تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333
المشاهدات: 217308
تحميل: 4870


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 217308 / تحميل: 4870
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 6

مؤلف:
ISBN: 964-5503-46-9
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والمحرّم ثلاثة متواليات ، ألا وهذا الشهر المفروض ، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، وإذا خفي الشهر فأتمّوا العدّة شعبان ثلاثين ، [ و ](١) صوموا الواحد وثلاثين »(٢) .

مسألة ٨٤ : ولا اعتبار بغيبوبة القمر بعد الشفق‌ ؛ لقولهعليه‌السلام : ( الصوم للرؤية والفطر للرؤية)(٣) .

ولأصالة براءة الذمة.

وقال بعض مَن لا يعتد به : إن غاب بعد الشفق فهو للّيلة الماضية ، وإن غاب قبله فهو لليلته(٤) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلته ، وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين »(٥) .

ونمنع صحة سنده. ونعارضه بالأحاديث الدالّة على حصر الطريق في الرؤية والشهادة ومضيّ الثلاثين.

قال الشيخرحمه‌الله : هذا إنّما يكون أمارةً على اعتبار دخول الشهر إذا كانت السماء مغيّمةً ، فجاز اعتباره في الليلة المستقبلة بالغيبوبة قبل الشفق وبتطوّق الهلال ، فأمّا مع زوال العلّة فلا(٦) .

إذا ثبت هذا ، فلا يجوز التعويل أيضاً على تطوّق الهلال.

وفي رواية عن الصادقعليه‌السلام : « إذا تطوّق الهلال فهو لليلتين »(٧) .

____________________

(١) زيادة من المصدر.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦١ / ٤٥٤.

(٣) سنن النسائي ٤ : ١٣٦ نحوه.

(٤) قال به الصدوق في المقنع : ٥٨.

(٥) الكافي ٤ : ٧٧ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٧٨ / ٣٤٣ ، التهذيب ٤ : ١٧٨ / ٤٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٧٥ / ٢٢٨.

(٦) التهذيب ٤ : ١٧٨ - ١٧٩.

(٧) الكافي ٤ : ٧٨ / ١١ ، الفقيه ٢ : ٧٨ / ٣٤٢ ، التهذيب ٤ : ١٧٨ / ٤٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٧٥ / ٢٢٩.

١٤١

ونمنع صحة سندها.

مسألة ٨٥ : لا اعتبار بعدِّ خمسة أيام من الماضية(١) ؛ عملاً بالأصل ، وما تقدّم من الأحاديث الدالّة على العمل بالرؤية أو مضيّ ثلاثين ، فعلى هذا لو غمّ هلال الشهور كلّها ، عدّ كلّ شهر ثلاثين يوماً.

وقد روى عمران الزعفراني عن الصادقعليه‌السلام : قلت له : إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة لا نرى(٢) السماء ، فأيّ يوم نصوم؟

قال : « اُنظر(٣) اليوم الذي صُمت من السنة الماضية ، وصُم يوم الخامس »(٤) .

وسأل عمران أيضاً ، الصادقعليه‌السلام : قلت : إنّما نمكث في الشتاء اليوم واليومين لا نرى سماءً ولا نجماً ، فأيّ يوم نصوم؟ قال : « اُنظر(٥) اليوم الذي صُمت من السنة الماضية ، وعدّ خمسة أيام ، وصُم يوم الخامس »(٦) .

والأول مرسل. وفي طريق الثاني : سهل بن زياد ، وهو ضعيف مع أنّ عمران الزعفراني مجهول.

ولو قيل بذلك بناءً على العادة القاضية بعدم تمامية شهور السنة بأسرها ، كان وجهاً.

ولو غُمّ هلال رمضان وشعبان ، عدّدنا رجب ثلاثين ، وكذا شعبان ، فإن غُمّت الأهلّة بأسرها ، فالأقرب : الاعتبار برواية الخمسة بناء على العادة ، وهو‌

____________________

(١) أي : السنة الماضية.

(٢) في « ن » : لا ترى.

(٣ و ٥) في جميع النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، وفي الطبعة الحجرية : أفطر. وما أثبتناه - وهو الصحيح - من المصادر.

(٤) الكافي ٤ : ٨٠ / ١ ، التهذيب ٤ : ١٧٩ / ٤٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٧٦ / ٢٣٠.

(٦) الكافي ٤ : ٨١ / ٤ ، التهذيب ٤ : ١٧٩ / ٤٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٧٦ / ٢٣١.

١٤٢

اختيار الشيخ في المبسوط(١) .

وأكثر علمائنا قالوا : تعدّ(٢) الشهور ثلاثين ثلاثين(٣) .

مسألة ٨٦ : لو كان بحيث لا يعلم الأهلّة ، كالمحبوس ، أو اشتبهت عليه الشهور ، كالأسير مع الكفّار‌ إذا لم يعلم الشهر ، وجب عليه أن يجتهد ويُغلّب على ظنّه شهراً أنّه من رمضان ، فإن حصل الظنّ بنى عليه.

ثم إن استمرّ الاشتباه ، أجزأه إجماعاً - إلّا من الحسن بن صالح بن حي(٤) - لأنّه أدّى فرضه باجتهاده ، فأجزأه ، كما لو ضاق الوقت واشتبهت القبلة.

وإن لم يستمرّ ، فان اتّفق وقوع الصوم في رمضان ، أجزأه إجماعاً ، إلّا من الحسن بن صالح بن حي ؛ فإنّه قال : لا يجزئه(٥) .

وهو غلط ؛ لأنّه أدّى العبادة باجتهاده ، فإذا وافق الإِصابة أجزأه ، كالقبلة إذا اشتبهت عليه.

ولأنّه مكلّف بالصوم إجماعاً ، والعلم غير ممكن ، فتعيّن الظنّ.

احتجّ : بأنّه صامه على الشك ، فلا يجزئه ، كما إذا صام يوم الشك ثم بان أنّه من رمضان(٦) .

والفرق : أنّ يوم الشك لم يضع الشارع الاجتهاد طريقاً اليه.

وإن وافق صومه بعد رمضان ، أجزأه أيضاً عند عامّة العلماء(٧) ، إلّا الحسن بن صالح بن حي ، فإنّه قال : لا يجزئه(٨) .

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٨.

(٢) في « ن » : بدل تعدّ : بعدّ.

(٣) منهم : المحقق في شرائع الإِسلام ١ : ٢٠٠.

(٤) المغني ٣ : ١٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢.

(٥) المجموع ٦ : ٢٨٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٤ ، المغني ٣ : ١٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢.

(٦) كما في المغني ٣ : ١٠١ ، والشرح الكبير ٣ : ١٢ ، والمجموع ٦ : ٢٨٥.

(٧ و ٨ ) المغني ٣ : ١٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢.

١٤٣

وليس بجيّد ؛ لأنّه أدّى العبادة في أحد وقتيها - أعني وقت القضاء - فأجزأه ، كما لو فعلها في الوقت الآخر ، وهو وقت الأداء ، وكما لو دخل الوقت وهو متلبّس بالصلاة.

ولأنّ عبد الرحمن بن أبي عبد الله سأل الصادقعليه‌السلام : الرجل أسرته الروم ، ولم يَصُم شهر رمضان ، ولم يَدر أيّ شهر هو ، قال : « يصوم شهراً يتوخّاه ، ويحسب ، فإن كان الشهر الذي صامه قبل رمضان لم يجزئه ، وإن كان بعده أجزأه »(١) .

وإن وافق صومه قبل رمضان ، لم يجزئه عند علمائنا - وبه قال أبو ثور ومالك وأحمد والشافعي في أحد القولين(٢) - لأنّه فعل العبادة قبل وقتها ، فلا يقع أداء ولا قضاء ، فلم يجزئه ، كالصلاة يوم الغيم.

ولرواية عبد الرحمن ، وقد تقدّمت(٣) .

والثاني للشافعي : الإِجزاء ، لأنّه فعل العبادة قبل وقتها مع الاشتباه فأجزأه ، كما لو اشتبه يوم عرفة فوقف قبله(٤) .

ونمنع حكم الأصل.

مسألة ٨٧ : لو لم يغلب على ظنّ الأسير شهر رمضان ، لزمه أن يتوخّى شهراً ويصومه‌ ويتخيّر فيه - وبه قال بعض الشافعية(٥) - لأنّه مكلّف بالصوم ، وقد فقد العلم بتعيّن الوقت ، فسقط عنه التعيين ، ووجب عليه الصوم في شهر‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٨٠ / ١ ، الفقيه ٢ : ٧٨ / ٣٤٦ ، التهذيب ٤ : ٣١٠ / ٩٣٥.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، المغني ٣ : ١٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٣ ، فتح العزيز ٦ : ٣٣٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢١.

(٣) تقدّمت آنفاً.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٣ ، فتح العزيز ٦ : ٣٣٨ ، المغني ٣ : ١٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢ - ١٣.

(٥) المجموع ٦ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٤.

١٤٤

يتوخّاه ، كما لو فاته الشهر مع علمه ولم يصمه ، فإنّه يسقط عنه التعيين ، ويتوخّى شهراً يصومه للقضاء ، وكما لو اشتبهت القبلة وضاق الوقت.

ولرواية عبد الرحمن(١) .

وقال بعض الشافعية : لا يلزمه ذلك ؛ لأنّه لم يعلم دخول شهر رمضان ولا ظنّه ، فلا يلزمه الصيام ، كما لو شك في دخول وقت الصلاة ، فإنّه لا يلزمه الصلاة(٢) .

والفرق ظاهر ؛ لتمكّنه من العلم بوقت الصلاة بالصبر.

ولو وافق بعضه الشهر دون بعض ، صحّ ما وافق الشهر وما بعده دون ما قبله.

ولو وافق صومه شوّال ، لم يصحّ صوم يوم العيد ، وقضاه ، وكذا ذو الحجّة.

وإذا توخّى شهراً ، فالأولى وجوب التتابع فيه وإن كان له أن يصوم قبله وبعده.

وإذا وافق صومه بعد الشهر ، فالمعتبر صوم أيام بعدّة ما فاته ، سواء وافق ما بين هلالين أم لا ، وسواء كان الشهران تامّين أو أحدهما أو ناقصين.

نعم لو كان رمضان تاماً ، فتوخّى شهراً ناقصاً ، وجب عليه إكمال يوم.

وقال بعض الشافعية : إذا وافق شهراً بين هلالين ، أجزأه مطلقاً ، وإن لم يوافق ، لزمه صوم ثلاثين وإن كان رمضان ناقصاً ، لأنّه لو نذر صيام شهر أجزأه عدّه بين هلالين وإن كان ناقصاً(٣) .

وهو خطأ ؛ لأنّه يلزم قضاء ما ترك ، والاعتبار بالأيام ؛ لقوله تعالى :

____________________

(١) تقدمت في المسألة السابقة.

(٢) المجموع ٦ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٤‌

(٣) لم نقف عليه في كتب الشافعية ، ونسب هذا القول في المغني ٣ : ١٠٢ ، والشرح الكبير ٣ : ١٣ ، الى ظاهر كلام الخرقي من الحنابلة ، فلاحظ.

١٤٥

( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (١) .

والإِجزاء في النذر ؛ لأنّ اسم الشهر يتناوله ، أمّا هنا فالواجب عدد ما فات من الأيام.

ولو صام شوّالاً وكان ناقصاً ورمضان ناقص أيضاً ، لزمه يوم عوض العيد.

وقال بعض الشافعية : يلزمه يومان(٢) . وليس بجيّد.

وإذا صام على سبيل التخمين من غير أمارة ، لم يجب القضاء ، إلّا أن يوافق قبل رمضان.

ولو صام تطوّعاً ، فبان أنّه رمضان ، فالأقرب : الإِجزاء - وبه قال أبو حنيفة(٣) - لأنّ نية التعيين ليست شرطاً ، وكما لو صام يوم الشك بنيّة التطوّع وثبت أنّه من رمضان.

وقال الشافعي : لا يجزئه. وبه قال أحمد(٤) .

مسألة ٨٨ : وقت وجوب الإِمساك هو طلوع الفجر الثاني بإجماع العلماء‌.

قال الله تعالى( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) (٥) .

ويجوز له الأكل والشرب الى أن يطلع الفجر.

وأمّا الجماع فيجوز الى أن يبقى للطلوع مقدار الغسل.

ويجب الاستمرار على الإِمساك إلى غروب الشمس الذي تجب به صلاة المغرب.

ولو اشتبه عليه الغيبوبة ، وجب عليه الإِمساك ، ويستظهر حتى يتيقّن ،

____________________

(١) البقرة : ١٨٤ و ١٨٥.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) المغني ٣ : ١٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤.

(٤) المغني ٣ : ١٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤.

(٥) البقرة : ١٨٧.

١٤٦

لأصالة البقاء.

ويستحب له تقديم الصلاة على الإِفطار ، إلّا أن يكون هناك مَن ينتظره للإِفطار ، فيقدِّم الإِفطارَ معهم على الصلاة.

سئل الصادقعليه‌السلام عن الإِفطار قبل الصلاة أو بعدها؟ قال : « إن كان معه قوم يخشى أن يحسبهم عن عشائهم فليفطر معهم ، وإن كان غير ذلك فليصلّ وليفطر »(١) .

البحث الثاني: في شرائطه.

وهي قسمان :

الأول : شرائط الوجوب‌

مسألة ٨٩ : يشترط في وجوب الصوم : البلوغ وكمال العقل‌ ، فلا يجب على الصبي ولا المجنون ولا المغمى عليه إجماعاً ، إلّا في رواية عن أحمد : أنّه يجب على الصبي الصوم إذا أطاقه(٢) ، وبه قال عطاء والحسن وابن سيرين والزهري وقتادة والشافعي(٣) .

وقال الأوزاعي : إذا أطاق صوم ثلاثة أيام متتابعات لا يخور(٤) منهن ولا يضعف ، حُمّل(٥) صوم رمضان(٦) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٠١ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٨١ / ٣٦٠ ، التهذيب ٤ : ١٨٥ - ١٨٦ / ٥١٧.

(٢) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥.

(٣) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٢.

(٤) خار الحرّ والرجل : ضعف وانكسر. الصحاح ٢ : ٦٥١.

(٥) في جميع النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية : حل. وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٦) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥.

١٤٧

وقد تقدّم(١) بطلانه.

فلو بلغ الصبي قبل الفجر ، وجب عليه الصوم إجماعاً ، ولو كان بعد الفجر ، لم يجب ، واستحبّ له الإِمساك ، سواء كان مفطراً أو صائماً بلغ بغير المفطر ، ولا يجب عليه القضاء ؛ لقولهعليه‌السلام : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى ينتبه )(٢) .

وقال(٣) : يجب عليه الإِمساك ، ولا يجب عليه القضاء ، لأنّ نية صوم رمضان حصلت ليلاً ، فيجزئه كالبالغ.

ولا يمتنع أن يكون أول الصوم نفلاً وباقية فرضاً ، كما لو شرع في صوم يوم تطوّعاً ثم نذر إتمامه.

وقال بعض الحنابلة : يلزمه القضاء ؛ لأنّه عبادة بدنية بلغ في أثنائها بعد مضيّ بعض أركانها ، فلزمه إعادتها ، كالصلاة والحجّ إذا بلغ بعد الوقوف.

وهذا لأنّه ببلوغه يلزمه صوم جميعه ، والماضي قبل بلوغه نفل ، فلم يجزئ عن الفرض ، ولهذا لو نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم والناذر صائم ، لزمه القضاء(٤) .

وأمّا ما مضى من الشهر قبل بلوغه فلا قضاء عليه ، وسواء كان قد صامه أو أفطره في قول عامة أهل العلم(٥) .

____________________

(١) تقدم في المسألة ٥٧.

(٢) أورده ابن قدامة في المغني ٣ : ٩٤ بتفاوت يسير.

(٣) كذا في جميع النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، وفي الطبعة الحجرية. وفي المعتبر للمحقّق الحلّي : ٣١٢ ، والمنتهى للمصنّف : ٥٩٦ : قال أبو حنيفة. وفي المغني ٣ : ٩٥ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦ : قال القاضي : يتمّ صومه ولا قضاء عليه ؛ مع اتّفاق الدليل المذكور لما في المغني والشرح الكبير ، فلا حظ.

وقد وافق الحكم رأي الأحناف كما في الجامع الصغير للشيباني : ١٣٩ ، والهداية للمرغيناني ١ : ١٢٧ ، والنتف ١ : ١٤٩ ، والاختيار لتعليل المختار ١ : ١٧٧.

(٤) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦.

(٥) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧.

١٤٨

وقال الأوزاعي : يقضيه إن كان أفطره وهو مطيق لصيامه(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه زمن مضى في حال صباه ، فلم يلزمه قضاء الصوم فيه ، كما لو بلغ بعد انسلاخ رمضان.

وإن بلغ الصبي وهو مفطر ، لم يلزمه إمساك ذلك اليوم ولا قضاؤه.

وعن أحمد روايتان في وجوب الإِمساك والقضاء(٢) .

وقال الشافعي : إن كان أفطر ، استحبّ له الإِمساك ، وفي القضاء قولان.

وإن كان صائماً فوجهان : أحدهما : يتمّه استحباباً ، ويقضيه وجوباً ؛ لفوات نية التعيين. والثاني : يتمّه وجوباً ، ويقضيه استحباباً(٣) .

مسألة ٩٠ : العقل شرط في الصوم‌ ، فلا يجب على المجنون بالإِجماع ، وللحديث(٤) .

ولو أفاق في أثناء الشهر ، وجب عليه صيام ما بقي إجماعاً ، ولا يجب عليه قضاء ما فات حال جنونه - وبه قال أبو ثور والشافعي في الجديد ، وأحمد(٥) - لأنّه معنى يزيل التكليف ، فلم يجب القضاء في زمانه كالصغر.

وقال مالك والشافعي في القديم ، وأحمد في رواية : يجب قضاء ما فات وإن مضى عليه سنون ، لأنّه معنى يزيل العقل ، فلم يمنع وجوب الصوم كالإِغماء(٦) .

والأصل ممنوع.

وقال أبو حنيفة : إن جُنّ جميع الشهر ، فلا قضاء عليه ، وإن أفاق في‌

____________________

(١ و٢ ) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ و ١٧٥.

(٤) تقدم الحديث مع الإِشارة إلى مصادره في المسألة السابقة (٨٩).

(٥) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٤.

(٦) المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ ، المجموع ٦ : ٢٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣.

١٤٩

أثنائه ، قضى ما مضى(١) .

ولو تجدّد الجنون في أثناء النهار ، بطل صوم ذلك اليوم.

ولو أفاق قبل طلوع الفجر ، وجب عليه صيامه إجماعاً ، وإن أفاق في أثنائه ، أمسك بقية النهار استحباباً لا وجوباً ، وحكم المغمى عليه حكم المجنون.

مسألة ٩١ : الإِسلام شرط في صحة الصوم لا في وجوبه‌.

ولو أسلم في أثناء الشهر ، وجب عليه صيام الباقي دون الماضي - وبه قال الشعبي وقتادة ومالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي(٢) - لقولهعليه‌السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله)(٣) .

وقال عطاء : يجب عليه قضاؤه(٤) . وعن الحسن كالمذهبين(٥) .

وهو غلط ، إلّا أن يكون مرتدّاً ، فيجب عليه القضاء إجماعاً.

واليوم الذي يُسْلم فيه إن كان إسلامه قبل طلوع فجره ، وجب عليه صيامه ، وإن كان بعده ، أمسك استحبابا ، لأنّ عيص بن القاسم روى - في الصحيح - أنّه سأل الصادقعليه‌السلام عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام ، هل عليهم أن يقضوا ما مضى أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ قال : « ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلّا أن يكونوا أسلموا(٦) قبل طلوع الفجر »(٧) .

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٥٤ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣.

(٢) المغني ٣ : ٩٥ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٩.

(٣) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ و ٢٠٤ بتفاوت.

(٤ و ٥ ) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦.

(٦) في الطبعة الحجرية والفقيه زيادة : « فيه ».

(٧) الكافي ٤ : ١٢٥ ( باب من أسلم في شهر رمضان ) الحديث ٣ ، الفقيه ٢ : ٨٠ / ٣٥٧ التهذيب ٤ : ٢٤٥ - ٢٤٦ / ٧٢٨ ، الاستبصار ٢ : ١٠٧ / ٣٤٩.

١٥٠

وقال أحمد : يجب عليه إمساكه - وبه قال إسحاق - لأنّه أدرك جزءاً من وقت العبادة فلزمته ، كما لو أدرك جزءاً من وقت الصلاة(١) .

والأصل ممنوع. ووافقنا مالك وأبو ثور وابن المنذر.

ولو طرأ الكفر في آخر النهار ، بطل الصوم.

مسألة ٩٢ : السلامة من المرض شرط في الصحة‌ ، فلو كان المريض يتضرّر بالصوم ، لم يصح منه.

وحدّ المرض الذي يجب معه الإِفطار : ما يزيد في مرضه لو صام ، أو يتباطأ البُرء معه لو صام عند أكثر العلماء.

وحكي عن قوم لا عبرة بهم : إباحة الفطر بكلّ مرض ، سواء زاد في المرض أو لم يزد ، لعموم قوله تعالى( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ) (٢) (٣) .

وهو مخصوص ، كتخصيص السفر بالطاعة ، وقد سئل الصادقعليه‌السلام عن حدّ المرض الذي يفطر صاحبه ، والمرض الذي يدع صاحبه الصلاة(٤) ، فقال( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) (٥) وقال : « ذلك اليه هو أعلم بنفسه »(٦) .

وكلّ الأمراض مساوية في هذا الحكم ، سواء كان وجع الرأس أو حُمى ولو حُمّى يوم ، أو رمد العين وغير ذلك ، فإن صامه مع حصول الضرر به ، لم يجزئه ، ووجب عليه القضاء ، لأنّه منهي عنه ، والنهي في العبادة(٧) يدلّ على الفساد ؛ لقوله تعالى :( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ

____________________

(١) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦.

(٢) البقرة : ١٨٤.

(٣) المغني ٣ : ٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨.

(٤) في الكافي والاستبصار زيادة : قائماً. وفي التهذيب : من قيام.

(٥) القيامة : ١٤.

(٦) الكافي ٤ : ١١٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٥٦ / ٧٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١١٤ / ٣٧١.

(٧) في الطبعة الحجرية : العبادات.

١٥١

عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (١) والتفصيل قاطع للشركة.

وقال بعض العامة : إذا تكلّف ، صحّ صومه وإن زاد في مرضه وتضرّر به(٢) . وليس بجيّد.

أمّا الصحيح الذي يخشى المرض بالصوم ، فإنّه لا يباح له الإِفطار. وكذا لو كان عنده شهوة غالبة للجماع يخاف أن تنشقّ اُنثياه.

ولو خافت المستحاضة من الصوم التضرّر ، أفطرت ؛ لأنّ الاستحاضة مرض.

ولو جَوّزنا لصاحب الشبق المضرّ به ، الإِفطار ، وأمكنه استدفاع ذلك بما لا يبطل منه الصوم، وجب عليه ذلك.

فإن لم يمكنه إلّا بإفساد الصوم ، فإشكال ينشأ : من تحريم الإِفطار لغير سبب ، ومن مراعاة مصلحة بقاء النفس على السلامة ، كالحامل والمرضع ، فإنّهما يفطران خوفاً على الولد ، فمراعاة النفس أولى.

ولو كان له امرأتان : حائض وطاهر ، واضطرّ الى وطء إحداهما ، وجوّزنا له ذلك ، فالوجه وطء الطاهر ؛ لأنّ الله تعالى حرّم وطء الحائض(٣) .

وقال بعض العامة : يتخيّر. وليس شيئاً.

وكذا لو أمكنه استدفاع الأذى بفعل محرَّم كالاستمناء باليد ، لم يجز ، خلافاً لبعضهم(٤) .

مسألة ٩٣ : الإِقامة أو حكمها شرط في الصوم الواجب عدا ما استثني‌ ، فلا يجب الصوم على المسافر سفراً مخصوصاً بإجماع العلماء.

____________________

(١) البقرة : ١٨٥.

(٢) المغني ٣ : ٨٨ - ٨٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨ - ١٩.

(٣) البقرة : ٢٢٢.

(٤) المغني ٣ : ٨٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩.

١٥٢

قال الله تعالى( وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (١) والتفصيل قاطع للشركة ، فكما أنّ الحاضر يلزمه الصوم فرضا لازماً ، كذا المسافر يلزمه القضاء فرضاً مضيّقاً ، وإذا وجب عليه القضاء مطلقا ، سقط عنه فرض الصوم.

وروى العامة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( إنّ الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة )(٢) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن قوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٣) قال : « ما أبينها من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فلو صام المسافر في سفره المبيح للقصر ، لم يجزئه إن كان عالماً عند علمائنا أجمع ، وكان مأثوماً - وبه قال أبو هريرة وستّة من الصحابة ، وأهل الظاهر(٥) . قال أحمد : كان عمر وأبو هريرة يأمران المسافر بإعادة ما صامه في السفر(٦) . وروى الزهري عن أبي سلمة عن أبيه عبد الرحمن بن عوف ، أنّه قال : الصائم في السفر كالمفطر في الحضر(٧) - لقوله تعالى( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٨) أوجب عدّةً من أيام اُخر ، فلم يجز صوم‌

____________________

(١) البقرة : ١٨٥.

(٢) سنن النسائي ٤ : ١٨١ و ١٨٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٩٤ - ٧١٥ ، سنن البيهقي ٣ : ١٥٤ ، ومسند أحمد ٥ : ٢٩.

(٣) البقرة : ١٨٥.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٦ ( باب كراهية الصوم في السفر ) الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ٩١ / ٤٠٤ ، التهذيب ٤ : ٢١٦ / ٦٢٧.

(٥) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩ ، المحلّى ٦ : ٢٤٣ ، المجموع ٦ : ٢٦٤ والخلاف للشيخ الطوسي ٢ : ٢٠١ ، المسألة ٥٣ ، والمعتبر للمحقق الحلّي : ٣١٢.

(٦) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩.

(٧) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩ ، وسنن النسائي ٤ : ١٨٣.

(٨) البقرة : ١٨٤ و ١٨٥.

١٥٣

رمضان في السفر.

وما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( ليس من البر الصيام في السفر )(١) .

وقالعليه‌السلام : ( الصائم في السفر كالمفطر في الحضر )(٢) .

وأفطرصلى‌الله‌عليه‌وآله في السفر ، فلمـّا بلغه أنّ قوماً صاموا ، قال : ( اُولئك العصاة )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « لو أنّ رجلاً مات صائماً في السفر ما صلّيت عليه »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « الصائم في شهر رمضان في السفر كالمفطر فيه في الحضر »(٥) .

وقال باقي العامة : إنّ صومه جائز(٦) . واختلفوا في الأفضل.

فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي والثوري وأبو ثور : إنّ الصوم في السفر أفضل من الإِفطار(٧) .

____________________

(١) المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٣٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٢ / ١٦٦٤ و ١٦٦٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٧ - ٢٤٠٧ ، سنن النسائي ٤ : ١٧٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٢.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٢ / ١٦٦٦ بتفاوت.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٥ / ١١١٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٨٩ - ٩٠ / ٧١٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٦.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٨ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٩١ / ٤٠٥ ، التهذيب ٤ : ٢١٧ / ٦٢٩.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٧ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٩٠ / ٤٠٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٧ / ٦٣٠.

(٦) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩ ، المجموع ٦ : ٢٦٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٥ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٥٩ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٧٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢١.

(٧) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٦ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٧٦ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٥٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٠١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦١ و ٢٦٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٢٩.

١٥٤

وقال أحمد والأوزاعي وإسحاق : الإِفطار أفضل - وبه قال عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر(١) - لما روت عائشة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لحمزة الأسلمي وقد سأله عن الصوم في السفر : ( إن شئت فصم وإن شئت فأفطر )(٢) .

وقال أنس : سافرنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فصام بعضنا وأفطر بعضنا ، فلم يَعِبِ الصائمُ على المـُفطر ولا المـُفطرُ على الصائم(٣) .

ولأنّ الإِفطار في السفر رخصة ، ومن رخص له الفطر جاز له أن يتحمّل المشقة بالصوم كالمريض.

والحديثان لو صحّا ، حملا على صوم النافلة ؛ جمعاً بين الأدلّة.

والتخيير ينافي الأفضلية وقد اتّفقوا على أفضلية أحدهما وإن اختلفوا في تعيينه.

ونمنع الحكم في المريض فيبطل(٤) القياس.

تذنيب : لو صام مع علمه بوجوب القصر ، كان عاصياً‌ ؛ لما تقدّم ، وتجب عليه الإِعادة ؛ لأنّه منهي عن الصوم ، والنهي في العبادة يدلّ على الفساد.

أمّا لو صام رمضان في السفر جاهلاً بالتحريم ، فإنّه يجزئه الصوم ، لأنّه معذور.

ولأنّ الحلبي سأل الصادقعليه‌السلام : قلت له : رجل صام في السفر ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠ ، المجموع ٦ : ٢٦٥ - ٢٦٦.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨٩ / ١١٢١ ، سنن الترمذي ٣ : ٩١ / ٧١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣١ / ١٦٦٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٨ - ٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٣.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٤٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨٧ / ١١١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٦ / ٢٤٠٥ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٤.

(٤) في « ط ، ن » : فبطل.

١٥٥

فقال : « إن كان بلغه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن ذلك ، فعليه القضاء ، وإن لم يكن بلغه ، فلا شي‌ء عليه »(١) وغير ذلك من الأخبار.

مسألة ٩٤ : وإنّما يترخّص المسافر إذا كان سفره سفر طاعة ، أو مباحاً‌ ، فإن كان سفر(٢) معصية أو لصيد لهو وبطر ، لم يجز له الإِفطار عند علمائنا أجمع ، لأنّ في رخصة الإِفطار إعانةً له على المعصية وتقوية له عليها.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « من سافر قصَّر وأفطر ، إلّا أن يكون رجلاً سفره في الصيد أو في معصية الله ، أو رسولاً لمن يعصي الله ، أو في طلب شحناء(٣) ، أو سعاية ضرر على قوم من المسلمين »(٤) .

وجاء رجلان الى الرضاعليه‌السلام بخراسان ، فسألاه عن التقصير ، فقال لأحدهما : « وجب عليك التقصير لأنّك قصدتني » وقال للآخر : « وجب عليك التمام لأنّك قصدت السلطان »(٥) .

إذا ثبت هذا فإنّما يجوز التقصير في مسافة القصر ، وهي : بريدان : ثمانية فراسخ ، لقول الصادقعليه‌السلام في التقصير : « حدّه أربعة وعشرون ميلاً »(٦) .

وسئل الصادقعليه‌السلام في كم يقصّر الرجل؟ فقال : « في بياض يوم أو بريدين »(٧) وقد تقدّم ذلك في كتاب الصلاة(٨) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٨ ( باب من صام في السفر بجهالة ) الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ٩٣ / ٤١٧ ، التهذيب ٤ : ٢٢٠ - ٢٢١ / ٦٤٣.

(٢) في « ف » والطبعة الحجرية : سفره.

(٣) الشحناء : العداوة. لسان العرب ١٣ : ٢٣٤.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٩ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٢٠ / ٦٤٠.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٢٠ / ٦٤٢ ، الاستبصار ١ : ٢٣٥ / ٨٣٨.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٢١ / ٦٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ / ٧٨٨.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٢٢ / ٦٥١ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ / ٧٨٩.

(٨) تقدم في ج ٤ ص ٣٦٩ المسألة ٦١٨.

١٥٦

وإنّما يجوز التقصير إذا قصد المسافة ، فالهائم لا يترخّص وإن سار أكثر من المسافة ، وقد تقدّم(١) .

ولو نوى المسافر الإِقامة في بلدة عشرة أيام ، وجب عليه التمام ، وانقطع سفره.

ومن كان سفره أكثر من حضره لا يجوز له الإِفطار ؛ لأنّ وقته مشغول بالسفر ، فلا مشقة له فيه.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « المكاري والجمّال الذي يختلف وليس له مقام ، يتمّ الصلاة ويصوم شهر رمضان »(٢) .

ولو أقام أحدهم في بلده عشرة أيام ، أو أقام العشرة في غير بلده مع العزم على إقامتها ، وجب عليهم التقصير إذا خرجوا بعد العشرة ، لأنّ بعض رجال يونس سأل الصادقعليه‌السلام عن حدّ المكاري الذي يصوم ويُتمّ ، قال : « أيّما مُكارٍ أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقلّ من مقام عشرة أيام وجب عليه الصيام والتمام أبداً ، وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير والإِفطار »(٣) .

ولو تردّد في السفر ولم يَنو المقام عشرة أيام ، وكان ممّن يجب عليه التقصير في السفر ، وجب عليه التقصير الى شهر ثم يتمّ بعد ذلك.

مسألة ٩٥ : شرائط قصر الصلاة هي شرائط قصر الصوم‌ ، لقول الصادقعليه‌السلام : « ليس يفترق التقصير والإِفطار ، فمن قصّر فليفطر »(٤) .

____________________

(١) تقدّم في ج ٤ ص ٣٧٤ المسألة ٦٢٢.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٨ ( باب من لا يجب له الإِفطار والتقصير ) الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢١٨ / ٦٣٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١٩ / ٦٣٩ ، الاستبصار ١ : ٢٣٤ / ٨٣٧.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٢٨ / ١٠٢١.

١٥٧

وهل يشترط تبييت النية من الليل؟ قال الشيخرحمه‌الله : نعم ، فلو بيّت نيته على السفر من الليل ثم خرج أيّ وقت كان من النهار ، وجب عليه التقصير والقضاء. ولو خرج بعد الزوال ، أمسك وعليه القضاء.

وإن لم يبيّت نيته من الليل ، لم يجز له التقصير ، وكان عليه إتمام ذلك اليوم ، وليس عليه قضاؤه أيّ وقت خرج ، إلّا أن يكون قد خرج قبل طلوع الفجر ، فإنّه يجب عليه الإِفطار على كلّ حال.

ولو قصّر ، وجب عليه القضاء والكفّارة(١) .

وقال المفيدرحمه‌الله : المعتبر خروجه قبل الزوال ، فإن خرج قبله ، لزمه الإِفطار ، فإن صامه ، لم يجزئه ، ووجب عليه القضاء ، ولو خرج بعد الزوال ، أتمّ ، ولا اعتبار بالنية. وبه قال أبو الصلاح(٢) .

وقال السيد المرتضىرحمه‌الله : يفطر ولو خرج قبل الغروب(٣) - وهو قول علي بن بابويه(٤) رحمه‌الله - ولم يعتبر التبييت.

والمعتمد : قول المفيدرحمه‌الله ؛ لقوله تعالى( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٥) وهو يتناول بعمومه من خرج قبل الزوال بغير نية.

ومن طريق العامة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج من المدينة عام‌

____________________

(١) النهاية : ١٦١ - ١٦٢ ، وحكاه أيضاً ابن إدريس في السرائر : ٨٩.

(٢) حكاه عنهما المحقق في المعتبر : ٣١٩ ، وعن المفيد ، ابن إدريس في السرائر : ٨٩ ، وراجع : المقنعة : ٥٦ ، والكافي في الفقه : ١٨٢.

(٣) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٥ - ٥٦ حيث قال : شروط السفر الذي يوجب الإِفطار ولا يجوز معه صوم شهر رمضان في المسافة وغير ذلك هي الشروط التي ذكرناها في كتاب الصلاة ، الموجبة لقصرها. وهو يشعر بما نسب اليه.

وحكاه عنه أيضاً الفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٣١٠.

(٤) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر : ٨٩ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٣١٠.

(٥) البقرة : ١٨٤.

١٥٨

الفتح ، فلمّا بلغ الى كُراع الغَمِيمِ(١) أفطر(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه الحلبي عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم ، قال : « إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ يومه »(٣) .

ولأنّه إذا خرج قبل الزوال ، صار مسافراً في معظم ذلك النهار ، فاُلحق بالمسافر في جميعه ، ولهذا اعتبرت النية فيه لناسيها ، وأمّا بعد الزوال فإنّ معظم النهار قد انقضى على الصوم ، فلا يؤثّر فيه السفر المتعقّب ، كما لم يعتدّ بالنية فيه.

احتجّ الشيخرحمه‌الله : بقول الكاظمعليه‌السلام في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال : « إذا حدّث نفسه بالليل في السفر ، أفطر إذا خرج من منزله ، وإن لم يحدّث نفسه من الليل ثم بدا له في السفر من يومه ، أتمّ صومه »(٤) .

وفي الطريق ضعف ، مع احتمال أن يكون عزم السفر تجدّد بعد الزوال.

احتجّ السيد : بقوله تعالى( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ ) (٥) وهو عام في صورة النزاع.

____________________

(١) كراع الغميم : موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة : وهو واد أمام عُسفان بثمانية أميال.

معجم البلدان ٤ : ٤٤٣.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٥ / ١١١٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٨٩ - ٩٠ / ٧١٠ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٤٦ نقلاً بالمعنى.

(٣) الكافي ٤ : ١٣١ / ١ ، الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤١٢ ، التهذيب ٤ : ٢٢٨ - ٢٢٩ / ٦٧١ ، الاستبصار ٢ : ٩٩ / ٣٢١.

(٤) الاستبصار ٢ : ٩٨ / ٣١٩ ، التهذيب ٤ : ٢٢٨ / ٦٦٩.

(٥) البقرة : ١٨٤.

١٥٩

وبما رواه عبد الأعلى في الرجل يريد السفر في شهر رمضان ، قال : « يفطر وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل »(١) .

والآية مخصوصة بالخبر الذي رويناه. والحديث ضعيف السند ومقطوع.

وأمّا العامة فنقول : المسافر عندهم لا يخلو من أقسام ثلاثة :

أحدها : أن يدخل عليه شهر رمضان وهو في السفر ، فلا خلاف بينهم في إباحة الفطر له(٢) .

الثاني : أن يسافر في أثناء الشهر ليلاً ، فله الفطر في صبيحة الليلة التي يخرج فيها وما بعدها في قول عامة أهل العلم(٣) .

وقال عبيدة السلماني وأبو مجلز وسويد بن غفلة : لا يفطر مَن سافر بعد دخول الشهر ؛ لقوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) وهذا قد شهده(٤) .

ولا حجّة فيها ؛ لأنّها متناولة لمن شهد الشهر كلّه ، وهذا لم يشهده كلّه.

ويعارض بما روى ابن عباس ، قال : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى بلغ الكديد(٥) فأفطر وأفطر الناس(٦) .

الثالث : أن يسافر في أثناء اليوم من رمضان ، فحكمه في اليوم الثاني حكم مَن سافر ليلاً.

وفي إباحة فطر اليوم الذي سافر فيه قولان :

أحدهما : أنّه لا يجوز له فطر ذلك اليوم - وهو قول مكحول والزهري ويحيى الأنصاري ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٢٩ / ٦٧٤ ، الإستبصار ٢ : ٩٩ - ١٠٠ / ٣٢٤.

(٤-٢) المغني ٣ : ٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١ ، والآية ١٨٤ من سورة البقرة.

(٥) الكديد : موضع بالحجاز على اثنين وأربعين ميلاً من مكة. معجم البلدان ٤ : ٤٤٢.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨٤ / ١١١٣.

١٦٠