنا ؛ لأنّه قبل الزوال يتمكّن من أداء الواجب على وجه يؤثّر النية في ابتدائه فوجب الصوم ، والإِجزاء مُخرج عن العهدة ، وأمّا بعد الزوال : فلفوات محل النية ، فلا يجب بالصوم ، لعدم شرطه ؛ واستحباب الإِمساك لحرمة الزمان.

ولأنّ أحمد بن محمد سأل أبا الحسنعليه‌السلام عن رجل قدم من سفره في شهر رمضان ولم يطعم شيئاً قبل الزوال ، قال : « يصوم »(١) .

وسأله أبو بصير عن الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان ، فقال : « إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صوم ذلك اليوم ويعتدّ به »(٢) .

مسألة ١٠١ : لو علم المسافر أنّه يصل الى بلده أو موضع إقامته قبل الزوال ، جاز له الإِفطار‌ - ولو أمسك حتى يدخل ويتم صومه كان أفضل ، وأجزأه - لأنّ السفر المبيح للإِفطار موجود ، والمانع مفقود بالأصل.

ولما رواه رفاعة - في الحسن - أنّه سأل الصادقعليه‌السلام عن الرجل يصل(٣) في شهر رمضان من سفر حتى يرى أنّه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار ، قال : « إذا طلع الفجر وهو خارج لم يدخل فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر »(٤) .

وأما أولوية الصوم : فلحرمة الوقت ، ولاشتماله على المسارعة إلى فعل الواجب.

مسألة ١٠٢ : الخلوّ من الحيض والنفاس شرط في الصوم بإجماع العلماء‌.

ولو زال عذرهما في أثناء النهار ، لم يصح لهما صوم وإن كان بعد الفجر‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٣٢ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٢٥٥ / ٧٥٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٥٥ / ٧٥٤.

(٣) في الكافي : يقدم ، بدل يصل. وفي الفقيه والتهذيب : يقبل.

(٤) الكافي ٤ : ١٣٢ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٣ / ٤١٤ ، التهذيب ٤ : ٢٥٥ - ٢٥٦ / ٧٥٦.

١٦٥

بزمان يسير جدّاً ، لكن يستحب لهما الإِمساك ويجب عليهما القضاء - وهو قول عامة أهل العلم(١) - لأنّ الوجوب سقط عنهما ظاهراً وباطناً ، فلا يجب الإِمساك.

وقال أبو حنيفة : يجب كما لو قامت البيّنة(٢) ؛ وقد سلف(٣) .

ولو تجدّد عذرهما بعد طلوع الفجر وإن كان قبل الغروب بزمان يسير جدّاً وجب عليهما الإِفطار والقضاء بالإِجماع.

تنبيهٌ :

قيل : الصوم يجب على الحائض والنفساء‌ ، ولهذا وجب القضاء عليهما مع أنّه محرَّم(٤) .

وهو خطأ ؛ للتنافي بين الحكمين ، نعم سبب الوجوب قائم في حقهما ولم يثبت الوجوب لمانع ، والقضاء بأمر جديد.

القسم الثاني : في شرائط وجوب القضاء(٥) .

مسألة ١٠٣ : يشترط في وجوب القضاء : الفوات حالة البلوغ‌ ، فلو فات الصبي الذي لم يبلغ في شهر رمضان ، لم يجب عليه القضاء بعد بلوغه ، سواء كان مميّزاً أو غير مميّز ، بإجماع العلماء ، لأنّ الصبي ليس محلّ الخطاب بالأداء ، فلا يجب عليه القضاء ، ولا نعلم فيه خلافاً ، إلّا من الأوزاعي ؛ فإنّه‌

____________________

(١) راجع : الشرح الكبير ٣ : ١٧ ، والمجموع ٦ : ٢٥٧.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٢ ، المجموع ٦ : ٢٥٧ ، المغني ٣ : ٧٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٦.

(٣) سلف في المسألة ٩٩.

(٤) راجع : المجموع ٢ : ٣٥٥ ، وفتح العزيز ٢ : ٤٢٠.

(٥) في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : شرائط القضاء.

١٦٦

قال : يقضيه إن كان قد أفطر وهو قادر على الصوم(١) .

وكذا اليوم الذي بلغ فيه لا يجب عليه قضاؤه ؛ لمضيّ جزء منه لا يصح تكليفه بالصوم فيه ، فيكون الباقي كذلك ؛ لعدم قبوله للتجزّي ، ولا فرق بين أن يصوم اليوم الذي بلغ فيه أو لا ، وبه قال أبو حنيفة(٢) .

وللشافعي قولان ، أحدهما : أنّه يجب قضاؤه وإن كان صائماً. والثاني: لا يجب قضاؤه إذا(٣) كان مفطراً ؛ لأنّه يجب عليه صوم باقية لبلوغه ، وتعذّر عليه صومه ؛ للإِفطار ، وقضاؤه منفرداً ، فوجب أن يكمل صوم يوم ليتوصّل إلى صوم ما وجب عليه ، كما إذا عدل الصوم بالإِطعام ، فبقي نصف مُدّ ، فإنّه يصوم يوماً كاملاً(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّا نمنع وجوب صوم باقية.

مسألة ١٠٤ : كمال العقل شرط في القضاء‌ ، فلو فات المجنون شهر رمضان ثم أفاق ، لم يجب عليه قضاؤه عند علمائنا - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٥) - لأنّه ليس محلّاً للتكليف ، فلا يجب عليه الأداء ، فلا يجب عليه تابعه ، وهو : القضاء.

وقال مالك : يجب عليه القضاء. وبه قال بعض الشافعية - وعن أحمد‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧.

(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٨.

(٣) في الطبعة الحجرية : وإن ، بدل إذا.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٨ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٨ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦.

١٦٧

روايتان(١) - لأنّ الجنون معنى يزيل العقل ، فلا ينافي وجوب الصوم ، كالإِغماء(٢) .

ونمنع حكم الأصل ، والفرق : أنّ الإِغماء مرض قد يلحق الأنبياء ، بخلاف الجنون المزيل للتكليف لنقص فيه.

فإن أفاق في أثناء الشهر ، لم يقض ما فاته حال جنونه ولا اليوم الذي يفيق فيه ، إلّا أن يكون أفاق قبل الفجر - وبه قال الشافعي في أحد الوجهين(٣) - لأنّ الجنون مزيل للخطاب والتكليف ، فسقط قضاء ما فات من بعض الشهر ، كما لو فات جميعه.

وقال أبو حنيفة : يجب قضاء ما فات ؛ لأنّ الجنون لا ينافي الصوم(٤) .

وهو ممنوع بخلاف الإِغماء.

وقال محمد بن الحسن : إذا بلغ مجنوناً ثم أفاق في أثناء الشهر ، فلا قضاء عليه ، أمّا إذا كان عاقلاً بالغاً ثم جُنّ ، قضى ما فاته حالة الجنون ؛ لأنّ بلوغه في الأول لم يتعلّق به التكليف(٥) . ونمنع الأصل.

مسألة ١٠٥ : اختلف علماؤنا في المغمى عليه هل يجب عليه القضاء؟ فالذي نصّ عليه الشيخ –رحمه‌الله - أنّه لا قضاء عليه ، سواء كان مفيقاً في أول الشهر ناوياً للصوم ثم اُغمي عليه ، أو لم يكن مفيقاً ، بل اُغمي‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٩٥ - ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٣.

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٨ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٣.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٤ و ٢٥٦ ، الوجيز ١ : ١٠٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ ، المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦.

(٤) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٨ ، الكتاب بشرح اللباب ١ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٣ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦.

(٥) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٨ - ١٢٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣.

١٦٨

عليه من أول الشهر(١) .

وهو المعتمد ؛ لأنّ مناط التكليف العقل ، والتقدير زواله ، فيسقط التكليف.

ولأنّ أيوب بن نوح كتب إلى الرضاعليه‌السلام ، يسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته أم لا؟ فكتب : « لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة »(٢) .

وللشيخ قول آخر : إنّه إن سبقت منه النيّة ، صحّ صومه ، ولا قضاء عليه ، وإن لم تسبق ، بأن كان مغمى عليه من أول الشهر ، وجب القضاء(٣) - وبه قال المفيد والسيد المرتضى(٤) - لأنّه مريض ، فوجب عليه القضاء كغيره من المرضى ، لأنّ مدّته لا تتطاول غالباً.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « يقضي المغمى عليه ما فاته »(٥) .

ونمنع مساواته للمرض الذي يبقى فيه العقل.

والرواية محمولة على الاستحباب.

وقال الشافعي وأبو حنيفة : يقضي زمان إغمائه مطلقاً. واختلفا في يوم إغمائه ، فقال أبو حنيفة : لا يقضيه ؛ لحصول النية فيه. وقال الشافعي : يقضيه(٦) .

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٤٣ / ٧١١ ، الاستبصار ١ : ٤٥٨ / ١٧٧٥ ، والفقيه ١ : ٢٣٧ / ١٠٤١ ، وفيها عن أبي الحسن الثالثعليه‌السلام .

(٣) الخلاف ٢ : ١٩٨ ، المسألة ٥١ ، وحكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٣١٣.

(٤) المقنعة : ٥٦ ، جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٧ ، وحكاه عنهما المحقّق في المعتبر : ٣١٣.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٤٣ / ٧١٦.

(٦) حكى هذه الأقوال عنهما ، المحقّق في المعتبر : ٣١٣ ، وانظر : المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ و ١٩٢ ، والمجموع ٦ : ٢٥٥ و ٣٤٧ ، والوجيز ١ : ١٠٣ ، وفتح العزيز ٦ : =

١٦٩

مسألة ١٠٦ : الإِسلام شرط في وجوب القضاء‌ ، فلو فات الكافر الأصلي شهر رمضان ثم أسلم ، لم يجب عليه قضاؤه بإجماع العلماء ؛ لقولهعليه‌السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله )(١) .

ولو أسلم في أثناء الشهر ، فلا قضاء عليه لما فات ، عند علمائنا أجمع ، وهو قول عامة العلماء(٢) ، لما تقدّم.

ولقوله تعالى( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) (٣) .

وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، في رجل أسلم في نصف شهر رمضان : « ليس عليه قضاء إلّا ما يستقبل »(٤) .

ولأنّ ما مضى عبادة خرجت في حال كفره ، فلا يجب قضاؤها ، كالرمضان الماضي.

وقال عطاء : عليه القضاء(٥) . وعن الحسن كالمذهبين(٦) .

وأمّا اليوم الذي أسلم فيه ، فإن كان قبل طلوع الفجر ، وجب عليه صيامه ، ولو أفطر ، قضاه وكفّر ، وإن كان بعد الفجر ، أمسك استحباباً ، ولا قضاء عليه ، ولا يجب عليه صيامه ؛ لما تقدّم من أنّ الصوم لا يتبعّض. وكذا كلّ ذي عذر.

وللشافعي وجهان(٧) . وبقولنا أفتى مالك وأبو ثور وابن المنذر(٨) .

____________________

= ٤٣٢ ، والهداية للمرغيناني ١ : ١٢٨ ، والكتاب بشرح اللباب ١ : ١٧٢.

(١) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ ، مشكل الآثار ١ : ٢١١ - ٢١٢ بتفاوت يسير‌

(٢) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦.

(٣) الأنفال : ٣٨.

(٤) أورده المحقق في المعتبر : ٣١٣ ، وبتفاوت يسير في الكافي ٤ : ١٢٥ / ٢ ، والتهذيب ٤ : ٢٤٦ / ٧٢٩ ، والاستبصار ٢ : ١٠٧ / ٣٥٠.

(٥و٦) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦.

(٧) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣.

(٨) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦.

١٧٠

وقال أحمد : يجب عليه الإِمساك ويقضيه(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ عيص بن القاسم روى - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام ، هل عليهم أن يقضوا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ قال : « ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلّا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر »(٢) .

مسألة ١٠٧ : يجب القضاء على المرتدّ ما فاته زمان ردّته‌ - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه ترك فعلاً وجب عليه مع علمه بذلك ، فوجب عليه قضاؤه ، كالمسلم.

وقال أبو حنيفة : لا يجب قضاؤه(٤) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله )(٥) .

والمراد به الأصلي ؛ لأنّه لا يؤخذ بالعبادات حال كفره.

ولا فرق بين أن تكون الردّة باعتقاد ما يوجب الكفر أو بشكّه فيما يكفر بالشك فيه.

ولو ارتدّ بعد عقد الصوم صحيحاً ثم عاد ، قال الشافعي : يفسد صومه(٦) . وهو جيد.

ولو غلب على عقله بشي‌ء من قِبَله ، كشُرْب المسكر والمرقد ، لزمه‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٤٥ - ٢٤٦ / ٧٢٨ ، الاستبصار ٢ : ١٠٧ / ٣٤٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٣ ، الوجيز ١ : ١٠٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤.

(٤) المجموع ٦ : ٢٥٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٢.

(٥) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ ، مشكل الآثار ١ : ٢١١ - ٢١٢ بتفاوت يسير.

(٦) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣١٣.

١٧١

القضاء ولو كان بشي‌ء من قِبَله تعالى ، لم يلزمه.

ولو طُرح في حلق المغمى عليه أو مَنْ زال عقله دواء ، لم يجب عليه القضاء إذا أفاق ، خلافاً للشيخ(١) .

ويستحب للمغمى عليه وللكافر القضاء.

البحث الثالث : في الأحكام‌

مسألة ١٠٨ : مَنْ وجب عليه قضاء ما فاته من أيام رمضان‌ يجب عليه القضاء في السنة التي فاته الصوم فيها ما بينه وبين الرمضان الثاني ، فلا يجوز له تأخيره إلى دخول الرمضان الثاني ، فإذا فاته شي‌ء من رمضان أو جميعه بمرض ، وجب عليه القضاء عند البُرْء وجوباً موسّعاً إلى أن يبقى إلى الرمضان الثاني عدد ما فاته من الأيام.

فإن أخّر القضاء بعد بُرئه وتمكّنه من القضاء حتى دخل الرمضان الثاني ، فإمّا أن يكون تأخيره على وجه التواني أو لا.

فإن كان على وجه التواني ، صام الرمضان الحاضر ، وقضى الأول بالإِجماع ، وكفّر عن كلّ يوم من الفائت بمُدَّيْن ، وأقلّه مُدٌّ ، قاله شيخنا المفيد(٢) رحمه‌الله - وبه قال الشافعي ومالك والثوري وأحمد وإسحاق والأوزاعي ، وهو قول ابن عباس وابن عمر ، وأبي هريرة ، ومجاهد وسعيد بن جبير(٣) - لما رواه العامة عن أبي هريرة ، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أوجب‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٦.

(٢) المقنعة : ٨٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٤ ، المجموع ٦ : ٣٦٦ ، الوجيز ١ : ١٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٧ ، المغني ٣ : ٨٥ - ٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٦ - ٨٧.

١٧٢

عليه إطعام مسكين عن كلّ يوم(١) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام ، عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر ، فقال : « إن كان بري‌ء ثم توانى قبل أن يدركه الصوم الآخر ، صام الذي أدركه ، وتصدّق عن كلّ يوم بمُدّ من طعام على مسكين ، وعليه قضاؤه ، وإن كان لم يتمكّن من قضائه حتى أدركه شهر رمضان ، صام الذي أدركه ، وتصدّق عن الأول لكلّ يوم مدّاً لمسكين ، وليس عليه قضاؤه »(٢) .

وقال ابن إدريس منّا : لا كفّارة عليه - وبه قال أبو حنيفة والحسن البصري والنخعي(٣) - لأصالة براءة الذمة(٤) ، ولأنّه تأخير صوم واجب ، فلا تجب به الكفّارة ، كما لو أخّر القضاء والنذر.

وأصالة البراءة حجّة إذا لم يقم دليل على شغلها ، والأخبار به كثيرة. والقياس باطل عندنا ، خصوصاً إذا عارض النصّ.

مسألة ١٠٩ : ولو ترك القضاء بعد بُرئه غير متهاون به‌ ، بل كان عازماً كلّ وقت على القضاء ويؤخّره لعذر من سفر وشبهه ، وعلى كلّ حال لم يتهاون به ، بل تركه لاُمور عرضت ، ثم عرض مع ضيق الوقت ما يمنعه من القضاء ، كان معذوراً يلزمه القضاء إجماعاً ، ولا كفّارة عليه ؛ لعدم التفريط منه.

ولو استمرّ به المرض من الرمضان الأول إلى الرمضان الثاني ولم يصحّ. فيما بينهما ، صام الحاضر ، وسقط عنه قضاء الأول ، وتصدّق عن كلّ يوم‌

____________________

(١) سنن الدار قطني ٢ : ١٩٧ / ٨٩.

(٢) الكافي ٤ : ١١٩ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥٠ / ٧٤٣ ، الاستبصار ٢ : ١١٠ / ٣٦١ ، وفيها : سألتهما فقالا.

(٣) المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٧ ، المغني ٣ : ٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٧ ، المجموع ٦ : ٣٦٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٩.

(٤) السرائر : ٩٠.

١٧٣

بمُدَّيْن أو بمُدّ ، عند أكثر علمائنا(١) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « فإن كان لم يزل مريضاً حتى أدركه شهر رمضان ، صام الذي أدركه ، وتصدّق عن الأول لكلّ يوم مُدّاً لمسكين ، وليس عليه قضاؤه»(٢) .

ونحوه روى زرارة - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام (٣) .

وقال الصدوق : يقضي الأول ولا كفّارة - وهو قول العامة(٤) - لعموم قوله تعالى( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٥) (٦) .

إذا عرفت هذا ، فحكم ما زاد على رمضانين حكم الرمضانين سواء ، ولو أخّره سنين ، تعدّدت الكفّارة بتعدّد السنين. وللشافعي وجهان(٧) .

ولو استمرّ به المرض إلى أن مات ، سقط القضاء وجوباً لا استحباباً ، ولا كفّارة عند جمهور العلماء(٨) ؛ لأصالة البراءة.

ولأنّ سماعة سأل الصادقعليه‌السلام ، عن رجل دخل عليه شهر رمضان وهو مريض لا يقدر على الصيام ، فمات في شهر رمضان أو في شهر شوّال ، قال : « لا صيام عليه ولا يقضى عنه »(٩) .

____________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٨٦ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذب ١ : ١٩٥ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإِسلام ١ : ٢٠٣.

(٢) الكافي ٤ : ١١٩ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥٠ / ٧٤٣ ، الاستبصار ٢ : ١١٠ / ٣٦١.

(٣) الكافي ٤ : ١١٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٩٥ / ٤٢٩ ، التهذيب ٤ : ٢٥٠ / ٧٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١١١ / ٣٦٢.

(٤) المغني ٣ : ٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٦ ، المجموع ٦ : ٣٦٦.

(٥) البقرة : ١٨٤.

(٦) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣١٤.

(٧) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٤ ، المجموع ٦ : ٣٦٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٢ - ٤٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٧.

(٨) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٤ ، المجموع ٦ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٨ ، المغني ٣ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٧.

(٩) التهذيب ٤ : ٢٤٧ / ٧٣٣ ، الاستبصار ٢ : ١٠٨ / ٣٥٢.

١٧٤

وقال قتادة وطاوس : يجب أن يكفّر عنه عن كلّ يوم إطعام مسكين ؛ لأنّه صوم واجب سقط بالعجز عنه ، فوجب الإِطعام عنه ، كالشيخ الهِمّ إذا ترك الصيام لعجزه(١) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ الشيخ يجوز ابتداءً الوجوب عليه ، بخلاف الميت ، وقولهما مخالف للإِجماع ، فلا عبرة به.

ثم إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحب القضاء عنه.

مسألة ١١٠ : لو برأ من مرضه زماناً يتمكّن فيه من القضاء ولم يقض حتى مات ، قُضي عنه عند علمائنا‌ - وبه قال الشافعي في القديم وأبو ثور(٢) - لما رواه العامة عن ابن عباس ، قال : جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا رسول الله إنّ اُمّي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال : ( لو كان على اُمّك دَيْنٌ كنت قاضيه؟ ) قال : نعم ، قال : ( فدَيْن الله أحقّ أن يقضى)(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام ، في الرجل يموت في شهر رمضان ، قال : « ليس على وليّه أن يقضي عنه ما بقي من الشهر ، وإن مرض فلم يصم رمضان ثم لم يزل مريضا حتى مضى رمضان وهو مريض ثم مات في مرضه ذلك ، فليس على وليّه أن يقضي عنه الصيام ، فإن مرض فلم يصم شهر رمضان ثم صحّ بعد ذلك فلم يقضه ثم مرض فمات ، فعلى وليّه أن يقضي عنه لأنّه قد صحّ فلم يقض ووجب »(٤) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٧ ، المجموع ٦ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٨.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٤ ، المجموع ٦ : ٣٦٨ و ٣٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٨ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٩ ، المغني ٣ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٨ - ٨٩.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٤ / ١٥٥ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٥٥.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٤٩ / ٧٣٩ ، الاستبصار ٢ : ١١٠ / ٣٦٠.

١٧٥

ولأنّ الصوم يدخل في جبرانه المال ، فتدخل النيابة فيه ، كالحج.

وقال الشافعي في الجديد : يطعم عنه كلّ يوم مدّاً ؛ وبه قال أبو حنيفة ومالك والثوري - إلّا أنّ مالكاً يقول : لا يلزم الولي أن يطعم عنه حتى يوصي بذلك - وهو مروي عن ابن عباس وعائشة ، لما رواه ابن عمر : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( مَنْ مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كلّ يوم مسكيناً )(١) .

ولأنّ الصوم لا تدخله النيابة في حال الحياة ، فكذا بعد الموت ، كالصلاة(٢) .

وحديثه موقوف ، ونقول بموجبه ؛ لأنّ الصدقة تجب إذا لم يكن ولي ، وقياسه ممنوع الأصل.

وقال أحمد : إن كان صوم نذر ، صام عنه الولي ، وإن كان صوم رمضان ، أطعم عنه ؛ لأنّ ابن عباس سئل عن رجل مات وعليه نذر صوم شهر ، أو عليه صوم رمضان ، قال : أمّا رمضان فليطعم عنه ، وأمّا النذر فيصام عنه(٣) .

وقول ابن عباس ليس حجّةً ، أو قاله في شخصين لأحدهما وليّ دون الآخر.

مسألة ١١١ : الذي يقضي عن الميت هو أكبر أولاده الذكور‌ ، ويقضي ما فاته من صيام بمرض وغيره إذا تمكّن من قضائه ولم يقضه ، وإن لم يكن له‌

____________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٥٥٨ / ١٧٥٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٩٦ / ٧١٨.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٤ ، المجموع ٦ : ٣٦٨ و ٣٧٢ - ٣٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٨ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٩ - ٣٠٠ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٢ ، المغني ٣ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٨.

(٣) المغني ٣ : ٨٤ - ٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٨ - ٨٩ و ٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٩.

١٧٦

ولد ذكر وكان له إناث ، تصدّق عنه من ماله عن كلّ يوم بمُدَّيْن ، قاله الشيخ(١) رحمه‌الله

وقال المفيدرحمه‌الله : إذا لم يكن إلّا اُنثى ، قضت عنه(٢) .

والوجه : قول الشيخ ؛ لأصالة البراءة.

ولما رواه حمّاد بن عثمان عمّن ذكره عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يموت وعليه دَيْن [ من ](٣) شهر رمضان مَنْ يقضي عنه؟ قال : « أولى الناس به » قلت : فإن كان أولى الناس به امرأة؟ قال : « لا إلّا الرجال »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فلو لم يكن له ولي من الذكور ، قال الشيخرحمه‌الله : يتصدّق عنه عن كلّ يوم بمُدَّيْن ، وأقلّه مُدٌّ(٥) .

والسيد المرتضى -رحمه‌الله - عكس ، فأوجب الصدقة أوّلاً ، فإن لم يكن له مال ، صام عنه وليه(٦) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « فإن صحّ ثم مرض حتى يموت وكان له مال ، تصدّق عنه ، فإن لم يكن له مال ، صام عنه وليه »(٧) .

والمعتمد : قول الشيخ ؛ لأنّ الواجب في الأصل الصوم.

فروع :

أ - لو لم يكن له إلّا ولد واحد ذكر ، وجب عليه القضاء ؛ لأنّه ولي له.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٦.

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣١٥.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٤ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٤٦ - ٢٤٧ / ٧٣١ ، الاستبصار ٢ : ١٠٨ / ٣٥٤.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٦.

(٦) الانتصار : ٧٠ - ٧١.

(٧) الكافي ٤ : ١٢٣ - ١٢٤ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٩٨ / ٤٣٩ ، التهذيب ٤ : ٢٤٨ / ٧٣٥ الاستبصار ٢ : ١٠٩ / ٣٥٦.

١٧٧

ب - لو كان له أولاد ذكور في سنّ واحد ، قضوا بالحَصِص ، فإن قام بالجميع بعضهم ، سقط عن الباقين.

ج - لو لم يكن له ولد ذكر وكان له إناث ، سقط القضاء ، ووجب الصدقة ، وكذا لو لم يكن له ولي. ولو كان له أولاد ذكور وإناث ، وكان الأكبر اُنثى ، وجب القضاء على أكبر الذكور.

د - لو تعدّد الولي ، قضوا بالحصص ، فإن انكسر العدد ، فاليوم المنكسر واجب عليهم على الكفاية ، كما لو كانوا ثلاثة في سنّ واحد وعليه أربعة.

ه- يجوز اتّحادهم في الزمان ، فلو فاته يومان مثلاً وله ولدان فصاما معاً يوماً واحداً ، كفاهما عن اليومين.

و - لو صام أجنبي عن الميت بغير قول الولي ، سقط الصوم عن الميت والولي معاً ، وإن صام بأمر الولي ، فالأقرب : الإِجزاء.

وللشافعي فيه وجهان(١) .

وكذا يجوز للولي أن يستأجر عنه مَنْ يصوم.

ز - قال الشيخ : كلّ صوم واجب على المريض بأحد الأسباب الموجبة ، كاليمين والنذر والعهد ، إذا مات مَنْ وجب عليه مع إمكان القضاء ولم يقضه ، وجب على وليّه القضاء عنه أو الصدقة(٢) .

وكذا يجب عليه قضاء ما فاته من صلاة.

ح - قال الشيخرحمه‌الله : لو وجب عليه صيام شهرين متتابعين ثم مات ، تصدّق عنه من مال الميت عن شهر ، وقضى وليّه شهراً آخر(٣) ؛ تخفيفاً

____________________

(١) المجموع ٦ : ٣٦٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٩ ، والوجهان في الشرطية الاُولى لا الثانية.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٦.

(٣) النهاية : ١٥٨.

١٧٨

عن الوليّ.

ولو وجب عليه شهران على التعيين فكذلك ، خلافاً لبعض(١) علمائنا.

ولو كان على التخيير ، مثل كفّارة رمضان ، تخيّر الوليّ بين الصوم والصدقة من مال الميت من الأصل أو بعض من الأصل ؛ لأنّ الصوم وجب على التخيير ، وخرج الميت عن أهلية التخيير ، فيكون للولي.

ولا فرق بين أنواع المرض في ذلك.

مسألة ١١٢ : قال الشيخرحمه‌الله : حكم المرأة حكم الرجل‌ في أنّ ما يفوتها في زمن الحيض أو السفر أو المرض لا يجب على أحد القضاء عنها ولا الصدقة ، إلّا إذا تمكّنت من قضائه وأهملته؛ فإنّه يجب على وليّها القضاء أو الصدقة ، على ما مرّ في الرجل سواء(٢) . وهو قول أكثر العامّة(٣) .

وأنكر ابن إدريس ذلك(٤) .

وليس بشي‌ء ؛ لما رواه أبو بصير - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن امرأة [ مرضت في رمضان ](٥) وماتت في شوّال ، فأوصتني أن أقضي عنها ، قال : « هل برئت من مرضها؟ » قلت : لا ، ماتت ؛ قال : « لا تقض عنها ، فإنّ الله لم يجعله عليها » قلت : فإنّي أشتهي أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك ؛ قال : « وكيف تقضي شيئاً لم يجعله الله عليها!؟ فإن اشتهيت أن تصوم لنفسك فصُمْ »(٦) استفسرهعليه‌السلام عن حصول البرء أوّلاً ، ولو لم يجب القضاء مع البُرْء ، لم يكن للسؤال معنى.

لا يقال : إنّه قد حصلت الوصية ، فجاز أن يكون الوجوب بسببها.

____________________

(١) وهو ابن إدريس في السرائر : ٩١.

(٢) النهاية : ١٥٨ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٦.

(٣) المغني ٣ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٩١ ، المجموع ٦ : ٣٦٨.

(٤) السرائر : ٩١.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية : صامت. وما أثبتناه من المصدر.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٤٨ / ٧٣٧ ، الإستبصار ٢ : ١٠٩ / ٣٥٨.

١٧٩

لأنّا نقول : الوصية لا تقتضي الوجوب ، أمّا مع عدم القبول : فظاهر ، وأمّا معه : فلأنّه راجع إلى الوعد.

مسألة ١١٣ : قد بيّنّا أنّ المسافر لا يجوز له صوم رمضان في السفر‌ ولا غيره من الواجبات إلّا ما استثني ، بل يجب عليه الإِفطار والقضاء مع حضور البلد ، أو نيّة الإِقامة عشرة أيام في غيره ، أو إقامة ثلاثين يوماً ، فإن مات المسافر بعد تمكّنه من القضاء ، وجب أن يقضى عنه ، كما تقدّم.

ولو مات في سفره ولم يتمكّن من القضاء ، فللشيخ في وجوب القضاء عنه قولان :

أحدهما : عدم الوجوب ؛ لأنّه لم يستقرّ في ذمته الأداء ولا القضاء ؛ لأنّ معنى الاستقرار فيه أن يمضي زمان يتمكّن فيه من القضاء ويُهْمِل(١) .

والثاني : وجوب القضاء(٢) ، لقول الصادقعليه‌السلام ، في الرجل يسافر في رمضان فيموت ، قال: « يقضى عنه ، وإن امرأة حاضت في رمضان فماتت ، لم يُقْض عنها ، والمريض في رمضان لم يصح حتى مات لا يقضى عنه »(٣) .

ولا بأس به. والفرق : أنّ المرض حصل العذر فيه من قِبَل الله تعالى ، وكذا الحيض ، أمّا السفر فمن المكلّف.

مسألة ١١٤ : يجوز الإِفطار قبل الزوال في قضاء رمضان‌ ، لعدم تعيين زمانه.

ولأنّه محلّ تجديد النيّة ، وكلّ وقت يجوز فيه تجديد نيّة الصوم يجوز فيه الإِفطار.

ولا يجوز بعد الزوال ؛ لأنّه قد استقرّ له الوجوب بمضيّ أكثر الزمان في‌

____________________

(١) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣١٥ ، وراجع : ٢ الخلاف ٢ : ٢٠٧ - ٢٠٨ ، المسألة ٦٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٤٩ ذيل الحديث ٧٣٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٤٩ / ٧٤٠.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333